رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني
الجزء الثالث من سورة البقرة
(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)
فما من شيء يحدث في هذا الكون إلا بمشيئة الله وما من أمر يحدث أبدًا خارج عن إرادته سبحانه وعن مشيئته لكن الإنسان فردًا كان أو جماعة أو شعبًا ما كان له أن يحتج على فعله بمشيئة الله سبحانه فليس له أن يقول لو شاء الله ما اقتتلت مع أخي الإنسان، لو شاء الله ما وقع لي النزاع ولا الصراع، فلا يحتج بمشيئته لأنه كإنسان نسبي محدود العلم لا يمكن له أن يعرف ما هي مشيئة الله عز وجل وإنما هو مخير في اختياره وفعله، هو مخير أن يختار الإيمان أو الكفر هو مخير أن يختار المنهج الذي يتعامل فيه مع الناس حين يختلف معهم، الاقتتال منهجية ما كان لها أن تحث بين الناس لو أن الناس قد اختاروا طريق الإيمان لو أن الناس قد قاموا بتنفيذ المنهج الرباني والتعاليم الربانية في واقع الحياة لو أنهم ساروا على منهج الأنبياء والرسل ما كان لذلك النزاع ولا لذاك الصراع أن يحدث. الصراع حدث من قبيل مخالفة المنهج الرباني في الواقع الإنسان فكان أمرًا طبيعيًا أن يحدث ذلك النزاع.
والجزء الثالث من سورة البقرة بأسره يتحدث عن المعاملات المالية ولكنه لا يخرج في حديثه عن المعاملات المالية عن منهج الإيمان، يصب في الإيمان فالإيمان بالله سبحانه وتعالى وتبيّن وحدة الاعتقاد والتصور في الشعور وتمثلها هي التي تعكس صدق وأمانة الإنسان في تعاملاته المالية. الجزء الثالث يتحدث كثيرًا عن تلك الأمانات وتلك التعاملات ويبدأ بذلك الخطاب المُحبَّب
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ )
الأمر بالإنفاق، لا يمكن للإيمان بالله سبحانه وتعالى أن يكون له صدى في قلب المؤمن وفي حياته دون أن يوثِّق ذلك الإيمان بالتصرفات، بالسلوك. والإنفاق وبذل المال الذي قد رزقك الله سبحانه وتعالى إياه وسائر المواهب وسائر القدرات وسائر القوى التي قد وهبك الله سبحانه وتعالى وأعطاك إنما هو من قبيل تصديق الإيمان بالفعل.
(أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم (254))
قد يرزقك الله علمًا، قد يرزقك الله قوة في الجسد، قد يرزقك الله عز وجل قوة في المقال، قد يرزقك الله سبحانه وتعالى قوة في منصب أو جاه، قد يعطيك الله موهبة معينة لا يمتلكها أحدٌ سواك.
عليك أولًا أن تستحضر أن كل ما لديك هو ليس من قبيل نفسك وإنما هو من قبيل رزق الله سبحانه وتعالى لك. والإنسان حين يستشعر أنه لا يمتلك شيئاً وأن الملك كله لله وأن الرزق كله لله وأن كل ما في يديك إنما هو من قبيل استخلاف الله عز وجل لذلك الإنسان حينها تبدأ تستقر مشاعر التواضع في سويداء قلبك. حينها يبدأ فعلًأ بتكريس مفهوم البذل والعطاء حينها يتخلص من الشحّ
(مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ)
استبق الخيرات استبق الأعمال استبق البذل والعطاء استبق القدرة التي تمتلكها فأنت الآن تملك قوة في الجسد على سبيل المثال ولكن ربما بعد ايام تتحول تلك القوة إلى ضعف فربي عز وجل سيسألك حينها ماذا فعلت بالقوة التي قد مُلّكت حين كنت تملكها لأنها قد أُخذت عنك. هذه المعاني العظيمة تشكل الدستور الأول في منظومة الإنفاق تشكل المعالم الأساسية.
تعليق