إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    التقوى غاية سورة الحج








    (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ )

    هذا الحضور الرائع المستمر المتواصل للتوحيد هو ما تبنيه سورة الحج في نفسي. سورة الحج تحيي معاني التوحيد في قلوبناـ التوحيد يقوى ويضعف أحياناً في قلوبنا التوحيد يزيد وينقص في قلوبنا بسلوكنا بتصرفاتنا، بميل قلوبنا في بعض الأحيان إلى البشر، بالاستعانة بالبشر دون الاستعانة بالخالق، بالوقوع في مأساة أن ألجأ إلى المخلوقين دون الخالق، بموالاة الخلق دون الخالق سبحانه، كل هذه الأنواع من الخلل إنما هي خلل في التوحيد خلل في العقيدة.



    قلة الثقة بالله سبحانه وتعالى كما ذكرنا في بعض اآيات، قلة إحسان الظن بالله سبحانه وتعالى، إساءة الظن بخالقي، عدم اليقين المطلق بالله عز وجل. كل هذه الأنواع من السلوكيات والتصرفات هي خلل في التوحيد هي خلل في العقيدة تصححه سورة الحج





    (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ).

    سورة الحج تعيد في التوحيد الحياة من جديد تعيد لي التوحيد الحقيقي تعيدني إلى الحنيفية السمحاء التي جاء بها إبراهيم أبو الأنبياء عليه السلام، سورة الحج توقظ في قلبي معاني التوحيد العظيمة



    وتأمل الآية التي تليها




    (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ )

    غاية الحج أن أعظّم شعائر الله سبحانه وتعالى، غاية الحج هي هذه.



    حُرمات الله أن أعظمها شيء عظيم ولكن الأعظم أن أعظّم شعائر الله عز وجل ودعونا نقف وقفة طويلة عند قوله سبحانه


    (فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)



    التقوى غاية سورة الحج، الغاية التي تبنيها في قلبي، الغاية التي تبنيها في نفسي.



    ولذا بيت الله الحرام وكل الشعائر المقدسة من مزدلفة إلى منى إلى عرفة كل هذه الشعائر مقدسة ليست لذاتها نحن لا نعظّم حجراً فتعظيم الحجر شركٌ بالله عز وجل ولكن نوع من أنواع الاحترام لهذه الشعائر إنما هو من تعظيم شعائر الله التي أمر الله عز وجل بتعظيمها إيماناً وانقياداً وخضوعاً وتسليماً لأمر الله سبحانه وتعالى.



    وتأملوا معي نحن في منى نرمي بالجمار نرمي بالحجارة، لماذا؟


    الله سبحانه وتعالى قد أمر بها، نبيه صلى الله عليه وسلم الذي وقف هذا الموقف وقال خذوا عني مناسككم رمى بهذه الحجارة، من رمى بهذه الحجارة بعد إبراهيم عليه السلام واقتداء به وسيراً على هديه. ولكن في نفس الوقت هناك الحجر الأسود الذي جعله الله في الكعبة الذي جعل الناس يطوفون حول الكعبة ويقفون عند هذا الحجر وأحياناً إن سنحت لهم الفرصة أن يقبّلوا هذا الحجر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فليفعلوا اقتداء بسيرة نبيهم عليه الصلاة والسلام وسيراً على هديه. ولنا أن نتساءل من الذي أمر بذلك الحجر الصغير أن يُرمى في الجمار ومن الذي أمر بهذا الحجر الأسود أن يُمسَح عليه ويُقبّل؟ من الذي أمر؟ هذا حجر وذاك حجر، لماذا هذا يُرمى ولماذا ذاك يُمسَح عليه ويُقبّل؟ تعظيم شعائر الله. أنا ليست القضية عندي قضية حجر، أبداً، وإلا تحولت إلى شِرك، القضية عندي قضية أوامر الله شعائر الله حُرُمات الله عز وجل، التعظيم للشعائر وليس للأشياء ولا للأحجار ولا للأماكن في حد ذاتها.

    تعليق


    • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

      أنواع التهاون من بعض المسلمين في مواسم الحج








      تأملوا معي في الدنيا كل الناس كل الشعوب في العالم اعتادت على أن تعظّم وتحترم قطعة قماش إنما هي تشكل علم هذه الدولة أو تلك والسؤال الذي يطرح نفسه هل القيمة الحقيقية هي في هذا القماش. في قطعة من القماش أم هي في رمزية هذا القماش؟ أم هي في القيمة التي تحملها هذه القطعة من القماش؟

      ولله المثل الأعلى، تعظيم شعائر الله عز وجل، إحترام أوامر الله سبحانه، إحترام هذه الأماكن المختلفة التي أمر الله سبحانه بالحفاظ على حرمتها بالحفاظ على قدسيتها إنما هو من تعظيم أوامر الله وتعظيم شعائره.



      وأريد أن أتوقف للحظات عند قدسية الأماكن وعند احترام هذه الأماكن وعند تعظيم هذه الشعائر من خلال احترامها بألا يُرمى حتى فيها أي قطعة من ورق أو ما شابه لا ينبغي أن تُرمى تعظيماً لشعائر الله وتقديساً لهذه الأماكن التي شرّفها الله سبحانه وتعالى.



      ولذا من أشد العيب على المسلمين اليوم أن يستهان بالطعام والشراب فيرمى في تلك الأماكن وتلك المشاعر المقدسة، هذا نوع من أنواع التهاون في شعائر الله عز وجل قلّ من المسلمين اليوم من ينتبه إليه، هذا نوع من أنواع التهاون لا ينبغي أن نسامح أنفسنا فيه. وكما أن هذه المشاعر المقدسة جعلها الله سبحانه وتعالى حراماً وجعل لها مكانة وقدسية في نفوس المسلمين جعل للمسام قدسية وحرمة ومكانة عظيمة لا ينبغي لأحد أن يتجاوزها أو يتطاول عليها.



      ودعونا نقف عند قول النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال وسأل أصحابه أيّ يوم هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، قال أليس يوم النحر؟ قلنا بلى، قال فأي شهر هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أن سيسميه بغير اسمه فقال أليس بذي الحجة؟ قلنا بلى، قال فإن دماءكم وأمولكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. المسلم المؤمن لا ينبغي أن يتجاوز على أخيه المسلم في هذه الأماكن المقدسة - هو أي نوع من أنواع التجاوز في الأموال والأعراض والدماء حرام سواء كان في هذا اليوم أو في غير هذا اليوم ولكنه في هذا اليوم أشدّ وفي هذه المشاعر المقدسة أشدّ ولذا



      "من حجّ فلم يرفث ولم يفسق رجع من حجّه كيوم ولدته أمه"،


      "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"،


      (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ (197) البقرة)


      فلا كلمة نابية ولا كلمة سوء على أحد من المسلمين ولا محاولة إيذاء واحد منهم بأي شكل من أشكال الأذى.

      هذا النوع من التعظيم لحرمات الله عز وجل ولأوامره سبحانه من أن تنتهك لا يمكن أن تقع إلا من قلب لا يعرف إلا الله سبحانه وتعالى القلب المُخبت القلب الخاضِع القلب المُتقي الراجِع العائد إلى الله سبحانه وتعالى. الإلتزام بحرمات الله جانب عظيم من جوانب التقوى ولكن الأكمل والأتمّ أن أعظّم كل شيء يدلّني على الله سبحانه وتعالى. هذه المواقف العظيمة في الحج لا ينبغي أن تغيب عن أذهان الحجيج وهو يتوجهون في مواقف الحج المختلفة في مختلف الأماكن المقدسة لنا أن نربط ما نراه في واقعنا وبين ما نتدبره في هذه السورة العظيمة.

      وللأسف الشديد في أثناء الزحمة والازدحام الشديد وما يحدث في مواقف الحج المختلفة من غضب أحياناً ومن نسيان للمواقف التي نمر بها كحجيج يدفع البعض منا إلى أن يفقد أعصابه وربما تخرج منه كلمة لا تليق ربما سبّ ربما ستم ربما كلمة نابية هذا النوع من أنواع التهاون إنما هو تهاون في شعائر الله عز وجل ينبغي أن يتوقف الحاج عنه ينبغي أن يتوب إلى الله عز وجل ويتراجع ينبغي أن لا يقوم بهذه الأعمال أن يتوقف عنها ينبغي أن يكون تقديسه وخشيته وخوفه من أن يفسد حجّه بقصّ شعرة أو بمسّ طيب ينبغي أن يكون بالضبط كما يتهاون في كلمة نابية أو في إساءة لمسلم أو في رمي قطعة ورق أو قطعة طعام أو في أحياناً أن يدوس بقدمه على قطعة طعام دون أن ينتبه أو دون أن يلتفت. هذا النوع من أنواع التهاون من بعض المسلمين في مواسم الحج ربما بدون قصد ربما بحسن نية لا بد أن يتوقف. آن له الأوان أن يتوقف خاصة ونحن نتدبر في هذه الآيات العظيمة

      تعليق


      • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

        الحكمة من تشريع الأضحية







        (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ )



        القضية ليست قضية أن أذبخ غنماً ولا قضية أن أذبح شاة ولا بعيراً القضية تحولت إلى قضية أخرى قضية إخبات قضية توحيد (فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) قضية ذكر اسم الله عز وجل وتوحيد رب العالمين واستذكار المشاعر العظيمة


        (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ )



        (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ)


        مرة أخرى



        (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ )

        إذن هي التقوى الحاضرة، قضية الأضاحي وقضية ذبح الأنعام ليست مسألة ذبح وإنما هي مسألة خروج وإخراج الشُحّ من الأنفس، خروج الشُحّ من النفس لتتعلم العطاء، لتتعلم الشعور بالآخرين الشعور بالقانع والمعترّ، لتتعلم الإحساس بالفقراء والمساكين، لتتعلم كيف تخرج من أموالها الصدقات والعطاء القضية ما عادت قضية مجرد ذبح، القضية تعود بنا إلى الذبح الأول إلى قضية الأضاحي وإلى قصة إبراهيم عليه السلام. إبراهيم أبو الأنبياء الذي حين جاءه في المنام أن يذبح ابنه الغالي اسماعيل لم يفكر ولم يتردد لحظة واحدة بالتضحية به وإنما قال له (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ (102) الصافات) وما كان من الابن إلا أن قال (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ)



        هذا النوع من أنواع التضحية هي ما أحتاج أن أتسحضره اليوم وأنا أقوم بتقديم القربان أو الأضحية. والأضاحي ليست قضية متعلقة فقط بالحاج بل هي مفتوحة للحاج ولغير الحاج فمن لم يتمكن من المشاركة في هذا الموسم من الخيرات موسم الحج العظيم والذهاب إلى الحج لا تفوته سُنّة الأضاحي هذه السنة العظيمة التي قام بها أبو الأنبياء وقام بها النبي صلى الله عليه وسلم وحين أقوم بهذه الأضحية وحين أقوم بهذه السُنّة العظيمة عليّ أن أستذكر التضحية ومعنى التضحية أنا أضحي لله عز وجل لأني على يقين أن الله سبحانه وتعالى سيرزقني وسيعطيني كما فعل أبو الأنبياء حين أراد أن يضحي بابنه إيماناً وانقياداً وخضوعاً وتسليماً لأمر الله.





        أنا حين أضحي أضحي لأمر الله سبحانه طاعة وتقرباً لله سبحانه.

        النفس التي تصنعها سورة الحج ويصنعها موسم الحج ويخرجّها موسم الحج ليجعل منها نفساً محسنة نفساً غير شحيحة نفس معطاء تعلمت التضحية بالغالي والنفيس تعلمت أن تسكت في كثير من الأحيان لكي لا تخرج منها وتتفوه بكلمة سوء فيها إساءة لأحد من المسلمين صبراً واحتساباً لله سبحانه وتعالى وتعظيماً لشعائره. النفس التي تعلمت أن تقف عند أوامر الله وتعظم حرمات الله وتعظم شعائر الله نفس مضحية نفس تعلمت معنى التضحية ذاقت جمال وحلاوة التضحية ذاقت جمال أن تترك شيئاً لله سبحانه وتعالى.

        ..............



        (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)







        النفس التي تغضب النفس التي بحكم الزحام وبحكم العدد الرهيب من البشر ممكن أن يدفعها أو يدوس على قدمها أحد من الناس تسكت وتحتسب بل تدعو لمن أساء إليها وتدعو بظهر الغيب لمن آذاها هذه النفس العظيمة خرّجتها سورة الحج، هذه النفس العظيمة تخرّجت في موسم الحج نفس محسنة ولذا جاءت الآية العظيمة

        (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)

        المؤمن في الحج المؤمن بعد مدرسة الحج تخرد مؤمناً برتبة محسن، تخرج مؤمناً برتبة مُخبِت. قلبي الذي صنعته سورة الحج قلبي الذي ربته سورة الحج قلبي الذي تخرج في موسم الحج قلب جديد قلب تخرّج برتبة محسن برتبة مخبت برتبة راجع عائد إلى الله سبحانه وتعالى، فبذلك فليفرح المؤمن الذي تخرّج بهذه الرتبة.



        ولذا جاءت الكلمة بعد آيات سورة الحج كل الآيات بقوله سبحانه



        (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)



        هنيئاً للحجيج هنيئاً لمن تخرجوا برتبة المحسنين هنيئاً لتلك القلوب التي ضحّت هنيئاً لتلك القلوب والألسن التي لم تفتر عن ذكر الله، هنيئاً لتلك الأيدي التي لم تمتد بأذى لأحد من المسلمين، هنيئاً لتلك الأيدي التي أمسكت فلم ترمي بورقة ولا بحجرة ولا بقطعة لحم ولا بأرز ولا باي شيء تعظيماً لشعائر الله، هنيئاً لتلك الأيدي التي صافحت، هنيئاً لتلك القلوب التي سامحت، هنيئاً لتلك الألسنة التي لهجت بذكر الله ليل نهار هنيئاً لتلك القلوب التي ضحت بالأضاحي وضحت بالغالي والنفيس تعظيماً لشعائر الله هنيئاً لتلك القلوب التي وقفت وتعلمت أن تقف عند أوامر الله هنيئاً لكل من عظّم شعائر الله فقد تخرجت برتبة محسن



        هؤلاء الذين تخرجوا برتبة المحسنين هؤلاء الذين ربّاهم الحج وتعلموا في مدرسة الحج، تعملوا التضحية تعلموا الوقوف عند محارم الله، تعلموا تعظيم شعائر الله هؤلاء هم من يستحقون أن يدافع الله سبحانه وتعالى عنهم




        وانظر إلى قوله عز وجل بعد هذه الآيات

        (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ )

        تعليق


        • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

          ما هو وجه التناسب



          بين الحديث عن الحج وبين الحديث عن الجهاد؟






          بعد آيات الحج تأتي آيات القتال ويأتي الحديث عن الهجرة ويأتي الحديث عن الصراع الدائم بين الباطل والحق ولنا أن نتساءل - قبل أن نأتي على آيات الجهاد – يا ترى ما هو وجه التناسب بين الحديث عن الحج وبين الحديث عن الجهاد؟



          الحج والجهاد كلاهما نشرٌ للحق وللخير. الحج أعظم مؤتمر يمكن أن تنتشر من خلاله مبادئ الإسلام عالمية الإسلام سلام الإسلام سماحة الإسلام كل القيم السامقة التي جاء بها الإسلام. وكذا الجهاد الجهاد فيه حماية لمبادئ الحق وقيمه فلا بد للحق وللمبادئ وللقيم من أناس يذودون عنه ينتصرون له يدافعون عنه فأهل الباطل وأهل الكيد لا بد أنهم سائرون في طريقهم. وقد جاءت الآيات الأول أكثر من آية في بدايات سورة الحج تتحدث عمن يصدّ عن سبيل الله تتحدث عن من جعل أهم هدف وغاية له الصد عن سبيل الله سبحانه وإضلال الآخرين. هؤلاء لا بد أن يقف في وجههم أهل الحق أهل القيم أهل المبادئ الذين ربّتهم آيات الحج. ثم أن من لا ينتصر على نفسه في الحج لا يمكن أن يعرف النصر في الجهاد، الحج يعلم مجاهدة النفس على النفس الحج يعلم صناعة القلوب الحج يصنع القلوب القوية التي تستطيع أن تنتصر للحق وتدافع عنه، الحج يصنع القلوب الفائزة القلوب التي تستطيع أن تجني النصر والثبات أمام الباطل وأمام أهله.



          وابن القيم له كلام جميل في قضية مجاهدة النفس والجهاد،


          يقول في قوله سبحانه وتعالى



          (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (69) العنكبوت)



          "علّق سبحانه الهداية بالجهاد فأكمل الناس هداية أعظمهم جهاداً وأفرض الجهاد



          (يعني أكثر أنواع الجهاد فرضاً)


          جهاد النفس وجهاد الهوى وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا


          فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سُبُل رضاه الموصِلة إلى جنته


          ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطّل من الجهاد ولا يتمكن المرء من جهاد عدوه في الظاهر إلا من جاهد هذه الأعداء باطناً فمن نُصر عليها نُصر على عدوه ومن نُصِرت عليه نُصر عليه عدوه".
          هذا معنى أن يأتي الجهاد والحديث عن الجهاد بعد الحج، الحج مدرسة تعلِّمنا جميعاً كيفية مجاهدة النفس كيفية وقوف النفس حين تُستغضب ويحدث ما يُغضبها فتكفّ اللسان عن أي كلمة نابية تتعلم كيف تكفّ اللسان وكيف تكفّأ اليد وكيف لا تؤذي المسلم وكيف لا تأتي بما يمكن أن يؤذي هذا الحج أو يمس شعائر هذا الحج العظيمة.

          تعليق


          • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

            الثبات على الحق







            تأتي الآيات عن الجهاد لتبين بأن هذا المؤمن الذي صُنع بهذه الآيات ومن خلال تدبر هذه الآيات هو المؤمن الذي يستحق أن يرفع راية الجهاد


            (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)



            إذن هو الدفاع عن الحق هو التضحية في سبيل الحق القلوب المؤمنة تعلمت التضحية لا يكفي أن أكون مؤمناً بالله عز وجل وبالحق وبالقيم وبالمثل في حال السراء فإذا ما جاءت وأقبلت الضراء وحقت الحقيقة تخاذلت وتراجعت عن الحق الذي أؤمن به، هذا ليس بإيمان، الإيمان الحقيقي في السراء والضراء، الإيمان الحقيقي هو الذي تصقله التضحية



            ولذا جاء الوعد في الآية



            (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ)


            نصرة الله بالحق الذي أؤمن به، أنصر الله عز وجل بثباتي على قيمي بثباتي ودفاعي عن الحق الذي أؤمن به أمام أهل الباطل وأمام كيدهم وأمام مكرهم.


            ثم ماذا تكون النتيجة يا رب؟


            تأتي الآية التي تليها بقوله عز وجل


            (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ )



            إذن هو التمكين هو النصر هو فوز الحق على الباطل هو إعلاء كلمة الحق هو حماية المقدسات هو حماية دور العبادة على اختلاف دياناتها فالدين الإسلامي جاء ليحمي الديانات جاء ليحمي المقدسات جاء ليدافع عن الحق وأهله ولم يأتي ليسفك أو ليهدم أو ليظلم أو ليؤذي الآخرين بدون وجه حق.



            هذا الدين العظيم علّم أتباعه أن التمكين لا يعني الاستعلاء على الآخرين ولا يعني استعباد الشعوب المختلفة ولا يعني نهب مقدراتها بل هو الإصلاح، قمة الإصلاح تتحقق حين يمكن الله عز وجل لهؤلاء العباد المؤمنين الموحّدين المخبتين



            (أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ)

            لا دعاية انتخابية لهم سوى الإصلاح وليست بدعاية ولكنها أفعال وسلوكيات وواقع في واقع الحياة التي يعيشونها ولذلك شهد العالم المنصِف للمسلمين الفاتحين حين فتحوا الديار حين فتحوا بلاد الروم وبلاد الفرس بأنهم فتحوا الديار بقلوبهم بأخلاقهم بأفعالهم بسلوكياتهم ولم يفتحوها بسيوفهم، الإسلام انتشر بالحق بالعدل بالقيم بالأُناس الذين كانوا يحملون تلك القيم بالأُناس الذين استطاعوا أن يحولوا تلك القيم من خُطَب رنّانة إلى سلوكيات وأفعال واقعة حادثة أمام أعين الناس تشهد لتلك القيم وتشهد للحق الذي آمنوا به ودافعوا عنه.


            تعليق


            • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

              من ترك شيئا لله عوضه الله بخير منه






              (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)
              إذن هي التضحية، الإيمان يحتاج إلى تضحية، إيماني بالله عز وجل معرّض لمحن، معرّض لاختبارات، معرّض لابتلاءات، المهم ليس في الابتلاء بل في النتيجة التي سأخرج بها من هذه الابتلاءات عليّ أن أخرج أشد عوداً واصلب إيماناً وأقوى عزيمة وحراكاً ودفاعاً عن الحق الذي أؤمن به.

              المؤمن الذي تعلّم التضحية في الحج وفي غير الحج هو وحده يستطيع أن يهاجر في سبيل الله أن يترك أرض الوطن ويترك الأهل ويترك الأحباب، لماذا؟
              لله وحده لا شريك له، لأنه على يقين مُحسن الظن بالله عز وجل أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يعوضه خيراً مما أخذ منه


              (لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)




              المؤمن الذي يعيش وهو يستحضر الجزاء يستحضر الثقة بالله اليقين بما عند الله أن يكون أوثق بما عند الله عز وجل بما عنده هو بما في يديه هو من مال أو من جاه أو من سلطان أو وطن أو ولد.

              هذا المؤمن هو القادر على أن يضحي ويقدم كل شيء لأجل الله وفي سبيل الله.
              ولذا جاءت الآية وعد واضح وصريح
              (ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) إنها الثقة بالله التي تحرك المؤمن وتدفع به في ميادين الحياة المختلفة.

              تعليق


              • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                إِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ




                (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ)
                هذه الآيات العظيمة تهزّ وجدان المؤمن تحرّك فيه فواعل الإيمان تجعل التقوى حاضرة في قلبه حاضرة في نفسه ليتوجه بالتوحيد والإخلاص لله وحده لا شريك له بيده العلم بيده القدرة المطلقة بيده الملك بيده كل شيء فلماذا أتوجه للآخرين؟
                ولماذا أتوجه لمخلوق مثلي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، هو أضعف من أن ينصر نفسه حتى ينصر الآخرين، كيف أتوجه له؟

                ولذا جاءت الآيات التي تليها بعد ذلك والخطاب فيها للناس أجمعين
                (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)
                الكلام للناس جميعاً، الكلام للناس ودعوة للناس لكي يتخلوا عن الأولياء من دون الله، لكي يتخلوا عمن استنصروهم من دون الله عز وجل، عمن اتخذوهم أولياء.

                الكلام لأولئك الذين طرقوا ويطرقوا أبواب المخلوقين استعانة واستنصاراً واستغاثة ولجوءاً، إلى أولئك الذين يظنون ولو لثواني أو لحظات أن المخلوقين من دول عظمى وغير عظمى تملك لهم النفع أو الضر تملك لهم العطاء أو المنع تملك لهم أي نوع من أنواع القدرة. يقول الله سبحانه وتعالى في هذا المثل هؤلاء حتى الذبابة كم هي حقيرة لدى البشر تلك الذبابة، حتى الذبابة لا يتمكنون من خلقها حتى لو اجتمعوا.
                بل أقل من ذلك إن سلبهم أو أخذ منهم الذباب شيئاً لن يتمكنوا من استنقاذه أبداً

                (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ).

                تلك المقارنة العجيبة التي تضعها هذه الآية العظيمة أمام ذلك الإنسان المكابِر المعانِد الجاحِد الذي لا يعرف لله سبحانه وتعالى قدره حق المعرفة. هذا الإنسان الذي يجادل ويماري بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير يستطيل ويتطاول على خالقه سبحانه ويظن أن له قدرة وأن له قوة وأن له جيوشاً تسيّر وأن له منعة وهو لا يملك حتى أن يأخذ ما يسلبه الذباب. وتأتينا الدرسات العلمية الحديثة لتبين أن الذباب بطبيعته بمجرد أن يلتقط أو يأخذ شيئاً فإنه يفرز عليه إفرازات تغير من تركيبته فإنه حتى إن إستطاع الإنسان أن يمسك بالذبابة التي أخذت منه شيئاً لا يستطيع أن يسترجع ذلك الشيء

                (ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)

                الذبابة ضعيفة وهي خلق من خلق الله والإنسان ضعيف وهو خلق من خلق الله لكنه يتطاول ويغتر ويعاند ويعتقد بأهوائه وشهواته أنه يستطيع أن ينازع الله سبحانه وتعالى في ملكه وفي قدرته وفي قوته، يظن أنه قوة وأن له قدرة والحقيقة أن ليس له إلا الضعف الذي بينته هذه الآية العظيمة.

                ..................


                وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ



                تأتي الآية العظيمة وفيها السجدة دعوة للمؤمنين

                (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا)

                اتركوا عنكم هؤلاء الكافرين والمعاندين فسُنّة الله سبحانه وتعالى ماضية في خلقه وماضية في الكون. الصراع بين الحق والباطل قائم والكفار واقع ذلك الصراع والامتداد للصراع بين الكفار وبين المؤمنين لا عليكم منهم

                (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )

                فالدنيا دار عمل، الدنيا داء ابتلاء الدينا ليست بدار جزاء الدنيا دار تكليف كل ما تستطيع أن تفعل فيها من الخير فافعل لا تتردد ولا تجعلنّ من أهل الباطل ولا من كيدهم ولا من مكرهم ولا من الامتحانات التي يعرضونك لها لا تجعلهم عائقاً يحول بينك وبين عمل الخير بينك وبين إعلاء الحق، بالعكس إجعل أهل الباطل والصراع مع أهل الباطل مطية ودرجة ترتقي بك في سلم الإيمان في سلم التقوى فكلما ازددت صراعاً ودفاعاً عن الحق الذي تؤمن به وفعلاً للخير وللمعروف وملئاً ونشراً للسلام والأمان في هذه الأرض كلما ازددت تقرباً من الله خالقك عز وجل.

                ثم تأتي الآية لتختم سورة الحج العظيمة

                (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ)

                إذن هو اجتهاد

                (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ )

                الآية الأخيرة تختم بالجهاد.
                الآية الأولى في سورة الحج يقول فيها الله عز وجل

                (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ )

                والآية الأخرى توصي بقوله

                (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ)
                إتقوا وجاهدوا في الله حق جهاده.
                تقوى الله لا بد لها من جهاد، تقوى الله والوصول إلى مرحلة التقوى لا بد فيها من مجاهدة النفس ومن لا ينتصر على نفسه وأهوائه وشهواته ونزواته وميوله وخضوعه وركونه إلى الدنيا وأهلها لن يتمكن من الانتصار على أحد لأنه لم ينتصر في داخله. النصر الحقيقي في النفس النصر الحقيقي الذي يتبعه التمكين والنصر في واقع الحياة لا يمكن أن يبدأ إلا من داخل النفس.




                تعليق


                • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني
                  • تدبر سورة الحديد






                    المقدمه

                    حين تجفّ المآقي فلا تجود بدمعةٍ في جوف الليل من خشية الله، وحين يقسو القلب فينافس في قسوته وصلابته الحجر والحديد، حين تأخذنا الدنيا ببهرجتها الفارغة بعيداً عن مضمار السباق إلى الآخرة فنتخلّف عن السير حتى نغدو في آخر الرَكْب، تأتي هذه السورة العظيمة التي بين أيدينا لتنتشلنا من هذه الغفلة ومن هذه القسوة ومن ذاك الجفاء والبُعد عن الله عز وجل، إنها سورة الحديد.
                    تلك السورة التي حوت في آياتها بعض ما نزل في المدينة وبعض ما نزل في مكة. محور السورة الأساس الذي تدور حوله كل الآيات من أولها إلى آخرها معالجة تلك القسوة التي تحدثنا عنها في البداية معالجة مظاهر القسوة في القلوب.

                    سورة الحديد هي دعوة من الله عز وجل تحبُّباً لعباده للعودة إليه، تحبُّباً من خالق كريم غني حميد ولكنه رؤوف بعباده رحيم، يفتح أبواب التوبة والرحمة لعباده، يدعوهم، يتحبَّب إليهم أنْ هلُّموا إلي مهما إبتعدت بكم الدروب ومهما إختلفت الأحوال ومهما قست القلوب بل ومهما وصل بها الحال إلى حدّ الموت والصلابة والجمود تبقى أبواب التوبة التي تفتح سورة الحديد مشرعة أمامنا جميعاً للعودة إلى الله عز وجل ذلاً وانكساراً بين يديه، خشوعاً وتسبيحاً، إذعاناً لأمره ليخرج المؤمن من نفسه وماله لله عزّ وجل وحده لا شريك له. ليخرج من كل ما يمتلك تضحية وبذلاً وعطاءً لربٍّ كريم يرجو أن يجد عنده سبحانه وتعالى كل ما ترك من متاع الدنيا الزائل الذي في نهاية الأمر لن يأخذ معه من شيء.

                    هذه السورة العظيمة حين تتغلغل بآياتها في داخل القلب لتسكن فيه يُضيء القلب، ينير للإنسان دربه في الحياة، في الواقع الذي يعيش، في المجتمع، في الأسرة، في كل من حوله ليصبح هذا الإنسان المتحرِّك بأمر الله سبحانه وتعالى تسبيحاً وإذعاناً وخشوعاً لأمره وتنفيذاً لما جاء في هذه السورة مصدر نور وإشعاع لكل من حوله.

                    كل من يقترب من هذا الإنسان المؤمن يصيبه من ذاك النور شيء، يصيبه من ذلك الغيث شيء، يصيبه من ذلك الخير الذي يفيض والعطاء الذي يشعّ من قلبه وروحه بشيء. هذه السورة العظيمة تواصل بآياتها العظيمة النور وزرع النور وغرس النور في قلب المؤمن ليعود تلك الرحلة من رحلة القسوة والبعد عن الله عز وجل ليعود إلى خالقه من جديد فيبقى ذلك النور متواصلاً معه في مسيرته ودربه في الحياة ولا يفارقه أبداً ولا حتى بعد الممات ولا حتى في عَرَصات يوم القيامة ولا حتى في مقام الصراط، تلك المواقف العظيمة المهولة التي تأخذ بالألباب وبالعقول. يبقى النور مصاحباً لذلك المؤمن ليسعى بين يديه ويسعى من خلفه وعن أيمانهم وعن شمائلهم ليجعل كل من حوله يطمع في أن يصل إليه شيء من ذلك النور.
                    


                  تعليق


                  • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                    استشعر أثر التسبيح بقلبك









                    نبدأ ببداية السورة العظيمة أول خطوة على ذلك الطريق ليعود القلب من جديد إلى خالقه يعيد عبادة من أعظم العبادت عبادة التسبيح وتدبروا معي ابتدأت السورة بقوله عز وجل



                    (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) سورة الحديد 1

                    التسبيح هنا ليس مجرد أن أقول "سبحان الله" بلساني وإن كان ذلك جزء منها ولكنه تسبيح يجتذب القلب من نواحي الغفلة التي قد علته إلى عالم جديد، يصبح ذلك القلب الغافل مُسَبِّحاً مع كل من حوله، كل شيء من حولنا يسبِّح الله عز وجل.











                    هذه حالة اليقظة التي تبدأ بها سورة الحديد توقظ النفوس توقظ القلوب تعيد القلوب من جديد التي كانت بعيدة عن خالقها تعيدها من جديد إلى خالقها كيف تعود؟



                    أول ناحية بعبادة التسبيح وليس كأي" تسبيح وإنما تسبيح يعيد الأمور إلى نصابها، تسبيح يعيد القلب البعيد عن الله عزّ وجل الصلد القاسي يعيده من جديد إلى خالقه. حين تُسبِّح الله استحضر أن الله سبحانه مُطّلع على ما في قلبك، وإذا كان ربي مطلع فماذا أفعل؟ على أن أنزه القلب وأطهر القلب على أن أستشعر وأنا أقول سبحان الله عظمة الله عز وجل في خلقه أستحضر المعاني والأسماء العظيمة الحسنى التي جاء ذكرها في بدايات السورة



                    (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)

                    لا يدين قلبي باستشعار بملك أحد من الناس مهما بلغ ملكه ومهما بلغ جاهه ومهما بلغت قوته أنه يملك من الأمر شيئاً، لا يملك ولا شيء الملك الحق لله الواحد الأحد.



                    سبِّح بالقلب قبل أن تسبِّح باللسان







                    تأتي الآيات بأسماء وصفات عظيمة من أسماء الله سبحانه وتعالى عزيز قوي لا يُغلَب، حكيم في أمره ومشيئه

                    (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)

                    وهنا تبدأ المفاهيم يبدأ القلب حين يستحضر ويقف مع الآيات كلمة كلمة يبدأ القلب يعود من مرحلة ورحلة الغفلة والقسوة والبُعد عن الله عز وجل.



                    أنا حين يقسو قلبي أو أغفل عن الله عز وجل أغفل عنه لأجل مَنْ؟

                    أغفل عنه كيف ولماذا؟ وماذا وبماذا؟

                    وهو سبحانه



                    (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).



                    ماذا أريد حين أغفل؟



                    وستأتي السورة كما سنأتي عليها بتسلسل رائع معجز عجيب للوقوف على أسباب ذلك الداء، لماذا يتصلب القلب؟ لماذا يغفل عن ذكر الله؟ لماذا يقسو ذلك القلب؟ ويحلِّلها بتحليل من أعظم وأكثر الآيات والسور اعجازاً في كتاب الله وكل آيات ربي معجزة سبحانه وتعالى.



                    إن أردت شيئاً، مالاً، متاعاً من متاع الدنيا الزائل أو من عطاء الآخرة الباقي الذي لا يزول ولا يتغير ولا يتبدل ستجد كل ما تبحث عنه عند من؟



                    عنده سبحانه وتعالى الذي


                    (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)




                    هل ما تطمح إليه وتتشوق نفسك إليه هل يخرج عن ملك السماوات والأرض شيء؟ مستحيل، ثم إنه سبحانه

                    (يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).



                    ما أبحث عنه في حياتي مهما بلغت قوة من انشغلت بهم عن الله سبحانه هل يملكون لي حياة؟ هل يملكون لي إماتة؟ هل يملكون لي نفساً من أنفاس الحياة حتى أُشغَل بهم عن الله سبحانه حتى أذهب معهم بعيداً عن خالقي سبحانه وتعالى؟! ثم من الذي يملك القدرة على الفعل؟ من الذي يملك القدرة على كل شيء؟


                    إذاً التسبيح لم يعد مجرد كلمات باللسان، التسبيح أصبح هنا عبادة قلبية وأعظم أنواع العبادات عبادات القلوب، تلك العبادات التي غفلنا عنها، تلك العبادات التي شُوِّهت صورة العبادات حين فرَّغنا العبادة من شكلها الحقيقي من شكلها في القلب لنجعلها مجرد مظاهر ومجرد طقوس وهي ليست كذلك.




                    ولذا الإمام أحمد ابن حنبل رحمة الله عليه يقول: سيأتي زمان على الناس يصلّون فيه وهم لا يصلّون أقف بين يدي الله وأقرأ الفاتحة وأركع وأسجد وأفعل كل أعمال الصلاة الظاهرة التي أمرني بها الله سبحانه وتعالى ولكنها أعمال مفرّغة كالتسبيح تماماً عبادة من أعظم أنواع العبادات.



                    التسبيح من أعظم أنواع العبادات ولكن متى؟



                    حين يسبِّح القلب قبل أن يسبِّح اللسان قبل أن تتحرك الشفاه بكلمات التسبيح تستحضر معاني هذه الأسماء العظيمة تتعبد الله سبحانه بأسمائه:


                    أول، آخر، ظاهر، باطن، بكل شيء عليم إذاً هذه المرحلة الأولى

                    تعليق


                    • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                      معية الله نوعان









                      (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)



                      تدبروا معي كم مرة ذُكِرت مسألة العلم، لماذا؟


                      ربي سبحانه وتعالى في هذه الآيات العظيمة الست آيات الأولى يكرس في نفس ذلك القلب الغافل أن الله سبحانه محيط بكل شيء، علمه بتصرفاتنا، بأفعالنا، بغفلتنا، بعودتنا، بكل شيء علم دقيق يحصي علينا كل شيء.



                      القلب حين يغفل مجرد غفلة شعور ربما اللسان يتحرك بذكر الله ولكن القلب لاهي، القلب غافل، ربما أقرأ وأتلوا آيات الكتاب، ربما أقف بين يدي الله عز وجل في الصلاة ولكن القلب غافل ساهي في وادي آخر من وديان الدنيا من الذي يعلم بكل هذا؟ من الذي يعلم بسكنات ذلك القلب؟ من الذي يدري بخلجات النفوس؟

                      الله سبحانه.



                      ولذلك تأملوا كم مرة جاءت في الآيات

                      (وهو بكل شيء عليم) (بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)

                      آيات توقِظ فيَّ مراقبة الله عز وجل.

                      (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)







                      ومعية الله عز وجل على نوعين:



                      المعية الأولى معية عامة
                      فهو سبحانه مع عباده بما يليق بجلاله بعلمه وبإحاطته واطلاعه ومراقبته لأعمالهم ومشاعرهم وخلجات نفوسهم وخواطرهم وما يحدثون به أنفسهم ليلاً أو نهاراً في كل شيء هذه هي المعية العامة.



                      المعية الثانية هي معية خاصة
                      معيّة الله مع عباده توفيقاً وتأييداً ونصرة لهم.


                      والنوعين المعية الأول المعية العامة والمعية الخاصة كلا النوعين قد جاء ذكرهما في هذه السورة ولكن العظيم أن المعية الخاصة معية الله عز وجل لعباده نصرة وتأييداً وحفظاً كما جاء على لسان النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن قال لصاحبه: "لا تحزن إن الله معنا" معية خاصة تأييد حفظ توفيق نصر فتح من الله عز وجل معية خاصة لا ينالها المؤمن وقطعاً لا ينالها، بعيدة عن منال القلب الغافل القاسي الذي اختط" طريقاً ودرباً له بعيداً عن خالقه سبحانه، يُحرَم من هذه المعية ولا يمكن أن ترجع وتعود المعية الخاصة لهذا العبد إلا إذا إستشعر واستحضر وعاش المعيّة العامة بمعنى آخر أن السورة منذ بداياتها بدأت توقظ القلب، تشعره بأي شيء؟
                      أن انتبه عليك أن تدرك تماماً أن الله معك معية عامة مطلع على أفعالك (بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

                      تعليق


                      • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                        الإنفاق تصديق لمعاني الإيمان






                        (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7))الحديد


                        (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)
                        إذاً عرفت فالزم، عرفتَ أن هناك علاقة تربطك بخالقك وأن ما من شيء في الكون الذي تعيش فيه لا صغير ولا كبير ولا شجر ولا ورقة ولا أخضر ولا يابس ولا ملك ولا سيّد ولا عبد ولا أحد يخرج عن أمره سبحانه وبدأت بالتسبيح لخالقك والعودة إلى خالقك من جديد لا تقف مرحلة الإيمان عند هذا الحد، لا، لا بد أن تنتقل إلى مرحلة جديدة، ما هي هذه المرحلة؟

                        تحقيق مفهوم التسبيح والعودة لله عز وجل في واقع الحياة،
                        (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)
                        إيمان حقيقي إيمان صحيح أنه هو تصديق بالقلب ولكن تصدقه الجوارح في واقع الحياة تصدقه أفعالك تصدقه السلوك الذي تتعامل به مع الآخرين، الأخلاق، القيم، المبادئ، المثل التي تكون وراء حركتك في واقع الحياة ثم العجيب وفي نفس الآية أول ما تبدأ
                        (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)
                        بدأت الآيات بعد قضية الإيمان مباشرة بقضية الإنفاق ولماذا الإنفاق؟

                        الإنفاق تصديق لمعاني الإيمان التي تحدثنا عنها قبل قليل. آمنت بالله عز وجل، أدركت وأيقنت تماماً أن الله سبحانه وتعالى له ملك السماوات والأرض، أبدأ بالتطبيق، أبدأ بالبذل، أبدأ بالعطاء، أبدأ بتطبيق أوامر الله عز وجل كما جاءت في كتابه وأولها الإنفاق. سورة الحديد هذه السورة العظيمة التي بين أيدينا واحد من أهم محاورها البذل والعطاء. المؤمن لا يمكن أن يكون بخيلاً، المؤمن لا يمكن أن يبخل بشيء على هذا الإيمان الذي قد توقّد في قلبه وفي نفسه يبذل كل شيء والبذل والإنفاق والعطاء هنا لا يختصّ بمال صحيح بعض الآيات ستأتي علينا محددة بموضوع المال ولكن أول آية من أيات رب العالمين قال فيها
                        (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)
                        كل ما نمتلكه، مواهب، جوارح، عين، يد، قدم، كل ما أمتلكه، كل ما وهبني إياه الله سبحانه وتعالى أنا مستخلف فيه هذه مجرد عارية. ربي سبحانه وتعالى أنعم عليَّ بهذه النعم لينظر كيف أعمل لينظر كيف يكون إستخلافي وتحقيق مفهوم الخلافة على هذه الأرض. ربي سبحانه جعل الإنسان في مرحلة الحياة في رحلة الحياة التي نعيش جعله خليفة قال
                        (إني جاعل في الأرض خليفة)
                        وهذا الخليفة زوّده ربي سبحانه وتعالى بكل الطاقات بكل المواهب بكل الجوارح، لديك عين، لديك عينان، لديك يد، لديك قدم، لديك كل ما وهبك الله ماذا فعلت به؟ كيف حققت أوامر الله عز وجل ولذا جاءت نهاية الآية
                        (فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)
                        إيمان بدون إنفاق، إيمان بدون بذل، إيمان بدون تضحية، إيمان بدون عطاء هذا ليس بإيمان، هذا إيمان سيقودني كما ستأتي عليَّ الآيات في سورة الحديد إلى حتى الوقوع في مرحلة النفاق والعياذ بالله.

                        هذا إيمان لايمكن أن يحرك في ساكناً، هذا إيمان لا يمكن أن يحقق دعوة الأنبياء التي جاء التركيز عليها في هذه السورة العظيمة في أكثر من موضع.

                        تعليق


                        • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                          إفتح القرآن بقلبك








                          (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ)


                          لمَ يا رب؟


                          (لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)


                          ودعونا نقف طويلاً


                          لأن هذه الكلمات سيكون لها موقع ومواضع كثيرة في سورة الحديد


                          "النور والظلمات".



                          أنا أحتاج في حياتي وأنا أعود إلى خالقي سبحانه وتعالى إلى شيء يضيء لي الطريق، هَبْ أنك مشيت في طريق والطريق مظلم تريد أن تجد بصيص نور، أين ستجد النور؟ طريق الحياة الذي نمشي فيه اليوم المضاء بكل الأنوار الأنوار الصناعية، الأنوار التي صنعناها بأيدينا كبشر بحكم ما توصلنا إليه من وسائل حضارية مختلفة، هل تستطيع تلك الأضواء والمصابيح والأنوار المصطنعة أن تضيء الظلمة التي توجد في قلب الإنسان حين يبتعد عن خالقه؟! مستحيل.



                          كم من المرات كانت الأضواء والمصابيح مُنارة ولكني أشعر أحياناً في ظلمة في نفسي، أشعر أن الأمور قد التبست عليّ، لا أعرف هل أذهب يمنة أم أذهب يساراً، لا أعرف أي طريق أختطّ في حياتي، الحيرة، الشك، هذه الأمراض التي تتولد عن قسوة القلب وبعده عن خالقه سبحانه وتعالى، القرآن.


                          القرآن الذي تأتي به سورة الحديد ليخرجكم من الظلمات إلى النور أنا بحاجة إلى نور في طريق العودة لله سبحانه وتعالى، أين النور؟ أين سأجد النور؟


                          النور في القرآن.



                          إذاً أول مصدر من مصادر النور الذي تبينه سورة الحديد وأنا أمشي معها خطوة خطوة وهي تأخذ بتلابيب قلبي المتصلِّب البعيد عن خالقه سبحانه وتعالى


                          هو القرآن


                          (ليخرجكم من الظلمات إلى النور)


                          لا عودة حقيقية بدون القرآن العظيم، لا عودة بدون آيات الكتاب العظيم.


                          وطِّد علاقتك مع القرآن الكريم، عُد إلى الله عز وجل تعبد بتلاوة آياته العظيمة، إفتح القرآن. ولكن لا تفتح القرآن بيد فقط ولكن إفتح القرآن بقلبك لكي تدخل آيات هذا القرآن فتزيل الغشاوة والظلمة التي ربما تكون قد أحاطت به من كل جانب نتيجة لغفلته وبُعده عن الله عز وجل.

                          تعليق


                          • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                            ما الذي يوقفك عن البذل والعطاء؟!








                            (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)


                            ما الذي يمنعك أن تنفق الغالي والرخيص في سبيل الله عز وجل؟!


                            ما الذي يوقفك عن البذل والعطاء؟!


                            واحدة من أعظم أسباب قسوة القلوب الشُحّ، البخل.


                            والبخل ليس فقط البخل بالمال البخل بالوقت البخل بالنفس، البخل بالمواهب التي وهبنا الله إياها، البخل بالأشياء بالجوارح التي أمتلك لديك عينان لديك أقدام لديك لدك لديك ماذا فعلت بها؟!


                            كيف حققت دعوة الأنبياء على هذه الأرض من خلال استعمالك لتلك المواهب التي وهب ربي عز وجل وأنعم بها؟!


                            وتأملوا معي قول الله عز وجل حين لا يُبقي لي عذراً أعتذر بين يديه، ليس هناك عذر، سورة الحديد تفصّل الأعذار فلا تبقي لي عذراً بين يدي الله سبحانه وتعالى.




                            (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)



                            كل شيء بيد الله وكل شيء من الله وسيؤول إلى الله سبحانه وتعالى، هذه الحقيقة الغائبة عن نفوسنا، المال ليس مالي المال ليس مالك، المال وديعة، المال عارية والمواهب الأخرى التي وهب ربي سبحانه إنما هي عارية ستُستردّ في يوم من الأيام سيأخذها مني ربي عز وجل لكن هناك فارق بين أن يأخذها ربي سبحانه وقد صرفتها وأنفقتها ليلاً ونهاراً بذلاً وعطاءً في دروب الخير، بذلاً وإنفاقاً في دروب الخير والدعوة ونصرة النبي ونصرة الأنبياء ونصرة الحق الذي آمنت به في صدري وحملته في قلبي لتتحول تلك النواحي من الإنفاق سواء كان إنفاقاً بالوقت أو إنفاقاً بجهد أو إنفاقاً بالصحة أو إنفاقاً بطعام أو إنفاقاً بشراب أو إنفاقاً بموهبة أو أي شيء من توظيف هذه المواهب في نصرة الحق الذي أؤمن به كلها ستتحول يوم القيامة إلى نور. النور ينتظرني النور الذي أُنير لي في الدنيا ينتظرني هناك، ينتظرني عند الموت، ينتظرني عند الخروج من الدنيا، ينتظرني عند الصراط حين تصبح الظلمات ظلمات بعضها فوق بعض. تحيط بي الظلمات فتأتي أنوار تلك الأعمال الصالحة لتُشرق وتُنير لي الدرب حتى يتطلّع ذلك المنافق لذلك النور العظيم، أعمالي، مواهبي.


                            ولذا إياك في يوم من الأيام أن تحدثك نفسك بأن تترك شيئاً ولا تنفقه في سبيل الله.

                            تعليق


                            • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                              إغتنم ما أعطاك الله من نعم






                              (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ)



                              طبعاً وإن كان لبعض هذه الآيات أسباب نزول متعلّقة بمن أنفق من الصحابة رضوان الله عليهم قبل الفتح وقت أن كان الإسلام لم يزل غضّاً طرياً في مكة، المسلمون في حينها كانوا في حالة ضعف لم يكونوا في حالة قوة مادية أو معنوية، من بذل وأعطى وأنفق وحال الإسلام تلك كأبي بكر الصديق رضي الله عنه، كعمر الفاروق، كغيرهم من الأصحاب ليس فقط ممن امتلكوا المال حتى بلال رضي الله عنه وأرضاه، حتى عبد الله ابن مسعود، حتى صهيب الرومي هؤلاء الذين كانوا من فئة العبيد والمستضعفين ما كانت لديهم أموال ينفقونها في سبيل الله كأبي بكر الصديق وغيره من الأغنياء، ولكن كان لديهم شيء أخر كان لديهم الحب والعطاء الرغبة والصدق مع الله عز وجل النُصح لهذا الدين ولذلك لا تحدثك نفسك وتقول بأنك لا تمتلك شيئاً تبذله في سبيل الإيمان وفي سبيل الحق، قطعاً أنت تمتلك الكثير.




                              ابذُل كل ما لديك، هؤلاء الذين أنفقوا من قبل الفتح مال وعطاء وصدق وثبات وغير هذا كل ما بذلوه هذا أعظم درجة عند الله لأن بعد ذلك حدث أن الإسلام قد أصبح في قوة ومنعة من كل النواحي مادية ومعنوية. البذل والعطاء في حال القوة ليس كما هو البذل والعطاء في حال الضعف والعجز، وكذلك البذل والعطاء منا اليوم ونحن في حال إقبال الدنيا علينا ليس كالبذل والعطاء في حال إدبار الدنيا عنا.



                              أنت حين تُقبل على الله عز وجل وأنت في قمة قوتك لا مرض ولا تعب ولا إرهاق ولا عجز ولا ضعف ليس كما هو إقبالك في حال الشدة والمرض والعجز والضعف. إذاً إغتنم الفرصة، إغتنم ما أعطاك الله من نعم، إغتنم تلك الأقدام القوية الصلبة التي تقف عليها، الآن أنت في حال قوة ما الذي يمنعك من الإقبال على الله؟ ما الذي يمنعك أن تسير بك هاتين القدمين؟ ما الذي يمنعك أن تسير بهما إلى الله؟ إقبالاً وبذلاً وعطاءً، ما الذي تنتظر؟ لماذا تفوّت عليك الفرص واحدةً تلو الأخرى؟


                              الآية لم تبقي شيئاً


                              (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)


                              مدار العمل مدار الإنفاق ليس هو الكمّ بل هو الكيف والنوع. ولذا بلال رضي الله عنه وأرضاه أنفق، عبد الله ابن مسعود أنفق، صهيب أنفق، وغيرهم وغيرهم من الضعفاء والمساكين والأغنياء. هذا الدين وعلاقتي مع الله عز وجل يفتح كل أبواب العطاء كل ما يمكن أن تقدمه حتى لو كان جرّة قلم تكتب بها كلمة حق وتنصر بها الحق الذي تؤمن به، هذا بذل هذا عطاء. ما الذي يزيد في درجة العطاء وأجره؟


                              الإيمان الذي تحمل، الرغبة في العطاء، الرغبة في رضى الله عز وجل والتقرب إليه، الشعور بالفقر والعجز والشعور بأن الله هو المتفضّل عليك حين تبذل وحين تقدم وحين تعطي. بمعنى آخر أنا حين أقدِّم الألف والألفين من الدنانير من متاع الدنيا ليس أنا من يتفضّل على الإسلام ولا على الدعوة، لا والله! إذا كان هذا الشعور وهذا الإحساس فالعمل هباءً منثوراً، إذاً ما الذي يجعل العمل يرتفع ويرتقي؟ إحساسي بأن الله سبحانه هو المتفضّل أولاً وأخيراً، هو المُنعِم إبتداءً هو الذي أعطى المال ليس مالي المال هو وديعة المال من عند الله، الموهبة من عند الله عز وجل، الكلمة من عند الله، الوقت من عند الله الصحة من عند الله، الشباب من عند الله عز وجل. إذاً هو المُنعم أولاً وأنا حين أوظفها في عمل الخير والعطاء ونصرة الأنبياء ونصرة الدعوة التي أحمل في قلبي وفي حياتي إنما المتفضّل كذلك هو الله. لو شاء لقعد بي عن سلوكي في هذا الدرب، لو شاء لأبقى على قلبي غافلاً بعيداً عن خالقه سبحانه ولكنه عز وجل تداركني بلطفه وبرحمته سبحانه وتعالى.

                              تعليق


                              • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                القرض الحسن








                                تأتي الآيات لتبين لي نوعاً جديداً من أنواع البذل والعطاء سماه ربي


                                "القرض"


                                (مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ)



                                إحسانك إلى الآخرين، تلك اليد المفتوحة التي فتحت بالقلب قبل أن تُفتح بالعطاء، البذل لكل الناس لكل من يحتاج إليّ، وتأملوا معي الربط لأنه سيأتي الربط بعد قليل "النور". ينبغي ألا أنسى أبداً ذاك النور الموجود في الدنيا والأخرة النور الذي ينتظرني كل صدقة تقدمها بيدك بيمينك ولا تعلم شمالك ما أنفقت يمينك هي نور، هي ليست مجرد حفنة من الأموال أو القروش أو الدنانير، هي حفنة من نور ستنير لك الدرب والطريق في الدنيا وفي الآخرة، سينتظرك النور وعلى قدر حظك من الإيمان واليقين بالله عز وجل وإقبالك عليه وأنت تنفق وتعطي وتقدِّم يكون حظك من النور. ولنا أن نتوقف عند قضية القرض هنا، هَبْ أن أحداً من الأغنياء أغنياء الدنيا طلب منك أن تقرضه مالاً -ولله المثل الأعلى- كيف سيكون شعورك وإحساسك وهو يطلب منك القرض؟ غنيٌ من الأغنياء، كبير من كبار الدنيا ووجهائها طلب منك القرض، كيف سيكون شعورك؟ ألا تفرح؟ ألا تشعر بالزهو وعدم التفكير حتى ولو لثانية أن تمنع عنه العطاء؟ مجرد أن يطلب منك القرض تعتبره تشريفاً أليس كذلك؟ فما بالنا ولله المثل الأعلى رب السماوات والأرض الذي بيده ملك السماوات والأرض يطلب منك القرض، ألا تشعر بتشريف الله لك؟ إذاً كيف يمكن بعد كل هذه الدعوات المُحببة من خالقٍ يمتلك كل شيء بما فيه أنا وبما فيه كل ما أنا أمتلك، كيف يمكن أن أتوقف عن البذل والعطاء؟! كيف يمكن بعد كل تلك الدعوات أن أبخل بشيء أو أدخر لي شيئاً؟




                                وهنا يأتينا معنى تلك الوقفات الرائعة التي كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه يستشعرها وهو لم يترك شيئاً إلا وقد بذل، كل شيء يبذله لماذا؟


                                لأن المسألة قد إنتهت، الإدراك والتغلغل لمعاني البذل والعطاء قد بلغ مبلغه في القلب، غُرِس في القلب، القلب أصبح يريد أن يعطي ويخرج من كل شيء لله عز وجل لأنه يدرك تماماً ويؤمن بأن ما خرج منه وما خرج إليه إنما هو في نهاية الأمر سيعود إليه سيعود لخالقه سبحانه وتعالى الذي بيده كل شيء وهو على كل شيء قدير وهو قد وعد وربي إذا وعد وفّى.

                                تعليق


                                • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                  الفُصِل بين المؤمن والمنافق






                                  (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ)



                                  المسألة ليست بعيدة، القلب الذي قد غفل عن الله عز وجل وابتعد وأخذته الحياة الدنيا بمشاغلها يوم القيامة ليس بيوم بعيد



                                  (يَوْمَ تَرَى)

                                  ستراه عياناً المؤمنين والمؤمنات الذين قدّموا العمل الصالح الذين وظّفوا هذه الأيدي بما يرضي الله عز وجل أنفقوا بذلوا عطاءً كتابة دعاءً للآخرين، اليد، كم من الأعمال والأشياء نستطيع أن نفعلها باليد؟

                                  حتى الأعمال المهنية، حتى الأشياء البسيطة، كل شيء أستطيع أن أفعله بهذه اليد، هذه اليد التي سيتحول العطاء فيها إلى نور (وبأيمانهم) وتحديداً (وبأيمانهم).



                                  ونحتاج هنا أن نتوقف عن هذه القضية قضية الأيمان، اليد اليمين التي تُعطي وتبذل، كم من المرات أحتاج وأنا أبذل أن أذكر نفسي بالنور كل عمل خير تفعله بهذه اليد تخيل تماماً أن هذا العمل سيتحول إلى نور، وزيادة النور مرتبطة بقدر الايمان واليقين الذي أحمله في صدري وفي قلبي وانا أبذل واتحرك في العطاء.

                                  ثم تختم الآية وتقول

                                  (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)








                                  وتقارن مقارنة واضحة بين قوم وصلت بهم قسوة القلوب التي تعالجها سورة الحديد إلى الحدّ الذي أوقعهم في النفاق والنفاق كما نعلم ليس على نوع واحد نفاق الإعتقاد فحسب، أن أؤمن إيماناً ظاهرياً ليس له محل ولا رصيد في القلب، الباطن خالي من الإيمان بالله، هذا نفاق الإعتقاد. أما نفاق العمل وهذا نفاق كارثي بالدرجة الأولى نفاق تدخل فيه أعمال معينة ربما أقع في قضية كذب أثناء الحديث، لا أصدُق في كلامي مع الناس، لا أصدُق في وعودي مع الآخرين هذه خصلة من خصال النفاق. فالخصومة أثناء الخصومة ووقوع الخلاف مع الناس أقع في أقصى درجات الخصومة والفُجر بها، هذا نوع من أنواع النفاق هذه خصلة من خصال النفاق نفاق العمل الذي قطعاً إذا لم ينتبه إليه الإنسان سيوقعه في نفاق الإعتقاد الذي لن يصل به إلا إلى الظلمة والتخبط والحيرة.



                                  ولذا الآيات تنتقل بي إنتقالة عجيبة في موقف من مواقف يوم القيامة موقف الناس كلهم بحاجة إلى نور ينير الدرب، ينير الطريق،
                                  (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ)
                                  نور المؤمن وجلال الأعمال الصالحة التي قد قام بها وجمال تلك الأعمال وبهاء تلك الأعمال أصبح من الإشعاع إلى الدرجة التي تصل بالمنافق أن يتطلّع ويتشوّف ويشوّق ويطمع أن يأخذ منها ولو شيئاً من نورهم وإذا به في تلك المرحلة التي يحتاج فيها المنافق إلى النور يخفت ذلك النور ولا يستطيع أن يرى من نور المؤمنين شيئاً ولا يستضيء به بشيء ولذا جاءت الآية
                                  (فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ)

                                  من جهة المؤمنين

                                  (وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ) فُصِل بين المؤمن والمنافق.

                                  تعليق


                                  • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني



                                    حوار بين المنافقين وبين المؤمنين





                                    قسوة القلب الخطيرة التي تعالجها سورة الحديد إذا لم أنتبه إليها مبكراً




                                    ستقودني إلى أي شيء؟

                                    إلى النفاق الذي يحول بيني وبين النور التي تتحدث عنه السورة.



                                    ولذلك جاءت الآية الرابعة عشر لتبين هذه الحقيقة

                                    (يُنَادُونَهُمْ)

                                    هناك حوار بين المنافقين وبين المؤمنين، لماذا؟

                                    لأن قسوة القلب إذا لم تُعالَج مرض خطير يقود إلى النفاق علي أن أنتبه إليه

                                    (يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ)




                                    ألم نكن مع المؤمنين؟ ألم نكن معكم في صفوفكم؟ ألم نشارككم العيش؟ ألم نشارككم حتى في بعض الأعمال التي كنتم تقومون بها؟

                                    (قَالُوا بَلَى)

                                    قضية خطيرة بالفعل المنافق قد يخرج مع المؤمن في عمل صالح المنافق قد ينفق المنافق قد يخرج حتى للجهاد أو للقتال وقد حدث فقد خرج المنافقون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن وفي غزوات عديدة، إذاً أين الإشكال؟

                                    الإشكال




                                    (وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)

                                    إذاً هو القلب، القلب الذي حين يغفل عنه الإنسان قد يقوم الإنسان بالعمل ظاهرياً ولكن لأن القلب قد غفل عن المسألة تماماً مسألة الإقبال والإيمان واليقين بالله عز وجل وبما عنده أصبح العمل لا يساوي شيئاً.



                                    ولذلك المنافق يأتي يوم القيامة يحسب أنه على شيء، بأعمال كبيرة أعمال كثيرة ولكنها لا تغني عنه شيئاً أبداً، ما الذي أذهب العمل؟
                                    خلوّه من الإقبال على الله عز وجل، خلوّه من حظ الإيمان في القلب عمل القلب الحقيقي الصدق مع الله عز وجل. المنافق كان يعمل العمل ولكنه كان غافلاً عن خالقه سبحانه وتعالى ولذلك ختمت الآية بآية عظيمة
                                    (فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ)
                                    إنتهى الوقت!

                                    طلب منكم ربي الإنفاق في الدنيا، كنتم في متسع من الوقت، كنتم تستطيعون أن تبذلوا وتقدموا أي شيء لله عز وجل، فدية، افتدي نفسك. ولذلك المؤمن العاقل المؤمن الحكيم يدرك تماماً أن ما يبذله في الدنيا من من وقت من صحة من عمل من مال إنما هو يفتدي نفسه بأيّ شيء؟ من سوء العذاب أنا أقدم فدية أنا أفتدي نفسي أن أقدم شيئاً لله عز وجل فداء لنفسي، ألا تستحق نفسي الفداء؟!
                                    يعني هب أن أحداً من الناس في الدنيا طالبك بفدية وضع على رقبتك السيف أو السلاح وقال إفتدي نفسك إما أن تدفع هذا المبلغ من المال وإما أن تنتهي، خلاص تنتهي الحياة بالنسبة لك، ألا تفتدي نفسك؟! كم ستبذل من المال؟! ألا تبذل كل ما تمتلك فقط لأجل أن تنقذ نفسك؟ أن تنقذ روحك؟

                                    هذه في الدنيا علماً بأننا موقنون تماماً بأننا عاجلاً أو آجلاً سنسلِّم الروح إلى بارئها وخالقها، فما بالك بالحياة الأزلية؟ ألا أفتدي نفسي من العذاب؟ ألا أفتدي وأبذل وأقدم كل ما أمتلك لأجل الله سبحانه؟
                                    انظروا إلى السورة كيف تأخذ من نفسي كل نواحي الشحّ والبخل

                                    تعليق


                                    • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني



                                      كن عبدا خاشعا لله في حياتك وصلاتك




                                      (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)

                                      ألم يأتي الوقت بعد لكي تعود القلوب إلى خالقها؟ ألم يحن الوقت للمؤمنين في كل زمان -وإن كان ورد كما سنأتي عليها بعد قليل بعض الأسباب في نزول هذه الآية العظيمة- عتاب مُحبَّب من خالق رءوف رحيم يعاتب عباده، بأيّ شيء؟




                                      ببعدهم عنه.



                                      اُنظر إلى المفارقة العجيبة:



                                      ربٌ غنيٌ حميدٌ له ملك السماوات والأرض يعاتب عباده على بُعدهم عنه سبحانه



                                      وهو الغني وهم الفقراء إلى رحمته.

                                      لا بد أن يأتي الوقت الذي أحاسب فيه نفسي فتخشع جوارحي ويخشع قلبي لما نزل من الحق، لآيات القرآن.

                                      والخشوع هنا ليس مجرد خشوع القلب أو تمتمة باللسان، ليس فقط خشوع لذكر الله، اُنظر إلى بقية الآية



                                      (وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)



                                      الخشوع خشوع إذعان، الخشوع خشوع تسليم، الخشوع خشوع تنفيذ لأوامر الله وآياته في واقع الحياة.



                                      ولذا جاءت المقارنة



                                      (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ)


                                      ما الذي حدث مع الذين أوتوا الكتاب؟



                                      الذين أوتوا الكتاب حوّلوا آيات الكتاب لمجرد تلاوة، لمجرد آيات تُتلى، لم يحققوها في واقع الحياة فكانت النتيجة أن عاقبهم الله بقسوة القلوب. كل من يبتعد عن تنفيذ أحكام وأوامر آيات الكتاب العظيم آيات القرآن في واقع الحياة ويحوّل القرآن لمجرد آيات تُتلى وتُقرأ ويحوّل الذِكر والتسبيح إلى مجرد تمتمة باللسان دون تنفيذ في الواقع، دون تغيير في السلوك، دون تطبيق لدعوة الأنبياء من حق وإحقاق حق وإزهاق لباطل، يعاقب بقسوة القلوب.

                                      ولذا ربي أنهى الآية بقوله

                                      (وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)



                                      (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)



                                      يا سبحان الله العظيم!


                                      حتى وإن بلغت القسوة بقلبك ما بلغت ربما شارف على الموت اُنظروا إلى المقارنة، لا تيأس من رحمة الله ولا تقنط من رحمة الله.


                                      (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)


                                      والرب القادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء قلوبنا بعد غفلتها وقسوتها وموتها في ظاهر الحياة، ولكن كيف؟


                                      بالعودة لما أمر به الله عز وجل لا بد أن تكون الخطوة منك أولاً أنت تشعر بمدى قسوة هذا القلب ومدى الحاجة إلى عودته لخالقه سبحانه وتعالى القرار بيدك بعد إرادة الله عز وجل أما باب الله عز وجل لا يُغلق، باب التوبة لا يغلق القرار لا يزال بيدك. تأملوا نفحات الرحمة في هذه الآية العظيمة تدبروا كيف يرحم ربي عز وجل عباده وهو الغني. ربي غني عن عبادتي، غني عن عودتي لا تغني عنه شيئاً أبداً ولا تزيد في ملكه ولا تنقص عودتي أم عدم عودتي، أنا المستفيد الوحيد. ورغم كل ذلك ربي سبحانه يكرر الدعوة بعد الدعوة ليعود قلبي إليه من جديد، فما أعظمه من رب!



                                      وما أكرمه من رب! وما أرحمه من رب سبحانه وتعالى!


                                      (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ)

                                      تعليق


                                      • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                        لماذا الحديث المتواصل عن الإنفاق والصدقة؟





                                        (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ)

                                        (وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ)




                                        الصدقة قبل أن تنفقها مهما كانت مال، عطاء، وقت، صحة، مهما كانت بأنواعها المتعددة قبل أن تضعها في يد من يحتاج إليها تذكر أنك أو مستفيد من تلك الصدقة الصدقة تحيي القلوب كما يحيي الغيث الأرض الميتة فتنبت بالزرع وتنبت من كل زوج بهيج كذلك الصدقة والإنفاق والبذل والعطاء ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق مبتسم يُحيي فيه الأمل من جديد، ولو أن تكون أنت بكلمة من كلماتك بدعوة من دعواتك دعوة لأخيك بظهر الغيب دعوة له بخير أو عطاء أنت المستفيد قبل أن تصل إليه الفائدة.



                                        ولذلك لا يمكن أن يخرج القلب من قسوته دون بذل أو عطاء لأن القسوة عقوبة قسوة القلب عقوبة من الله عز وجل يسلطها على القلوب الشحيحة القلوب البخيلة القلوب التي لا تعرف للعطاء درباً ولا معنى القلوب التي تشح حتى بالكلمة الطيبة حتى بالبسمة حتى بالدعوة الصادقة حتى بالرغبة في الخير وتمني الخير للآخرين القلوب التي لا يمكن أن تقوم على أكتافها دعوة حق أو نصرة إيمان. الإيمان والحق لا يُنصر بالقلوب الشحيحة الإيمان لا يمكن أن يُنصر ولا يمكن للحق أن ترتفع له راية إلا بقلوب مؤمنة قلوب تريد أن تبذل كل شيء قلوب فياضة بالعطاء بالكرم بالجود لخالقها سبحانه وتعالى.



                                        ولذا تدبروا معي الأية التي تليها الآية الرائعة



                                        (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ)


                                        هنا بدأ الإيمان يظهر هنا بدأت ثمار الإيمان تنضج وتزهو.


                                        (أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ)


                                        اُنظر إلى الآية صديقون وشهداء!


                                        نحن لم نتمكن أن نلحق بركب الصحابة ولم نتمكن أن نلحق بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم ولا بصحبة الأنبياء من حواريين وغيرهم ولكن أمامي فرصة عظيمة أن ألحق بركب الصديقين والشهداء ولن أتمكن أن ألحق بهذا الركب جعلنا الله جميعاً منهم وجعلنا جميعاً نلحق بهذا الركب العظيم، لن أتمكن أن ألحق بهذا الركب وأنا فقط أتمتم وأدعو بمجرد الدعاء وإن كان ربي قادر على إستجابة الدعاء ولكن عليك أن تبرُز ما يصدق هذا الدعاء، ما هو؟

                                        البذل والعطاء، البذل لأجل إحقاق الحق البذل بكل ما تمتلك لأجل قيام القيم التي جاء بها الأنبياء ولذلك بدأت (آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) دعوة الأنبياء الواحدة القائمة على الصدق وعلى العدل وعلى الحق. ثم تأتي الآية التي تليها لتعالج الأمراض التي قد تحول بيننا وبين البذل والعطاء، الدنيا، حب الدنيا، الركون إلى الدنيا، الدنيا التي إلى حد الأن لم نعرف حقيقتها لا نعرف وربما نعرف ولكننا نتجاهل تلك المعرفة، وربما نعرف ولكننا نعمل بعكس ما نعرف.

                                        تعليق


                                        • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                          اترك الدنيا لله قبل ان تتركك مرغماً





                                          (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ)



                                          ثم ماذا يحدث له؟

                                          (إعلموا) تأملوا كم مرة جاءت (اعلموا) في هذه السورة العظيمة؟



                                          (ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا)




                                          ولكن في الآخرة إما عذاب شديد وإما مغفرة من الله ورضوان، القرار بيدك أنت ولكن حقيقة الدنيا واحدة متاع ولعب ولهو ولا يفيدك ولا تخرج منها إلا بقدر ما تحقق البذل والعطاء لأجل هذا الإيمان العظيم. ولذا جاءت الآية لتستنفذ آخر ما يمكن أن يستنفذ من ذلك الإنسان المتكاسل المتباطئ الذي لم تحييه تلك الآيات حتى الآن لم تحيي قلبه آيات سورة الحديد.



                                          (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ)

                                          إلحق بالركب إلحق بركب السباق ولكنه سباق غفلنا عنه طويلاً سباق من نوع خاص سباق للآخرة سباق الدنيا شغلنا وأخذنا بكل بهرجتها فنسينا السباق الحقيقي مضمار السباق الحقيقي وبقدر دخولك في معمعة سباق الدنيا بقدر ما أنت تبتعد حقيقة عن مضمار سباق الآخرة، المسألة مختلفة تماماً,



                                          (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ)


                                          ولماذا السباق يا رب؟ لأن العمر محدود والأجل محتوم والفرصة يسيرة والفرصة محدودة وربما تكون قصيرة، الليلة التي أنا أعيش فيها الآن الساعة الساعات التي أعيش فيها الأن ربما تكون آخر ما تبقى من حياتي فالسباق سباق حقيقي ولكننا غفلنا عنه لماذا غفلت عنه؟ لأني لأني قد دخلت في سباق الدنيا المحموم سباقاً وراء متاعها الزائل الفاني ولم أدرك الحقيقة التي إلى الآن لا أستطيع أن أتمثلها أن المال الذي أملك وكل متاع الدنيا الذي أملك إن لم أُخرجه في سبيل الله سيخرج عني ويتركني، إن لم أتركه بقلبي ترفّعاً عنه وعن دناياه تركني هو شئت أم أبيت وسيتركني ولكن هناك فارق شاسع بين أن أتركه لله وبين أن أتركه مرغماً لأنه قد تركني وهجرني بفراق الدنيا أو لسبب أو لآخر بما يحدث فيها من مصائب

                                          ,,,,,,,,,,,,,,,



                                          الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا


                                          أَنْ لا تَأْسَى عَلَى مَا فَاتَ مِنْهَا ، وَلا تَفْرَحَ بِمَا أَتَاكَ مِنْهَا







                                          (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا)


                                          وما أكثر مصائب الدنيا أخذاً ومنعاً ورداً وعطاءً وصحةً وسقماً ومرضاً ونزولاً وصعوداً وهبوطاً، فتن الدنيا المختلفة. كل ما يصيبك في سبيل الله إن كان في سبيل الله فهو مدّخر عند الله عز وجل بينما كل ما يصيبك من أجل الدنيا وحطامها وركامها إنتهى ولذلك لا تشغلك مصائب الدنيا لأننا نحن بما نشتغل عن الله عز وجل؟!


                                          إما بأفراح الدنيا وإما بأتراحها، أفراح الدنيا ينبغي ألا تلهيني لأنها زائلة مؤقتة كما جاء في الأية
                                          (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)
                                          لا حُسنها يدوم ولا فرحها يدوم إذاً لا تستغرقك المشاكل والمصائب والصعاب في الدنيا والإبتلاءات المختلفة عن مضمار السباق الحقيقي مضمار الآخرة لا تشغلك الدنيا لا تستغرقك لا بأفراحها ولا بأتراحها.

                                          هذا المحك الحقيقي الذي تصنعه فيّ سورة الحديد حين توقظ قلبي الغافل عن هذه المعاني العظيمة. ولذا ربي عز وجل جاء في أخر الآية وقال
                                          (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)

                                          مما يقسّي القلب ويبعده عن خالقه عز وجل أن يغترّ بما لديه وبما أنعم لله عليه عطاء دنيا مال شهرة فُتحت عليّ أبواب الدنيا وفتنها حدث عندي مرض الإختيال والفخر والعجب بما أمتلك الذي يسوقني إلى التعالي عن الآخرين وبالتالي الوصول إلى قسوة القلب. من أكثر الأدواء والأمراض التي تقسي قلوب الناس هي الإختيال والإغترار بما قد وهبهم الله عز وجل وهو عارية ولا بد في يوم أن تُستردّ الودائع.


                                          إذاً ماذا أفعل؟
                                          عليّ أن أوظفها في ما يرضي الله عز وجل ولذلك جاءت الآية التي تليها
                                          (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) أنه يرى أن ما أنعم الله به عليه وما فتح عليه من أموال الدنيا إنما هو له إنما هو يمتلكه هو وبالتالي يبخل في توظيف هذه الأشياء في خدمة الحق الذي يُفترض أن يؤمن به وحمل هذا الحق لكل من يتعطش لذلك الحق. هذا النوع من الناس لا يمكن أن يفتح الله سبحانه وتعالى عليه بإيمان في قلبه

                                          تعليق


                                          • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                            الحق أحق أن يقال وأن يُتَّبع





                                            ((لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز))



                                            [الحديد/ 25].



                                            (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ)

                                            دعوة الرسل والأنبياء



                                            (وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ)



                                            لأيّ شيء يا رب؟

                                            ليقوم الناس بالقسط.

                                            نور آيات الكتاب العظيم الكتب العظيمة السماوية قامت على أي شيء؟

                                            قامت بالقسط، قامت بالعدل.

                                            على قدر بذلك وعطائك وقيامك بهذه الدعوة العظيمة وإحقاق الحق ونصرته يكون ذاك النور الذي تحدثنا عنه. اُنظر إلى الربط، آيات القرآن العظيم لايمكن أن تحجب عن الناس عن العالم الذي نعيش فيه إلا من خلال الممارسات الخاطئة التي نعيش نمارسها نحن، ولذلك ربي عز وجل يعاقب بأيّ شيء؟

                                            بإطفاء النور بقدر ما أنا بتصرفاتي وسلوكي الخاطئة قد حجبت وصول النور عن الآخرين ولذلك كان النفاق خطيراً ولذلك ذمّ ربي النفاق ولذلك جاء الحديث عن المنافقين في آيات النور وفي مقابلتها

                                            (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ)

                                            لماذا؟

                                            أنا حين أتصرف بخلاف ما يُملي عليّ إيماني وتوحيدي إيماني بآيات القرآن العظيم هذا ليس تصرفاً شخصياً، لا، أنا حجبت هذا النور نور أيات الكتاب عن الآخرين عن أن يصل إلى العالم فكان الجزاء من جنس العمل أن يُحجب عني النور في الدنيا وفي الآخرة. ذاك التناقض العجيب الذي يعيشه بعض المسلمين القرآن يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (119) التوبة) وأقوالي وأفعالي تكذِّب والعياذ بالله ما يقوله القرآن.




                                            القرآن في وادٍ وسلوكي وأفعالي في وادٍ آخر.

                                            القرآن يقول (افعلوا الخير) وأنا لا أفعل إلا الشرّ، القرآن يقول كونوا مع الصادقين وكونوا من المتصدقين وأقرضوا الله قرضاً حسناً وأنا وأعمالي شيء آخر!

                                            القرآن يقول وأفعالي تقول شيئاً آخر وبهذه التناقضات المختلفة حجبت النور عن العالم بأسره أوقفت دعوة الأبياء التي قامت على الحق والعدل، والحق والعدل لا يقوم إلا بقوة وليست قوة مادية فقط كما أشار لها القرآن



                                            (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ)



                                            هذه قوة مادية ولكن هناك قوة معنوية ركزت عليها آيات سورة الحديد في البداية تماماً "الحق ودعوة الرسل ودعوة الأنبياء"

                                            لا يمكن أن تحقق في واقع الحياة إلا بقوة معنوية وقوة مادية



                                            . القوة المعنوية هي التي تحملها القلوب العائدة إلى ربها عز وجل المسبِّحة لخالقها سبحانه وتعالى والقوة المادية هي التي جاء ذكرها في قوله عز وجل


                                            (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ).







                                            (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)
                                            ربي سبحانه غير محتاج لنصرة أحد أبداً، كيف وهو القوي العزيز سبحانه؟ ولكن أنا بحاجة إلى أن أنصر الحق وأناصر الحق لأكون من أهل الحق وألحق بركب الصديقين والشهداء وألحق بركب نصرة الأنبياء ورسالاتهم في تحقيق الحق وفي رفع هذا الحق ورفع رايته. وتأملوا معي كيف جاءت الآيات الأخيرة للمقارنة بمن كان من أهل الكتاب، بمن إختاروا طريق العزلة عن المجتمع والناس الرهبانية العزلة عن المجتمع، الحق لا ينتصر بعزلة عن مجتمع في صومعة أو في مكان بعيد عن الناس وبعيد عن مظاهر الخلل والفساد المنتشرة في المجتمع. دعوة الأنبياء ودعوة الحق والعدل لا تنتصر بالعزلة وإنما تنتصر بمكابدة أحوال الناس والمجتمع، بتصحيح الخطأ، ببذل كل ما استطيع لأجل أن أعرف المعروف وأتُبعه وأساهم في أن يتبع الناس ويسيروا على هذا المعروف وأن أُنكر المنكر ولا أُقِرّه.

                                            تعليق


                                            • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                              (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)


                                              حين تصبح الحياة بكل ما فيها تصديقاً لإيمان القلب، حين تصبح الحياة وتصرفاتي وسلوكي في واقع الحياة تنفيذاً لأوامر الله تطبيقاً وتفسيراً لآيات الكتاب العظيم وحملاً لدعوة الأنبياء والرسل بالعدل والحق وإحقاقاً له شيء طبيعي أن أصبح نوراً أن أصبح نوراً ليس فقط في الآخرة أو على الصراط كما هو متوقع بإذن الله ومُنتظر ولكن أنا في حياتي أصبح نوراً وما أحوج العالم الذي نعيش فيه اليوم، العالم الذي تلاطمت فيه ظلمات الباطل، تلاطمت فيه ظلمات الفساد وأصبح يتوق إلى بصيص نور، بصيص نور فقط رغم كل الأنوار المضاءة من حولنا رغم كل ما أنارته الحضارة من كهرباء وغيرها.



                                              ولكن العالم اليوم أحوج ما يكون إلى بصيص نور ولن يتحقق ذلك النور إلا بقلوب قد فاضت بنور الإيمان والكتاب، الذي اكتاب الذي تؤمن به القرآن الذي وصفه ربي بأنه نور ولكن ليتحقق هذا النور في قلبي ينبغي أن اتخلص من كل عوامل القسوة والغفلة والبعد عن الله عز وجل ولا تحجبني الدنيا ببهرجتها عن نفوذ ودخول نور الإيمان العظيم ونور القرآن العظيم في قلبي وحين يشع ويفيض القلب بنور الإيمان وبنور القرآن لا يمكن أبداً أن يقف أمام هذا النور شيء في واقع الحياة فيصبح المؤمن مصدر إشعاع لكل العالم ينير الله به ما يشاء ويفتح أمامه ما يشاء من طرق الخير فيكون حينها الجزاء من جنس العمل، ذاك النور الذي ينتظر المؤمنين لكي يسعى بين أيديهم ويبشرهم بكل خير وبكل عطاء.





                                              سورة الحديد بآياتها العظيمة وبكل ما جاء فيها من عِبَر ومن مواعظ تأخذ بقلوبنا إلى الطريق الصحيح تعيد القلوب العطشى إلى خالقها لتحيي فيها من جديد ما قد خفى وما قد غاب وما قد راح. نسأل الله العظيم أن يحيي قلوبنا بنور الإيمان العظيم وأن يجعل لنا نوراً من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا وأن يجعل في قلوبنا نوراً وفي عقولنا نوراً وفي أعمالنا نوراً يشع خيره وعطاءه للعالم أجمع




                                              والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

                                              تعليق


                                              • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                                تدبر سورة الحشر



                                                د. رقية العلواني







                                                بين أيدينا اليوم سورة الحشر تلك السورة المدنية التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الرابعة من الهجرة تعالج قضية شائكة متعلقة بأمن المجتمع الذي كان يعيش فيه النبي صلى الله عليه وسلم مجتمع المدينة. ذلك المجتمع الذي وصل إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدرك تماماً أنه مجتمع متعدد الأعراق متنوع الديانات أدمته الصراعات بين قبيلتي الخزرج والأوس. وصل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن ينشر الأمن والأمان والسلام في ربوع المدينة صاحبة الأعراق المتنوعة والاتجاهات المتعددة.



                                                النبي صلى الله عليه وسلم حين وصل إلى المدينة بدأ بأول عمل لجمع تلك القلوب القلوب المختلفة فكان ميثاق المدينة ذلك الميثاق الذي أجمع المفسرون والمنصفون من العلماء على أنه أول وثيقة مواطنة تجمع المواطنين من يهود ونصارى ووثنيين على هدف واحد وغاية واحدة الاتفاق على العيش في حدود الوطن بأمن وسلام واحترام للاختلافات الموجودة بينهم فالاختلاف أمر قد فطر عليه البشر لكن ما لم يفطروا وما لا ينبغي أن يكون هذا الاختلاف مشرّعاً للنزاع وللتفرقة وللصراع ولتحريم العيش في وكن يتشاركون فيه تحت أرض واحدة وسماء واحدة.



                                                جاء النبي صلى الله عليه وسلم وأعلن ميثاق المدينة وقام اليهود وغير اليهود من القبائل الموجودة في المدينة بالاتفاق على هذا الميثاق وعلى هذه البنود الواردة في هذا الميثاق. وكان من ضمن البنود أن يقوم كل طرف من الأطراف بحماية المدينة حماية الوطن والدفاع عنه وبذل الغالي والنفيس لصدّ أي عدوان داخلي أو خارجي يهدد أمن المدينة المباركة وكان ذلك بالفعل. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم واجه اعتداءات مختلفة لم تنحصر فقط في اعتداءات المشركين المتكررة وخاصة بعد أن خرج من غزوة أُحد كما نعلم ولكن كان هناك اعتداءات داخلية متمثلة في قبائل اليهود البعض منها وكذلك في اعتداءات المنافقين وما كان يُحاك في الظلام من مؤامرات ودسائس ضد استقرار المدينة وأمنها وسلامها.





                                                وذات يوم خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى بني النضير يطالبونهم بالتعاون في دفع دية القتيلين اللذين قتلهما أحد المسلمين وتلك كانت واحدة من الالتزامات التي تفرض على من قام بالموافقة على ميثاق المدينة "التعاون في دفع الديات". وبالفعل استقبل بنو النضير القبيلة اليهودية النبي صلى الله عليه وسلم استقبالاً حافلاً ورحبوا به ووعدوه خيراً وطلبوا منه أن يجلس في مكان لكي يقوموا هم بالتجهيز لدفع الدية كما وعدوه بذلك ولكن سوّلت لهم أنفسهم أمراً آخر، سوّلأت لهم أنفسهم أن تلك فرصة مواتية لضرب النبي صلى الله عليه وسلم ولضرب ذلك الدين الذي كانوا يستشعرون بأنه يعادي اليهودية



                                                اليهود أرسلوا إلى واحد منهم أن قم إلى مكان النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه صخرة من إحدى السطوح، غاب عن أذهان هؤلاء أن النبي الكريم كان مؤيداً بالوحي من عند الله عز وجل وأن الوحي سيخبره وينبئه بذلك وقد كان ذلك الأمر وقام النبي صلى الله عليه وسلم من مكانه راجعاً إلى المدينة لم يتكلم بكلمة واحدة ولكنه كان مدركاً تماماً أن في ذلك نقض واضح وصريح وخروج سافر على ميثاق المدينة وأن محاولة الاغتيال التي أراد أن يقوم بها هؤلاء اليهود كان نقضاً واضحاً ومباشراً لبنود هذه المعاهدة التي كانت بينه وبينهم. أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم رسالة واضحة أن لا تساكنونني في المدينة وأن الغدر والخيانة ونقض العهود والمواثيق ليس له جزاء إلا الخروج من هذا الوطن. فمن أراد أن يعيش ويشاطرني في هذا الوطن عليه أن يحترم الآخرين عليه أن يحترم الاختلاف عليه أن يحترم ما وجد بينه وبينهم من عهود ومن مواثيق ومن أراد الغدر ومن أراد الخيانة ومن أراد نقض العهود فليس له أي جزاء سوى الإخراج من ذلك البلد الآمن المستقر و أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى يهود بني النضير وأمهلهم عشرة أيام للخروج من ديارهم ومن قلاعهم ومن حصونهم ببعض ما يمتلكون من أمتعة ومن عتاد على أن يتركوا الأسلحة ويخرجوا خارج المدينة.



                                                في بداية الأمر وافق بنو النضير على ذلك، لماذا وافق بنو النضير؟ بنو النضير كانوا على قوة مادية عظيمة لا تدانى كانوا يمتلكون الأسلحة كانوا يمتلكون الذخيرة كانوا يمتلكون الطعام في حصونهم مخزّناً لشهور طويلة تكفيهم المؤونة ولكنهم كانوا يدركون أن النبي صلى الله عليه وسلم بالقوة المعنوية والتأييد والنصر والثبات على مبادئه وعلى الحق أقوى من أي قوة مادية وأن القوة التي كان يحملها في رسالته ومبادئه لن تقف أمامها القوة المادية التي كانوا يمتلكونها! قرروا الخروج وبدأوا بإعداد العدة للخروج من المدينة ولكن سرعان ما جاء عليهم رأس المنافقين والنفاق عبد الله بن أبيّ يغريهم ويبين لهم ويعطي لهم المواثيق والتحالفات بأننا معكم وأننا على خط واحد وأننا على مسيرة واحدة نواجه هذا النبي ةننتهي من هذا الدين الذي شكل تهديداً حقيقياً لمصالحنا الفردية والشخصية فقد كان لهذا المناقق والشلة التي معه كذلك مصالح فردية مصالح شخصية وكان هؤلاء مع اليهود من بني النضير وغيرهم من القبائل لا ينظرون إلى مصلحة الوطن الواحد ولا ينظرون إلى مصلحة مجتمع يتقاسمون معه العيش المشترك ولكن ينظرون إلى مصالحهم الشخصية ومصالحهم الآنية وما أكثر هؤلاء في كل عصر وفي كل وقت وفي كل زمان يجازفون بمصلحة الوطن لأجل مصالح شخصية!.



                                                أعطاهم العهود وبيّن لهم أن أرسلوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم وقولوا له كلمة واحدة: لن نخرج من المدينة، معلنين عليه الحرب وأننا -أي المنافقين- سنقف معكم صفاً واحداً وليس هذا فحسب ولكننا سنقوم بدعوة ومراسلة حلفائنا من المشركين وغيرهم ونعد العدة ونجمع الجمع ونعلنها مدوّية ضد محمد وضد دينه عليها الصلاة والسلام. وهنا تبدأ الآيات القرآنية في سورة الحشر لتبين لنا الأحداث وتوضح ما وراء الأحداث. خرج النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن معه الكثير من القوة المادية وبكل الأحوال قطعاً لم يكن ما يمتلكه من القوة المادية توازي ولو حتى جزءاً يسيراً مما كان يمتلكه بنو النضير ولكنه خرج، خرج وهو يمتلك سلاحاً من نوع آخر خرج وهو يمتلك سلاحاً لم يكن في حساب بني النضير ولا في حساب المنافقين أن له تلك القوة وتلك المنعة وتلك الغلبة ذلك هو سلاح الإيمان سلاح الثبات سلاح القوة المعنوية الذي يبقى سلاحاً صارماً لا يصنّع في أقوى مصانع الأسلحة في العالم ليس فقط في وقت بني النضير ولكن في كل وقت وكل زمان.

                                                تعليق


                                                • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                                  الكون كلُّه يسبِّح لله



                                                  (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)) سورة الحشر
                                                  قبل أن نبدأ بالخوض في تفاصيل سورة الحشر نحتاج أن نقف ونلتفت لبداية السورة ولختام السورة.
                                                  سورة الحشر افتتحها الله سبحانه وتعالى بالتسبيح واختتمها بالتسبيح.

                                                  افتتحها معلناً أن ما في الكون من أرض ولا سماء من أرض ولا طير ولا شجر ولا مخلوق إلا يسبح بحمده سبحانه ينزهه يقدسه يعظمه عن كل ما لا يليق به سبحانه.
                                                  واختتمها الله سبحانه وتعالى بالتسبيح
                                                  وما بين الافتتاح وما بين الختم بها جاءت صفات الكمال والجلال والجمال لله وحده ليؤكد لهذا الإنسان المخلوق على هذه الأرض
                                                  أن عبادة التسبيح تلك العبادة العظيمة لا ينبغي لها أن تتوقف عند حدود لسانه بل ينبغي لها أن تذهب به إلى خلجات نفسه
                                                  فتصبح النفس تسبح بحمد خالقها ويصبح القلب مسبحاً بحمد خالقه وينعكس ذلك على سلوكه وفعله على هذه الأرض
                                                  ليسبّح بأفعاله ليسبّح بأعماله الصالحة ويترك التسبيح مع كل ذرة من ذرات هذا الكون معلناً أن لا خالق يستحق التسبيح والتنزيه والتعظيم والتمجيد إلا هو سبحانه.


                                                  ,,,,,,,,,,,,,,




                                                  حاجتنا إلى القوة الروحانية









                                                  جاءت الآية الثانية من سورة الحشر مذكِّرة المؤمنين ليس فقط في عهد النبي عليه الصلاة ولكن في كل عهد أن الذي ينصر والذي يُخرِج هو الله وحده لا شريك له يقول تعالى
                                                  (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)
                                                  وهنا نتوقف عند تلك الأسلحة التي قدمتها هذه الآية العظيمة ليس فقط لمحمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه وإنما لكل مؤمن بقضية لكل مدافع عن الحق لكل قلب تصدّى للباطل وأراد أن يزهقه أن الأسلحة الحقيقية أسلحة لم يعمل لها بنو النضير حساب، أسلحة لم يعمل لها المنافقون حساب


                                                  إنظر إلى قول الله عز وجل
                                                  (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا)
                                                  المكان الذي لم يعملوا له حساب، بنو النضير قاموا بتجهيز كل العدة التي يحتاجون إليها كل الاسلحة فقد كانوا هم أهل السلام وأهل صناعة الأسلحة لكن المكان الذي لم يعملوا له حساب هو أنفسهم، قلوبهم، القلب الذي لم يكن مسلحاً بسلاح الإيمان قلب واهي قلب ضعيف قلب لا يمكن أن يقف أبداً أمام عواصف الإيمان العاتية ولذا قال ربي سبحانه وتعالى
                                                  (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ)
                                                  الرعب الذي نُصِر به النبي صلى الله عليه وسلم وينصر به كل مؤمن.


                                                  من الذي يقذف الرعب؟ من الذي يقذف الرعب في قلوب بني المنافقين والكفار وقد قذفه في قلوب بني النضير وفي قلوب المنافقين؟ من الذي قذف الرعب؟ ا
                                                  لله الواحد الأحد المستحق للتعظيم وللتنزيه وللتسبيح سبحانه هو القادر وحده فقط على أن يقذف الرعب في قلوب كل معتد أثيم وقد فعل.


                                                  (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)
                                                  خاف بنو النضير شعروا بالرعب شعروا بأن هؤلاء المسلمين الذين بدأوا بحصار حصون بني النضير سيهجمون عليهم هجمة واحدة.
                                                  على الرغم من أنهم كانوا لا يمتلكون الأسلحة بل على العكس الذين كانوا يمتلكون الأسلحة كانوا هم بني النضير السلاح في أيديهم ولكن ما قيمة السلاح حين يحمله قلب ضعيف قلب لا يقوى على مواجهة الإيمان؟! ولا على مواجهة المؤمنين؟


                                                  وهنا يؤكد الله سبحانه وتعالى حقيقة واحدة بارزة للعيان في كل وقت هذه من أعظم قواعد التدبر أقرأ السورة أمر على الأحداث التي وقعت فيها السورة لكي أعتبر ولذلك جاءت ختام الآية الثانية
                                                  (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)
                                                  بمعنى أن تنتقل من الدرس الذي تذكره السورة وتقدمه لك إلى واقعك لتعالج واقعاً أنت تعيشه اليوم وأنت تراه بأم عينيك
                                                  خذوا العبرة خذوا الدرس أن القوة المادية لوحدها مع الباطل كفيلة بأن تردي أصحابها ومن قام باتباعها وتعزيزها وتكريسها إلى مهاوي الخذلان والهزيمة.

                                                  ,,,,,,,,,,,,


                                                  وما النصر إلا من عند الله


                                                  (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ سورة الحشر - الآية 4
                                                  كل من اتخذ طريقاً يشاقّ فيه الله عز وجل يحادده يعلن العداء لمبادئه يعلن العداء لتعاليمه وتشريعاته التي أنزلها على أنبيائه، من باطل ومن منكر من ظلم ومن عدوان من استهتار بحقوق الآخرين كل من أراد وقام بهذا الطريق وشق له طريقاً بعيداً عن طريق الله عز وجل وتعليماته وتشريعاته فقد أعلنها حرباً على الله سبحانه وتعالى

                                                  ولذا جاء ختم الآية بقوله
                                                  (فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
                                                  آمنت بالله؟ سبّحت الله عز وجل؟ إتخذته رباً؟ عليك أن تقوم بتنفيذ أوامره في واقع الحياة، ما هي نتائج المعركة؟
                                                  لا تنظر فقط إلى النتائج، هناك أمر فوق عالم الحسّ هناك عالم آخر فوق عالم الحسّ الذي تراه فوق عالم المشاهدة الذي نراه عالم يتحكم فيه الله سبحانه وتعالى أمراً ومنعاً وعطاء وأخذاً وغلبة ونصراً هذا العالم هو الذي يستحق الله سبحانه وتعالى أن تسبحه لأجله.

                                                  ولذا يقول الله عز وجل آية بعد آية في سورة الحشر
                                                  (وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ (6))
                                                  إذن الذي أخرج والذي أفاء والذي أعطى والذي نصر والذي قام بكل ذلك الله سبحانه وتعالى وهذه عظمة التوحيد. عظمة التوحيد أن يستشعر المؤمن أن الله عز وجل هو الذي يدبر الأمور أن ما نراه في الواقع الذي نعيشه لا يمكن إلا أن يكون بأمر الله، قمة التوحيد.

                                                  قمة التوحيد ليس فقط أن أعلن وأن أقول أن لا إله إلا الله وإن كان ذلك جزء لا يتجزأ من الإيمان والتوحيد ولكن قمة التوحيد أن أستشعر ذلك التوحيد أن أحقق مبادئه عملاً وسلوكاً في الواقع الذي أعيش فيه مهما اختلفت الصور ومهما تباينت عندي الرؤى ولكن يبقى التوحيد دائماً حاضراً في قلبي وفعلي وسلوكي ولذا ربي عز وجل يختم الآية السادسة فيقول
                                                  (وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
                                                  مؤكداً للمؤمنين في كل وقت أن النصر لا يمكن أن يتحقق إلا من عند الله، مؤكداً لهم أن الغلبة من عند الله عز وجل أن النصر بيده كل ما عليك أنت أيها المؤمن أن تحقق الإيمان في قلبك في نفسك في واقعك وفي مجتمعك وأن تحمل الراية صدقاً ويقيناً راية الدفاع عن المبادئ راية الدفاع عن تلك الحقوق راية الدفاع عن ذلك التشريع الإلهي العظيم ثم الله سبحانه متكفل بنصرك متكفل بأن يظهرك على من عاداك


                                                  يتبع


                                                  اسلاميات

                                                  تعليق


                                                  • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                                    أعظم أنواع الهجرة





                                                    (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ)

                                                    لأي غاية؟
                                                    (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8))


                                                    وهنا علينا أن نتوقف ونضع عشرة خطوط تحت قوله تعالى
                                                    (وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)
                                                    إذن لم يكن الخروج لذات ولم يكن لمصلحة مادية ولم يكن جرياً وراء الدنيا ومتاعها الزائل الذي لا قيمة له وإنما كان نصرة للحق الذي أنزله الله، نصرة للمبادئ التي أنزلها على نبيه، نصرة لهذا الدين إحقاقاً لحق وإزهاقاً لباطل.
                                                    عندما تتحول الغاية إلى غاية نبيلة لا عليك أيها المؤمن ممن يعاديك، لا عليك ممن حولك، لا عليك مما تركت وعن أي شيء تنازلت إذا كانت الغاية نبيلة وصحّت عندك الغاية وكان الغاية هي الله ورسوله فلا عليك من أي شيء بعده، وهكذا فعل المهاجرون وهكذا يفعل المؤمنون في كل وقت وآن يفعلوا أي شيء يتركوا كل شيء وراء ظهورهم لأجل الله وحده طمعاً فيما عند الله متيقنين بأن الله سبحانه سيعطي لأنه لا يعطي أحد إلا الله ولا يمنع على وجه الحقيقة إلا هو سبحانه وتعالى.

                                                    لم يفكر المهاجرون أبداً في تلك الأثناء بما خلفوه وراء ظهورهم من أموال وتجارة وأولاد ووطن لأن التفكير كان منصباً على شيء واحد لا غير نصرة هذا الدين ونصرة الحق الذي آمنوا به، وماذا كان الجزاء؟


                                                    أما الوطن فقد أعطاهم الله سبحانه وتعالى عوضاً عنه وأعطاهم الأرض يتبؤون منها حيثما يشاؤون نصرة لهذا الدين ونشراً لمبادئه وإحقاقاً للحق. ثم دانت بعد ذلك مكة لهم وعاد الوطن لهم ولكنه ليس وطناً ضعيفاً منهزماً منكسراً تحت أذيال الوثنية وإنما وطناً قوياً مزدهراً بقوى الإيمان والحق والعدل والتوحيد. أما المال فقد عوّضهم الغني الذي لا يخرج شيء في هذا الكون عن ملكه سبحانه أعطاهم الملك أعطاهم من خزائنه سبحانه وأفاء عليهم من أموال بني النضير وغيرهم وكأن بني النضير هؤلاء كانوا يجمعون المال لهؤلاء المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم في سبيل الله.


                                                    <<<<<<<<<<<



                                                    الإيثار والعطاء والإحساس بالآخرين..





                                                    تأتي آية على صنف من أصناف البشرية على تقديم مثال عظيم من الأمثلة التي استطاعت أن تتغلب على شح النفس وعلى طمع النفس وعلى شهوات المال والدنيا لتعلن بذلك أن الإيمان وحده هو القادر على أن يشفي النفوس من أدوائها الأنصار. الأنصار الذين استقبلوا المهاجرين بكل رحابة صدر، الأنصار الذين استقبلوا المهاجرين من المؤمنين بقلوبهم قبل أن يستقبلوهم في ديارهم




                                                    ولذا قال كثير من المفسرين أن ما كان أحد من المهاجرين ينزل على بيت من الأنصار إلا بالقرعة من شدة ما كان يتنازع الأنصار على أخذ هؤلاء المهاجرين واستقبالهم في بيوتهم، تلك النفوس التي استطاعت أن تتغلب على الشح الطمع على الجشع على الأنانية على الأثرة لتؤثر الله ورسوله على كل شيء ولذا امتدحتهم الآية التاسعة في سورة الحشر فقالت


                                                    (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)




                                                    ما أحوجنا اليوم في هذا العصر الذي نعيش فيه في هذا العصر الذي تكالبت فيه أدواء الشح والطمع والنزعات الفردية والأنانية أن نتخلص من هذه الأدواء أن نصبح أكثر غنى ليس بالمال وليس بالاشياء المادية التي نمتلك ولكن بالنفوس التي تستطيع أن تتغلب على الجشع والطمع والأنانية، أن يكون لنا الأنصار قدوة وأسوة نسير على خطاهم ونسير على آثارهم.



                                                    من الذي أعطى الأنصار وعوضهم خيراًً؟


                                                    من الذي أعطى المهاجرين وعوضهم خيراً؟


                                                    من الذي جعل البركة في التعاون والتعايش في ذلك المجتمع العظيم مجتمع المدينة؟


                                                    مجتمع المدينة التي كانت قد أدمته الصراعات والنزاعات أسبغ الله عليه نعمه ظاهرة وباطنة، أسبغ الله عليه نعمة الأمن والأمان والسلام والاستقرار التي لا تشترى بالأموال ولا تباع في الأسواق العالمية أبداً، لا تشترى إلا بالإيمان، لا تشترى إلا بالإيثار، لا تشترى إلا بالتخلص من شح النفس وأطماعها وأهوائها وشهواتها وحبها للنفس على الآخرين.


                                                    تعليق


                                                    • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                                      تسلح بالتقوى





                                                      (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)10 الحشر


                                                      ما الذي يجمع بيننا وبين الأنصار والمهاجرين وقد فرقتنا تلك القرون الأزمنة؟ الجامع المشترك هو الإيمان، الدين واحد والرب واحد والكتاب واحد والمبادئ والقيم التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم واحدة باقية خالدة إلى قيام الساعة. المشترك بيننا ذلك الدعاء المشترك بين تلك الأجيال الداعية إلى الحق التي تتشارك في المصير تتشارك في المبادئ تتشارك في القيم.





                                                      (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18))الحشر



                                                      نداء التقوى ذلك النداء المحبب، وما معنى اتقوا الله؟


                                                      وما معنى أن يخاطب الله عز وجل ليس فقط النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وإنما يخاطب كل المؤمنين بكلمتين في التقوى في آية واحدة



                                                      إجعل بينك وبين الله عز وجل وقاية، إتقِ الله في كل عمل تقوم به، إتقِ الله في خلجات نفسك، إتقِ الله في الوقوف بالأسباب الحقيقية للنصر، إتقِ الله في تحقيق الحق، إتق الله في نصرة الحق الذي تؤمن به، إتق الله في تحقيق التوحيد والإيمان والتنزيه لله سبحانه، إتق الله في كل شيء، كل عمل تقوم به عليك أن تراقب الله عز وجل فيه، لا يهمك من حولك الرقابة الحقيقية للمؤمن هي رقابة النفس رقابة الذات (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) النساء)


                                                      يراقب الله عز وجل في كل نفس في كل لحظة في كل عمل في كل قول في كل كلمة يعلم أنه


                                                      (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق)



                                                      وهكذا المؤمن على خوف على وجل على تقوى من الله عز وجل يعصمه من الوقوع في الظلم يعصمه من التنافس على الدنيا يعصمه من إهدار حقوق الآخرين يعصمه من الوقوع فيما وقع فيه بنو النضير وغير بني النضير من المنافقين حين اعتبر أن الخلاف الذي بينهم وبين المسلمين مسوغاً لإقامة المعارك والنزاع والصراع، هؤلاء النفر الذين كان يؤججون الصراع يؤججون الفتن يؤججون الحروب في كل وقت وزمان ليس لأجل نصرة حق أو مبدأ على الإطلاق بل نصرة لنزاعات فردية وما أكثر هؤلاء النفر في كل مجتمع وفي كل وقت.

                                                      لهؤلاء جميعاً عليك أن تتحقق بالتقوى، السلاح الحقيقي لمواجهة مخاطر هؤلاء في كل زمان أن تتسلح بالتقوى أعظم سلاح بين كل الأسلحة

                                                      ,,,,,,,,,,,,,,,,,,



                                                      (نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ)







                                                      (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19))الحشر

                                                      وهل يمكن للإنسان أن ينسى ربه؟!



                                                      هل يمكن للمخلوق الضعيف الذي خلق من الضعف والوهن


                                                      أن ينسى خالقه سبحانه؟!


                                                      هل يمكن لهذا المخلوق أن يغيب عن باله الرب الخالق سبحانه وتعالى؟!


                                                      هل يمكن أن يتحقق ذلك؟!



                                                      للأسف الشديد ممكن، ممكن أن يقع الإنسان في حالات ضعف وفي حالات بعد عن الله عز وجل فيطرق كل الأبواب وينسى أن يطرق باب الرحمن سبحانه.


                                                      يمكن أن يسأل كل الناس ويظن أن القوة عند هؤلاء أو هؤلاء


                                                      وينسى أن القوة بيد الله.


                                                      يمكن أن يظن في لحظة من اللحظات أن النصر والأمن والسلام والاستقرار لا يتحقق في مجتمعه إلا بالتحالفات مع قوى الغرب أو الشرق ويسنى الله عز وجل،


                                                      ممكن أن يغفل عن ذكر الله بلسانه وقلبه وعمله ويمكن أن يجري على لسانه ذكر الله عز وجل وتسبيح الله ولكنه يغفل عنه في تحقيقه في الواقع يغفل عنه في تحقيق الأمانة، يغفل عنه في أداء الحقوق، يغفل عنه في التعامل مع الآخرين، يغفل عنه في إحقاق الحق وإزهاق الباطل وما أصعب وما أشد أن ينسى الإنسان ربه!


                                                      وماذا يحدث إذا نسي الإنسان ربه عز وجل؟



                                                      أنساهم أنفسهم، أنساهم ما يصلح النفس، ما يصلح النفس في الدنيا والآخرة



                                                      ولذلك نجد لو نظرنا إلى سورة الحشر سنجد أن المنافقين هم الذين نسوا أنفسهم في هذه السورة، الله عز وجل قدّم لنا مثالاً في سورة الحشر، كيف؟


                                                      تحالفوا مع يهود بني النضير ضد النبي صلى الله عليه وسلم نسوا الله نسوا أن الذي يدير المعركة هو الله اغتروا وسولت لهم أنفسهم أن القوة بيد بني النضير لأنهم كانوا يمتلكون القوة المادية وأن محمداً واصحابه الذين لا يمتلكون من القوة المادية ما يمتلكه بنو النضير، هم الضعفاء، نسوا الله فأنساهم أنفسهم، نسوا الله فأنساهم مصالح النفس في الدخول في تعاهد مع النبي عليه الصلاة والسلام وليس مع هؤلاء اليهود الذين أخرجهم الله من ديارهم منكسرين منهزمين لا قيمة لهم على الرغم من كل النواحي المادية التي كانوا يمتلكونها.

                                                      ,,,,,,,,,,,,,,,,






                                                      قد لا يتحقق النصر لأي سبب من الأسباب في هذه الدنيا


                                                      للمؤمن اختباراً امتحاناً ابتلاء من الله عز وجل


                                                      ولكن النصر الحقيقي ولكن النتائج الحقيقية ستظهر حقيقة يوم القيامة


                                                      (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20))الحشر


                                                      ذلك هو الفوز الحقيقي.




                                                      ثم تأتي الآية العظيمة لتبين علاقة الإنسان في كل عصر وزمان بهذا القرآن العظيم كيف تتجدد علاقة القوة والتذكر لله سبحانه.


                                                      الآية التي قبلها حذّر الله سبحانه وتعالى من نسيان الإنسان لربه حذّر منها تحذيراً شديداً مؤكداً أنها سبب الهزيمة في كل وقت.



                                                      والآن يقدم لي العلاج، يقدم لي الدواء كيف لا أستطيع أن أنسى الله عز وجل في قلبي ونفسي ولساني وسلوكي وتصرفاتي؟ كيف؟


                                                      هذا القرآن


                                                      (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21))الحشر


                                                      الجبل القاسي الحجر الأصم لو وضعت فيه وسائل الإدراك التي وضعت في الإنسان من قلب وإبصار وحس وسماع واستمع لهذا القرآن العظيم وأنزل هذا القرآن عليه لتشقق وتصدّع من خشية الله، لأثّرت فيه مواعظه، لأثّرت فيه الآيات الواردة فيه، لأثرت فيه الوقائع والأحداث التي جاءت في سورة الحشر وفي كل سور القرآن لتربط بالواقع الذي نعيش فيه، القرآن العظيم لم ينزل ليعبّر فقط عن أحداث تاريخية معزولة أو منفصلة عن الواقع الذي نعيش فيه، إطلاقاً، القرآن نزل ليعبر الإنسان من خلال تلك الأحداث الحقيقية من خلال تلك الوقائع التي مرت بالنبي عليه الصلاة والسلام إلى واقعه إلى مستقبله ليتفطن ليغيّر ليدرك ليصحح أوضاعاً غير صحيحة في مجتمعه في نفسه في سلوكه في علاقاته.



                                                      (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ (21))


                                                      لأي شيء؟


                                                      (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21))


                                                      عبادة التفكر، التفكر والربط بين ما نقرأ في القرآن وبين الواقع الذي نعيش فيه.

                                                      ,,,,,,,,,,,,,,,,,


                                                      من أسماء الله الحسنى كما جاءت في القرآن

                                                      (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ*
                                                      هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ*هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)سورة الحشر
                                                      (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22))
                                                      لماذا قدّم الغيب على الشهادة؟
                                                      الغيب ما غاب عن الحس ما غاب عن الشيء الذى أراه وأحسه هناك عالم، عالم الغيب الذي لم يتفطن إليه ولم يدركه اليهود من بني النضير عالم الغيب الذى غاب عن حس المنافقين لم ينتبهوا إليه ولكن المؤمن الذى آمن بالله رباً المؤمن الذي يؤمن بالغيب ومن أعظم صفات المؤمنين أنهم يؤمنون بالغيب وأول صفة من صفات المؤمنين أنهم يؤمنون بالغيب. يستحضر وعد الله عز وجل كأنه يراه أمام عينيه، يستحضر الوعد بالنصر يستحضر الإيمان واليقين بقوة الله عز وجل. هذا الدافع الحقيقي الذي يدفع به للنزول في واقع الحياة مصححاً مرشداً معلناً مبيناً مؤكداً أن الحق في نهاية الأمر هو الذي سيغلب مهما تلاطمت من حوله أمواج الباطل.
                                                      يقول الله عز وجل مؤكداً هذه الحقيقة ومرسخاً للتوحيد فى قلوب المؤمنين
                                                      (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ (22))
                                                      إيماننا بالغيب يعيد الأمل إلى النفوس يعيد الأمل إلى النفوس المتعطشة لإحقاق الحق أن عمر الباطل مهما طال فهو إلى زوال.
                                                      (هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22))
                                                      لا يخرج شيء فى هذا الكون عن حكم الله سبحانه ورحمته الرحمة التى أرسل بها النبي الكريم الرحمة التي أرسل بها هذا النبي وكل من يؤمن بمبادئه الرحمة التي نزلت على مجتمع المدينة وتنزل على أي مجتمع متعطش للأمن والإستقرار والسلام
                                                      (الْمُهَيْمِنُ (23))
                                                      سبحانه المهيمن المتصرف في مملكته عطاء ومنعاً أخذاً وعطاء كل هذه المخلوقات التي تعيش في هذه الأرض كل هذه المخلوقات كل هذه المجتمعات كل هذه الأحداث لا تخرج عن هيمنته سبحانه وتعالى أبداً ولذا نصيب المؤمن ويقينه بأن الله عز وجل الرب المتصرف يعطيه الأمل يعطيه فسحة من الأمل بأن النصر آتٍ لا محالة نصر الحق نصر الفجر الذي سيأتي به الحق الذي يؤمن به فى صدره.
                                                      (الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23))
                                                      يستحق التسبيح يستحق سبحانه التنزيه عن كل ما لا يليق يستحق وحده سبحانه أن ننزهه عما علق فى نفوسنا وفي قلوبنا في بعض الأحيان من صرف التوحيد إلى غير المكان الذي ينبغي أن يصرف له.

                                                      المؤمن حين يغفل عن تحقيق معنى التوحيد الخالص النقي الذي لا شائبة فيه من أي شعور أو إحساس بقوة أو غلبة أو ملك أو غنى عند أحد سوى الله عز وجل. هذا التسبيح الحقيقي هذه العبادة العظيمة عليّ أن أعيدها إلى قلبي ليصبح التسبيح ليس فقط مجرد أن أقول بلساني سبحان الله ولكن أن أقول بفعلي أن أقول بقلبي سبحان الله أن أؤمن إيماناً يقينياً يعيد للإيمان قوته وجولته فى الحياة في الواقع إيماناً بأن الله هو المتصرف في ملكه بأن الله هو الذي سيحق الحق الذى أؤمن به إيماناً بأن الله سبحانه هو الذي ينصر هو الذي يعطى هو الذي يأخذ هو الذي يمنع إيماناً تسهل معه التضحيات لأجل إحقاق الحق


                                                      تعليق


                                                      • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                                        قد ورد في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ سورتي الإسراء والزمر قبل أن ينام؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عن عَائِشَةُ رضي الله عنها، "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «لاَ يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ الزُّمَرَ، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ»".

                                                        محور السورة الإخلاص، الإخلاص الذي لا يُقبل أيّ عمل من الأعمال دون وجوده في قلب المؤمن. كثير من سور القرآن محورها الأساس هو بناء الإخلاص وهو سرٌ في قلب الإنسان، بين الإنسان وربه عز وجل ولكن الجميل والعظيم في هذه السورة التي خصصت للإخلاص أنها تعلمني كيف أُنمّي الإخلاص في قلبي سواء في التوحيد والاعتقاد أو في العمل ولا بد أن يسبق الإخلاص في الاعتقاد الإخلاص في العمل. والجميل أيضاً أن الله عز وجل ولذلك سميت هذه السورة عند معظم التابعين “سورة الغرف” لأنه قد ورد فيها وصف الغرف والغرف التي جاء ذكرها في آخر السورة سنأتي عليها جعلنا الله من أهلها وردت في سور أخرى ولكن ليس بهذا الوصف الذي جاء في هذه السورة العظيمة.

                                                        ورد في البخاري عن وصف الغرف: عن أبي سعيد الخدري قال: “قال النبي صلى الله عليه وسلم إنَّ أَهْلَ الجنَّةِ ليتَراءونَ أَهْلَ الغرفِ مِن فوقِهِم، كما تتراءونَ الكوكبَ الدُّرِّيَّ الغابرَ منَ الأفقِ منَ المشرقِ أوِ المغربِ، لتَفاضلِ ما بينَهُم قالوا: يا رسولَ اللَّهِ تلكَ مَنازلُ الأنبياءِ لا يبلغُها غيرُهُم، قالَ بلَى، والَّذي نَفسي بيدِهِ ! رجالٌ آمَنوا باللَّهِ وصدَّقوا المُرسَلينَ. الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: مسلم – المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 2831- خلاصة حكم المحدث: صحيح” أهل الجنة يترآؤن أهل الغرف كما نرى النجوم في الدنيا وهذا يدل أن الجنة متفاوتة المنازل، جعلنا الله في أعلاها.

                                                        التفاضل بين أهل الجنة في المنازل والمراتب. إذا كان أهل الجنة ينظرون إلى تلك الكواكب البعيدة أهل الغرف بهذا البعد والعلو إذن لا يمكن أن تكون هذه منزلة لأحد عادي من البشر فتساءل الصحابة تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم بلَى، والَّذي نَفسي بيدِهِ ! رجالٌ آمَنوا باللَّهِ وصدَّقوا المُرسَلينَ، نسأل الله أن يجعلنا منهم. إذن مبدئياً من الأساس التفاضل في الدرجات ما بين أهل الجنة شيء رائع أعلاها أصحاب الغرف والمنزلة ما بينهم وبين أهل الجنة كما ينظر أهل الأرض الآن إلى الكواكب البعيدة عنهم. السؤال جاءت في سورة الزمر تحديداً وسورة الزمر تتكلم عن الإخلاص، صحيح أن الله سبحانه وتعالى لا يُدخل أحداً منا الجنة ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمله ولكن الجزاء من جنس العمل فعندما أطلب أن أكون من أهل الغرف أعلى درجة لا بد أن أوطن نفسي على عمل أهل الغرف، صحيح أني لن أبلغ بعملي ولكني لأن الله وفقني لأعمل شيئاً لا بد، ولذلك من يطلب الحسناء لم يغلها المهر، سيدفع. والذي ينجح بمعدل 50 ليس كمن ينجح بمعدل 98 ولا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. أنا أوطن نفسي من البداية في سورة الزمر أن المسألة تحتاج إلى مجاهدة نفس وتحتاج أن أهيء نفسي للعمل وهو يسير على من يسّره الله عليه.

                                                        أول بناء في بناء الإخلاص أن أتعرف على الله عز وجل ونحن لا نتعرف عليه سبحانه وتعالى إلا من كتابه وآياته المبثوثة في الكون فربي عز وجل يتعرف إليّ بالقرآن ولذلك بدأها فقال
                                                        (تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) ثم توالت صفات الله عز وجل حتى يعرّفني، لماذا يعرّفني؟

                                                        فلنا أن الإخلاص معناه أن أُخلّص، أن أنقي اعتقادي، عملي، إيماني، لكي أعرف أن أصل إلى مرحلة النقاء عليّ أن أعرف من هو الرب الذي أعبده سبحانه وتعالى الذي لا تدركه الأبصار، لما أريد أن أخلط عملي بالنظر لرؤية الخلق ولممدحة الخلق ولثناء الناس ما الذي ضيعته على نفسي؟!

                                                        سنجد ما يقابل الإخلاص وهو الشرك الخفي والعياذ بالله، الرياء، أن أبتغي بعملي محمدة الناس، أن أبتغي بعملي نظر الناس إلى ما أقول وهذه كارثة تحلق العمل لأن الله عز وجل أغنى الشركاء عن الشرك لا يقبل أن يشرك به لا في الاعتقاد ولا في العمل. في العمل أريد أن أضرب أكثر من عصفور بحجر أما في الإيمان والعمل لا ينفع ضرب العصافير لا ينفع!

                                                        ما معنى (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) الأنعام) وأنا أتوجه أتوجه إلى الله بعملي بعقيدتي بتوحيدي ولن أتوجه بكلّي إلى الله إلا لما أعرف من الرب الذي أنا أعبده ولذلك جاءت الآيات واحدة تلو الأخرى وأول قضية ذكرناها أنه لا وساطة ولا وسطاء بيني وبين الله عز وجل ليس بيني وبينه إلا أن أقول يا رب وهو قريب يجيب الداعي إذا دعاه وأتوجه إليه بصدق وإخلاص.


                                                        ثم توالت الآيات في التعرف على آيات الخلق، ولذلك الآيات التي ستأتي آيات عظيمة
                                                        (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى (5)) (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)) (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67))
                                                        إذن أنا عليّ أن أصحح في القلب أصحح في داخلي وفي اعتقاي أن لا أحد يملك لي ضراً ولا نفعاً إلا الله عز وجل وإلا بأمره سبحانه فلما أبدأ أضع الناس في منازلهم لا يهمني شيء عندها وهذا ليس تقليل لاحترام الناس لكن تقليل لوضع البشر الذين هم مثلي، كل البشر، أمراء، فقراء، سفراء، أغنياء، كلهم يشتركون فيما أنا اشترك فيه يمرضون يتعبون، يسقمون، يفتقرون إلى رحمة الله، يموتون، كلهم في ذلك سواء، ليس هناك تفرقة ولا درجات، نحن نضع الدرجات في الدنيا، فلما ربي عز وجل يقدّم لي في هذه الآيات الملك الحقيقي ولذلك جاءت (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6))

                                                        الملك الدائم الباقي الذي لا يفنى ولا يزول ولا يحول ولا يتغير ولا يتبدل ولا ينقص ولا يتهدد مُلك الله عز وجل ملك حقيقي ليس فقط على وجه التصرف إذن السؤال الآن يأتي التدبر في معاني القرآن: لما تستقر هذه الحقيقة في قلبي أبعد ذلك يتوجه قلبي وتطرف عيني على أحد من البشر أن يمتلك لي نفعاً أو ضراً أو موتاً أو حياة أو نشوراً؟ أو منعاً أو عطاء أو مرضاً أو شفاء؟ لا يمكن لأن الوجه والقلب توجه لمن له الملك الحقيقي سبحانه ولذلك جاءت الآية مباشرة بعدها (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ (7)) لكن في نفس الوقت (وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ) لماذا؟

                                                        لأنه ربٌ خلقنا ويحبنا لا يرضى لنا الكفر ليس لأنه سبحانه بحاجة إلى إيماننا ولكنه لأنه لا يرضى لعباده الكفر، وليس الكفر هنا بمعنى أن أكفر بالله عز وجل عياذاً بالله ولكنه نقيض الإخلاص أن ينصرف قلبي بالاعتقاد أن أحداً من الناس يملك لي ضراً أو نفعاً. هذه قضية خطيرة، هذه في الاعتقاد ليس في العمل. نحن نتعوذ بالله من الرياء ولكننا لا نستطيع أن نغفل – وسورة الزمر تعيد القضية إلى نصابها – أحياناً نغفل، لم نرائي؟ لم نحب محبة الناس؟ لم نفعل لأجل الناس؟ أو أفرح فرحاً شديداً يخرجني عن إرادة العمل عندما يقول عني أحد كريمة أو حلوة الحديث؟! لم؟ خلل في الاعتقاد جاء من تصور أن الناس يملكون لي بطريقة أو بأخرى ضراً أو نفعاً فالسورة من البداية حطّت هذا، لا يستقيم مع الإيمان، لندع الحقيقة تستقر في أنفسنا، ولذلك هذه الآية
                                                        (لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) الملك لله، كل ما نطلبه وما لا نطلبه بيد الله الواحد القهار فأتوجه لله الواحد القهار، هنا يبدأ التوحيد يتخلص من الشوائب، تسقط عنه الشوائب وللك عندما يقول (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ (3)) منقى من الشوائب كيف ينقى من الشوائب؟

                                                        بقرآءة السورة وهنا نفهم لم كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على تلاوتها قبل أن ينام في الليل لأنها تثبت المعاني والخطاب موجود
                                                        (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (11)) أمر، التزام، الدين هنا التزام مجموع التشريع والأحكام كلها لله ولا تستقيم هذه الالتزامات إلا لما نبني بناء صحيحاً في قلوبنا


                                                        العجيب في سورة الزمر ومن أعاجيب السور والقرآن كله عظيم وأحسن الحديث يأتينا بالصورة والمقابل النقيض لها وهذا ليس في موضع واحد وإنما في عدة مواضع في السورة (وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ (8)) هذا كل البشر مؤمن كافر عاصي مطيع الكل عندما يمسه الضر مسّاً يتوجه إلى الله عز وجل (مُنِيبًا) يعني صدقاً، ما الذي كسر القشة وأصبح هذا القلب القاسي الذي لا يعرف له رب ما الذي جعله يتوجه لله وقت الشدة حتى الملحد الذي لا يعترف بوجود رب (اللادينيين) لما يصاب بشدة حقيقية ورأى الموت بعينيه يقول (Oh my God) ما الذي كسر هذا؟
                                                        شعور الإنسان بحجمه الطبيعي، بضعفه بعجزه وأن الملك لله الواحد القهار، انكسر الجحود الذي فيه انكسرت عناصر القوة المزيفة التي كان يتخيل أنه في قوة
                                                        (ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ (8)) بعض العلماء قالوا في تفسير الآية ليس بالضرورة أنه كان كافراً ثم أصبح مؤمناً ثم مشركاً ولكن الكلام عن الإخلاص، ساعة الشدة يدرك تماماً أن لا أحد ينقذه ساعة الشدة إلا الله عز وجل مهما عرف من الناس الوجهاء القريبين والبعيدين لا يملكون له شيئاً فيتوجه إلى الله عز وجل وحده لا شريك له. بعدما تنتهي النعمة (خَوَّلَهُ نِعْمَةً) نلاحظ دقة اللفظ القرآني وإعجازه في كلمة (خَوَّلَهُ) يعني أعطاه جزء من حرية التصرف في شيء، ما أعطاه نعمة، وهكذا عطاء الله اختباراً منعاً وعطاء فإذا خوّل النعمة نسي ما كان يدعو إليه ورجع للأنداد والأنداد هنا ليست بمعنى الأصنام وليست بمعنى الشرك والطواغيت ولكن بمعنى أنه لا يتوجه بالإخلاص بقلبه لله يرجع لما كان عليه يعتقد أن فلاناً يملك له ضراً وفلان يملك له نفعاً، رزقه بيد فلان وعطاء بيد آخر وبالتالي ولذلك يتوجه قلبه مرة على فلان ومرة على فلان، عينه معلّقة برضى فلان وبغضب فلان فيصبح مشتتاً كما سيأتي عليه المثل في الآيات التي تليها، هذه صورة لإنسان غير مخلص.

                                                        أما الإنسان المخلص الذي طبّق الإخلاص في حياته كيف هو؟ السؤال كان هل توجهي لله وقت السراء كما هو في وقت الضراء؟ وليس المقصود في وقت الدعاء فقط لكن أين قلبك؟ هل قلبك وإنابتك لله في حال الرخاء وفي حال الفرح والسعادة كما هو في وقت الشدة والإحساس بالعجز؟ أم لا؟ هنا نكتشف درجة الإخلاص. هذا سؤال مهم لأنه هو المحك الذي نعرف به درجة الإخلاص التي لا يملك أحد من الناس قياسها لأنها سر بين العبد وربه، إذن كيف أعرف إن كنت مخلصة أم لا؟
                                                        بهذا الاختبار.





                                                        اسلاميات


                                                        يتبع




                                                        التعديل الأخير تم بواسطة امانى يسرى محمد; 24/12/2020, 03:44 AM.

                                                        تعليق


                                                        • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                                          (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ (9))
                                                          لم يمر في شدة لم يمر في محنة لم يمر في فقر أو مرض أو في المستشفى، هو يعرف الله في الشدة كما يعرفه في الرخاء، يعرفه في الأفراح والدنيا مقبلة عليه والأعراس لأن البعض في الأفراح ينسى كل شيء! يبدو من الصخب والمزامير والطبول ينسى الدنيا وكأن حياته هي هذا العرس الذي لا يدوم إلا سويعات في عمر الزمن والله عز وجل وهو الملك وهو أغنى الشركاء عن الشرك يحب العبد أن يسأله في الرخاء كما يسأله في الشدة، لك أن تخيلي وأنت في وسط العرس والفرح تقولين بقلبك يا رب اغفر لي وارحمني، اذكريه حين يغفل عن ذكره الغافلون!
                                                          الإخلاص الذي تربيه في قلبي سورة الزمر يبني في قلبي أن يكون القلب معلقاً بالله عز وجل. ولذلك استحق جزاء الغرف. والغرف ليست كباقي المنازل وفيها يتنافس المتنافسون.

                                                          ليس عنده طلب محدد أن يكشف الله ما به من ضر هو كل الذي يهمه أنه يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه، هذه كل أمنيته وقدّم يحذر الآخرة على ويرجو رحمة ربه بخوف، يعيش في قلقل، يعمل العمل وهو غير متأكد هل قبل الله تعالى منه أم لا؟ يحمل همّ قبول الله لعمله. كم مرة نحن نحمل همّ إن كان ربي تقبل مني أم لا؟ كم مرة ندعو الله عز وجل ونلح على ربنا أن يتقبل منا دعاء المضطر لا دعاء من له حاجة طالب المصلحة الذي يدعو وقت حاجته وعندما تنقضي يتوقف! لا، أصحاب الغرف شيء آخر، هذه أولى عباداتهم.

                                                          وتختم الآية بقوله سبحانه وتعالى

                                                          (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (9))
                                                          من يصل إلى هذه الحقائق؟
                                                          أصحاب العقول الموزونة الكبيرة التي تعرف أن تفرّق بين الزائل الفاني الذي لا يساوي فلساً الدنيا بمتاعها وبين الباقي الذي لا زوال بعده. نحن في الدنيا اعتدنا أن نشتري وندفع الأموال في أشياء نريدها أشياء زائلة ونحن نريد أن نشتري في الآخرة، فلنقارن وسورة الزمر مقارنة، نحن نريد أن نشتري غرفة من هذه الغرف والشراء في الآخرة ليست نقداً وإنما دفعها أعمال قلبية توحيد، أدفعه من قلبي، من نفسي من مراقبتي لله بقلبي والله هو الغني سبحانه وتعالى عنا وعن أموالنا فالمال ماله هو أعطانا إياه لكن الكلام هنا عن القلب عن الإخلاص عن التوجه بالعمل لله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له.


                                                          (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10))
                                                          يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب والكريم لما يعطي يعطي بلا حساب!.
                                                          الإخلاص يحتاج لصبر ومجاهدة نفس، النفس تحب أن تُمدَح وتحب أن ترى نفسها، وتحب أن يقال عنها كل شيء جميل ويعجبها أن تكون في منزلة جميلة والناس لا تنتقدها ويقولون عنها كل أمر طيب، هذه ليست مشكلة لكن تبدأ المشكلة عندما يتعارض هذا مع ما يرضي الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. النبي صلى الله عليه وسلم كان في مكة وقومه أسموه الصادق الأمين وامتدحوه يستشيرونه ويأتمرون بأمره ولكن بعدما جاءت الرسالة وقال ما لم يعجبهم قالوا عنه ساحر وكاهن ومجنون وتقوّل علينا بعض الأقاويل! السؤال في مثل هذه الحال، انظر الموازنة: رضى الله أو رضى الناس؟!
                                                          لذلك جاءت الآية (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا) الخطاب في السورة ليس فقط للنبي صلى الله عليه وسلم والسورة مكية وإنما خطاب عام (اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ) الأرض التي لا تعلمك ولا تعطيك فرصة أن تكون مخلصاً لله فأرض الله واسعة لا تضيق بأهلها ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم ضاقت فيه بلده مكة التي يحبها هاجر لأن الحق أغلى من مكة، هذا الإخلاص، وفي النهاية (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ).

                                                          ولذلك تأتي الآيات بعدها

                                                          (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴿١١﴾ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ﴿١٢﴾ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿١٣﴾ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي ﴿١٤﴾ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ)
                                                          حوار لنا جميعاً لأن هذا القرآن باق ولا يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم لوحده، القرآن يخاطبني اليوم، قد يقول قائل لم يعد هناك أصنام وأوثان والكل موحدون والكل يصلّون والحمد لله. ولكن الكلام القاطع الفصل في الآية قولوا عني ما شئتم لكن في النهاية قل الله أعبد مخلصاً له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه، تحدي وقوة! من أين جاءت هذه القوة؟
                                                          هو صلى الله عليه وسلم فرد قال فيه الله سبحانه وتعالى (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) الكوثر) النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عنده ولد فعيّرته قريش أنه أقطع حاشاه فأنزل الله عز وجل الآيات (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) الكوثر) من أين جاءته صلى الله عليه وسلم هذه القوة؟
                                                          الرب عز وجل الذي يعبده وأخلص له العبادة عزيز قهار حكيم عليم له الملك فأنى تُصرفون. من يعبد مخلصاً له الدين؟
                                                          يعبد الغش والكذب أو الصدق الذي يراه (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ (33))؟
                                                          المؤمن عندما يُخلص العبادة لله تصبح عنده قوة يمكن أن تحرّك الجبال!
                                                          ربما الأسباب المادية محدودة فمن أين تأتيه كل هذه القوة؟!

                                                          من يقينه بأن الرب الذي يُخلص له العبادة كلما أخلص له العبادة كلما سانده ولو حاربته الدنيا كلها لأن السند هو العزيز القهار وسيظهر من ينتصر في النهاية. الإخلاص ليس شارة أضعها أو شعار أضعه وإنما هو سر بيني وبين الله ولذلك المفروض في هذه الأيام أن نكثر ونلحّ في الدعاء: اللهم اجعل سرّي خيراً من علانيتي. فكما نتزين أمام الناس يجب أن نعدّل سرّنا أمام الخالق، سرّي يراه ربي سبحانه وتعالى فلنعدّل سرائرنا بالتخلص مما لا يحبه الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإن كابرنا ولم نحاسب أنفسنا الآن وانشغلنا فقط بعدّ الركعات التي نصليها ركعة بعد ركعة وتسبيحة بعد تسبيحه لكن لا بد أن تقودني عبادتي هذه إلى تطهير السر الذي ينظر الله عز وجل إليه النقاوة والطهارة التي يراها الله عز وجل إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم والإيمان والإخلاص في القلب فإذا نظر الله عز وجل إلى قلب أحد فلا يرينّ فيه سوى الإيمان به والاعتقاد به والتوحبد به إلهاً واحداً لا إله إلا هو.



                                                          (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15))
                                                          قد يعرَّض المؤمن أو المخلص إلى خسران أشياء كثيرة مادية في الدنيا يمكن أن يخسر تجارة كما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم في البداية، خسر مكة أول الأمر وبعض المسلمين وأغنى الأغنياء منهم خسر تجارته وماله وأهله وخرجوا وتركوا كل شيء فخسروا بمعدل الربح والخسارة ولكن هذا ليس الخسران الحقيقي فالخسارة الحقيقية يوم القيامة. إذن المخلص حتى يترقى في درجة الإخلاص عليه أن يتجافى قليلاً عن دار الغرور الدنيا ويعلق نفسه قليلاً بالآخرة. نحن إشكاليتنا هذا التعلق الممقوت بالدنيا، نحن نحب الدنيا! إياي أن أحبها لأجلها هي فهي لا تستحق، إن أحببتها أحبها لأجل أن أستزيد من العمل ولذلك جاء في الدعاء الصحيح (أحييني ما علمت الحياة خيراً وأمتني ما علمت الوفاة خيراً لي) أنا قلبي ليس متعلقاً بها، علي أن أدرك وأستحضر أن الحياة الحقيقية هي هناك إن أردنا أن نكون من أهل الغرف. الغرف أعلى مرتبة وهي في الفردوس الأعلى.

                                                          في المقابل والعياذ بالله، سورة الزمر تعرض لي أمثلة متقابلة، الشيء وعكسه، الغرف فوقها غرف يعني هي درجات وطوابق وفي نفس الوقت والعياذ بالله أهل النار لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل من النار

                                                          (لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16))
                                                          الإنسان يستوحش لما يرى الصور المتقابلة وفي نفس الوقت يفكر في العمل فتأتي صفات عمل أهل الغرف.




                                                          اسلاميات

                                                          تعليق


                                                          • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


                                                            من مواصفات أهل الغرف الأخرى

                                                            (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17))

                                                            معنى الطاغوت


                                                            اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله، ورد ذكر الطاغوت كثيراً في القرآن منها في سورة البقرة (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) البقرة)


                                                            بعض الناس يعتقد أن الطاغوت صنم، حجارة، فطالما الآن ليس هناك أصنام فالحمد لله!

                                                            ابن القيم عنده كلام جميل في معنى الطاغوت أنه كل ما طغى وتجاوز الحدّ الذي وضعه الله كما ذكر في عدد من الآيات (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا (229) البقرة) (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا (187) البقرة) فكل ما يتجاوز الحدّ طغى ولذلك جاء في الآيات (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) العلق) يتجاوز الحدّ (أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى (7) العلق).

                                                            يقول ابن القيم: طاغوت كل قوم من يتبعونه على غير بصيرة أو يطيعونه بما لا يعلمون وبما يعلمون أنه معصية لله عز وجل(كلام مخيف ويدل على أن الطواغيت كثيرة وأن الطواغيت لم تنتهي) ثم يقول: ولو تأملت أحوال الناس اليوم لرأيت أكثرهم عدلوا عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت وعن التحاكم إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم إلى التحاكم إلى الطاغوت وعن طاعته طاعة الله ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم إلى طاعة الطاغوت ومتابعته.



                                                            وأصحاب الغرف ليسوا أنهم لم يتبعوا الطاغوت فقط وإنما اجتنبوا كل ما يمكن أن يقرّب من الطاغوت بكل تأثيراته الفاسدة. فلنحدد أسماء لطواغيت قد تكون شيئاً أو مؤسسة أو تلفزيون أو أي شيء، كل ما يمكن أن يتبع غير الله ويطيعه في غير الله صار طاغوتاً يُعبد فقد لا ينتبه الإنسان لنفسه فالمال قد يكون طاغوتاً والشهرة يمكن أن تكون طاغوتاً وأشياء كثيرة مختلفة فعليّ أن أنتبه. فأصحاب الغرف اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها ولذلك بعض العلماء فسروها (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا) لا يعني سجدوا وركعوا لها عبدوها بطاعتهم لها، تتحكم في حياتهم، يتحكم الطاغوت في حياتي كما يحصل عندنا هوس أحياناً في أمر يتحكم بنا قد يكون أشياء مختلفة طغى وتحكّم.



                                                            ليست المسألة في أن الله عز وجل يحرّم الزينة (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ (32) الأعراف) الإشكالية حين تصبح زمام القلب الذي يفترض أن يكون خالصاً لله، بدل أن ينجر ويُحكم بحكم الله أصبح يُجر بحبل وراء أشياء مختلفة من أهواء الدنيا، إعلام، مسلسلات، أشياء مختلفة! فهؤلاء أهل الغرف اجتنبوا ومعنى الإجتناب أنهم لم يكتفوا فقط بالابتعاد لكن فوق الابتعاد فعلوا شيئاً آخر وهو أنهم حاولوا أن يوقفوا طغيان هذا الذي قد طغى بطرق لطيفة، على سبيل المثال بناتنا ونساءنا لو سمعت كلمة سيئة أو شيء سيء لا تكتفي فقط أن تكرهيه بقلبك لأن الاجتناب مراحل يبدأ بالقلب أن أكره هذا الشيء ولكن إحدى المراحل الأفضل مواجهة الشر بالخير، أطفئ النار بالماء، أطفئ الشر بالخير وبالمعروف، أطفئ الكلمة السيئة بالكلمة الحسنة الطيبة، أطفئ الفساد بالصلاح وبالتالي يحضرني الآن مثال هذه الآيام الإعلام في رمضان يشدّ كل الوسائل التي عنده بقده وقديده ويخرج لنا بأشياء مختلفة وقد لاحظت هذه السنة تحديداً حملة شعواء على القيم والأخلاق التي كان لا يجرؤ في السابق أن يرمز لها رمزاً لكنه اليوم تجرّأ ولذلك أصحاب الغرف اجتنبوا الطاغوت حتى لا يدعوا له مجالاً أن يمتد. والطاغوت سمي طاغوتاً لأنه كلما يزيد يزيد أكثر



                                                            هناك مسلسلات وبرامج بدأت تتكلم عن العلاقات غير المشروعة بشكل لطيف وتعرض على أسماع بناتنا وشبابنا ويصورون أن هؤلاء الناس أبطال ويصورونهم على أن عندهم جمال ولكن كل ما فيهم غير مشروع وغير شرعي وضد القيم، ارتكس في النفس وإن كرهته لأن النفس تربط بين العين وبين القيمة.


                                                            السؤال هل أصحاب الغرف يتفرجون على هذا؟

                                                            ما كانوا نالوا الغرف يوم القيامة! ما المطلوب منا؟

                                                            لا بد أن يكون هناك إعلام مضاد، لا بد أن يكون بقدر ما يرمي من سموم لا بد من الخير لأنه في النهاية الزبد لا بد أن يذهب جفاء وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض وهذه حقيقة لأنه مخالف للفطرة لكني أحتاج أنا كإنسان أن يكون عندي صوت وصوت مسموع لأجل أن يصل ولأجل أن يكون هناك إبداع وجمال. يعجبني الكارتون رأيت برنامجاً جميلاً يعرض قصص من القرآن بطريقة لطيفة فإذا أعجب الكبير سيعجب الصغير، أنا لا أؤيد ولا أدخل في تفاصيل ولكن القصد أن الإنسان لا بد من أن يبحث عن البدائل ويقدّم البدائل ولا يكتفي بأن يكره ما يراه ويجري، أصحاب الغرف ليسوا سلبيين وليسوا عالة على مجتمعاتهم هم أناس مبادرين يقدّمون البديل قبل أن يتكلموا.

                                                            من صفات اهل الغرف أيضاً

                                                            (وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ)

                                                            ولنقارن بين الإنسان الكافر والمؤمن لما قال (وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ) وبين المؤمن (وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ) الفرق بينهما كبير لأن الكافر أناب إلى ربه لأنه شعر بالضعف والعجز والمؤمن أناب إلى ربه لما شعر بالحق وأراد أن ينتصر إلى الحق، هو دائم الإنابة إلى ربه. وهنا يظهر معنى الإخلاص ومعنى العلاقة بين العبد وربه في الاعتقاد الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى وهو روح كل شيء في حياتنا، هو المقصد والأساس وخاصة في هذه الأيام العظيمة عندما ندعو الله عز وجل ونناجيه في سرّنا ودعونا من كل قلبنا فخشع قلبنا وسمعنا وبصرنا وبكينا فهذه الدمعة قيمتها عند الله عز وجل عظيمة وتعدل الكثير فعلاقة المخلص مع ربه عز وجل ليست علاقة كمّية وإنما علاقة نوعية قائمة على الإخلاص


                                                            ولذلك
                                                            (لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ)


                                                            والبشرى قال فيها العلماء والمفسرون أشياء كثيرة، قد تكون في الدنيا وقد تكون بشارات من الرؤى الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له كما في الحديث الصحيح ويمكن أن تكون بشرى الملائكة حين تتلقاه (بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا (12) الحديد) هذه كلها بشرى وبالتالي هل العمل الذي يقوم به الإنسان ويتعب فيه في الدنيا يزول بمجرد البشارة! لنتخيل لثواني الإنسان وهو يفارق الدنيا والناس من حوله يبكون عليه وهو في عالم ثاني مستأنس لأن الملائكة تتلقاه ويرينه مكانه وقصره وجناحه فهل سيفكر بما رآه في الدنيا؟! وهل يفكر بالتعب الذي رآه؟! لماذا نحن نتعلق بالدنيا كثيراً ولا نحب الآخرة؟ لأننا نخاف، نربط الأمور بالوحدة وبأشياء أخرى وتراثنا الشعبي صوّر لنا الموت على أنه وحشة وتعب وضنك ووحدة وألم بينما القرآن يعرّفني بالصورة الأخرى لمن أخلص لله العمل.

                                                            ومن أروع صفات أهل الغرف

                                                            (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ)


                                                            القول هو القرآن (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ (68) المؤمنون)
                                                            القول هو القرآن، القرآن كله حسن فهل هناك حسن وأحسن؟
                                                            ربي عز وجل من رحمته بنا يعرف طاقتنا فهو خلقنا يعرفنا لا يكلف نفساً إلا وسعها ويعرف أننا لن نذهب جميعنا إلى الغرف وأدنى إنسان في الجنة منزلة ملكه يعدل ملك سبعين ملكاً في الدنيا كما جاء في الأحاديث الصحيحة لكن الإشكالية في صاحب أدنى منزلة أنه لما ينظر إلى أهل الغرف لا يشعر بما عنده فيتحسر لأن الفرصة كانت أمامه! نضرب مثالاً أولادنا أول ما يأخذوا درجاتهم يفرحون لكن عندما يرى زميله أعلى درجة منه فلا يشعر بلذة النجاح كثيراً وهذه طبيعة النفس.


                                                            المشكلة أنه في الجنة انتهى وقت للعمل ولا رجعة فالإنسان لا بد أن يعمل لأن القرآن مبني على العمل وأهل الغرف (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ). كيف يتبعون أحسنه؟



                                                            على سبيل المثال قال الله عز وجل في سورة البقرة (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ (179) البقرة) واحد قتل آخر فيجوز لأولياء المقتول أن يقتلوه لأولياء المقتول (القصاص) أن يطالبوا بدم القاتل وهذا حقهم المشروع كتبه الله سبحانه وتعالى ومكتوب في القرآن، لديهم خيار آخر وهو أن لا يقتلوه وإنما يأخذون الدية وهذا أيضاً في القرآن ولهم درجة أعلى وهي درجة أصحاب الغرف (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ (40) الشورى)

                                                            فهؤلاء أصحاب الغرف لا يتبعون فقط الشيء الحسن الموجود في القرآن بل الأحسن.

                                                            أليس هذا صعباً أن ترى قاتل ابنك أمام عينك يمشي وتعفو لوجه الله عز وجل، العقيدة تتحول إلى عمل. كيف يمكن أن يتولد هذا عند الإنسان؟ عندما يعمل الإخلاص عمله في القلب فيبدأ الإنسان يتيقن أن ما عندكم ينفد وما عند الله باق والكلمة واضحة (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ (100) النساء). (فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ (1894) البقرة) يمكن أن يعتدي عليك أحد بكلمة فتردين لها بكلمة لكن الأحسن أن تدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم في غير ضعف، في غير خنوع في غير ذلّة هو قادر على أن يرد الإعتداء لكنه لا يرد لأنه يتبع التي هي أحسن (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (34) فصلت)




                                                            هؤلاء هم أهل الغرف لأن المسألة فيها مجاهدة، عندهم اختيارات لكنهم يختارون الأحسن. وقس على هذا كل شيء في حياتك، عندك ديناران وبإمكانك أن تخرجي أحدها وتبقي الآخر وتجدين لهذا ألف فتوى وأغلبها يقول لك تصدقي بدينار واتركي لك ديناراً لكن أنت في يوم من الأيام أردت أن تتبعين الأحسن فتنفقينها كلها. (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) العلاقة مع القرآن استماع والاستماع ليس معناه سماع وإنما سماع باهتمام يعني لما تأتيني الآية أنا مستعدة لأن أتلقاها (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) في كل شيء، في لبسك في قولك في فعلك في كلامك تنتقي كلماتك لأجل أن تبحثي عن الأحسن، لمن هذا كله؟




                                                            لله الواحد القهار. لا بد أن يكون لله الواحد القهار لما أترك لبس شيء يعجبني لأنه لا يتناسب مع اللبس الذي أمر الله سبحانه وتعالى به أو أشياء أخرى متعددة بينك وبين نفسك، هذا كله لله الواحد القهار وضعي في بالك قاعدة ختمت بها الآية
                                                            (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)




                                                            اسلاميات

                                                            تعليق


                                                            • رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                                              تدبر سورة الملك 




                                                              كيف تنجي نفسك من عذاب القبر؟










                                                              حين يغيب الأهل والأصحاب ويودِّعنا الأقارب والأحباب ويُحال بيننا وبين كل الآمال والأمنيات فلا رفيق ولا أنيس ولا جليس ولا قريب ولا بعيد في تلك الغربة وفي ثنايا تلك الوحدة تأتي هذه السورة العظيمة لتشفع لصاحبها


                                                              كما قال النبي صلى الله عليه وسلم


                                                              "إنَّ سورةً في القرآنِ ثلاثونَ آيةً شفَعت لصاحبِها


                                                              حتَّى غُفِرَ لَه تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ
                                                              الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه
                                                              الصفحة أو الرقم: 3068 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ".

                                                              اليوم نتدبر في سورة الملك التي وردت أحاديث جيدة الإسناد بأنها المانعة من عذاب القبر. يا ترى ماذا في هذه السورة العظيمة من معاني تجعل قضية المنع من عذاب القبر قضية حاضرة لصاحبها لمن يديم ويداوم على تلاوتها في كل ليلة ماذا في سورة الملك؟ ماذا من مقاصد هذه السورة؟

                                                              السورة مكية تتحدث بكل تأكيد كما هي كل السور المكية تتحدث عن الإيمان بالله، تتحدث عن اليوم الآخر، تتحدث عن العذاب، تتحدث عن الجزاء، ولكن ماذا أيضاً في هذه السورة؟
                                                              سورة الملك كما سيأتي بعد قليل بعض آياتها تغرس في نفس المؤمن الذي يداوم على تلاوتها وتدبر معانيها الخشية بالغيب، الخشية من الله سبحانه وتعالى بالغيب. والخشية بالغيب كما سنأتي عليها هي التي تحول بين الإنسان وبين عدم القيام بكل وبأي" شيء يمكن أن يُدنيه من غضب الله سبحانه وتعالى. هذه الخشية كما في سورة الملك كما في سور القرآن، السورة تؤسسها آية بعد آية بطريقة عملية ولذا كان أول آية في السورة كانت هي
                                                              (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

                                                              تستعرض السورة في الآيات الأول منها التعرف إلى الله سبحانه وتعالى، أنا لا يمكن أن أخشى الله عز وجل -وسنأتي على معنى الخشية بعد قليل- لا يمكن أن أخشاه وأصل إلى مرتبة الخشية من الله بالغيب دون أن أتعرّف إليه، وكيف أتعرف إليه وهو سبحانه ليس كمثله شيء؟ وهو سبحانه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار؟ ربي سبحانه في سورة الملك عرّفنا بنفسه عليه وعلى صفاته جلّ في علاه من خلال ملكوته، من خلال التعرف على خلقه، من خلال النظر والتفكر والتدبر في آيات ملكه سبحانه وتعالى. ولذا جاءت هذه الخشية مبنية على أساس، أساس التعرف على الله سبحانه وتعالى فكلما إزددت معرفة به سبحانه كلما إزددت تعرّفاً على صفاته وأسمائه كلما إزددت تعلقاً بملكه واستشعاراً لعظيم قدرته ورحمته سبحانه وتعالى كلما ازددت خشية له، ولذا جاء في قول الله عز وجل


                                                              (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء (28) فاطر)
                                                              العلم والمعرفة بالله سبحانه وتعالى.


                                                              ,,,,,,,,,,,,,,,,



                                                              الله الملك



                                                              بدأت السورة المكية بقوله سبحانه وتعالى
                                                              (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)سورة الملك 1
                                                              ملك وقدرة، ملك بدون قوة وبدون قدرة لا يُسمى ملكاً.
                                                              ملك الله عز وجل ليس فقط مجرد ملك على سبيل التجوز كما يقال لفلان ملك ولفلان رئيس ولفلان مسؤول أو ما شابه،
                                                              لا.
                                                              ملكه جل في علاه القدرة على التصرف فيه هبة ومنعاً وعطاء وأخذاً ورداً وإزالة وإقامة ملك كامل وهو قادر على تحقيق هذا الملك سبحانه وتعالى، فكل ما في هذا الملكوت الإنسان الشجر الطير ما سيأتي من قضايا ذكرتها السورة في الثلاثين آية لا تخرج عن إرادته سبحانه وتعالى بأي حال من الأحوال حتى القطرة التي نشرب حتى الطير الذي يحلّق بجناحيه في الفضاء لا يستطيع أن يفرد جناحيه ويقبض الجناحين إلا بإرادته سبحانه، هو الذي أعطى، هو الذي وهب، هو الذي منح، حتى أنفاس الحياة هو سبحانه من يمنحها.

                                                              هذا الملك العظيم الواسع بيده سبحانه وتعالى ولا يخرج عن قدرته عز وجل. ولذا جاءت الآية التي تليها مباشرة لتترك للإنسان مساحة لكي يحاول أن يقارن إن صحت هناك مقارنة -ولله المثل الأعلى- بين من يدعي الملك من البشر كما فعل فرعون على سبيل المثال قال
                                                              (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي (51) الزخرف).
                                                              قد يتوهم الإنسان بحكم قدرته الموهومة، بحكم صلاحياته، بحكم ظلمه لنفسه بأنه يمتلك المل ك والقوة فجاءته الآية الثانية مباشرة من سورة الملك لتعطيه نوعاً من أنواع النظر في نفسه على وجه الحقيقة لتوقظه بمعنى آخر، لتجعل هذا الإنسان يعود إلى وعيه من جديد بقول الله
                                                              (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)
                                                              كل من في الأرض ممن يتوهم أو يتصور في لحظة من لحظات الزهو بالنفس أنه يمتلك قوة أو يمتلك ملكاً هل يستطيع أن يدعي القدرة على الموت وعلى الحياة؟
                                                              لا يمكن.


                                                              ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,



                                                              الحياة الدنيا دار اختبار


                                                              النمرود بجهله وحماقته حين إدعى أنه يحيي ويميت ما كانت القضية قضية الإحياء والإماتة كما هي في الواقع المعاش الذي نراه
                                                              أن تتوقف أنفاس الحياة ونبضات القلب أو أن تدب فيه الحياة وينبض القلب،
                                                              كان مجرد إدعاء وحماقة منه.
                                                              لا أحد حتى فرعون إستطاع أن يدعي القدرة على الإحياء والإماتة
                                                              هذا أمر يدخل في ملكه سبحانه وتعالى.

                                                              سورة الملك وهي تقدّم لي هذا المعنى وهذه الآية الأولى من دلائل ملك الله عز وجل وقدرته تريد أن تخرج بي من النظرة المألوفة المعتادة التي لا توقظ الضمير، التي لا تبعث الإيمان في قلب المؤمن، التي لا تجدد الإيمان، التي نجعل حتى قضية الحياة والموت قضية مألوفة معتاد عليها.

                                                              فكل الناس يرون الحياة أمام أعينهم ويرون المواليد الجدد ويرون كذلك الموت ولكن سورة الملك تريد أن تغير هذه النظرة وتخرج بها من قضية الإلفة والإعتياد التي لا تجدد الإيمان إلى إحيائها في قلبي من جديد لتصبح قضية الموت وقضية الحياة قضية غير مألوفة قضية توصلني إلى الإيمان بالله، قضية تقربني من معرفة الله عز وجل واستشعار هذه المعرفة والوصول بها إلى الخشية من الله سبحانه وتعالى.

                                                              الموت والحياة ليست قضية مألوفة، كون أنها تتكرر في كل ساعة وفي كل يوم وفي كل لحظة ومع كل مخلوق هذا لا يخرج بها عن حد الإعجاز والقدرة العظيمة لله إلى حد الإلفة والإعتياد حتى تصبح مسألة معتادة لا تحرك فيّ ساكناً ولا تجدد فيّ إيماناً ولا تبعث في حياتي ولا في قلبي الإيمان والخشوع والخشية والخضوع لله من جديد هذا ليس بمقبول، كيف؟

                                                              تأملوا معي ختام الآية حين يقول الله سبحانه وتعالى
                                                              (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)
                                                              إذاً الموت والحياة ليست مجرد قضية معتادة ومألوفة، الموت والحياة لهما غاية، لهما ككل شيء في هذا العالم الذي خلقه لله سبحانه وتعالى هدف نتيجة المسألة مسألة إختبار.

                                                              حياتي على هذه الأرض وبقائي على الأرض ليست مجرد رحلة ليست مجرد أيام وسنوات أقضيها وأقلب الأوراق في ثناياها ليست مجرد عد للأيام دون حساب ولا كتاب، أبداً. القضية من ورائها هدف ما هو الهدف؟
                                                              ليختبركم أيكم أحسن عملاً من منكم من هؤلاء البشر الأعداد المهولة من البشر منذ أن خلق الله آدم عليه السلام إلى قيام الساعة من منكم يستطيع أن يقدم أحسن العمل بين يدي الله عز وجل؟.

                                                              ودعونا هنا نتوقف للحظات أليس الله سبحانه وتعالى وهو اللطيف الخبير -كما ستأتي علينا في السورة- أليس بعالم من سيقدم من خلقه أحسن العمل من أسوأ العمل؟
                                                              بكل تأكيد، ولكنه سبحانه وتعالى من تمام عدله ورحمته وكرمه مع خلقه أنه لم يقم الحجة علينا بعلمه بل أراد أن يقيم الحُجة علينا بأعمالنا وتصرفاتنا وسلوكياتنا.
                                                              هو يعلم في سابق علمه سبحانه من منا سيقدم أحسن العمل ومن منا لا يقدم ولكنه مع ذلك أراد أن يقيم الحُجّة علينا بأعمالنا وسلوكنا


                                                              ,,,,,,,,,,,,,,,,,



                                                              الإخلاص في العمل



                                                              (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)
                                                              سورة الملك كما سنأتي عليها في تدبر الآيات تقدم لي الخطوات كإنسان كما هو كل القرآن، القرآن ليس لمجرد التلاوة أن أتلو كل ليلة سورة الملك وتنتهي المسألة، لا. القرآن يؤسس القرآن يغير القرآن يحيي القرآن يبني القرآن يبثّ الحياة ويجدد الحياة في إيماني وتوحيدي وفي صلتي بالله سبحانه وتعالى. في سورة الملك الآيات تسير معي خطوة بخطوة للوصول إلى درجة أحسن العمل، كيف أقدِّم أحسن العمل؟

                                                              أحسن العمل كما ورد في كثير من الآثار والأقوال للعديد من الصالحين والعلماء
                                                              هو أخلَص العمل وأصوبه.
                                                              أخلص أي أن أقوم بالعمل الذي أقوم به وأقدمه بين يدي الله عز وجل ولا أرى أحداً سوى الله سبحانه وتعالى في عملي بمعنى آخر أن أنقي العمل من كل شائبة لا أعمل من أجل مدح الناس وثناء الناس لا أعمل لكي يقال فلان كريم وفلان شجاع وفلان جريء وفلان حافظ للقرآن وفلان كذا وكذا، لا أعمل من أجل أن أنال أجراً من أحد، لا أعمل لأجل أن أنال مسألة مادية في الدنيا، لا أعمل لأجل أحد أعمل لأجل الله وحده، ولكي أصل إلى مرحلة الإخلاص هذه المرحلة العظيمة عليّ أن أكون أكثر خشية وأكثر معرفة بالله سبحانه وهو ما تقدمه لي آيات سورة الملك.

                                                              إذاً أحسن العمل أخلصه وأصوبه أي ما كان وفق ما جاء به الله سبحانه وتعالى من أوامر في القرآن وما جاء على لسان حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم في سنته.

                                                              سورة الملك بآياتها العظيمة تبدأ معي خطوة بخطوة بعد أن جاءت الآية الثانية في الحديث عن الإعجاز والمعجزة العظيمة في قضية الخلق وفي قضية الموت والحياة بدأت تأخذني إلى عالم آخر، العالم الذي أراه أمامي عالم الشهادة وليس عالم الغيب. عالم الشهادة الذي يبصِّرني بخلق السماوات والأرض


                                                              يتبع

                                                              تعليق

                                                              جاري التحميل ..
                                                              X