إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #61
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)


    قد يقول قائل ما وجه التناسب بين الحديث عن آيات تتكلم عن الأسرة والنزاعات بين الزوجين ثم بعد ذلك: واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا؟

    القرآن يعلّمنا أن العبادة واحدة وإن تعددت أشكالها أو صورها.

    بمعنى آخر الإصلاح بين الزوجين عبادة أيّما عبادة وكذلك السعي في الإصلاح بين الناس، صبر المرأة على الزوج وصبر الزوج على المرأة عبادة، إرادة حل الخلافات والنزاعات عبادة وكذلك العبادة التي يتقرب بها الإنسان إلى الله عز وجلّ في علاقته معه صلاة أو زكاة أو صيامًا أو ما شابه بمعنى آخر أن المؤمن يتعبد ويتقرب إلى الله عز وجلّ بإحسان علاقاته مع الآخرين وأولًا في محيط الأسرة
    (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا).

    في هذه الآية العظيمة القرآن يعلمني كيف أن مفهوم التوحيد مفهوم عملي وليس مفهومًا تنطيريًا، مفهوم ومقتضى كلمة لا إله إلا الله وعدم الشرك بالله سبحانه وتعالى وله، أن يراعي في تعامله الرقي الذي يليق بعلاقته مع الله عز وجلّ فكلما ارتقى المؤمن فى تنزيه الرب سبحانه وتعالى عن الشرك يقتضي من الإنسان المؤمن أن يكون راقيًا في علاقته مع ربه عز وجلّ انعكس ذلك إيجابًا على علاقته مع الآخرين وخاصة الأسرة والمحيط الداخلي الذي يعكس صدق تلك العلاقة مع الله عز وجلّ ولذلك تسقط كل تلك الأوهام التي يروج لها البعض: فلان يذهب إلى الصلاة إلى المسجد كذا مرة ولكنه يضرب زوجته ويفعل كذا ويتكلم يكلمات نابية ووو، الدين براء من هذا كله، الدين لا يمكن أن نوجه له اللوم ولكن فهم بعض الأشخاص للدين وللتوحيد وللعلاقة مع الله عز وجلّ هو الذي ينبغي أن يوجه إليه اللوم، الفهم حدثت فيه أخطاء فادحة ولكن الدين الذي هو من عند الله عز وجلّ يأمرني بهذا

    (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)

    في لُبّ وفي وسط كل تلك التعاليم والأحكام التشريعية الخاصة بالأسرة وبتنظيم العلاقة والزواج والمال والأعراض يأتي الحديث عن عبادة الله وتوحيده لأنها لا تنفصل لأن العبادة والتوحيد والعلاقة مع الله هي الشيء الأساسي التي تدور حوله كل تلك العلاقات، إن صحت علاقتك به فلا بد أن تنعكس تلك الصحة على علاقتك بالآخرين وإن كان ثمة مرض وخلل في علاقة الإنسان بربه عز وجلّ فقطعًا سينعكس ذلك المرض على علاقاته بالآخرين.


    (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)

    التذكير بعبادة الله عز وجلّ في خضم الحديث عن العلاقات الأسرية والعلاقات الاجتماعية، إحسان العلاقة في محيط الأسرة، إحسان العلاقة مع الوالدين، إحسان العلاقة مع الأقارب والجيران والزملاء في محيط العمل والحلقات الأخرى في المجتمع (وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) أبدًا لا تخرج عن عبادة الله سبحانه والتوحيد.
    العلاقات الاجتماعية سلسلة من سلسلات العلاقات والعبادات التي يتقرب بها المؤمن لخالقه عز وجلّ، بمعنى آخر العبادة التي تبنيها سورة النساء ليست عبادة محصورة فقط في الصلاة كما سيأتي ذكرها أو في الزكاة أو الصدقات أو ما شابه وإنما هي سلسلة من الروابط والعلاقات الاجتماعية.
    علاقاتنا بالآخرين نوع من أنواع العبادة والتقرب لله محكومة بإطار التوحيد فكلما ازداد الإنسان تقرّبا وتوحيدًا لخالقه ازداد إحسانًا واتقانًا في مجال العلاقات والروابط الاجتماعية والأسرية هكذا يربينا القرآن.

    الروابط الاجتماعية لا تقام إلا على عين التوحيد فكلما ازداد الإنسان توحيدًا لخالقه، مراقبة لخالقه استشعارًا بأن الله سبحانه وتعالى رقيب عليه رقيب على ضميره، رقيب في اتقانه لمديات تلك العلاقات الاجتماعية ازداد إحسانًا، انعكس ذلك إحسانًا واتقانًا في مجالات العلاقات الاجتماعية.
    ولذلك ربي عز وجلّ في هذه الآية العظيمة (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) جاء بلفظ الإحسان والإحسان أعلى مستويات الاتقان ليس فقط في العلاقات الاجتماعية وإنما حتى في محيط العمل ولذلك القرآن يحفل كثيرا بفضيلة الإحسان ويجعل الإحسان أعلى مرتبة من مراتب التقرّب لله سبحانه.

    ولربما حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين عرّف الإحسان فقال: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
    أعظم مؤشر على مجالات الإحسان في العلاقات العلاقات الاجتماعية التي جاءت بذكرها الآية. ثم اللافت للنظر أن الله سبحانه وتعالى ختم هذه الآية التي حوت كل العلاقات الاجتماعية: الإحسان في التعامل مع الوالدين قولًا وفعلا حياة وموتًا الإحسان للوالدين والبر بهما لا يتوقف عند حياتهما فقط بل يمتد إلى ما بعد الوفاة ليجعل الإنسان المؤمن في قمة الوفاء ولا يتوقف الوفاء عند حياة الوالدين بل يمتد لما بعد الوفاة بعد الموت حين يكونان الوالدن فعًلا أشد ما يكونان حاجة إلى ذلك البر والوفاء.





    تعليق


    • #62
      رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

      (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)


      اختار القرآن أعظم وأخطر الصفات الإنسانية التي تنتشرحين يصبح الناس في جاهلية: الاختيال والبخل والأمر بالبخل والرياء والتعالي على الناس، قوّض تلك الصفات قوّض تلك الممارسات التي كانت منتشرة في المجتمع الجاهلي آنذاك تعالي الإنسان على أخيه الإنسان وتغافله ونسيانه بأنه إنسان يشترك معه في الإنسانية، قوّضها القرآن بالتوحيد بالإيمان بالله سبحانه تأملوا
      القرآن يعطينا بُعدًا آخر لمفهوم القوة بُعدًا لم يعرفه أبدًا المجتمع الجاهلي، القوة الحقيقية التي يأتي بها القرآن هنا قوة الإحسان القوة المبنية على فضيلة الإنسان يصبح الإنسان أقوى في المفهوم القرآني حين يكون أقوى إحسانًا أكثر إحسانًا، يده تمتد بالإحسان لمن عرف ولمن لم يعرف، مفهوم جديد للقوة يخالف كل المفاهيم الجاهلية حتى الجاهلية التي نعرفها في عصرنا وفي زماننا التي طغت على المجتمعات المادية
      القرآن يقدم مفهومًا آخر للقوة قوة الإحسان، قوة العطاء، وينهي بذلك كل العلاقات المبنية على الاختيال والتفاخر الذي لا يليق بالإنسان المؤمن، الإنسان الذي يصوغه التوحيد لا يمكن أن يكون إنسانًا فخورًا أو متعاليًا على الآخرين مغترًا بما أنعم الله سبحانه وتعالى به عليه النعم: المال، الجاه، المكانة الاجتماعية ما هي إلا وسائل يفترض أن تقرّب الإنسان المؤمن لخالقه عز وجلّ
      إذا أردت محبة الله فعليك أن تتخلص من ذلك الداء النفسي الكامن في النفس التي تنظر إلى الآخرين بإزدراء أو باحتقار بسببب قلة مال أو جاه أو عنصرية مبنية على لون أو عرق أو ما شابه. ومما لا شك فيه أن هذه الصفات النفسية التي تأتينا الآن الدراسات الحديثة وتبين أن داء التكبر أو التعالي أو التفاخر يأتي من عقدة يشعر بها الإنسان بالنقص فيحاول أن يغطيها من خلال التفاخر أو التعالي أو الاغترار أو التظاهر على الآخرين.



      ثم إن القرآن العظيم في سورة النساء يربط بعد ذلك فيأتي على صفة أخرى ذميمة وممارسة سلوكية خطيرة كفيلة بأن تهدم كل العلاقات الأسرية والعلاقات الاجتماعية: البخل، التقتير، المنع، الحرص الذي هو نابع من قبل الإنسان بناء على شعوره بأن ما وهبه الله من نعم أو مال أو ما شابه هو ملك له، صرف، لا ينبغي للآخرين أن يشاركوه فيها فيأتي القرآن في سورة النساء على ممارسة وصفة نفسية لا تقل خطورة عن قضية الاختيال والفخر
      . لو أخذنا على سبيل المثال الجانب المادي: المرأة تعمل والرجل يعمل ولأن المرأة تعمل والرجل يعمل في كثير من الأحيان فالرجل ينظر إلى ما تنفقه المرأة والمرأة تنظر إلى ما ينفقه الرجل: أعطيتَ وأعطيتِ، أخذتَ وأخذتِ، وامتد بنا الأمر حتى إلى الحد الذي وصلنا فيه إلى حساب الكلمات والتعبير عن المشاعر، أصبحنا نحاسب بعضنا البعض على الكمّ في الكلمات وفي الجمل وفي المجاملات وفي العلاقات الإنسانية، أنت ابتسمت، فلان ابتسم وفلان لم يبتسم أو لم يسلّم، أو، أو....
      لو بحثنا فعلا في جذور هذه الأمور اليومية التي باتت تحدث في محيط الأسرة أو في الزمالة في العمل أو في المجتمع لوجدنا أن واحدًا من أهم الدوافع لهذه الممارسات البخل لأن البخل لا ينحصر فقط في قضية المال البخل يصل بالإنسان إلى البخل بكل أشكاله وصوره، البخل حتى في التعبير عن المشاعر الإنسانية، البخل حتى في التبسم البخل حتى في العواطف في التعبير عنها والمواساة والمشاركة الوجدانية. منع العطاء بكل صوره وأشكاله وهذا ما لا يريده القرآن لأن أجواء البخل تحطّم العلاقات الاجتماعية والعلاقات الأسرية، إذا أردنا لعلاقاتنا الزوجبة وعلاقاتنا الأسرية وعلاقتنا المجتمعة أن تصح وأن تستقر وتهدأ وننعم جميعا بالسعادة في ظلها بحاجة إلى كم هائل من العطاء. وقبل الكمّ علينا أن نتفكر في القيمة التي تدفعنا إلى العطاء، نحتاج إلى نفوس معطاءة، نحتاج إلى نفوس تدرك أن العطاء لا يمكن أن يعود علينا بالنقص أو الائلاف بل على العكس تمامًا كلما ازددت عطاء كلما ازددت إحسانًا زادك الله سبحانه وتعالى قوة ومنعة ورزقًا حلالًا طيبًا حسنًا ورفعة في كل شيء، هكذا يعلمنا القرآن. وربما قائل يقول الآية لتي نزلت

      (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء: 37]
      آية نزلت كما ذكرت كثير من كتب التفسير في اليهود ولكننا تعلمنا من تدبر كتاب الله عز وجلّ أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وسياق الآيات ومقاصد الآيات الي نتحدث عنها في الكلام عن التدبر يعلمنا أن النهي الذي جاء في السياق عن البخل لما لهذا المرض النفسي الاجتماعي من أثر خطير في هدم العلاقات الأسرية والاجتماعية وأنا لا أرى أن مشاكلنا الأسرية زوجية كانت أو على الأسرة أو على المجتمع بأسره لا أراها تُحل في أروقة المحاكم وإنما أراها تحل في أروقة النفوس المفعمة بالإيمان والتوحيد.
      نحن لا نحتاج لمزيد من القوانين والتشريعات، كل التشريعات هنا في هذا الكتاب العظيم، نحن لا نحتاج إلى مزيد من التشريعات الدولية التي نستوردها من هنا ومن هناك لكي نحل بها الإشكاليات التي تقابلنا في محيط الأسرة أو العمل أو المجتمع بقدر ما نحن بحاجة إلى تصحيح العلاقة مع الله عز وجلّ ذاك التصحيح الذي سينعكس إيجابًا على علاقاتنا الأسرية والاجتماعية بكل تأكيد.





      تعليق


      • #63
        رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

        داء الرياء



        داء خطيرا جدا داء كفيلا كذلك بهدم العلاقات الاجتماعية، داء عرفته الجاهلية ولا تزال الجاهليات المعاصرة تعرفه، داء الرياء.

        الرياء يعطي صورة وشكل العمل الصالح الخيّر ولكن هذا الشكل القرآن العظيم جاء ليعلمنا أن العمل الخيّر لا يقف فقط عند الشكل والصورة، العمل الخيّر الذي فعلا أراد القرآن أن تؤتى ثماره هو عمل يحفل بالمضمون وبالظاهر ولذلك كان لا بد من الاهتمام بباطن العمل، بداخل العمل. يقول الله عز وجلّ

        (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ

        وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا )
        الآية بدأت بقوله عز وجلّ (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ) في إطار العلاقات الزوجية والأسرية والمجتمعية الفرد يحتاج إلى الإنفاق إنفاق المال لا يمكن أبدًا أن تصحح العلاقات بدون قدر من الإنفاق، إنفاق مادي حقيقي، إنفاق للمال.

        لذلك لو نظرنا وتأملنا في كثير من المبادئ والتعاليم النبوية لوجدنا إنفاق المال عنصر مهم جدًا فيها: الهدية، الإحسان إلى الجيران، الإحسان إلى الأقارب، الإنفاق، الصدقات، إنفاق مال.
        ولكن القرآن لا يريد مني إنفاقًا صوريًا فقط في الشكل، خاوي، فارغ لا تصاحبه سلسلة من العلاقات الإيمانية المنبثقة من التوحيد، لا تصاحبه سلسلة من المشاعر الإنسانية. وتدبروا لو ربطنا بين قضية الإنفاق الشكلي وما قاله الله عز وجلّ في سورة البقرة (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى) [البقرة: 263] لدينا صورتان متقابلتان: صدقة حقيقية بالمال، إنفاق ويقابلها قول معروف ومغفرة، مشاعر إنسانية، سلوكيات وعلاقات إنسانية، يا ترى أيهما أجدى نفعا للطرف الآخر حتى لو كان ذلك الطرف الفقير أو المسكين أو المحتاج؟؟ المسكين أو المحتاج؟ أيهما أنفع؟ أيهما أجدى؟ أيهما أقرب إلى مقاصد القرآن وقيم التوحيد؟

        الصدقة والإنفاق بالمال، الجانب المادي أو الجانب الإنساني؟

        قطعًا الجانب الإنساني ولذلك قال تعالى في سورة البقرة (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى). وهنا في هذه السورة وفي الآية العظيمة (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ)
        القرآن يريد منا الإحسان ويطلب منا الإنفاق بالمال ولكن ما يطلبه ليس إنفاقًا صوريًا شكليًا يريد منا إنفاقا حقيقيًا إنفاقا في المشاعر الإنسانية عطاء تجود به النفس البشرية الإنسانية التي صاغها التوحيد وليس عطاءً شكليًا فما قيمة أن يعطي وينفق الإنسان ولو حتى الآلآف والملايين من الدنانير والدراهم ولكن في نفس الوقت لا تصاحب ذلك الإنفاق مشاعر إنسانية عطاء، جود، حُبّ، إحسان، مشاعر؟!
        الرجل على سبيل المثال ملزم بالإنفاق وسورة النساء وردت فيها العديد من الآيات قبل وبعد على قضية النفقة لكن أي نوع من النفقة؟ هل فقط النفقة المادية غير المصحوبة بالعطاء الإنساني والمشاعر الجياشة التي أراد القرآن أن يبنيها؟ أبدًا. النفقة في القرآن ليست نفقة مادية فحسب فالزوج حين ينفق على زوجته وأسرته وأبنائه المطلوب منه ألا يتوقف فقط عند الإنفاق المادي من مطعم ومشرب ومسكن وملبس وما شابه، المسألة ليست مادية لا بد أن يصاحبها عطاء نفسيا وجودا وسخاء في المشاعر والعواطف، هذا ما صنعته هذه الآيات العظيمة في النفس وكيف يصنع ذلك من قلب لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر ينتظر العطاء من الآخرين؟!
        ولذلك الآية هدمت صفة الرياء القبيحة لأن الإنسان المرائي حين يعطي يعطي وهو ينتظر المقابل من الآخرين مدحا، ثناء، والقرآن العظيم يريد من الإنسان المؤمن أن يعطي ولكنه حين يعطي لا ينتظر المقابل أو الأجر من الآخرين، ينتظره من الرب الذي يؤمن به ولمنهجه ولتوحيده يخضع في حياته، نوع من أنواع التحرير للإنسان. ولذلك قلنا سابقا أن التوحيد جاء ليحرر الإنسان ليس فقط من عبادة الأحجار والأصنام ولكن كذلك من الخضوع للبشر وما يعطونه وما لا يعطون، الإنسان حين يتحرر من هذه الإشكالية يعطي بسخاء وهو بالضبط ما نحتاج إليه في عالمنا المعاصر


        عش حياتك

        على مبدأ :كـن مُحسناً

        حتى وإن لم تلق إحساناً، ليس لأجلهم بل لأن الله يحب المُحسنين


        كثير من الأزواج وكثير من الأفراد في محيط العلاقات الاجتماعية حتى بين الأقارب المشكلة الخطيرة في تلك العلاقات أنها أصبحت تقام على أساس المعاملة بالمثل: أعطاني أعطيه، سلّم عليّ أسلم عليه، وصلني أصله، منعني أمنعه والقرآن لا يريد هذا النوع من التعامل!
        يريد القرآن أن تقام العلاقات الأسرية والعلاقات الاجتماعية على محبة غير مشروطة عطاء غير مشروط بتعامل الطرف الآخر وهذا هو الإحسان.

        هناك شيء يسمى التعامل بالمثل أعطاني سأعطيه لكن هذا التعامل بالمثل إذا طبق في مجال العلاقات الزوجية والعلاقات المجتمعية يمكن أن يصل بها إلى مرحلة لا تستقيم بها تلك العلاقات، لا تدوم!.
        إذا منع على سبيل المثال القريب عن قريبه الفضل أو الإحسان أو السلام أو الزيارة أو التواصل الاجتماعي إذا قوبل المنع بمنع مثله السؤال إلى أين سنصل؟

        لن نصل إلى أقل من القطيعة أبدًا بكل الأحوال هذا ما يحدث للأسف اليوم في كثير من المجتمعات. إذن القرآن يريد أن يرتقي بالنفوس المؤمنة إلى درجة أرقى، مستوى أعلى، هذا المستوى الأعلى لا يمكن أن يتحقق إلا بالإحسان والعطاء غير المشروط، العطائ الذي لا ينتظر المقابل من البشر بل ينتظر من رب البشر.
        وتدبروا هذه الآية

        (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا )

        تأملوا لو أننا طبقنا هذه الآية في محيط التعامل الذي تكلمنا عنه وماذا عليك لو آمنت بالله وأنفقت وأعطيت دون أن نتنظر المقابل من البشر؟ ماذا على الزوج أو الزوجة لو أنهم آمنوا أن الله سبحانه هو المعطي هو الرزاق وأنفقوا برًا وخيرا وإحسانا عطاء ماديا ومعنويا ماذا عليهم؟ ما الذي سيخسر الإنسان؟ ماذا ستخسر حين تعطي دون أن تنتظر المقابل من البشر، ماذا ستخسر حين تسلم حتى لو لم يرد عليك الآخرين التحية والسلام؟ ماذا عليك لو أنك وصلتهم حتى لو قطعوا ومنعوا؟ ماذا ستخسر؟ هل أنت بالفعل ستخسر أم ستربح؟ وتدبروا نهاية الآية (وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا) عليمًا بما تعطي عليمًا بما سيقابل ذلك العطاء، عليمًا بنفسيات الآخرين إن منعوا عنك العطاء وإن قابلوا إحسانك بالإساءة إن قابلوا عطاءك بالمنع. وتأملوا التناسب بين الآيات في السورة، الآية التي تليها

        (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا )
        تدبروا كيف يعالج القرآن العظيم الشح في النفوس كيف يُطلق ويحرر تلك النفوس من جانب الشح والبخل إلى فضاء العطاء الواسع

        (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)

        يجعل التعامل الأسري والاجتماعي ليس تعامل علاقات بين فرد وفرد بين إنسان وآخر وإنما علاقات مبنية على تعامل بين إنسان وبين خالق سبحانه وتعالىليحرر الإنسان من النظر إلى جزاء الآخرين أو انتظار الجزاء من الآخرين ويجعل الإنسان المؤمن لا ينتظر الجزاء إلا من الخالق سبحانه الذي لا يضيع ولو كان مثقال ذرة (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا) الإحسان لا يضيع عند الله سبحانه وتعالى وإن ضاع عند الخلق وإن ضاع عند الناس وإن ضاع في محيط الأسرة وفي محيط الأقارب


        الصلاة في سورة النساء ذُكرت أكثر من مرة وفي أكثر من موضع، صلاة في السفر والإقامة، صلاة في الخوف وفي الأمن، صلاة في الحرب وفي السلم، كل هذا الوقوف الطويل في آيات سورة النساء عند الصلاة يدل على قيمة هذه العبادة العظيمة، أهمية هذه العبادة العظيمة في إرساء قيمة العدل والحرية والأمانة والمساواة وتجديد العهد الذي هو التوحيد بين العبد وربه(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ)وكانت الخمر في ذلك الوقت الذي نزلت فيه الآية لم تُحرّم بعد والناس كانوا قد اعتداوا على الخمر، ألفوها، أصبحت الخمر جزءًأ لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية والأُسرية والمجتمعية بشكل عام في ذلك العصر ولذلك القرآن عالجها بحكمة وتدرج لكن الذي يلفت النظر فعلًا أن الحديث عن أشكال الطهارة قبل الوقوف أمام الله سبحانه وتعالى في الصلاة واضح في هذه الآيات حدثتنا أولًا عن تطهير النفس من التباهي والعالي والتفاخر على الآخرين والبخل والشح والرياء ثم انتقلت بعد ذلك إلى طهارة العقل فجاء النهي عن الخمر فقال (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) الخمر تدنس العقل، العقل الذي هو محط التكليف، محط تشريف الإنسان،فالله سبحانه انتقل من طهارة النفوس من تلك الأمراض إلى طهارة العقل من الخمر ثم إلى طهارة الجسد أو البدن عن طريق الصلاة والتيمم والطهارة والوضوء.ثم بعد ذلك الحديث عن طهارة البدن. قيمة الصلاة، الصلاة من أعظم العبادات التي ينبغي للمؤمن أن يتحرى فيها تلك الأشكال من الطهاراتلا يمكن لعلاقات زوجية أو أُسرية أو اجتماعية أو العلاقات الاقتصادية والسياسية التي ستحدثني عنها سورة النساء لا يمكن أبدًا أن تستقر من دون وجود فضيلة الإحسان، وفضيلة الإحسان لا تُبنى إلا على نفوس طاهرة وعقول نظيفة واعية مدركة لعظمة الأمانة التي حمّلت إياها من قبل الله سبحانه وتعالى. وختمت الآية بقول الله عز وجلّ (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا) مساحة العفو والمغفرة لأننا ونحن نحاول ونبذل كل ما نستطيع لأجل أن نطهر نفوسنا وعقولنا وأبداننا بالشكل اللائق بالله سبحانه وتعالى. ونحن في كل هذه الرحلة إنما هي محاولات جهود بشرية لا يمكن في كثير من الأحيان إلا أن يعلو فيها جوانب الخطأ والنسيان والتقصير والزلل فكان الحديث عن العفو والمغفرة مناسب تمامًا لتلك المعاني العظيمة.




        تعليق


        • #64
          رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

          (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ )
          ثم بعد ذلك(مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا)والآية بطبيعة الحال وهي تكلمنا هنا عن أهل الكتاب وعن بني إسرائيل اليهود لا تخرج أبدًا عن سياق العدل في الحديث عن الآخرين وهو أدب قرآني بامتياز واضح قال الله سبحانه وتعالى (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا) ليس كل الذين هادوا واليهود يحرفون الكلم عن مواضعه (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا) وربما خصّت كثير من الايات سواء آيات سورة النساء وسور أخرى فئة العلماء أحبار اليهود هؤلاء العلماء الذين حُمّلوا أمانة نقل العلم وتأديته لأمتهم وأهلهم ومجتمعهم لكنهم كانوا في ذات الوقت كانوا يتميزون بمنهج التحريف، التحريف الذي ذكرته الآيات هنا تحريف الكلم عن مواضعه، تحريف بالكلمات. ولذلك هناك آيات أخرى في سورة البقرة وغيرها من سور القرآن حدثتنا عن أشكال وأصناف من تحريف أهل الكتاب(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ البقرة) شكل من أشكال التحريف. ولماذا الحديث عن التحريف في المنهج والله سبحانه وتعالى سيعطيني بعد قليل آيات ستحدثني عن الأمانة؟! تنبيه لنا جميعًا، نحن حُمّلنا أمانة أمانة هذا الكتاب العظيم علينا أن نحسن أداء تلك الأمانة بدون تحريف ولكن التحريف ربي سبحانه وتعالى تكفل بأن يحفظ هذا القرآن من أيّ تحريف فهو الذي نزّل الذكر وهو الذي تكفّل بحفظه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر)).إذن فلماذا ربي سبحانه وتعالى يؤكد هذه المعاني ويحذّر من الوقوع فيما وقع فيه علماء بني إسرائيل؟! التحريف ليس شكلًا واحدًا، صحيح التحريف الذي وقع هنا والذي جاء سياق الحديث عنه كان تحريف كلمات، تحريف الكلم عن مواضعه كان كتمانًا للحق وخاصة بما يتعلق بمواضع نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ولكن ربي يحذرنا من شكل آخر من أشكال التحريف، شكل أن تأتي أفعالي وسلوكي وأخلاقياتي وتعاملاتي اليومية مناقضة لما في كتاب الله عز وجلّ، هذا تحريف!
          بمعنى آخر: أن يقول لي المنهج شيء ولكني أفعل شيئًا آخر ولذلك ربي سبحانه وتعالى عاتب عباده المؤمنينï»؟فقال(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَكَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (الصفّ))من أعظم قواعد التدبر أن نتعلم كيف نربط بين الآيات ولو كانت في مواضع مختلفة في كتاب الله، فكتاب الله عز وجلّ يفسر فيه الآية بآية أخرى في موضع آخر وعلى المتدبر أن يدرك تلك المعاني العظيمة ولذلك حذرنا من هذا المسلك في التعامل مع المنهج، مع الكتاب فقال عن أهل الكتاب (وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ) المناسبة واضحة، سياق تحذير ولذلك ربي عز وجلّ في خواتيم سورة البقرة قال عن المؤمنين (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).إذن هناك أشكال للتعامل مع المنهج، هناك شكل كالشكل الذي وقع هنا في بني إسرائيل (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) وهذه هي العاقب والنتيجة جاءت في الآيات، وهناك شكل آخر ينبغي أن نقوم به وهو الذي ينبغي أن تقوم به أمة القرآن (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) ولكن والذي سنأتي عليه بعد قليل في آيات في موضعها في سورة النساء السمع والطاعة ليس عملية ادّعاء، السمع والطاعة ليست كلمات تقال باللسان، السمع والطاعة اتباع وسير على المنهج الذي جاء به هذا الكتاب العظيم وطبقه نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم في حياته وتعاملاته وسلوكياته المختلفة. الطاعة لما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى وإلا فالعاقبة أوضحتها هذه الآيات العظيمة (وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا) عاقبة واضحة!.

          ازدواجية السلوك عند بعض المسلمين
          (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا )لنا أن نقف طويلًا عند هذه الآية. الآية تقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) والسؤال: وهل هذا الكتاب جاء ليخاطب الله سبحانه وتعالى به الذين أوتوا الكتاب؟!وتدبر في أول آية في سورة النساء (يا أيها الناس) هذه الخطابات والنداءات في كتاب الله تدل على أي شيء سوى عالمية هذا القرآن العظيم؟عالمية رسالته وقيمه، عالمية تعاليمه ومبادئه وتشريعاته وتوجيهاته. وبالتالي ربي بعد قليل في الآيات التي تليها بعد عدد من الآيات سيأتي الحديث عن الأمانات (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) نحن حُمِّلنا أمانة أن نحمل رسالة القرآن إلى أمم العالم بأسرها ولكن الحمل ليس بالضرورة فقط أن يكون من خلال الكلمات أو من خلال تبليغ الرسالة فقط شفهيًا، الحمل الحقيقي لرسالة القرآن وقيمه أن تصبح واقعًا في مجتمعاتنا وأُسرنا أن نقدّم أنموذجًا لأمم العالم وشعوب العالم، أنموذجًا للعدالة أنموذجًا فعليًا وتطبيقًا عمليًا لواقع هذا القرآن وتعاليمه في حياتنا حتى لا يُفتن الناس، حتى لا ينظر الناس إلى مضمون الكتاب فيرون شيئا وينظرون إلى واقعنا فيرون أشياء أخرى لا تمت إلى ذلك المنهج بصلة فتحدث فتنة كهذه التي تحدث اليوم.اليوم العالم بأسره ينظر إلى القرآن فيرى شيئا ويسمع شيئا وينظر إلى واقعنا في داخل أُسرنا ومجتمعاتنا ومؤسساتنا فيرى شيئا يصل إلى حد التناقض في بعض الأحيان فيحدث الفتنة هذه الفتنة هي فتنة الصد عن منهج الله سبحانه وتعالى فتنة أشبه ما تكون بالتحريف ولكنه شكل جديد من أشكال التحريف الذي وقع فيه من قبل بنو إسرائيل، تحريف بمعنى أيّ شيء؟ تحريف ليس بالكلمات فالقرآن مصان ومحفوظ من قبل الله سبحانه وتعالى تكفّل بحفظه، بحفظ حروفه وكلماته لكن التحريف جاء من قبل من يناقض في سلوكياته وأعماله منهج القرآن، القرآن يقول اعدلوا وهو يظلم القرآن يقول أدوا الأمانة وهو يخون الأمانة هذه الازدواجية والتناقض في حياة بعض منا شكل من أشكال التحريف، تحريف المنهج الرباني الذي نزل على هذه الأمة لتحمل به الرسالة إلى أمم العالم.ولذلك جاء الحديث عن الشهادة(فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا )النبي صلّ الله عليه وسلم شهيدًا على أنه قد أدّى الرسالة ووفى بالأمانة وبلّغ الرسالة ونصح الأمة وسنُسأل وسيشهد علينا إن كنا قد قمنا بأداء تلك الأمانة أم لا.


          تعليق


          • #65
            رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

            الأمانة وأنواعها



            (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا )

            والكفر بالآيات ليس شكلًا واحدًا، الكفر بالآيات كما ذكرنا في التحريف ليس على شكل واحد، الإيمان الحقيقي بالآيات أن تصبح آيات الكتاب واقعًا وتطبيقا في الحياة بكل مجالات الحياة المختلفة. ولذلك تدبروا في الآيات التي تليها كيف جاءت تحكي عن الإيمان
            (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا )
            آمنوا وعملوا الصالحات، آمنوا بالمنهج فكان العمل الصالح إيمانًا بذلك المنهج، العمل الصالح جزء لا يتجزأ من الإيمان ولا تكاد تذكر في كتاب الله في آياته كلمات عن الإيمان إلا ويذكر معها العمل الصالح، التطبيق، الفسير الحقيقي لمعنى الإيمان

            (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)

            تدبر واقرأ الآيات وأنت فعلًا مستحضرًا لكل مبادئها ومعانيها العظيمة، قيمها ومقاصدها (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) إيمانك أمانة. وتدبروا جاء الحديث عن الأمانة بعد الآية التي قالت (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) انظر إلى الربط، إيماني بالله سبحانه وتعالى أمانة عليّ أن أحسن أداءها وجزء من ذلك الأداء أن أعمل بمقتضى الإيمان، آمنت بالله وآمنت برسوله صلى الله عليه وسلم فعليّ بالتطبيق ولذلك جاءت الآية التي تليها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) إيمان دون طاعة أنّى له أن يكون إيمانًا! وتدبروا ذلك التلازم الواضح بين الإيمان والأمانة.الأمانة إيمان وكلما ازداد وترقى الإنسان في إيمانه ازداد أمانة،ازداد حرصًا على أداء الأمانات،وكل ما نقوم به في حياتنا أمانات، الكلمة أمانة، النظرة أمانة، الحواس المختلفة التي وهبنا الله سبحانه وتعالى أمانات كيف أقوم بوظائفها، كيف أوظفها في حياتي أمانة كيف أستعملها أمانة، كيف أحافظ عليها أمانة، العلاقات الزوجية والأسرية الاجتماعية أمانات، علاقات الجيرة والصداقة والزمالة والعمل أمانات، الأعمال أمانات.الأمانة في القرآن ليست أمانة درهم ودينار فحسب، هي جزء يسير شكل واحد من أشكال الأمانة ولكن الأمانة هي تلك الأمانة التي قال الله تعالى عنها في موضع آخر(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (الأحزاب))أمانة، أداء المنهج والقيام بهذا القرآن العظيم في الحياة والتطبيق وحمله إلى أمم الأرض أمانة آن للمسلمين أن يسألوا أنفسهم قبل أن يُسألوا ويقفوا بين يدي خالقهم هل فعلًا أدينا الأمانة؟ هل استطعنا أن نحمل قيم القرآن إلى أمم الأرض؟ قيمة العدالة، هل فعلًا تمكنا من ذلك؟ هل أدينا الأمانة؟

            لذلك تدبروا في نهاية آية الأمانات (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) من الذي يراقب مستوى الأمانة في قلبي وأخلاقي وسلوكي؟ الأمانة الفردية والأمانة الجماعية؟ السميع البصير.
            الكلمة أمانة بكل أشكالها وصورها سواء ما تحدّث به نفسكأو ما تقوله عن الآخرين، الكلمة أمانة.واعلم أن من يحاسِب على هذه الكلمة هو السميع البصير تدبروا كيف تنضبط قيمة العدالة في المجتمع، العدالة كقيمة يعرفها البشر، الآن على سبيل المثال في مجتمعات الدول المعاصرة تتشدق بالكلام عن العدالة والحرية والمساواة لكن من الذي يجرؤ أن يقول لدولة أو لقوة عظمى هنا أو هناك أنت تطبقين العدالة أم لا تطبيقينها، وكيف تُضبط؟!هذه لا تضبط بمقاييس البشرية، هذه تحتاج إلى رقابة ذاتية والرقابة الذاتية التي تصنعها سورة النساء: إن الله كان عليكم رقيبا، إن الله كان سميعا بصيرا، خبيرا عليما. تدبروا كيف تُبنى الرقابة على الضمير في نفس الإنسان المؤمن

            تعليق


            • #66
              رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

              الحكم بالعدل بين الناس تشريع إلهي

              تدبروا في الآية(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)قبل أن يقول تعالى(وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)ونحن لا زلنا نتعامل مع القرآن بنفس تلك القرآءة التي أشرنا إليها فيم سبق القرآءة العضين المجتزأة المقتطعة من سياقاتها نقتطع من الآيات! ولذلك في بعض المؤسسات أو بعض المحاكم الآية تقتطع هذا الجزء من الآية فقط(وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)أين الجزء الأول من الآية؟!لا ينفصل عن أداء الأمانات لهم ثم إن الله سبحانه وتعالى قدّم أداء الأمانة على الحكم بين الناس والقضاء بينهم لماذا؟ليجعل الفرد الإنسان المسلم رقيبًا على أمانة نفسه وإذا أصبح الإنسان المسلم المؤمن رقيبًا على ذاته في أداء الأمانة ما احتاج إلى القضاء، ولا احتاج إلى التحاكم ولا احتاج إلى أن يرفع مظلمته إلى محكمة هنا أو هناك.لو أقيمت فضيلة أداء الأمانات في بيوتنا وفي أُسرنا وبين الأزواج يا ترى هل كنا سنحتاج إلى الوقوف في تلك الطوابير المضنية ساعات لأجل رفع قضية طلاق أو ضرر أو نفقة أو ما شابه؟! لو أدى الناس الأمانات إلى أهلها فعلًا هل كان سيكون هناك فعلًا حاجة حقيقية لما يحدث في المحاكم الشرعية والمحاكم الأسرية محاكم الأحوال الشخصية وقضاياها التي لا تكاد تنتهي ولو قلبنا في إضبارات وملفات ودفاتر تلك القضايا المختلفة المرفوعة هنا وهناك في مختلف دول العالم ولكن نتكلم عن عالمنا الإسلامي ومجتمعاتنا المسلمة التي أُمرت ووجِّه لها خاصة هذا الخطاب القرآني أن تؤدي الأمانة إلى أهلها لو بحثنا لوجدنا فعلًا أن الكارثة الأصل غياب الأمانة!قضايا النفقة المرفوعة، المطالبات بالنفقة،الرجل يريد مخرج قانوني لأجل أن يتحايل على النصوص الشريعة والقانونية فيتخلص من النفقة على سبيل المثال!هذا جزء من مثال، هذا لو أدرك أداء الأمانة إلى أهلها أكنّا بحاجة إلى ما نحن فيه؟! أداء الأمانة إلى أهلها! لكن القرآن كتاب واقعي يعالج الواقع الإنساني ما كان من الممكن أن يترك الناس دون تحاكم دون وجود من يحكم بينهم بالعدل دون وجود من ترفع إليه المظالم، القضاء، نظام القضاء ولذلك جاءت الآية (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) الحكم بين الناس، قيمة العدل الحقيقية أمانة، القضاء أمانة. وأنا أريد أن أقف - ونحن في سياق الحديث عن القضايا الأُسرية والمشاكل الزوجية وما شابه - تأخير العدالة ظلم وغبن، تأخير إعطاء الحقوق وردّ الحقوق إلى أصحابها، التأخير فقط في الأجَل، التأجيل في الزمن في المدة هذا ظلم، وهذا ليس من العدل في شيء. ولنا أن نقف طويلًا عند كل تلك طوابير الانتظار عند المحاكم في المجتمعات المختلفة في مجتمعاتنا المختلفة سنجد عشرات وربما مئات من القضايا أُجّل النظر فيها مرة بعد مرة، لماذا يؤجل؟تدبروا في كل هذه المعاني(وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ)فمن العدل وتمام العدل أن يعجل الحاكم في رد الحقوق إلى أصحابها متى ثبت عنده ذلك.




              اذا اختلفنا فالى اى شئ نرجع ؟

              (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ)
              ذكرنا أن سورة النساء من أعظم السور التي تعلم الإنسان والمجتمع والأسرة المسلمة كيفية إدارة النزاعات والصراعات والخلافات الزوجية والشقاق بين الزوجين بكل هذه المفردات التي جاءت بها. فهنا قال
              (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)
              الكتاب والسنة وبخاصة ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم من السُنة الفعلية وطبقها في حياته سلوكًا وعملًا. النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك تفسيرا مكتوبا إلا بضع آيات ذكر لها معاني ولكن الحياة التي عاشها السنوات التي قضاها سلما وحربا، رجل أمة ورجل أسرة وزوج أب وأخ وجار وقائد في ميدان المعركة وأشكال عشرات الصور مربي معلم بائع مشتري حاكم هذه الصور بأكملها تشكل التفسير العملي لهذا المنهج الرباني القرآني الذي نحتاج إلى أن نرد الخلافات حين تقع فيما بيننا إليه لذلك المنهج نتعلم من حياته وسنّته كيف أدار النزاع لا نذهب بنزاعاتنا إلى الخارج!

              والآية العظيمة هنا تبين لي مبدأ عظيمًا جدًا:
              النزاعات والخلافات ينبغي أن تُحلّ في البيت الاجتماعي، بيت المجتمع، الأسرة هي البيت الصغير، والقرآن في الآيات التي سبقت في سورة النساء أكد أهمية أن يقوم الزوجان بحلّ الخلافات فيما بينهما إلا إذا وصلت إلى سقف وإلى حد لا يمكن إلا أن يتدخل فيه حكم من أهله وحكم من أهلها وفي حالة النزاعات في المجتمع في المؤسسات، في المصارف، مؤسسات الدولة، طوائف مختلفة في المجتمع فئات مختلفة في المجتمع، حدث النزاع، النزاع وحدوث النزاع ليس بالشيء المستغرب، هذا واقع إنساني من خلال التعامل والاحتكاك يحدث سوء فهم وسوء الفهم يؤدي إلى نزاع، لا إشكالية في ذلك، الإشكالية في أن لا نحسن التعامل مع نزاعاتنا وأن نذهب بنزاعاتنا إلى طرق من هنا ومن هنا بعيدًا عن الردّ إلى الله وإلى الرسول، هذه هي الإشكالية الخطيرة! لأن ربي عز وجلّ ربطها بعد ذلك فقال
              (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ

              ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)
              لا تذهب به إلى محاكم دولية هنا وهناك.

              النزاعات التي تحدث في واقعك وفي مجتمعك عليك أن تقوم بحلّها أنت حل داخلي ولكن لأجل أن تقوم بحلها وتحسن إدارة هذه النزاعات ومحاولة استيعابها واحتوائها عليك أن تؤمن بالله واليوم الآخر حتى تحسن الرد لأنك إن لم تؤمن بالله واليوم الآخر كيف ستقوم برد هذه النزاعات ومعالجتها من خلال الرجوع إلى الله والرسول، إلى المنهج إلى القرآن وإلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة. هذا ما نحتاج إليه ولذلك آيات سورة النساء تعالج قضايا مجتمع، قضايا دول، قضايا أمم ونحن اليوم نتخبط هنا وهناك،
              لماذا التخبط؟ ذاك الضعف في ذاك الجانب؟!
              ليس لأننا لا نؤمن ولكن كما ذكرت سورة النساء قبل قليل، الإيمان إحساس وشعور وعمل وقول وتطبيق وتنفيذ وأخلاق وسلوك، كلٌّ متكامل لا يكفي أن تأخذ منه جزءًا وتقول يكفيني هذا الجزء لأعيش حياتي بطريقة صحيحة سليمة، لا يمكن! أنا بحاجة إلى أن آخذ المنهج كاملًا وأجعله منه مرجعًا لي في حياتي في سلوكي وتعاملي مع القريب والبعيد، مع الصديق ومع العدو، في السلم وفي الحرب في الاستقرار وفي الخلاف والنزاع، هذه حقيقة.

              ولذلك تدبروا في عظمة التناسب الواضح لكل من يتدبر في آيات هذه السورة الكريمة

              (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا )
              صورة واقعية تجيب عن تساؤلاتنا تجيب عن خواطرنا حين نقرأ القرآن ونرى الواقع شيئًا يخالف القرآن!
              زعم، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ) قد يزعم الإنسان أنه آمن بما أنزل الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، يزعم ولكن إذا كان هذا وأصبح مجرد زعم فالواقع سينبئك بذلك يتحاكم إلى الطاغوت، إلى مناهج مختلفة، مناهج ما أنزل بها من سلطان، مناقضة لهذا المنهج في الوقت الذي أمر أن يكفر بالمنهج الطاغوتي،
              هذا هو الضلال الحقيقي.









              تعليق


              • #67
                رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                باب التوبة مفتوح

                (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ)

                الرسالات لا لأجل أن تكون فقط رسالة شفوية، القرآن لا لأجل فقط أن يحفظ ككلمات وآيات وسور، صحيح حفظ القرآن أمر عظيم جدًا ولكن الرسل جاءت بتلك الرسالات والمناهج لأجل الطاعة،

                لأجل أن يُطاعوا في رسالاتهم والنبي صلى الله عليه وسلم جاء ونزل عليه القرآن لأجل أن يطاع والطاعة سلوك وتنفيذ وتطبيق، تأمل

                (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ)

                والذي يحدث أن يظلم الإنسان نفسه

                (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)

                تأملوا باب التوبة، الخطأ وارد، والنسيان وارد وصدور التناقض في حياتنا والإشكاليات المختلفة ووقوع الظلم فيما بيننا أمر وارد قد يحدث ولكن الإشكالية في حياتنا أن يبقى الإنسان مصرّا على خطئه أن يبقى الظلم على ظلمه فلا تبرأ ذمته من ذلك الظلم ولا يفكر في يوم أبدًا أن يعيد الحقوق إلى أصحابها ويرد المظالم إلى أهلها! تلك هي الإشكالية. أن نخطئ فيما بيننا ونقع في الخطأ في علاقتنا الزوجية والأُسرية والاجتماعية وارد ولكن المهم أن تصحح الخطأ المهم أن تستغفر الأبواب مفتوحة (لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا) تواب لأنه رحيم ومن رحمته بعباده أنه فتح باب التوبة للخاطئين، فتح باب التوبة لأولئك الذين يريدون أن يعودوا إلى المنهج من جديد، الباب مفتوح في أي وقت في أي زمن في أي لحظة ما عليك إلا أن تستدرك ما فات قبل فوات الأوان، هذا هو القرآن.
                تدبروا كيف يفتح القرآن باب الأمل، التوبة أمل، أمل للعاصين، أمل للمذنبين، أمل للظالمين، أمل للمخطئين، أمل لأولئك الذين لا يزال في قلوبهم شيء من الإيمان شيء من محبة الله عز وجلّ والرغبة في الرجوع إليه. الباب مفتوح، ارجع، استدرك ما فات، صحح، عدِّل أوضاعك، عدّل إيمانك، عدّل صلتك بالله سبحانه وتعالى، استسمح واطلب السماح من الآخرين ممن ظلمت في يوم من الأيام ولو بكلمة في سر أو علانية، صحح علاقاتك، صحح تصرفاتك، أمر مهم.


                متى يكون الجهاد في سبيل الله؟
                (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ)

                إذن أنت لا تقاتل في سبيل أهوائك ولا في سبيل مطامع دنيوية ولا عروض زائلة ولا لأجل نهب ثروات الشعوب ونفطها ومصادرها ومائها وأنهارها وأقواتها، لا تقاتل لأجل كل تلك الترهات الزائفة القائمة على هوى النفس وعبادة الذات بل تقاتل لأجل من؟ وفي سبيل من؟

                سبيل الرب عليك أن تقاتل وفق منهج الله لا وفق أهواء النفوس، لا تحرك الجيوش الأهواء، في الإسلام في ذلك النهج والتطبيق الذي قام به النبي صلى الله عليه وسلم، جنود النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن تحرّكهم الأهواء، حركتهم آيات الكتاب والمنهج الذي جاء في كتاب الله عز وجلّ، هذا الذي حرّكهم (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ) باعوا الدنيا بكل عروضها بكل أموالها ومكاسبها وأطماعها وأهوائها وشهواتها ليشتري الآخرة

                والسؤال: الإنسان الذي يبيع الدنيا بكل ما فيها أهو إنسان يقاتل لإرضاء لنزوة أو شهوة أو تحصيل مطمع أو غاية دنيوية؟!
                (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا )

                إذن هو قتال لأجل حماية حقوق المستضعفين، قيم، حماية العدالة، حماية الضعيف، نصرة للضعيف وتدبروا في واقع المجتمعات المعاصرة اليوم، اليوم الجيوش تخرج لكن السؤال ألنصرة الضعفاء أم الأقوياء؟ ألنصرة الضعفاء الذين ظُلموا أم لنصرة الأقوياء الذين ظَلموا؟ فارق عظيم بين مقصد ومغزى القتال في سبيل الله في الإسلام وبين القتال في سبيل الطاغوت ولذلك جاءت الآية

                (الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ)

                طاغوت والظلم والعدوان والافتراء والكذب وسفك دماء ونهب أموال الشعوب وتخريب الأرض التي أمر الله أن تعمّر. الفارق شاسع والتناسب واضح ولذلك قال الله عز وجلّ (فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) لماذا يا رب؟

                لأن المعركة واضحة، لأن معركة الواقع الإنساني واضحة في الصراع بين الحق والباطل، هنا حق وهناك باطل، هناك قيم أمر الله بأن تطبق، حقوق حرية عدالة مواساة أمانة تؤدّى، وهناك قيم كانت موجودة في المجتمع الجاهلي والآن بدأت تعود للمجتمعات المعاصرة، الظلم، الاستعباد والاستبداد، التفرقة العنصرية لا المساواة،
                الحق والعدل والحرية والمساواة لا بد لها من من يدافع عنها ولن يدافع عنها أولئك الذين لا يؤمنون بها ولن يدافع عنها أولئك الذين لا يطبّقونها في أُسرهم وبيوتهم وحياتهم وعلاقاتهم الأسرية والمجتمعية ومؤسساتهم المختلفة صغيرة كانت أو كبيرة ولذا ربي عز وجلّ قال - والآيات لا تزال تتكلم في سياق القتال -

                (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً

                وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ)

                الحياة أجمل من القتال، القتال قد يفقد فيه الإنسان حياته وأغلى شي عند الإنسان الحياة الروح! ليست كل حياة غالية، الحياة القائمة على الظلم وقبول الاعتداء على الناس وأعراضهم وأموالهم وتصفية وسفك دمائهم هذه ليست بحياة تستحق أن يعيشها الإنسان! الحياة ليست مجرد أنفاس ولو كانت أنفاسًا مكتومة تكتم الحق والعدل والحرية والمساواة! هذه ليست الحياة التي يريدها القرآن، تدبروا في الآية

                (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا)
                (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ)

                الموت سنة من السنن مكتوب على كل الأحياء القوي والضعيف لظال والمظلوم المرأة والرجل الصغير والكبير المريض والصحيح. إذن إذا كان الأمر هكذا ربي سبحانه وتعالى شرع للبشر أن يعيشوا حياة إنسانية كريمة تليق بإنسانيتهم فإن لم يكن ذلك فهنا في هذا الموضع هنا يشرع لقتال لأجل أن تبقى الحياة الإنسانية ويبقى الإنسان على كرامته ولا تهان وتهدر كرامة الإنسان. القتال ما شرع في القرآن لأجل الموت في الإسلام، القتال شرع لأجل الحياة الكريمة. وهذا الفهم فهم غير صحيح أن يتصور البعض وينشر هكذا عن الإسلام أن الإسلام شرع القتال لأجل الموت في سبيل الله والواقع أن القتال شُرع لأجل إبقاء الحياة الإنسانية الكريمة. ولكن إذا مات الإنسان في سبيل هذه الحياة الكريمة وإعلاء قيمتها وإحيائها الحفاظ عليها فليكن فالموت نهاية كل حيّ ولكن موته عندئذ سيكون شهادة





                تعليق


                • #68
                  رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                  تدبر القرآن

                  (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا )82
                  هنا تدبر القرآن. لماذا جاء الكلام عن التدبر واستنكار على من لا يتدبر في هذا السياق؟لأن التدبر يقودك إلى التطبيق والتنفيذ في الواقع فإذا لم يقدك التدبرإلى التنفيذ في الواقع ستجد الاختلاف ستجد الشجار والنزاع والصراع والحروب وسفك الدماء وانتهاك الأعراض وسلب الأموال والتشتيت والتهجير من قبيل عدم تطبيق المنهج، ولماذا لا يحدث عدم التطبيق؟لغياب التدبر ولذلك خسر المسلمون كثيرًا في واقعهم حين أعرضوا عن تدبر هذا الكتاب، التدبر فريضة على كل مسلم عاقل يقرأ هذا الكتاب أنزله لأجل أن نتدبره لأنه بدون تدبر لا يحصل طاعة وتدبر في حياتك أنت كلما ازددت قربًا من هذا الكتاب وتدبرا في آياته ازددت طاعة لله واستسلامًا لمنهجه وسيرا على هدى نبيه صلى الله عليه وسلم. التدبر يولّد فيك الطاعة يولّد فيك الانقياد والخضوع لأمر الله ومنهجه في الواقع وهو ما أراده القرآن(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ)
                  قد يقول قائل لو ما أدرك التناسب بين الآيات، ما دخل الكلام عنالتدبر في الآية؟الكلام عن الطاعة(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا )80التولي والصدود والإعراض عن منهج الله لا يكون إلا بالإعراض عن تدبر هذا الكتاب وعدم تفهّم معانيه نتيجة طبيعية والتدبر يقودك إلى الطاعة والانقياد والاستسلام لأمر الله نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه وأن يجعلنا من أهل القرآن الواعين المتدبرين المنفذين لأوامره وتعاليمه وأن يلحقنا بأولئك الرفقة الطيبة التي أدركت كيف يتدبر المؤمن القرآن وينفذ تلك الأوامر في واقعه وحياته.



                  (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا )

                  تدبروا هناك فارق بين القاعد وبين القائم، فارق بين الإنسان الذي نذر حياته ونفسه ووظفها لإقامة منهج الله في الأرض، لحماية الإنسانية والكرامة الإنسانية هناك فارق بينه وبين الإنسان القاعد والقرآن حدد قال

                  (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ)

                  القرآن يريد أن يصنع أناسًا يقومون بهذه القيم الحق يحتاج إلى نفس تفديه ولسان عدل يدافع عنه ويفديه، قلب يحميه، ويد تدافع عنه وتغليه، الحق لا يقوم بالضعفاء. القيم العظيمة التي دعت إليها سورة النساء لا تقوم على أكتاف الضعفاء والقاعدين والعجزة. وماذا يحدث حين لا يقوم هؤلاء الأقوياء بتلك القيم حماية ونصرة ودفاعا؟

                  الذي يحدث أن تنتشر رقعة الفساد والمساحة التي يتبؤها أصحاب الحق والقيم تصغر شيئا فشيئا حتى تضيّق عليهم المساحة فلا يجدون مكانا يلجأون إليه فيلجأون للهجرة وتدبروا كيف جاء الحديث عن الهجرة بعد الحديث عن القعود والجهاد.

                  قيمة الجهاد في سبيل الله والجهاد ليس كما يتصور البعض فقط يكون بأن يحمل الإنسان أدوات القتال ويخرج لا غاية ولا تخطيط ولا استراتيجية، هذا ليس ما يدعو إليه القرآن أبدا.

                  القرآن يعلمنا أن الجهاد بكل أشكاله بالكلمة بالنفس بالمال بالنصرة بالدفاع عنه بكل أشكاله المتعددة بنصرة الحق في نفسك وفي مجتمعك وفي مؤسستك وفي أسرتك بالدفاع عن القيم في حياتك منهجًا وسلوكًا، أنت حين تتمثل القيم قيم الأمانة والحرية والمساواة في بيتك وفي أسرتك ومع طلابك ومع جيرانك ومع أصدقائك ومعارفك ومع من لا تعرف أنت تحقق هذا المعنى العظيم من معاني الجهاد التي للأسف الشديد غفل عنها الكثيرون.

                  ماذا يحدث حين لا نقوم بهذا الأمر الإلهي؟

                  الذي يحدث أن رقعة الصلاح تضيق وتضيق وتشتد وتضيق الخناق على أهلها حتى لا يجدوا في الأرض مكانا يقيمون فيه هذه القيم العظيمة، ولا مكانا يمارسون فيه هذه القيم العظيمة فلا يجدون مفرا إلا أن يهاجروا وهنا جاء الكلام عن الهجرة في سبيل الله. الإنسان الذي أريد منه وطلب إليه أن يقيم تلك القيم في كل مكان يتواجد فيه فإذا ما قام بتلك الأوامر، ضاقت عليه الأرض بما رحبت وهذا حاصل في زماننا وفي كل زمان حين لا يقوم الناس بما أمر به الله سبحانه وتعالى من إحقاق للحق ونصرة للعدل.


                  الهجرة في سبيل الله



                  (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ)

                  تدبروا كل ما ذكر في سورة النساء: مستضعفين، استضعفوا، كلمة مقصودة لذاتها، الإنسان لا يولد ضعيفًا، لا يخلق ضعيفًا، لا يُخلق عاجزًا ولكن هو الذي باستسلامه وخضوعه للآخرين يعطي من نفسه ذلك الضعف حتى يصبح فعلًأ ضعيفا لا يؤبه له ولا يقام له وزن
                  (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ)
                  ظلم النفس أن لا يحقق الإنسان لنفسه الغاية التي لأجلها خلق، أعظم ظلم للنفس!
                  ربي عز وجلّ خلقنا لغاية قال (إني جاعل في الأرض خليفة)
                  فإذا لم أحقق الغاية التي لأجلها خلقت أيّ ظلم هذا؟!
                  (قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ
                  قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا)
                  الهجرة، فتح باب الهجرة لأن القرآن يعالج واقعًا إنسانيًا.

                  هب أنك كنت في مكان كما كان المسلمون وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مكة قضوا تلك الفترة وهم يحاولون كل ما يستطيعون القيام به لأجل نصرة القيم التي جاء بها القرآن في ذلك البلد الأمين في ذلك الوطن الذي هو بالفعل وطن لهم لكنهم لم يتمكنوا من تحقيق ذلك، استمروا، ثبتوا، حاولوا عشرات المرات، لم يتسللل إلى نفوسهم ولا إل قلوبهم العجز أو الياس!

                  القضية قضية رسالة، قضية حق، قضية حياة تكون أو لا تكون، فحين ضاقت عليهم الأمور ولم يجدوا بعد ذلك مكانًا يمارسون فيها ذلك المنهج الذي نزل في كتاب الله هاجروا في سبيل الله، الهجرة لأن هذه الأرض شرقا وغربا شمالا أو جنوبا هي أرض الله وهي واسعة للإنسان لأجل أن يقيم منهج الله فيها. فالمكان لا ينبغي أن يكون عذرًا وهو ليس بعذر مقبول بمعنى آخر عليك أن تمارس المنهج الذي أنزله الله في كتابه في اي مكان كنت ولا تجعل قضية المكان هي التي تقف حجر عثرة في تطبيقك لمنهج، إن لم يكن بوسعك، هاجر فأرض الله واسعة. وتدبروا (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ) مساحة للواقع الإنساني، القرآن جاء ليعالج واقعا إنسانيا، الناس ليسوا سواء، يتفاوتون في قدراتهم، يتفاوتون في ضعفهم، يتفاوتون في أحوالهم والقرآن كتاب عظيم يخاطب كل النفوس في ضعفها كما في قوتها في عجزها كما في قدرتها في صحتها كما في مرضها جاءت هذه الآية رخصة
                  (فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا )
                  ولكن لا يعني ذلك أن يتحول السواد الأعظم من البشر إلى فئة مستضعفة!
                  الفئة الغالبة لا بد أن تكون تلك الفئة القوية القادرة على أن تحقق الرسالة العظيمة ذلك المنهج القرآني العظيم.

                  (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
                  لا يهاجر في سبيل أطماع مادية ولا يهاجر في سبيل ثمرات عاجلة دنيوية أو منافع أو مكاسب عاجلة
                  وإنما يهاجر في سبيل الله
                  (يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً)
                  يجد بدائل متعددة، يجد مغانم، يفتح الله سبحانه وتعالى بها عليه على قدر ما في قلبه ونيّته من صدق وتوجه لله سبحانه وتعالى.

                  وهنا قد يقول قائل:
                  هل الهجرة لأجل الكسب المادي أو لأجل حياة أفضل ممنوعة أو محرمة
                  بناء على هذا الكلام في كتاب الله عز وجلّ؟
                  كتاب الله سبحانه وتعالى لا يقف بنا فقط عند قضية الممنوع أو المحظور أو المباح أو المفتوح أو المسموح به ليس فقط الأمر هكذا، يعطينا أبعادًا عظيمة للفعل الإنساني للفعل التكليفي كما يطلق عليه في عرف الفقهاء، الفعل الإنساني، الحكم التكليفي يعطيه أبعادا عظيمة واسعة أبعادا لا تخرج عن المقصد الذي لأجله خلق الإنسان إطلاقاً، القرآن يعطيك الغاية التي لأجلها خلقت كإنسان، نحن لم نخلق لأجل أن نأكل ونعيش ونلبس ونسكن،لا، نحن خُلقنا وسُخّر لنا ما في الأرض جميعًا من طعام وشراب ومسكن وغير ذلك من حاجيات لا تستقيم حياتنا إلا بها والحصول عليها لأجل أن نكون خلائف الأرض، أن نحقق هذا المنهج الذي أنزله الله في حياتنا وفي واقعنا وفي كل مكان نكون فيه، فلا تلهينا الوسلية عن الغاية ولا يشغلنا ذلك السبب عن المقصد الذي لأجله خُلقنا، هذا هو القصد، بمعنى آخر أنت حين تتخذ قرار الهجرة والفسر قف مع نفسك وقفة صادقة واسأل نفسك: لم تهاجر؟

                  هب أن تهاجر لأجل عيش كريم، قضية محمودة تمامًا لا غبار عليها ولكنها غير كافية لأجل أن تجعل منك إنسانًا مصنوعًأ على عين المنهج الذي أنزله القرآن العظيم، إذن ماذا أفعل؟
                  صحح مقصدك قبل أن تسافر وقبل أن تهاجر اِجعل لك حظًا من هذه الآية العظيمة (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
                  ما هو حظك من هذه الآية؟ هل هجرتك فعلا في سبيل الله؟
                  فإن لم تكن في سبيل الله فاجعلها في سبيل الله، وما معنى أن تهاجر في سبيل الله؟
                  ليس هناك تعارض بين أن تعيش عيشة كريمة تليق بإنسانيتك تكسب منها لقمة حلال شريفة كريمة وبين أن تحقق هذا المنهج الذي دعا إليه القرآن، ليس هناك نعارض أبدًا.

                  إذن قدّم ورتب الأولويات في حياتك، هاجِر، اخرج بنفسك، بأسرتك، بأهلك إذا ضاق بك المقام ولكن لا تنس وأنت تهاجر أن تأخذ معك إيمانك، أن تأخذ معك المنهج، أن تأخذ معك الكتاب الذي يبنيك من جديد، الكتاب الذي يهديك في ذلك الطريق الشاق الطويل الذي عزمت أن تسافر فيه، لا تنس أن تأخذه معك.
                  وأنا لا أقصد بالمنهج أن تأخذ مصحفًا للتبرك به فحسب كما يفعل بعض المسلمين ولكن أقصد أن تأخذه في قلبك يقينا أن تأخذه في سلوكك أفعالا وأخلاقا وقيما ومبادئ وأمانة، أن تأخذه في أسرتك تعاملا وقياما بالأمن والأمانة والعدالة فيها، أن تكون أنموذجا لغيرك في تلك البلد التي هاجرت إليها.

                  (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ)
                  هجرة إلى الله، ما جعل الهجرة إلى مكان، لم يحدد مكانًا، قال (مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ) وهل ربي سبحانه وتعالى يُهاجر إليه؟ وهل رسوله صلى الله عليه وسلم يُهاجر إليه؟ تدبروا وفي آية أخرى على لسان إبراهيم عليه السلام قال (إني مهاجر إلى ربي) هجرة إلى الله هجرة بأن يترك الإنسان ذلك العجز والتخاذل وعدم القدرة على القيام بأمره سبحانه إلى مكان يستطيع أن يقوم بما أمر به الله سبحانه وتعالى مهاجرا إلى الله ورسوله.

                  (ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ)

                  لم يحقق شيئا بعد، في الطريق أدركه الموت،
                  (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) وهنيئا لمن وقع أجره على الله. (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) آية عظيمة توقظ الإنسان الذي غفل ونام عن هذه الحقائق العظيمة التي جاءت في كتاب الله سبحانه



                  تعليق


                  • #69
                    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                    اهمية الصلاة

                    (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ)

                    لماذا الصلاة؟

                    إقامة شعائر الله. كم من القصص والوقائع الحقيقية التي أثبتها أصحابها من المسلمين عن مسلمين أفراد يقفون في بعض الأماكن في البلدان التي هاجروا أو أقاموا فيها في الغرب لإقامة شعيرة الصلاة وإذا بهؤلاء القوم من حولهم يتوافدون عليهم يسألون ما هي هذه الحركات؟ قيام قعود سجود؟

                    كيف أيها الإنسان تضع جبهتك على الأرض؟ ماذا تفعل؟ ولماذا تفعل؟

                    فكانت بابًا عظيمًا من أبواب الدعوة إلى الله سبحانه. الصلاة العظيمة، إقامة الشعائر، الصلاة بمعناها العظيم وغاياتها العظيمة التي جاءت هنا في سورة النساء لا لأجل أن تقام وراء أبواب مغلقة لا أحد يراها ولا ينظر إليها، الصلاة أريد لها أن تكون ظاهرة واضحة هنا في هذا المقام تحديدا، الكلام هنا عن صلاة الخوف في ساحات القتال لأن الإنسان المؤمن مطالب أن يقيم هذه الشعيرة العظيمة يريها للناس ليس من باب الرياء والمرآءاة وإنما من باب إظهار عظمة هذه الشعيرة ومدى تمسك هذا الإنسان المؤمن بقيمتها وحقيقتها في كل الأحوال في الأمن كما في الخوف في القيام كما في القعود في السفر كما في الإقامة، تدبروا هذه المعاني العظيمة.
                    ثم قال

                    (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ

                    فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)

                    إقامة الصلاة في الأمن كما في الخوف، الحرص الشديد على الصلاة، ولماذا الصلاة وموضع الحديث عن الصلاة في أثناء الكلام عن القتال والهجرة والقيم وحماية القيم؟ الصلاة هي تلك المحطة العظيمة التي يتزود بها المؤمن فردا أو جماعة، رحلة الحياة رحلة شاقة، رحلة القتال رحلة شاقة، رحلة الهجرة رحلة صعبة والطريق وعر يحتاج إلى زاد يحتاج إلى محطات نتوقف فيها وعندها وأيّ محطة أعظم من محطة الصلاة حيث يحط المؤمن رحاله على أبواب الصلاة، على أبواب المساجد والأرض كل الأرض جعلت لنا مسجدًا وطهورا يحط رحاله لأجل أن يقف على الباب يسأل مولاه يسأل خالقه القوة (إياك نعبد وإياك نستعين) أنا أتحرك في الأرض وأضرب فيها يمينا وشمالا في سبيلك مستعينا بقدرتك، أنا عاجز ولكن استعانتي بحولك وقوتك يجعلني قويًا، أنا ضعيف كإنسان ولكن استعانتي بحولك وقوتك وتبرؤي من حولي وقوتي يقويني يعيد لي الحياة، أنا فقير ولكن استمدادي وطلبي للعون والغنى بك يغنيني ويحييني ويصرف عني كل الشرور والأوهام والعقبات التي تعترضني في طريق الحياة، الصلاة، ولذلك جاء الحديث عن الصلاة

                    (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا).
                    (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ)

                    تدبروا الترابط والتناسب: بعيدًا عن الضعف والوهن يكون المؤمن بإقامة الصلاة، الصلاة تقويك، الصلاة تمنحك القدرة على مواصلة الطريق، الصلاة تمنحك الثبات على القيم وحمايتها والسير وفق المنهج العظيم الذي أراده الله سبحانه أن يكون واقعا ولذلك جاء الحديث هنا عن القرآن

                    (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا )

                    تدبروا هنا جاء الحديث عن الخيانة لأن حركة الإنسان المؤمن في الحياة حركة محكومة بحماية الأمانة ومنازلة الخائنين ومخاصمة المعتدين أولئك الذين يعيثون في الأرض فسادا، بدحر القيم الحقيقية التي جاء القرآن بتثبيتها وبنائها الحرية، العدالة والمساواة هؤلاء لا تكن للخائنين خصيما. تدبروا الآيات كل الآيات التي جاءت فيما بعد تتحدث عن هذه القضية في خضم الحديث عن الصلاة.

                    (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا )

                    التوبة، العودة، الرجوع لله سبحانه وتعالى، باب التوبة المفتوح هذه هي القيم التي تُبنى بها مناهج الدنيا وتبنى بها الكرامة الإنسانية وتبنى بها قيمة الحياة الإسانية على وجه الأرض وهذا ما أراده القرآن.


                    الإيمان ليس بالتمني

                    ولكنه ما وقر في القلب وصدّقه العمل
                    (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )
                    (أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ)
                    قيم اجتماعية، قيم تحقق العدالة الإجتماعية وتحفظ الكرامة الإنسانية هذا هو المنهج الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يحقق في الواقع أما أولئك الذين يشاقون الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى ويريدون أن يقيموا ويدافعوا عن قيم تعاكس ذلك المنهج وتخالفه فهنا يقول الله سبحانه وتعالى
                    (نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)
                    هذا هو السبيل، هذا هو المنهج. وما الذي يحول بين الإنسان وبين القيام بمنهج الحق في واقعه؟ جانب منها قضية الشيطان اتباع أهواء النفوس والمنهج الشيطاني ولذلك جاء الحديث هنا عن الشيطان
                    (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا )

                    صراع بين القيم العظيمة التي جاءت في القرآن وأراد الله سبحانه وتعالى أن تحقق في الأرض وتقام وبين أهل الباطل على الناصية الأخرى الذين تحركهم أهواؤهم ويحركهم هذا المنهج الشيطاني
                    (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا)
                    هذه النهاية المحتومة.

                    (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ)

                    الإيمان ليس بالتمني ولكنه ما وقر في القلب وصدّقه العمل

                    (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ)

                    إذن هو العمل،

                    (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى

                    وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا )

                    الإيمان ليس أماني، كثير من الناس اليوم يقول أنا أتمنى أن يكون بيدي أن أنصر الحق والعدل والحرية والمساواة، أتألم، الإيمان ليس بالتمني، الإيمان (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) هذا هو الإيمان. أما أن لا أعمل وأبقى أتكل على ذلك الإيمان الضعيف في النفس الذي لا يحقق منهجًا ولا يصلح فسادا ولا يوقِف ظلما ولا عدوانا ولا يحمي إنسانًا ولا ضعيفًا ولا ينصر مظلوما ولا رجلا ولا امرأة ولا ولدًا ولا يدافع عن عرض هذا ليس بإيمان!!
                    ولذلك جاءت الآية

                    (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ)

                    آيات عظيمة والتناسب بينها واضح، أسلم وجهه أسلم حياته أسلم قياد أمره لله وحده لا شريك له ثم اتباع اتبع ملة إبراهيم حنيفا.ثم قال

                    (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا )

                    كل شيء بأمر الله، هذا العالم، الأرض، السماء، الملك كل شيء بأمره وملكه. فإذن منهج من ينبغي أن تتبع في حياتك؟! منهج الله المالك الذي يملك كل شيء أم منهج الإنسان الضعيف العبد الذي يشابهك في الإنسانية وفي العبودية وفي الخضوع لله الواحد الأحد؟ منهج من أولى بالاتباع؟!





                    تعليق


                    • #70
                      رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                      وَالصُّلْحُ خَيْرٌ
                      الشح أعمق وأشد من البخل، البخل مجرد ‏أن يمسك الإنسان بما يمتلكالشح أعمق يبخل مع الحرص الشديد وأحيانًا قد يمسك بشيء لا يضره إذا أعطاه أو قدّم ذلك الشيء لشخص آخر ‏ولذلك هو أعمق، الشح إذا وجد في الأسرة ذهبت معه الأسرة بكل تأكيد، تفككت الأسرة ولذلك العلاقات الأسرية والحفاظ عليها من قبل الرجل ‏والمرأة وكذلك من قبل الدائرة الأوسع دائرة الأقارب تحتاج إلى أن يتخلص الإنسان من داء الشحّ(وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ ‏الْمُفْلِحُونَ)فائزون. ولذلك قرر القرآن في هذه الآية(وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا ‏صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ (128))تدبروا هذه القاعدة العظيمة: كل العلاقات الأسرية كل العلاقات الإجتماعية كل العلاقات الإنسانية إدامة والمحافظة على ‏العلاقة عن طريق الصلح هو خير دائما خير من قطع الوشائج، خير من قطع العلاقات، العلاقات المفككة لا يمكن أن يستيقظ ‏بها مجتمع أو أمة، لا يمكن أن يقوى المجتمع بوجود علاقات مجتمعية مفككة مفرّقة ولأجل أن لا تتفكك هذه العلاقات نحن ‏بحاجة إلى علاج الصلح (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ). وقضية الصلح تحتاج إلى أن يتخلص الإنسان من شح نفسه لأن كل المصالحات تحتاج ‏منا لا نقول إلى تنازلات أو تضحيات نحن ناقشنا في مرة سابقة أن الصلح لا يمكن أن يكون تنازلًا ولا يمكن أن يكون ‏تضحية حتى استعمال اللفظة أنك تنزل عن شيء بينما أنت حين تصطلح مع غيرك أنت لا تنزل وإنما ترتفع وترتقي، ترتفع بنفسك على شحّها ‏وتتخلص من ذلك المرض الذي إذا جاء وتولد في النفس واستشرى فيها حرمها من خير كثير من عند الله عز وجل. ‏ولذلك ربي عز وجلّ بعد هذه الآية (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) قال(وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ)الحديث هنا عن يوم القيامة يحضرها ربي عز ‏وجلّ لا تخفى عليه خافية. الإنسان في كثير من الأحيان يتوهم أن الصلح يعني التنازل أن الصلح يعني الضعف يعني التضحية يعني أن ‏يتنازل الإنسان ويتراجع عن موقف أو يخسر نقطة لصالح الطرف الآخر الذي يريد أن يبني معه الصلح والقرآن يحطم هذا المفهوم ‏تماماً ويعطينا درجة عالية للإصلاح بقوله سبحانه(وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)الصلح رقيّ، الصلح ‏ارتقاء، الصلح إحسان، الصلح تقوى، لا تأتي به إلا تلك النفوس الراقية التي لا تريد جزاء ولا تنتظر شكورا من الناس. الناس التي لا تنتظر الشكر من الناس النفوس المتعلقة بخالقها عز ‏وجل المدركة أن الله سبحانه خبير بخبايا النفوسولذا جاء الحديث مباشرة بعد هذه الآية(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ ‏النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ (129)) الكلام مرة أخرى عن قضية التعدد لأن الطبيعي والواضح أن الرجل حين يعرض عن المرأة ‏ويزهد في استمرار العلاقة الزوجية معها فسيبحث له عن أخرى ولذلك جاءت هذه الآية(فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ‏وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129))الصلح المبني على تقوى الله عز وجلّ، الصلح الذي لا يخشى الإنسان ‏فيه من أحد يخشى الله سبحانه وتعالى فقط، الصلح الذي يؤسسه في داخل بيته وأسرته، الصلح الذي يحافظ فيه على العشرة ‏بالمعروف، الصلح الذي لا يجعل العلاقات الزوجية والأُسرية رهينة بعواطف أو مشاعر أو بأمزجة أو بأهواء،وقد قلنا في السابق لا تؤسس ‏على المشاعر والعواطف فحسب

                      اليوم نحن نلاحظ أن نسبة الطلاق وخاصة في الزيجات بين الشباب بين أبنائنا وبناتنا نسب ‏مرتفعة نسب مخيفة نسب تنذر فعلًا بأن هناك خللاً حقيقياً يدكّ أبواب الأسر والبيوت إذا حدث هذا الخلل وهذا التصدع في كيان الأسرة فماذا بقي في المجتمع؟! وماذا بقي في الأمة؟! وماذا بقي لنا نحن اليوم كمسليمن لأجل أن نقدمه إلى العالم؟! نحن بحاجة إلى هذا الخلق ‏الرفيع، بمعنى آخر أن يدرك الإنسان وهو مقبل على مشروع الزواج عظم المسؤولية الملقاة على عاتقه هذه المسؤولية التي لا يمكن أن تتولد إلا على عين التقوى والإصلاح والإحسان والشعور بأن الله سبحانه وتعالى خبير محيط لطيف غفور رحيم وبالتالي هنا تنشأ الأجواء المناسبة جدًا لقيام الأسرة.‏

                      الطلاق ليس النهاية

                      (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا ‏يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130))الزواج ليس عقداً أبدياً، إذا استفحلت الخلافات في الأسرة وفي البيت المسام وما عاد هناك مجال بين الزوجين رغم ‏حرصهما على الاستمرار في العلاقة الزوجية أن يكون هناك استمرار فهل يغلق الباب؟ هل توصد الأبواب؟ ويصبح الشعار السائد في الأسرة التعاسة والخلافات التي لا تنتهي والصراعات والشقاق؟لا، لأن كذلك هذا النوع من الأجواء أجواء غير صالحة لتربية أبناء ولو فرضنا لم يكن هناك أبناء فهل من قدر الزوج والزوجة أن يبقيا في هذه التعاسة الأبدية بدون مجال للخلاص؟!الزواج في القرآن ليس سجناً أبدًا، ليس عقوبة ولذلك جاءت هذه الآية العظيمة (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) الحياة الإنسانية لا تنتهي أبداً مع نهاية علاقة إنسانية، نحن نحرص على هذه العلاقات ونحرص على استمراريتها وديموميتها ولكن إن قدّر الله سبحانه وتعالى أمرا آخر وسارت الأمور على خلاف ذلك فلا ينبغي للحياة أن تتوقف ولا ينبغي للإنسان أن يحكم على نفسه وعلى غيره بالتعاسة الأبدية أبداً، هنا تأتي عملية إنهاء العلاقة الزوجية.(وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا)الله سبحانه وتعالى يغني كِلا الطرفين لأن إنهاء العلاقة ‏الزوجية لا يعني النزاع ولا الصراع ولا الاقتتال والمخاصمة التي لا تكون في صالح أيّ أحد من الأطراف (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ (229) البقرة) هذا هو القرآن.‏ومرة أخرى جاءت الآية بقوله عز وجلّ(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (131))ليعلّق القلب البشري بخالقه سبحانه وتعالى ليشعر القلب البشري بغناه عن البشر. عدد من النساء وربما حتى من الرجال يستمرون في علاقات زوجية وأسرية وهم يدركون تماماً أنها علاقات ‏ميؤوس منها تماماً لا مجال للصلاح، ولكن الذي يدفعهم على الاستمرار فيها القضية المادية الحرص على قضية المعيشة وما ‏شابه وهو أمر لا بد للإنسان أن يهتم به لكن عليه تماماً أن يدرك بأن كل هذه الأمور إنما هي أسباب وعليه أن يبقى دائمًا معلق القلب بمسبّب الأسباب الذي له ملك السماوات والأرض. ولذلك جاء الحديث في نفس الآية(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ)الوصية الخالدة العظيمة(أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِوَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا)ومرة ثانية(وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132))تدبروا كم مرة في هذا الجزء فقط من الآيات وردت (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) ليحرّر النفس من الشحّ يحرر النفس من الخضوع للآخرين لتوهم أن الآخرين يمتلكون لأنفسهم أو لنا نحن نفعاً أو ضراً إلا ما شاء الله. الأمر كله لله والتقوى هي المفتاح الحقيقي الذي يوصل الإنسان إلى الغنى فكلما زاد المرء تقوى لله سبحانه وتعالى ومراقبة لأمره ونهيه زاده الله غنى، غنى ليس بالضرورة فقط أن يكون غنى ماديًا، غنى النفس الشعور بالغنى، الشعور بالاستغناء عن الخلق، الخلق الشعور بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي ‏يعطي وليس البشر والبشر في نهاية الأمر إنما هم أسباب يسخرها الله سبحانه وتعالى لمن يشاءولذلك جاءت الآيات بعد ذلك(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ (133))أصبح الخطاب للناس(وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا)ليخلّص النفوس من التعلق بالناس، من ذاك التعلق الذي يدفع الإنسان أحياناً إلى الخضوع للبشر الذي لا ينبغي أن يكون إلا لله وحده لا شريك له، هذا من تمام الإيمان، الخضوع الذي يعقبه الاستسلام في المنهج، السير على المنهج القرآني العظيم الذي جاء القرآن بترسيخه لا يمكن أن يكون هذا الخضوع إلا حين يستسلم القلب لله سبحانه وتعالى استسلاماً مطلقاً خالصاً يسلم معه التوحيد من النظر إلى أيّ أحد من البشر أو إلى أيّ أحد من الخلق


                      تعليق


                      • #71
                        رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                        كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ


                        (مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ (134))أنت تريد الدنيا وحتى لو كنت تريد الدنيا وتسعى إليها عليك أن تدرك أن ‏الدنيا والآخرة بيد الله ليست بيد أحد من خلقه. إذا استقرت هذه المعاني في النفس هنا فقط يأتي ذلك الأمر العظيم(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ‏شُهَدَاءَ لِلَّهِ (135))ولن يتحقق ذلك القيام بالعدل سواء كان في الفرد في نفسه أو في الأسرة في البيت كما تكلم عنها القرآن في الآيات قبل قليل أو في المجتمع أو في المال أو في اليتامى أو في النساء أو في الزواج أو مع الآخرين أو في الحكم على الناس لن يحدث ‏إلا إذا استقرت هذه المعاني في النفوس الإيمان بالله سبحانه الإيمان بعظمته، الإيمان بقدرته، الإيمان بأنه الواحد الأحد الذي ‏ينبغي أن يُتّبع ويطاع فيما يأمر فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا) تشريفاً وتكريماً (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ) وهو في آيات سابقة في بدايات سورة النساء قال (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ (34)) تدبروا كيف تفسر الآيات بعضها بعضاً.قوَّامون بأيّ شيء؟كثير من ‏المسلمين – نتيجة للفارق الكبير الذي أصبح بيننا وبين كتاب الله عز وجلّ – يقفون عند الآية(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) ويسكت ويعتبر القوامة درجة وهي كذلك ولكن هي تكليف هي مسؤولية هي ‏أمانة في نفس السورة يأتي تفسير هذه القوامة بكل أشكالها، قوامة الرجل على زوجته في كيان الأسرة أو قوامة الإنسان المؤمن على نفسه وعلى الآخرين في المجتمع وفي العالم.(قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ)كيف تكون قواماً؟عليك أن تقوم قوامًا بالقسط، (شهداء لله) في قيامك بمسؤولياتك بها بالعدل والإنصاف والتعامل إنما أنت تفعله لا لأجل أحد وإنما لأجل أنك تشهد بهذا القيام لله ‏سبحانه وتعالى وحده. وكيف تتكون تلك الشهادة لله؟ بالآيات التي كانت قبل كم من مرة في هذه الآيات ربي عز وجلّ يقول (وَلِلَّهِ مَا فِي ‏السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) وكم من الصفات ذكرها سبحانه: محيط، غفور، رحيم، حكيم، خبير، عليم، بصير، سميع، واسع، غني، قدير، حميد، تدبروا في مقطع واحد كم من الصفات ذكرها سبحانه، لماذا؟ ليؤسس معنى أن يكون الإنسان شهيداً لله سبحانه وتعالى، شاهداً له. كيف يكون ذلك والآيات في بدايات السورة(فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ ‏شَهِيدًا (41))؟ بهذه المعاني العظيمة: أن يترسخ في القلب ويستقر ذلك الإيمان بأسماء الله وصفاته وقدرته وسعة ملكه وقدرته التي لا يحدّها شيء، حينها تستقر المعاني فيقوم الإنسان بالعدل ويتحرر من الخوف.الإنسان لماذا يظلم؟وقديماً وقد قيل لا يأتي بالظلم الا الإنسان الضعيف المهزوز المهزوم داخلياً لأنه إنسان خائف، الظلم لا يحدث إلا حين يخاف الإنسان، والعدل لا يحدث ولا يتحقق إلا حين يتحرر الإنسان من الخوف من كل أحد ومن كل شيء إلا الله عز وجلّ ولذلك جاءت الآية في موضعها تماماً(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِوَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)تدبروا، درجة عالية، أمر عظيم، لا يمكن أن يأتيه إلا إنسان له رصيد عالي من الإيمان بالله سبحانه وتعالى كما أسسته سورة النساء العظيمة.‏وقال في نفس الآية، القرآن هكذا: يقّدم الأمر، يأمر بالأمر، يقدّم العلاج ومع تقديمه للعلاج يقف بالإنسان على الداء أو على السبب الذي يمكن أن يحول بينه وبين أخذه لذلك العلاج، قال(فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا)تدبروا، إذن ما الذي يدفعني إلى عدم العدل؟سواء كان في العلاقات الزوجية أو في العلاقات المالية أو في العلاقات الاجتماعية أو في كل شيء؟اتباع الهوى. (فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ ‏تَعْدِلُوا) الذي يمنع الإنسان من العدل اتباع الهوى وما من عدو أخطر على الإنسان من هوى نفسه، اتباع المزاج الذي يوهم الإنسان فعلا بأنه يريد مصلحة ذاته وهو في واقع الأمر أعماه الهوى فأصبح يرى الصالح ضاراً غير نافع ويرى الشيء الضار وكأن فيه الصلاح.‏ولذلك الله عز وجلّ في الآية التي بعدها وصف علاج قضية اتباع الهوى. الهوى داء خطير يورِد الإنسان المهالك في الدنيا ‏وفي الآخرة، يحطم كل العلاقات وإلا فبالله عليكم ما الذي يفسد العلاقات الاجتماعية ولا يدفع الناس لأن يصطلحوا فيما ‏بينهم كإخوة وكأقارب وأولاد عم وأزواج وزوجات وأنساب؟ ما الذي يدفع بهم إلى عدم التصالح؟ غير اتباع الهوى؟ يورد الإنسان فعلا التهلكة في الدنيا والآخرة ‏ما هو العلاج؟قال الله عز وجلّ(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ ‏مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136))الإيمان بهذا الكتاب العظيم، هذا الكتاب هو الذي يعيد الإنسان إلى رشده يعيده إلى جادة الصواب، يعيده إلى الطريق الحق ينقذه من الظلمات، يخرجهم من الظلمات إلى النور، هو ‏هذا الكتاب هذا عمل هذا الكتاب هذه قدرات هذا الكتاب العظيم أنزله الله هدى ونور وشفاء ليُخرج الناس به من الظلمات إلى ‏النور.

                        النفاق مرض خطير وشر مستطير


                        (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ ‏مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136))


                        الإيمان بهذا الكتاب العظيم، هذا الكتاب هو الذي يعيد الإنسان إلى رشده يعيده إلى جادة الصواب، يعيده إلى الطريق الحق ينقذه من الظلمات، يخرجهم من الظلمات إلى النور



                        (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138))


                        لماذا الحديث هنا عن النفاق؟


                        التناسب واضح، طلب مني الإيمان فماذا بعد الإيمان إلا الكفر والضلال والنفاق؟ الذي قد تهيأ للإنسان أنه حلّ وسط يقول آمن بلسانه ولا يؤمن بلقلبه والقرآن لا يقبل بأنصاف الحلولّ هذا ليس حلًا، هذا إشكال كبير، ولذلك توهم المنافقون في المدينة أنهم فعلًا ينقذوا أنفسهم بهذه ‏الطريقة يؤمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار ويكفروا آخره، هذا التذبذب والتزعزع لا يكون في صالح المنافق ولا ‏أسرة المنافق ولا المجتمع ولا أيّ أحد، القرآن يريد إيماناً حقيقياً يريد إيمانًأ واضحاً يستقر في القلب فيفيض على الإنسان في واقعه وحياته أدباً وسلوكاً وعدلاً وصلاحاً ونهياً عن الفساد والمنكر.‏

                        ثم بعد ذلك عرضت الآيات جملة من التصرفات والسلوكيات التي يقوم بها المنافقون في المجتمع وتحديداً كمثال في المجتمع الأول ‏المجتمع المدني لأن أوجه النفاق وصور النفاق صحيح حسب الوضع التاريخي يمكن أن قد تختلف بعض الشيء في أشكالها وصورها لكنها في حقائقها واحدة لا تتغير، والقرآن ‏العظيم لو تدبرنا فيه لوجدنا أنه يأتي بالحديث عن المنافقين في مواضع كثيرة حتى خصص سورة كاملة للحديث عن هذه الفئة في المجتمع لخطورتها على المجتمع وعلى الأسرة وعلى القيم العظيمة التي جاء القرآن بتأسيسها لأن الإنسان المنافق إنسان غير ‏واضح إنسان يتبنى المخادعة ولذلك قال سبحانه وتعالى


                        (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى)


                        لماذا؟


                        (يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلً (142))


                        هنا القرآن يعالج قضية النفاق من جذورها، لماذا يحدث النفاق؟


                        لأن الإنسان حين ‏ينافق فإنما هو ينظر إلى الناس ويرائي الناس ويسعى إلى رضا الناس والله سبحانه وتعالى يريد من الإنسان المؤمن الذي استقر الإيمان في ‏نفسه وفي قلبه أن يُسقط الخلق من حساباته، بمعنى آخر أن يسقط النظر إلى رضى الناس أو عدم رضاهم في سلوكه ومنهجه ‏في الحياة، هو يمشي وفق ما أراد الله عز وجل لا وفق ما يريده الناس لا يلبي رغبات الناس وإنما يسير وفق ما أراد الله ‏سبحانه وتعالى ولذلك عاقبة النفاق خطيرة جداً لما تحدثه في المجتمع من تذبذب من ازدواجية من تصور أن الإيمان قول ‏دون عمل وهذا عكس ما يدعو إليه القرآن العظيم تمامًا ولذلك أعطى الله عز وجلّ هذه النهاية الشديدة للمنافقين. ثم قال


                        (إِلَّا الَّذِينَ ‏تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146))


                        الإخلاص، تلك العملة النادرة التي بها تكبر الأعمال وبها يتفاوت الناس في قربهم من الله سبحانه وتعالى وفي جزائهم.‏


                        ثم بعد ذلك الآيات التي جاءت في سورة النساء حدثتنا عن أشكال النفاق، النفاق ليس شكلاً واحداً منه ما يتعلق بالإعتقاد ومنه ما يتعلق ‏بالعمل منه ما يتعلق بالعمل حتى المجتمعي والعلاقات الإجتماعية ومن الأشياء والمسالك التي يحرص عليها ‏المنافقون وأوضحتها الآيات في سور أخرى كما في سورة النور حين جاؤوا بحادثة الإفك وغيرها كثيرة جداً الأمثلة عليها، ‏من صفات النفاق والمنافقين الحرص على إشاعة السوء، الشائعات، الحرص على الأخبار السيئة ونشر كل الأخبار السيئة عن الآخرين ‏في المجتمع ولذلك القرآن في سورة النور على سبيل المثال قال (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا (19) ‏النور)


                        تعليق


                        • #72
                          رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                          نقل الكلام السيئ آفة اجتماعية خطيرة

                          (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ‏ظُلِمَ (148))
                          الجهر بالسوء، إشاعة الأخبار السلبية السيئة الحديث عن الآخرين، الانتقاص منهم، هذه ليست من سمات المجتمع. ولماذا جاءت الآية بهذا الشكل
                          (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ)؟
                          المجتمع المسلم مجتمع راقي حتى في أحاديثه وسَمَره، ‏أحاديث السمر حين يتسامر المؤمنون في مجتمع راقي يمشي وفق ما أراد الله له أن يمشي في كتاب الله سبحانه، راقي في ‏حديثه حتى المزاح راقي، راقي حتى في الكلمات التي ينتقيها، راقي في سلوكياته راقي في أدبه راقي في طبيعة المحادثات التي تدور بين ‏الإفراد
                          (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ)
                          تدبروا: الحديث السيء لا ينبغي أن يشاع في المجتمعات سمعت حديثاً تفسد ‏كل شيء ليست فقط تفسد العلاقات الاجتماعية في واقع الأمر ولكنها تفسد كذلك المزاج الإنساني والذوق الإنساني الذي ينبغي أن يكون راقياً ‏مهذباً هذّبه القرآن. ‏
                          الكلام على الناس ونحن في زمننا هذا الذي نعيش فيه ملاحظ جدًا انتشرت وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة والخبر الذي ‏كان يأخذ يومًا أو ربما يومين أو أكثر، شهر لأجل أن يصل باعتبار أن وسائل الإتصال ضعيفة في العصور الماضية الآن أصبح ‏في ثواني يمكن أن ينتشر إلى عدد كبير جدًأ من الناس وكلما زاد النشر والانتشار زادت العواقب الوخيمة المترتبة على ذلك فالجهر ‏بالسوء اليوم قضية خطيرة جداً أفسدت على الناس ليس فقط علاقاتهم أفسدت عليهم القلوب، قلب المؤمن قلب خالص كالمرآة ‏ينبغي أن يبقى نظيفاً طاهراً يعكس معاني الإيمان والتقوى والخوف من الله عز وجل، أما إذا شابته عشرات الشوائب على كل ‏الوسائل المختلفة نشر خبراً وعلى اعتبار وهو اعتبار غير صحيح “ناقل الكفر ليس بكافر” من قال هذا؟
                          ناقل السوء وناقل ‏الخطأ وناقل الفواحش وناقل الشائعات وناقل الأفكار المنحرفة هو مشارك في نقلها، هو لا يمكن أن لا تقع عليه مسؤولية النقل ‏والنشر، أنت مسؤول ومساءل عما تنشر، أنت مشارك في المسؤولية فلننتبه إلى هذه النقطة الخطرة
                          ولذلك ربي عز وجل ‏ختم الله الآية بقوله
                          (وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا)
                          (إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149))
                          قدّم إبداء الخير، وفي الآية التي قبل قال
                          ‏‏(لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ)
                          إذن فماذا يحب ربي عز وجل؟
                          يحب أن تُظهر الخير وتستر العيب وتُصلح ذات البين
                          (إِنْ تُبْدُوا ‏خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا)
                          والنتيجة هو ذلك الإيمان الذي يعود عليه القرآن العظيم مرة بعد مرة
                          (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا ‏بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150))
                          والسؤال ما وجه التناسب بين هذه الآية والتي قبلها؟
                          واحدة من الوسائل قضية الجهر بالسوء، قضية ‏الكلام الحديث عن هذه الأقوال وهذه الأشياء وهذه الأفكار وهذه الإنحرافات ليس من باب معالجتها وإنما من باب إشاعتها ‏ومن باب نشرها هذه أجزاء من الأشياء التي يمكن أن تُنشر بهذه الطريقة والقرآن العظيم يريد إيماناً مرتبطاً بسلوكيات راقية في المجتمع هذا الإيمان هو الذي يأتي بذلك الخير الذي أسس له القرآن.‏

                          (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي ‏الْعِلْمِ مِنْهُمْ (162)
                          كعادة القرآن في العدالة حين يحدثنا عن الأمم لا يجمع ولا يعمّم ولا يُطلق أحكام عامة على الكل
                          (لَكِنِ ‏الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ ‏بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ)
                          تدبروا، رسالة الإيمان واحدة، رسالة موسى عليه السلام لم تختلف عن رسالة عيسى عليه السلام ورسالة نبينا صلى الله عليه وسلم لا تختلف عن تلك الرسالات في التوحيد والإيمان والتشريعات التي نهت عن الظلم والتي جاءت بالأمر بها والوفاء بها لم تختلف أبداً. ولذلك الآية التي بعدها قال
                          (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ‏وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ‏‏(163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164))
                          ثم بعد ذلك
                          (رُسُلًا ‏مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165))
                          ثم الآية التي بعدها
                          (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (166))
                          ربي سبحانه وتعالى شهد والملائكة شهدوا معه وكفى ‏به سبحانه وتعالى شهيدًا فكيف لا يشهد الواقع الإنساني بكل تلك الشهادات؟! كيف لا يصدّق الواقع البشري ما شهد به الله ‏سبحانه وتعالى وكل الأنبياء، كيف؟! هذا التنكس هذا التخبط الذي تشهده البشرية اليوم ما شهدته في تاريخها، يناقض كل ما جاءت به الرسل والأنبياء من عدالة ومن قيم ومن مُثُل ومن تعاليم ربانية (وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا) كل الكتب كل الرسل كل من ذكرهم في هذه ‏الآيات ما المناسبة لذكرهم؟
                          القيم التي جاءت بها سورة النساء فكانت أول آية من آياتها (يا أيها الناس) خطاب عالمي خطاب جاء به كل الأنبياء من قبل (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) الرسالات جاءت بهذه القيم العظيمة، جاءت بالعدل، جاءت ‏بالحرية، جاءت بالمساواة، جاءت بالأمانة، جاءت بالحفاظ على حقوق الآخرين وتحريم كل ما سوى ذلك، ولذلك الآية التي ‏بعدها قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) تدبروا خطاب (يا أيها الناس) مرة أخرى في سورة النساء، سورة النساء نموذج لخطاب عالمي خطاب قرآني عالمي، القرآن خطاب عالمي، القرآن ما جاء ليخاطَب به المسلمون فحسب ومن يؤمن به ولذلك عشرات الخطابات (يا أيها الناس) (يا أهل ‏الكتاب) (يا أيها الذين أوتوا الكتاب) لماذا؟ خطاب يخاطب كل الناس.
                          (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآَمِنُوا ‏خَيْرًا لَكُمْ (170))
                          خيراً لكم في كل شيء في دنياكم وأخراكم في اقتصادكم وفي سياساتكم في معاشكم وفي مآلكم في بيوتكم وفي مجتمعاتكم في حربكم وفي سِلمكم في قلوبكم وفي بيوتكم وفي أُسركم مطلقاً (فَآَمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ) الإيمان خير، القيم خير ‏للبشرية. الذي خلق البشرية ما أراد لها من خلال تطبيق المنهج إلا الخير والدليل أن البشرية يوم تخبطت عن كل تلك ‏الرسالات والمناهج التي أثبتها في كتابه سبحانه وأرسل بها الرسل أصبحت تعاني، تعيش في حالة شقاء، البشرية اليوم تشهد حالات تعاسة وشقاء على المستوى العالمي ما شهدته في تاريخها: حروب، تهجير، نكبات، مصائب، كوارث إنسانية، كوارث ‏طبيعية، كوارث في كل شيء، كوارث حتى في الجو في الهواء في المناخ في كل شيء، من أين جاءت؟
                          جاءت من عدم اتباع المنهج (فآمنوا خيرا لكم).



                          تعليق


                          • #73
                            رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                            لماذا القرآن يفصل في آيات الميراث؟







                            الآية الأولى من سورة النساء قال تعالى(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ (1))
                            والآيات الأخيرة
                            (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ ‏رَبِّكُمْ)
                            لا يمكن للتقوى أن تتحقق بعيداً عن هذا البرهان العظيم،
                            لا يمكن للتقوى أن تتحقق بعيداً عن القرآن العظيم(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ ‏نُورًا مُبِينًا) (فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ (175))هو ما نحتاج إليه التمسك، وكلمة اعتصام هي أكثر من كلمة التمسك، يعتصم بالشيء يلجأ إليه لكي يعصمه من شيء، يحميه ويكفيه، يعصمه من أيّ شيء؟

                            يعصمه من كل أشكال التخبط والشرور التي تعرض له في الطريق إذا كان بعيداً عن كتاب الله سبحانه وتعالى.
                            (فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)يدخلهم في رحمة منه وفضل ليس فقط في الآخرة في الدنيا قبل الآخرة لا مجال لسعادة البشرية بعيداً عن هذا الكتاب العظيم، لا مجال، هكذا هو ‏القرآن. ‏والملفت للنظر أن الله سبحانه وتعالى آخر آية في سورة النساءوبعد هذه الآيات قال(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ)‏قضية الميراث لشخص ليس له ولد وله أخت، قضية ميراث، تقسيم أموال.لماذا تقسيم أموال بعد الحديث عن الكتاب أنه برهان والاعتصام به ليؤكد القرآن العظيم أن قضية الاعتصام بكتاب الله عز وجل والرجوع إليه ليست قضية شكلية وإنما هي تطبيق في كل جزئيات الحياة، في المال، في الاقتصاد، في الأعمال، في الحياة، في القليل، في الكثير، في كل شيء. ‏

                            هذه الجزئيات المفصلة هذا تفصيل في آيات الميراث،
                            لماذا القرآن يفصل في آيات الميراث؟
                            القرآن يفصل في آيات الميراث لأنها ليست آيات خاضعة ‏لتاريخية معينة ولا لسياقات تاريخية ولذلك هي غير قابلة للتبدل نتيجة لتبدل ظروف الإنسان وحياته ومعيشته وأوضاعه ‏الاقتصادية، بعض الأشخاص يقول لك اليوم على سبيل المثال
                            (فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) فقالوا لا، الآن المرأة تغيرت أوضاعها ‏الاقتصادية أصبحت كالرجل، وبالتالي الميراث ينبغي أن يوزّع بالتساوي! من الذي يفرض المنهج؟
                            تفرضه أهواؤنا وحساباتنا المتقلبة وأمزجتنا المختلفة المتباينة وأوضاعنا المعيشية والاقتصادية المختلفة من مكان لآخر أم الذي يفرضه من خلق الذكر والأنثى؟

                            ولذلك قال(يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)أنت كبشر تعلم شيئًا ولا تعلم آخر ولكن الله هو الذي بكل شيء عليم وعملية التنصيف هي ليست، نحن لسنا في معركة، وإنما نحن في مجال تشريع وفهم لمعاني التشريع ‏ومحاولة لتفهم مقاصده وحكمه وربما نلم بشيء ونغفل عن شيء آخر. القرآن أراد للناس أن يصححوا أوضاعهم ‏الإجتماعية وفق منهجه لا أن يُخضع منهج القرآن لأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية وما شابه. صحح أوضاعك، قضية تقسيم الميراث قضية تتعلق بالوظائف قضية تتعلق بالأدوار التي ينبغي أن يقوم بها الفرد الرجل والمرأة قضية لا تخضع للحسابات ‏البشرية التي يتعامل بها الناس اليوم. ‏

                            بعض الرجال وبعض الإخوة يحرمون الأخوات من الميراث ويحرمون الأمهات
                            قلنا في مرات سابقة ونقول:أنت لا تقيس المنهج وفق ما يمارَس به في واقعكوإنما ‏أنت عليك فعلًا أن تعدّل تلك الممارسات هذا واجبنا كأفراد،ولذلك ربي أوكل لي مهمة قال(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ ‏بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ (135))وإلا فما معنى قيامنا بالقسط؟!

                            أنا مطلوب مني أن أصحح وأعدل في تلك الممارسات حتى تصبح وفق ما ‏أراد ربي عز وجل في هذا المنهج العظيم، أن تُصَّحح العلاقات الفردية والاجتماعية أن يصبح من جديد الأخ يستشعر مسؤولية تجاه أخته مهما كانت سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة، المسألة ليست مسألة أموال، المسألة مسألة مشاعر، ‏أحاسيس، مسؤولية. وجود الرجل سواء كان أب أو أخ أو زوج أو عمّ أو خال في حياة المرأة لا يشكل نوعاً من القهر أو الوصاية كما يهيؤ للبعض ولا حماية المسألة ليست خوف أو حماية وضعف وقوة، لا، منظومة لعلاقات إجتماعية إنسانية إذا فسدت فسد معها كل شيء كما هو حاصل اليوم، اليوم هناك العديد من المجتمعات لا أقول فقط في الغرب وإنما أتكلم عن مجتمعاتنا العربية والإسلامية تعاني تفكك في العلاقات انفصام، تمزّق في العلاقات في الأسرة الواحدة هذا ما لا يريده القرآن، القرآن يريد أن يعيد الأمور في حياة الفرد والأسرة والمجتمع إلى نصابها إلى وضعها السليم ولن يتحقق ذلك بعيدًا عن ‏المنهج.‏
                            سورة النساء العظيمة التي بدأت بالوصية بالتقوى وختمت بالحديث عن(قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ)تؤكد كل هذه المعاني والقيم، تؤكد هذه الرسالة التي ينبغي أن نقوم بها جميعا كل حسب ما هيأ الله له من أسباب، قوامين بالقسط، قوامين بتلك القيم، ‏حريصين على نشرها، محاولين كل ما في وسعنا لأجل أن نعيدها من جديد إلى الواقع وإلى السلوك وإلى الحياة.

                            ‏ولذلك لا عجب أن تكون أول آية في السورة التي تليها رغم الفارق الزمني في النزول سورة المائدة
                            (يَا أَيُّهَا ‏الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) المائدة)هذه القيم هي أشكال من العقود والعهود والمواثيق بيننا وبين خالقنا عز وجلّ الذي رضينا به رباً ورضينا بكتابه كتاباً منزّلًا ورضينا بنبيه صلى الله عليه وسلم نبيًّا رسولاً وناصحاً لهذه ‏الأمة وشهيداً عليها.

                            تعليق


                            • #74
                              رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                              تدبر سورة المائدة



                              مقدمة


                              تعتبر سورة المائدة من أواخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر أن فيها بعض الآيات نزلت قبيل الفتح. هذه الآيات في سورة المائدة تعتبر وتشكّل الوصايا العظيمة التي أكّدها القرآن،
                              عادةً الإنسان حين يكتب وصية له – ولله المثل الأعلى – فهو يوصي بأهم الأشياء في حياته وأكثر وأقرب الأشياء التي يهتم بها ويحرص عليها، ولله المثل الأعلى، سورة المائدة من أواخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى البشرية على الإنسانية فكان هذا التوقيت في نزول السورة له دلالة خاصة،دلالة على أن هذه الأوامر والوصايا التي حوتها سورة المائدة هي من أعظم الوصايا التي يجب على الإنسان أن يقف عندها طويلًا صحيح أن الكثير من هذه الوصايا والأوامر والتعاليم والتشريعات جاءت في سور أخرى ولكن على الرغم من كل هذا فإن تأكيد هذه الأوامر والتعليمات له دلالة من نوع خاص.الأمر الآخر كذلك الذي تتضح معه دلالات هذه السورة العظيمة أن سورة المائدة يمكن أن لا تسمى فقط بأنها سورة المائدة باعتبار قصة المائدة التي ذكرت في أواخرها وإنما هي سورة العقود والمواثيق التي ابتدأها الله سبحانه وتعالى بقوله(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)وذكرت فيها المواثيق في أكثر من موضع الأمر الذي يؤكد أن المحور الذي تدور عليه سورة المائدة محور المواثيق، وأعظم ميثاق منه تتفرع كافة العقود والالتزامات المختلفة بين الإنسان ونفسه وبينه وبين أهله وبينه وبين الآخرين وبينه وبين الدولة، هذه المواثيق أعظمها ذلك العقد والميثاق الذي بين الإنسان وربه وجاءت الآيات في سورة المائدة بالحديث عنه بوسائل متنوعة كعادة القرآن العظيم.

                              أمر آخر في السورة أنها حوت على ما يزيد على خمسة عشر نداء بـ
                              (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا)له دلالة خاصة إذا علمنا أن السورة من أواخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم السورة تخاطب المؤمنين وقد استقر الإيمان في قلوبهم حتى يأتي التشريع وتأتي الأوامر وتأتي الأحكام مبنية على أساس رصين قوي من الإيمان بالله ومعرفته، وهذه هي عظمة التشريعات في كتاب الله عز وجلّ ليست مجرد قوانين صورية شكلية وإنما مؤسسة على الإيمان وعلى معرفة الله سبحانه وتعالى,ولقائل أن يسأل هذا إذا نظرنا إلى أن هذه السورة من أواخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم لكنها في ترتيب المصحف جاءت بعد سورة النساء إذن هي من أوائل السور في كتاب الله عز وجلّ،إذن فما وجه أن يخاطب الإنسان من البداية، بداية القرآن العظيمبـ(يا أيها الذين آمنوا)؟ذكرنا سابقًا – وهذه من أعظم وأبسط مبادئ التدبر في كتاب الله عز وجلّ – أن ترتيب السور والآيات في كتاب الله عز وجلّ توقيفي أوحي به إلى النبي صلّ الله عليه وسلم وكل ما يتعلق بهذا الكتاب دور النبي صلّ الله عليه وسلم فيه البلاغ (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ)،هذه نقطة.

                              النقطة الأخرى أن القرآن كان ينزل – ولا بد الآن حين نقرؤه أن نستحضر هذه الحقيقة كذلك – يعالج واقعًا، الوقائع، الأحداث، الأسئلة، الأمور تعرض للمجتمع المسلم، للجيل الأول الذي نزل فيه القرآن فتأتي الآيات وتنزل السور تعالج تلك الحوادث والأمور وتأتي الإجابات على الأسئلة بطرق مختلفة ووسائل متنوعة على عادة القرآن العظيم. اليوم حين نقرؤه بهذا الترتيب الذي جاء في كتاب الله عز وجلّ الترتيب مقصود، ترتيب السور مقصود وليس لدينا الآن حادثة بعينها معينة يأتي القرآن ليعالجها كما كان عليه الحال في عصر النزول ولكن القرآن يقدم لنا نماذج للأسئلة، نماذج حاصلة في وقت التنزيل لكن عليّ أنا المؤمن بالله المتدبر لهذا الكتاب العظيم أن أدرك أن هذا العصر والأجواء التي أعيش فيها اليوم صحيح هي تختلف كأجواء إنسانية حصل فيها تطور، حصل فيها تقدّم، تغيرات كبيرة ولكن السؤال ربما في الصيغة يختلف والإجابة موجودة في كتاب الله عز وجلّ المطلوب مني كمتدبر أن أتعلم كيف أقوم بتشكيل هذا السؤال الذي يأتيني في واقعي وأبحث عن الإجابة في كتاب الله عز وجلّ وأتفاعل مع تلك الإجابة لأجل أن أطبقها في حياتي وفي واقعي فهنا يكون الترتيب بهذا الشكل في كتاب الله عز وجلّ واضح الحكمة والمقصد في حياتي. القرآن الآن هو بين أيدينا ونحن نؤمن به وإيماننا بكتاب الله عز وجلّ وتلاوتنا لكتاب الله عز وجلّ بهذا الترتيب أمر مقصود تماما فهو يعالج حين يعالج ويناديني بـ(يا أيها الذين آمنوا) من أوائل القرآن العظيم ومن أوائل السور لأجل أني في قضية الإيمان أحتاج لكل تلك القضايا والتعاليم حتى أعالج ما أمر به.فإدراك أجواء التنزيل ونزول سور القرآن ومحاولة ربط بين تلك الأجواء وما أعيشه اليوم تساعدني في صياغة الأسئلة التي تعرض لي والحوادث والمشاكل التي أتعرض إليها في واقعي لأتعلم من خلال المقارنة والإطلاع كيف أصل إلى الإجابات في كتاب الله عز وجلّ كيف أجعل القرآن العظيم بمنهجه القويم يعدّل حياتي ويعدل الإشكاليات التي تعرض لي في حياتي.

                              سورة المائدة سورة العقود والمواثيق وربي في أول السورة، لأن التناسب له أشكال بين أول السورة وخاتمة السورة بين نهاية سورة النساء وبين بدايات المائدة، بين آخر المائدة وبين بدايات الأنعام، أشكال من التناسب ولكن نبدأ بأول شكلين من التناسب:

                              الأول ما بين النساء وخاتمتها وما بين بداية سورة المائدة:

                              سورة النساء تحدثت عن بناء القيم العدالة والحرية والمساواة على عين من تقوى الله عز وجلّ وجاءت بتحديد نماذج لتحقيق تلك القيم من خلال النموذج الأسري بشكل واضح جدًا وعملي وانتقلت من الأسرة إلى المجتمع إلى العالم ولذلك خطابات (يا أيها الناس)كانت واضحة في سورة النساء.

                              سورة المائدة تبدأ بـ(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)لأن القرآن يبني إنسانًا مؤهلًا للقيام بمهمة الخلافة على الأرض.

                              بداية سورة المائدة (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)بما فيها تلك العقود والالتزامات التي جاءت في السورة والتي قبلها في سورة النساء وآل عمران والبقرة وفي الفاتحة رغم الفوارق الزمنية فيما بين تلك السورة ولكن كل تلك الالتزامات بين مختلف الأطراف إنما هي عقود عليك الوفاء بها.

                              الشكل الآخر من أشكال التناسب بين أول المائدة

                              (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)

                              وبين آخر السورة الآية الأخيرة يقول فيها الله عز وجلّ

                              (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )

                              أول سورة المائدة

                              (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ)

                              ثم تلتها عشرات النماذج للعقود،

                              ما وجه التناسب؟

                              الآية الأخيرة في سورة المائدة قال

                              (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ)

                              كل شيء في هذا الكون سماء، أرض، أنعام، طيور، أشكال المنتفعات التي ينتفع بها الإنسان كل شيء ورد ذكره في هذه السورة وغيرها في القرآن هو ملك حقيقي صرف لله سبحانه وتعالى لا يشاركه في ذلك الملك أحد على الإطلاق.




                              تعليق


                              • #75
                                رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                العقود والمواثيق بينك وبين الله


                                الآية الأولى
                                (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)
                                بمعنى آخر بيننا وبين المالك الحقيقي سبحانه وتعالى عقد.
                                معنى هذا: نحن في حياتنا الدنيا اعتدنا أننا حين نؤجر بيتًا أو مسكنًا أو ما شابه نذهب لإجراء عقد بيننا وبين مالك البيت الحقيقي أو المكان الذي نريد أن نستأجره وبناء على هذا العقد وما يضعه المالك من شروط يوقع هذا الإنسان المستأجِر ويلتزم تجاه المالك الحقيقي ولله المثل الأعلى


                                نحن سُخر لنا ما في هذا الكون شجر سماء ماء أرض حتى ما نقول باستعماله من سمع من بصر من أدوات إدراك وهبنا الله سبحانه وتعالى إياها سخرها لنا لنقوم بالانتفاع بها نحن لسنا ملّاكا المالك الحقيقي الذي قالت فيه آخر سورة المائدة
                                (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
                                هو المالك الحقيقي. ونحن ربي سبحانه وتعالى بفضله ورحمته وكرمه هيأ لنا وسائل الانتفاع بتلك الأشياء التي يمتلكها هو لا غيره على وجه الحقيقية والشيء الطبيعي في عقود الانتفاع والملكية أن الذي يعطيني ويفرض عليّ الشروط للانتفاع بالأشياء المالك الحقيقي لها ولله المثل الأعلى الذي يعطيني افعل ولا تفعل وتصرّف ولا تتصرف وحلال وحرام وأعطاني حق الاستخدام والانتفاع عن طريق التسخير إلا هو سبحانه

                                ولذلك جاءت
                                (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ)
                                من الذي يحلّ ويحرّم سوا الذي خلق؟!
                                ولذلك منذ أن خلق الله الخليقة وإلى أن تقوم الساعة لم يدّعي أحد من البشر مهما طغي ومهما علا ومهما تجبر أنه خلق على سبيل المثال الأنعام، لم يدّعي أحد فأما وأنه ليس هناك من خلق ولا حتى من يجرؤ أن يدّعي أنه خلق وملك فمن الذي يملك الحق في أن يقول هذا حلال وهذا حرام إلا هو سبحانه وتعالى؟! تناسب رائع.

                                ولذلك آيات سورة المائدة تكلمت كثيرًا عن الحكم بما أنزل الله
                                (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ)
                                لأن قضية الحكم والتشريع هي صلاحية واضحة لن يمتلك وليس لمن لا يمتلك. غير المالك حتى في أعرافنا البشرية نحن وتعاملاتنا البشرية على هذه الأرض لا يحق له أن يشترط شيئا ولا أن يملي شروطًا لأنه لا يملك وربي سبحانه وتعالى له المثل الأعلى هو الذي يملك فهو الذي يبيح وهو الذي يحرّم وهو الذي يقول افعل وهو الذي يقول لا تفعل

                                .القرآن يعلمك الانضباط


                                منذ بداية السورة وإلى ختام السورة السورة تؤكد حقيقة أنت آمنت ورضيت بالله ربًا وبمقتضى ذلك الإيمان أنك تؤمن بأنه المالك سبحانه وتعالى فإذا ما آمنت بهذا واستقر ذلك الإيمان في قلبك سلّم زمام حياتك لله عز وجلّ، سلّم القيادة، سلّم أخذ الأوامر والنواهي إليه فقط دون غيره سبحانه وتعالى وعليك أن تستذكر في كل هذا أن بينك وبينه عقد فعليك الوفاء به فهو المالك.

                                ولذلك الآيات في سورة المائدة كثيرة تلك التي تكلمت عن البيئة أو ما يعرف بمصطلحاتنا المعاصرة “حماية البيئة”، المحميات المختلفة تكلمت عن الصيد وإباحة الصيد ومتى يكون محرّمًا لأنك أنت في تصرفك في هذه البيئة التي من حولك حيوان نبات أرض شجر سماء ماء أنت متصرف منتفع فقط وقد سُخّرت لك هذه الأشياء وبناءً عليه عليك أن تسير معها وتتعامل معها وفق منهج وفق تشريعات وفق أوامر ربي سبحانه وتعالى أعطاك وسخّر لك وفتح لك فيها.

                                تدبروا هذه المعاني العظيمة فالقضية ليست كما ستأتي علينا قضية

                                (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ)

                                هذه تفاصيل،هذه القضية عقد

                                أنك تسير كإنسان وفق ما حدد الله سبحانه وتعالى في كتابه وفي منهجه.


                                (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ

                                إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ)

                                تدبروا ختام الآية،يحكم ما يريد لأنه المالك سبحانه وتعالى

                                فهو يحكم وتأتي تفاصيل بعد تلك الآيات.


                                ثم قال

                                (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ)

                                التعامل مع الأماكن ومع الأراضي ومع الأزمنة (الشهر الحرام) ومع ما كل ما هو حولك من أشياء في البيئة يتم وفق نظام منضبط تمامًا،





                                هذه الموجودات المنضبطة بقانون التسخير الذي جاء ذكره في كتاب الله عز وجلّ في أكثر من موضع أنت تسير عليه لكي يتحقق التوازن، كل شيء في الكون خُلق بتوازن وهذه من قدرة الله سبحانه وتعالى كل شيء فيه توازن: عدد ساعات الليل، عدد قطرات المطر، كل شيء خلقه الله سبحانه وتعالى بقدر وخلقه بشكل موزون وعنده خزائنه سبحانه في كل شيء.





                                دور الإنسان المستخلَف الذي جعله الله خليفة على هذه الأرض دوره أن يسير ضمن ذلك التوازن، النظام المتوازن، يحافظ على التوازن في أثناء تعامله مع تلك الأشياء أو المسَخّرات سواء كانت زمانًا أو مكانًا أو موجودات، كائنات.


                                فإذا لم يسر ذلك الإنسان الخليفة وفق ما بيّنه الله سبحانه وتعالى له في المنهج في كتابه بدأ الخلل يحدث، بدأ النظام يضطرب، بدأ نظام التوازن يختلّ فإذا حدث اختلال في التوازن حدثت عشرات الكوارث الطبيعية والإنسانية التي تحدث في زماننا هذا!!


                                تدبروا ونحن نسمع اليوم من هنا وهناك انقراض عشرات الأصناف من الحيوانات وهذا كله له تأثيرات على أشياء أخرى على الأنظمة حتى على الأنظمة الغذائية فالكون يمشي وفق نظام متكامل كل شيء فيه يؤدي إلى شيء آخر بانسجام، باتساق لأن الذي خلقه أحسن كل شيء خلقه فالإنسان أُمر أن يسير وفق هذا المنهج والتفاصيل لأن ربما الإنسان لما يقرأ في سورة المائدة أو سورة النساء والأنعام يقول ما هذه التفاصيل العجيبة؟ ما هذه الدقائق والجزئيات؟! هذه مطلوبة لتبين لك أن عليك كإنسان أن تحافظ على هذا النظام، إذا لم تحافظ عليه سيحدث الخلل،


                                وإذا حدث الخلل

                                سيظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس.

                                والنتيجة ستكون فوضى، عذابات مستمرة، شقاء للإنسانية سواء على المستوى الطبيعي أو على المستوى الإنساني، مجاعات، فقر، حروب، عواصف تصحر جوع عطش، اختلالات. ما نراه اليوم أعراض لعدم القيام بذلك المنهج الموزون المتوازن والقواعد المنضبطة التي جاء بها في كتاب الله عز وجلّ.





                                تعليق


                                • #76
                                  رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                  لا للاعتداء على حدود الله

                                  
                                  تدبروا في الآية الثانية في سورة المائدة

                                  (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا)لا للاعتداء، وهذه من الكلمات العظيمة في السورة، لا اعتداء لا زيادة ولا نقصان في الشيء الذي ينبغي أن يكون عن الحدّ الذي أمر به الله سبحانه وتعالى، أيّ شكل من أشكال الاعتداء هناك تجاوز للخط، سورة المائدة حوت خطوطا في الطعام، في الذبائح، في الصيد، في عشرات الأشياء، هذه الخطوط لا ينبغي تجاوزها فإذا حصل التجاوز يحدث الخلل.
                                  ولذلك قال (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ) حتى البغض والكراهية التي قد تكون مبرّرة في بعض الأحيان (أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) (أَنْ تَعْتَدُوا) هذا ليس مبررًا كافيًا لأنك أنت مأمور بعدم تجاوز خط العدالة، الاعتداء منهيٌ عنه لا يسوّغه شيء (ولا تعتدوا) ولذلك قال (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) تدبروا عدوان مرة أخرى في آية واحدة قال (تعتدوا – العدوان) لأن العدوان والتجاوز هو من أسباب عدم الوفاء بكل تلك الالتزامات والعقود فمنذ البداية سورة المائدة حددت الإطار العام لكل العقود: وفاء، تعاون على البر والتقوى في الوفاء بتلك العقود وفي نفس الوقت عدم التعاون على الإثم والعدوان الذي يهدّم كل صور وأشكال الوفاء بالعقود: الإثم والعدوان.فكل ما نحن فيه من أشكال الانتفاع والتصرف في الحياة سواء في أنفسنا، في أموالنا التي هي ليست على وجه الحقيقة أموال خالصة لنا، المال مال الله، في كل الأشياء المسخّرات أدخل فيها في عقد انتفاع فعليّ أن أتعامل فيها بالبر والتقوى هذه هي القاعدة حتى أصل لمرحلة الوفاء وحتى لو اقتضى ذلك الأمر أن يكون حين يحدث اعتداء فلا بد لجماعة الإنسان الجنس الإنساني البشرية أن يتعاونوا لأجل إعادة الأمور إلى نصابها البر والتقوى وأن لا يكون التعاون والتكتل والتجمع على الإثم والعدوان لحماية العقود.ولذلك ما يحصل اليوم من تجاوزات ومن اعتداء على البيئة والموارد البشرية وعلى الأرض وعلى المسخّرات وعلى الحيوان وعلى الماء هذه لا بد أن يكون لأجلها تجمعات إنسانية حقيقية تأخذ على المعتدي الآثم لتضع الأمور في نصابها ويبقى الجنس الإنساني وفيا بعقده والتزامه في الانتفاع بهذه المقدّرات الموجودة في هذا الكون.ولهذا قال الله عز وجلّ في ختام الآية (وَاتَّقُوا اللَّهَ) لأنه بدون تقوى لن يكون هناك تعاون على البر والتقوى (التقوى – واتقوا الله) التقوى مخافة الله عز وجلّ الشعور برقابة الله سبحانه وتعالى.تدبروا في الربط بين هذه الآيات وأوائل سورة النساء حين قال (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ) الوصية العظيمة، الوصية الباقية: التقوى. رصيد الإنسان من التقوى، بقدر نصيبك من التقوى بقدر ما يكون الوفاء بالعقود والإلتزام بكل شيء سواء كانت العقود بينك وبين الطبيعة، البيئة وبينك وبين الناس في محيط الأسرة، في محيط العمل، كل الأشكال هي عقود، ما الذي يدفعني للوفاء بها؟ رصيد التقوى.ثم ختم بقوله(إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)طبيعي!الإنسان الذي لا يسير في العقد على الإلتزام بم جاء فيه من شروط عليه أن يكون مستعدًا لإنزال العقوبة به، شيء طبيعي! نحن حتى في تعاملاتنا في العقود هناك ما يسمى بالشرط الجزائي حين لا يقوم طرف من طرفيّ العقد بالوفاء بمقتضيات العقد – ولله المثل الأعلى- إذا ما قمنا بالالتزام بهذه العقود التي ستأتي في هذه السورة العظيمة من البداية قال الله عز وجلّ (إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) لا زلنا في الاية الثانية في سورة المائدة، شديد العقاب لمن لم يوفّي بالعقود بكل أشكالها بكل مستوياتها بكل صورها.


                                  أول فئة من تلك الفئات المشمولة بالعقود

                                  (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ)

                                  لماذا هذه الأصناف؟

                                  صحيح هناك حكم في التشريع، الأصل في التشريع وخاصة تشريع المعاملات الأصل فيه أن يتبين الإنسان المقصد ويتفهم الحكمة من التشريع حتى يستقر معنى الالتزام والتمسك بذلك التشريع بشكل واضح وعملي.

                                  هذه الأشياء التي خلقها الله سبحانه وتعالى هي من مخلوقاته ولكن أعطى للإنسان القدرة على الاستفادة والانتفاع بها حين تكون بشكل معين وفق ما هو أراد الله سبحانه وتعالى فأعطاه، الأنعام حين لا تكون ميتة مباحة عن طريق الذبح ولكنها إذا أصحبت ميتة حرّمت عليكم (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) تدبروا!
                                  ثم قضية الدم والأشياء الأخرى التي جاء ذكرها في الآية الكريمة.
                                  لماذا الممنوع والمنهي عنه؟

                                  ربي سبحانه وتعالى حدد لنا منذ البداية أن هذه الدنيا دار ابتلاء فيها أشياء يسمح لك أن تقوم بها، أكل، طعام، وهناك أشياء تدخل في دائرة الممنوع أو المحظور أو المحرم وفي كلتا الدائرتين لا بد أن يكون هناك نوع من الاختبار والتمرين لإرادتك كإنسان.
                                  لو كان كل شيء مباح فاختبار الإرادة لم يكن له ذلك الرصيد، وربي أعلم بنا لكنه بعدله سبحانه وتعالى أراد أن يقيم الحجة علينا بأعمالنا وأعظم ما في الإنسان ومن أكرم الأشياء فيه قوة الإرادة أن يمنع نفسه عن الشيء حين يكون محظورًا أو ممنوعًا، كرمه الله سبحانه وتعالى بهذا، كرّمه أن نفسه المؤمنة الطاهرة النقية تعاف الحرام، تعفّ عن الخبيث الحرام الممنوع
                                  ولذلك في سورة المائدة جاءت أشياء ممنوعة محظورة محرّمة سواء في المطعم والمأكل والمشرب وفي الزواج وكذلك في التعاملات حتى في الأموال ليس كل المال حلال،

                                  الأكل ليس فقط ما كان في دائرة الحرام التي ذكرتها الآية الثالثة: الخنزير، الدم، الميتة فقط، لا،

                                  هناك أشكال من الأكل الحرام المعنوي مثل أكل السحت الذي سيأتي عليه في سورة المائدة.

                                  فالمسألة تتعلق بهذا الاختبار والابتلاء الذي لا ينبغي أن يغيب عن ذهن الإنسان وهو يباشر انتفاعه بهذه الأشياء الموجودة في الكون، عليه أن يتعلم متى وكيف يقول لنفسه لا، ولكن قول اللا هنا ليس محكومًا بمزاجه الفردي ولا بأهواء من يمكن أن يأخذ منه تشريع وإنما هو محكوم بما أنزله الله سبحانه وتعالى في كتابه ولذلك جاءت الآية هنا

                                  (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)

                                  هذا تشريع.


                                  الحكمة من الحلال والحرام في الأطعمة والأشربة



                                  (مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ)

                                  لنا أن نتساءل ونحن في بدايات سورة المائدة لماذا بدأ ربي سبحانه وتعالى بالحديث عن الأشياء الحلال والمحرّمات في المطعم قبل أيّ شيء آخر؟

                                  المطعم شيء مهم في حياة الإنسان. هذا الجسد، ربي سبحانه وتعالى خلق الإنسان من جسد من اللحم والدم وخلق معه الروح وهي شيء متكامل مع بعضها البعض تشكّل الإنسان ذلك المخلوق الذي كرمه الله سبحانه وتعالى في أصل خلقته فقضية الطعام والشراب مهمة جدًا لأنها تعتني بذلك البناء الجسدي للإنسان والقرآن بعد ذلك كما سيأتي سيأتي الحديث عن الوضوء والطهارة، طهارة الباطن وطهارة الأعضاء وتجهيزها للدخول في كافة العبادات والشعائر وإقامة تلك الشعائر لا يكون بجسد نصفه قد غُذّي بالخبث والحرام ونصفه الآخر يحاول أن يتطهر تطهيرًا ظاهريًا، لا، القرآن لا يقبل بأنصاف الحلول، القرآن يريد منا أن نكون بشرًا نتصف بالطهارة الحقيقية طهارة الباطن وطهارة الظاهر، طهارة الجسد حتى فيما يدخل فيه فيحرص الإنسان المؤمن على لا يدخل في جسده إلا الحلال حلالًا حسيًا وحلالًا معنويًا، يتحرّى الحلال في طعامه وشرابه وكذلك في طعام من يعول يتحراه تحريًا، يحرص أشد الحرص عليه.


                                  وهنا تأتي قضية التسمية

                                  (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ)

                                  ذكر ليست مجرد تسمية مجرد قول بسم الله تسمية عابرة، لا، التسمية هي شعار له اتصال حقيقي وثيق بهوية الإنسان فأنت حين تقول للشيء وعلى الشيء “بسم الله” إنما أنت تؤكد وتذكّر نفسك بذلك العقد الذي بينك وبين الله عز وجلّ.

                                  فهذه الأنعام ما سُخرت لولا أن الله سخّرها للإنسان للدرجة التي استطاع هذا الإنسان حتى وإن كان جسم الكائن الآخر أقوى وأعظم وأكثر في الوزن ولكن الإنسان يستطيع أن يتحكم فيه بقانون التسخير فحين يبدأ بشيء يبدأ بسم الله ليؤكد نفسه ولذلك الشيء الذي ينتفع به في ذات الوقت أن كل شيء في الكون إنما هو من الله سبحانه وتعالى فضل ونعمة وأنا حين أستعمله وأنتفع به إنما أفعل ذلك باسم الله تعالى ولذلك قال

                                  (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)

                                  ثم انتقلت الآيات في آيتين متتاليتين

                                  (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ)

                                  ليبين هذه القاعدة التي للأسف الشديد تغيب عن بعض الناس أن الحلال هو الطيب مهما كان بسيطًا أو متواضعًا وأن الخبيث هو الحرام حتى وإن كان شكل ذلك الحرام مزينًا بأشكال وألوان مختلفة إلا أن تلك الزينة لا تخرجه عن خبثه فالحرام في أصله خبيث، الخمر على سبيل المثال أم الخبائث وضعت في كأس لها ألوان وأشكال، وضعت في أواني من أفخر وأغلى الأنواع، خبيثة في أصلها، ولكن الحلال هو في أصله طيب. فالإنسان حين تستقر هذه الحقيقة في نفسه تبدأ النفس برحلة القناعة بالحلال الطيب ولو كان بسيطًا أو قليلًا وأن تعاف النفس الكريمة المؤمنة الحرام الخبيث لأنه خبيث مهما اختفلت أشكاله.
                                  وقضية الحديث هنا عن الطعام وطعام أهل الكتاب، المسألة ليست مجرد طعام (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ)

                                  وحصر القضية في هذا فكثير من المسلمين خاصة حين يسافرون لغرض السياحة أو العمل أو ما شابه يسألون هذا السؤال: هذا حلال؟ هذا حرام؟

                                  هذا أمر طبيعي. لكن القرآن حين نتدبر سنجد أن القرآن يحمّل الإنسان المؤمن رسالة عليه أن يبلغها لكافة أمم الأرض، هذه الرسالة لأجل أن تحدث وتتحقق هناك وسائل وآليات، واحدة من هذه الوسائل قضية الطعام، الطعام لما يكون مباحًا بين هذه الأطراف المختلفة

                                  (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ)

                                  لأجل قضية التبادل، تبادل شيء من العلاقات التي يمكن أن تسمح بإيصال الرسالة التي كُلّفنا بها، رسالة القرآن كيف تصل. فقضية إباحة الطعام وقضية الزواج بالكتابيات في هذه الآيات جاءت في هذا السياق، سياق الرسالة الإنسان المؤمن كما يصوغه ويبنيه القرآن ليس بذلك الإنسان الذي تحركه شهوات ونزوات طارئة عارضة وإنما إنسان مصنوع على تلك المهمة التي خلقه الله عز وجلّ إليها ولها. تفكير الإنسان حتى في حالة الزواج أو إقامة العلاقات الاجتماعية أو روابط العمل أو ما شابه مع الأمم المختلفة محكوم بهذه الغاية العظيمة غاية إيصال الرسالة. فحين يكون للإنسان المؤمن فردًا أو مجموعة هوية خاصة في الطعام، هوية تعبّر عن ذاته وتعبر عن دينه وتعبر عن مبادئه وعن إيمانه وقيمه هذا سيكون أدعى لإيصال رسالة القرآن

                                  
                                  (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

                                  ولقائل أن يقول: قضية الإيمان تأتي هنا؟ لماذا؟

                                  قضية إيمانية، الطعام والشراب والزواج والنكاح وكل شيء هو عقد يتعلق بالميثاق الكبير الذي بيننا وبين الله عز وجلّ: ميثاق الإيمان. أعمالنا وجزئيات الحياة اليومية التي نمر بها ومختلف المواقف في السفر وفي الإقامة وفي العمل وفي الزواج وفي الطلاق مرتبطة بهذا الميثاق وعلي أن لا أنسى هذا أبدًا حتى لا أقع في إشكالية الخسارة.

                                  تعليق


                                  • #77
                                    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                    الفرق بين المعية الخاصة والمعية العامة

                                    (وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ )

                                    تدبروا منذ البداية تعهّد الله سبحانه وتعالى بقوله

                                    (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ)

                                    مع كل الأمم وليس فقط مع بني إسرائيل إن قامت بمقتضيات ذلك العقد
                                    وقد يقول قائل ولكن الله مع حلقه مراقبة وجزاء وعدلًا وعطاء وأخذا ومنعًا، تلك المعية العامة الله سبحانه وتعالى مع عباده على نوعين:المعية الأولىمعية لكل الخلقالمؤمن والكافر الذي يقوم بمقتصى لميثاق والعهد الذي لا يقوم به، معية بالعطاء فهو يعطي الجميع، يعطي الكافر ويعطي المؤمن، ينفع سبحانه وتعالى، يسبب لهم الأسباب ويرسل لهم الرسل وينزل عليهم الكتب، هذه معية عامة.ولكن المعية الخاصة التي تعهد الله سبحانه وتعالى بها لعباده المؤمنين معية من نوع آخر معية التأييد معية التوفيق معية النصرة معية الفتح، معية الهداية معية الرزق معية الشعور بالأمن والإيمان، هذه المعية التي حدثنا القرآن عنها في آيات أخرى، تلك المعية التي استشعرها النبي صلّ الله عليه وسلم حين قال لصاحبه في الغار (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة: 40] معية التأييد، معية الشعور بأن الله سبحانه وتعالى مع الإنسان المؤمن الذي وفّى له بالعقد حتى ولو وقفت في وجهه كل جنود الأرض، تلك المعية التي لم يستشعر بها بنو إسرائيل ، حين حرموا من القيام بذلك الميثاق والعقد، شعروا بالخوف وعدم الأمن والأمان لأنهم سُلبوا من معية الله الخاصة التي لا تكون إلا لعباده المؤمنين، إلا لعباده الواقفين عند بنود ذلك الميثاق، معية خاصة يستشعر بها المؤمن الذي يقوم بمقتضيات ذلك العقد، إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة، إيمان بمناهج الرسل، تأييد لرسالاتهم، تأييد لقيمهم، لشرايعهم ولمبادئهم. وكيف يكون التأييد للرسل وتعزيرهم والنصرة والإيمان بمبادئهم إلا من خلال تطبيق تلك القيم التي جاؤوا بها إلا من خلال تنفيذ الشرائع، السير على المنهج الذي جاؤوا به في حياة الإنسان في حياة الأمم في حياة المجتمعات. ولكن على الرغم من محدودية تلك البنود ويُسرها إلى حد كبير فهي ليست بخارجة عن حدود البشر إلا أن بعض تلك الأقوام نقضوا المواثيق فحكى الله سبحانه وتعالى عن بني إسرائيل (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ) نقضوا الميثاق، تجاوزوا تلك البنود، لم يوفوا بتلك العهود ولا المواثيق ربما يكونوا فعلًا قد قاموا بالصلاة لكنهم لم يقيموها حقًا، لم يحققوا القيم التي جاءت في الصلاة لم يحققوا مقاصد الصلاة ولا غاياتها، ربما قاموا بأشكال العبادات لكنه في مواقع الأمر حولوا تلك العبادات إلى مجرد مظاهر لا تحقق القيم ولا المقاصد التي لأجلها شُرِعت ووضِعت، ربما قالوا ظاهرا أنهم ناصروا موسى عليه السلام أو أنهم معه ولكن القلوب لم تكن مع رسالة موسى عليه السلام، الجوارح لم تخضع لرسالته ولم تقم والميثاق الذي جاء به وجاءت به رسالته.

                                    أبعد القلوب من الله القلب القاسي






                                    قضية القيام بالميثاق ليست قضية شكلية ليست قضية صورية، القرآن يريد مجتمعات ويريد أفرادا تحقق بنود الميثاق في حياتها وفي واقعها وأما ما خالف ذلك يعتبر مناقضة للميثاق.

                                    واللافت للنظر أن القرآن تكلم عن بني إسرائيل وتكلم عن النصارى وجاء بعقوبات دنيوية، عقوبات يلمسها البشر في واقعهم في مجتمعاتهم حين ينقضوا الميثاق حين ينقضوا العهد فيما بينهم وبين الله سبحانه وتعالى قال

                                    (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ)

                                    عقوبات دنيوية ضرب الله سبحانه وتعالى بها تلك المجتمعات، طرد من رحمة الله عز وجلّ، وحين يُطرد المجتمع أو الفرد من رحمة الله عز وجلّ ماذا بقي له بعد ذلك؟ ماذا بقي للإنسان إن طرد من رحمة الله عز وجلّ؟ كيف يعيش؟ كيف يشعر بالسكينة؟ كيف يشعر براحة القلب؟ كيف يشعر بالاستقرار وقد طرد من رحمة خالقه؟! أين يعيش؟ أيّ سماء تظله وأيّ أرض تقلّه إن عاش بعيدًا عن رحمته سبحانه وتعالى وهو شاء أم أبى إنما يتقلب في رحمته سبحانه؟! ولكن هذا الجزاء، هذه العقوبة خاصة وهي تتلاءم تمامًا مع نقضه لعقود الميثاق، مع نقضه لبنود ذلك الميثاق الذي فرضه عليه الإيمان بخالقه سبحانه.





                                    ثم تدبروا: ضربهم أيضًا بقسوة القلب فقال

                                    (وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً)

                                    وما ضرب العبد بعقوبة ولا ابتلي ببلاء أشد من قسوة القلب!

                                    القلب القاسي الذي يحدثنا القرآن عنه كثيرًا في العديد من سور القرآن كما في سورة البقرة وذكره القرآن بعد الحديث عن شكل من أشكال نقض بني إسرائيل للميثاق. بنو إسرائيل أمرهم الله عز وجلّ في سورة البقرة بالقيام بأمر ما في قضية ذبح البقرة وهو أمر من الله عز وجلّ تلكأوا فيها ما أرادوا أن يخضعوا للأمر الإلهي فضربهم الله بعقوبة قال عنها

                                    (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (البقرة))

                                    القلب القاسي يصبح حين يتلكأ في الأمر الإلهي ويتجاوز الأمر الإلهي أشد قسوة من الحجارة لأن الحجارة لو وجدت فيها وسائل الإدراك لخضعت لخالقها الذي خلق والذي هو أولى بالاتباع وأولى بالخضوع لمنهجه في واقع الحياة ولكن الإنسان الذي لا يخضع في منهجه وفي حياته لأمر الله سبحانه ولا يقف عند مناهيه ولا يسير وفق المنهج ولا وفق العقد ولا وفق الميثاق الذي واثق به خالقه سبحانه يصبح أشد قسورة من تلك الحجارة. وقضية القلب القاسي لماذا يعطيها القرآن العظيم هذا الحيّز الكبير؟

                                    إذا قسى القلب ما عاد محلًا صالحًا لاستقبال آيات الكتاب، لآيات الكتاب تنزل عليه لكنه لا ينتفع بها، لا يتأثر بها، لا تتحرك مشاعره ولا عواطفه لتلك المواعظ الواردة في كتاب الله، كل الكتب. فإذا جمدت تلك المشاعر وتوقفت تلك الأحاسيس عن الانفعال بآيات الكتاب ما عادت الآيات تؤثر بها، عاد يحرّف ويتعامل مع تلك الآيات بمنهج منحرف يأخذ منها ما يتماشى مع مصالحه ويترك منها ويهجر ما لا يتوافق مع أهواء نفسه ولذلك إذا وجد الإنسان في نفسه قسوة وما وجد في نفسه انفعالًا مع آيات الكتاب ولا تأثرا بها عليه أن يراجع القلب عليه أن يعود إلى قلبه لأن الأصل في آيات الكتاب أن ينزل على القلب فيتأثر وينفعل به القلب تتغير به المشاعر تتألم تتأثر تنفعل فإذا بذلك الانفعال يتحول إلى خضوع، إلى خنوع إلى استكانة لمنهج الله سبحانه وتعالى في الواقع خضوعًا لأوامر الله سبحانه وتعالى لا يستطيع العبد معه إلا أن يقول سمعنا أطعنا

                                    ولذلك نحن في تعاملنا مع الكتاب العظيم مع القرآن علينا دومًا أن نتفقد القلوب، نتفقد قلوبنا القلوب بحاجة إلى تفقد بحاجة إلى مراجعة بحاجة إلى عرض على آيات الكتاب، عالج قلبك بالعرض على آيات القرآن العظيم، استمع للقرآن فإذا وجدت ذلك الانفعال، انفعال عاطفي ولكن لا بد لذلك الانفعال العاطفي أن يولد فيك استجابة فإذا ما تولدت فيك الاستجابة ولا صحّ التأثر بآيات الكتاب ولا التحرك أثناء الاستماع والقرآءة لهذه الآيات العظيمة اعلم أنه هناك إشكالية خطيرة في ذلك القلب.




                                    تعليق


                                    • #78
                                      رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                      لماذا الظلمات جمع والنور مفرد؟



                                      (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍقَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ)
                                      الرسول جاء منا، الرسول لا ينتمي إلى عرق ولا قوم، القضية ليست قضية قومية وليست قضية عرقية كما نظر إليها بنو إسرائيل، الرسالات والرسل والكتب والأنبياء ما جاؤوا لأجل أن يؤججوا أسس الصراعات بين البشر، أبدًا، جاؤوا بعوامل الجمع لا التفرقة، جاؤوا بعوامل المحبة وإرساء المحبة لا العداوة والبغضاء، والدعوة العرقية والدعوة العنصرية لا يمكن أن تؤدي إلا إلى البغضاء وإثارة العداوات بين البشر.
                                      وتأملوا كيف وصف الله سبحانه وتعالى كتابه الكريم (نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) لا يحتاج إلى بيان (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ) هذه ثمرات لاتباع المنهج للسير وفق منهج القرآن والوفاء بعقوده والتزاماته في واقع الحياة، سبل السلام، السلام ذلك الحلم الذي بات يراود البشرية يوما بعد يوم وأصبح أقرب ما يكون إلى الخيال منه إلى الواقع، البشرية باتت اليوم تحلم بشيء اسمه السلام! والقرآن يحدثنا عن السلام فيقول (يَهْدِي بِهِ اللَّهُ) لا يهدي به البشر، يهدي به الله، الهداية من الله هداية حقيقية تتحقق حين يتعهد الله سبحانه وتعالى ويقول (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ) متى؟ حين يتّبع البشر هذا الكتاب العظيم يهدي به الله.
                                      (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ)
                                      قال يُخرجهم، الإنسان لا يخرج بنفسه ولكن الرب سبحانه وتعالى هو الذي يُخرجه وكيف يُخرجه؟ يخرجه حين يلتزم ببنود ذلك العقد والميثاق يخرجه هو من الظلمات إلى النور وجاء بالظلمات جمعًا كعادة القرآن في حديثه عن الظلمات: ظلمات الجهل، ظلمات العداوة، ظلمات البغضاء، ظلمات التفرق، ظلمات القسوة، ظلمات الانحراف عن المنهج البشرية عرفت في تاريخها وتعرف في واقعها صنوفًا متنوعة من الظلمات لا صنفًا واحدا، البشرية أصبحت تتخبط في دياجير الظلمات على الرغم من كل أشكال الإضاءة التي أهدتها التكنولوجيا الحديثة للبشرية، كل أشكال الإضاءة لم تخلّص البشرية من دياجير الظلمات التي أصبحت اليوم تتخبط فيها، ظلمات الفقر، ظلمات المعاناة، ظلمات التهجير، ظلمات البؤس، ظلمات الشقاء، هذه الظلمات عقوبات طبيعية جدًا تتناسب مع تلك الجريمة، خالق خلقنا وأعطانا ورزقنا ووهبنا ثم بعد ذلك أعطانا ما تصلح به الحياة وتستقيم به المعيشة ولكننا تنكصنا وما أردنا أن نسير وفق ذلك المنهج الذي أعطى، تخبطنا في دياجير الظلمات، اتبعنا منهجا من هنا ومنهجا من هناكّ من الذي يُخرجنا؟
                                      (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ)
                                      النور واحد نور القرآن نور الإيمان نور العقد الذي تدخل به مع الله سبحانه وتعالى حياة جديدة حياة تشعرك بذلك النور حياة النور الحقيقي النور الذي يبعدك عن التخبط يبعدك عن الشقاء يبعدك عن كل أشكال العقوبات المختلفة التي جاءت نتيجة لنقض ذلك الميثاق.

                                      الصدقة بافضل ما نمتلك


                                      (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ‏الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)
                                      موقف ربما يمر به الانسان أحيانًا دون أن ينتبه، قد لا تصل القضايا الى القتل ‏ولكن تصل الى مستويات عالية من الحدّة. أولاد آدم كلاهما أُمر بالتزام معين: تقديم القربان طاعة لله سبحانه وتعالى، ‏والطاعة أو الأمر الالهي لا بد أن يقوم به المؤمن وفق أكثر الأشياء التي يمكن والمستويات التي يمكن أن يقدمها من ‏الإحسان والإتقان، وربي عز وجل قال في سورة الملك وفي سور أخرى (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) فالإنسان مطلوب ‏منه في كل عمل يقدّمه، أن يقدمه لله سبحانه وتعالى صغيرًا كان أو كبيرًا، أن يتحرى جوانب الاحسان فيه إخلاص ‏النية لله سبحانه وتعالى والصدق الذي هو واحد من مقاصد سورة المائدة
                                      (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)


                                      ليس هناك ‏التزام بمواثيق ووفاء بعقود دون ان يكون هناك صدق، والصدق أول ما يبدأ يبدأ في النيّة وفي القلب ثم يظهر على ‏الأقوال والجوارح والأعمال المختلفة، فهذا الالتزام بالعقد والطاعة والاستجابة للأمر، والأمر الذي حدد ووجه ‏لأولاد أدم عليه السلام كان يقتضي منهما الاخلاص والصدق في النية: التقوى، الأمر الذي يدفع بكل واحد منهما الى ‏يبحث عن أفضل المستويات والإمكانيات في تقديم العمل، هذا قربان فعلى الانسان حين يقدم لله سبحانه وتعالى هذا ‏القربان أو الأضحية أو ما شابه عليه أن يبحث عن أفضل الأشياء، وكذلك الأمر في الزكاة وكذلك في الصدقة (لَنْ تَنَالُوا ‏الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)

                                      هناك درجات في الانفاق، صحيح ربي سبحانه وتعالى ما أراد أن يكلف الانسان بشيء إلا ‏في حدود إمكانياته وطاقته، فينفق من أوسط ماله حتى لا يصبح هناك نوع من أنواع الضرر، ولكن الايمان درجات ومنازل ‏ومراتب والأعمال مراتب، فإذا ما حاول الانسان أن ينفق من أفضل ما عنده أفضل ممتلكاته أفضل شيء من أمواله، قطعًا هذه الدرجة لا يمكن أن تتساوى مع درجة أخرى أو تتكافئ من إنسان يبحث عن أقل شيء لأجل أن ينفقه، أقل ‏المستويات، الفرق شاسع بينهما! ولذلك في سورة الحج ربي سبحانه وتعالى وقف بنا عند هذه القضية (يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) ‏الأضاحي القرابين الصدقات الطاعات ربي سبحانه وتعالى لا يصله منها شيء، هو الخالق الغني الحميد، نحن الفقراء الى ‏رحمته وقبول أعمالنا منه سبحانه أن نصل الى مرحلة القبول، هنا علينا أن نتحرى التقوى في الأعمال، ‏وتحري التقوى يقتضي منا الصدق والاخلاص وتقديم الأفضل في كل ما نمتلك.‏



                                      هذه المعادلة البسيطة ما حدثت بين أولاد آدم واحد منهما لم يقدم أفضل ما عنده والآخر تحرى الأفضل فقدمه فكانت ‏النتيجة أن الله عز وجل تقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ذلك القربان. الطرف الذي لم يتقبل منه لم ينظر الى ‏الإشكالية التي حصلت في فعله لم يرجع الى نفسه لم يراجع نفسه وحساباته المختلفة فيتوصل من خلال تلك المراجعة ‏أنه قد أخطأ، والواجب من الإنسان حين يخطئ أن يتراجع ويتوب ويصحح الخطأ حتى تقبل منه التوبة، فعوضًا عن أن ‏يتراجع ويتوب ويستغفر لذنبه ويبحث في موطن الخلل الذي جعل ذلك القربان غير مقبول عند الله سبحانه وتعالى، ‏ترك كل هذا ونظر الى أخيه فقال

                                      (لَأَقْتُلَنَّكَ)‏
                                      وهذه قضية خطيرة جدًا تحدث في بعض الأحيان بين الناس في التنافس في مجالات العمل والأسرة والمجتمع ‏والمجالات المختلفة. الانسان حين يرى شخصًا أفضل منه في أي مجال أو في أي ناحية من نواحي الحياة المطلوب منه لا أن ‏يتوجه اليه بالحسد والرغبة في إسقاط ذلك الانسان والتوهم أنه يمكن أن يرتقي من خلال إسقاطه، بل عليه أن يتوجه ‏الى نقاط الضعف في عمله ونقاط القوة في عمل الآخر فيستفيد منها




                                      تعليق


                                      • #79
                                        رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                        التعاون على البر والتقوى




                                        (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)

                                        تشكيل فريق ‏عمل.

                                        تدبروا معي نحن قلنا هنالك نماذج مختلفة للأخوّة، موسى وهارون عليهما السلام، وأولاد أدم، موسى وهارون ‏جمع بينهما الحق والعقد، عقد الإيمان والوفاء به ولذلك اجتمعا على أي شيء؟؟

                                        على التعاون والإيمان والبر بالمعروف ‏والنهي عن المنكر، بينما أولاد آدم حين نقض واحد منهما العقد كان السبيل والتفرق والتمزق والصراع الموهوم المفتعل، ‏صراع شيء يفتعله الانسان هو غير موجود في واقع الأمر، ولكن يصور للإنسان أو يهيأ له أنه سيفوز من خلال ‏صراعه مع الآخر، الآخر الذي نجح في عمل لم ينجح هو فيه، هو فشل في ذلك القربان، فشل في الامتحان، فعوضًا ان ‏يتعاون مع أخيه لإيجاد مواطن الخلل فيتعاون معه على البر والتقوى ولا يتعاون بطبيعة الحال على الإثم والعدوان، ‏تصور أن قتل والتخلص من الطرف الآخر -من أخيه- سيحل الإشكالية تماماً، وهي قضية ندرك تمام خطورتها ليس ‏فقط على الفرد كما جاء في هذه القصة وإنما خطورتها على المجتمع بأسره وعلى الأسرة، وهذه القضية الخطيرة نبهنا ‏القرآن إليها كذلك في سورة يوسف، تدبر القرآن يعلمنا كيفية الربط بين القصص وبين الآيات وبين الأحداث وبين ‏السور المختلفة

                                        . سورة يوسف في قصة يوسف عليه السلام مع أخوته الموقف مشابه، الأخوة تصوروا أن إزاحة ‏يوسف عليه السلام من الطريق سيجعل الأمور أسهل الى محبة والى طريق قلب أبيهم من أن يتعاونوا مع يوسف على أمر ‏معين!

                                        وهذه نقطة خطيرة جدًا نقطة عانى منها هنا ابن آدم (قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ) أتخلص منك. وللأسف الشديد ونحن نتعلم من ‏تدبرنا لكتاب الله سبحانه عدد مهول من المشاريع الناجحة اجتماعية وسياسية واقتصادية وتربوية سقطت وحطّمت ‏من جذورها بسبب هذه القضية، القضية الخطيرة أن الإنسان يتوهم أن إزاحة الطرف الناجح من طريقه سيحقق له ‏نجاحًا أو فوزًا أو انتصارًا، وهذا خطأ بالمئة مئة هذا لا يحقق الا مزيد من الفشل، عشرات مئات من المشاريع ومن ‏القضايا المؤسسية في مجتمعاتنا وبلداننا تسقط بسبب عدم القدرة على التعاون وعدم القدرة على تشكيل فريق عمل، ‏والقرآن في هذه السورة العظيمة وفي سورة يوسف ينبه الى أهمية تشكيل فرق العمل (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا ‏عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)

                                        لماذا؟

                                        التعاون على البر والتقوى ينجح المشاريع، ينجح قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‏ينجح محاصرة الفساد والمفسدين وإقامة العدل والخير والإصلاح ولا يأتي المجتمع والفرد إلا بكل خير، التكاتف، ‏التعاون تدبروا في واقعنا في عشرات المشاريع المختلفة التي أزاح رؤوس أو مدراء أو أشخاص أصحابهم الناجحين ‏من طريقهم عوضًا عن أن يتعاونوا معهم خشية أن يأتي ذلك الطرف الناجح فيحل محله أو يأخذ مكانه أو يستولي على ‏منصبه، وبذلك تضيع المؤسسة ويضيع المشروع وتنتهي القضية بأسرها لأجل ذلك التنافس، التنافس غير المشروع ‏المذموم، القرآن يقدم لنا مصطلحًا للتنافس المشروع

                                        (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)

                                        ولكن التنافس الشريف المحمود الذي ‏يدفع الى التعاون على البر والتقوى ولا يدفع الى الصراع ولا إلى الخصام ولا إلى الشقاق ولا إلى شق الصف والوحدة


                                        عظم جرم قتل النفس بغير حق




                                        ï»؟


                                        (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

                                        تدبروا معي التصفية للطرف الآخر الناجح لا يمكن ‏أن تأتي على الفرد بصلاح،خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين!.

                                        وتدبروا معي كل أشكال التنافسات غير ‏المشروعة المنافسات في واقعنا في أسرنا في مؤسساتنا لا تأتي بخير على أصحابها

                                        (فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

                                        خسارة وندم، والندم يقابله خطوة كان لا بد لابن آدم ‏أن يقوم بها، الابن القاتل بدل أن يفكر بعملية القتل والتصفية: التوبة قبل فوات الأوان تصحيح الخطأ، الندم بعد أن ‏يحدث الجرم ويفوت الأوان لأن التوبة لها أوان ووقت، ولذلك أمرنا أن نبادر بالتوبة وتصحيح الأخطاء طالما أن ‏أنفاس الحياة تدخل وتخرج – وهذه نعمة عظيمة من الله سبحانه وتعالى – علينا أن نبادر بالتوبة وتصحيح الأخطاء كلها ‏، أخطاء فردية أو مجتمعية أو على مستوى المؤسسي -كل الأخطاء- بادر بالتوبة، التوبة ليست مجرد تصحيح للعلاقة ‏بينك وبين الله سبحانه وتعالى بل هذا جزء والجزء الآخر ما يتعلق بنفسك وحقوق الأخرين تصحيح تغيير المسار، وهذا ما ‏فشل به ابن آدم فكانت النتيجة خسارة وندم، وهي عاقبة واضحة لكل إنسان ينقض الميثاق مع الله سبحانه وتعالى.

                                        نحن في سفينة واحدة كما شبهها النبي صلّ الله عليه وسلم في بعض الأحاديث،

                                        سفينة ‏المجتمع وسفينة الإنسانية وسفينة العالم،

                                        أخطاؤنا وسلبياتنا وسوء تصرفاتنا في بعض الأحيان إنما هي خروق في ‏تلك السفينة، خروق نحدثها وكل خرق في تلك السفينة هو قطعًا يصب في عملية إغراقها عاجلًا أو آجلًا،

                                        المطلوب ‏منا في حياتنا أن نسد تلك الخروق أن نقوم بعملية الإصلاح.‏

                                        (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ)

                                        -تدبروا معي-

                                        (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ ‏أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)

                                        الذي يقتل نفسًا كأنما يقتل الناس جميعًا، كل البشرية

                                        (ومَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ ‏جَمِيعًا)

                                        لماذا يا رب؟

                                        تدبروا معي في الآية، آية سورة المائدة عرضت لنا أشكالًا من نقض المواثيق والعقود، وأعظم عقد ‏بدأت به في بدايتها عقد الدين، عقد الايمان. ثم جاءت هذه القصة لتبين أن الحفاظ على النفس يأتي بالمرتبة التي تليها، ‏حفاظ على الدين، على الايمان ثم الحفاظ على النفس البشرية. فإذا إنسان قتل إنسانًا نفسًا واحدة فكأنما قتل الناس جميعا ، لأن المسألة ليس مسألة عدد، المسالة هي مسألة اعتداء الإنسان على تلك الروح وحق الحياة الذي وهبه الله لإنسان ‏آخر، فالذي وهب حق الحياة هو فقط سبحانه الذي يحدد كيف يؤخذ ذلك الحق، لا ينبغي لإنسان أن يعتدي عليه أبدا ‏بغير نفس أو فساد في الأرض

                                        ربي عز وجل في سورة البقرة – هكذا التدبر يعلمنا الربط- قال

                                        (وَلَكُمْ فِي ‏الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)

                                        حياة ونحن نعلم بأن القصاص أن يُقتل الانسان المجرم القاتل بسبب قتله لغيره ‏فكيف يكون القصاص هنا حياة؟؟؟ حياة للمجتمع، حياة لعشرات الأرواح البريئة التي ستُحمى من خلال تنفيذ ‏القصاص على المجرم القاتل الذي سفك الدم، ولذلك اليوم البشرية الأغلبية الصامتة على سفك الدماء على الاعتداء على ‏الأرواح البريئة قتل الأطفال قتل الأبرياء قتل النساء قتل الرجال قتل المستضعفين، هذا الصمت العالمي سيدفع ثمنه ‏جموع البشرية أجيال من البشرية

                                        (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ)

                                        عظمة التعبير القرآني العظيم في هذه الآية عظيم

                                        (أَوْ ‏فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)

                                        فما بالك بمن يقتل في كل ساعة عشرات وربما مئات

                                        أمام صمت مطبق يكاد ‏يقترب من حد الموت أكثر منه الى حد الصمت؟؟


                                        محاربة الفساد فريضة وضرورة




                                        (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا ‏مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ )

                                        هذه الآية آية حد الحرابة لماذا جاءت هنا؟ – ولذلك تسمى ‏الحرابة جزاء الذين يحاربون الله ورسوله – السؤال الذي يطرح نفسه على المتدبر هنا كيف يحارب الانسان الله ورسوله؟ ‏هل يستطيع أحد أن يحارب بالله ورسوله؟!! كيف تكون محاربة الله ورسوله؟؟

                                        تكون من خلال محاربة المنهج ومنازلته، ‏محاربة القيم والمبادئ التي جاء بها الرسل والأنبياء ربي عز وجل شرّع، أمر، قال منذ بداية السور ة (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ‏النفس البشرية حرمة النفس والحفاظ عليها هذا عقد بين الله وبين خلقه عليهم جميعًا أن يوفوا به بصيانته والحفاظ عليه والأخذ بقوة على كل من تطوع له نفسه أن يعتدي على تلك النفس البشرية ولذلك قال (يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ‏الْأَرْضِ فَسَادًا) منازلة القيم ونقض المواثيق والعقود والاعتداء على النفس البشرية هو مصب ومحط وبدايات الفساد في ‏الأرض، هو البدايات مع الدين عقد الايمان بيننا وبين الله عز وجل وشكل من أشكاله وخطواته المتتابعة قضية قتل ‏النفوس قتل النفس البشرية والاعتداء عليها. وقد يسأل سائل ولكن العقوبة شديدة ! أكيد، هذه العقوبة شديدة

                                        (يُقَتَّلُوا أَوْ ‏يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ)

                                        عقوبة شديدة تتناسب تمامًا مع طبيعة الجُرم الذي أحدثوه مع طبيعة الخرق ‏الواسع الذي أحدثوه في اغراق سفينة البشرية والمجتمع، الفساد حيت ينتشر وحين ترخص الدماء تصبح الدماء ‏رخيصة فما الذي يعيد الأمور الى نصابها بعد ذلك؟!

                                        المطلوب ايقاف الفساد والمفسدين وهذا عقد ‏جديد يفرض على بقية أفراد المجتمع أفراد المجتمع الانساني الأسرة الانسانية الكبيرة، أنا لدي عدد من المفسدين عدد ‏ممكن أن يكون محدودًا خمسة، عشرة، مئة، ألف، آلآف ولكن الاشكالية الخطيرة حين يترك هؤلاء المفسدون بالاستمرار ‏في افسادهم في الأرض، اليوم نحن ننظر الى البشرية هل نتوقع أن معظم نفوس العالم البشر اليوم يقبلون بسفك الدماء ‏البريئة؟! أبدًا! شعوب العالم أفراد العالم نحن وأنا وأنتم والناس أغلب الناس أيرضون بسفك الدماء؟ أيعجبهم مناظر تلك ‏الأجساد والأشلاء المقطعة التي يرونها على شاشات التلفزة ليل نهار؟ أبدًا! أبدًا! إذن من الذي يحصل؟

                                        الذي يحصل أن ‏القلة المفسدة في الأرض التي تعيث في الأرض فسادًا ما أوقفت عند حدها، وهذا هو يأمر به القران. هذا عقد جديد ‏التزام جديد أن يكون المجتمع الانساني على قدر المسؤولية، المجتمع العالمي على قدر الشعور بالمسؤولية فيوقف ‏الفساد والمفسدين، هذه مسؤولية الجميع فاذا فشل فيها الناس كانت العقوبة عقوبة عامة كما سنأتي عليها. والعقوبة ليس ‏بالضرورة فقط قضية قتل، لا، عقوبة المعاناة، المعاناة من شرور المفسدين، العالم اليوم كل العالم في الشرق وفي الغرب ‏يعاني من الفساد والمفسدين، يعاني من أولئك الذين يقتلون ويسفكون ويهجّرون ويقطّعون، ولكن جزء من أسباب تلك ‏المعاناة هو ذلك الصمت، تلك السلبية البشعة التي لا ينبغي للإنسان المؤمن الذي يدخل في عقد مع مع الله سبحانه وتعالى أن ‏يقوم بها



                                        تعليق


                                        • #80
                                          رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                          المؤمن عنصرًا إيجابيا في ايقاف الفساد

                                          (يَا أَيُّهَا ‏الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

                                          اتقوا الله

                                          ما العلاقة بين الكلام قبل قليل عن الفساد ‏والتقوى وابتغوا اليه الوسيلة؟؟

                                          أعظم طريق ووسيلة للتقرب الى الله عز وجل أن يكون الإنسان الصالح المؤمن عنصرًا ‏فاعلا إيجابيا في ايقاف الفساد والمفسدين بكل ما أوتي من إمكانيات ومن قوة بحسب الإمكانيات التي بين يديه حتى ولو ‏كانت تلك الامكانيات ممكن أن تكون في مستوى أن يرى شيئا في قارعة الطريق يؤذي الناس فيقوم بإزالتها.
                                          لماذا ‏اماطة الأذى عن الطريق صدقة؟

                                          لأنها عملية، خطوة في وقف شكل من أشكال الفساد، رمي النفايات أو القاذورات في ‏قارعة الطريق أو في طريق الناس ذلك المنظر أو المظهر غير الحضاري غير اللائق فساد في حقيقته فحتى لو كان ‏المؤمن يفعل هذا الفعل المحدود هذا يعتبر صدقة وتقرب لله عز وجل، لأن المطلوب مني بموجب العقد والاتفاق بيني وبين الله ‏سبحانه وتعالى أني لا أفسد في الأرض قال (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ ‏نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) ذكرت الملائكة من الإفساد في الأرض (يسفك الدماء) رغم أن أشكال الفساد كثيرة متنوعة لا ‏تقف عند حد، ولكن ذكروا سفك الدماء لأنه واحد من أبشع أشكال الفساد،
                                          مساهمة الانسان المؤمن بكلمة بقول، بفعل، ‏بكل ما لديه من إمكانية لأجل أن يوقف الفساد إنما هو ابتغاء الوسيلة في التقرب لله سبحانه وتعالى ولذلك قال

                                          (وَجَاهِدُوا فِي ‏سَبِيلِهِ)

                                          جهاد بالكلمة جهاد بالتوعية جهاد بالفعل، كل الأشكال المختلفة المهم أن تسهم في إيقاف الفساد المهم أن لا تقف موقفًا ‏سلبًيا المهم أن لا تعتقد ولو في قرارة نفسك أن الحياد أو الموقف الحيادي هو موقف إيجابي، لا عليك ان لا تقف ولا تأخذ موقف الحياد عليك أن تنكر المنكر وأن تعرف المعروف، أنكر المنكر، إنكارك للمنكر مساهمة في إيقافه مساهمة في ‏وقفه عند حده ولكن الصمت والسكوت انما هو بطريقة أو بأخرى إسهام في نشر ذلك المنكر والفساد وهو بلاء أصيبت به البشرية في عصرنا الحاضر بلاء بشع ستعاني منه وتعاني منه هي اليوم الكثير من ‏الأمراض والويلات
                                          ولذلك ربي سبحانه وتعالى جاء في الآية وتدبروا معي الترابط

                                          (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي ‏الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)

                                          علينا أن نجاهد في سبيل الحفاظ على ذلك العقد والحفاظ على النفس البشرية ووقف الفساد ‏بكل ما أوتينا من قوة بالكلمة وبالمال وبكل الأشكال، أن نبذل الكثير وأن نبذل كل ما نستطيع أن نبذل لإيقاف الفساد في ‏الأرض

                                          فاليوم يقبل منك القليل وغدا يوم القيامة لا يقبل من الإنسان ولو كان له ما في ‏الأرض جميعا ، زمن ‏الاختبار والابتلاء انتهى وهذا الربط الواضح بين الدنيا والأخرة مباشرة يوم القيامة القرآن يبين لنا هنا وواضح هذا ‏المعنى، مستفاد منه أن عملية ووقت وزمن الاختبار في الدنيا زمن محدود، ابذل ما تستطيع قبل ان يفوت ‏الأوان لتوقف الفساد والمفسدين.‏


                                          حرمة مال المسلم
                                          (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ)

                                          من النقاط التي تذكر

                                          لماذا قطع الأيدي؟!
                                          سارق ‏سرق مبلغا بسيطا ربع دينار أو شيء بسيط تقطع اليد، القرآن في تشريعاته والحدود التي يفرضها لا ينظر الى حجم ‏الفعل أو حجم الفاسد ينظر الى ما يترتب عليك، قلنا قبل قليل (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ ‏جَمِيعًا) هو قتل نفس ولكن لأن الاعتداء على النفس وقع وعلى الروح البشرية الإنسانية، الحياة الانسانية التي هي ‏مكرمة مصانة محرّمة في ذاتها فكأنما قتل كل البشرية، ولكن هو على وجه الحقيقة لم يقتل كل البشر هو قتل واحد، ‏السارق نفس القضية المبلغ ممكن ان يكون بسيط محدود

                                          اذا لماذا تقطه يده أنه سرق هذا المبلغ البسيط؟!
                                          اعتداء على ‏أموال الناس القضية هي قضية الاعتداء نقض العقد، لأن الانسان في عقد مع الله سبحانه وتعالى ان يحافظ على ماله ‏وأموال الآخرين من أن تنتهك، أموال الاخرين لها حرمة كما أنك لا تقبل أن يعتدى على مالك عليك كذلك أن تحافظ في ‏صيانة أموال الناس، أموال الناس محرّمة لا يجوز أن يعتدى عليها فقضية قطع اليد هنا ليس لأجل المبلغ هنا بقدر ما هي ‏قضية الاعتداء على حرمة المال، أموال الناس وأعراض الناس وأنفس الناس مصانة،

                                          ومرة أخرى نقول حين لا تطبق ‏هذه الأشياء يا ترى ما الذي سوف يحدث؟
                                          كل الانسانية تعاني من ويلات الاعتداء على الأموال الان في كل يوم لأن ‏الفساد والمفسدين ما أوقفوا عند حدهم ولم يؤخذ على أيديهم من قبل المجتمع الإنساني، كانت النتيجة أن الإنسانية، كل الانسانية تعاني ‏من جرائم هؤلاء حتى لو كان عددهم بسيط أو محدود، إشكالية خطيرة جدًا.
                                          وأيضًا فتح باب التوبة عند قضية السرقة، التوبة التي تقدمها سورة المائدة هنا توبة ليست فقط توبة لأجل صلاح الفرد توبة شرعت للحفاظ على المجتمع، المجتمع يُسعَد ويتخلص من الآلام حين يكون هناك أصناف من ‏المجرمين التائبين أجرم، أخطأ، تاب، إذن ما المطلوب من المجتمع ؟

                                          المطلوب أن يساعد في إصلاحه ولذلك هناك ‏مؤسسات “إصلاحيات” تعبير جميل جدا لأنه ينبغي أن تكون الاصلاحيات وأن تحاول الاسهام في إصلاح ‏العناصر الفاسدة في المجتمع بكل الطرق، طرق التوعية طرق محاولات التأهيل من جديد إعادة التأهيل النفسي ‏الأخلاقي الديني كل الأشكال، المجتمع بحاجة الى هذه المؤسسات ولذلك قال

                                          (مَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ ‏عليه)
                                          التوبة مطلوبة وهذا تنبيه واضح في سورة المائدة تشريع هذا للمجتمع أن يقيم مؤسسات لأجل إصلاح المفسدين ‏والمجرمين، لإيقاف حدود الشرور فيهم، المجتمع أنت لا تستطيع أن تتأكد أن المجتمع مئة في المئة أصبح صالحًا، لا بد أن ‏يبقى به عناصر فاسدة مفسدة

                                          ما المطلوب من المجتمع؟؟

                                          المطلوب أن يسهم في إصلاح هذه العناصر حتى لا تأتي ‏بالفساد على بقية أفراد المجتمع.‏








                                          تعليق


                                          • #81
                                            رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                            الكذب آفة تهدم المجتمعات


                                            (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) ‏
                                            كيف تكون طهارة القلب؟
                                            بتخليصه من كل أشكالï»؟ وشوائب الانحرافات والكذب، الازدواجية والنفاق، يؤمن بشيء ‏ويقول شيئا آخر، يدرك أن الحق في جانب معين ولكنه مع ذلك لا يلتزم تجاه ذلك الحق، إشكالية خطيرة جدًا!
                                            تدبروا ‏معي في أوصافهï»؟م قال
                                            (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ)
                                            مرة ثانية والآية تنبه على خطورة الاستماع للكذب، الكذب للأسف الشديد تلك ‏العملة التي باتت عملة رائجة الآن، هي عملة مزيفة، تدبروا معي
                                            سورة المائدة من مقاصدها العظيمة الصدق
                                            (هَذَا يَوْمُ ‏يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)
                                            ليس هناك وفاء بدون صدق، ونحن في عصرنا وزماننا هذا كم من الأكاذيب نسمعها ‏ونمررها ونلتزم بالصمت حيال تلك الأكاذيب؟!
                                            إشكالية خطيرة جدًا جدًا شكل من أشكال الفساد الذي ينبغي أن يوقف، ‏وللأسف الشديد الكذب اليوم ما عاد كلمة فردية يقولها فرد لآخر وانتهى ‏الموضوع، الكذب الآن أصبح على إشكاليات لأنه أصبح عاليما، كذبة واضحة ممكن يقولها إنسان فرد فتنتشر كانتشار ‏النار في الهشيم، انتشار عالمي وسائل تواصل المختلفة وهناك من يسمع، هل من يسمع للكذب كذلك يشارك فيه؟ ‏
                                            الذي يبدو أنه مشارك فيه لأنه بصمته وسكوته عن ذلك الكذب إنما هو يساهم في الترويج له بطريقة أو أخرى، إذن ما ‏المطلوب؟
                                            المطلوب إيقاف الكذب، توضيح الحق، بيان الحق هذا عقد هذا من الالتزامات المختلفة، الالتزامات أمام الله ‏سبحانه وتعالى أن يكون الإنسان صادقًا مع نفسه صادقًا مع ربه صادقًا مع الاخرين ناشرًا للصدق مؤيدًا له داعيًا له وبعكسه سيكون ‏الكذب، ونتيجة لترويج تلك العملة الزائفة عملة الكذب أصبحوا أكّالون للسحت الحرام

                                            انواع متعددة من اكل السحت



                                            غالبية المسلمين إن لم نقل الغالبية العظمى من المسلمين في واقع الأمر لا يمكن أن يفكر على سبيل المثال في تناول لحم ‏الخنزير أو الاقتراب منه مجرد اقتراب، في حين أنه رغم هذا الحرص الشديد الذي ينبغي أن يكون من عدم الاقتراب ‏من الحرام أو لحم الخنزير أو ما شابه إلا أنه لا نجد في نفسه ذات الورع عندما يتعلق الأمر بالحرام المعنوي الأكل المعنوي ‏اكل اموال الناس بالباطل الاختلاس رشوة، ممكن أن يكون أكل اموال اليتامى،

                                            موارد الحرام كثيرة المال الحرام ولكن ‏هذا الورع لا يشبه هذا!
                                            وأحيانا نجد ورعًا شديدًا جدًا في ما يتعلق بالجانب الحسي في الحرص الشديد على تناول الطعام ‏الحلال والتأكد من كل هذا، وهو أمر رائع ينبغي أن نحافظ عليه، يشكّل هوية الانسان المؤمن ولكن في ذات الوقت علينا أن لا ‏يكون لدينا تلك الازدواجية التي حدثتنا سورة المائدة عن بعض أشكالها في جانب الذي أشعر أنه لا يمس أو يؤثر ‏علي بشكل واضح أحرص أشد الحرص على الأكل الحلال، ولكن الجوانب التي يمكن أن يكون لها تأثير على مدخولي ‏المادي لا، ممكن أن لا أوجهها بنفس الطريقة، هذه الازدواجية لا يقبل بها القرآن ولذلك الآيات الوحيدة التي جاءت في ‏الحديث عن هذه القضية

                                            (أكالون للسحت)
                                            عليك أن تحذر من الوقوع في المال الحرام. وربما ‏هناك بعض الأشياء التي قد لا ينتبه إليها بعض الناس،وهي ما يتعلق بساعات العمل

                                            العمل أمانة والانسان حين يتقاضى أجرًا معينًا ماديًا مرتبًا تجاه أيّ عمل ‏من الاعمال في مؤسسة في مدرسة في شركة في عمل في القطاع الخاص في العمل العام لا يفرق الأمر لا يختلف، لا ‏بد أن نراعي جانب الأمانة بمعنى أنت تعطى هذا المال أو الأجر المادي مقابل عمل تقوم به عليك أن تقوم به وفق ما ‏يرضى الله عز وجل وفق ما أمر الله عز وجل من أداء الأمانات والقيام بالحقوق والواجبات، ولا يغرّك أن الاخرين ‏من حولك لا يهتمون ولا يعملون ولا يفعلون ويضيعون الوقت، نحن نحاسب أفرادًا، نحاسب على أعمالنا وتصرفاتنا ‏نحن لا نحاسب على تصرفات الآخرين ولا على سلوكياتهم أنت تحاسب على عملك أنت وهذه إشكالية خطيرة، ‏والبعض منا للأسف الشديد لا ينظر إلى هذا المدخول الدخل الذي يأتي إليه في كل شهر الأجر المادي المرتب مقابل هذا ‏العمل لا ينظر إلى أنه إن لم يقم بالعمل، فالمال فيه شيء على الاقل شبهة من حرام، لا ينظر الى هذه القضية بهذا الشكل أبدًا
                                            القرآن يعلمنا أن نتوخى الحذر الحلال يعلمنا الورع يعلمنا أن نبحث عن اللقمة الحلال فنحصل عليها لنا ولمن نعول. وفي نفس الوقت حتى في صدقاتنا ربي عز وجل لا يقبل إلا الطيب فلماذا أُدخل على نفسي وأسرتي وأولادي وأهلي ‏شبهة من المال الحرام بتصرفات لا ينبغي أن أقوم بها




                                            تعليق


                                            • #82
                                              رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                              خالف هواك ترشد


                                              (فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ )
                                              جاء بعض اليهود الى النبي صل الله عليه وسلم ‏في المدينة لكي يحكم بينهم وهم عندهم الأحكام كلها كاملة في التوراة ولكن لماذا جاءوا اليه؟

                                              جاؤوا إليه ليس لأجل أن ‏ينفذوا الأوامر والأحكام، جاؤوا اليه لأجل أن يبحثوا عن الرخص والتسهيلات، شيء أسهل، شيء يوافق أهواء النفوس ‏في بعض الأحيان، وهذا أيضا مدلف خطير يحذرنا منه القرآن في سؤالي عن الحكم الشرعي لأي قضية تعرض لي في ‏حياتي علي أنا أن أتأكد من نفسي من نيتي في الصدق، أسأل عن الحكم لأجل الرخص والأسهل والأيسر أم لأجل ما يقربني الى الله أكثر؟أبحث عن شيء أخرج منه، رخصة لكي أتخلص من الحكم الشرعي أم أبحث عن ما يمكن أن ‏يقربني الى الله سبحانه وتعالى؟

                                              قضية في غاية الأهمية

                                              والمطلوب في كل الأحوال سواء كان مع يهود أو مع غيرهم
                                              (وَإِنْ حَكَمْتَ ‏فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ)
                                              القسط، العدل، الميزان، إعطاء كل ذي حق حقه الذي يستحق فعلًا.

                                              ثم تدبروا معي في قوله عز وجل ‏ليبين ويؤكد لنا حقيقة أن القرآن العظيم لا ينبغي أن ننظر اليه بنظرة تجزيئية نظرة تجزئ تأخذ منه ما يروق لها وتترك ‏منه ما لا يروق لهواها أو ما لا يوافق هواها أو يخالف مزاجها، لا،
                                              (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ

                                              ثُمَّ ‏يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)

                                              الأحكام موجودة لماذا أعرضوا عنها؟
                                              لأنهم يبحثون في الأحكام عن ما يوافق ‏أهواءهم ويتركون ما يخالفها، مزلق خطير جدًا للأسف كذلك هو موجود في زماننا نبحث عن الأشياء التي تطيب لنا ‏نرتاح إليها أما الاشياء التي تخالف هوانا وتخالف الشيء الذي نريد لا تروق لنا لأي سبب من الأسباب، في ذلك ‏الوقت يكون الأمر مختلف تولّي أو إعراض، هذا أمر خطير!
                                              نفى صفة الإيمان قال
                                              (وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ)
                                              إذن ما الايمان ‏؟
                                              الايمان أن يصبح هواك تبعًا لما جاء به الله ورسوله تدبروا معي الإيمان أن يصبح هواي ومزاجي وفق ما جاء به الله ‏سبحانه وتعالى وليس من قبيل تفسي لأن المشرّع هو الله وليس هوى النفس.

                                              الاتجار بالدين فساد في الدنيا وخزي في الآخرة


                                              (فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ)

                                              (وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ‏ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)

                                              ما دخل خشية الناس؟

                                              أعظم عائق يقف بين الإنسان وبين تطبيق منهج الله وشريعته في واقع الحياة الجري وراء أهواء الناس وتلبية رغباتهم وحظوظهم وما يرغبون وما يقولون. ‏

                                              تدبروا إعجاز لفظ القرآني

                                              (وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا)

                                              هل الآيات تباع وتشترى؟

                                              هي ليست للبيع والشراء

                                              إذن ‏لماذا القرآن يعبر في أكثر من موضع في آياته بهذه اللفظة:

                                              (يشترون بآيات الله ثمنا قليلا)؟ لماذا؟

                                              إلأن الانسان حين يبيع ‏هذه القيم والمبادئ في سبيل عرض من عرض الدنياوالزائلة الفانية إنما هو على وجه الحقيقة يبيع ويشتري، حين ‏يخالف أمرا من أوامر الله عز وجل لإرضاء فلان من الناس أو لإرضاء شخص معين قوي أو ضعيف صاحب ‏منصب أو ليس كذلك رئيس أو مرؤوس أو ما شابه هذا ما نسميه إلا أنه يشتري بآيات الله ثمنا قليلا؟!

                                              يرضي الناس ‏ولكنه يسخط الله سبحانه وتعالى، هذا بيع وشراء، الدين لا يُتاجر به، وفي الآية تحذير شديد لأولئك الذين حمِّلوا أمانة ‏تعليم الناس العلماء علماء الدين الأحبار الربانيون علماء الدين في كل الأديان والشرائع وفي هذا الدين الاسلام، من أي ‏شيء لا تبيع وتشتري بأحكام الله سبحانه وتعالى بمعنى آخر لا تشهد إلا بالحق، لكن أن تشهد لأجل أن تحصل على ‏منصب أو مال أو بيت أو تحصل على أي شيء من عروض الدنيا الزائفة هذا شراء وبيع

                                              (وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا)

                                              ‏تدبروا عظمة التناسب في كلمات القران!

                                              الكلام عن الحكم ثم جاء بخشية الناس وجاء بالشراء بآيات الله ثمنًا قليلا لماذا؟

                                              لأن هذين السببين أعظم الاسباب وراء عدم الحكم بما أنزل الله الخوف من الناس والبيع والشراء بآيات الله سبحانه ‏وتعالى المتاجر بها لأجل عروض الدنيا الزائفة الزائلة الفانية التي لا قيمة لها، ما قيمة أن يبيع الانسان دينه حتى لو حيزت ‏له الدنيا بأسرها؟؟ ما قيمة هذا؟ ما قيمة أن يخسر الانسان دينه؟ ما قيمة أن يخسر التزامه أمام الله عز وجل؟!

                                              الهــوى آفــةُ النفـــس



                                              ï»؟ï»؟


                                              (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)

                                              لماذا؟

                                              لأن الإيمان عقد ليس كلمة تقال باللسان، إنما ‏تطبيق وتحكيم لأمر الله ومنهجه سواء خالف ما أريد أم لم يخاف سواء جاء وفق ما يرغب ويحبه الناس أو لا يرغبون ‏فيه، أوامر الله وتشريعاته لا تخضع لأهواء وأمزجة الناس، قضية خطيرة جدًا!


                                              (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)

                                              (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)

                                              تأكيد مرة بعد مرة،

                                              ظلمٌ أن يؤمن الانسان ‏بإله مالك الملك له ملك السماوات والأرض ولكنه لا ينفذ ما أمر به هذا الإله الخالق البارئ المصور الرحمن الرحيم لا ‏ينفذ ما يؤمر به في واقعه ويجد له مشرّعًا آخر!!

                                              ولن تكون هناك شريعة أخرى إلا شريعة الهوى ولذلك جاءت الآيات ‏فتدبروا معي (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ‏عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ)

                                              تدبروا معي شريعة الهوى،

                                              هما شريعتان:

                                              إما شريعة الله وإما شريعة الهوى

                                              (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ ‏شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)

                                              بعض التفاصيل تختلف ما بين أحكام التوراة وما بين الانجيل وما بين القرآن ولكن أصول الشرائع واحدة وهذا القرآن ‏جاء ليهيمن ويحكم وتختم بها الرسالات السماوية. قال

                                              (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)

                                              إذن لمَ الاختلاف؟

                                              ليس لأنه هو سبحانه يريد منك أن تختلفوا، لا ؟

                                              ولكن لو ربي أراد ألا يختبركم ويجعل الجميع أمة واحدة

                                              (أن لو يشاء اللّه لهدى ‏الناس جميعا)

                                              ولكن ربي عز وجل أراد أن يسند ويعطي الانسان القدرة على الاختيار ليختبره فيها لأنه لو لم يعطى حرية ‏الاختيار يختبر ويبتلى في أيّ شيء؟!

                                              (وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)

                                              هناك تنافس مذموم وهناك تنافس محمود ‏هنا سباق، سباق بأيّ شيء؟

                                              بالخيرات، فيما آتاكم، بحسب إمكانياتك أنت لا تحاسب إلا على امكانياتك أنت فإذا كانت ‏إمكانياتك محدودة ربي سبحانه وتعالى يحاسبك على قدر هذه الإمكانيات، فربي سبحانه وتعالى لا يحاسب على سبيل ‏المثال الفقير على إنفاقه كما يحاسب المليونير أو الغني الذي يمتلك الاموال الطائله ؟

                                              (فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).

                                              ثم تؤكد الآيات مرة ‏اخرى القرآن ليس فيه تكرار القرآن فيه تأكيد قال

                                              (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ)




                                              شريعة الهوى، اتباع الهوى أخطر شيء على النفوس البشرية، أخطر شيء على الفرد أن يتبع الإنسان شريعة ‏هواه، هوى نفسه! ابن آدم لو أنه ما اتبع هوى نفسه فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من النادمين، نفسه سولت له ‏زينت له الباطل حسد غيرة تصور توهم أنه إن أزاح الأخ عن الطريق هذا الأخ الصالح سيتقبل الله منه العمل وسيصبح ‏من بعده صالحًا إلى اخره، نفس القضية التي وقع فيها كذلك إخوة يوسف نفس القضية التي يقع فيها الكثير من الذي ‏يحكم بإزاحة الاخرين من الطريق عوضًا عن التعاون على البر والتقوى؟ من؟

                                              هوى النفس.


                                              أما شريعة الله سبحانه ‏وتعالى والحكم بما أنزل الله فهو يقتضي أن نتعاون جميعًا على البر والتقوى وأن لا نتعاون على الإثم والعدوان، فارق ‏شاسع!!



                                              تعليق


                                              • #83
                                                رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                                ذم الاكثرية في القران


                                                (وَإِنَّ كَثِيرًا ‏مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ)
                                                عجيب!
                                                الكثرة
                                                
                                                الكثرة لا تعني أبدًا الصحة، الكثرة في القرآن غالبًا ما تأتي في ‏سياق الذم وإن كثيرًا من الناس لفاسقون فلا تتبع الأكثرية المسألة ليست أكثرية وأقلية، المسلمون في مكة كانوا أقلية ‏والأغلبية كانت لكفار قريش من كان على حق ومن كان على باطل؟ الأكثرية أم الأقلية؟!
                                                إذن المسألة ليست أكثرية وأقلية ‏لا، المسألة ليست عدد، المسألة مسألة المبدأ، المسألة مسألة الحق، والحق لا يُعرف بكثرة من يتبعه ويسير خلفه، الحق ‏يُعرف بنفسه يعرف بقيمه يُعرف بذاته، ولذلك كل الأنبياء ما كان أتباع الانبياء هم الأكثرية، معظم أتباع الرسل ‏والأنبياء كانوا أقلية ما كانوا أكثرية، الملأ كانوا من غير أتباع الأنبياء غالبًا ولكن ذلك لم يغير من واقع أن الحق حق وأن الباطل باطل، لا يتغير ولا يحل واحدًا منهما مكان الاخر بكثرة أو قلة، الأتباع، قضية خطيرة جدا لأننا ‏وللأسف الشديد في كثير من الأحيان في مجتمعاتنا ننساق وراء أغلبية الناس.
                                                لذلك النبي صلّ الله عليه وسلم يحذر أن ‏الانسان لا ينبغي أن يكون إمعة إن أحسن الناس أحسن وان اساؤوا اساء لأنه يمشي وراء الناس، القران لا يريد من ‏الإنسان المؤمن أن يمشي وراء الناس يريد إنسانا يمشي أمام الناس.
                                                القرآن أعظم كتاب يصنع الانسان القيادي ‏والانسان القيادي هو من أبرز صفاته ذلك الإنسان لا يسير وراء أهواء الناس ولا وراء ما يقولون ولا وراء ما ‏يرغبون لأنه لديه ميزان دقيق ميزان ما أنزل الله سبحانه وتعالى، ماذا يريد الله منا؟
                                                ما الذي يرضي ربي عز وجل ‏عني وليس الجري وراء ما يرضي الناس ولذلك القرآن العظيم اعتبر ذلك حكم جاهلية
                                                (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ ‏مِنَ اللَّهِ حُكْمًا)
                                                ولكن لمن؟؟
                                                ( لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)
                                                تحولت قضية الإيمان في قلوبهم إلى يقين يعيشونه ويرونه ويشعرون به حكم ‏الجاهلية لماذا الكلام عن الجاهلية؟
                                                الجاهلية كانت تحركهم أهواؤهم،
                                                عدد الناس الكثرة بينما القرآن أيضا في سورة ‏البقرة قال
                                                (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ)
                                                المسألة ليست الكثرة والقلة المسألة هي مسألة القضية التي لأجلها ‏يقوم القلة أو الكثرة ولذلك ربي عز وجل في آيات أخرى قال
                                                (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا)
                                                قضية ‏خطيرة قضية الكثرة والقلة
                                                لماذا جاء ذكرها بالذات في هذا السياق في سياق الحديث عن الحكم؟
                                                لأننا في كثير من الأحيان ننجر ‏وننساق وراء الأكثرية ونتأثر يقولها كذلك نتأثر بما يقول الآخرون وأحيانًا نتعرض لإشكالية وتحدي خطير في أنفسنا ‏قد يصل بنا الى حد تغيير المبادئ والقيم والقناعات لأجل إرضاء الأكثرية وإرضاء الناس، لا تكن إمعة! إذن ماذا يكون ‏الإنسان؟
                                                يكون نفسه تلك النفس المؤمنة التي لا يضرها من ضل إذا كانت هي على حق وهداية


                                                استعلاء المؤمن على أهل الباطل


                                                (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ‏اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)

                                                قضية الولاية هنا لغير الله ورسوله نوع من أنواع الارتداد والتراجع عن الدين ‏والإيمان وعقد الميثاق، العقد عقد الإيمان وميثاق الإيمان مع الله سبحانه وتعالى، وأعطانا مواصفات لأولئك القوم في حال حدوث عملية الاستبدال هذا فيها وعيد، وعيد واضح جداً لكل أولئك الذين لا يسيرون وفق ما أراد الله سبحانه وتعالى ‏في منهجهم وفي حكمه وفي تشريعاته.

                                                (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)
                                                والله سبحانه وتعالى لا يعطي ولا يقدم لنا في أي سورة ولا في أي موضع من مواضع الحياة التي تتحدث عن قضية الذل في ‏القرآن، لا يعطينا أي شيء من الإيجابية لهذه الصفة إلا في مواضع محصورة:‏
                                                الموضع الأول في التعامل مع الوالدين: حين قال:

                                                (وَاخْفِضْ لهما جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)

                                                عند الوالدين لا بأس للإنسان ‏المؤمن أن يكون ذليلاً بين يديهم، بين يدي الوالدين.

                                                ثم بعد ذلك في التعامل مع المؤمنين هو وصفهم فقال:

                                                (أَذِلَّةٍ عَلَى ‏الْمُؤْمِنِينَ)

                                                الذل ليس بمعناه السلبي، وإنما بمعنى التذلل بمعنى الليونة في التعامل، بمعنى اليسر والتسامح في التعامل معهم ‏إلى الحد الذي يُشعر الإنسان الآخر أو الطرف الآخر بهذه الصفة.‏

                                                أما في التعامل مع الكافرين فالموقف مختلف،

                                                لماذا أعزة على الكافرين؟
                                                لأن المطلوب من المؤمن ألا يُظهر لهم أي نوع من ‏أنواع التخاذل أو التواضع أو شيء من أنواع التذلل معهم الذي قد يوهمهم بأن هذا الطرف طرف المؤمن في ضعف. ‏المؤمن حتى إذا كان طبيعة الظروف المحيطة به تفرض عليه شيئا من الضعف فهو لا يظهر هذا الضعف ولا يبديه أبداً؛ لأنه ‏في قرارة نفسه مؤمن بأنه يستمد قوته من الله سبحانه وتعالى، ولذلك أيضاً وصف هؤلاء القوم فقال:
                                                (يُجَاهِدُونَ فِي ‏سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ)
                                                على العكس تماماً من أولئك الذين يخافون لومة لائم.

                                                أولئك الذين يوالون لغير الله، ويدخلون في الولاءات حسب ‏مصالحهم العاجلة، لماذا؟
                                                لأنهم يخافون من هذا وذاك يخافون من الشرق ويخافون من الغرب، يخافون من اللوم ويخافون من ‏كل شيء؛ لأنهم ما عادوا يدركون أن أعظم خوف يجب أن ينصرف هو الخوف من الله سبحانه وتعالى. والإنسان إذا خاف الله عز وجل ربي عز وجل أخاف منه كل شيء، ولكنه إذا خاف من كل شيء، أخافه الله سبحانه ‏وتعالى من كل شيء؛ لأنه لم يخف الله سبحانه، توهم وجود نفع أو ضر من قبل أحد من البشر




                                                دور العلماء والدعاة في محاربة الفساد

                                                (وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ

                                                لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
                                                (لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ

                                                لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)

                                                الأحبار والربانيون هنا تشكل فئة العقلاء والحكماء والعلماء الذين وصفتهم آيات أخرى قبل ذلك بما استحفظوا من كتاب الله، على اطلاع ومعرفة حقيقية بالدين وبالكتب السماوية استحفظوا من كتاب الله، ومدركين لهذه التعاليم والتشريعات، هؤلاء لا بد أن يكون لهم موقف من الفساد والمفسدين، لا بد أن ينهوا عن الفساد في الأرض، لا بد من النهي عن الفساد ‏في الأرض، ولكن أن يقفوا صامتين أمام وإزاء كل هذا الفساد الذي يحدث فالقضية لن تقف أبداً عند حد!

                                                ولذلك كان ‏من الواجب على أولئك العقلاء والربانيون والأحبار والعلماء والرهبان أن يكون لهم موقف واضح إزاء ما حدث من سخرية ومن استهزاء ومن تطاول على شخص النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنا لا أتكلم هنا عن أفراد، أنا أتكلم عن تجمعات، تحالفات، يكون لها صوت قوي مسموع،
                                                ولذلك قال في نهاية الآية الأولى قال:
                                                (لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
                                                والثانية
                                                (لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)
                                                الفساد بكل أشكاله حين لا يجد من يوقفه سيصبح صنعة عند البشر وفي المجتمعات ‏الإنسانية الناس تعتاد عليه، وهذا هو الفرق بين شيء يصنع، وبين عمل، العمل يعمله الإنسان مرة مرتين كذا مرة، ولكن ‏حين يصبح هذا الشيء صنعة له فهو أصبح مهنة، أصبح يزاوله ويزاوله ويديم المزاولة إلى أن أصبحت صنعة له

                                                تدبروا معي هذا الربط العظيم هذه كل الآيات كأنها تحكي عن الواقع الذي نعيش فيه، وهكذا القرآن. القرآن يعالج واقعًا إنسانيًا، واقعاً إنسانياً غير متوقف على زمن معين غير مرتبط بزمن معين، لماذا ربي عز وجل حدثنا هنا عن قضية ‏اليهود والنصارى؟
                                                لأن القضية ليست قضية مرتبطة بزمن، ومعظم التعاملات نستطيع أن نقول كلها اليوم نحن في تعاملاتنا ‏وفي تعاملاتنا الخارجية والعلاقات الخارجية علاقات الدول والأفراد الخارجية هي مع من؟ هي مع هؤلاء القوم، صحيح ‏القضية لم تعد قضية أو هكذا يظهر أن القضية لا تتعلق بأشياء دينية ولكن القرآن حدد لك الإطار العام الذي يتم التعامل ‏فيه ومن خلاله حتى يكون الإنسان والمجتمعات مدركة لواقع هذا التعامل، ولا تتعامل مع هؤلاء القوم، ومع الآخرين من ‏زاوية أو من ناحية الشعور بالضعف، والاستجداء منهم، الأمر الذي يولد عشرات التنازلات حتى عن القيم والمبادئ والدين الذي تؤمن به، إشكالية في غاية الخطورة! والإنسان حين لا يدافع حتى عن الدين الذي يؤمن هو به، ماذا بقي له؟! ‏ماذا بقي له؟!


                                                للأسف الشديد خسرنا كثيراً حين سمحنا للآخرين بطريقة أو بأخرى من خلال ضعفنا ومن خلال عجزنا من ‏خلال تنازلاتنا، خسرنا إنما لم نعالج قضية عدم احترام الآخرين لقيمنا ومبادئنا وديننا، خسرنا ولا زلنا نخسر، لأن هذه ‏القضية جوهرية تماماً.




                                                تعليق


                                                • #84
                                                  رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                                  أهم أسباب وعوامل حدوث الانهيار


                                                  والتدهور في الحالة الاقتصادية للبشر

                                                  (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ)
                                                  (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا ‏التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا ‏يَعْمَلُونَ)
                                                  تدبروا معي!
                                                  أعظم أسباب وعوامل الرخاء الاقتصادي والاستقرار السياسي والمجتمعي، والأخلاقي في كل المجتمعات: إقامة ‏منهج الله سبحانه وتعالى(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ ) لو أنهم أقاموا، طبّقوا، نفّذوا، ساروا على المنهج الذي جاء في هذه الكتب، الكتب السماوية، لكانت تغيرت النتيجة.‏

                                                  فاليوم نحن لدينا بمفهوم المخالفة هنا أن كثيرًا من الناس لا يجدون ما يأكلون، ناهيك عن أن يأكلوا ‏من فوقهم أو من تحت أرجلهم. الآيات تتحدث عن رخاء اقتصادي، عن غنى، وفرة في الأموال، في المكاسب، في المطاعم، في ‏المصادر، المصادر بكل أشكالها، مصادر الثروة. ما نجده في عصرنا وفي زماننا اليوم الشكوى المتواصلة من الكوارث ‏الاقتصادية، ومن المجاعات، ومن قضية التقشف، معظم الدول العالم اليوم ومن نزول في قضايا الثروات، ومصادر الدخل، ‏واضح جداً هذا، السؤال:
                                                  يا ترى لماذا حدثت هذه النتيجة؟

                                                  بمفهوم المخالفة: أن واحدًا من أهم أسباب وعوامل حدوث ‏هذا الانهيار والتدهور في الحالة الاقتصادية للبشر، وهو عدم اتباع منهج الله عز وجل، وممكن أن نوضح هذا، كيف؟ أعظم رسالة وقيمة في إقامة منهج الله سبحانه وتعالى التي جاءت في التوراة، جاءت في الإنجيل، جاءت في القرآن: النهي عن ‏الفساد وإيقاف المفسدين في الأرض. ولو تدبرنا في معظم ما نعاني منه من حالات اقتصادية لوجدنا أن السبب الرئيس في حالات التدهور في اقتصاد دول هو الفساد، مستويات الفساد لدينا في كثير من مجتمعاتنا عالية! فساد بكل أشكاله، شخص أو مجموعة أفراد يسيطرون على ممتلكات دول، وينهبون أموالها، هذا الفساد، أو مؤسسات تنهب هذه الأموال، وتبقى هذه المؤسسة والدولة والمجتمع يعاني من أشد الأمراض فتكاً من فقر، ومن تدني في التعليم، من كل الأمراض! والرسالة ‏الجامعة بين كل قيم الأنبياء والرسالات السماوية لو أردنا فعلاً أن نلخصها في كلمات

                                                  (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ ‏إِصْلَاحِهَا)

                                                  ولا ننسى أن في القضية في سورة البقرة ربي عز وجل على لسان الملائكة حين قالت:

                                                  (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا ‏وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ)

                                                  عن الإنسانية ذكروا الفساد.

                                                  فالرسالات والرسل جاءوا بالنهي عن الفساد بكل أشكاله، فساد في ‏الدين، وفساد في المال، وفساد في الأخلاق، وفساد في القيم، ومشكلة العالم اليوم ليس قضية قلة الموارد أو مصادر ‏الدخل، أو أن الأرض ما عاد فيها أقوات تكفي لهذه الجموع من البشر كما يتوهم البعض، أو يحاول الترويج له، لا، وإنما ‏الإشكالية الخطيرة إذا استطعنا فعلاً ونريد أن نلخصها في كلمات: (قضية الفساد والمفسدين) أن هناك مجموعات من ‏المفسدين استولوا على تلك الثروات، ثروات البشرية وأهدروها، فكانت النتيجة ما نراه!

                                                  هل فعلاً محاصرة الفساد ‏وإقامة ما أنزل الله في واقع الحياة يحقق رخاءً اقتصاديًا؟ قطعاً. لماذا؟
                                                  لأن إقامة منهج الله سبحانه وتعالى هو أنجع طريق لمحاصرة ‏الفساد والمفسدين، وإذا قضيت على الفساد والمفسدين، أصبحت في غنى حقيقي، رخاء حقيقي، وهذه هي الرسالة التي أعطانا ‏إياها القرآن.


                                                  الدين النصيحة




                                                  (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى ‏لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)

                                                  لعن الذين كفروا على لسان كل الأنبياء، عصيان تمرد، ‏اعتداء

                                                  (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)

                                                  تدبروا في قضية محورية النهي عن المنكر والفساد. إشكالية خطيرة في مجتمعاتنا الآن بدأت تظهر أن الناس أصبح أيّ ‏واحد منهم حتى في الأسرة الواحدة يرى الخطأ يرى المنكر من أخيه، من أمه، من أبيه، من ابنه، من ابنته، من ابن أخيه، ويقول ‏لك: لا لا لا، لا أريد أن أتدخل هذه حرية شخصية

                                                  (لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)
                                                  نهيك عن المنكر لا يعني أنك تتدخل في ‏حريات الآخرين، لا يعني أنك تقوم بالوصاية عليهم، لا يعني أبداً هذه المعاني، ولكن هو يعني بالفعل أنك إنسان تهتم لأمر ‏الآخرين، تقوم بالواجب الذي يفرضه عليك، عشرات الأمور من العلاقات الإنسانية فيما بينك وبين هؤلاء من الروابط ‏رابطة الإنسانية، رابطة الدم، رابطة القرابة، عشرات الروابط التي تربط بيننا كبشر، كيف نتغافل عن كل هذه الروابط؟! ويهيأ ‏لنا بأن القضية قضية حرية شخصية ولا أتدخل في الآخرين؟! كيف أنت اليوم أنا أتساءل دعونا نضعها في هذا المثال: لو أنك ‏رأيت بيتاً يحترق حريقًا حسيًا حقيقيًا، ورأيت في داخله أشخاصًا كبار وصغار ونساء ورجال، بالله عليك أتتركهم يحترقون؟! أم تسارع لإنقاذهم ونجدتهم؟ الحقيقة أن الطبيعة الإنسانية تفرض عليك أن تفعل كل ما بوسعك لأجل إنقاذهم أليس كذلك؟! البعد عن منهج الله عز وجل، أليس هو نوع من أنواع الاحتراق المعنوي؟! أكل المال الحرام على سبيل ‏المثال، أليس هذا نوع من أنواع الاحتراق؟! الجسد الذي يغذّى بالسحت وبالحرام، أليست النار أولى به؟! فأنت المطلوب ‏منك كإنسان أن تبادر لإنقاذ هؤلاء بالحكمة والموعظة الحسنة والطريقة الجيدة، نعم، ولكن قطعاً لا تتركهم هكذا هذا الشيء منطقي، فلماذا يغيب عنا العقل والمنطق ونحن نواجه المنكر والفساد؟! لماذا؟! هل أحد يلومك إذا أنت قمت بمحاولة إنقاذ هؤلاء من الحريق، أو من الغرق؟! لا، فلماذا إذاً أنت تتوهم أن هناك من يمكن أن يوجه إليك اللوم لو أنك نهيت عن منكر، ‏أو أوقفت فساداً، أو أمرت بخيرٍ أو إصلاح بين الناس لماذا؟! لماذا هذا التناقض لماذا؟!

                                                  ولذلك ربي عز وجل قال


                                                  (كَانُوا لَا ‏يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)

                                                  وروي في بعض الآثار أنهم كانوا ممكن ينهون في بعض الأحوال، ولكنهم يجالسونهم ويمشون معهم وكأن الأمر طبيعي الإشكالية خطيرة جداً إذا ظهرت في الأسرة، إذا ظهرت في المجتمع قامت بتدميره من جذوره!!




                                                  تعليق


                                                  • #85
                                                    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                                    احذروا كثرة الحلف



                                                    القرآن في سورة المائدة يعرض لنا أشكالاً متنوعة في قضايا التشريع، قضايا تعرض للإنسان في واقعه، فكما أن القضايا في ‏التشريع متعلقة بالطعام والشراب وما شابه، هي كذلك متعلقة بالكلمات بما يتفوه به الإنسان، فبعض الأشخاص قد ‏يأخذ قضية الحلف والأيمان وما شابه
                                                    وسيلة يحرّم بها أشياء معينة على نفسه، وهذا يعتمد إلى حد كبير على ‏طبيعة البيئة التي يعيش فيها الإنسان، ونحن نرى في بعض المجتمعات الناس يحلفون على بعضهم البعض لأجل دعوة على ‏طعام أو عشاء أو ما شابه، أو تناول صنف معين من أصناف الطعام، هذا ما عبّر عنه القرآن باللغو في أيمانكم، هو لا ‏يقصد به الحلف في ذاته، ولكن هو الذي يقصد به في واقع الأمر مجرد عملية زيادة في التأكيد على شيء معين، ولذلك ربي ‏سبحانه قال
                                                    (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ)لماذا؟لأن القضية قضية التزام هنا وربي سبحانه وتعالى حتى في هذه الآية أوصانا بأي شيء؟قال: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ)كل شيء في هذا الدين العظيم، يقوم على مبدأ الحفظ، يقوم على مبدأ التنبؤ واليقظة، لا شيء في هذا الدين من تشريع يأتي هكذا عفوياً بدون معنى، تصبح في ‏ظل هذه التشريعات أقوال الإنسان، ألفاظه، أفعاله، حتى النية لا بد أن يكون لها موقع لا بد أن يكون لها أهمية واضحة(كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)ثم تدبروا معي!! في ذاك التناسب الرائع العجيب الذي جاء موقعه بعده في الآية التي تليها في مسألة تحريم الخمر تحريماً قطعياً، ربي سبحانه في الآية التي قبل قال:(وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ)الألفاظ التي يتلفظ بها الإنسان عليه أن يراقبها تماماً، وبالتالي لا يستعمل كلمة الحلف كما جاء ويأتي في كثير من مجتمعاتنا وبيوتنا الناس يحلفون كثيراً، ولكن ليس هم حين يحلفون هم ‏يريدون فعلاً قضية الحلف، وإنما هم فقط هكذا درجت أصبحت كلمة دارجة على الألسنة، ما المطلوب؟ المطلوب أن يتيقظ ‏الإنسان وأن ينتبه لما يقول، وأن يصحح من لسانه، وأن يضبط عملية التفوه بتلك الكلمات التي يقولها

                                                    الخمر حرام بنص القرآن

                                                    الآية التي جاءت في تحريم الخمر تحريماً قطعياً لأننا كما ï»؟نعلم الخمر حرمت على مراحل، بتدرج قال:

                                                    (يَا أَيُّهَا ‏الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

                                                    الرب الذي أمرك بأن تحفظ الأيمان، وأن تحافظ على الكلمات التي تتفوه ï»؟بها، هو الرب الذي يأمرك أن تحافظ على أعظم ‏نعمة أعطاها لذلك المخلوق، لذلك الإنسان، النعمة التي هي مناط التكفير، النعمة التي بدونها لا يمكن أن يكون هناك تكليف ‏في واقع الأمر(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ)

                                                    وبدأ بالخمر، ولماذا الخمر؟

                                                    الخمر فيه اعتداء واضح ‏على نعمة العقل، أعظم اعتداء فيها اعتداء على نعمة العقل، نعمة العقل التي بها كُرِّم الإنسان، وبها خوطب في مجال التحريم ‏والتحليل والتشريع، المجنون لا يخاطب بالتشريع، فاقد العقل لا يخاطب بالتكليف وبالت،شريع الذي يخاطَب هو الإنسان ‏العاقل، فكيف لذلك الإنسان أن يأتي إلى الخمر طواعية لتفقده أعظم ما كرّمه الله به ألا وهو العقل؟!

                                                    الخمر، والميسر، ‏والأنصاب، والأزلام وربي عز وجل في هذه الآية جمع لنا كل ما يعرف في واقع الأمر من الحفاظ على الضروريات أو ‏مقاصد الشريعة حفاظ على الدين، حفاظ على العرض، الحفاظ على العقل، الحفاظ على المال، الحفاظ على النفس، هذه ‏الآفات الخمر والميسر، والأنصاب والأزلام هي التي تهدر هذه الضروريات التي لا تستقيم حياة البشر أبداً دون الحفاظ ‏عليها، تدبروا معي!

                                                    ولذلك قال

                                                    (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

                                                    نحن تكلمنا وقلنا أن سورة المائدة تتحدث عن العقود، وهذه الممارسات التي لم تعد ممارسات فردية، بل هي تنسحب على ‏كل طبقات المجتمع: الخمر، والميسر، والأنصاب، والأزلام، ممارسات اجتماعية ليست فقط فردية، ممارسات يتأثر بها الفرد، ‏وتتأثر بها الأسرة، ويتأثر بها المجتمع بأسرة، فكان لا بد من الحفاظ عليها، ولا يمكن أن يكون هناك حديث عن وفاء بعقود أو ‏التزامات بوجود هذه الآفات الاجتماعية التي أمر القرآن العظيم في هذه الآية باجتنابها، وجعل اجتناب هذه المحرّمات ‏مفتاح الفلاح والنجاة والفوز ليس فقط في الآخرة، وإنما في الدنيا الكلام هنا عن الجزاء الدنيوي. وتدبروا معي في الآية ‏التي تليها

                                                    (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ)

                                                    آفات اجتماعية تترتب عليها ‏عشرات الممارسات التي تهدم المجتمع، وتهدم الكيان الأسري: العداوة والبغضاء، وقلنا في موقع آخر وقد ذكرت في سورة ‏المائدة قبل ذلك العداوة فيها اعتداء فيها فعل، فيها قول، البغضاء: هو شعور سلبي شعور بالكراهية، ولكن شعور ‏الكراهية إذا تولدت عنه اعتداءات على حقوق الآخرين نتيجة لذلك الشعور أصبح عداوة، أصبح عدوانًا، والله لا يحب ‏المعتدين.‏

                                                    إذاً هذه الآفات السيئة: الخمر، والميسر، القمار بكل أشكاله وصوره، لأن الميسر في الجاهلية كان له شكل معين، ممارسة اعتاد ‏عليها رواد النوادي في الجاهلية، ولكن في واقع الأمر في أيامنا هذه اتخذ أشكالاً مختلفة، متنوعة جداً متعددة، ولكن كل ‏هذه الأشكال تقوم على مبدأ الغشّ، والتدليس، وأخذ أموال الناس وتداول تلك الأموال بالباطل، ‏ربي عز وجل جعل لتداول المال بين الناس قنوات مشروعة، وهذه القنوات لا بد أن تكون من التشريع مباحة، حتى تصبح ‏عملية التداول المالي مشروعة، الميسر فيه تداول مالي، وكذلك الخمر في البيع والشراء والتعاطي، ولكن هذه القنوات ‏قنوات جففها القرآن العظيم، وأمرنا بأن لا نقوم بعملية التداول من خلالها، وذكر بعض وأهم الأسباب الكامنة وراء ذلك ‏التحريم: عداوة، وبغضاء وصد عن ذكر الله وعن الصلاة، فهل أنتم منتهون؟ سبل العداوة فعلاً تنفتح من خلال هذه الوسائل غير المشروعة


                                                    التحليل والتحريم حق خالص لله تعالى



                                                    (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ ‏اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)


                                                    وتدبروا معي!! تقوى وإيمان، تقوى وإيمان وعمل صالح، تقوى وإيمان، تقوى وإحسان، الإيمان درجات، الإيمان يزيد ‏وينقص، يزيد على قدر مراقبة الإنسان وحرصه الشديد على الاستجابة لأمر الله سبحانه وتعالى وتنفيذه في واقعه، كلما ‏كان الإنسان أكثر التزامًا ورغبة من الداخل ونية صادقة في اتباع أمر الله سبحانه وتعالى في حياته في كل الجزئيات، كلما ‏ترقى في مرتبة التقوى والإحسان، الإيمان يزيد بالطاعة، كما أنه ينقص بالمعصية ومخالفة أمر الله سبحانه وتعالى.‏

                                                    ثم إننا في هذه الدنيا نمر بعشرات الابتلاءات، نمر بعشرات الاختبارات والامتحانات وفي بعض الأحيان الاختبارات تكون ‏متعلقة في ذلك الجانب التشريعي فعلاً:

                                                    هل تمتد يدي إلى الحرام؟ أم أتوقف ولا أتجاوز الحلال إلى الحرام أبداً؟


                                                    (يَا أَيُّهَا ‏الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ ‏عَذَابٌ أَلِيمٌ)

                                                    الصيد ممكن أن يكون الشيء في أصله مباحًا، ولكن هناك توقيت زمني معين يحرّم ذلك الشيء عليك، أو ‏أحياناً توقيت مكاني، كما في القضايا المتعلقة بالحج وعملية الصيد، أو كما هي متعلقة في رمضان الطعام مباح، ربي أباحه في ‏كل وقت، ولكنه تحديداً في رمضان في نهار رمضان حرم على الإنسان أن يتناول ذلك المباح، فيصبح المباح محرماً توقيت ‏زمني، لماذا؟ قضية امتحان، قضية اختبار، رغم علم الله سبحانه وتعالى من يخافه بالغيب، ولكن كما ذكرنا في مرات سابقة ربي عز وجل أراد أن يقيم الحجة علينا بأعمالنا، وليس بعلمه سبحانه، وهذا من تمام عدله سبحانه، ومن تمام حكمته عز وجل.

                                                    ثم تتوالى الآيات بعد ذلك تحدثنا عن المباح وعن الحرام

                                                    (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ)

                                                    وفي نفس ‏الوقت

                                                    (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا)

                                                    تدبروا في تلك الصورتين المتقابلتين في آية واحدة:

                                                    صيد البحر وطعامه هذا أحلّ لكم، ولكن صيد البر ما دمتم حرماً حُرّم عليكم.

                                                    (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)

                                                    هنا ربي عز وجل يبتلينا بقضية الوقوف والحزم في الوقوف عند أوامر الله سبحانه وتعالى، تحديداً في كل الأشياء وخاصة فيما يتعلق بقضية التشريعات.

                                                    هناك أشياء جعل الله سبحانه وتعالى مساحة لها ليدرك الإنسان الحكمة في التشريع، ممكن، ولكن كذلك هناك مساحة أخرى ‏في جانب التشريع لا يدرك الإنسان الحكمة من قضية التحريم أو التحليل، ليس كل شيء في الدنيا حُرّم أو أبيح لنا، ممكن ‏أن ندرك فيه الحكمة من التشريع، وليس مطلوب من عندي في قضية التعبد لله سبحانه وتعالى والتزام شرعه أن أدرك كل ‏الحكمة أو أجزاء من الحكمة في التشريع، لا، لأن المطلوب أن يكون لدي رصيد قوي وعالي من الإيمان والتقوى، يمكنني من ‏اتباع أوامر الله سبحانه وتعالى سواء ظهرت لي الحكمة أم لم تظهر،



                                                    تعليق


                                                    • #86
                                                      رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                                      تعظيم شعائر الله في الحج


                                                      (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ)

                                                      قيام تقوم به حياتهم، دنياهم، دينهم، ولماذا هذا المكان بالذات؟

                                                      ما خصوصية هذا المكان؟

                                                      ربي عز وجل في سورة الحج قال

                                                      (;وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)

                                                      رسالة التوحيد، ولا يقوم معاش الناس ولا حياتهم ولا دينهم ولا دنياهم إلا بالتوحيد. تدبروا معي في هذه اللفتة المناسبة العظيمة: الذهاب إلى الحج، أو إلى العمرة، أو زيارة الكعبة تجديد لمعاني التوحيد في قلب ‏الإنسان المؤمن، ولا تقوم حياة الناس إلا بالتوحيد وتجديده وتصفيته وتنقيته. رسالة التوحيد

                                                      (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ)

                                                      لأن هذه الرحلة بكل شعائرها وتعظيم شعائرها وبكل ‏وقوف الإنسان عند كل جزئية فيها من تحريم الصيد، من الأشياء التي جاءت فيها، من تعظيم شعائر الله في الزمان في المكان، ‏تجديد وتنقية وتصفية للتوحيد الذي لا تستقيم حياة الناس إلا به.
                                                      وبالتالي هذا المكان، وهذه الشعيرة وهذا الالتزام هو ‏الذي يذكرنا بهذه التصفية العظيمة للتوحيد. وتدبروا معي في الكلمة! قال:

                                                      (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ)

                                                      لكل الناس الآية هنا. كيف يكون هذا القيام؟

                                                      ‏كيف يصبح ذلك المكان فعلاً مكانًا يصلح به الأمور المختلفة أمور الناس في دنياهم وفي آخرتهم، وفي دينهم، كيف؟
                                                      ربي عز ‏وجل من خلال قضايا متعلقة بالتشريعات بهذا المكان مكاناً وزماناً أراد من هذه الأمة أن توفّي بذلك العقد والميثاق فتجعل ‏الشعائر والعبادات المتعلقة إقامتها بهذا المكان، بهذا البيت، مصدراً لتبليغ رسالة القرآن للعالم كله، فإذا ما نظر الناس إلى مكة ‏إلى الكعبة البيت الحرام وجدوا كأنها صورة واقعية لشعائر الإسلام وشعائر الدين، بمعنى آخر إذا أراد إنسان أن يتعرف ‏على الإسلام كدين، وأن ينظر إلى شعائر هذا الدين، فما عليه إلا أن ينظر إلى الكعبة البيت الحرام ليرى كل الشعائر ‏متحققة فيه بشكل عملي.

                                                      الإنسان بطبيعته جُبِل على أن ينظر إلى مثال إلى شيء واقعي، شيء حسي، شيء يلمسه، وربي ‏سبحانه وتعالى في كل السورة وفي سور أخرى قال:

                                                      (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)
                                                      فتعظيم الشعائر الذي عمل قلبي يبدأ بالتقوى، لا بد أن يكون له رصيد في الواقع. وبالتالي أريد لهذه الأمة التي أُمرت ‏بالالتزام بأوامر الله إيجاباً ونهياً، زماناً ومكاناً، أن تُظهر تعظيم الشعائر في ذلك المكان كأعظم ما تُظهره حتى تصبح فعلاً الكعبة ‏بمجرد أن ينظر إليها أيّ إنسان وإلى ما يدور حولها، يتعرف إلى طبيعة هذه الدعوة، يرى مدى احترام وإيمان المسلمين ‏بشعائر هذا الدين وتطبيقهم له.

                                                      وهنا لفتة عظيمة جداً للأسف الشديد نجد أن بعض المسلمين اليوم يعتقدون أو يتوهمون، ‏بعضاً منهم يتساهل في الموضوع، ويتصور أن تعظيم شعائر البيت هذا البيت الحرام تنحصر في قضية متعلقة بقصّ الشعر أو ‏قتل الصيد أو ما شابه القضايا المتعلقة التي نصّ عليها القرآن وجاءت في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وتناولها ‏الفقهاء قديماً وحديثاً، ولكن المسألة أعظم وأعمق وأكبر، الحج هو في حد ذاته في واقع الأمر أريد له أن يكون رسالة سنوية ‏عالمية تقدم للعالم أنموذجاً حياً لتعاليم الإسلام،

                                                      لا يستوي الخبيث
                                                      ‏والطيب



                                                      (قُلْ لَا يَسْتَوِي ‏الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ

                                                      فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

                                                      الآية هنا تعطي قاعدة عظيمة في التعاطي مع الأشياء: لا يستوي الخبيث ‏والطيب، الحرام والحلال ليسوا سواء، البيع ليس كالربا البيع حلال، أحلّ الله البيع وحرّم الربا، الخمر ليس كالماء الخمر ‏حرام والماء مباح، الخبيث ليس كالطيب، الحرام ليس كالحلال، لا،

                                                      (وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ)

                                                      (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)

                                                      يا أصحاب العقول، الإنسان في القرآن كلما ازداد تعقلاً وتبصراً وإقامة لكل هذه المفاهيم العظيمة، وتفكراً وتدبراً لأن من وظائف العقل التدبر، لا يمكن أن يتدبر إنسان غير عاقل، أو ‏لديه قدرات محدودة عقلية، لا، الإنسان الذي يتفكر ويتبصر ويتدبر هو الإنسان العاقل، والإنسان الذي يترقى في درجات ‏التدبر هو ذلك الذي هو من أصحاب الألباب أو العقول الكبيرة.
                                                      (وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ)

                                                      المال الحلال ليس كالمال ‏الحرام، المال الحرام قد يكون كثيراً، هذا جزء من الابتلاء، الإنسان يحصل على مرتب معين، راتب شهري، مقابل عمل ‏يقوم به، حلال، ولكن قد يأتيه عرض مغري جداً اختلاس رشوة، ما شابه ربا، يزيد أضعاف مضاعفة على ذلك المال، عليه ‏أن يستذكر هذه الآية العظيمة

                                                      (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ)

                                                      لأن الناس تجري وراء ‏الكثرة، المليون ليس كالألف، طبيعي!

                                                      ولكنك إذا أدركت أن ذلك المليون بخبثه وبما فيه من دنس سيحرق حياتي، سيدمر ‏حياة أسرتي وعائلتي، ستعف نفسي عنه، وسأرضى حينها بذلك القليل، الألف، وأدرك تماماً أن الله سبحانه وتعالى سيجعل فيه ‏من البركة ما يكفيني ويزيد، أكثر بكثير من هذا الحرام، فلا أحدّث نفسي أبداً بالاقتراب من الحرام، هذا هو الفرق بين ‏الخبيث والطيب. كما أن أي إنسان مسلم الآن ولا نبالغ في ذلك، الآن غالبية إن لم نقل كل المسلمين، لو تضع له في طبق ‏لحم خنزير طهي بأحسن الطرق ووسائل الطهي والطبخ مزيّن بكل الأشكال والأنواع لا يمكن نفسه تحدثه بأن يقترب منه، هناك ستار وحاجز كثيف يمنعه من أن ينظر حتى إليه، نفسه تعافه، لا رائحة ولا طعم ولا لون ولا شكل لماذا؟ نفسه اعتادت على هذا.
                                                      ربي سبحانه في سورة المائدة يريد منا أن يقيم ذلك الحاجز القوي السد المنيع بيننا وبين الحرام، ولذلك ‏جاءت لفظة الخبيث هنا، الخبيث هنا بمعنى الحرام. فهذا الحرام الخبيث لا بد أن يقام في نفسي حاجز نفسي الآن عندي أنا ‏كمؤمن تجاه ذلك الخبيث، فمهما كثر لا يمكن أن تحدثني نفسي أن تمتد يدي إليه. وأنا أقول: أن بناء هذا الحاجز النفسي ‏في نفوسنا ونفوس أبنائنا وشبابنا يحتاج إلى زاد من التقوى، يحتاج إلى زاد بنته هذه السورة العظيم


                                                      وقفة مع آية


                                                      (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ


                                                      إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ )



                                                      (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ‏الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ)

                                                      في قصة بني إسرائيل في قضية البقرة في سورة ‏البقرة، بنو إسرائيل عُرف عنهم كثرة السؤال، يسألون ما لونها، ما هي، كيف هي؟ أسئلة كثيرة!

                                                      كثرة الأسئلة في الدين ‏ليست هي التي تبني ذلك الحاجز الذي أراد القرآن بناءه في نفس الإنسان المؤمن بينه وبين الحرام، كثرة السؤال ليست هي التي تزيد في نصيبك من التقوى، وإنما الوقوف بالضبط عند أمر القرآن الأمر والنهي، تماماً، ولذلك حتى توقيت ‏السؤال ينبغي أن يكون وفق ما أمر الله سبحانه وتعالى

                                                      (وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا)
                                                      إذاً الأشياء التي سُكت عنها وسَكت عنها التشريع هو ما سكت عنها نتيجة لعدم معرفة أو إغفال لها، ولا نسيان حاشا لله ‏سبحانه وتعالى!

                                                      ولكن هذه المنطقة من عدم إبداء الكلام فيها أو تناولها مقصودة لذاتها، فكثرة السؤال أو التنقيب عن ‏الشيء الذي لا ينبغي السؤال عنه لن يزيد في رصيدك الإيماني ولن يزيد في رصيد التقوى، لأن هناك كثير من الناس يزيد ‏في جانب التنطّع إلى حد التنطّع كثرة السؤال عن التفاصيل والدقائق بشكل بحيث يخرجه فعلاً عن الحكمة من التشريع أو ‏المقصد من ذلك التشريع، ونحن نهينا عن كثرة السؤال وقيل وقال. بنو إسرائيل هم الذين كانت عندهم هذه الإشكالية، فعلينا الحذر والتنبه لهذا، ولكي تحدث عندي هذه القضية قضية ‏الحذر أحتاج أني حين أسأل أتفقد نيتي من السؤال أنا لماذا أسأل؟ من باب التعلم؟ من باب التقرب لله سبحانه وتعالى؟ من ‏باب البحث عن رخصة؟ من باب أي شيء؟ من باب إبداء الرأي وإبداء الأفضيلة أو إبداء أني أنا أعرف؟ أو من أي باب؟
                                                      ‏لأن الأبواب كثيرة والله سبحانه وتعالى جعل هذا الباب واحدًا قال

                                                      (تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ)

                                                      القرآن كان ينزل ‏في أوقات محددة معينة، ولكن الآن هو نزل، وهذا هو الترتيب الذي جاء به ونزل به القرآن العظيم كما هو الآن هو هذا ‏الترتيب، كما هو عليه الآن بين أيدينا، فنحتاج أن ندرك هذه الرسالة، وأن نتأدب بأدب القرآن العظيم،

                                                      ولذلك قال:

                                                      (قَدْ ‏سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ)

                                                      الكلام هنا إشارة إلى بني إسرائيل الذين كانوا يكثرون من السؤال، والتفاصيل، ولكن تلك التفاصيل لم تقربهم إلى الله، ‏تلك الأسئلة لم تجعلهم إلى الله أقرب، بل كانوا من الله أبعد.






                                                      تعليق


                                                      • #87
                                                        رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                                        نصيحة.. لا تكن إمعة لأحد

                                                        (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ‏يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ)

                                                        تشريع بغير دليل، تحريم، يشقّون أُذن الناقة أو الأنعام ثم يطلقون أنها هذه حرام، يسيّبون الناقة فترة من الزمن، ثم يقولون: لا ‏هي حرمت علينا لا تُركب ولا تؤكل ولا تُذبح ولا، أشياء ما أنزل الله بها من سلطان!!
                                                        الذي يملك حق التشريع هو الخالق ‏الذي خلق فقط، ولذلك قال:

                                                        (يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ)

                                                        وتدبروا معي!

                                                        في تلك المعالجة القرآنية الرائعة لأكبر عائق يمكن أن يقف بين الإنسان وبين التشريع، وإذا قيل لهم: رغم أن ‏الكلام في سياق الحديث عن الجاهلية، ولكن الكلام حتى وهو في هذا السياق هو نزل إلينا، نزل تحذيراً من الوقوع في هذه ‏الإشكاليات، قال:

                                                        (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ ‏لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)

                                                        كثير من الناس يتركون أوامر الله عز وجل ومنهج الله سبحانه، وتشريعاته لأنهم اعتادوا على تشريعات ومناهج في البيئات ‏التي نشأوا فيها سواء كانت تلك البيئات بيئات الأسرة، أو بيئات المجتمع وضغوط المجتمع، أو ضغوط الإعلام، أو أي ‏شيء آخر، (حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)
                                                        عليك أن تختبر المنهج الذي تسير وفقه في هذه الحياة، مجرد أن أهلي وعشيرتي وقرابتي أو كل الناس، بعض الناس وخاصة في ‏زماننا يلهثون وراء رأي الأغلبية، يسيرون وراء الأكثرية كما قلنا في لقاء سابق (لا يكن أحدكم إمّعة) الإمعة الذي ‏يتبنى منهج الأكثرية إن أحسن الناس أحسنوا، وإن أساءوا أساء، شيء من التبعية. القرآن يريد أن يصنع إنساناً له استقلالية ‏في ذاته، استقلالية في تفكيره، استقلالية في اختياره للمنهج الذي يسير عليه في حياته، هذه الاستقلالية ليست استقلالية ‏فوضى، وإنما هي استقلالية مبنية على شعوره بالمسؤولية، فهو لأنه يدرك طبيعة المسؤولية حين يختار عليه أن يحسن الاختيار، ‏وما الذي يكون أحسن اختياراً مما يختاره الله سبحانه وتعالى لك وأنزله إليك، ولذلك الآية التي جاءت بعدها تؤكد هذا المعنى، قال:

                                                        (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ ‏تَعْمَلُونَ)
                                                        كثير من الناس خاصة في زماننا هذا أصبح لديهم قضية الجري وراء قول الأكثرية، ربما يفعل أحياناً شيئاً معيناً ليس لأنه على ‏قناعة فيه، أبداً، ولكن لأنه يرى أن أكثر الناس يقومون به.
                                                        اختيارك للهدى، لطريق الهدى هذا اختيار ينبغي أن يكون اختيارًا فرديًا، مبنيًا على قناعة تامة، وليس مبنيًا على طريقة ولا ‏على مقياس الأكثرية والأغلبية. وهذه الآية كما فهمها البعض حتى في العصور الأولى: أن لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ‏إذاً أنا لا دخل لي بالناس لا آمر بالمعروف ولا أنهى عن المنكر، إطلاقاً!
                                                        لا تعارض بينهما: أنت تقوم بواجبك، تقوم بما أمر الله ‏سبحانه وتعالى من تبيان للحق، المنهج واضح، لأن الآية لا ينبغي أن تقرأ بمعزل عن الآيات الأخرى، التي تحض على الأمر ‏بالمعروف والنهي عن المنكر في نفس السورة التي عابت على بني إسرائيل

                                                        (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا ‏كَانُوا يَفْعَلُونَ)

                                                        مطلوب منك تماماً أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ولكن في نفس الوقت عليك أن تدرك أن المسؤولية المباشرة تقع ‏عليك على نفسك

                                                        (لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ).
                                                        وإذا رأيت بعد ذلك أن الناس قد اختاروا من حولك منهجاً آخر، فعليك دائماً أن يكون التركيز والمقياس هو الاختيار ‏الذي أنت اخترت، وليس النظر إلى الناس، مقياس خطير جداً أن تجعل مقياس الصحة لديك في الأمور بحسب ما ينظر إليه ‏الناس، أو من خلال منظار الناس من أخطر الأمراض، من أخطر الأشياء التي لا بد من تداركها.‏

                                                        سنة كتابة الوصية



                                                        ï»؟

                                                        ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108) سورة المائدة

                                                        القرآن يعلمنا كيفية تطبيق أحكامه ‏وتشريعاته من خلال جزئيات الحياة والمواقف التي نتعرض لها، فالموقف الذي نتعرض له في قضية الشهادة والوصية، فماذا ‏تكون النتيجة؟


                                                        (وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآَثِمِينَ)


                                                        لا تكتم الشهادة، وكما أن الإشهاد على الوصية في حال الموت وما شابه قضية خطيرة وحساسة جداً لا يجوز للإنسان أن ‏يكتمها، كذلك تعاليم شريعة الله عز وجل وأوامر الله ونواهيه، هذه شهادات وأمانات لا ينبغي أن تُكتم أبداً.‏


                                                        (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)

                                                        ربط هذا الموقف موقف قضية الشهادة وهو قضية متعلقة بمواقف معينة حياتية يعيشها الناس، لكن يحتاجون إليها، وهي ‏تحصل مع كل إنسان، والمفترض من كل إنسان صغيراً كبيراً فقيراً غنياً رجلاً امرأة، أن يكون له وصية، وأن يُشهد على ‏هذه الوصية، الوصية لا تتعلق بالمرض فقط، كما يعتقد بعض الناس، بعض الناس لا يكتب الوصية إلا إذا مرض، أو أحسّ ‏بدنو أجله، ولكن نحن نعلم تماماً أن الموت لا يعلمه إلا الله، ساعة الرحيل لا يعلم بها إلا الله، فعلى العاقل المؤمن ألا ينام ليلة ‏كما روي عن كثير من الصالحين، إلا ووصيته فعلاً تحت وسادته مستشعراً أن الموت قد يأتي في أيّ لحظة، هذا جزء من ‏أداء الأمانة، ثم تدبروا معي في ذلك الربط العظيم


                                                        (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ ‏أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)


                                                        الرسل تُجمع وأماناتهم ووصاياهم كانت متعلقة بأداء رسالات الدين، وأشهدوا الله عليها، وأشهدوا أنهم قد قاموا بإبلاغها ‏للناس، ولذلك النبي صلّ الله وعليه وآله وسلم كان يقول في حجة الوداع:

                                                        “اللهم هل بلّغت، اللهم فاشهد”.

                                                        أشهد الله على أنه قد بلغ الرسالة، فهذه وصايا

                                                        (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا)


                                                        كيف تكون التقوى؟
                                                        التقوى بالاستشعار بالمسؤولية.




                                                        تعليق


                                                        • #88
                                                          رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                                          لا تصدق كل ما تسمع






                                                          (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ ‏لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)

                                                          تدبروا معي في ذلك الخلق القرآني الراقي الذي يمليه القرآن هنا في أنفسنا، خلق المساءلة خلق التأكد التحقق من الأخبار، ‏ربي عز وجل علام الغيوب، ويعلم ماذا قال عيسى عليه السلام ولكن هو جاء بها بصيغة السؤال هنا.

                                                          الآيات تتكلم عن ‏عقود آيات سورة المائدة، آيات سورة المائدة تتكلم كذلك عن مناظرات ممكن أن تكون مع اليهود ومع النصارى، قضية ‏التحقق والتأكد والسؤال عنصر مهم جداً في قضايا العهود والوفاء بها والالتزام بها، عنصر مهم في قضية الشهادة التي ‏ذكرها القرآن قبل قليل، أدب قرآني مهم جداً لا بد أن نتعلمه. عشرات، مئات، أكثر من مشاكلنا الأسرية والاجتماعية ‏تحدث نتيجة لأخذ الأخبار دون التحقق منها، ليس هناك عملية تحقق كما جاء في سورة النور على سبيل المثال، يقول الله ‏سبحانه وتعالى عن قضية الإفك (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) الإنسان لا يتلقى باللسان، الإنسان يسمع بالأذن، ولكن لتأكيد هذا المعنى العظيم أن الناس حين سمعوا هذه القضية ما أعطوا لأنفسهم فرصة الاستماع، ولا التحقق ولا التأكد مباشرة تلقوه وعلى اللسان مباشرة بالنشر والإشاعة، أخطر شيء! وهي ظاهرة خطيرة جداً تهدّ قيم العقود والالتزامات والعلاقات ‏البشرية، لا تستقيم العلاقات البشرية بهذا النهج دون نهج التحقق!

                                                          وتدبروا معي حتى في نهاية الآيات

                                                          (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)المائدة
                                                          ليعطي هذا المعنى في هذه القضية، الله رقيب، رقيب على الكلمات التي نسمعها، رقيب على الكلمات التي نتلفظ بها، شهيد على كل شيء، وتدبروا كم مرة ذكرت قضية الشهادة، كما ذكرنا التناسب بين قضية العقود والشهادة، والوفاء ‏بالالتزامات والعقود والمواثيق وأن الله هو الشهيد عليها، كل العقود كل الالتزامات مكتوبة غير مكتوبة مسموعة غير ‏مسموعة كلها الذي يشهد عليها هو الله سبحانه وتعالى

                                                          (وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)

                                                          قاعدة عامة.‏ï»؟

                                                          تعليق


                                                          • #89
                                                            رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


                                                            سورة الأنعام

                                                            مقاصد سورة الأنعام



                                                            سورة المائدة قلنا إنها سورة المواثيق والعقود، سورة العهود، وأعظم ميثاق بين الإنسان هو ذاك الميثاق بينه وبين خالقه عز وجل، عقد الإيمان، عقد التوجه لله سبحانه وتعالى عقد الخضوع والاستسلام،
                                                            وسورة الأنعام هي السورة التي تحدثنا عن كيفية تجديد ذلك الإيمان، تجديد العقد، وبناء العقد، السورة تتحدث عن الإيمان بالله، السورة تعرض وتدافع بقوة باستعمال وسائل عديدة متنوعة تارة تخاطب الوجدان، وتارة تخاطب العاطفة، وتارة تخاطب الفطرة، وتارة أخرى تخاطب العقل، لأي شيء؟
                                                            لأجل أن تستجيش نوازع الإيمان في نفس الإنسان. في نفس الوقت وقد يقول قائل: هذا إذا كان الإنسان ليس لديه إيمان،

                                                            ولكن ماذا لو أن الإنسان مؤمن مثل حال المسلمين اليوم؟
                                                            نحن نؤمن بالله سبحانه وتعالى نؤمن بوجوده إذاً فما هدف سورة الأنعام،
                                                            وماذا تحقق هي سورة الأنعام حين أقرؤها، ماذا تحقق؟

                                                            سورة الأنعام تجدد فيك الإيمان، الإيمان وذكرنا هذا في مرة سابقة يخلق، ونحن تعودنا حتى في حياتنا اليومية على أن نجدد كثيرًا من الأشياء نجدد أحياناً حتى في المظهر أحياناً في الملبس، أحياناً في المشرب، أحياناً في البيت، أحياناً فيما نأكل، الإنسان يبحث أحياناً كثيرة عن التغيير، التغيير الإيجابي بطبيعة الحال، هذا التغيير يحدث لدى الإنسان نوعًا من أنواع التجدد يبعد عنه الملل، يبعد عنه السأم، يجدد، يحرك المياه حتى تعود المياه من جديد تجري بانسيابية – ولله المثل الأعلى – الإيمان في قلوبنا، والعلاقة بيننا وبين الله سبحانه وتعالى تحتاج إلى تجديد، التجديد في هذه السورة بكل الوسائل التي جاءت في السورة، بكل الآليات والمناهج العظيمة التي قدمتها سورة الأنعام، لتعلمنا جميعاً آباء، أمهات، مربين، معلمين، أساتذة يدرسون العقيدة والتوحيد ومباحث العقيدة، سورة الأنعام تعلمنا كيف ندرس الإيمان، كيف نعلم الإيمان، كيف نتعلم الإيمان أولاً في نفوسنا، وكيف نعلّم الإيمان لغيرنا، لأبنائنا، للصغار، للكبار، وهل الإيمان يُتعلم؟

                                                            أكيد. الإيمان ليس فقط مجرد إحساس أو شعور، ليس مجرد تصديق فقط لا، الإيمان تصديق وشعور إحساس، وعمل بالجوارح، وسلوك وأفعال، وتغيير وإصلاح، هذا الإيمان الذي تؤكده سورة الأنعام. سورة الأنعام توضح لنا كل معاني الإيمان كل مباحث الإيمان، معاني الإيمان الذي يريد الله سبحانه وتعالى أن يكون فينا.

                                                            سورة المائدة لاحظوا في أول آية فيها خاطبت المؤمنين فقالت:

                                                            (;يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)[المائدة:1].
                                                            وسورة الأنعام تبني فينا كيف يكون الوفاء بالعقود، وأعظم عقد ذلك العقد بيننا وبين الله سبحانه وتعالى نقطة جديرة بالوقوف عندها،
                                                            وتدبروا الآن في التناسق بين الآيات آخر آية في سورة المائدة

                                                            يقول فيها الله عز وجل:
                                                            (لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير)[المائدة:120].
                                                            الآن سورة الأنعام أول آية فيها تبدأ بالتحميد:
                                                            (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ)[الأنعام:1].

                                                            إذاً ربي سبحانه وتعالى هو ليس فقط مالك متصرف في السماوات والأرض وما فيهن، ولكنه أوجد من العدم، خلق على غير مثال سبحانه!
                                                            (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُون);[الأنعام:1].

                                                            منذ أول آية في السورة السورة تبين لي فظاعة الكفر،

                                                            (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُون)[الأنعام:1]
                                                            بشاعة الشرك والانحراف في عقيدة الإنسان وعلاقة الإنسان بربه. علاقة الإنسان بربه مبنية على التوحيد أساسها التوحيد، تريد أن تجدد إيمانك بالله سبحانه وتعالى اقرأ في هذه السورة العظيمة بتدبر، بتمعن، لتتجدد فيك معاني التوحيد، فإذا ما تجدد التوحيد تجدد كل شيء في حياتك، أصبح حتى العبادة لها طعم لها لذة خاصة، يستشعرها ذلك المؤمن الذي جدد الإيمان في القلب، ولذلك نحن مطالبون بالإكثار من “لا إله إلا الله محمد رسول الله” كلمة التوحيد الخالدة ليست مجرد كلمة.



                                                            الظلمات المعنوية


                                                            (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُون)[الأنعام:1].
                                                            لماذا ذكر الظلمات هنا والنور؟
                                                            الظلمات كما نعلم وكذلك المنكر: حسي ومعنوي،
                                                            هناك ظلمة حسية، الآن حين تطفأ الأضواء أو تطفأ الكهرباء وينقطع التيار الكهربائي يصبح الإنسان في ظلام حسي حقيقي، لا يبصر ولا يرى معه الأشياء من حوله ولا شيء، ولا يكاد يتبين الطريق الذي يمشي فيه.
                                                            النور يتحقق حين يكون هناك إضاءة، وهذه قدرة العين التي وهبنا الله سبحانه وتعالى على إبصار الأشياء بهذه الطريقة تعمل.

                                                            وهناك الظلمات المعنوية، والظلمات هنا وذكر الظلمات في أول آية في سورة الأنعام ربي عز وجل يبين لنا فيها: أن الظلمات ظلمات الكفر والشرك بالله سبحانه وتعالى من أول الآيات السورة تتكلم عن التوحيد، والنور الذي تبنيه هذه السورة العظيمة في قلب المؤمن نور التوحيد نور الاستجابة لأمر سبحانه، نور الطاعة، وهل التوحيد له نور؟ أكيد، نور يكون في بصيرة الإنسان وفي قلبه، بل حتى في بصره، فتصبح الأشياء والآيات التي يمر عليها ستأتي سورة الأنعام مليئة بعشرات الآيات الحسية المعجزات التي نراها صباح مساء، ولكنها لا تحرك في قلب الكافر شيئا، ولذلك ستأتي الآيات:

                                                            (وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا) الأعراف


                                                            لا يرى، هو فعلاً تقع عينه على الأشياء، تقع عينه على سماء وأرض، ماء وجبال، آيات تهز القلب والوجدان، وتحرك دواعي الفطرة للإيمان بالله سبحانه وتعالى، ولكنها مع ذلك لا تحدث أي أثر في نفس الكافر، لماذا؟
                                                            لأنه يعيش في ظلمات الكفر والشرك والنفاق والبُعد عن الله سبحانه، والجحود، هذه الظلمات تجعل الإنسان لا يرى شيئاً من حوله حتى وإن وقعت العين على الأشياء. أما نور التوحيد، فتصبح كل الأشياء لها معاني، كل الأحداث التي تجري من حول الإنسان لها معنى ولها مغزى يفكر فيها يتبصر يدرك يستنتج يحلل القرآن أعظم كتاب يحيي القدرات العقلية أعظم كتاب، وأعظم كتاب يحرك العقل البشري هو القرآن، وقد حركه، العقل البشري كان في سبات عند نزول القرآن، لم يكن يتحرك، ولذلك القرآن عاب على أولئك القوم الذين يسيرون وراء منهج الآباء والأجداد: (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُون)[البقرة:170].

                                                            فأعظم كتاب حرك العقل وأيقظ العقلي من سباته ونومه العميق: هو القرآن، وحرك معه كل أدوات الحس والإدراك، سمع وبصر، ولذلك سورة الأنعام سنأتي عليها، تحرك كل وسائل الإدراك:
                                                            السمع والبصر والتعقل والتفكر والتدبر والتبصر لأي شيء؟
                                                            لأجل أن تستعمل كل تلك القدرات العقلية، وكل ذلك التجوال، في أجواء الكون والطبيعة، والإنسان في ذاته لأجل أن تصل به إلى الغاية العظيمة هي غاية الإيمان بالله سبحانه وتعالى وذاك هو النور نور التوحيد. ولماذا ربي سبحانه وتعالى جعل الظلمات وجعل النور؟
                                                            طبيعة الاختبار وطبيعة الابتلاء تقتضي أن تكون هناك أشياء يبتلى فيها الإنسان يبتلى فيها الفرد، والأعمى ليس كالبصير، والأصم ليس كالسميع، ولذلك عاب على الكفار فقال:

                                                            (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُون)[البقرة:171]

                                                            وفي آية: (فَهُمْ لاَ يَهْتَدُون)[النمل:24] لماذا؟
                                                            وسائل الإدراك طلب منا أن تحرك لأجل أن تقوم بعملية إيصالنا إلى الإيمان، فإذا هذه الوسائل لم تحرك في الإنسان دواعي الشوق للإيمان بالله سبحانه وتعالى لم تعد لها قيمة.


                                                            سبيل الوصول إلى حقيقة الايمان

                                                            تدبروا معي في التناسب بين أول آية في سورة الأنعام، وبين آخر آية في سورة الأنعام الآية (165) يقول الله عز وجل:(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيم)[الأنعام:165].الآية الأولى:(الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُون)[الأنعام:1].والآية الأخيرة:(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ)لماذا ربي سبحانه خلق السماوات والأرض، لماذا جعل الظلمات والنور؟لماذا خلقنا، ما خلق السماوات والأرض إلا بالحق ما هو الحق؟الحق أننا خلائف الأرض، الحق أنه سبحانه وتعالى أعطانا مهمة أعطانا شيء أوكل إلينا أمانة، خلائف الأرض، تدبروا معي في الآية آية عظيمة(وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ) في الرزق في المال في الجاه في العلم في الشكل في أشياء مختلفة، درجات، تنوع، تميز، اختلاف، ولكن ليس لأجل أن يكون هناك صراع بيننا، بل لأجل أن يكون تكامل في الأدوار، وتعاون (لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ) ربي سبحانه وتعالى يختبر كل واحد فينا فيما آتاه، وليس فيما لم يؤته، فأنا لا أُسأل عن إمكانيات ليست بيدي، ما هو ليس بمقدوري أنا لا أُسأل عنه، ولكني أسأل عما هو في يدي، وما الذي هو في يدي؟في يدي الكثير، وأعظم نعمة كما ستأتي علينا سورة الأنعام “وسائل الإدراك” هذه القدرات المهولة القدرات العقلية، ماذا نفعل بها؟ إلى أين توصلنا، وكيف يمكن أن تكون عوناً لنا في الوفاء بالعقد مع الله سبحانه وتعالى، وإخراجنا من ظلمات شتى، والحيرة والريبة، والتردد، وربما حتى الإلحاد والعياذ بالله كما هو واقع حتى في زماننا، اليوم العالم يعيش موجات من الإلحاد تنتشر وللأسف خاصة بين فئات الشباب لماذا؟أكيد أسباب كثيرة، ولكن ربما يكون واحد من تلك الأسباب ونحن نحتاج في الحقيقة أن نعترف وأن نواجه أنفسنا القرآن كتاب يعلمني كيف أواجه نفسي، ليس من باب جلد الذات ولا تأنيب الضمير فقط، جلد الذات مرفوض! إذاً من باب الإصلاح، من باب الاستدراك، من باب أن أستدرك ما فاتني، من باب أن أتعلم من أخطائي أتعلم من الأشياء التي لم أحاول أن أستكملها في حياتي، قبل فوات الأوان، نحن نقول: أنه ربما يكون من أسباب كذلك موجات الإلحاد كذلك خاصة في بعض البلدان العربية والمسلمة، تلك الطريقة التي علمنا فيها أبناءنا الدين، نحن كآباء كأمهات معلمين في المدارس أساتذة، موجهين، تربويين، هناك طريقة استعملت واضح جداً أنها تختلف عن ما جاء في كتاب الله عز وجل عن ما جاء في سورة الأنعام، سورة الأنعام محور السورة الأساس تعليم وتجديد الإهمال، الإيمان إذا جدد تجددت معه الحياة الإنسانية، عادت الحياة الإنسانية إلى إشراقاتها، إشراقاتها في النفس نوراً، وفي المجتمع وفي الكون، أخلاقيات وحضارات وعمران، هذه المعاني العظيمة جاءت وسائل التعليم فيها في سورة الأنعام.

                                                            للأسف الشديد اعتاد الكثير من المربيين من المعلمين ومن الأمهات الطفل حين يسأل وهو دليل على أن الفطرة بدأت تتحرك في نفسه، يسأل من خلقني؟ من أعطاني؟ من على كذا من جاء بكذا؟فكثير من الأحيان نتهرب بعدم الإجابة أو لا تتكلم لا تسأل، يكفي أسئلة، قل فقط لا إله إلا الله محمد رسول الله، تلقين لقناهم الإيمان، لقناهم العقيدة، والإيمان الذي تبنيه سورة الأنعام إيمان لا يأتي عن طريق التلقين، إيمان يبنى، إيمان يتعلمه الإنسان، يتعلمه في محراب الكون الطبيعة التي أمامه المليئة بكل الدروس بكل المعجزات بكل الآيات، وسنرى سورة الأنعام مليئة بالأسئلة عشرات الأسئلةالعقل البشري إن لم يسأل ويبحث ويستفسر كيف سيصل إلى الحقيقة؟!كيف يصل إلى ذلك الإيمان القوي، الذي تريد سورة الأنعام أن تبنيه وأن تجدده في نفس المؤمن، وفي نفوس المؤمنين جميعاً.



                                                            تعليق


                                                            • #90
                                                              رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                                              عواقب الذنوب والمعاصي على الأمم




                                                              جاءت الآيات كل آية هي في حد ذاتها أسلوب من أساليب إيقاظ بواعث الإيمان والتوحيد في قلب الإنسان،

                                                              ( أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ)

                                                              تدبروا معي الآن!

                                                              السماوات والأرض، خلق الإنسان، ثم بعد ذلك في عمق التاريخ وقصص القرآن والقصص التاريخية ليست هكذا فقط ذكرت في كتاب الله عز وجل، ليس هناك شيء يذكر هكذا في كتاب الله عز وجل بدون مقصد أو غاية.

                                                              وتدبروا في اللفظة:

                                                              (أَلَمْ يَرَوْا)

                                                              يعني: يحتاج الإنسان أن يرى، والرؤية تختلف عن الإبصار، الرؤية فيها تعقل، فيها انفعال لحاسة البصر بما يراه الإنسان أمامه، فيستخلص شيئاً مما ينظر إليه، المسألة ليست مجرد أني أنا يقع نظري على شيء، ولكن ماذا حقق ذلك الفعل في نفسي؟

                                                              ما هي النتيجة المترتبة على ذلك؟

                                                              (أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِين)[الأنعام:6].


                                                              في عمق التاريخ انظر كم من قرن وكم من أمم وقعت فيها سنة الهلاك، وربي عز وجل أعطاها لتلك الأمم كما أعطاكم أنتم، كما يعطينا نحن، أنهار، ماء أشجار، شمس، ليل، نهار، أعطانا، ولكن ما الذي حدث؟

                                                              (فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ)

                                                              الذنوب: البلاء والبلايا، والأوجاع، والأمراض، والكوارث الإنسانية والطبيعية وكل شيء يحصل بأي شيء؟

                                                              قانون

                                                              (فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ)

                                                              الذنوب ثقيلة، الذنوب هي التي تفسد علينا حياتنا، اليوم عدد من الناس عدد يشتكي من الهم ويشتكي من الحزن ويشتكي من الألم ويشتي من ضيق الصدر، وأحياناً بلا سبب محسوس ليس هناك سبب معين، الذنوب لها طعم مرير مذاق مرير، لها ألم، لها وخز في الصدر، لها يمكن أن ينجو الإنسان إلا بالتوبة منها والاستغفار، والرجوع إلى الخالق سبحانه الذي يغسل وينقي ويطهر القلب، وما من شيء يطهر القلب الذي أصيب بهذه الأدواء والأمراض من الذنوب مثل التوحيد، التوحيد لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، ولكن ليست كأيّ لا إله إلا الله تلفظ باللسان، وعدّ بالمرات، هذا عمل جيد، ولكن العمل الذي له تأثير قوي وعظيم الذي ينقي ويغسل ويصفي القلوب هو ذاك الاستشعار والاستحضار لمعاني لا إله إلا الله، هل هناك في الكون إله غير الله؟ هل هناك إله في الكون غيره يخلق ويعطي ويمنع ويأخذ ويحيي ويميت، وقادر على كل شيء وغفور ورحيم؟ لا!


                                                              الاستهزاء بالدين من أخطر الكبائر




                                                              (وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِين)[الأنعام:7]

                                                              هم يريدون منك معجزات حسية، لماذا؟

                                                              المسألة ليست في الآيات الحسية، وإلا الآيات مبثوثة في كل مكان، المسألة في تلك القلوب المريضة، القلوب التي تحجرت، والمشاعر التي تصلبت، فما عادت تؤثر فيها مواعظ الآيات ولا القرآن:

                                                              (وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ)[الأنعام:8]

                                                              أرادوا أن تنزل عليه الملائكة:

                                                              (وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُون)[الأنعام:8].



                                                              تدبروا معي! في تلك الحوارات:

                                                              (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُون)[الأنعام:9].



                                                              إذاً ما الحل؟

                                                              عليك أن تدرك يا محمد صلّ الله عليه وسلم، وكل من يدرك معاني هذه الرسالة، ويريد أن يقوم بحمل أمانة إيصال الرسالة رسالة التوحيد:

                                                              (وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُون)[الأنعام:10] إشكالية خطيرة قضية الاستهزاء والسخرية بقيم الدين، بأشخاص الأنبياء، بالآيات، بالنذر، بالأديان، فماذا كانت النتيجة؟

                                                              (فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُون)

                                                              ولذلك نحن قلنا ونقول:

                                                              من أخطر الأشياء يواجهها الإنسان المعاصر اليوم قضية الاستهزاء بالدين، قضية خطيرة جداً، والنتائج المترتبة عليها نتائج كارثية، الاستهزاء والسخرية بالدين


                                                              لأن الإنسان في قضية التصديق أو الإيمان هناك رسالة معروضة عليك: إما أن تؤمن بها، وإما لا تؤمن بها، ولكن أن تجعلها مادة للسخرية وللاستهزاء، فكأنك تقول: ما عاد القضية فيها نقاش أو جدال غير السخرية!!


                                                              وهذا أبشع أنواع تعامل الإنسان مع الأفكار ومع الأقوال ومع ما يطرح أمامه! ما هو البديل؟ القرآن طرحه، المناقشة المحاججة أن تأخذ وتعطي بالكلام، أن يكون هناك تبادل للآراء، ولذلك القرآن العظيم في هذه السورة عشرات الأسئلة، عشرات الأسئلة في سياق الاستنكار حتى، عشرات الحجج بالمنطق، يحاكي ويقابل ويحدث العقل البشري العقل الإنساني، ولكن أي عقل، ليس العقل الذي يجعل من مادة الدين مادة سخرية، لأن هذا الذي يجعل من الدين مادة للسخرية والاستهزاء، هذا ليس معه حوار، ولا نقاش، لماذا؟


                                                              لأنه أبسط مبادئ النقاش والدخول في الحوار، احترام الطرف الآخر، هذه ليست قضية حرية رأي هنا، تدبروا معي في هذه المعاني العظيمة، حتى نفهم كيف نتعامل مع الناس، مع الآخر، كيف نتكلم مع العقلاء في العالم من مختلف الأديان، هذه قضايا تتعلق بالعقل وبالمنطق.

                                                              تعليق

                                                              جاري التحميل ..
                                                              X