إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    تمهيد:


    اضطلع الفقه الإسلامي بدور بارز في سبيل إيصال الحقوق إلى أصحابها، وضمان تحقيق العدالة في المجتمع، التي اعتبرها الشارع مقصداً من مقاصده الهامة وغاياته الكبرى. وعلى هذا أنشأ مؤسسة القضاء، وأرسى قواعدها المحققة لتلك الغايات المستمدة من نصوص الكتاب والسنة. قال تعالى: ‹وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ› (سورة النساء، الآية: 58)، وقال في موضع آخر: ‹إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى› (سورة النحل، الآية: 90)(1).
    وتعد وسيلة الشهادة واحدة من أهم الوسائل الموظفة لتحقيق غرض إيصال الحقوق إلى أصحابها. وعلى هذا اهتم العلماء في القديم والحديث، بالبحث في شروط الشهادة والشهود ومن ذلك جنس الشاهد.
    وقد احتل هذا الشرط قطباً ومحوراً هاماً من محاور الحوار في دوائر الفكر الإسلامي، خاصة في العصر الراهن، حتى أصبح حديث الساعة في قضايا المرأة وحقوقها وحرياتها في أحكام الشريعة الإسلاميّة.




    أثر العرف في فهم النصوص الواردة في شهادة المرأة:


    وردت لفظة الشهادة في معناها الاصطلاحي في القرآن الكريم في مواضع متعددة، منها قوله تعالى: ‹وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ› (سورة البقرة، الآية: 283) وقوله تعالى: ‹وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ› (سورة البقرة، الآية: 282)، وقوله تعالى: ‹وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ› (سورة البقرة، الآية: 282)، وقال تعالى في الآية المعروفة بآية الدين: ‹وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى› (سورة البقرة، الآية: 282).
    والمتأمل في النصوص الواردة في القرآن الكريم حول الشهادة، وكذا في السنة النبويّة، يلحظ أنها لم تفرق بين شهادة المرأة أو الرجل إلا ما جاء في آية الدين. قال تعالى: ‹يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى› (سورة البقرة، الآية: 282).
    وهنا تباينت آراء العلماء في تأويل هذا النص، وطريقة استنباطهم من الأحكام منه، ولم تخل تلك التوجهات من ملامح التأثر بالأعراف والنظرات المتزامنة لتلك التأويلات والاجتهادات.



    ويبرز هنا دور الظرفيّة الاجتماعيّة، والبيئة التي يعيش فيها المجتهد أو الكاتب؛ وأثرها في طريقة طرحه وعرضه، وتناوله للمسائل المختلفة. فقد انبرت العديد من الأقلام المسلمة المعاصرة إلى الانسياق في أدبيات الدفاع والتبرير أو الانكفاء على الذات، والانغلاق على الاجتهادات المأثورة، بغية الحفاظ على الهوية الإسلاميّة المهددة، أو الذوبان في الآخر الخارجي، والترديد لما يفرضه من مقولات وادعاءات قائمة على دعوى المساواة.
    وعلى هذا احتلت مسألة شهادة المرأة مكانة واسعة في أدبيات الفكر الإسلامي في الآونة الأخيرة، بناءً على التأثر الحاصل بالبيئة والأعراف الاجتماعية المقارنة لها.
    ولا تروم الدراسة في هذا المجال، خوض غمار التبرير والتعليل وإسقاطات التلفيق والتقريب، والموازنة والترجيح بين الآراء المختلفة، بقدر ما تروم التوصل إلى بيان كيفية تأثير العرف والظروف الاجتماعيّة في فهم المجتهدين، للنصوص الواردة في المسألة، وتعليلهم لها عند ترجيحهم لهذا الرأي أو ذاك.
    فذهب العلماء في مسألة شهادة المرأة في الحدود والقصاص إلى اتجاهين: الأول يقول بجواز شهادتها فيهما قياساً على جواز شهادتها في الأموال، والثاني ذهب إلى عدم جواز شهادتها في الحدود والقصاص، بناءً على رأيهم في نقص شهادة المرأة على وجه العموم لارتباط ذلك عندهم بنقص دينها وعقلها.



    واعتبر أصحاب الاتجاه الأخير أنّ شهادة المرأة حالة استثنائيّة لا تثبت إلا في مورد النص، وطالما أنّ النص لم يرد بجواز شهادتها إلا في حالة الأموال وما يقصد بها، فلا تقبل شهادة المرأة إلا في الأموال للنص عليها بآية الدين. حيث قال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى» (سورة البقرة، الآية: 282).


    وذهب العلماء بناءً على ورود النص، إلى جواز شهادة النساء في الأموال، كالبيع والإجارة ونحوهما إلا أنهم اختلفوا في قبول شهادتين منفردات، فمنع ذلك الجمهور.


    وقد تباينت أقوال العلماء في تأويل آية الدين تبايناً هائلاً، كما اختلفوا في تعليل سبب تنصيف شهادة المرأة في الأموال، أو ما يقصد به المال. فذهب الجمع الأغلب منهم إلى أن مردّ تنصيف شهادتها دليل واضح على نقصان عقلها عن الرجل بإطلاق.
    وأيدوا هذا الرأي بالحديث الوارد ذكره آنفاً: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكن، قلن: وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟، قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟، قلن: بلى يا رسول الله، قال: فذلك من نقصان دينها"(2).
    لقد ذهب عدد من المجتهدين في تأويلهم للنص، على أنه جاء ليؤكد حقيقة ثابتة مطردة ألا وهي نقصان عقل المرأة ودينها. وعلى هذا ابتنى العديد منهم جملة من الأحكام والفتاوى على هذا الاعتبار المطلق، ومن ذلك ما ذكره البكري في حاشية إعانة الطالبين حيث يقول:
    ".. ربما تكذب –أي المرأة- في انقضاء العدة إذا تحققت من رغبته فيها لما عهد على النساء من قلة الديانة وتضييع الأمانة، فإنهن ناقصات عقل ودين"(3).
    وهكذا أصبح الحديث الشريف لدى البعض، دليلاً قطعيّاً على شيوع مختلف السلوكيّات البعيدة عن تعاليم الشرع بين النساء بما فيها قلة الديانة وتضييع الأمانة.
    وعلّل العلماء نقصان الشهادة وتنصيفها في الآية بما يعتري المرأة من ضلال أي نسيان. والنسيان حالة تصيب العقل تمنعه من تذكر الشيء وقت الحاجة إليه، فهو ترك الإنسان ضبط ما استودع، إما لضعف قلبه، وإما عن غفلة، أو عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره بعض علماء الأصول، والنسيان عند الأطباء نقصان أو بطلان لقوة الذكاء(4). فالضلال عن الشهادة إنما هو نسيان جزء منها وذكر جزء، والعلة في الحقيقة في اشتراط وجود امرأتين هي التذكير، ولكن الضلال لما كان سبباً له نزل منزلته. فالمعنى إن ضلّت هذه، ذكرتها هذه، وإن ضلّت هذه، ذكرتها هذه لا على التعيين(5).



    والمتأمل في تأويلات العلماء السابقين رحمهم الله للتصنيف الوارد في الآية الكريمة، يلحظ تأكيدهم على تعليل ذلك، وتأويله بنقصان عقل المرأة ونسيانها، وقلة ضبطها وغفلتها(6). وحرصهم على تنزيل النص النبوي، وتبيان إفادة الصدق في الخبر بأن النساء ناقصات عقل ودين، من خلال القول بتخصيص طبيعة النساء بالغفلة والذهول، ونقصان العقل(7)، وبالتالي نقصان أهليتها لأداء الشهادة بمفردها.


    وواقع الأمر أنّ الإنسان -رجلاً كان أو امرأة- لا تصح تصرفاته في نظر الشرع والقانون إلا باتصافه بصفات تجعله أهلاً لقبول الأحكام الشرعيّة وتحمل المسؤوليات والآثار المترتبة على تصرفاته، وهذا ما يعبر عنه العلماء بالأهلية. فالأهلية صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه. والأهلية بهذا المعنى نوعان: أهلية وجوب، وأهلية أداء(8).
    فأهلية الوجوب هي صلاحية الإنسان لأن تثبت حقوق له أو عليه، سواء أكان صبياً أو بالغاً عاقلاً أو مجنوناً، والحياة مناط هذه الأهلية التي تبدأ بالولادة وتنتهي بالموت. وهذه على نوعين: أهلية ناقصة تجعل صاحبها أهلاً لثبوت الحق له، لا عليه كما في أهلية الجنين تثبت له الحقوق التي تنفعه وتنتفي عنه الحقوق التي تضره. أما أهلية الوجوب الكاملة، فهي حقوق الإنسان وواجباته، فيصبح الإنسان الذي اكتملت أهلية وجوبه أهلاً لثبوت الحق له أو عليه، وتثبت للشخص بميلاده إلى موته.



    أما أهلية الأداء فهي أهلية التصرفات، وبها يكون الشخص أهلاً لاكتساب حقوق بتصرفاته القولية، وإنشاء حقوق لغيره بتصرفاته. ومناط هذه الأهلية العقل والإدراك. وهي على نوعين: أهلية أداء قاصرة: تصح من صاحبها بعض التصرفات دون بعض كما في حالة الصبي المميز، فتصح منه التصرفات النافعة له نفعاً محضاً، ويتوقف الاعتداد ببعض تصرفاته على رأي من هو أكمل منه عقلاً. وأهلية أداء كاملة، وهي صلاحية الإنسان لصدور التصرفات منه على وجه الاعتداد بها شرعاً، وعدم توقفها على رأي غيره، وهي مناط التكليف الشرعي(9). بيد أنّ هذه الأهلية الثابتة للإنسان يعتريها عوامل وعوارض تؤثر في الأحكام المتعلقة بها سواء بالتغيير أو الانعدام، والعوارض منها ما هو كسبي اختياري، ومنها ما هو حتمي سماوي.
    ونقص العقل الفطري من عوارض الأهلية، وهو على درجات منها، الجنون المطبق وأقوال المجنون وتصرفاته مهدرة بناءً على ذلك. ومنها الجنون الوقتي فحكمه حكم العاقل وقت إفاقته، وحكم المجنون وقت جنونه.
    ومنها العته، وهو اختلاط القول والفعل، وحكم المعتوه حكم الصبي المميز. والمتأمل في هذا النقص الفطري، يجد أنّ المرأة لا تدخل فيه، فقد جاز في حقها التكليف والمسؤولية وأهلية التحمل ونحو ذلك(10)، فلو أنّ المرأة كانت ناقصة عقل من هذا القبيل أي النقص الفطري لما كُلفت أصلاً بما يكلف به العقلاء!



    ومن أنواع النقص الفطري المحتملة، النقص في معدل الذكاء فهو نقص فطري عام. وهناك نقص فطري نوعي في بعض القدرات العقلية الخاصة، كالاستدلال الحسابي والتخيل والإدراك ونحو ذلك. كما أن هناك النقص العرضي النوعي، وهذا يطرأ على المرأة لعارض كفترات الحيض والنفاس التي تطرأ عليها في أثنائها جملة تغيرات هرمونية وعصبية، تختلف تأثيراتها من امرأة لأخرى قوة وضعفاً(11)، وهذه العوارض لا تنافي أهلية الوجوب ولا الأداء(12).
    وثمة نوع آخر من النقص النوعي العرضي الطارئ على بعض النساء لظروف بيئيّة، وأساليب معيشيّة معينة، كعزلة المرأة عن المجتمع، وضعف أو عدم مشاركتها في مجالات الحياة المختلفة، ونحو ذلك من عوامل يصعب حصرها(13).
    وإذا تأملنا في عبارات العلماء السابقين من خلال طرحهم، وتبريرهم لمسألة نقص العقل لدى المرأة، يتضح لنا أنّ المراد بالنقص عندهم النقص النوعي الفطري، الذي يتفاوت فيه الناس عادة، أو العرضي لأسباب عضوية أو اجتماعيّة وثقافيّة ونفسيّة، حسب الأحوال والظروف التي تعيشها المرأة ذاتها.



    يشهد لذلك رأي الإمام الشافعي في هذا النوع من النقص، حيث يقول في سياق تأويل مسألة شهادتها:
    "مذهب الشافعي أنّ شهادة النساء شهادة ضروريّة غير أصليّة، واحتج بأمرين:
    أحدهما أنّ الشهادة ولاية دينيّة وأمانة شرعيّة، لا تنال إلا بكمال الحال لما فيها من تنفيذ قول الغير على الغير، وتنزيل قول المعصوم في إفادة الصدق في الخبر النساء ناقصات عقل ودين، ولهذا لم تقبل شهادتين في كثير من القضايا، لما خصصن به من الغفلة والذهول ونقصان العقل وحيث قبلت أقيمت شهادة اثنتين مقام رجل واحد.
    الثاني أن الشهادة تقام في منصب القضاء على رؤوس الأشهاد، ويتصل الأمر فيها بالتزكيّة والتعديل، والبحث عن البواطن، وذلك نهاية في التبرج والتكشف المنافي لحالهن، فأصل قبول الشهادة من النساء مشكل، فإنّ النقص الذي يمنع قبول الشهادة في موضع يجب في حكم القيام أن يمنع في كل موضع كالرق، فكان أصل قبول الشهادة من النساء خارجاً عن القياس، وما هذا شأنه يجب الاقتصار فيه على مورد النص، والنص لم يرد إلا في المال وما يقصد به المال من بيع أو رهن وما في معناهما"(14).



    وقد أكد ابن نجيم الحنفي رحمه الله في (البحر الرائق) على أن هذا النوع من النقص بقوله:
    "فلا نقصان في عقلهن فيما هو مناط التكليف، فللنفس الإنسانية أربع مراتب:
    الأولى: استعداد العقل، وهو حاصل لجميع أفراد الإنسان من مبدأ فطرتهم.
    والثانية: أن يحصل البديهيات باستعمال الحواس في الجزئيات، فتتهيأ لاكتساب الفكريات، ويسمى العقل بالملكة وهو مناط التكليف.
    والثالثة: أن تحصل النظريات المفروغ عنها متى شاء من غير افتقار إلى اكتساب بالفكرة، ويسمى العقل بالفعل.
    والرابعة: هو أن يستحضرها ويلتفت إليها مشاهدة، ويسمى العقل المستفاد، وليس فيما هو مناط التكليف منها، وهو العقل بالملكة، ففيهن نقصان بمشاهدة حالهن في تحصيل البديهيات، باستعمال الحواس في الجزئيات، وبالنسبة إن ثبتت، فإنه لو كان في ذلك نقصان، لكان تكليفهن دون تكليف الرجال في الأركان وليس كذلك، فالمراد بنقص العقل في الحديث، العقل بالفعل، ولذلك لم يصلحن للولاية"(15).
    وعبارة ابن نجيم رحمه الله فيها إشارة إلى أن النقص الواقع في عموم النساء (بمشاهدة حالهن) فهو لا يتعلق بأمر فطري بقدر ما يتعلق بأمور عارضة لهن، قد يتضح بعضها وقد لا يتضح. بيد أنّ وجود هذا النقص العرضي بين عامة النساء، لا يلغي وجود البعض ممن وهبهن الله سبحانه قدرات عالية ارتضين بها على عامة النساء.



    وفي تلك الأقوال إشارة صريحة إلى طبيعة الظروف الاجتماعيّة التي كانت تحياها المرأة من الغفلة والذهول. وهو وضع يتلاءم مع ما كشفت الدراسة عنه في باب الأعراف والأوضاع الاجتماعيّة المتعلقة بالمرأة في تلك العصور. فالمرأة في تلك الأثناء غلي عليها البعد عن المجتمع، نظراً للظروف الاجتماعيّة والسياسيّة التي أشرنا إليها، فكان من الطبيعي أن تكون بعيدة عن هموم المجتمع وملابسات ظروفه المختلفة. فتأويلات العلماء في تلك العصور وفهمهم للنصوص بما فيها النص على الشهادة، يتوافق تماماً مع واقع تلك الاجتهادات وظرفيتها الاجتماعيّة والعرفيّة.


    بيد أنّ نقصان عقل المرأة المشار إليه في الحديث الصحيح هو من القضايا المتشابهة، أي التي لم يرد النص بتحديد المراد بها على سبيل القطع، كما هو الحال في الآيات والنصوص المحكمة. وعلى هذا فسبيل تأويله والوصول إلى معرفة المراد منه، تتأتى بالنظر والتأمل النسبي الذي يقوم به أهل العلم، كلّ في مجاله. ويمكن الاستعانة في فهمه بالأطباء والباحثين في المجالات الخاصة به، لتتكشف لهذا الجيل وغيره، حقائق لم تظهر لغيره من أجيال سابقة. فالفهم والتأويل على يوصل إلى معرفة الغامض والمجهول على مرّ الأجيال والعصور، وتطور المعارف وتقدمها(16).
    ومما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق أنّ النص القرآني يحمل في ذاته الردّ على أن مسألة النقص والنسيان في عقل المرأة ليست من باب ما فطرت عليه وجبلت عليه طبيعتها. حيث يقول تعالى: «أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى» فلو كان الضلال أي النسيان ملازماً لكل النساء، لما جاء النص بقول إحداهما، ولكان لا معنى لوجود امرأتين أو عشرة لأن النسيان طبيعة غالبة عليهن بالفطرة.
    والشارع الحكيم حين أمر بالتصنيف، قد يكون من باب حصانة الشاهد. بمعنى حمايته من احتمالات التعرض له ولأسرته من قبل المتهم أو المدعي عليهم، وحمايته من إلحاق الضرر به على أي شكل. وهذا ما يعرف بالامتيازات Privileges التی تعطي الحق للشاهد في بعض الأحیان، الامتناع عن أداء الشهادة کلیاً، وهذا ما تعرفه مختلف الأنظمة القانونیة حتى الغربيّة منها(17). فتنصيف شهادتها في الأموال والقول بعدم جواز شهادتها في الحدود، قد يكون من باب الحصانة لها، والامتياز الممنوع لها ولأسرتها، فلماذا يتم طرحه اليوم على اعتباره محض إهدار لكرامتها وحقوقها!!.
    فالشاهد -رجلاً كان أو امرأة- يخيّر في الحدود بين الستر والإظهار، لأنه بين حسبتين إقامة الحدّ والتوقي عن الهتك، والستر أفضل، لقوله عليه الصلاة والسلام للذي شهد عنده: "ولو سترته بثوبك لكان خيراً لك مما صنعت"(18). وقوله تعالى: «وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ»(سورة البقرة، الآية: 283)، محمولة على الشهادة في حقوق العباد بدليل سياق الآية، فإن الستر والكتمان إنما يحرم لخوف فوت حق المدعي المحتاج إلى إحياء حقه من الأموال، وذلك في حق العباد. أما الحدود فحق الله تعالى، وهو موصوف بالغنى والكرم، وليس فيه خوف فوت حقه، فجاز لذلك أن يختار الشاهد جانب الستر(19).
    والمتتبع للنصوص الواردة في الحدود والشهادات عليها، يلحظ نزع الشريعة إلى ترسيخ مبدأ الستر على الناس، وعدم إشاعة الحديث في الفواحش والمعاصي. فإعفاء المرأة من الشهادة في هذا المجال يمكن اعتباره من الامتيازات التي يحظى بها بعض الأشخاص، كالتي تمنح لبعض الأفراد في القوانين الوضعيّة المتعارف عليها حديثاً لاعتبارات تتعلق غالباً بحماية الشاهد وحصانته.



    وقد ذهب بعض العلماء من أمثال ابن قيم الجوزيّة رحمه الله إلى القول بجواز شهادتها في الحدود والقصاص، إلّا حد الزنا، على اعتبار عدم جواز نظرها إلى ذلك(20). إلا أنّ أئمة المذاهب الأربعة لم يفرقوا بين حدّ الزنا وغيره، فلا تجوز شهادة المرأة في كافة الحدود والقصاص(21). هو رأي يتلاءم مع فلسفة العقوبة في الإسلام، ومبدأ حصانة الشاهد ومقصد الستر في الشريعة الإسلاميّة.


    فالحديث المهول عن تنصيف شهادة المرأة في المجتمعات المسلمة، لا يرجع الاهتمام به إلى النص ذاته، بقدر ما أثير حوله من تأويلات وأقوال، قد تمّ طرحها في العصور الحديثة في سياق اجتماعي وثقافي داعٍ إلى تعميم فكر المساواة بين الرجل والمرأة على كافة الأصعدة.
    فقد رأت بعض الأقلام المعاصرة في النصوص الشرعيّة الخاصة بالشهادة، مناهضة صريحة للمساواة بين الرجل والمرأة التي باتت تياراً وظرفاً اجتماعيّاً سائداً يصعب التغافل عنه. وازدادت حدة النقاش حول هذه القضية في الآونة الأخيرة، كما تزايدت ردود الفعل المختلفة حولها بناءً على تزايد شدة التيارات والظروف الاجتماعيّة المعاصرة الداعية إلى المساواة بين الرجل والمرأة في كافة المجالات ومنها شهادة المرأة.
    وحاول بعض المستشرقين وغيرهم عرض المسألة على الفكر الإسلامي، وكأنها دليل على إهدار الإسلام لكرامة المرأة وآدميتها"، وصورة واضحة للتمييز والتفرقة بين الرجل والمرأة في الشريعة الإسلاميّة.
    فذهبت تلك الأقلام إلى محاولة حسر أبعاد النصوص الشرعيّة، ومن ثمّ القول بتاريخيتها ومحدوديتها في بيئة التنزيل والخطاب، وتناولت تلك الدراسات قضية الشهادة وغيرها من قضايا تتعلق بالمرأة من خلال تلك النظرة التاريخيّة المحددة للنصوص.
    فالشهادة حكم عام لا ينطبق على الخصوص. قد تميل شهادة الرجل أكثر مما تميل شهادة المرأة، فكلاهما بشر. وقد تصدق شهادة المرأة الشجاعة أكثر مما تصدق شهادة الرجل الخائف الوجل، وقد ارتبط ذلك بوضع المرأة في المجتمع العربي القديم، الذي كانت توأد فيه البنت. كانت المرأة فيه حرمة، فجعلها نصف شاهدة خطوة على طريق شهادتها الكاملة(22).
    وهنا دخل الفكر الإسلامي –في هذه المسألة على وجه الخصوص- في دائرة الدفاع والتبرير، وتمّ النظر إلى حكم تنصيف الشهادة، باعتباره اتهاماً لتعاليم الشرع وأحكامه.
    ولعبت الأعراف والظروف الاجتماعيّة دورها في إقحام تلك الأقلام للانسياق وراء تبريرات وتأويلات مختلفة، فقد طُرحت مسألة الشهادة على دوائر الفكر الديني في الإسلام، باعتبارها دليلاً واضحاً على امتهان النصوص الشرعية للمرأة وانتقاص حقوقها، ومزاحمة أهليتها وكفاءتها. ولم تخرج آراء المعاصرين عن واحد من اتجاهين:
    اتجاه يؤكّد تغيّر وضع المرأة وظرفيّة النص باعتبار تصريحه ودلالته على عليّة التنصيف، ومن ثمّ القول بإمكانيّة وقوع المساواة في الشهادة، فقد أثبتت المرأة تقدمها العلمي والثقافي، الذي لا بدّ أن يؤخذ بعين الاعتبار في أثناء تطبيق الحكم بالتنصيف(23).
    فذهبوا إلى القول بجواز شهادتها مطلقاً في الحدود والقصاص، وعلّلوا اجتهادات العلماء السابقين القائلين بعدم الجواز بوضعية المرأة في المجتمع آنذاك، وضآلة معرفتها بالأمور، ومن ثمّ الخروج بأن تلك الآراء للسابقين رحمهم الله، لا تستند إلى دليل أو نص شرعي صريح يؤيدها، فوضعيّة المرأة اليوم تختلف تمامً عن وضعيتها في عصورهم وبيئاتهم(24).
    فطرح المسألة لدى أصحاب هذا الاتجاه، راجع للتغير الكبير في وضع المرأة الاجتماعي والثقافي والاقتصادي في المقام الأول. وأيدوا اتجاههم هذا بالقول بأن النص لم يرد بالتنصيف إلا في آية الدين الخاصة بالشهادة في الأموال، وعليه فلا يتم سحب الدليل على ما عداه(25).
    واتجاه رأى أنّ الخير في التمسك بما ذهب إليه جمهور العلماء السابقين رحمهم الله مطلقاً، وانبرى أصحاب هذا الاتجاه للتبرير والتعليل، وكانت السمة الغالبة على أطروحاتهم التركيز على نقصان المرأة وعدم كفاءتها، وقدرتها على الإدلاء بتفاصيل الشهادة بدقة ووضوح، ومحاولة الإفادة من مختلف الأدلة للتأكيد على نقصان عقل المرأة(26).




    والمتأمل في هذه الاتجاهات على اختلافها، يلحظ غياب رجوع المجتهد المعاصر إلى النص ذاته، ومحاولة إدارة دفة الحوار معه، بعيداً عن سلبيات التقليد المطلق، والجري وراء فتنة روح العصر وتيارات التغير الهائلة. فالنصوص جاءت لتكون حاكمة على الأعراف المختلفة والظروف المتباينة للأمم والمجتمعات، وليس العكس. وما يجري من تغير في المجتمع، لا ينبغي له أن يحيد بالمجتهد، عن طريق الموضوعية والحيدة في تناول النص، لتبقى للنصوص حاكميتها كما تبقى للأعراف نسبيتها.


    الهوامش:
    1- راجع النصوص الآمرة بالعدل على سبيل المثال: القرآن الكريم، سور [الشورى، الآية: 15]، [النساء، الآية: 135]، [المائدة، الآية: 8]، [الأنعام، الآية: 152]، [الحجرات، الآية: 9]
    2- رواه البخاري في صحيحه: 1/ 116. أخرجه مسلم، انظره في: شرح النووي 2/ 66. ابن ماجه 2/ 1326. سنن أبي داود 4/ 219. أحمد بن حنبل، (مسند أحمد) 2/ 66، 862، المطبعة الميمنيّة، مصر، بلا تاريخ. انظر في تفسير الآية على هذا النحو: ابن كثير، مرجع سابق، 1/ 336. الشيرازي، (المهذب)، مرجع سابق، 2/ 334.
    3- انظر: البكري، مرجع سابق، 3/ 268.
    4- المناوي، مرجع سابق، 2/ 69.
    5- ابن الجوزي، (زاد المسير)، مرجع سابق، 6/ 119. محمد بن علي الشوكاني، (فتح القدير)، مرجع سابق، 1/ 302، دار الفكر، بيروت، بلا تاريخ.
    6- لا تروم الدراسة –كما أوضحت في منهجها- التفصيل في آراء العلماء في القول بهذا الحكم أو ذاك، بقدر ما تروم الوقوف عند تأويلاته للنصوص، تلك التأويلات التي تعكس كيفية فهمهم للنص وتأويلهم له من خلال التصورات السائدة حول المرأة ووضعها في المجتمع بشكل عام.
    7- راجع ما نقله الزنجاني رحمه الله عن مذهب الشافعي، مرجع سابق، 267.
    8- الجرجاني، مرجع سابق، 2/ 58. وانظر المناوي، مرجع سابق، 2/ 104.
    9- أنظر في ذلك: محمد كمال الدين إمام، (مقدمة لدراسة الفقه الإسلامي) 339 وما بعدها، المؤسسة الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1416هـ/ 1996م.
    10- علي حسب الله، (أصول التشريع الإسلامي) 403 وما بعدها، دار الفكر العربي، الكويت، ط6، 1982م.
    11- Britanica Cd, Menstrual Period.
    12- علي حسب الله، المرجع السابق، 408، ومحمد كمال الدين إمام، مرجع سابق، 346.
    13- أنظر في ذلك: عبد الحليم أبو شقة، مرجع سابق، 1/ 275 وما بعدها. وقد تنبه العديد من المعاصرين إلى هذا المعنى والتمييز الدقيق للنقص أسوة بما كتبه الأستاذ علي حسب الله، والأستاذ أبو شقة رحمه الله، ومنهم على سبيل المثال: هبة رؤوف، مرجع سابق، 102.
    عارف علي عارف، (تولي المرأة منصب القضاء بين تراثنا الفقهي والواقع المعاصر) 41 وما بعدها، دار الفجر، ماليزيا، 1420هـ/ 1999م.
    14- محمود بن أحمد الزنجاني، (تخريج الفروع على الأصول) 266، ت: محمد أديب صالح، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1398هـ. قد نقل صاحب الهداية هذا القول عن الشافعي حيث يقول: "وقال الشافعي لا تقبل شهادة النساء مع الرجال إلا في الأموال وتوابعها، لأن الأصل فيها عدم القبول لنقصان العقل، واختلال الضبط، وقصور الولاية، فإنها لا تصلح للإمارة ولهذا لا تقبل في الحدود ولا تقبل شهادة الأربع منهن وحدهن، إلا أنها قبلت في الأموال ضرورة، والنكاح أعظم خطراً وأقل وقوعاً فلا يلحق بما هو أدنى خطراً وأكثر وجوداً". انظر: أبو الحسين علي بن أبي بكر المرغياني (593هـ)، (الهداية شرح بداية المبتدي) 3/ 117، المكتبة الإسلاميّة، بيروت. وذهب بعض العلماء إلى القول بردّ شهادة النساء منفردات إلى عدم مشروعية كثرة خروجهن. انظر: ابن نجيم، (البحر الرائق)، مرجع سابق، 7/ 62.
    15- ابن نجيم، (البحر الرائق)، مرجع سابق، 7/ 62.
    16- أنظر أحمد الكبيسي، 1997م، (نحو منهجيّة جديدة في فهم القرآن الكريم) 10 وما بعدها، الجامعة الإسلاميّة العالميّة، ماليزيا، غير منشور.
    17- Britanica Cd, Witnesses.
    18- راجعه في: ابن حجر، (فتح الباري)، مرجع سابق، 12/ 125. النووي، (شرح صحيح مسلم)، مرجع سابق، 11/ 197. البيهقي، مرجع سابق، 8/ 331. أبو داود، (سنن أبي داود)، باب الستر على أهل الحدود، 4/ 134. الحاكم النيسابوري، مرجع سابق، 4/ 403. النسائي، (السنن الكبرى)، مرجع سابق، باب الستر على الزاني، 4/ 305. ابن أبي شيبة، مرجع سابق، 5/ 540. ويقول السرخسي رحمه الله: "القاضي مندوب إلى الاحتيال لدرء الحد، كما قال: (ادرؤوا الحدود بالشبهات". السرخسي، (المبسوط) 9/ 38، دار المعرفة، بيروت، 1406هـ. فإن صحّ ذلك في حق القاضي الذي رفعت إليه الدعوى، فهو في حق الشاهد أولى وأعظم.
    19- القونوي، قاسم بن عبدالله، (أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء) 2/ 236، تحقيق: أحمد بن عبدالرزاق الكبيسي، دار الوفاء، جدة، 1406هـ.
    20- ابن قيم الجوزيّة، (الطرق الحكميّة)، مرجع سابق، 224. ونقل الماوردي عن الحسن البصري رحمه الله إجازته شهادتها في الزنا كذلك. الماوردي، (الحاوي الكبير) 13/ 226، دار الكتب العلميّة، بيروت.
    21- تناقل العلماء الاتفاق على اشتراط الذكورة في الشهادة على الزنا وكذا غيره من الحدود، انظر: ابن قدامة، (المغني) 10/ 156، مرجع سابق. وفيه دلالة ظاهرة على أفضلية الستر وإن إدراك هذا الفهم للشهادة في حدّ الزنا، واستحضار مواقف النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته من بعده في البعد بالمجتمع وأفراده عن الخوض في مثل تلك الأمور، بل ومحاولة صرف المتهم حتى بعد إقراره على نفسه بالزنا، يمكن أن يساهم في إعطاء صورة متكاملة واضحة لموقف العلماء من شهادة المرأة على هذه الجريمة، وبالتالي لا يمكن القول بأن قبول شهادة المرأة على جريمة كهذه هو نوع من الامتياز والحظوة لها، فالمسألة لا تتعلق بضلال المرأة ونقصانها، كما فسره الأغلبية من العلماء بقدر ما تتعلق بفلسفة العقوبة في الإسلام في هذه الجريمة على وجه الخصوص.
    22- حسن حنفي، (ثنائية الجنس أم ثنائية الفكر)، مرجع سابق، 40.
    23- انظر فيمن قال بمساواة المرأة للرجل في الشهادة، بناءً على تغير أوضاع المرأة والبيئة التي نزل فيها الخطاب: حنان اللحام، (تأملات في منزلة المرأة في القرآن الكريم) 90 وما بعدها، مطبعة الكواكب، دمشق، 1416هـ/ 1996م.
    24- محمد عطا السيد، (الحدود) 147 وما بعدها، Eagle Trading، ماليزيا. وانظر في الرد على ما ذكره في الجرائم التي يمكن وقوعها في داخليات البنات، ولا تقبل شهادتين عليها: علي بن سليمان المرداوي (885هـ)، (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل) 12/ 41، تحقيق: محمد الفقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بلا تاريخ.
    25- من أمثلة هذه الدراسات: السيد، المرجع السابق، الصفحات نفسها. هبة رؤوف. مرجع سابق، 103.
    26- من الأمثلة على تلك الدراسات: شهادة هابيل البرشاوي، (الشهادة الزور من الناحيتين القانونيّة والعلميّة) 404 وما بعدها في شهادة المرأة، دار الفكر العربي، مصر، 1982م. محمد سلامة جبر، (هل هن ناقصات عقل ودين؟)، دار السلام، مصر، بلا تاريخ. وستقف الدراسة على مفهوم النقص في الصفحات اللاحقة بإذن الله.




    د. رقية طه جابر العلواني:

    أثر العرف في فهم النصوص (قضايا المرأة نموذجاً)،
    دار الفكر، ط1، سوريا، دمشق



    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


    عن دار الفكر بدمشق صدرت سنة 1424هـ 2003م الطبعة الأولى من كتاب:
    “أثر العرف في فهم النصوص- قضايا المرأة أنموذجا” للكاتبة المتميزة رقية طه جابر العلواني، وهو كتاب من شأنه أن يضيف إلى المكتبة الإسلامية دراسة قيمة لا بد أن يكون لها قطوف دانية للباحثين في مجال الدراسات الإسلامية والبحوث المتعلقة بالمرأة على حد سواء.

    في هذا الكتاب سعت العلواني إلى الكشف عن أثر العرف في طريقة تناول المجتهدين لنصوص الأحكام ذات الصلة بالمرأة وعلاقته بالتأويلات من خلال تتبعها للظروف الاجتماعية والتاريخية التي وقع فيها التأويل والاجتهاد. فكان جهدها مباركا، قدمت فيه على مدى 327 صفحة عصارة بحث جِدّي، أخرجته في حلة جميلة وسبك رفيع عكس رفعة المحتوى وقوة الفكرة وسعة المضمون.

    فكرة الكتاب لا تخلو من جدة، ذلك أن وضع المرأة في العالم العربي والإسلامي محكوم بفهم الفقهاء للنصوص ونظرتهم التي لم تُهمِل عادات الناس وطبائعهم المختلفة طيلة عصور خلت كانت لها خصوصياتها السياسية والاجتماعية، وظروفها التي وجّهت الفتاوى والأحكام ذات الصلة بمسائل المرأة، مرة إلى الصواب وأخرى إلى الخطأ.
    وهذه الدراسة التي قدّمتها الدكتورة رقية العلواني تفيد في الرفع من مستوى التعاطي مع القضية النسائية، والانتقال ببحث وضع المرأة من التهافت والسطحية التي طبعت غالب الكتابات المعاصرة ذات الصلة، إلى العلمية اللازمة التي لا يمكن أن تتحقق بدون ربط النتائج بالمقدمات، ووضع صورة المرأة في السياقات التي تشكّلت فيها ملامحها، حتى صارت على النمطية التي هي عليها اليوم.

    إن الانحراف عن الصواب الذي صدر عن بعض الفقهاء عند استصدارهم الأحكام أمر لا يمكن تجاهله ولا تجاهل آثاره على وضعية المرأة، ومن تم لا مجال للقطع بقطعية هذه الأحكام عند الاستدلال قبل أن تُنظر في مظانها، وتُبحث العلل وكيف حُكّمت، والمناطات وكيف حُقّقت، وهذا لا يتأتى إلا لمن تدرّب في ميدان علم الأصول، وخبِر طرائق المجتهدين الفحول.
    والكاتبة أظهرت عن كفاءة وجرأة في سبر أصول الخلل في أقوال بعض المتقدمين، وأبانت عن قوة علمية فريدة في تصحيح بعض آرائهم المتعلقة بالمرأة، ومنهج دقيق في بلوغ المرام، فاستطاعت لفت القارئ إلى جوهر الإشكال في قضيتها، وقدّمت للمستفهم فصل المقال والجواب عن السؤال، وهي حين خاضت تجربتها هاته انطلقت مما لمسته من تعلق لكثير من الأحكام ذات الصلة بالمرأة بأحد أصول الفقه الذي بولغ في إعماله عند طلب الحكم الشرعي، حيث اعتبرت أن بعض الأحكام عكست بشكل واضح خضوع طائفة من الفقهاء لسلطان العرف، وأكّدت أن العرف لم يكن إلى جانب المرأة على الجملة، وذلك لما اعتراه من جور وإقصاء، كانت المرأة ضحيته وعلى مرماه.

    ثم إن الكاتبة كانت تعلم عُسر اختيارها وصعوبة ما هي مقبلة عليه، لما يحتاجه البحث من مقاربة تاريخية إلى جانب الدراسة الأصولية، وكانت ترى أن العلمية تقتضي معالجة الموضوع من خلال هذا المسلك، فهو سبيلها للبيان وسندها للاحتجاج والاستدلال على ما ذهبت إليه.


    مباحث الكتاب:

    لقد وُفِّقت المؤلفة فعلا في سعيها خلال الأبواب الأربعة التي ألفت موضوع الكتاب، والتي عرضتها كما يلي:

    1- الباب الأول، وخصصته للحديث عن العرف في الدراسات الأصولية والاجتماعية، وفيه سجّلت ضعف الاهتمام بدور العرف في فهم النصوص لدى الدارسين بشكل عام، وبالأخص أولئك المهتمين بموضوع المرأة.

    2- الباب الثاني، قدّمت له الكاتبة بتمهيد قبل التفصيل، فأفردته لتوصيف الحالة الاجتماعية والأعراف المتعلقة بالمرأة في العصور الإسلامية المختلفة، والتي حدّدتها في ستة عصور، جعلت لكل عصر منها فصلا خاصا، فبعدما قدّمت نظرة عامة عما جرت عليه عوائد الجاهلية في التعامل مع المرأة في الفصل الأول، تحدثت في الفصول الأخرى عن عصر الرسالة والتشريع، ثم العصر الراشدي، وبعده عصر الأئمة المجتهدين ومرحلة بروز المذاهب الفقهية، إلى أن أنهت المبحث بالحديث عن عصور التقليد المتأخرة، فكان تحليلها غاية في الدقة وآية في البيان، وكان لها المراد من تقريب الصورة التي تعبّر عن أحوال المرأة في تلك العصور.

    3- الباب الثالث، قدمت فيه الكاتبة نماذج من التراث الفقهي، سعت من خلالها إلى كشف بعض المجالات التي أثّر فيها العرف على توجيه الأحكام والأفهام وطرائق معالجة النصوص المتعلقة بقضايا المرأة، ولبلوغ الغاية المرسومة، قسمت العلواني هذا الباب إلى فصول ثلاثة، رتّبتها بما يُحقق التكامل بين المباحث ويُبلّغ المقصود، وقدّمت نماذج وأمثلة للتوضيح، كان أولها بسط القول في قضية ميراث المرأة في الإسلام، حيث جعلت هذه القضية عنوانا للفصل الأول، وصدّرته بتقديم لمحة عن نظام الميراث ومفهوم الإرث عند العرب قبل الإسلام، قبل أن تعرّج على الحديث عن فلسفة الميراث في الشريعة الإسلامية، ورتّبت على هذه المقدمات مبحثا كشفت فيه عن أثر الأعراف والظروف الزمانية في تأويل النصوص المتعلقة بميراث المرأة.
    أما في الفصل الثاني من هذا الباب، فدرست الكاتبة نموذج شهادة المرأة في الإسلام، حيث عرّفت مفهوم الشهادة وشروطها، ثم بيّنت أثر العرف في فهم النصوص الواردة في شهادة المرأة، وحين استقام لها الدليل وضّحت ما طرأ على الحكم المنصف الأصيل، وكيف أغفلته الأعراف فحكمت بذلك على نقصان المرأة ودونيتها، ولقد كان هذا التوضيح مَعْبرا مهّد لها السبيل في الفصل الثالث للحديث عن ولاية المرأة القضاء، وكعادتها سلكت منهجا علميا دقيقا لمقاربة هذا الموضوع، حيث قسّمته إلى مباحث ثلاثة: خصصت الأول لمفهوم ولاية القضاء، وخصّصت الثاني للبحث في حكم تولي القضاء، وبيّنت في المبحث الثالث أثر العرف والظروف الاجتماعية في طريقة طرح المجتهدين قديماً وحديثاً لمسألة قضاء المرأة.

    4-الباب الرابع، هذا الباب هو الأخير، اختارت فيه الكاتبة أن تضع معالم وضوابط تراها أساسية لفهم النصوص، وذلك من خلال تقسيمه إلى ثلاثة فصول، خصّصت أولها لتاريخ التأويل في الأديان، كان بمثابة توطئة وضعت خلالها القارئ في عمق الإشكال وقرّبته إلى جذوره، فأبرزت مراحل ظهور وتطور علم الهرمينطيقيا، قبل أن تعود للحديث عن إشكالية التأويل التي يرجع أصلها –حسب قولها- إلى قضية تحديد الصلة بين العقل والنقل، هذه الصلة التي عرفتها الأديان الثابتة بالوحي على وجه الخصوص.

    الكاتبة في هذا الفصل كانت تتجه بتحليلها لتعليق هذه الصلة بالأديان السابقة، وكانت كمن يوحي بتعلق هذا المنهج بنصوص سماوية أخرى لها أيضا ظروف وحيثيات، وهذا ما حاولت تفصيله في الفصل الثاني حين عرضت لإشكالية التأويل في الفكر الديني في الإسلام، حيث أكّدت صاحبة الكتاب على أن إشكالية التأويل في الفكر الديني في الإسلام تقوم أيضا على تحديد الصلة بين النقل والعقل، إلا أن المشكلة كون النظريات الغربية -بكل ما تحمله من جذور- نفذت إلى فلسفة التأويل في المجتمعات المسلمة، وسرى تأثيرها فيها، مما يحتم على المهتمين ضرورة وضع قانون للتأويل، يضبط حركته ويحدّد سيره، خاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة في عصرنا الحاضر.

    وأما الفصل الثالث، فقد خصصته الدكتورة رقية العلواني للبحث في ضوابط مهمّة في فهم النصوص، ذكرت منها ثلاثة ضوابط. الضابط الأول: شهادة المركز أو المرجعية المركزية، إذ إن فهم النصوص وتأويلها عبر المراحل التاريخية المختلفة –تقول الكاتبة- جهد بشري تحكمه شهادة المركز وليس العكس، “وعلى هذا بدت الأحكام المتعلقة بالمرأة في مختلف العصور وكأنها خطاب ديني بحت فالأحكام في غالبها تُحال على النصوص من قرآن وسنة، للتدعيم والتثبيت وبهذا بدت تلك التأويلات والأفهام للنصوص على أنها الدين ذاته وإن خرج بعضها عن غائية الخطاب ونازعها” (ص 253). وقد ذكرت الكاتبة أن تحقيق ضابط شهادة المركز يتم من خلال فهم النصوص وفق قواعد اللغة العربية والاستعانة بعلم قواعد اللسانيات الحديث، ودلالة السياق، ورد المتشابه من النصوص إلى المحكم.

    أما الضابط الثاني، فيتمثل في مراعاة مقاصد النصوص وضبطها، إذ إن التوسع في الاجتهاد المقاصدي دون ضوابط منهجية وثوابت شرعية، يمكن أن يشكل منزلقا خطيرا، ينتهي إلى التحلل من أحكام الشرع أو تعطيلها باسم المصالح والمقاصد، وفي هذا الإطار نبّهت الكاتبة إلى أن استدعاء الضوابط والمعايير في التوجه المقاصدي يمكن أن يساهم في إحداث نقلة منهجية، يتم من خلالها التحول من مرحلة التأصيل والتركيز على أهمية المقاصد ودورها في الاجتهاد إلى مرحلة البناء وتكوين ضوابط القبول والرفض لأي تأويل أو جهد يروم استحضار النهج المقاصدي، وأكّدت بالمناسبة أن ضبط الفقه المقاصدي يتم عبر مراعاة ضبط مفهومَي التعبد والتعليل، والاهتمام بتقعيد المقاصد وتحديد الوسائل.

    أما الضابط الثالث فنبّهت فيه الكاتبة إلى ضرورة مراعاة ضبط موقع العقل من النص، وأكدت على أن الغلو وعدم الانضباط في إعطاء الحرية للعقل في الاجتهاد، يمكن أن يسوق إلى إهدار الرسم الثابت للدين، وإحلال شريعة عقلية خالصة محله.


    هذا وقد ختمت الدكتورة رقية طه جابر العلواني دراستها المتميزة بخاتمة ونتائج مهمة نسوق منها:

    – أهمية توظيف التحليل المقارن في الفكر الديني في الإسلام، والمساهمة في حل العديد من الإشكاليات الناجمة عن عدم الإفادة من عثرات الآخر، مع استحضار الضوابط والمعالم لأي مشروع اجتهادي.
    – أهمية احترام الموروث الفقهي والوقوف منه موقف التقدير للجهود الهائلة التي بذلها العلماء السابقون رحمهم الله، مع الإيمان بإنسانية تلك الجهود، وإمكانية جريان الصواب والخطأ عليها، فالعصمة والإطلاقية للنصوص المطلقة المفارقة للمكان والزمان.
    – أهمية آليات الفهم والتأويل للنصوص من خلال الإفادة مما توصل إليه العلم الحديث من منجزات وتقنيات مع استذكار نسبية التأويلات البشرية مهما علت منزلة أصحابها.
    – أهمية مراجعة وتصحيح المواقف الاجتهادية القائمة على منهجيات التبرير والتعليل، ومحاولة تجاوز تحديدات الفكر الغربي في قضايا المرأة على وجه الخصوص، وضرورة مراجعة طرائق التعامل مع قضاياه المطروحة، والتي باتت أقلام كثير من المفكرين المسلمين وقفاً عليها في العصور الراهنة، بالأخص تلك القضايا التي أنجبتها فلسفة عصر الحداثة السالفة.
    الكتاب لبنة مهمة من لبنات التأسيس السليم لفهم جديد للدين يناسب العصر ولا يبتعد عن جوهر الشريعة، فهو نبش فيما تهيّب منه الكثيرون ممن باشروا كتب التراث وظهر لهم فيه نظر مخالف، إلا أنه على خلاف بحوث أخرى لم يخرج عن ضوابط المعرفة كما أقرّها العلماء وقواعد الاستنباط كما سار عليها الفقهاء، كما أن الكتاب وضع حجرة في أساس منهج التجديد وقواعد الإصلاح، وأرسى ركيزة مهمة من شأنها أن تدعم الطرح السوي لقضية المرأة في الإسلام، إذ لا بد لبناء الفكر الإسلامي ولتأسيس وعي جديد بالمسألة النسائية من حملة مستنيرين علماء يرفعون القواعد ليشهدوا التصور الإسلامي نقيا كما شهدوه أول مرة.
    والله المستعان وهو يهدي السبيل.


    مونية الطراز

    الرابطة المحمدية للعلماء

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني




    • تدبر آية:

      حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله

      القرآن الكريم على عكس ما قد يظنه البعض كتاب يعلم الإنسان أن يعيش متفائلًا، أن يعيش مقبلًا على الحياة بكل الأمل متيقنًا أن الغد يحمل أخبارًا سارة وأن العيش سيكون أفضل وأن اليوم ينبغي أن يكون أفضل من الأمس وأن الغد يحمل معه تباشير الأمل.

      هذه النظرة المتفائلة للحياة تجعل الإنسان يستقبل أحداث الحياة التي قد تعلوها في بعض الأحيان أشياء من الصعوبات والشدائد والمحن المعتادة التي هي لا تخرج عن طبيعة الحياة، الحياة لا يمكن أن تصفو بدون كدر لا يمكن أن تبقى على طبيعة واحدة، الحياة من طبيعتها إذا أردنا بالفعل أن نفهم طبيعتها، من طبيعتها أنها تحمل الكدر في ثنايا الصفاء والنقاء، أنها قد يعرض فيها للإنسان المرض وهو في كامل صحته وعافيته وقوته.

      السؤال كيف أستقبل تلك الأحداث بنفس متشائمة؟ بنفس مليئة بالإحباطات؟ بنفس لا ترى الغد إلا أنه يحمل الأسوأ؟ أم بنفس مطمئنة بنفس راغبة بالله سبحانه وتعالى متفائلة مقبلة عليه متيقنة أن الله سيكشف الضر والله سبحانه وتعالى منجز وعده للمؤمنين.

      تأملوا قول الله عز وجل في سورة التوبة
      (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ( التوبة))

      صحيح الآيات في سياق الحديث عن المنافقين في أثناء تقسيم الصدقات
      لكن العبرة في القرآن

      قاعدة:
      العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

      الآية في آخر كلماتها
      (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ)
      وبداية الآية
      (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ)
      أن أعيش الرضا أن أستشعر معنى الرضا عن قضاء الله سبحانه وتعالى وقدره هناك أحداث تمر بي كإنسان لا أملك حيالها شيئًا، لا أستطيع أن أغيّر مجرى الأحداث فيها، ليس لي فيها كسب. ما يتعلق بكسبي وعملي وأخذي بالأسباب هذا أمر لا غبار عليه ولكن لا ينبغي أن يتعارض مع حالة الرضا النفسي التي ينبغي أن تبقى في أعماق القلب مستقرة الرضا والتقبل لما يأتي به القضاء والقدر
      يكفينا الله سبحانه وتعالى.


      واستشعار المؤمن بكفاية الله عز وجل له يعني الوثوق بما سيأتي به الله سبحانه وتعالى الوثوق بوعده، الوثوق بعطائه، الشعور أن ما أنا فيه الآن من نعم، نعم الله سبحانه وتعالى تكفيني وتدفع بي نحو الأمل وتستمطر رحمة الله عز وجل وتستجلب ذلك الرضا. الرضا عن الله سبحانه وتعالى في قضائه وقدره من أعظم ما تستجلب به الرحمة، من أعظم ما تستجلب به المغفرة من أعظم ما يستجلب به التفريج عن الكروب ورفع الضر عن الإنسان.

      هذه المعاني العظيمة تأملوها ونحن نقرأ هذه الآية
      (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)
      تأملوا معي هنا (السين) في المستقبل القريب، تأملوا في ثقة الإنسان المؤمن لو أن هؤلاء المنافقين قالوا واستشعروا حالة الرضا التي ينبغي أن يكون عليها قلب المؤمن وهو مستقبل لما عند الله سبحانه وتعالى واثق يأن الله سيؤتيه من فضله، بأن الله سيعطيه أحسن، بأن الأيام القادمة ستكون أفضل.

      هذه النظرة التفاؤلية التي تصنعها في نفسي هذه الآية العظيمة وتأملوا في قوله
      (إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ)
      ولذلك في تفسير هذه الآية يقول بعض المفسرين من المعاصرين كذلك:
      لو أن العبد إذا أصابته ضائقة في رزق، في مرض، في همّ، نزل به غم من أكدار الحياة المعتادة قال
      (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ)
      فإن الله سبحانه وتعالى يكشف عنه ما قد نزل به من ضرّ.
      وعلى قدر يقين الإنسان وإيمان الإنسان وثقة المؤمن بعطاء الله ورحمته على قدر ما يعطيه الله سبحانه وتعالى، إحسان الظن بالله، استشعار تلك النظرة التي تحمل الأمل، تحمل الطمع والرغبة بما عنده سبحانه فالرب عز وجل خزائنه ملأى عطاياه لا تنفد عطاياه مستمرة علينا، نعمه سبحانه وتعالى تنزل علينا بالليل والنهار إن أخذ شيئًا فلربما أراد أن يعطينا ما هو أفضل ولربما أراد بحكمته سبحانه وتعالى أن يشعرنا بعظمة النعم التي نمتلك حتى يتجدد الإحساس بتلك النعم. بعض النعم حين يبدأ الإنسان يعتاد عليها وتصبح وكأنها شيء مألوف في حياته تفقد الطعم العجيب الذي يجعل فعلًا النعمة تُستقبل بالرضى، تُستقبل بالراحة، بالسعادة، بالحمد والشكر للمنعم الواهب سبحانه وتعالى. هذه النعم ربي سبحانه وتعالى يعالج عباده بين الحين والآخر يعالج عباده لكي يدعوهم إليه من جديد لتتجدد معاني الرضا والرحمة في قلوبهم وفي نفوسهم من جديد ولذلك في كل ما ينزل بنا من حوادث الدهر حكمة لله سبحانه وتعالى. هذه المعاني العظيمة إذا استشعرها المؤمن عاش حالة الرضا، عاش حالة الرضا غير المشروط، لأن رضاي عن الله سبحانه وتعالى رضاي عن قضائه وقدره لا ينبغي أن يكون مشروطا بالنعم فإن أخذ سبحانه لسبب أو لآخر وهو مالك الملك وهو الملك وأنا العبد وهو الرب الخالق الرزاق الوهاب المنعم وأنا عبد لا أملك لأمر نفسي من شيء، هذه المعاني إذا حدثت ينبغي أن يكون الرضى عن الله سبحانه وتعالى متواصل في الرخاء وفي الشدة، في المرض وفي الصحة، في إقبال الدنيا وفي إدبارها، في الأخذ وفي العطاء، هذه المعاني تتجدد معي وأنا أقول وأدعو الله سبحانه وتعالى بهذا الدعاء العظيم
      (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ)









    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


    تدبر سورة الفجر/ رقية العلواني


    مقدمه








    في حديثنا عن الأيام العشر لا نستطيع إلا أن نقف عند سورة الفجر


    (وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ ).


    هذه السورة المكية العظيمة المكونة من ثلاثين آية العظيمة في معانيها التي ابتدأها الله سبحانه وتعالى بالقسم والله لا يقسم إلا بعظيم بهذه الأوقات والأزمنة (والفجر) والأيام التي ذكر أكثر المفسرين على أنها هي هذه الأيام العشر العشر من ذي الحجة ويوم عرفة ويوم النحر، هذه الأيام العظيمة التي أقسم الله عز وجلّ بها هي ايام عظيمة كان لا بد أن تحرك في نفس العاقل صاحب الحجر أي الإنسان الذي يمنعه عقله ويضبطه عن الوقوع في الغفلة والتهافت فيما لا ينبغي أن يتهافت فيه ويتراكض ويتسارع إليه.



    هذه الآيات لا بد لها أن توقظ في نفوس البشر الرجوع والعودة لله سبحانه وتعالى


    والحقيقة أن محور سورة الفجر التي هي في واقع الأمر


    هي حديث عن الأيام العشر هي النفس المطمئنة عودة النفس المطمئنة إلى خالقها.


    تلك النفس التي إن لم يتمكن الإنسان من الرقي بها والوصول إليها في الدنيا


    لا يمكن أبدًا أن تنتهي رحلة هذه النفس بقوله


    (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً )


    العبد لا يعود إلى ربه في الدنيا مطمئنا في الدنيا راضيا مطمئنا قانعا لن تقال له هذه الكلمة في وقت أحوج ما يكون أن تقال له وأن يسمع البشارة بها.

    ,,,,,,,,,,,,



    يهمل ولا يهمل






    هذه السورة العظيمة بدأت منذ البداية بالقسم بالأزمنة ثم انتقلت بعد ذلك للحديث عن أكثر الأقوام منعة وعزة مادية وعطاء من العطاء الرباني من العطاء الذي أعطاهم الله وأغدق عليهم من النعم


    (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ *وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ *وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ )


    أقوام كانت لهم منعة وفتحت عليهم الأموال والسلطة والجاه ولكنهم ماذا فعلوا بها؟!



    لأنهم غفلوا عن تلك الآيات والأزمنة والآيات المبثوثة في الكون والنفس طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد


    (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ )



    وهكذا كل البشر أمم مجتمعات أفراد إن غفل الإنسان عن حقيقة الدنيا وحقيقة الآخرة وأن الآخرة هي الحياة الحقيقية وغفل عن تعاقب الأزمنة فيه وتداور الأيام وصل إلى تلك الحالة من الطغيان والفساد لأنه تنكص ببساطة شديدة عن الغاية التي لأجلها خُلِق ولكنه حتى وإن فعل ذلك فعليه أن يدرك أن الله له بالمرصاد


    وإنه يهمل ولا يهمل

    (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ *إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ )

    ,,,,,,,,,,,,,



    العطاء ابتلاء


    انتقلت الآيات بانسيابية رائعة تتكلم عن حالة الإنسان الغافل التي لا تحركه الآيات الزمنية والكونية والأحداث التاريخية فيعتبر بما حلّ بالأقوام السابقة فينظر نظرة سطحية إلى المال


    (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ )


    يعتبرها قضية إكرام له أن تُفتح عليه الدنيا ويُغدق عليه الرزق المادي والمال في حين أن السورة قالت (ابتلاه) العطاء ابتلاء الغنى ابتلاء، أن تفتح عليك الدنيا اختبار امتحان فإياك أن تغفل عن هذه الحقيقية!!


    (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ )


    وفي واقع الأمر أن العطاء أو المنع، السعة في المال أو الضيق في الرزق كلاهما اختبار وامتحان، القيمة الحقيقية للمال في كيفية تصرفنا فيه قد يعطيك الله ملايين من الدنانير لكن يغفل الإنسان فإذا به لا ينفق فيها لا يجعل لها حظا من أعمال الخير والنفع لنفسه، لأسرته، لمجتمعه، لا يشعر بالآخرين!


    وإنما يوظف ذلك المال في التفاخر والتكاثر وتلبية شهواته ونزواته والإسراف والمغالاة فيها والبطر والطغيان وتجاوز الحدود التي وضعها الله سبحانه وتعالى له.



    يا ترى ماذا ستكون النتيجة؟!


    هذا المال سيكون وبالًا عليه كما حدث مع تلك الأمم، فرعون وغيره لما ذكر الله سبحانه وتعالى على سبيل المثال


    (إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ *الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ )


    قوة، تقدّم، تحضّر، مدن، نحت جبال وبيوت وقصور فارهة!!


    ماذا أغنت عنهم تلك القصور؟!

    تركوها خاوية بالأعمال والتصرفات السيئة التي لم يدركوا من خلالها وغفلوا أن هذا المال وذاك العطاء والقوة والمنعة إنما هو امتحان عليك أن تفهم السؤال كي تجيب عنه إجابة حقيقية تنفعك في حياتك الآخرة.

    ,,,,,,,,,,,,,,,,,,



    افضل الأعمال فى العشر الأوائل من ذي الحجة








    كلنا يتكلم عن الأيام العشر وفضل الأيام العشر وكلنا يستشهد بالحديث:


    (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر فأكثروا فيها من التهليل من التحميد من التسبيح من الصيام من الصدقة من الصلاة)



    تدبروا قول الله عز وجلّ في هذه السورة


    (كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ )


    أعظم الأعمال التي تقوم بها في مثل هذه الأيام إكرام اليتيم وتدبروا ما قال تعطي وإنما قال تكرم لأن الإكرام لليتيم والإحسان إليه لا ينحصر في جانب العطاء المادي فقط، العطاء النفسي العطاء المعنوي اليتيم لا يحتاج فقط إلى دراهمك ودنانيرك اليتيم يحتاج إلى حنان يحتاج إلى عطف، إلى محبة، يحتاج إلى أسرة تحتويه وتضمه، يحتاج إلى أب بدل ذلك الأب الذي فقده، يحتاج أمومة يحتاج حنان هذه العواطف هي التي يعبر عنها القرآن أجمل تعبير


    (َلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ).


    ما قيمة أن تمتلك الملايين ولكنك لم تجرب حلاوة أن تمسح على رأس يتيم ما قيمة تلك الملايين؟!! المال ليس له قيمة في ذاته، قيمته فيما تفعل به وتتصرف فيه!!

    (وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)

    يحضّ بعضكم البعض، التواصي بالحق التواصي بالصبر قد لا تمتلك الكثير من المال ولكنك تستطيع أن ترسل رسالة تذكّر أحدًأ من الناس بالإطعام، بالشعور، بأن تكون إنسانًا تشعر بغيرك، تشعر بالآخرين من حولك تداوي وتواسي وتخفف من آلآمهم وأوجاعهم.

    ,,,,,,,,,,,,,,,,,



    سارع بالتقديم لحياتك الحقيقية





    ما قيمة المال حين يأكله الإنسان وتدبروا في الكلمة


    (وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا )


    ليس تأخذون الميراث فقط، تأكلوه من شدة الحرص عليهّ تدبروا في تلك الحالة الإنسانية التي يصورها القرآن أعظم تصوير!


    يتمسك الإنسان بذلك المال تمسكًأ يدفعه إلى أن يأكله أكلًأ وكأنه يأكل أكلا لمّا لا يهمه يخلط حلال مع حرام ولكنه يأكله أكلا لشدة حرصه عليه علمًا بأنه سيتركه


    ولذلك قال القرآن مباشرة


    (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا )


    جاء بيوم القيامة مباشرة، انتهت الرحلة


    ولكن في تلك الرحلة القصيرة مهما طالت لم أتزود بخير زاد:


    التقوى

    (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا *وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى )


    عندها فقط يتذكر الإنسان، المفروض أنه كان يتذكر في الدنيا، المفروض أن الايام العشر التي أطلتنا تذكرنا بالله، تذكرنا بالرحلة تذكرنا بفترة بقائنا القصيرة على هذه الأرض، تدبروا في الآية


    (يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى)


    ماذا تنفع؟!



    فات الأوان فات!


    فات وقت العمل!


    فات وقت التزود بالزاد والمتاع الباقي


    فماذا يقول؟


    (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي )


    أمنية لا قيمة لها لأنه فات أوان تحققها فات أوان تمكنك من أن تجعلها واقعًأ في حياتك.




    (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي )


    أدرك هنا ذلك الإنسان المفرّط أن الحياة الحقيقية هي الآخرة وليست هي هذه الرحلة الفانية الدار الفانية التي إلى زوال سرعان ما تنقضي أخذت منها كثيرًا أو أخذت منها قليلا، لن تأخذ معك إلا ما قدمت

    لأن الدنيا هنا هي دار التقديم، الآخرة ليس فيها تقديم، فيها جزاء، ولكن الدنيا هي التي ينبغي أن تقدم لها فسارع بالتقديم لحياتك الحقيقية.

    ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,



    (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ *وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ )


    أكيد، الإنسان الغافل الإنسان الذي لم يتيقظ للحكمة من الحياة، هذا الإنسان ربي عز وجلّ لن يغفل أبدًا عن عذابه، تدبروا في الكلمات كلمات قوية جدًا!!


    ولكن هناك صنف من الناس صنف أدرك فعلًأ قيمة الحياة الحقيقية،


    قيمة الأيام العشر فبادروا بالصالحات



    (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً *فَادْخُلِي فِي عِبَادِي *وَادْخُلِي جَنَّتِي ).
    وتأملوا في هذه الآيات الأيام العشر على عظمة ما فيها من أعمال لا ينبغي أبدًا أن تشتغل بالأعمال والهيئات وأشكالها وصورها عن المقصد والغاية من العمل الصالح ما هو قصدك؟ لماذا تصلي؟ تصوم؟ لماذا تتصدق؟ لماذا تكرم اليتيم؟ لماذا تفعل كل ما تفعله؟


    تفعل كل ذلك لأجل أن ترجع إلى ربك تدبروا في الربط: في البداية قال


    (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ )


    هذه الأيام العشر هي التي تسهل لك طريق العودة إلى خالقك سبحانه وتعالى كلنا سنعود إليه لا مفر أبدا


    (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)



    ولكن هناك فرق شاسع بين عودة العبد الآبق العاصي الذي فرط في نفسه وفرط في دنياه وفرط في حياته وآخرته فعاد إلى ربه منكسرًا مقيدًأ بالقيود تسوقه ملائكة العذاب وبين تكل النفس التي تفد على الرحمن وفدا وتستقبلها الملائكة بالبشائر حال مفارقتها الدنيا


    (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً )


    الرضا الذي لا يتحقق أبدًا إلا بالاطمئنان الذي يعانيه المؤمن، الاطمئنان الذي ستخلفه علينا هذه الأيام العشر إذا ما أحسنا التعامل معها وفيها، الاطمئنان الذي بمعنى السكون بعد الانزعاج، طمأنينتك بما قسم الله لك، اطمئن واقنع بما قسمه الله لك ليس من باب التخاذل أو الكسل وإنما من باب إدراك حقائق الأشياء لا تجزع، اصبر، إن ضيق عليك في رزقك فاصبر، اعمل العمل بالجوارح والاطمئنان بالقلب والسكينة في النفس. اِرض، لأن الرضى بالنفس قضية لا تتعارض، ليس هناك تعارض مع العمل والنشاط افعل وخذ بالأسباب ولكن لا تجعل تلك الأسباب تأخذ أجمل منك ما فيك: القناعة والطمأنينة والرضى عن الله عز وجلّ، الرضى عن حكمه وهذا معنى رضيت بالله ربًا، اِرض عن الله ليرضيك، اِرض عنه واطمئن بما أعطاك وعليك أن تدرك دومًا أن المنع والعطاء كلاهما امتحان، اعرف ما هو السؤال لكي تنجح فيه.


    اجعل هذه الأيام العشر عودة حقيقية لله لأن المقصد الأساسي من هذه الأيام العشر العظيمة، عظيمة الفضائل التي جاءت بصيغة التنكير


    (وَلَيَالٍ عَشْرٍ)

    لعظيم ما جاء فيها من فضل في المكانة في المنزلة في الأجر في الثواب في كل شيء. هذه الفرصة العظيمة التي بلغنا الله سبحانه وتعالى إياها علينا أن نفهم ما المعنى وما الغرض فيها، علينا أن نعود وأن نحسن الأوبة والعودة لله سبحانه وتعالى، نرجع إليه قانعين مطمئنين فينا من اليقين ما يوصلنا إلى درجة الطمأنينة والرضا بما قسمه الله لنا ولذلك نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا نفوسًا راضية مطمئنة قانعة بعطائه سبحانه وتعالى، عائدة راجعة إليه تأخذ من الخير وييسر لها الخير، ونسأله من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، تقبّل الله منا ومنكم صالح العمل.

    اسلاميات

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ )8
    (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )9
    سورة البروج

    من هو الملك؟ من الذي بيده مفاتيح السموات والأرض؟ من الذي يُصرِّف الأمور؟ من الذي يغير الأحوال؟ من الذي يقول للشيء كن فيكون؟ من الذي إذا أراد نصراً تحقق؟ من الذي إذا أراد فتحاً فتح به على المؤمنين؟ من الذي إذا أراد أن يرفع البلاء رفع؟


    الله سبحانه!


    ولكنه سبحانه كل شيء عنده بمقدار والله على كل شيء شهيد.

    لا تخشى شيئاً، أنت لست بحاجة إلى شهادة مراقبين، أنت لست بحاجة إلى شهادة موثّقة من مؤسسات أو منظمات دولية فالله شاهد وشهيد عليك.


    الله قد شهد على كل شيء فهو الشهيد، هو العالم الذي يعلم بكل شيء يحدث في مملكته سبحانه وهو الحامد الحميد في أفعاله سبحانه، له في كل شيء حكمة.

    ما يمر بك من محنة أو ابتلاء أو تجويع أو حصار أو تدمير أو هدم أو برد أو قسوة أو سطوة إنما هو ترقّي لك في سلّم الإيمان والتوحيد والنجاح فاصبر إن العاقبة للمحسنين الصابرين المرتقين في سُلّم التوحيد والإيمان الصادقين الثابتين على الحق.
    ولذا جاءت الآية التي تليها
    (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا)


    وتأملوا معي رحمة رب العالمين، باب التوبة المفتوح لكل الناس لكل إنسان مهما طغى مهما تجبر إن رجعتَ عن الباطل والغيّ الذي أنت فيه فإن باب التوبة مفتوح ولكن عليك أن تُصحِّح، عليك أن تؤوب، عليك أن تتوب، عليك أن تعود إلى خالقك، تعود إلى نفسك، تعود إلى الروح التي خلقها الله عز وجل لتتأمل فيها لتتدبر في نفسك وأحوالك لترى ما أنت صانع في نفسك؟


    (فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ)
    هو الحريق ولكن الحريق يختلف بين حريق الدنيا والنار التي أُضرمت في أصحاب الأخدود في أيّ زمن وفي أيّ وقت وبين ذاك الحريق الذي ينتظر المجرمين والطغاة والظالمين ممن لم يتوبوا ولم يعودوا إلى خالقهم أبد الآبدين.


    <<<<<<<<<<<<

    كيف مكّن أهل الحق أهل الباطل من أن يسلطوا عليهم؟

    معركة أصحاب الأخدود معركة محسومة، معركة طالما تكررت عبر التاريخ معركة الباطل والحق، معركة أهل الحق وأهل الباطل، النتيجة فيها محسومة
    (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ)
    إنه الفوز، النتيجة محسومة لا تنتظر دائماً فقط العواقب أو النتائج التي نحن كبشر نرسمها لأنفسنا، النصر الذي نحاول نحن أن نخطط لهذا النصر، النصر والفوز إنما قد حُسِم لأهل الإيمان، لأهل الصدق، لأهل الحق.

    الدنيا ساعة لا يهم فيها من ارتفع ومن كانت له الكلمة في نهاية الأمر ولكن الآخرة هي دار القرار اليوم الموعود يوم الفصل
    هو ذلك اليوم الذي ستظهر فيه الحقائق
    (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ).

    ولكي يبقى دائماً الطغاة في كل زمان وفي كل مكان على علم ويقين بأن الله سبحانه وتعالى لن يفلت أحدٌ منه تأتي الآية العظيمة
    (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ *وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ )

    كيف مكنا لأهل الباطل أن يعلوا علينا ويسلّطوا علينا؟
    ولنكن صُرَحاء ولنكن في لحظة صدق مع أنفسنا ولحظة مراجعة وتوبة، قبل أن نتساءل ونقول لِمَ يُسلِّط الله سبحانه وتعالى أهل الباطل على أهل الحق؟
    دعونا نعيد الكرة ونتساءل بطريقة مختلفة كيف مكّن أهل الحق أهل الباطل من أن يسلطوا عليهم؟!
    هذا هو السؤال المشروع أما السؤال فهو سؤال غير مشروع!
    نحن أهل الحق حين ضعفنا وتضاعفنا وانتكسنا وعجزنا عن نصرة الحق الذي نؤمن به، عن الدفاع عن القرآن الذي نحفظه في صدورنا، عن اتباع أوامره في جزئيات حياتنا اليومية مكّنا بذلك البعد عن منهج الله لأهل الباطل أن يرتفعوا فوق رؤوسنا! نحن الذي رفعنا بتقصيرنا في جنب الله وتفريطنا في جنبه وفي أوامره نحن من رفعنا على أعناقنا أهل الباطل.

    ولذا ربي عز وجل في آيات أخر قال عن فرعون
    (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ (54) الزخرف)
    استخفّ أهل الباطل بأهل الحق رأوا فيهم ضعفاً، رأوا فيهم بُعْداً عن منهج الحق، رأوا فيهم عدم الثبات على القرآن، رأوا فيهم عجزاً وضعفاً وانتكاساً ورخوة ما كان لها أن تكون، تراخياً عن الحق والإيمان فتمكنوا منا فمُكِّنوا منّا!
    ليس لنا إلا الرجوع والتوبة
    ولذا يقول الله سبحانه وتعالى
    (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ)
    غفورٌ لتفريطنا في جنبه فقد فرّطنا، غفورٌ لإسرافنا في جنبه وأوامره فقد أسرفنا على أنفسنا، ربنا إننا ظلمنا أنفسنا فاغفر لنا وارحمنا.
    ولذا من أعظم اسلحة من وقع في محنة وابتلاء وكل المؤمنين اليوم في محنة وابتلاء أن يعودوا إلى خالقهم بالتوبة، التوبة النصوح أن يعودوا بقلب مؤمن صادق مخبت لله أن يا رب قد ظلمنا أنفسنا ظلماً كثيراً وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

    ربي سبحانه يحبنا يتودد إلينا بالنعم، يتودد بالعطايا، بل يتودد إلينا حتى بالابتلاءات التي ينزلها بنا، لماذا؟
    ليميز الخبيث من الطيبن ليميز القلوب المؤمنة الصادقة -وهو بها أعلم- من القلوب المنافقة الخبيثة الذليلة الضعيفة. هكذا نحن بالابتلاء.
    ربي سبحانه وتعالى حتى في ابتلاءاته يتودد إلينا، لا يخرج الأمر عن ودّه، فهنيئاً لتلك القلوب التي استطعمت معنى الابتلاء ليس لأنها تريد الابتلاء ولكن لأنها تريد رضى الرحمن في سبيل تقديم هذه التضحية وذاك الابتلاء.


    <<<<<<<<



    سنة الله في الطغاة

    تأتي الآيات في سياق الحديث عن الطغاة والظَلَمة، عن فرعون وثمود، فرعون أُغرِق في اليمّ فكان عبرة لمن يعتبر حتى لطغاة أهل هذا الزمان الذين لم يعتبروا! وثمود الذين أُهلِكوا بالريح، من الذي أهلكهم؟
    من الذي أخذ فرعون أخذ عزيز مقتدر سوى الله سبحانه وتعالى؟!
    من الذي أغرقه باليم هو والجنود الذين كانوا معه؟
    خرج في جنوده، خرج في زينته، خرج في سلطانه، خرج طغيانه وجبروته فمن الذي اقتدر عليه غير القادر سبحانه وتعالى الفعّال لما يريد؟!.

    ولكن سواء أكانت نهاية الطغاة والظالمين مرئية مشهودة أما أعيننا
    كنهاية فرعون أو كنهاية قوم ثمود أو غيرهم من الأقوام التي كذبت وطغت وأفسدت في الأرض أو لم تكن كنهاية أصحاب الأخدود الذين لم يذكر لهم القرآن نهاية مخزية أو معينة في الدنيا مذكورة كنهاية فرعون أو غيره ولكنهم في نهاية الأمر لن يفلتوا من الله سبحانه وتعالى وانظر إلى الآية
    (وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ )

    أحاط بكل أعمالهم علماً، أحاط بكل طغيانهم، أحاط بكل ظلمهم وجبروتهم، أحضاها عليهم، أحصى عليهم عدد النفوس التي أُزهقت، أحصى عليهم عدد البيوت التي هُدّمت، أحصى عليهم عدد الأعراض التي انتهكت، أحصى عليهم عدد أنفاس الحياة التي أخذوها وانتهبوها، أحصى عليهم كل شيء سبحانه وتعالى إنما يمهلهم ليوم خسر فيه الخاسرون خسر فيه الطغاة، خسر في الظالمين.


    <<<<<<<<

    التوبة والرجوع إلى الله سبب انتصار المسلمين


    ثم ختم الآيات بقول الله عز وجل
    (بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ *مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ )
    المجد للقرآن، المجد لحملة القرآن، المجد دوماً لأهل القرآن ومن يحمله والحلّ الوحيد أمام الطغيان، الحل الوحيد للوقوف في وجه كل طاغية وظالم هو هذا القرآن المحفوظ، هو هذا القرآن المجيد.

    من أراد أن يقف في وجه أيّ طاغية في أيّ زمان في أيّ مكان لا يمكن أن يقف في وجه الطاغية وهو بعيد عن القرآن وعن تعاليمه.
    إحفظ القرآن في قلبك، إحفظ القرآن في صدرك، إحفظ القرآن في سلوكك وأفعالك وتصرفاتك، لا عليك أمام من ستقف، لا عليك أمام أيّ طاغية ستقف، لا عليك، بأي جنود وبأي أدوات ولا باي أسلحة سيهاجم أو سيقف
    لماذا؟
    لأن عظمة القرآن الذي تحمله بين جنبيك، عظمة هذا القرآن سيخرّ لها هذا الطاغية مهما استقوى ومهما تصوّر واهماً أن له من القوة والمنعة ما يصده عن هذا القرآن. التمسك بالقرآن إيماناً وتصديقاً، علماً وعملاً هو مفتاح النجاة من كل طاغية من كل ظلم من كل عدوان. لا نجاة بدون القرآن، لا أمل في النجاة ووقف الطغيان والظلم والعدوان دون القرآن. وما طغى الطغاة في أي زمان ولا في أي مكان إلا ببُعد أهل الحق عن هذا الحق وهو القرآن. لا نظن في أي وقت أو في أي زمن أن هؤلاء الطغاة في أي مكان في أي زمان كان في أي جيل عبر العصور أنهم كان لهم أن يخرجوا ويُسلَّطوا على رقاب المؤمنين وأصحاب الحقّ ويعيثوا في الأرض فساداً لولا أننا بعدنا عن القرآن العظيم.

    السبب من عند أنفسنا، ما أصابنا من مصيبة وما يصيبنا اليوم يحتاج إلى التوبة، يحتاج إلى الإنابة، يحتاج إلى الرجوع لله وللقرآن وحده دون سواه.


    <<<<<<<<<<<<<


    ختاماً لكل ملوك الأرض



    إن أردتم استقراراً في ملككم، إن أردتم أن تبنوا لكم عزّاً أو مجداً فلا تظنوا أبداً ولا تتوهموا أن المجد يُصنع إلا بهذا القرآن العظيم.
    إن أردت أن يستقر لك الحكم وأن يستقر لك المُلك فاحكم بهذا القرآن العظيم علماً وتعلماً وتعليماً وإيماناً واحتساباً واجعل النية خالصة لله وحده لا شريك له، لا تجعل النية الحفاظ على ملكك أو عرشك فالملك يزول وإن طالت به الأيام والعرش يذهب وإن عَلَوْتَ به ولا كبير إلا الله ولا عالي إلا الله سبحانه وتعالى ولا ملك باقٍ على وجه الحقيقة سوى ملك الله الواحد الديّان.

    أقبِل على القرآن واجعل قرّة عينك في القرآن لا تتحير ولا تستشر من هم في اليمين أو في اليسار، استشر القرآن، أقبِل عليه بقلب صادق، عُد إلى الله سبحانه وتعالى ستجد عنده الإجابة، ستجد عنده الدواء، ستجد عنده الشفاء لكل ما فينا وفي قلوبنا وفي واقعنا وفي مجتمعاتنا من أمراض وأزمات مستعصية.

    أسأل الله العظيم رب العرش العظيم الذي أنزل القرآن المجيد أن يعيدنا إليه عودة صادقة، أن يردّنا إليه ردّاً جميلاً، أن يرفع عنا البلاء، أن يعيدنا إلى كتابه، أن يردّ الحق إلى أصحابه، أن يثبِّتنا على الحق الذي نؤمن به، أن يردّنا إلى كتابه ردّاً جميلاً غير مُخزٍ ولا فاضح، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    • سورة البروج

      هدف السورة


      حين يطفو زبد الباطل على سطح الحياة ويغري الشيطان أهل الباطل بالظلم والعدوان، بسفك الدماء والقتل والتشريد والتعذيب والطغيان، ويُهيأ لكثيرين حينها أن زوال هذا الباطل ضربٌ من الخيال وأن الأمر أقرب إلى المحال فالباطل قوي والحق ضعيف!
      ومن ينصر الحق وينتفض لهذا الحق إنما هم فئة من المستضعفين لا حول لهم ولا قوة لا سند لهم ولا ناصر ولا ظهر لهم ولا قوة عظمى تساندهم، عندها ينتفض هؤلاء القلة، هؤلاء الفئة من المستضعفين، ينتفضون نفضة رجل واحد للحق الذي يحملونه في صدورهم وفي قلوبهم، هم ضعفاء في تصور الآخرين لكنهم أحرار، هم سادةٌ أحرار لأن هذه القلوب المؤمنة استطاعت أن تتحرر من كل أنواع العبودية إلا تلك العبودية التي تعتبر شرفاً لكل من يحملها، العبودية لله وحده الديّان.

      هذه الفئة من المستضعفين عبر الأزمنة وعبر التاريخ وعبر الأجيال هي تلك الفئة التي استطاعت أن تدمغ الباطل والطغيان، هي تلك الفئة التي استطاعت أن تقف أمام جحافل الطغيان والعدوان، استطاعت أن توقف مدّ تلك الجنود الظالمة بكل ما جاءت به من أسلحة وما جاءت به من تصورات واهمة وزائفة بأنها تستطيع أن توقف مدّ ذلك الحق ومدّ ذلك العدل.

      اختلت موازين القوى حين يصبح الحق والعدل في أيدي الفئة التي يعتقد الناس بأنها من المستضعفين وأن لا ناصر لهم وأن الباطل الذي قد استفحل شره في كل مكان وزادت سطوته وجبروته وطغيانه هو الذي يمكن له أن ينتصر، تنقلب الموازين. ولكن السورة التي بين أيدينا اليوم تعيد هذه الموازين إلى الميزان الحق العدل، تعيد الأمور إلى نصابها تبين لكل مؤمن يقرأ هذا الكتاب بقلبه قبل أن تتحرك به شفاه الإنسان وهو يقرأ تعيد له هذه الحقيقة الساطعة أن الحق سينتصر وأن هذه الفئة التي يظن البعض أنها فئة مستضعفين هي التي على على أكتافها وأعناقها سترتفع رايات الحق. ليس فقط في الزمن الذي عاشوا فيه وإنما لكل زمان ولكل مكان، راية الحق لا ترتفع على أكتاف أناس لم تمكنوا من أن يحرروا أنفسهم من الذل للحياة في ظل العبودية للبشر. راية الحق ترتفع على أكتاف أناس عشقوا الحياة ولكن حياة من نوع خاص، حياة في ظل إيمان وتوحيد برب واحد أحد، فردٍ صمد، اتخذوا دينه منهجاً في حياتهم فأعطاهم القوة، أعطاهم المنعة، أعطاهم النصر بلا جيوش ولا سلاح ولا جنود، لا سلاح لهم ولا دبابات ولا معدات ثقيلة ولا مؤسسات ولا منظّمات دولية ولكن لديهم الواحد القهّار، لديهم سبحانه الذي هو الفعّال لما يريد.

      تأتي سورة البروج المكيّة التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم في مكة وقد تفنن المشركون بأنواع من العذاب!
      فبلال يسومُه سيده أمية بن خلف فيضع الصخرة تلو الصخرة على صدره فما تزيده تلك الصخرة إلا إيماناً وتوحيداً فيردد بأعلى صوته، ذلك الصوت الذي ترتعد له كل مشاعر وعواطف أطراف أمية بن خلف السيد المُطاع وبلال العبد في ميزان أمية بن خلف يردد أحدٌ أحد، كلمة التوحيد، الإيمان، قوة التوحيد التي لا تانيها قوة على وجه الأرض مهما بلغت.
      لا تدانيها أي نوع من أنواع القوى الموهومة التي اصطنعها الطغاة الظَلَمة في كل زمان ومكان.



      أصحاب الأخدود




      نزلت سورة البروج لتقول للنبي صلوات الله وسلامه عليه ولكل الضعفاء من أهل الحق الذين يُهأ للناس أنهم ضعفاء وأن لا سند لهم ولا معين،
      لكل هؤلاء نزلت سورة البروج.

      سورة البروج التي جاءت تحكي قصة قوم، فئة من المستضعفين فئة آمنوا بالعزيز الحميد، فئة ارتضوا منهج التوحيد منهجاً لحياتهم، فئة وقفوا في وجه الطاغية، وقفوا في وجه ذلك الظالِم المستَبد الذي عاث في الأرض فساداً وتعذيباً وسفكاً وإهداراً للحقوق وقفوا في وجه ذلك الطاغية فإذا بالطاغية وحاشيته وجنده الأقوياء الذين من حوله، هؤلاء الأقزام حفروا الأخاديد وشقُّوا الحُفَر وأضرموا فيها النيران وأوعزوا لكل الحاشية من حولهم أن يزجوا بالأطفال والنساء والشيبان والشباب في بطون تلك الأخاديد علّهم يحرقون نور الإيمان الذي قد شعّ وسطع في قلوب وصدور هؤلاء الفئة فما زادتهم تلك النار التي يُهيأ لمن ينظر إليا أنها تحرق الأجساد، ما زادتهم تلك النيران إلا برداً ويقيناً وسلاماً واطمئناناً ليرددوا بلسان حالهم:
      هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، المحنة، الابتلاء، الشد، النار، التعذيب، التنكيل، التشريد، القتل، لا يزيد المؤمن الموحِّد إلا ثباتاً ويقيناً.

      الحق لا يرتفع على قلوب ضعيفة أو واهية، يرتفع بالقلوب الثابتة المستقيمة على طريق الحق التي لا يهمها نيران من يضرم النيران ولا يهمها هذ الطاغية أو ذاك وإن تبدلت واختلفت الصور.



      الصدع بكلمة الحق مسئولية وأمانة






      (النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ )
      ولنا أن نتوقف عند كلمة (شهود) التي تتردد في هذه السورة العظيمة
      (شهود) والشاهد يُسأل، أنا سأُسأل وأنتم ستُسألون وكلنا سيُسأل ونحن نقف بين يدي العزيز الجبار سنُسأل عما فعلناه لأجل المؤمنين، عما فعلناه لأجل الحق وأهل الحق، هل ناصرناهم؟ هل وقفنا إلى جانبهم؟
      هل وقفنا إلى جانب الحق الذي آمنوا ونؤمن به؟ أم كنا ضعفاء؟!

      الحق لا يُنصر بالضعفاء، الحق يُنصر بالأقوياء. ومن يبذل الروح والنفس والوطن في سبيل الحق الذي يؤمن به ليس بالضعيف، ليس بالعبد وإنما هو حرٌ سيّد مُطاع من سادات الجنة، هذا السيّد الذي استطاع أن يتعالى على الرغبة في الحياة الذليلة في ظل طاغية أو ظالم لم يعرف الله يوماً لم يعرف منهج الحق يوماً ولم يتخذه دستوراً هؤىء هم من يرفعون الحق ويرتفع بهم الحق.

      هؤلاء اختارهم الله عز وجل في كل أمة من الأمم عبر التاريخ لترتفع على أعناقهم رايات الحقّ خفّاقة في كل الأرجاء ولتسطّر الأسماء بماء ليس من ماء الذهب بل بالدماء تلك الدماء التي ستشهد يوم القيامة بروعتها بعبقها هذه الدماء الزكية الطاهرة التي ستشهد للحق وأصحاب الحق وأنها ما سُفكت لأجل باطل، ما سُفكت لأجل كرسي أو منصب أو جاه، ما سُفكت لأجل مال، ما سُفكت لأجل حفنة من السنوات يجلسها الطاغية تمدّ في عمر زمانه أو وقته وإنما سُفكت لأجل التوحيد ولأجل كلة “لا إله إلا الله”.

      سُئل بلال ذلك العبد الضعيف في نظر أمية بن خلف:
      كيف كنت تتحمل ألم الصخرة وهي توضع على صدرك في حر الشمس في صحراء مكة؟
      فكان يقول:
      مزجت مرارة العذاب بحلاوة الإيمان.


      ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,



      الحق يعلو ولا يعلى عليه

      أصحاب الأخدود في كل زمان ومكان يمزجون مرارة النار المتّقدة بشعلة الإيمان في قلوبهم، ببرودة وبرد اليقين الذي آمنوا بالله سبحانه وتعالى به رباً وعرفوه به رباً.

      ولذا جاءت الآية العظيمة
      (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ )

      لم تكن تهمة هؤلاء سوى أنهم آمنوا بالله وهل هذه تهمة أو أنها شرف وتاجٌ يوضع على رأس المؤمن يرتفع ويرتقي به في سُلّم الفردوس الأعلى. هذه التهمة التي بها ساق الطُغاة والظَلمة في كل زمان عبادَ الله من المؤمنين لأنهم رأوا في الإيمان والتوحيد تهديداً لعروشهم، تهديداً لمُلكهم، تهديداً لجبروتهم وطغيانهم وسطوتهم وحُقّ لهم أن يروا ذلك التهديد لأنهم أقاموا عروش ممالكهم على الكذب والطغيان والعدوان، أقاموها على قواعد واهية لم يقيموها على الحق والعدل والتوحيد الذي آمن به هؤلاء.

      لأن الحق يحتاج إلى أهلٍ يرفعون راياته والله سبحانه وتعالى يصطفي من عباده في كل جيل من يحملون راية الحق، فهنيئاً لكل من أصيب بمصابٍ في سبيل حقّ يؤمن به. هنيئاً لبلال، هنياً لذلك السيّد الذي بات سيداً في التاريخ حين تحرر من عبودية أمية بن خلف. هنيئاً لبلال وهنيئاً لكل أصحاب الحق من أمثال بلال وغير بلال عبر التاريخ في زماننا في وقتنا ممن جهروا بالحق، من رفعوها عالية خفاقة يقولون لا إله إلا الله في وجه كل طاغية ليوقفوا هذا الطاغية مهما تعددت الجيوش من حوله ومهما تعددت كل وسائل التدمير من حوله أن مُلكك إلى زوال، كيف لا يقتلهم؟ كيف لا يحرقهم بالنيران؟ كيف لا وهو يراهم بأُم عينه يهزّون عرشه وملكه ويقوّضون مملكته من تحت قدميه، كيف لا؟!

      الله سبحانه وتعالى الحميد أراد للحق أن يظهر على أكتاف هؤلاء ولذا بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جاؤوا يشكون إليه ذات يوم وهو متوسّد بردة له في ظل الكعبة يشكون إليه ما وصل إليه حالهم من تعذيب وتشريد وقع عليهم من المشركين وهكذا حال المؤمنين في كل زمان ومكان، فقالوا له: يا رسول الله ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟
      فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم، النبي الذي يحمل في قلبه وبين خافقيه ذلك الحنان الفيّاض، تلك الرأفة العجيبة التي ملأت الأرض عدلاً ورحمة ونوراً إذا بهذا النبي الكريم يقول لهم معلِّماً وموقظاً: كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض فيُجعل فيه فيُجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُشقّ باثنتين فما يصده ذلك عن دينه ويُمشط بأمشاط الحديد دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون. يا لها من عِبرة!
      يا لها من عِظة أحتاج أن أعبر إليها إلى واقعي الذي أنا أعيش فيه.
      إذن هي المحنة، هي الابتلاء، وإنما الحق قد سُطِر أنه هو الأعلى وأنه هو المنتصر.




      المعركة بين الحق والباطل معركة محسومة


      المعركة بين الحق والباطل معركة محسومة لصالح من؟
      لصالح أهل الحقّ، أهل الحق سواء انتصروا في الدنيا وظهر انتصارهم وأتاهم الفتح من عند الله سبحانه أو لم يأذن به، سواء أضرمت فيهم النيران أم قُتّلوا أم سُفكت دماؤهم أو هُدّمت عليهم بيوتهم الله ناصرهم، الفوز قد كُتب لهم، فازوا الفوز الكبير ولذلك ربي عز وجل في هذه السورة قال
      (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ)
      الفوز قد تحقق، متى تحقق يا رب؟ الفوز في ميزان الله سبحانه وتعالى قد تحقق حين قام هؤلاء قاموا بالحق الذي آمنوا به، قاموا في وجه الظلم والطاغوت والعدوان وقالوا له توقف إن ربك لبالمرصاد، الحق والنصر قد تحقق، الفوز قد حدث، لا يهم المعركة التي كانت.

      أصحاب الأخدود لم تذكر سورة البروج لهم كيف كانت نهاية الطاغية والحاشية التي كانت معه، لم تذكر أنهم قد أُهلكوا بالغرق كما في فرعون أو كما في ثمود بالريح لم تذكر لهم عقاباً دنيوياً، لم تذكر لهم نهاية مأساوية كما يُخيّل أو يظن البعض أو يتوقع دائماً.

      ولكن الظالم سواء أكانت النهاية المحسومة المحتومة قد وقعت له بشكل يشفي غليل المؤمنين ويشفي صدور المؤمنين أم لم تقع فالخسارة في حقه قد حدثت، له نار جهنم يخسا فيها أبد الآبدين!

      ما قيمة أن يعيش حفنة من الأزمنة أو من السنوات؟!
      ما قيمة أن يعيش الدنيا طولاً وعرضاً ويزهو بها والنهاية الحتمية خلود إلى النار إلى جهنم وبئس المصير؟! المعركة محسومة.
      نحن اليوم كبشر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه
      “ولكنكم تستعجلون” أما اليوم الموعود فالجزاء فيه محسوم.


      يتبع





      اسلاميات

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    الفرق بين المشي والسعي


    (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)) الملك

    (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا)

    سِر في الأرض واطلب من رزق الله سبحانه وتعالى بإيمانك بأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ولا تنسى أن المشي على الأرض، هذا المشي المطلوب منك والسير والرزق والوظيفة وتربية العيال والأهل والنفقات وما شابه أنك ستعود إلى الله عز وجل فيبقى القلب دائماً معلّقاً بالعودة والرجوع

    (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)



    ودعونا نتدبر في كلمة هنا من إعجاز القرن حين يقول الله سبحانه وتعالى


    (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا)


    المشي مجرد السير حين أطلب الرزق أطلبه بالسير بالأخذ بالأسباب ولكن دون تشوّف وتشوّق وهمّة عالية شديدة وحرص شديد ولكن حين يأتي الحديث عن طلب الآخرة وعمل الآخرة القرآن يأتينا بلفظة السعي


    ولذا ربي في آيات عديدة في القرآن يقول


    (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا (19) الإسراء)

    (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ (9) الجمعة)



    وهكذا حين يكون الحديث عن عمل الآخرة ربي عز وجل يقول إسعوا وحين يكون الحديث عن طلب المعاش في الدنيا تأتي كلمة المشي، لماذا؟

    لأنك إذا أردت أن تطلب الرزق في الدنيا عليك أن تضع نصب عينيك قواعد: الرزق بيد الله ولذا جاءت الآية (وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ) رزقك ليس بيد أحد من البشر إياك أن يختلج في نفسك أو صدرك لثانية واحدة أن رزقك بيد أحد من البشر مهما علا، ليس بيد رئيس عمل ولا بيد وزير ولا بيد أير ولا بيد أحد، رزقك بيد الله وحده لا شريك له إن كنت تؤمن بأن الله واحد. فالله وحده هو الرزاق ذو القوة المتين، هذا الاستشعار بأن رزقك بيد الله عز وجل يحررك من كل عبودية وتذلل واستكانة وضعف وخضوع لغير الله سبحانه وتعال وهو ما يريده القرآن وهو ما تريده سورة الملك تريد أن تبنيه في نفسي القاعدة الثانية علي أن أُجمِل في الطلب، رزقك لن يسوقه إليك الحرص الشديد، الحرص الذي تسترخص فيه الحقوق وتسترخص فيه الواجبات، بعض الناس يقول أنا ورائي عيال فلأجل أن وراءه عيال مستعد أن يتاجر وأن يبيع ويشتري بقيمه ومبادئه ومثله فتستحل الربا وتستحل الحرمات ويستهان بحقوق الله عز وجل، لماذا؟ لأجل أن ورائي عيال! أيّ إيمان هذاا؟


    أيّ إيمان بأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين.

    <<<<<<<<<<<<<


    الرزق بيد الله وحده






    (وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ)

    الرزق من الله وليس من أيّ أحد،


    وإذا خطر ببالك للحظة أن رزقك بيد أحد من البشر هذه كارثة!

    عليك أن تجدد إيمانك وعليك أن تحيي التوحيد في قلبك وأن تتعرف على الله أكثر. هناك حلل، أنت تحتاج أن تصحح توحيدك، الرزاق هو الله وليس أحداً من البشر



    ولذا جاء في كلام لعبد الله بن مسعود



    "الرزق لا يسوقه حرص حريص ولا يرده كراهية كاره".



    بمعنى آخر قد يأتيك الرزق لأن الرزق فعلاً بيد الله، قد يأتيك هذا الرزق على يد شخص يبغضك يكرهك ولكن الله سبحانه وتعالى برحمته وعدله وعلمه يسوق إليك هذا الرزق على يديه وحرصك الشديد الذي يقودك إلى الإلحاح وعدم الإجمال في الطلب هذا الحرص الذي يؤرقك مضجعك بالليل خوفاً على وظيفتك أو خشية على عملك لن يزيدك في رزقك أبداً



    ولذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم محذّراً أمته من هذا:



    " يا أيها الناس اتقوا الله وأجمِلوا في الطلب


    فإن نفساً لن تموت حتى تستوفي رقزها وإن أبطأ عنها"
    إتقوا الله أجملوا في الطلب، الرزق بيد الله ولا بيد أحد. وهذه المعارك المحمومة التي نراها في عصرنا على المال هذه معارك وهمية، هذه معارك رئيسها الشيطان وشياطين الإنس الذين يوحون للبشر أنهم يمتلكون أرزاقهم وأقواتهم ومن آمن للحظة بأن الرزق بيد أحد سوى الله سبحانه وتعالى عليه أن يصحح التوحيد.

    <<<<<<<<<<<<



    الخوف سيطرعلى عالمنا المعاصر



    (أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِير (17))

    رأيت الأرض أمام عينيك مستقرة وهادئة واعتقدت وتوهمت أن هذه الأرض لا يمكن أن تتحرك ونحن نرى أمام أعيننا كيف تحدث الزلازل والبراكين؟! من الذي أمّنك؟




    بقدر خشيتك من الله عز وجل تشعر بالأمان وبقدر خوفك من الله سبحانه وتعالى وتعظيمك ومهابتك لربك ولأوامره سبحانه يحدث عندك الاستقرار والشعور بالأمن والأمان، بالأمن حين أرى أقدار الله الكونية وأؤمن بأن الله رحمن رحيم لن يكتب لي إلا الخير وأن ما أراه أحياناً حتى من زلازل أو من براطين إن كنت أنا بلغت مرحلة الخشية من الله بالغيب وأحسنت العمل حتى هذه المصائب والنكبات ظاهرها شرّ وباطنها قد يكون الرحمة والخير لأن من يقوم على تقديرها هو الخالق الرحمن الذي تكرر في سورة الملك كثيراً، "الرحمن"، صحيح ملِك، صحيح قوي قادر، على كل شيء قدير لكنه رحمن رحيم، رحمته وسعت كل شيء، وسعتني وستسعني أنا فأطمئن وأهدأ



    ترون الخوف الذي يسيطر على عالمنا المعاصر اليوم؟!

    الخوف من كل شيء، الرزق كثير كما لم يكن ويحدث، والطعام كثير والأقوات كثيرة وكل شيء كثير والعالم أمام أعيننا مُنار بالأضواء وبكل شيء ليس هناك ظلمة ولكننا نعيش في خوف بل في الحقيقة رعب وليس خوفاً، خوف من كل شيء، خوف على المستقبل، خوف على الرزق خوف على الأولاد، خوف من كل شيء، خوف من البراكين خوف من الزلازل، خوف مما حدث ومما سيحدث ومما لم يحدث



    من أين جاء الخوف؟

    لأن القلوب قد فرغت من خشية ربها عز وجل، إذا امتلأت القلوب بخشية الله سبحانه وتعالى حينها فقط ستعرف كيف تذوق طعم الأمن والأمان.

    ولذا جاءت كلمة



    (أَأَمِنتُم)


    في أكثر من موضع في سورة الملك

    وكلمة الأمان حاضرة في معانيها في سورة الملك

    <<<<<<<<<<<<<<<



    أسئلة توقظ الحياة في قلوبنا




    (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ (19))



    أرأيتم هذا المنظر العجيب؟



    منظر الطائر الذي يحلّق بجناحيه مَنْ الذي يمسك ويقبض؟

    من الذي علّم الطائر قبل أن يعلِّم الإنسان ويتعلم الطائر منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى الأرض والطيور تحلّق في الفضاء، والإنسان الذي أوتي كل وسائل الإدراك العجيبة لم يدرك فكرة الطيران إلا بعد كم من القرون ومن الأزمان؟

    من الذي ألهم الطائر كيف يطير؟ الطائر الصغير الذي ليس لديه كل وسائل الإدراك التي وهبها الله للإنسان، من الذي علّم الطائر؟ من الذي يمسك بجناحيه فلا يقع؟ من الذي علّمه كيف يقبض جناحيه فتعلم منه الإنسان العاقل فلسفة الطيران؟ كم الذي علّم؟ من الذي جعل الطائر يعلم الإنسان كيف يطير؟ من الذي علّم؟



    الرحمن،

    (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ).


    (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ (20))

    تبدأ سورة الملك كلها بأستئلة استنكارية أسئلة توقظ الحياة في قلوبنا تجعلنا أمام الحقائق التي ألفناها ونتيجة أننا ألفناها أصحت عادية والله عز وجل لا يريد مني هذه النظرة يريد أن يوقظ في قلبي الإحساس



    (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ (20))



    إن كانت المعركة وإن أنت أيها الإنسان إخترت المعركة أن تكون بينك وبين الله عز وجل فأيّ جنود في الأرض يمكن أن تكون ناصرة لك أمام قوة الله عز وجل؟!



    إختار المعركة فرعون وكان هو رئيس المعركة وقائد المعركة كيف كانت النتيجة؟ أين جنود فرعون حين إلتهمه اليم فأصبح من المغرقين؟ من الذي نصر موسى عليه السلام وقومه؟ أليس هو الله سبحانه؟



    (إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ)


    هذا التيه والوهم يحدث للإنسان وواحدة من أسباب حدوثه النظرة العابرة المعتادة أن أألف الشيء فلا أتدبر في قدرة الله ولا أقف عندها ولا تقودني لمعرفة الله، كارثة! بمعنى الكارثة!.


    وتعود الآيات


    (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ (21))


    الرزق الذي أحياناً بعض الناس يتشدق به يعتقد أنه إذا امتلك خزائن دولة أو إذا امتلك شيئاً من متاع الدنيا إمتلك أرزاق الناس وأقواتهم، أبدا"، من الذي يملك الرزق؟ انظر إلى الآية


    (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ)



    من الذي يرزق سوى الله سبحانه؟.



    (أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (22))


    أنا محتاجة ألا أعطّل وسائل الإبصار والإدراك الموجودة عندي كإنسان وهِبت إياها كأمانات وأبقى مكباً على وجهي لا أرى الحقيقة أمام عيني، هذه حال الإنسان حين لا تقوده النظرة ولا يقوده السماع لمعرفة الله عز وجل، حين يعطّل وسائل الإدراك كما فعل الكافرون بنفسه، بذاته، فيمشي مكباً على وجهه.

    <<<<<<<<<<<<<<


    مردنا إلى الله مهما طالت الرحلة



    (قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)

    ولكن حتى حين ذرأكم ألستم إليه تحشرون؟ أنا أين سأذهب في رحلة الحياة؟



    أليس مردّي إلى الله عز وجل مهما طالت الرحلة بقيت ستين، سبعين، أربعين، ثلاثين، خمسين، زادت، طالت، قصرت، مردي إلى الله، الكافر يُهيأ له أن الرحلة طويلة ولذلك


    (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (25)



    قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ (26))



    الوقت غير محدد لكن يقيني وإيماني بأنه آتٍ لا محال يدفع بي للعمل يدفع بي لتقديم أحسن العمل يدفع بي لخشية الله عز وجل مهما تغيرت الأحوال من حولي، لا يهمني ماذا يقول الناس عن عملي لا يهمني ماذا يقول الناس عن قوتي – طبعاً بالإطار الصحيح نحن نتحدث عن إطار العمل على سبيل المثال - الذي يهم أن أحسن العمل لوجه الله عز وجل.



    ثم تأتي الآية وتوضح لي وتهز الإنسان هزة عنيفة وتبين له وكأنه يوم القيامة قد حدث أصلاً

    (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا (27))

    هذا اليوم الذي نفرّ منه جميعاً ولكن بطبيعة الحال المؤمن يفر من الله إليه لا يفرّ إلى غيره، لا ملجأ له من الله إلا إليه، أنا أخاف ولكن هناك فرق بين أن أخاف شيئاً فأهرب منه وبين أن أخافه فأهرب إليه. المؤمن يخشى الله عز وجل فيهرب إليه الكافر يخاف من اشياء مختلفة ولكن الخوف بدل أن ينمي ويربي عنده خشية ويولد الخشية من الله التي تقربه إلى الله يخاف فيبتعد ويجادل في غرور وفي عتو ويعتقد بأنه سيُحال بينه وبين الموت ولذلك كذب المشركون والكفار بالبعث

    (قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) المؤمنون)



    (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ (24) الجاثية)


    هذا النوع يقال لهم (وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ)

    <<<<<<<<<<<



    مايستفاد من سورة الملك



    أنا حين أكرر السورة كل ليلة أداوم عل قرآءتها وتلاوتها كيف تشفع لي؟

    هل التلاوة العابرة؟

    لا




    تلاوة متدبرة تلاوة توقظ في إحساسي في قلبي مشاعر الإيمان والخشية من الله عز وجل، أن أصحو في الصباح أنا نمت على خشية الله عز وجل إذن أستيقظ في الصباح وكلّي طاقة وأمل أني أمشي في الأرض أطلب الرزق ولا أطلب به وجه أحد سوى الله تعالى، ولا أنسى أن فترة بقائي على الأرض فترة محدودة ولا أنسى أن أقدم أحسن العمل بين يدي الله سواء رضي عني مسؤولي أو لم يرضى، لا يهمني، تصبح هذه المسائل لا شيء عندي، رضي، سخط، غير مهم، المهم أن يرضى الله عز وجل.



    (قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا)

    وتدبروا التلازم بين المُلك والرحمة من يملك في الغالب من البشر في بعض الأحيان كفرعون وغير فرعون يستقوي بقوته الموهومة بالملك الذي يظن واهماً أنه ملك وهو ليس ملكاً، نقول ملك هكذا على سبيل التجوّز ولكن على سبيل الحقيقة هو ليس بملك ولكن هؤلاء من أمثال فرعون حين يستشعر بهذه القوة تغيب مفاهيم الرحمة ولله المل الأعلى، كل هذا الملك ولا يخرج أبداً عن رحمته سبحانه وتعالى قوة، عظمة، قدرة، عزة ولكن هناك مغفرة، رحمن رحيم



    (قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)29 الملك

    الحوار بين المؤمن والكافر مسألة وقت، المؤمن يرى الإيمان ويرى اليوم الآخر ويرى الجزاء حاضراً أمام عينيه ليقينه بالله سبحانه.



    (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ (30))الملك

    إن غارت الأنهار ذهبت في الأرض ولم تعد هناك مياه ولا مسطحات مائية من الذي يأتيكم بالماء الظاهر المعين السلس الذي تشربون؟ من؟



    هذا الماء الذي تشربون من الذي أنزله؟ من الذي أخرجه من الأرض؟ أليس هو الله؟ إذن إذا كانت كل هذه الحقائق أمام عيني تنطق ليل نهار بقدرة الله عز وجل كيف أضع كل هذه الأغطية على عيني والحجب فلا أرى النور، كيف؟!



    سورة الملك تجيب بعد كل هذه الآيات العظيمة على الإشكالية الخطيرة في حياتنا اليوم التي ذكرت، إشكالية الشعور بالأمن والتحرر من الخوف، سورة الملك تحررني من كل المخاوف الموهومة رزقك بيد الله سبحانه وتعالى وليس بيد أحد، الأجل بيد الله سبحانه وتعالى، النصر بيد الله سبحانه وتعالى، الحماية بيد الله سبحانه وتعالى، إذم مم تخشى؟ لا تخشى شيئاً، لا تخشى إلا الله. ولذا الخشية من أعظم صفات المؤمنين الذين يخشون الله بالغيب
    (إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) المؤمنون)
    ربي في آيات عديدة في القرآن ذكر الخشية وجعل لها أعظم الجزاء هذه الخشية لا يمكن أن تبنى فقط من القرآءة العابرة، سورة الملك أوضحت لي السبل والطرق وما علي سوى التطبيق.

    وكون أن السورة يداوم الإنسان على تلاوتها كل ليلة تجعل القضية حاضرة في ذهني، التفكر، التفكر في ملكوت السموات والأرض، التفكر في آيات الله سبحانه وتعالى، التفكر في الخلق، التفكر في السماء، التفكر في الرزق، التفكر في الماء، التفكر في الأرض التي أمشي عليها، التفكر في كل شيء، ليصبح التفكر عبادة ملازمة لي منذ أن أستيقظ في الصباح إلى أن أنام وأختم اليوم بتلاوة السورة العظيمة.
    ودعونا نقول أن التفكر لا يكلفني الكثير، التفكر عبادة أستطيع أن أقوم بها طوال الوقت لا تحتاج حتى إلى وضوء ولا إلى طهارة ولكنها قطعاً تحتاج إلى طهارة قلب

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    تعلم عبادة التفكر في خلق الله






    تدبروا معي قول الله عز وجل


    (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5))

    الآيات تأخذني إلى عبادة أخرى أيّ عبادة؟

    عبادة النظر في خلق السماوات، هذا الخلق العظيم، هذا الخلق الذي يريدني الله عز وجل أن لا أمرّ عليه كما أفعل في كثير من الأحيان مرور الكرام، بمعنى آخر أن لا أكتفي فقط بنظرة عابرة مألوفة للسماء ثم أنبهر بجماله وأقول يا سبحان الله! وتنتهي القصة عن هذا الحد، لا، سورة الملك تريد مني أن أكرر النظر مرة بعد مرة ليست مجرد نظرة عابرة ولماذا تريد مني هذه النظرة؟ لما تريد مني سورة الملك أن أنظر وأتدبر وأتأمل في السماوات والأرض؟

    لأصل إلى حقيقة واحدة أن هذا الخلق العظيم ليس فيه تفاوت ليس فيه خلل ليس فيه قصور ليس فيه أي نقص هذا الخلق على سعته التي لا أستطيع أنا كإنسان أن أنظر كل السماوات بأطرافها هذا الخلق العظيم لا يمكن أن يقوم به إلا الله سبحانه وتعالى. خلقٌ يقودني إلى معرفة الله، خلق يقودني إلى القول بسبحان الله ولكن تسبيح يليق بجلاله عز وجل يليق بعظمته ينكسر فيه القلب إيماناً وخضوعاً وإذعاناً وتسليماً للخالق سبحانه وتعالى. بمعنى آخر أن أتحوّل من النظرة العابرة التي إعتدنا عليها في مثل هذه الأيام وربما قد لا ننظر مع وجود الحضارة المعاصرة ووجود الأسقف إلى آخره بدأنا للأسف الشديد نبتعد عن هذه العبادة العظيمة التي هي ليست لا تخص فقط الجانب الإيماني أو الروحي فينا بل تمس حتى الجوانب النفسية كبشر، أنا بحاجة أن أتوصل مع الطبيعة، أنا بحاجة إلى أن أنظر لهذا الخلق وكل الدراسات العلمية الحديثة تؤكد أهمية النظر في الطبيعة، أهمية أن تكون هناك صلة بيني كإنسان وبين هذا الخلق.

    سورة الملك جاءت بتحدي عظيم لتبثّ في نفسي من جديد عبادة غفل عنها الكثيرون عبادة التفكر من أعظم العبادات أن أتفكر في ملكوت السماوات والأرض. دعونا هنا كذلك نتوقف لحظة عند قول السيدة عائشة رضي الله عنها عن أعجب شيء رأته في حياتها مع النبي صلى الله عليه وسلم حين سُئلت عن ذلك فقالت: لما كان ليلة من الليالي قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي فقلت والله إني لأحب قربك وأُحب ما يسرك، قالت فقام النبي صلى الله عليه وسلم فتطهّر ثم قام يصلي فلم يزل يبكي حتى بلّ حجره وكان جالساً ولم يزل يبكي حتى بلّ لحيته ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض فجاءه بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي أشفق عليه بلال وقال يا رسول الله لِمَ تبكي وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم أفلا أكون عبداً شكوراً؟
    لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكّر فيها

    (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) آل عمران).

    عبادة التفكُّر المنسية في عالمنا المعاصِر، المنسية بما إصطنعناه من مشاغل موهومة، المشاغل موجودة دائماً، المشاغل كانت موجودة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة التي حمل فيها همّ أمة أمة كانت موجودة معه قد حمل الرسالة لها وأمة لم تأت، نحن. هذا النبي العظيم بمشاغله العظيمة الجمّة وجد وقتاً وزمناً كافياً ليقوم بهذه العبادة العظيمة عبادة التفكر في خلق السماوات والأرض وينبه أمته عليها وعلى أهميتها وأنها من الأهمية بمكان بحيث أني لا بد مهما كانت مشاغلي أن أخصص لها وقتاً من الزمن أقتطع وقتاً من زمني من عمري من حياتي لأنظر في هذا الخلق ليس مجرد نظرة عابرة كما ذكرنا، نظرة تقودني إلى عبادة التفكر تحيي وتجدد في قلبي الإيمان بالله تعرفني بموقعي على هذه الأرض


    <<<<<<<<<<



    نظرت في السماوات والأرض
    أين قادتني تلك المعرفة؟





    أنا مجرد إنسان عابر سبيل، أنا سائر، أنا مسافر، أنا إنسان أقوم برحلة لن أبقى على هذه الأرض، ماذا قدّمت؟ أين أنا من إحسان العمل؟ ماذا قدمت لله؟ هل أنا من الفائزين فأهنئ نفسي وأبارك؟ أم أنا من الخاسرين فأعزي نفسي وأسلّيها وأستدرك الأمر قبل
    فوات الأوان؟ أين أنا من خشيتي لله؟ أين معرفتي بهذا الخلق؟ نظرت في السماوات والأرض أين قادتني تلك المعرفة؟

    ولذا جاءت الآية كما ذكرنا
    (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء (28) فاطر)
    أنا أحتاج إلى معرفة وعلم ونظر يقربني إلى الله وليس أنه يباعدني عنه. العلم المعاصر الذي نعيش اليوم وقته وزمانه أين وصل بنا؟ هل قرّبنا إلى الله؟
    هل أوصلني فعلاً إلى درجة الإيمان بالله عز وجل؟ أم أين وصلت؟
    أحتاج أن أتفكّر ولذا جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم
    "ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكّر فيها"
    ويل، خسارة كبيرة، ليست مجرد الويل والوعيد.
    خسارة لي أنا كإنسان أن أمرّ مرور الكرام مرور عابر على كل الآيات التي يمكن لها إذا تفكرت فيها حق التفكر والتدبر أن تصل بي إلى التعرف على الله سبحانه وتعالى فإذا وصلت ربحت كل شيء، ربحت خيري الدنيا والآخرة.

    - لمَّا كان ليلةٌ من اللَّيالي قال عائشةُ ذريني أتعبَّدُ اللَّيلةَ لربِّي قلتُ واللهِ إنِّي أحبُّ قُربَك وأحبُّ ما يسُرُّك قالت فقام فتطهَّر ثمَّ قام يُصلِّي [قالت فلم يزلْ يبكي حتَّى بلَّ حجرَه قالت وكان جالسًا فلم يزلْ يبكي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى بلَّ لِحيتَه قالت ثمَّ بكَى حتَّى بلَّ الأرضَ فجاء بلالٌ يُؤذِنُه بالصَّلاةِ فلمَّا رآهُ يبكي قال يا رسولَ اللهِ تبكي وقد غفر اللهُ لك ما تقدَّم من ذنبِك وما تأخَّر قال أفلا أكونُ عبدًا شكورًا لقد نزلتْ عليَّ اللَّيلةَ آيةٌ
    ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكَّرْ فيها { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ... }

    الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب
    الصفحة أو الرقم: 2/316 | خلاصة حكم المحدث : [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما]


    ولذا جاءت الآيات التي تليها بعد أن قالت

    (وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6)) الملك
    بدأ الحديث مباشرة عن جزاء الكافرين لماذا؟
    لأن الكفر هو حجاب، هو حائل إصطنعه الإنسان بكفره فحال بينه وبين التعرف على خالقه سبحانه وتعالى بيديه، حال بينه وبين الوصول إلى خالق هذا الكون العظيم، كل شيء في السماء ينطق بأن الله واحد، كل شيء في الأرض، كل آيات سورة الملك التي سنأتي عليها تنطق بشيء واحد أن لا إله إلا الله، كل هذه الآيات أمام عيني ولم تصل بي لمرحلة الإيمان وأنا وصلت إلى مرحلة الكفر!
    أكيد هناك خلل وخلل عظيم.

    ولذلك جاءت الآيات

    (إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7)تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8))الملك
    حتى النار، حتى نار جهنم تتميز من الغيظ على هذا الإنسان الكافر الذي رأى كل ما رأى أمام عينيه ولكنه لم يصغي إلى نداء قلبه وعقله وفطرته السليمة لتلبية نداء الحق سبحانه وتعالى.

    ولذا يأتي نوع من أنواع التوبيخ(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) القضية ليست قضية سؤال، القضية توبيخ، القضية زيادة في العذاب لهذا الإنسان الكافر المكذِّب.



    (قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ)
    وتدبروا معي الآية التي تليها يقول فيها

    (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10))
    إذن هي وسائل الإدراك التي وهبها الله لخلقه فعطّلها الكافر بكفره وغيّه
    يا تُرى هل كان هؤلاء الكفار صُمّ؟ عُمي؟ هل كانوا مجانين لا يمتلكون العقل؟
    لو كان بالفعل مجاني لما كانوا عُذّبوا أصلاً، كانوا يمتلكون العقل والقلب والسمع والبصر وكل شيء، كل وسائل الإدراك ولكنهم بكفرهم حجبوا تلك الوسائل عن أن تقودهم لمعرفة الله وخشيته فحال بينهم وبينه الكفر.


    وسائل الإدراك كما يأتي في آيات متعددة في القرآن الكريم
    (لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا) الأعراف
    وقد يكون الإنسان له آذان ولكن لا يسمعون بها ولهم أعين لا يبصرون بها
    (َلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا)الاعراف
    ولذا شبهتهم الآية
    (أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ (179) الأعراف) لماذا؟
    الأنعام والحيوانات ترى الأشياء وتبصر الأمور والآيات الدالة على خلق الله عز وجل ولكن ليس مطالباً منها أن تحوّل هذه المعرفة إلى معرفة تقدم فيها أحسن العمل وأصوب العمل أما الإنسان وحده الإنسان مُطالَب ومُكلَّف أن تقوده هذه المعرفة وهذه الوسائل من الأعين والآذان أن تقوده لمعرفة الله وخشيته، وليست معرفة جامدة معرفة متحركة بمعنى آخر معرفة تدفع بي نحو القيام بأحسن العمل تقديم أحسن العمل بين يدي الله عز وجل عرّفت عليه، أدركت بأنه قادر على كل شيء أدركت بأنه عزيز غفور أدركت أن هذا الملك العظيم خلق السموات والأرض لا يمكن لأي أحد مهما بلغ من القوة أن يدّعيه لا يمكن.


    بعد أن توصلت إلى هذه المرحلة علي أن أتحرّك في إيماني لمرحلة أخرى،
    ما هي المرحلة؟
    خشية الله، هذه الخشية ليست خشية ساكنة وإنما خشية متحركة فاعلة في واقع الحياة تدفع بي نحو أحسن العمل وأخلص العمل، أني حين أقدم العمل لا أقدّمه إلا لله وحده، لا أقدِّمه إلا ابتغاء وجه الله المستحق وحده سبحانه للعبودية، المستحق لأن تقدَّم بين يديه الأعمال وتخلّص من كل شائبة.


    <<<<<<<<<<



    يا نفس احذري فعليك رقيب







    (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12))
    الخشية ليست مجرد خوف لا، هي خوف مع مهابة مع تعظيم مع حبّ وتعلق بالله عز وجل لا يدرك معانيها إلا من ذاقها. ولذا يقول الحسن" تفكُّر ساعة خير من قيام ليلة. تخيلوا معي كم قيام الله عبادة عظيمة جداً والأجر فيها عظيم ولكن أن أتفكر ساعة في الأمور التي تمر بي في حياتي في خلق السموات والأرض في الموت والحياة، في كل شيء، أيّ تفكر، حتى في النمل حتى في الطير حتى في الماء الذي أشرب، لما أتفكر، هذا التفكر خير من قيام ليلة ولكن متى يكون خير من قيام ليلة؟
    إذا أثمر في نفسي وأتت الثمرة ناضجة سويّة، أية ثمرة؟
    ثمرة خشية الله عز وجل. كل تفكر لا بد أن يقودني إلى الخشية من الله عز وجل وأكثر الناس خشية لله أحسنهم أعمالاً. هذه الخشية العظيمة هي التي جاءت وفسرت معناها في الآية التي تليها في سورة الملك

    (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13))
    خشية تجعل استشعار رقابة الله عز وجل الرقابة الذاتية حاضرة أمام عينيّ لا يعود هناك فرق بين السر والعلن حتى الخواطر شعوري وإيماني ومعرفتي بأن الله كان عليكم رقيبا يجعلني أراقب الله حتى في الخواطر التي تخطر ببالي، حتى الخواطر أراقب الله عز وجل، حتى السرّ، أراقب أن الله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى قلبي أو سرّي فيجد فيه ما يغضبه سبحانه.

    نحن لا نُحاسب على هذه الخواطر ولكن ربي عز وجل في سورة الملك يريد أن يؤسس في مراقبتي في السِر لله سبحانه وتعالى، كيف أصل لهذه الرحلة؟
    حين أُدرك أن السر عنده علانية لأنه مطلع لأنه العالم اللطيف الخبير العليم ببواطن الأمور عليم بالخواطر فأراقبه حتى في الخواطر. ولنا أن نتساءل إذا وصلت إلى مرحلة أن أراقب الله في الخواطر التي تدور في خلدي بذات الصدور ولا يطلع عليها أحد سوى الله عز وجل يا ترى كيف سيكون عملي الذي أقدمه بين يدي الله؟
    أكيد سيكون من أحسن العمل.

    وأنا أقول والله لو أن كل كاميرات المراقبة التي في الأرض سُلِّطت على مجموعة من العمال يقومون بعمل معين وصاحب العمل يريد أن يتأكد هل يتقنون أعمالهم أو يضيعون أوقاتهم لا يمكن أن تصل ولا إلى أيّ مرحلة من مراحل استشعار الإنسان بالرقابة الذاتية من قِبل الله عز وجل، يتقن العمل ليس لأن عليه كاميرا مراقبة، لا، يتقن العمل لأنه قد أدرك أن الله يراقبه في العمل الذي يقوم به في كل شيء، في سكناته، في خواطره، في كلماته، في أقواله، في أفعاله. يا ترى كيف ستكون الدنيا حين تبلغ درجة مراقبة الإنسان لربه سبحانه وتعالى واستشعاره بهذه المراقبة في العمل الطي يقوم به كيف ستكون الدنيا؟ كيف يكون الإتقان؟ ستعود عبادة الإتقان والإحسان الغائبة في حياتنا في كثير من الأحيان. الله هو الرقيب، سورة الملك تؤسس في قلبي هذا النوع من العمل، تبين لي كيف أصل لمرحلة العمل أحسن العمل. أحسن العمل ليس بالضرورة أن يكون الأكثر أبداً، الكمّ في القرآن وفي ديننا ليس هو معيار الإحسان، معيار الإحسان في ديننا وفي كتاب الله عز وجل هو الإتقان، هو الجودة التي نتحدث عنها ليل نهار. آيات القرآن تربي فينا الجودة والإتقان. الإتقان في صلاتي، في عبادتي، في مخاطبتي للناس، في أعمالي سواء كنت طبيباً مهنساً عاملاً مراقباً منظِّفاً، كائناً من أكون أتقن عملي وأجعل العمل والوظيفة التي أقوم بها درجات ترتقي بي نحو رضى الله سبحانه وتعالى. ولأني قد بيّت النية أن كل ما أقوم به هو لله فوصلت إلى أخلص العمل يصبح العمل والوظيفة في تلك الأثناء عبادة ويصبح الكون محراباً أتعبد فيه الله سبحانه وتعالى. حين أثدرِّس بإتقان ولا أبتغي رضى أحد إلا رضى الله عز وجل يتساوى عندها من يقدِّر عملي من البشر ومن لا يقدِّر لأن العمل أنا لا أقدمه للبشر وإنما لربّ البشر، فإن غفل البشر وإن نسي البشر أن يقدروا ما أقوم به من عمل فليفعلوا لأن حظي بكل أكيد محفوظ عند رب البشر سبحانه وتعالى
    (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14))


    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    تدبر سورة الملك 




    كيف تنجي نفسك من عذاب القبر؟










    حين يغيب الأهل والأصحاب ويودِّعنا الأقارب والأحباب ويُحال بيننا وبين كل الآمال والأمنيات فلا رفيق ولا أنيس ولا جليس ولا قريب ولا بعيد في تلك الغربة وفي ثنايا تلك الوحدة تأتي هذه السورة العظيمة لتشفع لصاحبها


    كما قال النبي صلى الله عليه وسلم


    "إنَّ سورةً في القرآنِ ثلاثونَ آيةً شفَعت لصاحبِها


    حتَّى غُفِرَ لَه تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ
    الراوي : أبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح ابن ماجه
    الصفحة أو الرقم: 3068 | خلاصة حكم المحدث : صحيح ".

    اليوم نتدبر في سورة الملك التي وردت أحاديث جيدة الإسناد بأنها المانعة من عذاب القبر. يا ترى ماذا في هذه السورة العظيمة من معاني تجعل قضية المنع من عذاب القبر قضية حاضرة لصاحبها لمن يديم ويداوم على تلاوتها في كل ليلة ماذا في سورة الملك؟ ماذا من مقاصد هذه السورة؟

    السورة مكية تتحدث بكل تأكيد كما هي كل السور المكية تتحدث عن الإيمان بالله، تتحدث عن اليوم الآخر، تتحدث عن العذاب، تتحدث عن الجزاء، ولكن ماذا أيضاً في هذه السورة؟
    سورة الملك كما سيأتي بعد قليل بعض آياتها تغرس في نفس المؤمن الذي يداوم على تلاوتها وتدبر معانيها الخشية بالغيب، الخشية من الله سبحانه وتعالى بالغيب. والخشية بالغيب كما سنأتي عليها هي التي تحول بين الإنسان وبين عدم القيام بكل وبأي" شيء يمكن أن يُدنيه من غضب الله سبحانه وتعالى. هذه الخشية كما في سورة الملك كما في سور القرآن، السورة تؤسسها آية بعد آية بطريقة عملية ولذا كان أول آية في السورة كانت هي
    (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

    تستعرض السورة في الآيات الأول منها التعرف إلى الله سبحانه وتعالى، أنا لا يمكن أن أخشى الله عز وجل -وسنأتي على معنى الخشية بعد قليل- لا يمكن أن أخشاه وأصل إلى مرتبة الخشية من الله بالغيب دون أن أتعرّف إليه، وكيف أتعرف إليه وهو سبحانه ليس كمثله شيء؟ وهو سبحانه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار؟ ربي سبحانه في سورة الملك عرّفنا بنفسه عليه وعلى صفاته جلّ في علاه من خلال ملكوته، من خلال التعرف على خلقه، من خلال النظر والتفكر والتدبر في آيات ملكه سبحانه وتعالى. ولذا جاءت هذه الخشية مبنية على أساس، أساس التعرف على الله سبحانه وتعالى فكلما إزددت معرفة به سبحانه كلما إزددت تعرّفاً على صفاته وأسمائه كلما إزددت تعلقاً بملكه واستشعاراً لعظيم قدرته ورحمته سبحانه وتعالى كلما ازددت خشية له، ولذا جاء في قول الله عز وجل


    (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء (28) فاطر)
    العلم والمعرفة بالله سبحانه وتعالى.


    ,,,,,,,,,,,,,,,,



    الله الملك



    بدأت السورة المكية بقوله سبحانه وتعالى
    (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)سورة الملك 1
    ملك وقدرة، ملك بدون قوة وبدون قدرة لا يُسمى ملكاً.
    ملك الله عز وجل ليس فقط مجرد ملك على سبيل التجوز كما يقال لفلان ملك ولفلان رئيس ولفلان مسؤول أو ما شابه،
    لا.
    ملكه جل في علاه القدرة على التصرف فيه هبة ومنعاً وعطاء وأخذاً ورداً وإزالة وإقامة ملك كامل وهو قادر على تحقيق هذا الملك سبحانه وتعالى، فكل ما في هذا الملكوت الإنسان الشجر الطير ما سيأتي من قضايا ذكرتها السورة في الثلاثين آية لا تخرج عن إرادته سبحانه وتعالى بأي حال من الأحوال حتى القطرة التي نشرب حتى الطير الذي يحلّق بجناحيه في الفضاء لا يستطيع أن يفرد جناحيه ويقبض الجناحين إلا بإرادته سبحانه، هو الذي أعطى، هو الذي وهب، هو الذي منح، حتى أنفاس الحياة هو سبحانه من يمنحها.

    هذا الملك العظيم الواسع بيده سبحانه وتعالى ولا يخرج عن قدرته عز وجل. ولذا جاءت الآية التي تليها مباشرة لتترك للإنسان مساحة لكي يحاول أن يقارن إن صحت هناك مقارنة -ولله المثل الأعلى- بين من يدعي الملك من البشر كما فعل فرعون على سبيل المثال قال
    (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي (51) الزخرف).
    قد يتوهم الإنسان بحكم قدرته الموهومة، بحكم صلاحياته، بحكم ظلمه لنفسه بأنه يمتلك المل ك والقوة فجاءته الآية الثانية مباشرة من سورة الملك لتعطيه نوعاً من أنواع النظر في نفسه على وجه الحقيقة لتوقظه بمعنى آخر، لتجعل هذا الإنسان يعود إلى وعيه من جديد بقول الله
    (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)
    كل من في الأرض ممن يتوهم أو يتصور في لحظة من لحظات الزهو بالنفس أنه يمتلك قوة أو يمتلك ملكاً هل يستطيع أن يدعي القدرة على الموت وعلى الحياة؟
    لا يمكن.


    ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,



    الحياة الدنيا دار اختبار


    النمرود بجهله وحماقته حين إدعى أنه يحيي ويميت ما كانت القضية قضية الإحياء والإماتة كما هي في الواقع المعاش الذي نراه
    أن تتوقف أنفاس الحياة ونبضات القلب أو أن تدب فيه الحياة وينبض القلب،
    كان مجرد إدعاء وحماقة منه.
    لا أحد حتى فرعون إستطاع أن يدعي القدرة على الإحياء والإماتة
    هذا أمر يدخل في ملكه سبحانه وتعالى.

    سورة الملك وهي تقدّم لي هذا المعنى وهذه الآية الأولى من دلائل ملك الله عز وجل وقدرته تريد أن تخرج بي من النظرة المألوفة المعتادة التي لا توقظ الضمير، التي لا تبعث الإيمان في قلب المؤمن، التي لا تجدد الإيمان، التي نجعل حتى قضية الحياة والموت قضية مألوفة معتاد عليها.

    فكل الناس يرون الحياة أمام أعينهم ويرون المواليد الجدد ويرون كذلك الموت ولكن سورة الملك تريد أن تغير هذه النظرة وتخرج بها من قضية الإلفة والإعتياد التي لا تجدد الإيمان إلى إحيائها في قلبي من جديد لتصبح قضية الموت وقضية الحياة قضية غير مألوفة قضية توصلني إلى الإيمان بالله، قضية تقربني من معرفة الله عز وجل واستشعار هذه المعرفة والوصول بها إلى الخشية من الله سبحانه وتعالى.

    الموت والحياة ليست قضية مألوفة، كون أنها تتكرر في كل ساعة وفي كل يوم وفي كل لحظة ومع كل مخلوق هذا لا يخرج بها عن حد الإعجاز والقدرة العظيمة لله إلى حد الإلفة والإعتياد حتى تصبح مسألة معتادة لا تحرك فيّ ساكناً ولا تجدد فيّ إيماناً ولا تبعث في حياتي ولا في قلبي الإيمان والخشوع والخشية والخضوع لله من جديد هذا ليس بمقبول، كيف؟

    تأملوا معي ختام الآية حين يقول الله سبحانه وتعالى
    (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)
    إذاً الموت والحياة ليست مجرد قضية معتادة ومألوفة، الموت والحياة لهما غاية، لهما ككل شيء في هذا العالم الذي خلقه لله سبحانه وتعالى هدف نتيجة المسألة مسألة إختبار.

    حياتي على هذه الأرض وبقائي على الأرض ليست مجرد رحلة ليست مجرد أيام وسنوات أقضيها وأقلب الأوراق في ثناياها ليست مجرد عد للأيام دون حساب ولا كتاب، أبداً. القضية من ورائها هدف ما هو الهدف؟
    ليختبركم أيكم أحسن عملاً من منكم من هؤلاء البشر الأعداد المهولة من البشر منذ أن خلق الله آدم عليه السلام إلى قيام الساعة من منكم يستطيع أن يقدم أحسن العمل بين يدي الله عز وجل؟.

    ودعونا هنا نتوقف للحظات أليس الله سبحانه وتعالى وهو اللطيف الخبير -كما ستأتي علينا في السورة- أليس بعالم من سيقدم من خلقه أحسن العمل من أسوأ العمل؟
    بكل تأكيد، ولكنه سبحانه وتعالى من تمام عدله ورحمته وكرمه مع خلقه أنه لم يقم الحجة علينا بعلمه بل أراد أن يقيم الحُجة علينا بأعمالنا وتصرفاتنا وسلوكياتنا.
    هو يعلم في سابق علمه سبحانه من منا سيقدم أحسن العمل ومن منا لا يقدم ولكنه مع ذلك أراد أن يقيم الحُجّة علينا بأعمالنا وسلوكنا


    ,,,,,,,,,,,,,,,,,



    الإخلاص في العمل



    (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)
    سورة الملك كما سنأتي عليها في تدبر الآيات تقدم لي الخطوات كإنسان كما هو كل القرآن، القرآن ليس لمجرد التلاوة أن أتلو كل ليلة سورة الملك وتنتهي المسألة، لا. القرآن يؤسس القرآن يغير القرآن يحيي القرآن يبني القرآن يبثّ الحياة ويجدد الحياة في إيماني وتوحيدي وفي صلتي بالله سبحانه وتعالى. في سورة الملك الآيات تسير معي خطوة بخطوة للوصول إلى درجة أحسن العمل، كيف أقدِّم أحسن العمل؟

    أحسن العمل كما ورد في كثير من الآثار والأقوال للعديد من الصالحين والعلماء
    هو أخلَص العمل وأصوبه.
    أخلص أي أن أقوم بالعمل الذي أقوم به وأقدمه بين يدي الله عز وجل ولا أرى أحداً سوى الله سبحانه وتعالى في عملي بمعنى آخر أن أنقي العمل من كل شائبة لا أعمل من أجل مدح الناس وثناء الناس لا أعمل لكي يقال فلان كريم وفلان شجاع وفلان جريء وفلان حافظ للقرآن وفلان كذا وكذا، لا أعمل من أجل أن أنال أجراً من أحد، لا أعمل لأجل أن أنال مسألة مادية في الدنيا، لا أعمل لأجل أحد أعمل لأجل الله وحده، ولكي أصل إلى مرحلة الإخلاص هذه المرحلة العظيمة عليّ أن أكون أكثر خشية وأكثر معرفة بالله سبحانه وهو ما تقدمه لي آيات سورة الملك.

    إذاً أحسن العمل أخلصه وأصوبه أي ما كان وفق ما جاء به الله سبحانه وتعالى من أوامر في القرآن وما جاء على لسان حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم في سنته.

    سورة الملك بآياتها العظيمة تبدأ معي خطوة بخطوة بعد أن جاءت الآية الثانية في الحديث عن الإعجاز والمعجزة العظيمة في قضية الخلق وفي قضية الموت والحياة بدأت تأخذني إلى عالم آخر، العالم الذي أراه أمامي عالم الشهادة وليس عالم الغيب. عالم الشهادة الذي يبصِّرني بخلق السماوات والأرض


    يتبع

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


    من مواصفات أهل الغرف الأخرى

    (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17))

    معنى الطاغوت


    اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله، ورد ذكر الطاغوت كثيراً في القرآن منها في سورة البقرة (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) البقرة)


    بعض الناس يعتقد أن الطاغوت صنم، حجارة، فطالما الآن ليس هناك أصنام فالحمد لله!

    ابن القيم عنده كلام جميل في معنى الطاغوت أنه كل ما طغى وتجاوز الحدّ الذي وضعه الله كما ذكر في عدد من الآيات (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا (229) البقرة) (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا (187) البقرة) فكل ما يتجاوز الحدّ طغى ولذلك جاء في الآيات (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) العلق) يتجاوز الحدّ (أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى (7) العلق).

    يقول ابن القيم: طاغوت كل قوم من يتبعونه على غير بصيرة أو يطيعونه بما لا يعلمون وبما يعلمون أنه معصية لله عز وجل(كلام مخيف ويدل على أن الطواغيت كثيرة وأن الطواغيت لم تنتهي) ثم يقول: ولو تأملت أحوال الناس اليوم لرأيت أكثرهم عدلوا عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت وعن التحاكم إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم إلى التحاكم إلى الطاغوت وعن طاعته طاعة الله ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم إلى طاعة الطاغوت ومتابعته.



    وأصحاب الغرف ليسوا أنهم لم يتبعوا الطاغوت فقط وإنما اجتنبوا كل ما يمكن أن يقرّب من الطاغوت بكل تأثيراته الفاسدة. فلنحدد أسماء لطواغيت قد تكون شيئاً أو مؤسسة أو تلفزيون أو أي شيء، كل ما يمكن أن يتبع غير الله ويطيعه في غير الله صار طاغوتاً يُعبد فقد لا ينتبه الإنسان لنفسه فالمال قد يكون طاغوتاً والشهرة يمكن أن تكون طاغوتاً وأشياء كثيرة مختلفة فعليّ أن أنتبه. فأصحاب الغرف اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها ولذلك بعض العلماء فسروها (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا) لا يعني سجدوا وركعوا لها عبدوها بطاعتهم لها، تتحكم في حياتهم، يتحكم الطاغوت في حياتي كما يحصل عندنا هوس أحياناً في أمر يتحكم بنا قد يكون أشياء مختلفة طغى وتحكّم.



    ليست المسألة في أن الله عز وجل يحرّم الزينة (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ (32) الأعراف) الإشكالية حين تصبح زمام القلب الذي يفترض أن يكون خالصاً لله، بدل أن ينجر ويُحكم بحكم الله أصبح يُجر بحبل وراء أشياء مختلفة من أهواء الدنيا، إعلام، مسلسلات، أشياء مختلفة! فهؤلاء أهل الغرف اجتنبوا ومعنى الإجتناب أنهم لم يكتفوا فقط بالابتعاد لكن فوق الابتعاد فعلوا شيئاً آخر وهو أنهم حاولوا أن يوقفوا طغيان هذا الذي قد طغى بطرق لطيفة، على سبيل المثال بناتنا ونساءنا لو سمعت كلمة سيئة أو شيء سيء لا تكتفي فقط أن تكرهيه بقلبك لأن الاجتناب مراحل يبدأ بالقلب أن أكره هذا الشيء ولكن إحدى المراحل الأفضل مواجهة الشر بالخير، أطفئ النار بالماء، أطفئ الشر بالخير وبالمعروف، أطفئ الكلمة السيئة بالكلمة الحسنة الطيبة، أطفئ الفساد بالصلاح وبالتالي يحضرني الآن مثال هذه الآيام الإعلام في رمضان يشدّ كل الوسائل التي عنده بقده وقديده ويخرج لنا بأشياء مختلفة وقد لاحظت هذه السنة تحديداً حملة شعواء على القيم والأخلاق التي كان لا يجرؤ في السابق أن يرمز لها رمزاً لكنه اليوم تجرّأ ولذلك أصحاب الغرف اجتنبوا الطاغوت حتى لا يدعوا له مجالاً أن يمتد. والطاغوت سمي طاغوتاً لأنه كلما يزيد يزيد أكثر



    هناك مسلسلات وبرامج بدأت تتكلم عن العلاقات غير المشروعة بشكل لطيف وتعرض على أسماع بناتنا وشبابنا ويصورون أن هؤلاء الناس أبطال ويصورونهم على أن عندهم جمال ولكن كل ما فيهم غير مشروع وغير شرعي وضد القيم، ارتكس في النفس وإن كرهته لأن النفس تربط بين العين وبين القيمة.


    السؤال هل أصحاب الغرف يتفرجون على هذا؟

    ما كانوا نالوا الغرف يوم القيامة! ما المطلوب منا؟

    لا بد أن يكون هناك إعلام مضاد، لا بد أن يكون بقدر ما يرمي من سموم لا بد من الخير لأنه في النهاية الزبد لا بد أن يذهب جفاء وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض وهذه حقيقة لأنه مخالف للفطرة لكني أحتاج أنا كإنسان أن يكون عندي صوت وصوت مسموع لأجل أن يصل ولأجل أن يكون هناك إبداع وجمال. يعجبني الكارتون رأيت برنامجاً جميلاً يعرض قصص من القرآن بطريقة لطيفة فإذا أعجب الكبير سيعجب الصغير، أنا لا أؤيد ولا أدخل في تفاصيل ولكن القصد أن الإنسان لا بد من أن يبحث عن البدائل ويقدّم البدائل ولا يكتفي بأن يكره ما يراه ويجري، أصحاب الغرف ليسوا سلبيين وليسوا عالة على مجتمعاتهم هم أناس مبادرين يقدّمون البديل قبل أن يتكلموا.

    من صفات اهل الغرف أيضاً

    (وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ)

    ولنقارن بين الإنسان الكافر والمؤمن لما قال (وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ) وبين المؤمن (وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ) الفرق بينهما كبير لأن الكافر أناب إلى ربه لأنه شعر بالضعف والعجز والمؤمن أناب إلى ربه لما شعر بالحق وأراد أن ينتصر إلى الحق، هو دائم الإنابة إلى ربه. وهنا يظهر معنى الإخلاص ومعنى العلاقة بين العبد وربه في الاعتقاد الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى وهو روح كل شيء في حياتنا، هو المقصد والأساس وخاصة في هذه الأيام العظيمة عندما ندعو الله عز وجل ونناجيه في سرّنا ودعونا من كل قلبنا فخشع قلبنا وسمعنا وبصرنا وبكينا فهذه الدمعة قيمتها عند الله عز وجل عظيمة وتعدل الكثير فعلاقة المخلص مع ربه عز وجل ليست علاقة كمّية وإنما علاقة نوعية قائمة على الإخلاص


    ولذلك
    (لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ)


    والبشرى قال فيها العلماء والمفسرون أشياء كثيرة، قد تكون في الدنيا وقد تكون بشارات من الرؤى الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له كما في الحديث الصحيح ويمكن أن تكون بشرى الملائكة حين تتلقاه (بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا (12) الحديد) هذه كلها بشرى وبالتالي هل العمل الذي يقوم به الإنسان ويتعب فيه في الدنيا يزول بمجرد البشارة! لنتخيل لثواني الإنسان وهو يفارق الدنيا والناس من حوله يبكون عليه وهو في عالم ثاني مستأنس لأن الملائكة تتلقاه ويرينه مكانه وقصره وجناحه فهل سيفكر بما رآه في الدنيا؟! وهل يفكر بالتعب الذي رآه؟! لماذا نحن نتعلق بالدنيا كثيراً ولا نحب الآخرة؟ لأننا نخاف، نربط الأمور بالوحدة وبأشياء أخرى وتراثنا الشعبي صوّر لنا الموت على أنه وحشة وتعب وضنك ووحدة وألم بينما القرآن يعرّفني بالصورة الأخرى لمن أخلص لله العمل.

    ومن أروع صفات أهل الغرف

    (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ)


    القول هو القرآن (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ (68) المؤمنون)
    القول هو القرآن، القرآن كله حسن فهل هناك حسن وأحسن؟
    ربي عز وجل من رحمته بنا يعرف طاقتنا فهو خلقنا يعرفنا لا يكلف نفساً إلا وسعها ويعرف أننا لن نذهب جميعنا إلى الغرف وأدنى إنسان في الجنة منزلة ملكه يعدل ملك سبعين ملكاً في الدنيا كما جاء في الأحاديث الصحيحة لكن الإشكالية في صاحب أدنى منزلة أنه لما ينظر إلى أهل الغرف لا يشعر بما عنده فيتحسر لأن الفرصة كانت أمامه! نضرب مثالاً أولادنا أول ما يأخذوا درجاتهم يفرحون لكن عندما يرى زميله أعلى درجة منه فلا يشعر بلذة النجاح كثيراً وهذه طبيعة النفس.


    المشكلة أنه في الجنة انتهى وقت للعمل ولا رجعة فالإنسان لا بد أن يعمل لأن القرآن مبني على العمل وأهل الغرف (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ). كيف يتبعون أحسنه؟



    على سبيل المثال قال الله عز وجل في سورة البقرة (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ (179) البقرة) واحد قتل آخر فيجوز لأولياء المقتول أن يقتلوه لأولياء المقتول (القصاص) أن يطالبوا بدم القاتل وهذا حقهم المشروع كتبه الله سبحانه وتعالى ومكتوب في القرآن، لديهم خيار آخر وهو أن لا يقتلوه وإنما يأخذون الدية وهذا أيضاً في القرآن ولهم درجة أعلى وهي درجة أصحاب الغرف (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ (40) الشورى)

    فهؤلاء أصحاب الغرف لا يتبعون فقط الشيء الحسن الموجود في القرآن بل الأحسن.

    أليس هذا صعباً أن ترى قاتل ابنك أمام عينك يمشي وتعفو لوجه الله عز وجل، العقيدة تتحول إلى عمل. كيف يمكن أن يتولد هذا عند الإنسان؟ عندما يعمل الإخلاص عمله في القلب فيبدأ الإنسان يتيقن أن ما عندكم ينفد وما عند الله باق والكلمة واضحة (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ (100) النساء). (فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ (1894) البقرة) يمكن أن يعتدي عليك أحد بكلمة فتردين لها بكلمة لكن الأحسن أن تدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم في غير ضعف، في غير خنوع في غير ذلّة هو قادر على أن يرد الإعتداء لكنه لا يرد لأنه يتبع التي هي أحسن (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (34) فصلت)




    هؤلاء هم أهل الغرف لأن المسألة فيها مجاهدة، عندهم اختيارات لكنهم يختارون الأحسن. وقس على هذا كل شيء في حياتك، عندك ديناران وبإمكانك أن تخرجي أحدها وتبقي الآخر وتجدين لهذا ألف فتوى وأغلبها يقول لك تصدقي بدينار واتركي لك ديناراً لكن أنت في يوم من الأيام أردت أن تتبعين الأحسن فتنفقينها كلها. (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) العلاقة مع القرآن استماع والاستماع ليس معناه سماع وإنما سماع باهتمام يعني لما تأتيني الآية أنا مستعدة لأن أتلقاها (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) في كل شيء، في لبسك في قولك في فعلك في كلامك تنتقي كلماتك لأجل أن تبحثي عن الأحسن، لمن هذا كله؟




    لله الواحد القهار. لا بد أن يكون لله الواحد القهار لما أترك لبس شيء يعجبني لأنه لا يتناسب مع اللبس الذي أمر الله سبحانه وتعالى به أو أشياء أخرى متعددة بينك وبين نفسك، هذا كله لله الواحد القهار وضعي في بالك قاعدة ختمت بها الآية
    (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)




    اسلاميات

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ (9))
    لم يمر في شدة لم يمر في محنة لم يمر في فقر أو مرض أو في المستشفى، هو يعرف الله في الشدة كما يعرفه في الرخاء، يعرفه في الأفراح والدنيا مقبلة عليه والأعراس لأن البعض في الأفراح ينسى كل شيء! يبدو من الصخب والمزامير والطبول ينسى الدنيا وكأن حياته هي هذا العرس الذي لا يدوم إلا سويعات في عمر الزمن والله عز وجل وهو الملك وهو أغنى الشركاء عن الشرك يحب العبد أن يسأله في الرخاء كما يسأله في الشدة، لك أن تخيلي وأنت في وسط العرس والفرح تقولين بقلبك يا رب اغفر لي وارحمني، اذكريه حين يغفل عن ذكره الغافلون!
    الإخلاص الذي تربيه في قلبي سورة الزمر يبني في قلبي أن يكون القلب معلقاً بالله عز وجل. ولذلك استحق جزاء الغرف. والغرف ليست كباقي المنازل وفيها يتنافس المتنافسون.

    ليس عنده طلب محدد أن يكشف الله ما به من ضر هو كل الذي يهمه أنه يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه، هذه كل أمنيته وقدّم يحذر الآخرة على ويرجو رحمة ربه بخوف، يعيش في قلقل، يعمل العمل وهو غير متأكد هل قبل الله تعالى منه أم لا؟ يحمل همّ قبول الله لعمله. كم مرة نحن نحمل همّ إن كان ربي تقبل مني أم لا؟ كم مرة ندعو الله عز وجل ونلح على ربنا أن يتقبل منا دعاء المضطر لا دعاء من له حاجة طالب المصلحة الذي يدعو وقت حاجته وعندما تنقضي يتوقف! لا، أصحاب الغرف شيء آخر، هذه أولى عباداتهم.

    وتختم الآية بقوله سبحانه وتعالى

    (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ (9))
    من يصل إلى هذه الحقائق؟
    أصحاب العقول الموزونة الكبيرة التي تعرف أن تفرّق بين الزائل الفاني الذي لا يساوي فلساً الدنيا بمتاعها وبين الباقي الذي لا زوال بعده. نحن في الدنيا اعتدنا أن نشتري وندفع الأموال في أشياء نريدها أشياء زائلة ونحن نريد أن نشتري في الآخرة، فلنقارن وسورة الزمر مقارنة، نحن نريد أن نشتري غرفة من هذه الغرف والشراء في الآخرة ليست نقداً وإنما دفعها أعمال قلبية توحيد، أدفعه من قلبي، من نفسي من مراقبتي لله بقلبي والله هو الغني سبحانه وتعالى عنا وعن أموالنا فالمال ماله هو أعطانا إياه لكن الكلام هنا عن القلب عن الإخلاص عن التوجه بالعمل لله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له.


    (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10))
    يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب والكريم لما يعطي يعطي بلا حساب!.
    الإخلاص يحتاج لصبر ومجاهدة نفس، النفس تحب أن تُمدَح وتحب أن ترى نفسها، وتحب أن يقال عنها كل شيء جميل ويعجبها أن تكون في منزلة جميلة والناس لا تنتقدها ويقولون عنها كل أمر طيب، هذه ليست مشكلة لكن تبدأ المشكلة عندما يتعارض هذا مع ما يرضي الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. النبي صلى الله عليه وسلم كان في مكة وقومه أسموه الصادق الأمين وامتدحوه يستشيرونه ويأتمرون بأمره ولكن بعدما جاءت الرسالة وقال ما لم يعجبهم قالوا عنه ساحر وكاهن ومجنون وتقوّل علينا بعض الأقاويل! السؤال في مثل هذه الحال، انظر الموازنة: رضى الله أو رضى الناس؟!
    لذلك جاءت الآية (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا) الخطاب في السورة ليس فقط للنبي صلى الله عليه وسلم والسورة مكية وإنما خطاب عام (اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ) الأرض التي لا تعلمك ولا تعطيك فرصة أن تكون مخلصاً لله فأرض الله واسعة لا تضيق بأهلها ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم ضاقت فيه بلده مكة التي يحبها هاجر لأن الحق أغلى من مكة، هذا الإخلاص، وفي النهاية (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ).

    ولذلك تأتي الآيات بعدها

    (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴿١١﴾ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ ﴿١٢﴾ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿١٣﴾ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي ﴿١٤﴾ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ)
    حوار لنا جميعاً لأن هذا القرآن باق ولا يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم لوحده، القرآن يخاطبني اليوم، قد يقول قائل لم يعد هناك أصنام وأوثان والكل موحدون والكل يصلّون والحمد لله. ولكن الكلام القاطع الفصل في الآية قولوا عني ما شئتم لكن في النهاية قل الله أعبد مخلصاً له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه، تحدي وقوة! من أين جاءت هذه القوة؟
    هو صلى الله عليه وسلم فرد قال فيه الله سبحانه وتعالى (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) الكوثر) النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عنده ولد فعيّرته قريش أنه أقطع حاشاه فأنزل الله عز وجل الآيات (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) الكوثر) من أين جاءته صلى الله عليه وسلم هذه القوة؟
    الرب عز وجل الذي يعبده وأخلص له العبادة عزيز قهار حكيم عليم له الملك فأنى تُصرفون. من يعبد مخلصاً له الدين؟
    يعبد الغش والكذب أو الصدق الذي يراه (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ (33))؟
    المؤمن عندما يُخلص العبادة لله تصبح عنده قوة يمكن أن تحرّك الجبال!
    ربما الأسباب المادية محدودة فمن أين تأتيه كل هذه القوة؟!

    من يقينه بأن الرب الذي يُخلص له العبادة كلما أخلص له العبادة كلما سانده ولو حاربته الدنيا كلها لأن السند هو العزيز القهار وسيظهر من ينتصر في النهاية. الإخلاص ليس شارة أضعها أو شعار أضعه وإنما هو سر بيني وبين الله ولذلك المفروض في هذه الأيام أن نكثر ونلحّ في الدعاء: اللهم اجعل سرّي خيراً من علانيتي. فكما نتزين أمام الناس يجب أن نعدّل سرّنا أمام الخالق، سرّي يراه ربي سبحانه وتعالى فلنعدّل سرائرنا بالتخلص مما لا يحبه الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإن كابرنا ولم نحاسب أنفسنا الآن وانشغلنا فقط بعدّ الركعات التي نصليها ركعة بعد ركعة وتسبيحة بعد تسبيحه لكن لا بد أن تقودني عبادتي هذه إلى تطهير السر الذي ينظر الله عز وجل إليه النقاوة والطهارة التي يراها الله عز وجل إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم والإيمان والإخلاص في القلب فإذا نظر الله عز وجل إلى قلب أحد فلا يرينّ فيه سوى الإيمان به والاعتقاد به والتوحبد به إلهاً واحداً لا إله إلا هو.



    (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15))
    قد يعرَّض المؤمن أو المخلص إلى خسران أشياء كثيرة مادية في الدنيا يمكن أن يخسر تجارة كما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم في البداية، خسر مكة أول الأمر وبعض المسلمين وأغنى الأغنياء منهم خسر تجارته وماله وأهله وخرجوا وتركوا كل شيء فخسروا بمعدل الربح والخسارة ولكن هذا ليس الخسران الحقيقي فالخسارة الحقيقية يوم القيامة. إذن المخلص حتى يترقى في درجة الإخلاص عليه أن يتجافى قليلاً عن دار الغرور الدنيا ويعلق نفسه قليلاً بالآخرة. نحن إشكاليتنا هذا التعلق الممقوت بالدنيا، نحن نحب الدنيا! إياي أن أحبها لأجلها هي فهي لا تستحق، إن أحببتها أحبها لأجل أن أستزيد من العمل ولذلك جاء في الدعاء الصحيح (أحييني ما علمت الحياة خيراً وأمتني ما علمت الوفاة خيراً لي) أنا قلبي ليس متعلقاً بها، علي أن أدرك وأستحضر أن الحياة الحقيقية هي هناك إن أردنا أن نكون من أهل الغرف. الغرف أعلى مرتبة وهي في الفردوس الأعلى.

    في المقابل والعياذ بالله، سورة الزمر تعرض لي أمثلة متقابلة، الشيء وعكسه، الغرف فوقها غرف يعني هي درجات وطوابق وفي نفس الوقت والعياذ بالله أهل النار لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل من النار

    (لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16))
    الإنسان يستوحش لما يرى الصور المتقابلة وفي نفس الوقت يفكر في العمل فتأتي صفات عمل أهل الغرف.




    اسلاميات

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    قد ورد في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ سورتي الإسراء والزمر قبل أن ينام؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عن عَائِشَةُ رضي الله عنها، "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «لاَ يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ الزُّمَرَ، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ»".

    محور السورة الإخلاص، الإخلاص الذي لا يُقبل أيّ عمل من الأعمال دون وجوده في قلب المؤمن. كثير من سور القرآن محورها الأساس هو بناء الإخلاص وهو سرٌ في قلب الإنسان، بين الإنسان وربه عز وجل ولكن الجميل والعظيم في هذه السورة التي خصصت للإخلاص أنها تعلمني كيف أُنمّي الإخلاص في قلبي سواء في التوحيد والاعتقاد أو في العمل ولا بد أن يسبق الإخلاص في الاعتقاد الإخلاص في العمل. والجميل أيضاً أن الله عز وجل ولذلك سميت هذه السورة عند معظم التابعين “سورة الغرف” لأنه قد ورد فيها وصف الغرف والغرف التي جاء ذكرها في آخر السورة سنأتي عليها جعلنا الله من أهلها وردت في سور أخرى ولكن ليس بهذا الوصف الذي جاء في هذه السورة العظيمة.

    ورد في البخاري عن وصف الغرف: عن أبي سعيد الخدري قال: “قال النبي صلى الله عليه وسلم إنَّ أَهْلَ الجنَّةِ ليتَراءونَ أَهْلَ الغرفِ مِن فوقِهِم، كما تتراءونَ الكوكبَ الدُّرِّيَّ الغابرَ منَ الأفقِ منَ المشرقِ أوِ المغربِ، لتَفاضلِ ما بينَهُم قالوا: يا رسولَ اللَّهِ تلكَ مَنازلُ الأنبياءِ لا يبلغُها غيرُهُم، قالَ بلَى، والَّذي نَفسي بيدِهِ ! رجالٌ آمَنوا باللَّهِ وصدَّقوا المُرسَلينَ. الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: مسلم – المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 2831- خلاصة حكم المحدث: صحيح” أهل الجنة يترآؤن أهل الغرف كما نرى النجوم في الدنيا وهذا يدل أن الجنة متفاوتة المنازل، جعلنا الله في أعلاها.

    التفاضل بين أهل الجنة في المنازل والمراتب. إذا كان أهل الجنة ينظرون إلى تلك الكواكب البعيدة أهل الغرف بهذا البعد والعلو إذن لا يمكن أن تكون هذه منزلة لأحد عادي من البشر فتساءل الصحابة تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم بلَى، والَّذي نَفسي بيدِهِ ! رجالٌ آمَنوا باللَّهِ وصدَّقوا المُرسَلينَ، نسأل الله أن يجعلنا منهم. إذن مبدئياً من الأساس التفاضل في الدرجات ما بين أهل الجنة شيء رائع أعلاها أصحاب الغرف والمنزلة ما بينهم وبين أهل الجنة كما ينظر أهل الأرض الآن إلى الكواكب البعيدة عنهم. السؤال جاءت في سورة الزمر تحديداً وسورة الزمر تتكلم عن الإخلاص، صحيح أن الله سبحانه وتعالى لا يُدخل أحداً منا الجنة ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمله ولكن الجزاء من جنس العمل فعندما أطلب أن أكون من أهل الغرف أعلى درجة لا بد أن أوطن نفسي على عمل أهل الغرف، صحيح أني لن أبلغ بعملي ولكني لأن الله وفقني لأعمل شيئاً لا بد، ولذلك من يطلب الحسناء لم يغلها المهر، سيدفع. والذي ينجح بمعدل 50 ليس كمن ينجح بمعدل 98 ولا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون. أنا أوطن نفسي من البداية في سورة الزمر أن المسألة تحتاج إلى مجاهدة نفس وتحتاج أن أهيء نفسي للعمل وهو يسير على من يسّره الله عليه.

    أول بناء في بناء الإخلاص أن أتعرف على الله عز وجل ونحن لا نتعرف عليه سبحانه وتعالى إلا من كتابه وآياته المبثوثة في الكون فربي عز وجل يتعرف إليّ بالقرآن ولذلك بدأها فقال
    (تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) ثم توالت صفات الله عز وجل حتى يعرّفني، لماذا يعرّفني؟

    فلنا أن الإخلاص معناه أن أُخلّص، أن أنقي اعتقادي، عملي، إيماني، لكي أعرف أن أصل إلى مرحلة النقاء عليّ أن أعرف من هو الرب الذي أعبده سبحانه وتعالى الذي لا تدركه الأبصار، لما أريد أن أخلط عملي بالنظر لرؤية الخلق ولممدحة الخلق ولثناء الناس ما الذي ضيعته على نفسي؟!

    سنجد ما يقابل الإخلاص وهو الشرك الخفي والعياذ بالله، الرياء، أن أبتغي بعملي محمدة الناس، أن أبتغي بعملي نظر الناس إلى ما أقول وهذه كارثة تحلق العمل لأن الله عز وجل أغنى الشركاء عن الشرك لا يقبل أن يشرك به لا في الاعتقاد ولا في العمل. في العمل أريد أن أضرب أكثر من عصفور بحجر أما في الإيمان والعمل لا ينفع ضرب العصافير لا ينفع!

    ما معنى (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) الأنعام) وأنا أتوجه أتوجه إلى الله بعملي بعقيدتي بتوحيدي ولن أتوجه بكلّي إلى الله إلا لما أعرف من الرب الذي أنا أعبده ولذلك جاءت الآيات واحدة تلو الأخرى وأول قضية ذكرناها أنه لا وساطة ولا وسطاء بيني وبين الله عز وجل ليس بيني وبينه إلا أن أقول يا رب وهو قريب يجيب الداعي إذا دعاه وأتوجه إليه بصدق وإخلاص.


    ثم توالت الآيات في التعرف على آيات الخلق، ولذلك الآيات التي ستأتي آيات عظيمة
    (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى (5)) (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)) (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67))
    إذن أنا عليّ أن أصحح في القلب أصحح في داخلي وفي اعتقاي أن لا أحد يملك لي ضراً ولا نفعاً إلا الله عز وجل وإلا بأمره سبحانه فلما أبدأ أضع الناس في منازلهم لا يهمني شيء عندها وهذا ليس تقليل لاحترام الناس لكن تقليل لوضع البشر الذين هم مثلي، كل البشر، أمراء، فقراء، سفراء، أغنياء، كلهم يشتركون فيما أنا اشترك فيه يمرضون يتعبون، يسقمون، يفتقرون إلى رحمة الله، يموتون، كلهم في ذلك سواء، ليس هناك تفرقة ولا درجات، نحن نضع الدرجات في الدنيا، فلما ربي عز وجل يقدّم لي في هذه الآيات الملك الحقيقي ولذلك جاءت (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6))

    الملك الدائم الباقي الذي لا يفنى ولا يزول ولا يحول ولا يتغير ولا يتبدل ولا ينقص ولا يتهدد مُلك الله عز وجل ملك حقيقي ليس فقط على وجه التصرف إذن السؤال الآن يأتي التدبر في معاني القرآن: لما تستقر هذه الحقيقة في قلبي أبعد ذلك يتوجه قلبي وتطرف عيني على أحد من البشر أن يمتلك لي نفعاً أو ضراً أو موتاً أو حياة أو نشوراً؟ أو منعاً أو عطاء أو مرضاً أو شفاء؟ لا يمكن لأن الوجه والقلب توجه لمن له الملك الحقيقي سبحانه ولذلك جاءت الآية مباشرة بعدها (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ (7)) لكن في نفس الوقت (وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ) لماذا؟

    لأنه ربٌ خلقنا ويحبنا لا يرضى لنا الكفر ليس لأنه سبحانه بحاجة إلى إيماننا ولكنه لأنه لا يرضى لعباده الكفر، وليس الكفر هنا بمعنى أن أكفر بالله عز وجل عياذاً بالله ولكنه نقيض الإخلاص أن ينصرف قلبي بالاعتقاد أن أحداً من الناس يملك لي ضراً أو نفعاً. هذه قضية خطيرة، هذه في الاعتقاد ليس في العمل. نحن نتعوذ بالله من الرياء ولكننا لا نستطيع أن نغفل – وسورة الزمر تعيد القضية إلى نصابها – أحياناً نغفل، لم نرائي؟ لم نحب محبة الناس؟ لم نفعل لأجل الناس؟ أو أفرح فرحاً شديداً يخرجني عن إرادة العمل عندما يقول عني أحد كريمة أو حلوة الحديث؟! لم؟ خلل في الاعتقاد جاء من تصور أن الناس يملكون لي بطريقة أو بأخرى ضراً أو نفعاً فالسورة من البداية حطّت هذا، لا يستقيم مع الإيمان، لندع الحقيقة تستقر في أنفسنا، ولذلك هذه الآية
    (لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) الملك لله، كل ما نطلبه وما لا نطلبه بيد الله الواحد القهار فأتوجه لله الواحد القهار، هنا يبدأ التوحيد يتخلص من الشوائب، تسقط عنه الشوائب وللك عندما يقول (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ (3)) منقى من الشوائب كيف ينقى من الشوائب؟

    بقرآءة السورة وهنا نفهم لم كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على تلاوتها قبل أن ينام في الليل لأنها تثبت المعاني والخطاب موجود
    (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (11)) أمر، التزام، الدين هنا التزام مجموع التشريع والأحكام كلها لله ولا تستقيم هذه الالتزامات إلا لما نبني بناء صحيحاً في قلوبنا


    العجيب في سورة الزمر ومن أعاجيب السور والقرآن كله عظيم وأحسن الحديث يأتينا بالصورة والمقابل النقيض لها وهذا ليس في موضع واحد وإنما في عدة مواضع في السورة (وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ (8)) هذا كل البشر مؤمن كافر عاصي مطيع الكل عندما يمسه الضر مسّاً يتوجه إلى الله عز وجل (مُنِيبًا) يعني صدقاً، ما الذي كسر القشة وأصبح هذا القلب القاسي الذي لا يعرف له رب ما الذي جعله يتوجه لله وقت الشدة حتى الملحد الذي لا يعترف بوجود رب (اللادينيين) لما يصاب بشدة حقيقية ورأى الموت بعينيه يقول (Oh my God) ما الذي كسر هذا؟
    شعور الإنسان بحجمه الطبيعي، بضعفه بعجزه وأن الملك لله الواحد القهار، انكسر الجحود الذي فيه انكسرت عناصر القوة المزيفة التي كان يتخيل أنه في قوة
    (ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ (8)) بعض العلماء قالوا في تفسير الآية ليس بالضرورة أنه كان كافراً ثم أصبح مؤمناً ثم مشركاً ولكن الكلام عن الإخلاص، ساعة الشدة يدرك تماماً أن لا أحد ينقذه ساعة الشدة إلا الله عز وجل مهما عرف من الناس الوجهاء القريبين والبعيدين لا يملكون له شيئاً فيتوجه إلى الله عز وجل وحده لا شريك له. بعدما تنتهي النعمة (خَوَّلَهُ نِعْمَةً) نلاحظ دقة اللفظ القرآني وإعجازه في كلمة (خَوَّلَهُ) يعني أعطاه جزء من حرية التصرف في شيء، ما أعطاه نعمة، وهكذا عطاء الله اختباراً منعاً وعطاء فإذا خوّل النعمة نسي ما كان يدعو إليه ورجع للأنداد والأنداد هنا ليست بمعنى الأصنام وليست بمعنى الشرك والطواغيت ولكن بمعنى أنه لا يتوجه بالإخلاص بقلبه لله يرجع لما كان عليه يعتقد أن فلاناً يملك له ضراً وفلان يملك له نفعاً، رزقه بيد فلان وعطاء بيد آخر وبالتالي ولذلك يتوجه قلبه مرة على فلان ومرة على فلان، عينه معلّقة برضى فلان وبغضب فلان فيصبح مشتتاً كما سيأتي عليه المثل في الآيات التي تليها، هذه صورة لإنسان غير مخلص.

    أما الإنسان المخلص الذي طبّق الإخلاص في حياته كيف هو؟ السؤال كان هل توجهي لله وقت السراء كما هو في وقت الضراء؟ وليس المقصود في وقت الدعاء فقط لكن أين قلبك؟ هل قلبك وإنابتك لله في حال الرخاء وفي حال الفرح والسعادة كما هو في وقت الشدة والإحساس بالعجز؟ أم لا؟ هنا نكتشف درجة الإخلاص. هذا سؤال مهم لأنه هو المحك الذي نعرف به درجة الإخلاص التي لا يملك أحد من الناس قياسها لأنها سر بين العبد وربه، إذن كيف أعرف إن كنت مخلصة أم لا؟
    بهذا الاختبار.





    اسلاميات


    يتبع




    التعديل الأخير تم بواسطة امانى يسرى محمد; 24/12/2020, 03:44 AM.

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    تسلح بالتقوى





    (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)10 الحشر


    ما الذي يجمع بيننا وبين الأنصار والمهاجرين وقد فرقتنا تلك القرون الأزمنة؟ الجامع المشترك هو الإيمان، الدين واحد والرب واحد والكتاب واحد والمبادئ والقيم التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم واحدة باقية خالدة إلى قيام الساعة. المشترك بيننا ذلك الدعاء المشترك بين تلك الأجيال الداعية إلى الحق التي تتشارك في المصير تتشارك في المبادئ تتشارك في القيم.





    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18))الحشر



    نداء التقوى ذلك النداء المحبب، وما معنى اتقوا الله؟


    وما معنى أن يخاطب الله عز وجل ليس فقط النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وإنما يخاطب كل المؤمنين بكلمتين في التقوى في آية واحدة



    إجعل بينك وبين الله عز وجل وقاية، إتقِ الله في كل عمل تقوم به، إتقِ الله في خلجات نفسك، إتقِ الله في الوقوف بالأسباب الحقيقية للنصر، إتقِ الله في تحقيق الحق، إتق الله في نصرة الحق الذي تؤمن به، إتق الله في تحقيق التوحيد والإيمان والتنزيه لله سبحانه، إتق الله في كل شيء، كل عمل تقوم به عليك أن تراقب الله عز وجل فيه، لا يهمك من حولك الرقابة الحقيقية للمؤمن هي رقابة النفس رقابة الذات (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) النساء)


    يراقب الله عز وجل في كل نفس في كل لحظة في كل عمل في كل قول في كل كلمة يعلم أنه


    (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق)



    وهكذا المؤمن على خوف على وجل على تقوى من الله عز وجل يعصمه من الوقوع في الظلم يعصمه من التنافس على الدنيا يعصمه من إهدار حقوق الآخرين يعصمه من الوقوع فيما وقع فيه بنو النضير وغير بني النضير من المنافقين حين اعتبر أن الخلاف الذي بينهم وبين المسلمين مسوغاً لإقامة المعارك والنزاع والصراع، هؤلاء النفر الذين كان يؤججون الصراع يؤججون الفتن يؤججون الحروب في كل وقت وزمان ليس لأجل نصرة حق أو مبدأ على الإطلاق بل نصرة لنزاعات فردية وما أكثر هؤلاء النفر في كل مجتمع وفي كل وقت.

    لهؤلاء جميعاً عليك أن تتحقق بالتقوى، السلاح الحقيقي لمواجهة مخاطر هؤلاء في كل زمان أن تتسلح بالتقوى أعظم سلاح بين كل الأسلحة

    ,,,,,,,,,,,,,,,,,,



    (نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ)







    (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19))الحشر

    وهل يمكن للإنسان أن ينسى ربه؟!



    هل يمكن للمخلوق الضعيف الذي خلق من الضعف والوهن


    أن ينسى خالقه سبحانه؟!


    هل يمكن لهذا المخلوق أن يغيب عن باله الرب الخالق سبحانه وتعالى؟!


    هل يمكن أن يتحقق ذلك؟!



    للأسف الشديد ممكن، ممكن أن يقع الإنسان في حالات ضعف وفي حالات بعد عن الله عز وجل فيطرق كل الأبواب وينسى أن يطرق باب الرحمن سبحانه.


    يمكن أن يسأل كل الناس ويظن أن القوة عند هؤلاء أو هؤلاء


    وينسى أن القوة بيد الله.


    يمكن أن يظن في لحظة من اللحظات أن النصر والأمن والسلام والاستقرار لا يتحقق في مجتمعه إلا بالتحالفات مع قوى الغرب أو الشرق ويسنى الله عز وجل،


    ممكن أن يغفل عن ذكر الله بلسانه وقلبه وعمله ويمكن أن يجري على لسانه ذكر الله عز وجل وتسبيح الله ولكنه يغفل عنه في تحقيقه في الواقع يغفل عنه في تحقيق الأمانة، يغفل عنه في أداء الحقوق، يغفل عنه في التعامل مع الآخرين، يغفل عنه في إحقاق الحق وإزهاق الباطل وما أصعب وما أشد أن ينسى الإنسان ربه!


    وماذا يحدث إذا نسي الإنسان ربه عز وجل؟



    أنساهم أنفسهم، أنساهم ما يصلح النفس، ما يصلح النفس في الدنيا والآخرة



    ولذلك نجد لو نظرنا إلى سورة الحشر سنجد أن المنافقين هم الذين نسوا أنفسهم في هذه السورة، الله عز وجل قدّم لنا مثالاً في سورة الحشر، كيف؟


    تحالفوا مع يهود بني النضير ضد النبي صلى الله عليه وسلم نسوا الله نسوا أن الذي يدير المعركة هو الله اغتروا وسولت لهم أنفسهم أن القوة بيد بني النضير لأنهم كانوا يمتلكون القوة المادية وأن محمداً واصحابه الذين لا يمتلكون من القوة المادية ما يمتلكه بنو النضير، هم الضعفاء، نسوا الله فأنساهم أنفسهم، نسوا الله فأنساهم مصالح النفس في الدخول في تعاهد مع النبي عليه الصلاة والسلام وليس مع هؤلاء اليهود الذين أخرجهم الله من ديارهم منكسرين منهزمين لا قيمة لهم على الرغم من كل النواحي المادية التي كانوا يمتلكونها.

    ,,,,,,,,,,,,,,,,






    قد لا يتحقق النصر لأي سبب من الأسباب في هذه الدنيا


    للمؤمن اختباراً امتحاناً ابتلاء من الله عز وجل


    ولكن النصر الحقيقي ولكن النتائج الحقيقية ستظهر حقيقة يوم القيامة


    (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20))الحشر


    ذلك هو الفوز الحقيقي.




    ثم تأتي الآية العظيمة لتبين علاقة الإنسان في كل عصر وزمان بهذا القرآن العظيم كيف تتجدد علاقة القوة والتذكر لله سبحانه.


    الآية التي قبلها حذّر الله سبحانه وتعالى من نسيان الإنسان لربه حذّر منها تحذيراً شديداً مؤكداً أنها سبب الهزيمة في كل وقت.



    والآن يقدم لي العلاج، يقدم لي الدواء كيف لا أستطيع أن أنسى الله عز وجل في قلبي ونفسي ولساني وسلوكي وتصرفاتي؟ كيف؟


    هذا القرآن


    (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21))الحشر


    الجبل القاسي الحجر الأصم لو وضعت فيه وسائل الإدراك التي وضعت في الإنسان من قلب وإبصار وحس وسماع واستمع لهذا القرآن العظيم وأنزل هذا القرآن عليه لتشقق وتصدّع من خشية الله، لأثّرت فيه مواعظه، لأثّرت فيه الآيات الواردة فيه، لأثرت فيه الوقائع والأحداث التي جاءت في سورة الحشر وفي كل سور القرآن لتربط بالواقع الذي نعيش فيه، القرآن العظيم لم ينزل ليعبّر فقط عن أحداث تاريخية معزولة أو منفصلة عن الواقع الذي نعيش فيه، إطلاقاً، القرآن نزل ليعبر الإنسان من خلال تلك الأحداث الحقيقية من خلال تلك الوقائع التي مرت بالنبي عليه الصلاة والسلام إلى واقعه إلى مستقبله ليتفطن ليغيّر ليدرك ليصحح أوضاعاً غير صحيحة في مجتمعه في نفسه في سلوكه في علاقاته.



    (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ (21))


    لأي شيء؟


    (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21))


    عبادة التفكر، التفكر والربط بين ما نقرأ في القرآن وبين الواقع الذي نعيش فيه.

    ,,,,,,,,,,,,,,,,,


    من أسماء الله الحسنى كما جاءت في القرآن

    (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ*
    هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ*هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)سورة الحشر
    (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22))
    لماذا قدّم الغيب على الشهادة؟
    الغيب ما غاب عن الحس ما غاب عن الشيء الذى أراه وأحسه هناك عالم، عالم الغيب الذي لم يتفطن إليه ولم يدركه اليهود من بني النضير عالم الغيب الذى غاب عن حس المنافقين لم ينتبهوا إليه ولكن المؤمن الذى آمن بالله رباً المؤمن الذي يؤمن بالغيب ومن أعظم صفات المؤمنين أنهم يؤمنون بالغيب وأول صفة من صفات المؤمنين أنهم يؤمنون بالغيب. يستحضر وعد الله عز وجل كأنه يراه أمام عينيه، يستحضر الوعد بالنصر يستحضر الإيمان واليقين بقوة الله عز وجل. هذا الدافع الحقيقي الذي يدفع به للنزول في واقع الحياة مصححاً مرشداً معلناً مبيناً مؤكداً أن الحق في نهاية الأمر هو الذي سيغلب مهما تلاطمت من حوله أمواج الباطل.
    يقول الله عز وجل مؤكداً هذه الحقيقة ومرسخاً للتوحيد فى قلوب المؤمنين
    (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ (22))
    إيماننا بالغيب يعيد الأمل إلى النفوس يعيد الأمل إلى النفوس المتعطشة لإحقاق الحق أن عمر الباطل مهما طال فهو إلى زوال.
    (هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22))
    لا يخرج شيء فى هذا الكون عن حكم الله سبحانه ورحمته الرحمة التى أرسل بها النبي الكريم الرحمة التي أرسل بها هذا النبي وكل من يؤمن بمبادئه الرحمة التي نزلت على مجتمع المدينة وتنزل على أي مجتمع متعطش للأمن والإستقرار والسلام
    (الْمُهَيْمِنُ (23))
    سبحانه المهيمن المتصرف في مملكته عطاء ومنعاً أخذاً وعطاء كل هذه المخلوقات التي تعيش في هذه الأرض كل هذه المخلوقات كل هذه المجتمعات كل هذه الأحداث لا تخرج عن هيمنته سبحانه وتعالى أبداً ولذا نصيب المؤمن ويقينه بأن الله عز وجل الرب المتصرف يعطيه الأمل يعطيه فسحة من الأمل بأن النصر آتٍ لا محالة نصر الحق نصر الفجر الذي سيأتي به الحق الذي يؤمن به فى صدره.
    (الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23))
    يستحق التسبيح يستحق سبحانه التنزيه عن كل ما لا يليق يستحق وحده سبحانه أن ننزهه عما علق فى نفوسنا وفي قلوبنا في بعض الأحيان من صرف التوحيد إلى غير المكان الذي ينبغي أن يصرف له.

    المؤمن حين يغفل عن تحقيق معنى التوحيد الخالص النقي الذي لا شائبة فيه من أي شعور أو إحساس بقوة أو غلبة أو ملك أو غنى عند أحد سوى الله عز وجل. هذا التسبيح الحقيقي هذه العبادة العظيمة عليّ أن أعيدها إلى قلبي ليصبح التسبيح ليس فقط مجرد أن أقول بلساني سبحان الله ولكن أن أقول بفعلي أن أقول بقلبي سبحان الله أن أؤمن إيماناً يقينياً يعيد للإيمان قوته وجولته فى الحياة في الواقع إيماناً بأن الله هو المتصرف في ملكه بأن الله هو الذي سيحق الحق الذى أؤمن به إيماناً بأن الله سبحانه هو الذي ينصر هو الذي يعطى هو الذي يأخذ هو الذي يمنع إيماناً تسهل معه التضحيات لأجل إحقاق الحق


    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    أعظم أنواع الهجرة





    (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ)

    لأي غاية؟
    (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8))


    وهنا علينا أن نتوقف ونضع عشرة خطوط تحت قوله تعالى
    (وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)
    إذن لم يكن الخروج لذات ولم يكن لمصلحة مادية ولم يكن جرياً وراء الدنيا ومتاعها الزائل الذي لا قيمة له وإنما كان نصرة للحق الذي أنزله الله، نصرة للمبادئ التي أنزلها على نبيه، نصرة لهذا الدين إحقاقاً لحق وإزهاقاً لباطل.
    عندما تتحول الغاية إلى غاية نبيلة لا عليك أيها المؤمن ممن يعاديك، لا عليك ممن حولك، لا عليك مما تركت وعن أي شيء تنازلت إذا كانت الغاية نبيلة وصحّت عندك الغاية وكان الغاية هي الله ورسوله فلا عليك من أي شيء بعده، وهكذا فعل المهاجرون وهكذا يفعل المؤمنون في كل وقت وآن يفعلوا أي شيء يتركوا كل شيء وراء ظهورهم لأجل الله وحده طمعاً فيما عند الله متيقنين بأن الله سبحانه سيعطي لأنه لا يعطي أحد إلا الله ولا يمنع على وجه الحقيقة إلا هو سبحانه وتعالى.

    لم يفكر المهاجرون أبداً في تلك الأثناء بما خلفوه وراء ظهورهم من أموال وتجارة وأولاد ووطن لأن التفكير كان منصباً على شيء واحد لا غير نصرة هذا الدين ونصرة الحق الذي آمنوا به، وماذا كان الجزاء؟


    أما الوطن فقد أعطاهم الله سبحانه وتعالى عوضاً عنه وأعطاهم الأرض يتبؤون منها حيثما يشاؤون نصرة لهذا الدين ونشراً لمبادئه وإحقاقاً للحق. ثم دانت بعد ذلك مكة لهم وعاد الوطن لهم ولكنه ليس وطناً ضعيفاً منهزماً منكسراً تحت أذيال الوثنية وإنما وطناً قوياً مزدهراً بقوى الإيمان والحق والعدل والتوحيد. أما المال فقد عوّضهم الغني الذي لا يخرج شيء في هذا الكون عن ملكه سبحانه أعطاهم الملك أعطاهم من خزائنه سبحانه وأفاء عليهم من أموال بني النضير وغيرهم وكأن بني النضير هؤلاء كانوا يجمعون المال لهؤلاء المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم في سبيل الله.


    <<<<<<<<<<<



    الإيثار والعطاء والإحساس بالآخرين..





    تأتي آية على صنف من أصناف البشرية على تقديم مثال عظيم من الأمثلة التي استطاعت أن تتغلب على شح النفس وعلى طمع النفس وعلى شهوات المال والدنيا لتعلن بذلك أن الإيمان وحده هو القادر على أن يشفي النفوس من أدوائها الأنصار. الأنصار الذين استقبلوا المهاجرين بكل رحابة صدر، الأنصار الذين استقبلوا المهاجرين من المؤمنين بقلوبهم قبل أن يستقبلوهم في ديارهم




    ولذا قال كثير من المفسرين أن ما كان أحد من المهاجرين ينزل على بيت من الأنصار إلا بالقرعة من شدة ما كان يتنازع الأنصار على أخذ هؤلاء المهاجرين واستقبالهم في بيوتهم، تلك النفوس التي استطاعت أن تتغلب على الشح الطمع على الجشع على الأنانية على الأثرة لتؤثر الله ورسوله على كل شيء ولذا امتدحتهم الآية التاسعة في سورة الحشر فقالت


    (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)




    ما أحوجنا اليوم في هذا العصر الذي نعيش فيه في هذا العصر الذي تكالبت فيه أدواء الشح والطمع والنزعات الفردية والأنانية أن نتخلص من هذه الأدواء أن نصبح أكثر غنى ليس بالمال وليس بالاشياء المادية التي نمتلك ولكن بالنفوس التي تستطيع أن تتغلب على الجشع والطمع والأنانية، أن يكون لنا الأنصار قدوة وأسوة نسير على خطاهم ونسير على آثارهم.



    من الذي أعطى الأنصار وعوضهم خيراًً؟


    من الذي أعطى المهاجرين وعوضهم خيراً؟


    من الذي جعل البركة في التعاون والتعايش في ذلك المجتمع العظيم مجتمع المدينة؟


    مجتمع المدينة التي كانت قد أدمته الصراعات والنزاعات أسبغ الله عليه نعمه ظاهرة وباطنة، أسبغ الله عليه نعمة الأمن والأمان والسلام والاستقرار التي لا تشترى بالأموال ولا تباع في الأسواق العالمية أبداً، لا تشترى إلا بالإيمان، لا تشترى إلا بالإيثار، لا تشترى إلا بالتخلص من شح النفس وأطماعها وأهوائها وشهواتها وحبها للنفس على الآخرين.


    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    الكون كلُّه يسبِّح لله



    (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)) سورة الحشر
    قبل أن نبدأ بالخوض في تفاصيل سورة الحشر نحتاج أن نقف ونلتفت لبداية السورة ولختام السورة.
    سورة الحشر افتتحها الله سبحانه وتعالى بالتسبيح واختتمها بالتسبيح.

    افتتحها معلناً أن ما في الكون من أرض ولا سماء من أرض ولا طير ولا شجر ولا مخلوق إلا يسبح بحمده سبحانه ينزهه يقدسه يعظمه عن كل ما لا يليق به سبحانه.
    واختتمها الله سبحانه وتعالى بالتسبيح
    وما بين الافتتاح وما بين الختم بها جاءت صفات الكمال والجلال والجمال لله وحده ليؤكد لهذا الإنسان المخلوق على هذه الأرض
    أن عبادة التسبيح تلك العبادة العظيمة لا ينبغي لها أن تتوقف عند حدود لسانه بل ينبغي لها أن تذهب به إلى خلجات نفسه
    فتصبح النفس تسبح بحمد خالقها ويصبح القلب مسبحاً بحمد خالقه وينعكس ذلك على سلوكه وفعله على هذه الأرض
    ليسبّح بأفعاله ليسبّح بأعماله الصالحة ويترك التسبيح مع كل ذرة من ذرات هذا الكون معلناً أن لا خالق يستحق التسبيح والتنزيه والتعظيم والتمجيد إلا هو سبحانه.


    ,,,,,,,,,,,,,,




    حاجتنا إلى القوة الروحانية









    جاءت الآية الثانية من سورة الحشر مذكِّرة المؤمنين ليس فقط في عهد النبي عليه الصلاة ولكن في كل عهد أن الذي ينصر والذي يُخرِج هو الله وحده لا شريك له يقول تعالى
    (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)
    وهنا نتوقف عند تلك الأسلحة التي قدمتها هذه الآية العظيمة ليس فقط لمحمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه وإنما لكل مؤمن بقضية لكل مدافع عن الحق لكل قلب تصدّى للباطل وأراد أن يزهقه أن الأسلحة الحقيقية أسلحة لم يعمل لها بنو النضير حساب، أسلحة لم يعمل لها المنافقون حساب


    إنظر إلى قول الله عز وجل
    (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا)
    المكان الذي لم يعملوا له حساب، بنو النضير قاموا بتجهيز كل العدة التي يحتاجون إليها كل الاسلحة فقد كانوا هم أهل السلام وأهل صناعة الأسلحة لكن المكان الذي لم يعملوا له حساب هو أنفسهم، قلوبهم، القلب الذي لم يكن مسلحاً بسلاح الإيمان قلب واهي قلب ضعيف قلب لا يمكن أن يقف أبداً أمام عواصف الإيمان العاتية ولذا قال ربي سبحانه وتعالى
    (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ)
    الرعب الذي نُصِر به النبي صلى الله عليه وسلم وينصر به كل مؤمن.


    من الذي يقذف الرعب؟ من الذي يقذف الرعب في قلوب بني المنافقين والكفار وقد قذفه في قلوب بني النضير وفي قلوب المنافقين؟ من الذي قذف الرعب؟ ا
    لله الواحد الأحد المستحق للتعظيم وللتنزيه وللتسبيح سبحانه هو القادر وحده فقط على أن يقذف الرعب في قلوب كل معتد أثيم وقد فعل.


    (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)
    خاف بنو النضير شعروا بالرعب شعروا بأن هؤلاء المسلمين الذين بدأوا بحصار حصون بني النضير سيهجمون عليهم هجمة واحدة.
    على الرغم من أنهم كانوا لا يمتلكون الأسلحة بل على العكس الذين كانوا يمتلكون الأسلحة كانوا هم بني النضير السلاح في أيديهم ولكن ما قيمة السلاح حين يحمله قلب ضعيف قلب لا يقوى على مواجهة الإيمان؟! ولا على مواجهة المؤمنين؟


    وهنا يؤكد الله سبحانه وتعالى حقيقة واحدة بارزة للعيان في كل وقت هذه من أعظم قواعد التدبر أقرأ السورة أمر على الأحداث التي وقعت فيها السورة لكي أعتبر ولذلك جاءت ختام الآية الثانية
    (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)
    بمعنى أن تنتقل من الدرس الذي تذكره السورة وتقدمه لك إلى واقعك لتعالج واقعاً أنت تعيشه اليوم وأنت تراه بأم عينيك
    خذوا العبرة خذوا الدرس أن القوة المادية لوحدها مع الباطل كفيلة بأن تردي أصحابها ومن قام باتباعها وتعزيزها وتكريسها إلى مهاوي الخذلان والهزيمة.

    ,,,,,,,,,,,,


    وما النصر إلا من عند الله


    (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ سورة الحشر - الآية 4
    كل من اتخذ طريقاً يشاقّ فيه الله عز وجل يحادده يعلن العداء لمبادئه يعلن العداء لتعاليمه وتشريعاته التي أنزلها على أنبيائه، من باطل ومن منكر من ظلم ومن عدوان من استهتار بحقوق الآخرين كل من أراد وقام بهذا الطريق وشق له طريقاً بعيداً عن طريق الله عز وجل وتعليماته وتشريعاته فقد أعلنها حرباً على الله سبحانه وتعالى

    ولذا جاء ختم الآية بقوله
    (فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
    آمنت بالله؟ سبّحت الله عز وجل؟ إتخذته رباً؟ عليك أن تقوم بتنفيذ أوامره في واقع الحياة، ما هي نتائج المعركة؟
    لا تنظر فقط إلى النتائج، هناك أمر فوق عالم الحسّ هناك عالم آخر فوق عالم الحسّ الذي تراه فوق عالم المشاهدة الذي نراه عالم يتحكم فيه الله سبحانه وتعالى أمراً ومنعاً وعطاء وأخذاً وغلبة ونصراً هذا العالم هو الذي يستحق الله سبحانه وتعالى أن تسبحه لأجله.

    ولذا يقول الله عز وجل آية بعد آية في سورة الحشر
    (وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ (6))
    إذن الذي أخرج والذي أفاء والذي أعطى والذي نصر والذي قام بكل ذلك الله سبحانه وتعالى وهذه عظمة التوحيد. عظمة التوحيد أن يستشعر المؤمن أن الله عز وجل هو الذي يدبر الأمور أن ما نراه في الواقع الذي نعيشه لا يمكن إلا أن يكون بأمر الله، قمة التوحيد.

    قمة التوحيد ليس فقط أن أعلن وأن أقول أن لا إله إلا الله وإن كان ذلك جزء لا يتجزأ من الإيمان والتوحيد ولكن قمة التوحيد أن أستشعر ذلك التوحيد أن أحقق مبادئه عملاً وسلوكاً في الواقع الذي أعيش فيه مهما اختلفت الصور ومهما تباينت عندي الرؤى ولكن يبقى التوحيد دائماً حاضراً في قلبي وفعلي وسلوكي ولذا ربي عز وجل يختم الآية السادسة فيقول
    (وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
    مؤكداً للمؤمنين في كل وقت أن النصر لا يمكن أن يتحقق إلا من عند الله، مؤكداً لهم أن الغلبة من عند الله عز وجل أن النصر بيده كل ما عليك أنت أيها المؤمن أن تحقق الإيمان في قلبك في نفسك في واقعك وفي مجتمعك وأن تحمل الراية صدقاً ويقيناً راية الدفاع عن المبادئ راية الدفاع عن تلك الحقوق راية الدفاع عن ذلك التشريع الإلهي العظيم ثم الله سبحانه متكفل بنصرك متكفل بأن يظهرك على من عاداك


    يتبع


    اسلاميات

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    تدبر سورة الحشر



    د. رقية العلواني







    بين أيدينا اليوم سورة الحشر تلك السورة المدنية التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الرابعة من الهجرة تعالج قضية شائكة متعلقة بأمن المجتمع الذي كان يعيش فيه النبي صلى الله عليه وسلم مجتمع المدينة. ذلك المجتمع الذي وصل إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدرك تماماً أنه مجتمع متعدد الأعراق متنوع الديانات أدمته الصراعات بين قبيلتي الخزرج والأوس. وصل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن ينشر الأمن والأمان والسلام في ربوع المدينة صاحبة الأعراق المتنوعة والاتجاهات المتعددة.



    النبي صلى الله عليه وسلم حين وصل إلى المدينة بدأ بأول عمل لجمع تلك القلوب القلوب المختلفة فكان ميثاق المدينة ذلك الميثاق الذي أجمع المفسرون والمنصفون من العلماء على أنه أول وثيقة مواطنة تجمع المواطنين من يهود ونصارى ووثنيين على هدف واحد وغاية واحدة الاتفاق على العيش في حدود الوطن بأمن وسلام واحترام للاختلافات الموجودة بينهم فالاختلاف أمر قد فطر عليه البشر لكن ما لم يفطروا وما لا ينبغي أن يكون هذا الاختلاف مشرّعاً للنزاع وللتفرقة وللصراع ولتحريم العيش في وكن يتشاركون فيه تحت أرض واحدة وسماء واحدة.



    جاء النبي صلى الله عليه وسلم وأعلن ميثاق المدينة وقام اليهود وغير اليهود من القبائل الموجودة في المدينة بالاتفاق على هذا الميثاق وعلى هذه البنود الواردة في هذا الميثاق. وكان من ضمن البنود أن يقوم كل طرف من الأطراف بحماية المدينة حماية الوطن والدفاع عنه وبذل الغالي والنفيس لصدّ أي عدوان داخلي أو خارجي يهدد أمن المدينة المباركة وكان ذلك بالفعل. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم واجه اعتداءات مختلفة لم تنحصر فقط في اعتداءات المشركين المتكررة وخاصة بعد أن خرج من غزوة أُحد كما نعلم ولكن كان هناك اعتداءات داخلية متمثلة في قبائل اليهود البعض منها وكذلك في اعتداءات المنافقين وما كان يُحاك في الظلام من مؤامرات ودسائس ضد استقرار المدينة وأمنها وسلامها.





    وذات يوم خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى بني النضير يطالبونهم بالتعاون في دفع دية القتيلين اللذين قتلهما أحد المسلمين وتلك كانت واحدة من الالتزامات التي تفرض على من قام بالموافقة على ميثاق المدينة "التعاون في دفع الديات". وبالفعل استقبل بنو النضير القبيلة اليهودية النبي صلى الله عليه وسلم استقبالاً حافلاً ورحبوا به ووعدوه خيراً وطلبوا منه أن يجلس في مكان لكي يقوموا هم بالتجهيز لدفع الدية كما وعدوه بذلك ولكن سوّلت لهم أنفسهم أمراً آخر، سوّلأت لهم أنفسهم أن تلك فرصة مواتية لضرب النبي صلى الله عليه وسلم ولضرب ذلك الدين الذي كانوا يستشعرون بأنه يعادي اليهودية



    اليهود أرسلوا إلى واحد منهم أن قم إلى مكان النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه صخرة من إحدى السطوح، غاب عن أذهان هؤلاء أن النبي الكريم كان مؤيداً بالوحي من عند الله عز وجل وأن الوحي سيخبره وينبئه بذلك وقد كان ذلك الأمر وقام النبي صلى الله عليه وسلم من مكانه راجعاً إلى المدينة لم يتكلم بكلمة واحدة ولكنه كان مدركاً تماماً أن في ذلك نقض واضح وصريح وخروج سافر على ميثاق المدينة وأن محاولة الاغتيال التي أراد أن يقوم بها هؤلاء اليهود كان نقضاً واضحاً ومباشراً لبنود هذه المعاهدة التي كانت بينه وبينهم. أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم رسالة واضحة أن لا تساكنونني في المدينة وأن الغدر والخيانة ونقض العهود والمواثيق ليس له جزاء إلا الخروج من هذا الوطن. فمن أراد أن يعيش ويشاطرني في هذا الوطن عليه أن يحترم الآخرين عليه أن يحترم الاختلاف عليه أن يحترم ما وجد بينه وبينهم من عهود ومن مواثيق ومن أراد الغدر ومن أراد الخيانة ومن أراد نقض العهود فليس له أي جزاء سوى الإخراج من ذلك البلد الآمن المستقر و أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى يهود بني النضير وأمهلهم عشرة أيام للخروج من ديارهم ومن قلاعهم ومن حصونهم ببعض ما يمتلكون من أمتعة ومن عتاد على أن يتركوا الأسلحة ويخرجوا خارج المدينة.



    في بداية الأمر وافق بنو النضير على ذلك، لماذا وافق بنو النضير؟ بنو النضير كانوا على قوة مادية عظيمة لا تدانى كانوا يمتلكون الأسلحة كانوا يمتلكون الذخيرة كانوا يمتلكون الطعام في حصونهم مخزّناً لشهور طويلة تكفيهم المؤونة ولكنهم كانوا يدركون أن النبي صلى الله عليه وسلم بالقوة المعنوية والتأييد والنصر والثبات على مبادئه وعلى الحق أقوى من أي قوة مادية وأن القوة التي كان يحملها في رسالته ومبادئه لن تقف أمامها القوة المادية التي كانوا يمتلكونها! قرروا الخروج وبدأوا بإعداد العدة للخروج من المدينة ولكن سرعان ما جاء عليهم رأس المنافقين والنفاق عبد الله بن أبيّ يغريهم ويبين لهم ويعطي لهم المواثيق والتحالفات بأننا معكم وأننا على خط واحد وأننا على مسيرة واحدة نواجه هذا النبي ةننتهي من هذا الدين الذي شكل تهديداً حقيقياً لمصالحنا الفردية والشخصية فقد كان لهذا المناقق والشلة التي معه كذلك مصالح فردية مصالح شخصية وكان هؤلاء مع اليهود من بني النضير وغيرهم من القبائل لا ينظرون إلى مصلحة الوطن الواحد ولا ينظرون إلى مصلحة مجتمع يتقاسمون معه العيش المشترك ولكن ينظرون إلى مصالحهم الشخصية ومصالحهم الآنية وما أكثر هؤلاء في كل عصر وفي كل وقت وفي كل زمان يجازفون بمصلحة الوطن لأجل مصالح شخصية!.



    أعطاهم العهود وبيّن لهم أن أرسلوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم وقولوا له كلمة واحدة: لن نخرج من المدينة، معلنين عليه الحرب وأننا -أي المنافقين- سنقف معكم صفاً واحداً وليس هذا فحسب ولكننا سنقوم بدعوة ومراسلة حلفائنا من المشركين وغيرهم ونعد العدة ونجمع الجمع ونعلنها مدوّية ضد محمد وضد دينه عليها الصلاة والسلام. وهنا تبدأ الآيات القرآنية في سورة الحشر لتبين لنا الأحداث وتوضح ما وراء الأحداث. خرج النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن معه الكثير من القوة المادية وبكل الأحوال قطعاً لم يكن ما يمتلكه من القوة المادية توازي ولو حتى جزءاً يسيراً مما كان يمتلكه بنو النضير ولكنه خرج، خرج وهو يمتلك سلاحاً من نوع آخر خرج وهو يمتلك سلاحاً لم يكن في حساب بني النضير ولا في حساب المنافقين أن له تلك القوة وتلك المنعة وتلك الغلبة ذلك هو سلاح الإيمان سلاح الثبات سلاح القوة المعنوية الذي يبقى سلاحاً صارماً لا يصنّع في أقوى مصانع الأسلحة في العالم ليس فقط في وقت بني النضير ولكن في كل وقت وكل زمان.

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)


    حين تصبح الحياة بكل ما فيها تصديقاً لإيمان القلب، حين تصبح الحياة وتصرفاتي وسلوكي في واقع الحياة تنفيذاً لأوامر الله تطبيقاً وتفسيراً لآيات الكتاب العظيم وحملاً لدعوة الأنبياء والرسل بالعدل والحق وإحقاقاً له شيء طبيعي أن أصبح نوراً أن أصبح نوراً ليس فقط في الآخرة أو على الصراط كما هو متوقع بإذن الله ومُنتظر ولكن أنا في حياتي أصبح نوراً وما أحوج العالم الذي نعيش فيه اليوم، العالم الذي تلاطمت فيه ظلمات الباطل، تلاطمت فيه ظلمات الفساد وأصبح يتوق إلى بصيص نور، بصيص نور فقط رغم كل الأنوار المضاءة من حولنا رغم كل ما أنارته الحضارة من كهرباء وغيرها.



    ولكن العالم اليوم أحوج ما يكون إلى بصيص نور ولن يتحقق ذلك النور إلا بقلوب قد فاضت بنور الإيمان والكتاب، الذي اكتاب الذي تؤمن به القرآن الذي وصفه ربي بأنه نور ولكن ليتحقق هذا النور في قلبي ينبغي أن اتخلص من كل عوامل القسوة والغفلة والبعد عن الله عز وجل ولا تحجبني الدنيا ببهرجتها عن نفوذ ودخول نور الإيمان العظيم ونور القرآن العظيم في قلبي وحين يشع ويفيض القلب بنور الإيمان وبنور القرآن لا يمكن أبداً أن يقف أمام هذا النور شيء في واقع الحياة فيصبح المؤمن مصدر إشعاع لكل العالم ينير الله به ما يشاء ويفتح أمامه ما يشاء من طرق الخير فيكون حينها الجزاء من جنس العمل، ذاك النور الذي ينتظر المؤمنين لكي يسعى بين أيديهم ويبشرهم بكل خير وبكل عطاء.





    سورة الحديد بآياتها العظيمة وبكل ما جاء فيها من عِبَر ومن مواعظ تأخذ بقلوبنا إلى الطريق الصحيح تعيد القلوب العطشى إلى خالقها لتحيي فيها من جديد ما قد خفى وما قد غاب وما قد راح. نسأل الله العظيم أن يحيي قلوبنا بنور الإيمان العظيم وأن يجعل لنا نوراً من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا وأن يجعل في قلوبنا نوراً وفي عقولنا نوراً وفي أعمالنا نوراً يشع خيره وعطاءه للعالم أجمع




    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    الحق أحق أن يقال وأن يُتَّبع





    ((لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز))



    [الحديد/ 25].



    (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ)

    دعوة الرسل والأنبياء



    (وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ)



    لأيّ شيء يا رب؟

    ليقوم الناس بالقسط.

    نور آيات الكتاب العظيم الكتب العظيمة السماوية قامت على أي شيء؟

    قامت بالقسط، قامت بالعدل.

    على قدر بذلك وعطائك وقيامك بهذه الدعوة العظيمة وإحقاق الحق ونصرته يكون ذاك النور الذي تحدثنا عنه. اُنظر إلى الربط، آيات القرآن العظيم لايمكن أن تحجب عن الناس عن العالم الذي نعيش فيه إلا من خلال الممارسات الخاطئة التي نعيش نمارسها نحن، ولذلك ربي عز وجل يعاقب بأيّ شيء؟

    بإطفاء النور بقدر ما أنا بتصرفاتي وسلوكي الخاطئة قد حجبت وصول النور عن الآخرين ولذلك كان النفاق خطيراً ولذلك ذمّ ربي النفاق ولذلك جاء الحديث عن المنافقين في آيات النور وفي مقابلتها

    (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ)

    لماذا؟

    أنا حين أتصرف بخلاف ما يُملي عليّ إيماني وتوحيدي إيماني بآيات القرآن العظيم هذا ليس تصرفاً شخصياً، لا، أنا حجبت هذا النور نور أيات الكتاب عن الآخرين عن أن يصل إلى العالم فكان الجزاء من جنس العمل أن يُحجب عني النور في الدنيا وفي الآخرة. ذاك التناقض العجيب الذي يعيشه بعض المسلمين القرآن يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (119) التوبة) وأقوالي وأفعالي تكذِّب والعياذ بالله ما يقوله القرآن.




    القرآن في وادٍ وسلوكي وأفعالي في وادٍ آخر.

    القرآن يقول (افعلوا الخير) وأنا لا أفعل إلا الشرّ، القرآن يقول كونوا مع الصادقين وكونوا من المتصدقين وأقرضوا الله قرضاً حسناً وأنا وأعمالي شيء آخر!

    القرآن يقول وأفعالي تقول شيئاً آخر وبهذه التناقضات المختلفة حجبت النور عن العالم بأسره أوقفت دعوة الأبياء التي قامت على الحق والعدل، والحق والعدل لا يقوم إلا بقوة وليست قوة مادية فقط كما أشار لها القرآن



    (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ)



    هذه قوة مادية ولكن هناك قوة معنوية ركزت عليها آيات سورة الحديد في البداية تماماً "الحق ودعوة الرسل ودعوة الأنبياء"

    لا يمكن أن تحقق في واقع الحياة إلا بقوة معنوية وقوة مادية



    . القوة المعنوية هي التي تحملها القلوب العائدة إلى ربها عز وجل المسبِّحة لخالقها سبحانه وتعالى والقوة المادية هي التي جاء ذكرها في قوله عز وجل


    (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ).







    (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)
    ربي سبحانه غير محتاج لنصرة أحد أبداً، كيف وهو القوي العزيز سبحانه؟ ولكن أنا بحاجة إلى أن أنصر الحق وأناصر الحق لأكون من أهل الحق وألحق بركب الصديقين والشهداء وألحق بركب نصرة الأنبياء ورسالاتهم في تحقيق الحق وفي رفع هذا الحق ورفع رايته. وتأملوا معي كيف جاءت الآيات الأخيرة للمقارنة بمن كان من أهل الكتاب، بمن إختاروا طريق العزلة عن المجتمع والناس الرهبانية العزلة عن المجتمع، الحق لا ينتصر بعزلة عن مجتمع في صومعة أو في مكان بعيد عن الناس وبعيد عن مظاهر الخلل والفساد المنتشرة في المجتمع. دعوة الأنبياء ودعوة الحق والعدل لا تنتصر بالعزلة وإنما تنتصر بمكابدة أحوال الناس والمجتمع، بتصحيح الخطأ، ببذل كل ما استطيع لأجل أن أعرف المعروف وأتُبعه وأساهم في أن يتبع الناس ويسيروا على هذا المعروف وأن أُنكر المنكر ولا أُقِرّه.

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    اترك الدنيا لله قبل ان تتركك مرغماً





    (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ)



    ثم ماذا يحدث له؟

    (إعلموا) تأملوا كم مرة جاءت (اعلموا) في هذه السورة العظيمة؟



    (ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا)




    ولكن في الآخرة إما عذاب شديد وإما مغفرة من الله ورضوان، القرار بيدك أنت ولكن حقيقة الدنيا واحدة متاع ولعب ولهو ولا يفيدك ولا تخرج منها إلا بقدر ما تحقق البذل والعطاء لأجل هذا الإيمان العظيم. ولذا جاءت الآية لتستنفذ آخر ما يمكن أن يستنفذ من ذلك الإنسان المتكاسل المتباطئ الذي لم تحييه تلك الآيات حتى الآن لم تحيي قلبه آيات سورة الحديد.



    (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ)

    إلحق بالركب إلحق بركب السباق ولكنه سباق غفلنا عنه طويلاً سباق من نوع خاص سباق للآخرة سباق الدنيا شغلنا وأخذنا بكل بهرجتها فنسينا السباق الحقيقي مضمار السباق الحقيقي وبقدر دخولك في معمعة سباق الدنيا بقدر ما أنت تبتعد حقيقة عن مضمار سباق الآخرة، المسألة مختلفة تماماً,



    (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ)


    ولماذا السباق يا رب؟ لأن العمر محدود والأجل محتوم والفرصة يسيرة والفرصة محدودة وربما تكون قصيرة، الليلة التي أنا أعيش فيها الآن الساعة الساعات التي أعيش فيها الأن ربما تكون آخر ما تبقى من حياتي فالسباق سباق حقيقي ولكننا غفلنا عنه لماذا غفلت عنه؟ لأني لأني قد دخلت في سباق الدنيا المحموم سباقاً وراء متاعها الزائل الفاني ولم أدرك الحقيقة التي إلى الآن لا أستطيع أن أتمثلها أن المال الذي أملك وكل متاع الدنيا الذي أملك إن لم أُخرجه في سبيل الله سيخرج عني ويتركني، إن لم أتركه بقلبي ترفّعاً عنه وعن دناياه تركني هو شئت أم أبيت وسيتركني ولكن هناك فارق شاسع بين أن أتركه لله وبين أن أتركه مرغماً لأنه قد تركني وهجرني بفراق الدنيا أو لسبب أو لآخر بما يحدث فيها من مصائب

    ,,,,,,,,,,,,,,,



    الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا


    أَنْ لا تَأْسَى عَلَى مَا فَاتَ مِنْهَا ، وَلا تَفْرَحَ بِمَا أَتَاكَ مِنْهَا







    (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا)


    وما أكثر مصائب الدنيا أخذاً ومنعاً ورداً وعطاءً وصحةً وسقماً ومرضاً ونزولاً وصعوداً وهبوطاً، فتن الدنيا المختلفة. كل ما يصيبك في سبيل الله إن كان في سبيل الله فهو مدّخر عند الله عز وجل بينما كل ما يصيبك من أجل الدنيا وحطامها وركامها إنتهى ولذلك لا تشغلك مصائب الدنيا لأننا نحن بما نشتغل عن الله عز وجل؟!


    إما بأفراح الدنيا وإما بأتراحها، أفراح الدنيا ينبغي ألا تلهيني لأنها زائلة مؤقتة كما جاء في الأية
    (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)
    لا حُسنها يدوم ولا فرحها يدوم إذاً لا تستغرقك المشاكل والمصائب والصعاب في الدنيا والإبتلاءات المختلفة عن مضمار السباق الحقيقي مضمار الآخرة لا تشغلك الدنيا لا تستغرقك لا بأفراحها ولا بأتراحها.

    هذا المحك الحقيقي الذي تصنعه فيّ سورة الحديد حين توقظ قلبي الغافل عن هذه المعاني العظيمة. ولذا ربي عز وجل جاء في أخر الآية وقال
    (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)

    مما يقسّي القلب ويبعده عن خالقه عز وجل أن يغترّ بما لديه وبما أنعم لله عليه عطاء دنيا مال شهرة فُتحت عليّ أبواب الدنيا وفتنها حدث عندي مرض الإختيال والفخر والعجب بما أمتلك الذي يسوقني إلى التعالي عن الآخرين وبالتالي الوصول إلى قسوة القلب. من أكثر الأدواء والأمراض التي تقسي قلوب الناس هي الإختيال والإغترار بما قد وهبهم الله عز وجل وهو عارية ولا بد في يوم أن تُستردّ الودائع.


    إذاً ماذا أفعل؟
    عليّ أن أوظفها في ما يرضي الله عز وجل ولذلك جاءت الآية التي تليها
    (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) أنه يرى أن ما أنعم الله به عليه وما فتح عليه من أموال الدنيا إنما هو له إنما هو يمتلكه هو وبالتالي يبخل في توظيف هذه الأشياء في خدمة الحق الذي يُفترض أن يؤمن به وحمل هذا الحق لكل من يتعطش لذلك الحق. هذا النوع من الناس لا يمكن أن يفتح الله سبحانه وتعالى عليه بإيمان في قلبه

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    لماذا الحديث المتواصل عن الإنفاق والصدقة؟





    (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ)

    (وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ)




    الصدقة قبل أن تنفقها مهما كانت مال، عطاء، وقت، صحة، مهما كانت بأنواعها المتعددة قبل أن تضعها في يد من يحتاج إليها تذكر أنك أو مستفيد من تلك الصدقة الصدقة تحيي القلوب كما يحيي الغيث الأرض الميتة فتنبت بالزرع وتنبت من كل زوج بهيج كذلك الصدقة والإنفاق والبذل والعطاء ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق مبتسم يُحيي فيه الأمل من جديد، ولو أن تكون أنت بكلمة من كلماتك بدعوة من دعواتك دعوة لأخيك بظهر الغيب دعوة له بخير أو عطاء أنت المستفيد قبل أن تصل إليه الفائدة.



    ولذلك لا يمكن أن يخرج القلب من قسوته دون بذل أو عطاء لأن القسوة عقوبة قسوة القلب عقوبة من الله عز وجل يسلطها على القلوب الشحيحة القلوب البخيلة القلوب التي لا تعرف للعطاء درباً ولا معنى القلوب التي تشح حتى بالكلمة الطيبة حتى بالبسمة حتى بالدعوة الصادقة حتى بالرغبة في الخير وتمني الخير للآخرين القلوب التي لا يمكن أن تقوم على أكتافها دعوة حق أو نصرة إيمان. الإيمان والحق لا يُنصر بالقلوب الشحيحة الإيمان لا يمكن أن يُنصر ولا يمكن للحق أن ترتفع له راية إلا بقلوب مؤمنة قلوب تريد أن تبذل كل شيء قلوب فياضة بالعطاء بالكرم بالجود لخالقها سبحانه وتعالى.



    ولذا تدبروا معي الأية التي تليها الآية الرائعة



    (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ)


    هنا بدأ الإيمان يظهر هنا بدأت ثمار الإيمان تنضج وتزهو.


    (أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ)


    اُنظر إلى الآية صديقون وشهداء!


    نحن لم نتمكن أن نلحق بركب الصحابة ولم نتمكن أن نلحق بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم ولا بصحبة الأنبياء من حواريين وغيرهم ولكن أمامي فرصة عظيمة أن ألحق بركب الصديقين والشهداء ولن أتمكن أن ألحق بهذا الركب جعلنا الله جميعاً منهم وجعلنا جميعاً نلحق بهذا الركب العظيم، لن أتمكن أن ألحق بهذا الركب وأنا فقط أتمتم وأدعو بمجرد الدعاء وإن كان ربي قادر على إستجابة الدعاء ولكن عليك أن تبرُز ما يصدق هذا الدعاء، ما هو؟

    البذل والعطاء، البذل لأجل إحقاق الحق البذل بكل ما تمتلك لأجل قيام القيم التي جاء بها الأنبياء ولذلك بدأت (آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) دعوة الأنبياء الواحدة القائمة على الصدق وعلى العدل وعلى الحق. ثم تأتي الآية التي تليها لتعالج الأمراض التي قد تحول بيننا وبين البذل والعطاء، الدنيا، حب الدنيا، الركون إلى الدنيا، الدنيا التي إلى حد الأن لم نعرف حقيقتها لا نعرف وربما نعرف ولكننا نتجاهل تلك المعرفة، وربما نعرف ولكننا نعمل بعكس ما نعرف.

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني



    كن عبدا خاشعا لله في حياتك وصلاتك




    (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)

    ألم يأتي الوقت بعد لكي تعود القلوب إلى خالقها؟ ألم يحن الوقت للمؤمنين في كل زمان -وإن كان ورد كما سنأتي عليها بعد قليل بعض الأسباب في نزول هذه الآية العظيمة- عتاب مُحبَّب من خالق رءوف رحيم يعاتب عباده، بأيّ شيء؟




    ببعدهم عنه.



    اُنظر إلى المفارقة العجيبة:



    ربٌ غنيٌ حميدٌ له ملك السماوات والأرض يعاتب عباده على بُعدهم عنه سبحانه



    وهو الغني وهم الفقراء إلى رحمته.

    لا بد أن يأتي الوقت الذي أحاسب فيه نفسي فتخشع جوارحي ويخشع قلبي لما نزل من الحق، لآيات القرآن.

    والخشوع هنا ليس مجرد خشوع القلب أو تمتمة باللسان، ليس فقط خشوع لذكر الله، اُنظر إلى بقية الآية



    (وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)



    الخشوع خشوع إذعان، الخشوع خشوع تسليم، الخشوع خشوع تنفيذ لأوامر الله وآياته في واقع الحياة.



    ولذا جاءت المقارنة



    (وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ)


    ما الذي حدث مع الذين أوتوا الكتاب؟



    الذين أوتوا الكتاب حوّلوا آيات الكتاب لمجرد تلاوة، لمجرد آيات تُتلى، لم يحققوها في واقع الحياة فكانت النتيجة أن عاقبهم الله بقسوة القلوب. كل من يبتعد عن تنفيذ أحكام وأوامر آيات الكتاب العظيم آيات القرآن في واقع الحياة ويحوّل القرآن لمجرد آيات تُتلى وتُقرأ ويحوّل الذِكر والتسبيح إلى مجرد تمتمة باللسان دون تنفيذ في الواقع، دون تغيير في السلوك، دون تطبيق لدعوة الأنبياء من حق وإحقاق حق وإزهاق لباطل، يعاقب بقسوة القلوب.

    ولذا ربي أنهى الآية بقوله

    (وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)



    (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)



    يا سبحان الله العظيم!


    حتى وإن بلغت القسوة بقلبك ما بلغت ربما شارف على الموت اُنظروا إلى المقارنة، لا تيأس من رحمة الله ولا تقنط من رحمة الله.


    (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)


    والرب القادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء قلوبنا بعد غفلتها وقسوتها وموتها في ظاهر الحياة، ولكن كيف؟


    بالعودة لما أمر به الله عز وجل لا بد أن تكون الخطوة منك أولاً أنت تشعر بمدى قسوة هذا القلب ومدى الحاجة إلى عودته لخالقه سبحانه وتعالى القرار بيدك بعد إرادة الله عز وجل أما باب الله عز وجل لا يُغلق، باب التوبة لا يغلق القرار لا يزال بيدك. تأملوا نفحات الرحمة في هذه الآية العظيمة تدبروا كيف يرحم ربي عز وجل عباده وهو الغني. ربي غني عن عبادتي، غني عن عودتي لا تغني عنه شيئاً أبداً ولا تزيد في ملكه ولا تنقص عودتي أم عدم عودتي، أنا المستفيد الوحيد. ورغم كل ذلك ربي سبحانه يكرر الدعوة بعد الدعوة ليعود قلبي إليه من جديد، فما أعظمه من رب!



    وما أكرمه من رب! وما أرحمه من رب سبحانه وتعالى!


    (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ)

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني



    حوار بين المنافقين وبين المؤمنين





    قسوة القلب الخطيرة التي تعالجها سورة الحديد إذا لم أنتبه إليها مبكراً




    ستقودني إلى أي شيء؟

    إلى النفاق الذي يحول بيني وبين النور التي تتحدث عنه السورة.



    ولذلك جاءت الآية الرابعة عشر لتبين هذه الحقيقة

    (يُنَادُونَهُمْ)

    هناك حوار بين المنافقين وبين المؤمنين، لماذا؟

    لأن قسوة القلب إذا لم تُعالَج مرض خطير يقود إلى النفاق علي أن أنتبه إليه

    (يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ)




    ألم نكن مع المؤمنين؟ ألم نكن معكم في صفوفكم؟ ألم نشارككم العيش؟ ألم نشارككم حتى في بعض الأعمال التي كنتم تقومون بها؟

    (قَالُوا بَلَى)

    قضية خطيرة بالفعل المنافق قد يخرج مع المؤمن في عمل صالح المنافق قد ينفق المنافق قد يخرج حتى للجهاد أو للقتال وقد حدث فقد خرج المنافقون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن وفي غزوات عديدة، إذاً أين الإشكال؟

    الإشكال




    (وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)

    إذاً هو القلب، القلب الذي حين يغفل عنه الإنسان قد يقوم الإنسان بالعمل ظاهرياً ولكن لأن القلب قد غفل عن المسألة تماماً مسألة الإقبال والإيمان واليقين بالله عز وجل وبما عنده أصبح العمل لا يساوي شيئاً.



    ولذلك المنافق يأتي يوم القيامة يحسب أنه على شيء، بأعمال كبيرة أعمال كثيرة ولكنها لا تغني عنه شيئاً أبداً، ما الذي أذهب العمل؟
    خلوّه من الإقبال على الله عز وجل، خلوّه من حظ الإيمان في القلب عمل القلب الحقيقي الصدق مع الله عز وجل. المنافق كان يعمل العمل ولكنه كان غافلاً عن خالقه سبحانه وتعالى ولذلك ختمت الآية بآية عظيمة
    (فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ)
    إنتهى الوقت!

    طلب منكم ربي الإنفاق في الدنيا، كنتم في متسع من الوقت، كنتم تستطيعون أن تبذلوا وتقدموا أي شيء لله عز وجل، فدية، افتدي نفسك. ولذلك المؤمن العاقل المؤمن الحكيم يدرك تماماً أن ما يبذله في الدنيا من من وقت من صحة من عمل من مال إنما هو يفتدي نفسه بأيّ شيء؟ من سوء العذاب أنا أقدم فدية أنا أفتدي نفسي أن أقدم شيئاً لله عز وجل فداء لنفسي، ألا تستحق نفسي الفداء؟!
    يعني هب أن أحداً من الناس في الدنيا طالبك بفدية وضع على رقبتك السيف أو السلاح وقال إفتدي نفسك إما أن تدفع هذا المبلغ من المال وإما أن تنتهي، خلاص تنتهي الحياة بالنسبة لك، ألا تفتدي نفسك؟! كم ستبذل من المال؟! ألا تبذل كل ما تمتلك فقط لأجل أن تنقذ نفسك؟ أن تنقذ روحك؟

    هذه في الدنيا علماً بأننا موقنون تماماً بأننا عاجلاً أو آجلاً سنسلِّم الروح إلى بارئها وخالقها، فما بالك بالحياة الأزلية؟ ألا أفتدي نفسي من العذاب؟ ألا أفتدي وأبذل وأقدم كل ما أمتلك لأجل الله سبحانه؟
    انظروا إلى السورة كيف تأخذ من نفسي كل نواحي الشحّ والبخل

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    الفُصِل بين المؤمن والمنافق






    (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ)



    المسألة ليست بعيدة، القلب الذي قد غفل عن الله عز وجل وابتعد وأخذته الحياة الدنيا بمشاغلها يوم القيامة ليس بيوم بعيد



    (يَوْمَ تَرَى)

    ستراه عياناً المؤمنين والمؤمنات الذين قدّموا العمل الصالح الذين وظّفوا هذه الأيدي بما يرضي الله عز وجل أنفقوا بذلوا عطاءً كتابة دعاءً للآخرين، اليد، كم من الأعمال والأشياء نستطيع أن نفعلها باليد؟

    حتى الأعمال المهنية، حتى الأشياء البسيطة، كل شيء أستطيع أن أفعله بهذه اليد، هذه اليد التي سيتحول العطاء فيها إلى نور (وبأيمانهم) وتحديداً (وبأيمانهم).



    ونحتاج هنا أن نتوقف عن هذه القضية قضية الأيمان، اليد اليمين التي تُعطي وتبذل، كم من المرات أحتاج وأنا أبذل أن أذكر نفسي بالنور كل عمل خير تفعله بهذه اليد تخيل تماماً أن هذا العمل سيتحول إلى نور، وزيادة النور مرتبطة بقدر الايمان واليقين الذي أحمله في صدري وفي قلبي وانا أبذل واتحرك في العطاء.

    ثم تختم الآية وتقول

    (ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)








    وتقارن مقارنة واضحة بين قوم وصلت بهم قسوة القلوب التي تعالجها سورة الحديد إلى الحدّ الذي أوقعهم في النفاق والنفاق كما نعلم ليس على نوع واحد نفاق الإعتقاد فحسب، أن أؤمن إيماناً ظاهرياً ليس له محل ولا رصيد في القلب، الباطن خالي من الإيمان بالله، هذا نفاق الإعتقاد. أما نفاق العمل وهذا نفاق كارثي بالدرجة الأولى نفاق تدخل فيه أعمال معينة ربما أقع في قضية كذب أثناء الحديث، لا أصدُق في كلامي مع الناس، لا أصدُق في وعودي مع الآخرين هذه خصلة من خصال النفاق. فالخصومة أثناء الخصومة ووقوع الخلاف مع الناس أقع في أقصى درجات الخصومة والفُجر بها، هذا نوع من أنواع النفاق هذه خصلة من خصال النفاق نفاق العمل الذي قطعاً إذا لم ينتبه إليه الإنسان سيوقعه في نفاق الإعتقاد الذي لن يصل به إلا إلى الظلمة والتخبط والحيرة.



    ولذا الآيات تنتقل بي إنتقالة عجيبة في موقف من مواقف يوم القيامة موقف الناس كلهم بحاجة إلى نور ينير الدرب، ينير الطريق،
    (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ)
    نور المؤمن وجلال الأعمال الصالحة التي قد قام بها وجمال تلك الأعمال وبهاء تلك الأعمال أصبح من الإشعاع إلى الدرجة التي تصل بالمنافق أن يتطلّع ويتشوّف ويشوّق ويطمع أن يأخذ منها ولو شيئاً من نورهم وإذا به في تلك المرحلة التي يحتاج فيها المنافق إلى النور يخفت ذلك النور ولا يستطيع أن يرى من نور المؤمنين شيئاً ولا يستضيء به بشيء ولذا جاءت الآية
    (فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ)

    من جهة المؤمنين

    (وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ) فُصِل بين المؤمن والمنافق.

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    القرض الحسن








    تأتي الآيات لتبين لي نوعاً جديداً من أنواع البذل والعطاء سماه ربي


    "القرض"


    (مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ)



    إحسانك إلى الآخرين، تلك اليد المفتوحة التي فتحت بالقلب قبل أن تُفتح بالعطاء، البذل لكل الناس لكل من يحتاج إليّ، وتأملوا معي الربط لأنه سيأتي الربط بعد قليل "النور". ينبغي ألا أنسى أبداً ذاك النور الموجود في الدنيا والأخرة النور الذي ينتظرني كل صدقة تقدمها بيدك بيمينك ولا تعلم شمالك ما أنفقت يمينك هي نور، هي ليست مجرد حفنة من الأموال أو القروش أو الدنانير، هي حفنة من نور ستنير لك الدرب والطريق في الدنيا وفي الآخرة، سينتظرك النور وعلى قدر حظك من الإيمان واليقين بالله عز وجل وإقبالك عليه وأنت تنفق وتعطي وتقدِّم يكون حظك من النور. ولنا أن نتوقف عند قضية القرض هنا، هَبْ أن أحداً من الأغنياء أغنياء الدنيا طلب منك أن تقرضه مالاً -ولله المثل الأعلى- كيف سيكون شعورك وإحساسك وهو يطلب منك القرض؟ غنيٌ من الأغنياء، كبير من كبار الدنيا ووجهائها طلب منك القرض، كيف سيكون شعورك؟ ألا تفرح؟ ألا تشعر بالزهو وعدم التفكير حتى ولو لثانية أن تمنع عنه العطاء؟ مجرد أن يطلب منك القرض تعتبره تشريفاً أليس كذلك؟ فما بالنا ولله المثل الأعلى رب السماوات والأرض الذي بيده ملك السماوات والأرض يطلب منك القرض، ألا تشعر بتشريف الله لك؟ إذاً كيف يمكن بعد كل هذه الدعوات المُحببة من خالقٍ يمتلك كل شيء بما فيه أنا وبما فيه كل ما أنا أمتلك، كيف يمكن أن أتوقف عن البذل والعطاء؟! كيف يمكن بعد كل تلك الدعوات أن أبخل بشيء أو أدخر لي شيئاً؟




    وهنا يأتينا معنى تلك الوقفات الرائعة التي كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه يستشعرها وهو لم يترك شيئاً إلا وقد بذل، كل شيء يبذله لماذا؟


    لأن المسألة قد إنتهت، الإدراك والتغلغل لمعاني البذل والعطاء قد بلغ مبلغه في القلب، غُرِس في القلب، القلب أصبح يريد أن يعطي ويخرج من كل شيء لله عز وجل لأنه يدرك تماماً ويؤمن بأن ما خرج منه وما خرج إليه إنما هو في نهاية الأمر سيعود إليه سيعود لخالقه سبحانه وتعالى الذي بيده كل شيء وهو على كل شيء قدير وهو قد وعد وربي إذا وعد وفّى.

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    إغتنم ما أعطاك الله من نعم






    (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ)



    طبعاً وإن كان لبعض هذه الآيات أسباب نزول متعلّقة بمن أنفق من الصحابة رضوان الله عليهم قبل الفتح وقت أن كان الإسلام لم يزل غضّاً طرياً في مكة، المسلمون في حينها كانوا في حالة ضعف لم يكونوا في حالة قوة مادية أو معنوية، من بذل وأعطى وأنفق وحال الإسلام تلك كأبي بكر الصديق رضي الله عنه، كعمر الفاروق، كغيرهم من الأصحاب ليس فقط ممن امتلكوا المال حتى بلال رضي الله عنه وأرضاه، حتى عبد الله ابن مسعود، حتى صهيب الرومي هؤلاء الذين كانوا من فئة العبيد والمستضعفين ما كانت لديهم أموال ينفقونها في سبيل الله كأبي بكر الصديق وغيره من الأغنياء، ولكن كان لديهم شيء أخر كان لديهم الحب والعطاء الرغبة والصدق مع الله عز وجل النُصح لهذا الدين ولذلك لا تحدثك نفسك وتقول بأنك لا تمتلك شيئاً تبذله في سبيل الإيمان وفي سبيل الحق، قطعاً أنت تمتلك الكثير.




    ابذُل كل ما لديك، هؤلاء الذين أنفقوا من قبل الفتح مال وعطاء وصدق وثبات وغير هذا كل ما بذلوه هذا أعظم درجة عند الله لأن بعد ذلك حدث أن الإسلام قد أصبح في قوة ومنعة من كل النواحي مادية ومعنوية. البذل والعطاء في حال القوة ليس كما هو البذل والعطاء في حال الضعف والعجز، وكذلك البذل والعطاء منا اليوم ونحن في حال إقبال الدنيا علينا ليس كالبذل والعطاء في حال إدبار الدنيا عنا.



    أنت حين تُقبل على الله عز وجل وأنت في قمة قوتك لا مرض ولا تعب ولا إرهاق ولا عجز ولا ضعف ليس كما هو إقبالك في حال الشدة والمرض والعجز والضعف. إذاً إغتنم الفرصة، إغتنم ما أعطاك الله من نعم، إغتنم تلك الأقدام القوية الصلبة التي تقف عليها، الآن أنت في حال قوة ما الذي يمنعك من الإقبال على الله؟ ما الذي يمنعك أن تسير بك هاتين القدمين؟ ما الذي يمنعك أن تسير بهما إلى الله؟ إقبالاً وبذلاً وعطاءً، ما الذي تنتظر؟ لماذا تفوّت عليك الفرص واحدةً تلو الأخرى؟


    الآية لم تبقي شيئاً


    (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)


    مدار العمل مدار الإنفاق ليس هو الكمّ بل هو الكيف والنوع. ولذا بلال رضي الله عنه وأرضاه أنفق، عبد الله ابن مسعود أنفق، صهيب أنفق، وغيرهم وغيرهم من الضعفاء والمساكين والأغنياء. هذا الدين وعلاقتي مع الله عز وجل يفتح كل أبواب العطاء كل ما يمكن أن تقدمه حتى لو كان جرّة قلم تكتب بها كلمة حق وتنصر بها الحق الذي تؤمن به، هذا بذل هذا عطاء. ما الذي يزيد في درجة العطاء وأجره؟


    الإيمان الذي تحمل، الرغبة في العطاء، الرغبة في رضى الله عز وجل والتقرب إليه، الشعور بالفقر والعجز والشعور بأن الله هو المتفضّل عليك حين تبذل وحين تقدم وحين تعطي. بمعنى آخر أنا حين أقدِّم الألف والألفين من الدنانير من متاع الدنيا ليس أنا من يتفضّل على الإسلام ولا على الدعوة، لا والله! إذا كان هذا الشعور وهذا الإحساس فالعمل هباءً منثوراً، إذاً ما الذي يجعل العمل يرتفع ويرتقي؟ إحساسي بأن الله سبحانه هو المتفضّل أولاً وأخيراً، هو المُنعِم إبتداءً هو الذي أعطى المال ليس مالي المال هو وديعة المال من عند الله، الموهبة من عند الله عز وجل، الكلمة من عند الله، الوقت من عند الله الصحة من عند الله، الشباب من عند الله عز وجل. إذاً هو المُنعم أولاً وأنا حين أوظفها في عمل الخير والعطاء ونصرة الأنبياء ونصرة الدعوة التي أحمل في قلبي وفي حياتي إنما المتفضّل كذلك هو الله. لو شاء لقعد بي عن سلوكي في هذا الدرب، لو شاء لأبقى على قلبي غافلاً بعيداً عن خالقه سبحانه ولكنه عز وجل تداركني بلطفه وبرحمته سبحانه وتعالى.

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    ما الذي يوقفك عن البذل والعطاء؟!








    (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)


    ما الذي يمنعك أن تنفق الغالي والرخيص في سبيل الله عز وجل؟!


    ما الذي يوقفك عن البذل والعطاء؟!


    واحدة من أعظم أسباب قسوة القلوب الشُحّ، البخل.


    والبخل ليس فقط البخل بالمال البخل بالوقت البخل بالنفس، البخل بالمواهب التي وهبنا الله إياها، البخل بالأشياء بالجوارح التي أمتلك لديك عينان لديك أقدام لديك لدك لديك ماذا فعلت بها؟!


    كيف حققت دعوة الأنبياء على هذه الأرض من خلال استعمالك لتلك المواهب التي وهب ربي عز وجل وأنعم بها؟!


    وتأملوا معي قول الله عز وجل حين لا يُبقي لي عذراً أعتذر بين يديه، ليس هناك عذر، سورة الحديد تفصّل الأعذار فلا تبقي لي عذراً بين يدي الله سبحانه وتعالى.




    (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)



    كل شيء بيد الله وكل شيء من الله وسيؤول إلى الله سبحانه وتعالى، هذه الحقيقة الغائبة عن نفوسنا، المال ليس مالي المال ليس مالك، المال وديعة، المال عارية والمواهب الأخرى التي وهب ربي سبحانه إنما هي عارية ستُستردّ في يوم من الأيام سيأخذها مني ربي عز وجل لكن هناك فارق بين أن يأخذها ربي سبحانه وقد صرفتها وأنفقتها ليلاً ونهاراً بذلاً وعطاءً في دروب الخير، بذلاً وإنفاقاً في دروب الخير والدعوة ونصرة النبي ونصرة الأنبياء ونصرة الحق الذي آمنت به في صدري وحملته في قلبي لتتحول تلك النواحي من الإنفاق سواء كان إنفاقاً بالوقت أو إنفاقاً بجهد أو إنفاقاً بالصحة أو إنفاقاً بطعام أو إنفاقاً بشراب أو إنفاقاً بموهبة أو أي شيء من توظيف هذه المواهب في نصرة الحق الذي أؤمن به كلها ستتحول يوم القيامة إلى نور. النور ينتظرني النور الذي أُنير لي في الدنيا ينتظرني هناك، ينتظرني عند الموت، ينتظرني عند الخروج من الدنيا، ينتظرني عند الصراط حين تصبح الظلمات ظلمات بعضها فوق بعض. تحيط بي الظلمات فتأتي أنوار تلك الأعمال الصالحة لتُشرق وتُنير لي الدرب حتى يتطلّع ذلك المنافق لذلك النور العظيم، أعمالي، مواهبي.


    ولذا إياك في يوم من الأيام أن تحدثك نفسك بأن تترك شيئاً ولا تنفقه في سبيل الله.

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    إفتح القرآن بقلبك








    (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ)


    لمَ يا رب؟


    (لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)


    ودعونا نقف طويلاً


    لأن هذه الكلمات سيكون لها موقع ومواضع كثيرة في سورة الحديد


    "النور والظلمات".



    أنا أحتاج في حياتي وأنا أعود إلى خالقي سبحانه وتعالى إلى شيء يضيء لي الطريق، هَبْ أنك مشيت في طريق والطريق مظلم تريد أن تجد بصيص نور، أين ستجد النور؟ طريق الحياة الذي نمشي فيه اليوم المضاء بكل الأنوار الأنوار الصناعية، الأنوار التي صنعناها بأيدينا كبشر بحكم ما توصلنا إليه من وسائل حضارية مختلفة، هل تستطيع تلك الأضواء والمصابيح والأنوار المصطنعة أن تضيء الظلمة التي توجد في قلب الإنسان حين يبتعد عن خالقه؟! مستحيل.



    كم من المرات كانت الأضواء والمصابيح مُنارة ولكني أشعر أحياناً في ظلمة في نفسي، أشعر أن الأمور قد التبست عليّ، لا أعرف هل أذهب يمنة أم أذهب يساراً، لا أعرف أي طريق أختطّ في حياتي، الحيرة، الشك، هذه الأمراض التي تتولد عن قسوة القلب وبعده عن خالقه سبحانه وتعالى، القرآن.


    القرآن الذي تأتي به سورة الحديد ليخرجكم من الظلمات إلى النور أنا بحاجة إلى نور في طريق العودة لله سبحانه وتعالى، أين النور؟ أين سأجد النور؟


    النور في القرآن.



    إذاً أول مصدر من مصادر النور الذي تبينه سورة الحديد وأنا أمشي معها خطوة خطوة وهي تأخذ بتلابيب قلبي المتصلِّب البعيد عن خالقه سبحانه وتعالى


    هو القرآن


    (ليخرجكم من الظلمات إلى النور)


    لا عودة حقيقية بدون القرآن العظيم، لا عودة بدون آيات الكتاب العظيم.


    وطِّد علاقتك مع القرآن الكريم، عُد إلى الله عز وجل تعبد بتلاوة آياته العظيمة، إفتح القرآن. ولكن لا تفتح القرآن بيد فقط ولكن إفتح القرآن بقلبك لكي تدخل آيات هذا القرآن فتزيل الغشاوة والظلمة التي ربما تكون قد أحاطت به من كل جانب نتيجة لغفلته وبُعده عن الله عز وجل.

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    الإنفاق تصديق لمعاني الإيمان






    (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7))الحديد


    (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)
    إذاً عرفت فالزم، عرفتَ أن هناك علاقة تربطك بخالقك وأن ما من شيء في الكون الذي تعيش فيه لا صغير ولا كبير ولا شجر ولا ورقة ولا أخضر ولا يابس ولا ملك ولا سيّد ولا عبد ولا أحد يخرج عن أمره سبحانه وبدأت بالتسبيح لخالقك والعودة إلى خالقك من جديد لا تقف مرحلة الإيمان عند هذا الحد، لا، لا بد أن تنتقل إلى مرحلة جديدة، ما هي هذه المرحلة؟

    تحقيق مفهوم التسبيح والعودة لله عز وجل في واقع الحياة،
    (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)
    إيمان حقيقي إيمان صحيح أنه هو تصديق بالقلب ولكن تصدقه الجوارح في واقع الحياة تصدقه أفعالك تصدقه السلوك الذي تتعامل به مع الآخرين، الأخلاق، القيم، المبادئ، المثل التي تكون وراء حركتك في واقع الحياة ثم العجيب وفي نفس الآية أول ما تبدأ
    (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)
    بدأت الآيات بعد قضية الإيمان مباشرة بقضية الإنفاق ولماذا الإنفاق؟

    الإنفاق تصديق لمعاني الإيمان التي تحدثنا عنها قبل قليل. آمنت بالله عز وجل، أدركت وأيقنت تماماً أن الله سبحانه وتعالى له ملك السماوات والأرض، أبدأ بالتطبيق، أبدأ بالبذل، أبدأ بالعطاء، أبدأ بتطبيق أوامر الله عز وجل كما جاءت في كتابه وأولها الإنفاق. سورة الحديد هذه السورة العظيمة التي بين أيدينا واحد من أهم محاورها البذل والعطاء. المؤمن لا يمكن أن يكون بخيلاً، المؤمن لا يمكن أن يبخل بشيء على هذا الإيمان الذي قد توقّد في قلبه وفي نفسه يبذل كل شيء والبذل والإنفاق والعطاء هنا لا يختصّ بمال صحيح بعض الآيات ستأتي علينا محددة بموضوع المال ولكن أول آية من أيات رب العالمين قال فيها
    (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)
    كل ما نمتلكه، مواهب، جوارح، عين، يد، قدم، كل ما أمتلكه، كل ما وهبني إياه الله سبحانه وتعالى أنا مستخلف فيه هذه مجرد عارية. ربي سبحانه وتعالى أنعم عليَّ بهذه النعم لينظر كيف أعمل لينظر كيف يكون إستخلافي وتحقيق مفهوم الخلافة على هذه الأرض. ربي سبحانه جعل الإنسان في مرحلة الحياة في رحلة الحياة التي نعيش جعله خليفة قال
    (إني جاعل في الأرض خليفة)
    وهذا الخليفة زوّده ربي سبحانه وتعالى بكل الطاقات بكل المواهب بكل الجوارح، لديك عين، لديك عينان، لديك يد، لديك قدم، لديك كل ما وهبك الله ماذا فعلت به؟ كيف حققت أوامر الله عز وجل ولذا جاءت نهاية الآية
    (فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)
    إيمان بدون إنفاق، إيمان بدون بذل، إيمان بدون تضحية، إيمان بدون عطاء هذا ليس بإيمان، هذا إيمان سيقودني كما ستأتي عليَّ الآيات في سورة الحديد إلى حتى الوقوع في مرحلة النفاق والعياذ بالله.

    هذا إيمان لايمكن أن يحرك في ساكناً، هذا إيمان لا يمكن أن يحقق دعوة الأنبياء التي جاء التركيز عليها في هذه السورة العظيمة في أكثر من موضع.

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    معية الله نوعان









    (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)



    تدبروا معي كم مرة ذُكِرت مسألة العلم، لماذا؟


    ربي سبحانه وتعالى في هذه الآيات العظيمة الست آيات الأولى يكرس في نفس ذلك القلب الغافل أن الله سبحانه محيط بكل شيء، علمه بتصرفاتنا، بأفعالنا، بغفلتنا، بعودتنا، بكل شيء علم دقيق يحصي علينا كل شيء.



    القلب حين يغفل مجرد غفلة شعور ربما اللسان يتحرك بذكر الله ولكن القلب لاهي، القلب غافل، ربما أقرأ وأتلوا آيات الكتاب، ربما أقف بين يدي الله عز وجل في الصلاة ولكن القلب غافل ساهي في وادي آخر من وديان الدنيا من الذي يعلم بكل هذا؟ من الذي يعلم بسكنات ذلك القلب؟ من الذي يدري بخلجات النفوس؟

    الله سبحانه.



    ولذلك تأملوا كم مرة جاءت في الآيات

    (وهو بكل شيء عليم) (بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)

    آيات توقِظ فيَّ مراقبة الله عز وجل.

    (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)







    ومعية الله عز وجل على نوعين:



    المعية الأولى معية عامة
    فهو سبحانه مع عباده بما يليق بجلاله بعلمه وبإحاطته واطلاعه ومراقبته لأعمالهم ومشاعرهم وخلجات نفوسهم وخواطرهم وما يحدثون به أنفسهم ليلاً أو نهاراً في كل شيء هذه هي المعية العامة.



    المعية الثانية هي معية خاصة
    معيّة الله مع عباده توفيقاً وتأييداً ونصرة لهم.


    والنوعين المعية الأول المعية العامة والمعية الخاصة كلا النوعين قد جاء ذكرهما في هذه السورة ولكن العظيم أن المعية الخاصة معية الله عز وجل لعباده نصرة وتأييداً وحفظاً كما جاء على لسان النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن قال لصاحبه: "لا تحزن إن الله معنا" معية خاصة تأييد حفظ توفيق نصر فتح من الله عز وجل معية خاصة لا ينالها المؤمن وقطعاً لا ينالها، بعيدة عن منال القلب الغافل القاسي الذي اختط" طريقاً ودرباً له بعيداً عن خالقه سبحانه، يُحرَم من هذه المعية ولا يمكن أن ترجع وتعود المعية الخاصة لهذا العبد إلا إذا إستشعر واستحضر وعاش المعيّة العامة بمعنى آخر أن السورة منذ بداياتها بدأت توقظ القلب، تشعره بأي شيء؟
    أن انتبه عليك أن تدرك تماماً أن الله معك معية عامة مطلع على أفعالك (بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    استشعر أثر التسبيح بقلبك









    نبدأ ببداية السورة العظيمة أول خطوة على ذلك الطريق ليعود القلب من جديد إلى خالقه يعيد عبادة من أعظم العبادت عبادة التسبيح وتدبروا معي ابتدأت السورة بقوله عز وجل



    (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) سورة الحديد 1

    التسبيح هنا ليس مجرد أن أقول "سبحان الله" بلساني وإن كان ذلك جزء منها ولكنه تسبيح يجتذب القلب من نواحي الغفلة التي قد علته إلى عالم جديد، يصبح ذلك القلب الغافل مُسَبِّحاً مع كل من حوله، كل شيء من حولنا يسبِّح الله عز وجل.











    هذه حالة اليقظة التي تبدأ بها سورة الحديد توقظ النفوس توقظ القلوب تعيد القلوب من جديد التي كانت بعيدة عن خالقها تعيدها من جديد إلى خالقها كيف تعود؟



    أول ناحية بعبادة التسبيح وليس كأي" تسبيح وإنما تسبيح يعيد الأمور إلى نصابها، تسبيح يعيد القلب البعيد عن الله عزّ وجل الصلد القاسي يعيده من جديد إلى خالقه. حين تُسبِّح الله استحضر أن الله سبحانه مُطّلع على ما في قلبك، وإذا كان ربي مطلع فماذا أفعل؟ على أن أنزه القلب وأطهر القلب على أن أستشعر وأنا أقول سبحان الله عظمة الله عز وجل في خلقه أستحضر المعاني والأسماء العظيمة الحسنى التي جاء ذكرها في بدايات السورة



    (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)

    لا يدين قلبي باستشعار بملك أحد من الناس مهما بلغ ملكه ومهما بلغ جاهه ومهما بلغت قوته أنه يملك من الأمر شيئاً، لا يملك ولا شيء الملك الحق لله الواحد الأحد.



    سبِّح بالقلب قبل أن تسبِّح باللسان







    تأتي الآيات بأسماء وصفات عظيمة من أسماء الله سبحانه وتعالى عزيز قوي لا يُغلَب، حكيم في أمره ومشيئه

    (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)

    وهنا تبدأ المفاهيم يبدأ القلب حين يستحضر ويقف مع الآيات كلمة كلمة يبدأ القلب يعود من مرحلة ورحلة الغفلة والقسوة والبُعد عن الله عز وجل.



    أنا حين يقسو قلبي أو أغفل عن الله عز وجل أغفل عنه لأجل مَنْ؟

    أغفل عنه كيف ولماذا؟ وماذا وبماذا؟

    وهو سبحانه



    (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).



    ماذا أريد حين أغفل؟



    وستأتي السورة كما سنأتي عليها بتسلسل رائع معجز عجيب للوقوف على أسباب ذلك الداء، لماذا يتصلب القلب؟ لماذا يغفل عن ذكر الله؟ لماذا يقسو ذلك القلب؟ ويحلِّلها بتحليل من أعظم وأكثر الآيات والسور اعجازاً في كتاب الله وكل آيات ربي معجزة سبحانه وتعالى.



    إن أردت شيئاً، مالاً، متاعاً من متاع الدنيا الزائل أو من عطاء الآخرة الباقي الذي لا يزول ولا يتغير ولا يتبدل ستجد كل ما تبحث عنه عند من؟



    عنده سبحانه وتعالى الذي


    (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)




    هل ما تطمح إليه وتتشوق نفسك إليه هل يخرج عن ملك السماوات والأرض شيء؟ مستحيل، ثم إنه سبحانه

    (يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).



    ما أبحث عنه في حياتي مهما بلغت قوة من انشغلت بهم عن الله سبحانه هل يملكون لي حياة؟ هل يملكون لي إماتة؟ هل يملكون لي نفساً من أنفاس الحياة حتى أُشغَل بهم عن الله سبحانه حتى أذهب معهم بعيداً عن خالقي سبحانه وتعالى؟! ثم من الذي يملك القدرة على الفعل؟ من الذي يملك القدرة على كل شيء؟


    إذاً التسبيح لم يعد مجرد كلمات باللسان، التسبيح أصبح هنا عبادة قلبية وأعظم أنواع العبادات عبادات القلوب، تلك العبادات التي غفلنا عنها، تلك العبادات التي شُوِّهت صورة العبادات حين فرَّغنا العبادة من شكلها الحقيقي من شكلها في القلب لنجعلها مجرد مظاهر ومجرد طقوس وهي ليست كذلك.




    ولذا الإمام أحمد ابن حنبل رحمة الله عليه يقول: سيأتي زمان على الناس يصلّون فيه وهم لا يصلّون أقف بين يدي الله وأقرأ الفاتحة وأركع وأسجد وأفعل كل أعمال الصلاة الظاهرة التي أمرني بها الله سبحانه وتعالى ولكنها أعمال مفرّغة كالتسبيح تماماً عبادة من أعظم أنواع العبادات.



    التسبيح من أعظم أنواع العبادات ولكن متى؟



    حين يسبِّح القلب قبل أن يسبِّح اللسان قبل أن تتحرك الشفاه بكلمات التسبيح تستحضر معاني هذه الأسماء العظيمة تتعبد الله سبحانه بأسمائه:


    أول، آخر، ظاهر، باطن، بكل شيء عليم إذاً هذه المرحلة الأولى

    اترك تعليق:

جاري التحميل ..
X