إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صهيل الفجر
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


    موضع رااائع جدا ما شاء الله ومجهود أروع استمري اختي
    بارك الله فيك

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    القرآن ليس كغيره من الكتب التي حُرفت من قبل أصحابها كالتوراة والإنجيل


    توقع الخطيئة وتُلحقها بحواء وتقول إن حواء اشتركت مع الشيطان في إضلال آدم! أبدًا!

    (فَأَزَلَّهُمَا)
    آدم وحواء كلاهما أخطأ كلاهما وقع في الزلل كلاهما لم يقفا عند الأمر الإلهي من الله عز وجل
    (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ
    وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)



    القصة الأولى، المغزى الأساس من القصة الأولى تعطيني الدرس الأول أن تعاليم القرآن التي وردت في السورة وفي سور أخرى لا تقف منها موقف المتفرج ولا موقف المخالِف وعليك أن تستحضر العواقب والنتائج المترتبة على مخالفة المنهج والأمر الإلهي، من أول سورة، سورة البقرة تربيني وسورة البقرة تعلمني ولنا أن نربط مع واقعنا ومع مجتمعاتنا ومع سلوكياتنا، كل ما يحدث في واقعنا على المستوى الفردي أو المستوى المجتمعي كل ما يحدث من كوارث ومن مشاكل ومن مصائب إنما هي نتيجة واضحة تمامًا لمخالفات من قبلنا مخالفات في المنهج مخالفات لذلك المنهج الذي أنزله الله سبحانه وتعالى كل ما يحدث وبالتالي أنا لا ينبغي أن أوجه اللوم إلى هذا أو إلى ذاك أول من ينبغي أن يوجه إليه اللوم هو نفسي التي خالفت نفسي التي عصت نفسي التي لم تقف عند المنهج وعند الأوامر ولذلك جاءت الآيات تتحدث عن التوبة




    (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)


    الطبيعة البشرية طبيعة الإنسان وقابليته لأن يزلّ وقابليته لأن يخالف وقابليته أن يبتعد عن منهج الله ومع تلك القابلية رحمة الله عز وجل أوجدت له الباب العظيم الباب الذي لا يغلق أبدًا باب التوبة (فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) والرب الذي تاب على أبينا آدم هو الرب الذي لم يزل ويبقَ قاتح أبواب التوبة لنا جميعًأ يفتح الأبواب لنا جميعًا دعوة مفتوحة كلما أخطأت لا تزدد خطأ بأن تبتعد أكثر عن الله عز وجل ولكن عالج الخطأ بخطوة صح وهي التوبة والتراجع عن الخطأ وهذا بالضبط الفارق الجوهري الذي حدث بين آدم وإبليس، آدم وإبليس كلاهما أخطأ ولكن الفارق أن إبليس أصرّ على خطئه ولم يتراجع ولم يعترف بالذنب ولم يتب فبقي على ضلاله أما آدم أخطأ فاعترف بذنبه وتراجع عن الخطأ وتاب عن ذلك الخطأ.

    ومنذ تلك اللحظة بدأ النزول على هذه الأرض


    (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)


    قاعدة أساسية حين نزل آدم وبدأت الحياة البشرية على هذه الأرض لم يترك الله عز وجل آدم بدون منهج

    (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)

    لديك منهج، سِر على ذلك المنهج فيه هداية ذلك المنهج سيهديك إلى حياة في الدنيا وفي الآخرة خالية من الخوف خالية من الحزن خالية من الاكتئاب والقلق والمتاعب النفسية المتزايدة التي يعاني منها إنسان العصر الذي لم يدرك أبسط جزئيات هذه المعضلة التي يعيشها ويعاني منها البعد عن المنهج البعد عن الهداية، الضلال

    (وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)


    ثم تبدأ الآيات من الاية 39 إلى نهاية الجزء الأول من سورة البقرة تقريبًا في تقديم نموذج حيّ نموذج بشري نموذج لأمة من الأمم ركزت عليها سورة البقرة العظيمة أوضحت جواني مختلفة ومواقف من حياة تلك الأمة في تعاملها مع المنهج الرباني الذي أنزله الله سبحانه وتعالى إليها وأرسله إليها عبر رسلها وأنبيائها بنو إسرائيل (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) مباشرة بعد قصة آدم وقصة الخليقة على الأرض بدأت قصة بني إسرائيل. سورة البقرة حيت تقدم المواقف المختلفة لبني إسرائيل وكيفية تعاملهم مع المنهج الرباني ومع الميثاق والعهد الذي كان بينهم كبشر وكأمة أُنزل عليها كتاب وأُنزل إليها رسل وبين الله سبحانه وتعالى إنما تقدم نموذجًا لهذه الأمة أمة القرآن لكي تستفيد من المواقف التي وقعت في بني إسرائيل وتأخذ منها الدروس وتتعلم العبر وتحاول ألا تقع في المواقع والزلات والأخطاء والعثرات التي وقع فيها بنو إسرائيل من قبل.





    التاريخ حين تعرضه سورة البقرة ويعرضه القرآن ليس لأنه تاريخ ولكن لأنه درس ومن لا يحسن قرآءة الماضي والتاريخ لا يمكن له أن يتعلم ويعرف كيف يعيش الواقع وكيف يستشرف المستقبل.

    قصة بني إسرائيل حاضرة بوضوح في مواقف متنوعة في سورة البقرة العظيمة مؤكدة على أن كل ما يحدث للأمم وللأقوام إنما هو نتيجة طبيعية تلقائية لكيفية تعاطي تلك الأمم مع المنهج الذي أُنزل من ربها سبحانه وتعالى.


    (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ)

    وأعظم نعمة ينعم الله بها على الإنسان ونعمه كثيرة نعمة أن ينزل عليه منهج، أن يعطيه منهجًا يقول له افعل ولا تفعل، اذهب من هذا الطريق ولا تذهب من هذا الطريق لأنه مغلق ولا يؤدي بك إلى نتيجة، المنهج

    (اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)

    ربي سبحانه وتعالى أوفى من أعطى عهدًا سبحانه وتعالى ومن يوفّ بعهد الله ويوفي بالتزاماته أمام خالقه تكون النتيجة الطبيعية أن الله سبحانه وتعالى يوفي له بعهده.

    وتأتي الوصية العظيمة والوصية تحمل الكثير من المعاني لبني إسرائيل أن رسالات الأنبياء من عهد آدم إلى خاتمة الرسالات بالنبي صلى الله عليه وسلم رسالة واحدة تدعو إلى التوحيد وتأمر بالخير والعمل الصالح غير مجزأة رسالة لا تعمل حساب للولاءات ولأقوام وعنصريات لا تعمل حساب لعطاءات الدنيا المختلفة لأنها رسالة إيمانية رسالة التزام مع الله عز وجلت



    (وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ)

    رسالة النبي صلّ الله عليه وسلم، وصية الله عز وجل لتلك الأمة أمة بني إسرائيل أن تؤمن بالرسالة التي جاء بها النبي صلّ الله عليه وسلم لأنها تتمة لرسالة موسى وعيسى عليهما السلام وجميع من سبقهم من الأنبياء الرسالة واحد لا تفرّق لأن ما يفرّق ليس الدين والرسالات وإنما ما يفرّق بين البشر الأهواء والأطماع والحسابات الشخصية المادية. ولذا جاء كثيرًأ في سورة البقرة

    (وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ)

    البيع والشراء والمتاجرة الكارثة الكبرى حين يتحول الدين إلى متاجرة يتاجر به من يمكن أن يُعرف برجالات الدين كما حدث مع بني إسرائيل، التحذير واضح، ولم يتاجر به هؤلاء؟ لأجل مصالحهم الشخصية

    (وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا (174) البقرة)

    ويتكرر ذلك في سورة البقرة كثيرا.

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    تتضح فائدة الهداية أن يجعل الله لك نورًا في قلبك، نورًا في بصرك نورًا في حياتك، نورًا تهتدي به نورًا ترى به الحقائق كما هي في الواقع، نورًا لا يجعلك ترى الخير شرًا وترى الشر خيرًا، نورًا لا يجعلك ترى الفساد إصلاحًا وإن أجمع الناس على ذلك، نور يجعلك ترى الحق حقًا وترى الباطل باطلًا، هذا الصنف من الناس في تعامله مع القرآن الكريم يقارب الصنف الثاني الذي جاءت الآيات على ذكره يستمع لدعوات المؤمنين بالإيمان

    (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ)

    ينظرون إلى الأمور بسطحية عجيبة،
    أعظم خسارة للإنسان في الدنيا والآخرة أن يشتري الضلالة بالهدى. والحديث عن الهدى في سورة البقرة حديث متواصل يضرب الله له الأمثال
    (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً)

    (أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ)

    والكلام في كل تلك الأمثال عن الغيث عن النور عن البرق لصلته بقضية الهداية
    ولذلك ربي سبحانه وتعالى في ختام الآيات قال
    (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ)
    مثل حسي من الواقع


    (وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ

    إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
    النور موجود في آيات هذا القرآن العظيم لكن لأجل أن تستفيد أنت من ذلك النور عليك أن تفتح ما قد أُغلق من عينيك ما قد أغلق من أبواب في قلبك لكي تفتح المجال لذلك النور أن يدخل في قلبك وفي بصيرتك وفي حياتك أما إن أغلق الإنسان المنافذ أمام ذلك النور فأنّى لنور الهداية أن ينفذ إلى قلب قد سُدّ وقد خُتم عليه؟!

    (وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)

    القرآن يتحدى غرور الإنسان وعناد الإنسان وتكبره حين يسير بعيدًا عن منهج الهداية، يتحدى غرور الإنسان الكافر المكابر الذي يجادل في الله بغير علم يجادل في آيات هذا القرآن بغير علم فتكون النتيجة قطعًا هي الخسارة

    (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)

    وفي ذات الوقت وكطبيعة القرآن العظيم
    تأتي البشارة في المقابل للمؤمنين الذين استطاعوا أن يحولوا آيات الكتاب إلى عمل صالح

    (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)


    (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةًقَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)

    تأملوا الصلة الواضحة بين الهداية وبين القصة الأولى في سورة البقرة قصة الخليقة
    الآيات تحدد وتوقظ الإنسان من البداية لك أن تسأل وعليك أن تسأل نفسك:
    لم أنا هنا"لم جئت على هذه الأرض؟ ما هو دوري على هذه الأرض؟ لم خُلقت؟ ما هي الغاية التي لأجلها خُلقت؟
    أسئلة مشروعة لا يمكن لعاقل يمتلك وسائل الإدراك والعقل نصيب إلا ويسأل نفسه هذه الأسئلة لِمَ خُلقت؟ والإجابة واضحة بعيدا عن التوهم والخرافات والتضليل
    (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)
    ما معنى خليفة هنا؟
    أن يقوم بمنهج سينزله ربي سبحانه وتعالى على هذا الإنسان، أعطاه مهمة وسلّمه مفاتيح الأمور وسلّه مع المفاتيح المنهج وهنا تظهر (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) إذن الكتاب والمنهج وسورة البقرة وآيات سورة البقرة وغيرها من السور في كتاب الله عز وجل هو منهجك أيها الإنسان، أيها الخليفة ربي سبحانه وتعالى لم يخلق الإنسان بدون منهج أعطاه المنهج وهو هذا القرآن افعل ولا تفعل، إن فعلت كذا يبحدث كذا وإن فعلت هذا ولم تفعل هذا سيحدث هذا، منهج واضح المعالم ولا يمكن أن يتوصل الإنسان إلى ذلك المنهج بعيدًا عن العلم لا يمكن أن يتوصل إليه عن طريق الخرافة والجهل والتكهن!
    (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)
    إذن هذا الحوار الدائر بين الله سبحانه وتعالى وبين الملائكة في قصة خلق آدم عليه السلام حدد مهمتي أنا كإنسان، يحدد المنهج الذي ربي سبحانه وتعالى أعطاه للإنسان قال

    (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)

    وهنا اتضحت معالم القضية أمام الملائكة وأمام الإنسان الذي يقرأ في هذا الكتاب العظيم.
    أمر الله سبحانه وتعالى الملائكة بأن يسجدوا لآدم والسجود هنا ليس سجود عبادة وإنما سجود تشريف وسجود تكليف من قبل الخالق الذي أمر وليس من أجل آدم عليه السلام وهذه النقطة مهم جداً لأن إبليس لم يفهم ولم يدرك هذا المعنى، إبليس نظر إلى آدم وإلى تكوين آدم ولم ينظر إلى قضية الأمر الذي جاء من رب آدم ورب الملائكة أجمعين، لم ينظر إلى المسألة من هذه الزاوية، ضلال!
    إبليس الأصل في منهجه الضلال والإضلال وإبليس بطبيعته يُضلّ لأنه في الأصل ضال وقد ضل الطريق وأول ما ضلّ به إبليس هو هذه الجزئية تمامًا: ربي سبحانه وتعالى قال للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا ولكن إبليس لم ينظر إلى الأمر على أنه أمر رباني وبالتالي عليه أن يطيع وإنما نظر إلى جزئيات وتفاصيل، ضلال، فأبى واستكبر وكان من الكافرين. أما آدم عليه السلام فالقصة بالنسبة له بدأت فصولها بطريقة مختلفة، بطريقة تحدد لي أنا الإنسان اليوم من بني آدم المنهج الذي ينبغي أن لا أحيد عنه في تعاملي مع الله عز وجل وإلا كانت النتيجة نتيجة مختلفة تمامًا. ربي سبحانه وتعالى أمر آدم

    (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا
    وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ)

    اِفعل ولا تفعل، اسكن وكلا منها رغدًا ولا تقربا هذه الشجرة، أمر ونهي تمامًا ككل آيات سورة البقرة والقرآن العظيم افعل ولا تفعل، وأعطاني مثالًا كعادة القرآن العظيم وأسلوبه العظيم ماذا تكون النتيجة حين تخالف أمر الله عز وجل حين يقول لك افعل ولكنك لا تفعل وحين نهاك ويقول لك لا تفعل ولكنك تفعل، النتيجة كارثية تمامًا!


    وهذا ما حدث مع آدم عليه السلام وحواء
    (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا)
    تأملوا في دقة اللفظة القرآنية!


    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    الجزء الأول من سورة البقرة

    (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ )

    إجابة الدعاء، الهداية التي تطلب أيها المسلم وتلحّ على الله بالدعاء أن تحصل عليها، الهداية التي لا سعادة ولا نجاة لا في الدنيا ولا في الآخرة بعيدًا عنها هي موجودة في هذه السورة العظيمة
    (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)
    لكي تتحقق تلك الهداية لا بد للقلب الذي يستقبل وينتفع بمعاني الهداية وبأنوارها أن يكون فيه تقوى. والمعنى الواضح الأساس للتقوى أن يسير الإنسان على توقّي، على حذر، ولنا أن نسأل حذر من أي شيء؟ حذر وتنبيه من أن آتي لهذه السورة العظيمة بقلب لا يريد الهداية ولا يطلبها، من قلب مريض، من قلب يأتي إلى القرآن بتراكمات، باشياء مختلفة، بأهواء، لا يطلب الهداية، هذا النوع من القلوب وهذا النوع من التلقي لا تتحقق فيه معاني الهداية،
    (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ )
    الإيمان بالغيب ليست مجرد حقيقة إيمانية فقط غائبة عن الواقع، لا،
    هذا الإيمان بالغيب يقودني إلى عبادات، يقودني إلى ممارسة شعائر، سلوكيات، أعمال
    (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)
    صلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر صلاة تجعل من العبادة ممارسة متواصلة للعمل الصالح الذي يريده الله سبحانه وتعالى في حياتي أصبحت الصلاة هنا في حد ذاتها مصدر للهداية التي أبحث عنها وألحّ في الدعاء بطلبها من الله سبحانه وتعالى وتحولت تلك الصلاة إلى عطاء (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) الرزق بكل أشكاله، موهبة، علم، عمل، عطاء، خير، مال، جاه، منزلة، كل ما أنا فيه أنا أنفق منه،
    (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)
    ليس هناك تفرقة بين الرسالات السماوية ولا بين الأديان وهنا تظهر لطيفة أخرى من لطائف هذه السورة العظيمة أن المؤمن بإيمانه واستهدائه بنور ذلك الكتاب يصبح رسالة ومشروع عالمي للسلام للخير للعطاء لا يقف عطاء ذلك المؤمن المستهدي بنور آيات سورة البقرة عند أمته وعند قومه وعند رسالته وإنما يمتد ليشمل كل البشرية
    (وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) وحين تستقر كل تلك المعاني في نفسي سأصل لمرحلة الهداية (أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ) وطريق الهداية طريق ممهد ميسر للفلاح والفوز في الدنيا وفي الآخرة ولذا جاء في نهاية الآية (وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) قطعًا فائزون، فائزون برضى الله عز وجل في الدنيا وفي الآخرة، فائزون بالسكينة والطمأنينة التي يفتقر إليها كل العالم اليوم،
    (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ )
    خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )
    صنف من البشر خُتم وأُغلق على قلبه جزاء بما فعل، الذي فعل أنه سدّ كل منافذ الإدراك قلب وسمع وبصر أمام الاستماع والتلقي لآيات ذلك الكتاب العظيم ولذلك هذا الصنف من البشر القرآن عليهم عمى قرأ، استمع إلى القرآن لا يغني عنه ذلك شيئًا لأن المحل قد أُغلق لأن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك قد أُغلق دون تلق آيات القرآن العظيم هذا صنف من الناس لا تنفع معه آيات القرآن العظيم.
    وهناك صنف ثالث تقدمه سورة البقرة

    (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ )
    يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ )
    صنف يعتبر أن قضية الإيمان نفاق يقول شيئًا ويضمر شيئًا آخر
    (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)
    هذا الادعاء ولّد في قلوبهم مرض النفاق مرض البعد عن الله عز وجل مرض جعلهم ينظرون إلى الحقائق الماثلة أمام أعينهم على أنها اشياء مغلوطة مكذوبة

    هو يقوم بالفساد ولكن لا يراه فسادًا ولا إفسادًا يراه صلاحًا يراه خيرًا
    (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ
    (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ )

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    ولذلك جاءت الآيات التي تلي آية الكرسة بعد (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)



    وبعد أن تعرّف الله سبحانه وتعالى وعرّف ذاته العليّة لخلقه بصفاته جاءت الآيات (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ)


    ماذا عليك حين يكون الله مولاك يتولى شؤونك يصرّف حياتك يدبر لك المستقبل كما دبر لك الماضي والحاضر يطعمك ويسقيك ويشفيك، يعطيك ويدافع عنك ويمنع عنك ويحفظك ويتولاك، ماذا عليك؟! أتخاف البشر؟! أيستقيم الخوف من البشر بالسحر بالحسد بالعين بالرزق بالمال بالوظيفة باي شيء،


    ايستقيم الخوف من البشر مع وجود هذه الصفات الإيمانية في قلب المؤمن؟!


    لا يستقيم.



    نعم المخاوف موجودة، نعم المخاطر موجودة لا أحد ينكر وجود هذه الأشياء لا أحد ينكروجود الشر لكن ما عليك أن تحرر قلبك منه هو الخوف من الشر، الشر موجود ولكن حرّر قلبك من الخوف ولا يمكن للقلب أن يتحرر إلا حين يخضع لخالقه عز وجل ويعبد الله سبحانه وتعالى حق عبادته وينكسر بين يديه ويستشعر بضعفه وفاقته وحاجته لخالقه وأنه في حمى مولاه وأنه في حفظ الله عز وجل وأن ما من شيء في الكون يحدث ولا حتى ورقة تسقط من شجرة إلا بعلمه، ربك عليم، ربك عليّ، ربك عظيم، لا تخاف، لا تخشى شيئًا، لا عليك، تخلص من المخاوف والأحزان.



    ويأتي السؤال الواضح هنا:


    لماذا التركيز في سورة البقرة على التخلص من هذه المخاوف والأحزان ولا يقربك شيطان


    والبيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة يفر منه الشيطان، لم هذا الحديث؟


    الإنسان الذي تريد سورة البقرة أن تصنعه على آياتها إنسان حر، إنسان قوي، إنسان قادر على أن يلتزم المنهج الرباني في واقع الحياة ولا يمكن لإنسان خائف جبان متردد مليئة رأسه بالأوهام والوساوس والقلق والأرق لا يمكن لمثل هذا الإنسان أن يلتزم بالمنهج في الواقع، لا يمكن أن يأخذ هذا الكتاب بقوة، اليد الضعيفة المرتعشة من الخوف لا يمكن أن تأخذ الكتاب بقوة، الكتاب الذي يؤخذ بقوة لا بد أن تمسك به أيادٍ قوية أياد لا ترتعش من الخوف لا ترتعد من الشر، لا تخشى شيئًا، لا تخشى إلا الله الواحد القهار.


    من أين جاءت كل هذه الشحنة من القوة والدافعية؟

    من إيمانها بخالقها، الرب الذي أنا أؤمن به يسيّر العالم بأسره، العالم كله بين يديه سبحانه، كل شيء خاضع لعظمته، شهود هذه المعاني في قلبي واضح المعنى تمامًا بتأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على قرآءة آية الكرسي صباحًا مساءً بعد كل صلاة لتتركز تلك المعاني في قلبي لأستشعر هذه المعاني، لأطمئن، لأشعر بالأمان، الأمان العملة المفقودة في عالمنا!



    تفنن الإنسان المعاصر في صنع الأقفال، في صنع أجهزة الحماية في صنع أشياء متعددةولكن لا يزال أكثر المخلوقات خوفًا في الوقت الذي نعيشï»؟ فيه،


    من أين يأتي الخوف؟


    يأتي الخوف مع ضعف التوحيد في قلوب الناس، ضعف شعلة التوحيد، خفت وخبت تلك الشعلة العظيمة التي أضاءت العالم أمنًا وأمانًا ورحمة وعدلًا وسلامًا، المؤمن لا يخاف.



    صحيح هناك المخاوف العادية البشرية الطبيعية هذه لا تُلغى لكنه ليس بالجبان، ليس بالمتردد ليس بالخائف على حياته وأهله وماله، يعيش في قلق ولا ينام في بعض الأحيان ولا يسكن إلا بالمهدّئات، المؤمن ليس هكذا، المؤمن الذي سكن قلبه الإيمان الذي شهد قلبه معاني التعظيم والإجلال لله سبحانه وتعالى الذي تبنيه سورة البقرة وآية الكرسي أعظم آية في كتاب الله. ولذا ما أجمل الربط في آيات السورة العظيمة، كل آيات السورة مترابطة، بعد الحديث عن آية الكرسي وما صنعته في قلب المؤمن جاء الحديث عن الإنفاق دستور الإنفاق في سبيل الله لأن المؤمن الذي يخاف على المستقبل وعلى أمواله من النفاد وعلى ثروته من أن تبدد أو تضيع لا يمكن أن يبذل لا يمكن أن يضحّي لا يمكن أن يُعطي والمؤمن الذي تصنعه سورة البقرة إنسان معطاء يبذل الغالي والنفيس.




    يا ترى لماذا يبذل المؤمن الذي تصنعه سورة البقرة الغالي والنفيس؟


    لأن السورة بآياتها تعلمه أن ما تنفقه الله يخلفه، أنا ما عندكم ينفد مهما زاد وما عند الله باق، ما عندكم ينفد وما عند الله باق وأن الإنفاق لا يمكن أن يقلل من المال وإنما الذي يقلل من المال حقيقة مخالفة المنهج الرباني الرب الذي أمرك بالإنفاق ضمِنَ لك أن لا يقلّ ذلك المال بل يزداد ويتضاعف أضعافًا مضاعفة ولذلك جاءت الآية بالمقابل (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ (276))


    الربا مخالفة للمنهج الرباني مخالفة صريحة، الربا استغلال لحقوق الضعفاء، الربا عدم إنسانية، الربا عدم شعور بأني أنا إنسان عليّ أن أمد يد الخير والعون البذل والعطاء لمن هو أضعف مني وأقل مني قدرة فجاءت سورة البقرة وبددت تلك المخاوف والأوهام التي عانى منها ويعاني عالمنا المعاصر الذي اكتوى بنار الربا والفوائد في البنوك وأعلن إفلاسه أكثر من مرة والإفلاس ما كان إفلاس بنوك فقط بل كان إفلاسًا في النفوس وإفلاس قلوب ضيعت المنهج الرباني الذي أمر بالإنفاق وحرّم الربا





    ولذلك يقول (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) يمحقها بالفعل، الخير كل الخير في اتباعك للمنهج الرباني والشر كل الشر في مخالفتك للمنهج الرباني ولذلك ربي قال وعقّب في ختام الحديث عن آيات الربا بتحذير البشر (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ (279)) فإن لم تفعلوا بترك الربا فاذنوا بحرب من الله ورسوله، حرب وهي حرب وما يعيشه عالمنا المعاصر اليوم حرب بكل المقاييس، لِمَ الحرب؟ مخالفة المنهج!. سورة البقرة تجيب عن أسئلتي، تجيب عن المعضلات التي دوخت رؤوس العالم اليوم، رؤوس العلماء والمفكرين والنقاد والمحللين سياسيين واقتصاديين واجتماعيين، لِمَ كل المعاناة في العالم المعاصر رغم كل التقدم التقني الذي نحن فيه والعلمي؟ لِمَ المعاناة؟ لِمَ زادت الحروب؟ لِمَ زاد الفقر؟ لِمَ زاد الشقاء؟ لِمَ زادت التعاسة؟ لم زاد الضنك؟ لم زاد التعب؟ لم زاد المرض رغم التقدم في وسائل الطب؟


    هذه الأسئلة تجيب عنها سورة البقرة بطريقة واضحة لمن يتدبر في آياتها ويقف عند معانيها


    (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) إذن هي الحرب!


    الحرب حين أنت يا إنسان تعلن الحرب على المنهج الذي أنزله الخالق إليك ليهديك وينقذك ليسعدك لا ليشقيك، ليعذيك لا ليمنعك ليهديك ليأحذ بيديك نحو الراحة التي تنشد نحو السعادة التي تروم، نحو النعيم الذي تتأمله ولكنك لا تدري كيف تصل إليه





    - لعن اللهُ آكلَ الرِّبا ومُوكِلَه وشاهِدَيه وكاتبَه قال : وقال : ما ظهر في قومٍ الرِّبا والزِّنا إلا أحلُّوا بأنفسِهم عقابَ اللهِ عزَّ وجلَّ



    الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : أحمد شاكر | المصدر : مسند أحمد

    الصفحة أو الرقم: 5/309 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح

    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    الجزء الثاني في سورة البقرة بدأ بالحديث عن القبلة وتحويل القبلة نحو المسجد الحرام وتحمل الأمة المسلمة التي نزل عليها الكتاب القرآن، الأمة الوسط، مسؤولية الشهادة على الأمم (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (143)) إذن هي الرسالة هي الأمانة هي تحقيق وحمل تلك الأمانة التي ضيّعها بنو إسرائيل من قبل ونحن بحاجة كأمة أن لا نضيّعها وما جاء في الجزء الأول من حديث عن بني إسرائيل إنما جاء في سياق التحذير لهذه الأمة من أن تقع فيما وقع فيه بنو إسرائيل من تضييع للأمانة من تضييع لذلك المنهج الرباني المنزل عليهم في التوراة في واقع الحياة وفي سلوكهم وتعاملهم. هذه الأمة تحملت تلك المسؤولية ولذلك الجزء الثاني واضح جدًا فيه التعاليم المختلفة الآيات التي تحدثت عن القصاص، الآيات التي تحدثت عن الدين، التي تحدثت عن الوصايا التي تحدثت عن الزواج عن الطلاق عن الحج عن الصيام عن العبادة ما تركت شيئًا إلا وتحدثت عنه، جمعت كل التعاليم جمعت كل الأوامر التي تقيم المنهج في واقع الحياة، التي لا يمكن لمجتمع أن يعيش بعيدًا عنها، ربي سبحانه وتعالى ما خلق البشر فوضى وما أراد لعباده أن يتركهم هكذا يعبثون ويلعبون ويجربون القانون تلو القانون والدستور تلو الدستور، أبدًا، ربي سبحانه وتعالى ما كان ليترك عباده هَملًا بلا منهج، ولذلك منذ اللحظة التي نزل فيها آدم ربي سبحانه وتعالى أعطى له ذلك المنهج فقال (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (38)) إذن هو المنهج مرة أخرى وهذا المنهج هو الذي تتحدث عنه هذه الآيات العظيمة في الجزء الثاني من سورة البقرة.



    سورة البقرة تعلّم الإنسان من خلال الأوامر والنواهي كيف يتقي الله كيف يقول لنفسه (لا) حين ينبغي أن يقول لها (لا)، وعلى قدر ما تكون عظمة الله عز وجل في قلب ذلك المؤمن الذي تبنيه السورة في آياتها آية بعد آية على قدر ما يكون تعظيم ذلك الإنسان لأمر الله ووقوفه عن نواهيه ولذلك الكلام متواصل في السورة في الجزء الثاني عن (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا) لأنه على قدر ما تولّد في قلبي من توحيد وتعظيم لربي عز وجل الآمر الناهي على قدر ما يكبر ويتحقق ذلك الأمر في واقعي وفي حياتي، خشية الله عز وجل تبنيها سورة البقرة. ويأتي الكلام عن الجهاد في سبيل الله ليس من باب التسلط على شعوب العالم أبدًا أو إكراه العالم على الدخول في الدين، أبدًا، وإنما من باب آخر من باب إيصال الرسالة التي تحمي الإنسانية من غوائل وزيف الشر والفساد التي تقتلع بذور الشر والفساد في النفوس والأمم، لا بد لهذه الرسالة أن تصل وتصل بالحسن ولكن إذا اقتضى الأمر أن يكون هناك مواجهة فالمؤمن يواجه ولكن دون ظلم ولا اعتداء على أحد فالله لا يحب المعتدين

    (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ)
    خذ المنهج بقوة في حياتك في تطبيق كي تحقق المنهج وتُسعَد به وتُسعِد به من حولك.
    هذه هي رسالة سورة البقرة ولذلك ختم الجزء الثاني من سورة البقرة بقصة طالوت وجالوت ليبين معنى الثبات على الحق والصبر على تعاليم المنهج والتزاماته مؤكدًا سنة التمحيص والغربلة والتدافع بين الناس ليُحِقّ الله الحق بكلماته وعلى أيدي مَنْ؟
    ربما تكون على أيدي فئة قليلة (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ (249))
    ولكن لكي تغلب هذه الفئة من الناس لا بد أن ينتصر المنهج في نفوسها أولًا، في سرّها قبل أن يكون في العلن، لا بد أن تتخلص من أدواء النفس ونزعاتها وأنانيتها وتسلّطها ورغبتها في التسلط والجبروت والتكبر على الآخرين. فما كان لذلك المنهج ولا لأصحابه أن يرتقوا على أنفسهم وحياتهم إلا بتلك التعاليم وتطبيقاتها، ما كان لهم أن يرتقوا بعيدًا عن ذلك المنهج.

    ثم تأتي في بداية الجزء الثالث من السورة بالتأكيد مرة أخرى على أن دعوة الأنبياء واحدة وأن لا عداء بين الأديان على الإطلاق ولذلك في عصرنا الحاضر من يدّعي ويلعب على وتر أن ما يحدث من نزاعات إنما هو بين الأديان المختلفة هذا الكلام لا واقع له من الصحة على الإطلاق، الديانات الحقة السمواية جاءت برسالة واحدة الرسل جاؤوا برسالة واحدة رسالة التوحيد رسالة العدل إذن لماذا يحدث هذا النزاع وهذا الصراع؟ لما حدث من اختلاف في أتباعهم بعد ذلك، والاختلاف ما كان لأجل الدين وما كان لتحقيق رسالة الأديان ومنهج الأديان في الكون وإنما كان لأجل النفس وأطماعها ونزعاتها وأنانيتها ورغبتها في التسلط على الآخرين كما حدث في قصة طالوت وجالوت، المسألة لا يمكن أن تخرج عن ذلك الإطار.






    ثم تأتي الآية العظيمة أعظم آية في كتاب الله، تلك الآية التي قال النبي صلّ الله عليه وسلم لأبيّ بن كعب: يا أبا المنذر أيّ آية معك من كتاب الله أعظم؟ فيقول أُبيّ: قلت الله ورسوله أعلم، قال أبا المنذر أيّ آية معك من كتاب الله أعظم؟ قال: قلت الله لا إله إلا هو الحي القيوم (آية الكرسي) قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدري وقال: ليهنك العلم أبا المنذر. آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله، تلك الآية التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تُصبح. من أين جاء الحفظ في هذه الآية العظيمة؟ أعظم آية في كتاب الله، آية التوحيد، آية الكرسي هي آية التوحيد، الآية التي يتعرّف الله سبحانه وتعالى ويتجلّى فيها لعباده بصفاته فالقرآن كما يقول ابن القيم: كلام الله تجلّى الله فيه لعباده بصفاته. وفي هذه الآية العظيمة ربي سبحانه وتعالى تجلّى لعباده بصفاته في هذه الآية
    (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)




    (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255))
    صفات عظيمة صفات تولد في قلب المؤمن صفات التوكل على الله عز وجل تأخذ من كل هذه الصفات أعمال قلبية ولذلك يصبح الإنسان في حرز يتخلص من المخاوف الموهومة، الخوف من العين، الخوف من السحر، الخوف من الحسد، الخوف من الفقر، الخوف على المستقبل، الخوف على النفس، الخوف من المرض، الخوف على الأولاد، يُسقط عنه كل تلك المخاوف الموهومة بنور الإيمان حين يتجلى في قلبه، نور الإيمان بصفات الكمال والجلال لله الواحد القهار، وكلما شهد العبد هذ الصفات حين يقرأ هذه الآية العظيمة ولّدت لديه توكلًا على الله، شعورًا بالافتقار إلى الله سبحانه والاستعانة به دون سواه والذل والخضوع والانكسار له وهذا محض التوحيد والعبودية، هذا محض رسالة التوحيد العظيمة أن يشعر الإنسان أن لا حاجة له إلى أحد سوى الله سبحانه وتعالى فيخشع القلب لله تعظيمًا وإجلالًا وتوقيرًا ومهابة وينكسر بين يدي خالقه ويشهد نِعَم الله عز وجل فيخشع القلب فتتبعه الجوارح وتسير على هداه. القلب قائد، القلب يخشع حين يقرأ هذه الآية العظيمة بالقلب، بالإحساس، لا يبقى هناك خوف من أحد! تتبدد المخاوف وما أكثر المخاوف التي نعاني منها في وقتنا الحاضر! بعض الناس لا ينام بالليل من القلق، من الأرق، من الخوف ولكن من ملأ الإيمان بربه قلبه أيخاف أحدًا؟ أيخاف شيئًا؟! أيمكن لك أن تخاف شيئًا والله مولاك؟! أيمكن لك أن تخاف على رزقك ومن بيده ملكوت السموات والأرض لك ربًا؟! أيمكن ذلك؟!




    اترك تعليق:


  • امانى يسرى محمد
    رد
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    سورة البقرة



    السورة التي بين أيدينا اليوم هي السورة التي أوصى النبي صلّ الله عليه وسلم بتلاوتها وتعلمها، السورة التي قال: إن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البَطَلة (بمعنى السحرة). السورة التي وصفها مع آل عمران بأنهما الزهراوين يقول النبي صلّ الله عليه وسلم في وصيته لأمته بتعلم السورة التي بين أيدينا وإحقاقها في واقع حياتنا أفرادًا أو مجتمعات، يقول صلّ الله عليه وسلم " تعلموا القرآن" – وتأملوا كلمة تعلموا، التعلم لا يكون محصورًا فقط بتلاوة أو حفظ في الصدور،
    التعلم بمعنى التطبيق، التعلم بمعنى السير على المنهج الذي جاء في هذه السورة العظيمة
    السورة التي بين ايدينا سورة البقرة مع آل عمران سماهما النبي صلّ الله عليه وسلم الزهراوين لنورهما، لهدايتهما، لعظيم أجرهما.

    السورة التي جاءت إجابة على السؤال والدعاء الملحّ الذي يلحّ به العبد على ربه في سورة الفاتحة حين يقول (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) فإذا بسورة البقرة تأتي وتفتتح بقوله عز وجل (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) تريد الهداية؟ وتطلب الهداية وتدعو لنفسك بالهداية؟ (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) هذه هي الهداية، لا بد من العمل

    لا يمكن أن يكون هناك انفصال أو شرخ بين أن أحفظ الآيات في قلبي، في صدري وأتلوها وبين أن لا أعيش تلك الآيات في واقعي وتعاملي وأخذي وعطائي وسلوكي وأخلاقي، لا يمكن أن يكون هناك شرخ. من هنا نستطيع أن نفهم لِمَ هذه السورة العظيمة مع آل عمران جاءت لتسمى الزهراوين: النور والهداية. والنور والهداية يمكن أن تكون هناك شمس أمامي في النهار ولكني إذا أغلقت النوافذ والمنافذ أمام نور الشمس هل أستطيع أن أرى نور الشمس وضياء الشمس؟! لا يمكن، لأني أغلقت المنافذ ليس لأن الشمس غير موجودة وليس لأن نور الشمس وضياءها غير موجود أو بعيد، أنا من أبعدت، أنا من أعلقت. وما يقال عن نور الشمس يقال هنا في هذا الحديث عن نور الزهراوين.

    هذه أطول سورة في كتاب الله، هذه السورة التي فيها أعظم آية في كتاب الله، هذه السورة التي كان يمكث صحابة النبي صلى الله عليه وسلم السنوات الطوال لتعلمها كما ورد عن عبد الله بن عمر مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلم السورة والعرب كلنا نعلم أنهم أمة حافظة فكان أسهل شيء عليهم أن يحفظوا الكلمات والحروف ولكن ما كان حفظ الكلمات والحروف مقصدهم، كان حفظ الآيات والتعاليم والأوامر في واقعهم وتطبيقها في مجتمعهم المقصد والغاية الأساس

    الإنسان صاحب سورة البقرة الإنسان الذي حفظ السورة بقليه بحياته بسلوكه بتطبيقه لها فكان الجزاء من جنس العمل حفظته سورة البقرة لما حفظها في حياته، جاءت تشفع له وتدافع عنه يوم القيامة لما دافع عن أحكامها وأوامرها وتطبيقها في واقع حياته، الجزاء من جنس العمل.


    مقدمة سورة البقرة


    نحن بشر تحيط بنا المخاوف، الوساوس، الشكوك، الأوهام من اشياء متعددة هذه المخاوف لا يمكن أن تبدد إلا من خلال شحنة إيمانية وقوة إيمانية دافئة، القوة الإيمانية في هذه السورة العظيمة وبخاصة في آية الكرسي حين يقرأها المؤمن وهو مؤمن بها وهو مستشعر لعظمة ما يقرأ مستحضر للآيات التي قرأ مستحضر لكل حرف في تلك السورة وفي تلك الآية.

    سورة البقرة تتألف من ثلاثة أجزاء:

    الجزء الأول منذ بدايته أقام دعائم الهداية، المقصد الأساس في السورة، السورة سورة هداية، سورة نور في الدنيا وفي الآخرة لأصحابها، لمن يقوم بحقها، أقام دعائم الهداية على التوحيد الخالص الصادق الذي هو مراد الله عز وجل ولذلك ابن القيم لديه كلمة جميلة يقول: إن كل آية في القرآن متضمنة للتوحيد شاهدة به داعية إليه. فالجزء الأول في سورة البقرة أقام دعائم الهداية على التوحيد وبيّن منذ البداية أن لا عمل يصحّ إلا حين يُبنى على ذلك التوحيد (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَفِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) إيمان، توحيد، يقين

    ثم تعرض السورة في الجزء الأول مواقف متعددة متنوعة لبني إسرائيل في سياق التذكير لهذه الأمة، الأمة التي نزل عليها القرآن أول ما نزل، أمة العرب. هذا الكتاب الذي أنزله الله على هذه الأمة عرض لها نماذج من تعامل بني إسرائيل مع منهجهم، مع دعوة نبيهم موسى عليه السلام مع التوراة كيف تعاملوا، الرب سبحانه وتعالى أكّد هذه الوصية (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)) والوصية ليست لبني إسرائيل دون غيرهم، الوصية لكل الأمم، الوصية لهذه الأمة التي نزل فيها القرآن (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ) والحديث عن القوة هنا يتضمن كل أشكال وأسباب القوة المادية والمعنوية حين تأخذ القرآن وتأخذ سورة البقرة وأوامر سورة البقرة خذها بقوة، خذها بقلبك، خذها بطاعة، خذها بخضوع وانكسار ورغبة حقيقية في تطبيقها في واقع حياتك ودافع عنها بقوة لأن المنهج يحتاج أن تدافع عنه. إذا كنت أنت مؤمنًا بهذا المنهج حق الإيمان عليك أن تدافع عنه، لأنك بطبيعة الابتلاء والحياة ستواجه أشكالًا من التحديات، أشكالًا من الصعوبات ألوانًا من الابتلاءات، إن لم تكن لديك القوة الكافية لمواجهة تلك التحديات إذن قطعًا ستفشل في أداء ذلك المنهج



    ترد الآيات في سورة البقرة في الجزء الأول مرة بعد مرة قضية العصيان الذي وقع في هذه الأمة إلى الشرك بأنواعه المتعددة، إلى عدم خلوص التوحيد، التوحيد القضية الأولى، ولذلك تقول عنهم الآيات (قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ (93)) عبادة العجل التي وقعت في بني إسرائيل، البعد عن التوحيد، التخبط، الزيف، الإنحراف عن المنهج، المماطلة في تنفيذ أوامر الله (قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) وقالوا في آية أخرى (قُلُوبُنَا غُلْفٌ (88)) أُغلقت، وهي بالفعل قد أُغلقت، كيف أُغلقت؟ الآيات في سورة البقرة تحدثنا عن أشكال من العقوبات التي أصابت قلوب تلك الأمة التي ترنحت في القيام بمنهج الله سبحانه وتعالى وتنفيذه في واقع الحياة، قسوة (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ (74)) وغُلف وختم، لم كل هذه العقوبات على القلوب؟ لأن الإنسان حينما يُغلق قلبه أمام المنهج فإن العقوبة من جنس العمل!
    ï»؟


    (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ ))

    هذه الوصية العظيمة لأجل مواجهة التحديات، الحياة ليست مفروشة بالورود، طريق الحياة وطريق تطبيقك للمنهج في حياتك وفي واقعك ليس مفروشًا بالرياحين والورود بل ربما يأتيك في بعض الأحيان العديد من الصعوبات والأشواك والصخور كيف ستواجه كل ذلك إن لم يكن في قلبك وفي حياتك سورة البقرة العظيمة وهذا القرآن العظيم الذي تحمله بقلبك وتدافع عنه بكل ما أوتيت من قوة؟!


    يتبع

    اترك تعليق:


  • سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني




    تدبر سورة الفاتحة د. رقية العلواني





    (بسم الله)
    الكلمة الأولى والآية الأولى التي وردت في هذه السورة جاءت (بسم الله) وسواء كنا مع المفسرين الذين اعتبروها آية من سورة الفاتحة أو مع من لم يعتبرها واعتبر البسملة آية في كل سورة النتيجة واحدة: أنا لا أفتتح هذا الكتاب إلا بقول: بسم الله الرحمن الرحيم. البسملة تذكّرني بأني عبد وأن كل ما أنا فيه من أعمال وكل ما أقوم به من أعمال أنا لا أدخل على العمل بذاتي ولا بقوتي ولا بإمكانياتي ولا بالأسباب لوحدها أنا أدخل عليها باسم الله. البسملة تذكرني أن لا شيء يتحرك في الكون بدون اسم الله عز وجل إقرار مني بأن الله هو الذي يحرّك، هو الذي يفعل، هو الذي يسبب هذه الأسباب، هو الذي يجعلني أستعمل هذه الأسباب. إذن سورة الفاتحة ومن أول كلمة فيها (بسم الله) تربيني، تجعلني عبداً أتخرّج فعلاً في مدرسة العبودية وأتعلّم منذ أول كلمة (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أن أكون عبداً حقاً لله سبحانه
    ولذا لا ينبغي لي أن أعمل عملاً دون البدء به ببسم الله وإلا كان العمل ناقصاً أبتر مقطوعاً مبتوراً قليل البركة، قليل الفائدة






    (الرحمن الرحيم)
    الرحمن الرحيم في كلمة البسملة ثم (الرحمن الرحيم)
    التي ستأتي فيما بعد في سورة الفاتحة تذكرني بأمور عديدة:
    واحدة من أعظمها أن علاقتي مع الله عز وجل قائمة على الرحمة،فأنا عبد مرحوم لأن علاقتي بمن؟
    علاقتي بالرحمن الرحيم. وسبحان الله العظيم اختيار الإسمين معاً (رحمن رحيم) رحيم بعباده رحمة متواصلة سواء كان هؤلاء العباد في حالة خطأ في حالة بُعْد عنه أو في حالة تقرّب إليه وعبودية خاصة.
    نحن جميعاً عبيد، عبيد ربوبيته سواء عصيناه أو أطعناه وهو في هذه الحالة رحمن بنا سبحانه وتعالى وكذلك نحن عبيد عبودية الألوهية حين نختار طريق العبودية وعلاقة العبودية هنا فيها اختيار وهنا يأتي معنى الرحيم يعطيني رحمة خاصة لأهل عبوديته لأولئك العبيد الذين يعبدونه عبودية الألوهية، الاختيار


    (الحمد لله رب العالمين)
    الحمد. أنا أول ما أفتتح العلاقة بيني وبين الله عز وجل أول كلمة أريد أن أخاطب بها ربي أول كلمة أريد أن أقولها لربي: يا رب الحمد لله. ومن هنا كان يستحب للمؤمن أن لا يبدأ دعاءً إلا بقوله: الحمد لله، تقديم الثناء، تقديم الشكر. والحمد لله كلمة جامعة تجمع كل معاني الثناء، كل معاني المدح، كل معاني التذلل والانكسار بين يدي الله عز وجل (الحمد لله).
    سورة الفاتحة التي تكرر في كل ركعة تعودني أن أستحضر النعم، تعودني وتعلّمني وتدرّبني على أن أرى النعم بعيني والفارق شاسع بين عبد يقول الحمد لله مجرد كلمة وبين عبد حين يقول الحمد لله من أعماق قلبه تبدأ كل النعم التي وهبها الله عز وجل لهذا الإنسان تظهر أمام عينيه واضحة للعيان. الحمد الذي تبنيه سورة الفاتحة لكي يكون عبادة حقيقية حمدٌ يحوّل الحمد من شعور في القلب وكلام باللسان إلى فعل وسلوك


    (مالك يوم الدين)
    ثم تنتقل الآية إلى آية عظيمة جداً تنقل الإنسان إلى الواقع الذي لا ينبغي أن ينفك عنه الإنسان أبداً في حياته (مالك يوم الدين). رحلة الحياة القصيرة التي قد تستغرق من الإنسان كل الهموم كل الأحزان كل الاهتمامات وتذهب بعيداً به عن خالقه وتشرد به أحياناً حتى في صلاته، هذا الاستغراق الكامل للحياة القصيرة تحررها كلمة (مالك يوم الدين) تذكر تماماً أن الرب الذي أقمت وافتتحت العلاقة معه في الدنيا هو الرب الذي يملك يوم الدين يوم الجزاء. يذكِّرك ويربط دائماً وهذه طبيعة القرآن وسورة الفاتحة تؤسس هذا المعنى أن الحياة ليست هي نهاية المطاف في الحقيقة الحياة هي بداية المطاف. في الحقيقة بداية العلاقة التي تبنيها سورة الفاتحة في الحياة ستمتد إلى ذلك اليوم العظيم (مالك يوم الدين). فإذا كان الرب الذي أعطاك ومنحك وأغدق عليك نعمه ظاهرة وباطنة وتولى تربيتك في الدنيا هو الذي سيتولى الجزاء في الآخرة، هو الذي يمتلك يوم الدين، فكيف يا ترى سيكون ظنّك به؟ كيف سيكون اقبالك عليه؟ كيف سيكون حرصك على تقوية العلاقة به عز وجل (مالك يوم الدين)؟. وهل سيبقى في قلبك ملوك آخرين إن صح التعبير؟ وهل سيبقى في قلبك شعور بالعبودية لأحد سواه سبحانه وتعالى؟ وجاء بكلمة (مالك) وجاء بكلمة (يوم الدين) وقد يقول قائل ويتبادر إلى الذهن أن في الدنيا ملوك وهذه حقيقة ولكن الحقيقة أن هذا الملك الذي ينسب إلى ملوك الدنيا مهما كثروا ومهما كان ملكهم إنما هو ملك ظاهري يقال على سبيل التجوّز فقد يمتلك الإنسان قطعة أرض، قطعة بلد، شيء من متاع الدنيا ملك ظاهري يملك التصرف فيه إلى حد ما، الملك هنا ليس ملكاً مطلقاً إلى حد ما فترة من الزمن ولكن لمن سيعود ذلك؟ الملك الحقيقي لمن؟ لله الواحد القهار،







    (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)
    أن من أكثر الأشياء التي تقوي مناعة المريض المريض أمراض بدنية ضد الأمراض أن تقوي جانب الإرادة والتفاؤل لديه، الطاقة الإيجابية الحقيقية فيه. سورة الفاتحة تعطيني هذا المعنى حين أقول وأردد (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) حين أكون مستحضراً لهذه المعاني مقرراً لها بقلبي وفعلي ولساني أن الرب الذي يصرّفني في أموري الرب الذي يكتب لي المرض التعب الشقاء أحياناً الأشياء التي لا تروق لي رب رحمن رب رحيم وهذه معاني عظيمة تحققها سورة الفاتحة لتفتح لي طبيعة العلاقة الجديدة بيني وبين الله عز وجل.
    آية في سورة الفاتحة وضعت علاجاً للضلال وللغضب في آياتها واحدة تلو الأخرى خلّصت الإنسان من الضلال، الضلال البعد عن الله عز وجل بكل أشكاله وأنواعه ولا يمكن أن يأتي الضلال لأنه إنتكاسة إلا باتباع منهج غير منهج الله سبحانه. ولما جاءت (إياك نعبد) جعلتني فعلاً أبتعد في حصانة، في درع، في وقاية من الضلال. لا يمكن أن يأتي الضلال وأنا أعبد الله حق العبادة، الضلال لا يأتي إلا حين أتخذ معبوداً من دون الله وغالب من يُعبد من دون الله هو الهوى، النفس. الضلال وكل الأمراض المتشعبة المتنوعة من حسد من حقد من تنافس على الدنيا من أشياء متنوعة من أشكال الضلال لا يمكن أن تأتي إلا من قبيل النفس فقط واتباع الهوى خلّصتني سورة الفاتحة منها


    في سورة الفاتحة تفتح على الإنسان في هذه الآية شيئاً عجيباً تخلصه من الشعور بالغربة وخاصة غربة آخر الزمان حين يستشعر الإنسان أنه غريب في وسط جموع من الناس قد تختلف معه في الآراء في الأفعال في التصرفات قد يخيل إليه في بعض الأحيان فعلاً أنه غريب غريب بكل معاني الغربة، غريب في ما يفعله، غريب في تصوراته ومعتقداته، غريب حين ينأى عن الدنيا بمعنى الترفع عن دناياها، فالكل متكالب على الدنيا على سبيل المثال ولكن هذه الغربة تبددها سورة الفاتحة حين تضع في حسبان المؤمن أنك مع الذين أنعمت عليهم وأن هذا يا مؤمن هو مطلوبك في الأصل وأنك تدعو ليل نهار بهذا الدعاء





    (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ).


    إذاً حين تتفرق سبل الدنيا لا تأسف عليها فقد تكون تلك السبل طريق الضالين أو ربما طريق من غضب الله عليهم والضلال والغضب بينهما تناسبت






    ختمت لي بموضوع
    (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)
    لتسدل الستار على جميع الأنواع والأفعال التي يمكن أن تقود وتأخذ الإنسان بعيداً عن منهج الله عز وجل وكأن ذاك الإنسان واقفاً على ما يغضب الله عز وجل إن كان بعيداً عن ذاك المنهج. الأعمال والأفعال التي يقع فيها الإنسان وتستجلب غضب الله عز وجل لا يمكن أن تكون إلا حين يبتعد عن المنهج ولذا ربي عز وجل حذّر في آيات متعددة من أفعال اليهود ووصف بالوصف الدقيق في بعض الأحيان (غضِب الله عليهم) لماذا؟ لو أردنا أن نلخص الأفعال كاملة لوجدناها في البعد عن منهج الله عز وجل. العبد أيّاً كان حين لا يحقق معنى إياك نعبد في واقع حياته ويعبد أشياء متعددة ويعبد هوى النفس ويبتعد عن الطريق قطعاً قد وقع في ضلال مستجلباً غضب الله عز وجل. الترابط بين الضلال والغضب واضح، من ضلّ عن منهج الله غضب الله عليه ومن عبد الله حق عبادته كما أوضحت سورة الفاتحة لا يمكن أن يكون ضالاً أو مغضوباً عليه

    بهذه المعاني العظيمة استحقت هذه السورة أن تكون أعظم سورة في كتاب الله.
    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يفتح علينا في هذا الكتاب العظيم وأن يجعل الفاتحة فاتحة لنا لكل خير إنه سميع مجيب الدعاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    تدبر سورة الفاتحة

    د. رقية العلواني

    اسلاميات



    يتبع
    سورة البقرة

جاري التحميل ..
X