إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني




    تدبر سورة الفاتحة د. رقية العلواني





    (بسم الله)
    الكلمة الأولى والآية الأولى التي وردت في هذه السورة جاءت (بسم الله) وسواء كنا مع المفسرين الذين اعتبروها آية من سورة الفاتحة أو مع من لم يعتبرها واعتبر البسملة آية في كل سورة النتيجة واحدة: أنا لا أفتتح هذا الكتاب إلا بقول: بسم الله الرحمن الرحيم. البسملة تذكّرني بأني عبد وأن كل ما أنا فيه من أعمال وكل ما أقوم به من أعمال أنا لا أدخل على العمل بذاتي ولا بقوتي ولا بإمكانياتي ولا بالأسباب لوحدها أنا أدخل عليها باسم الله. البسملة تذكرني أن لا شيء يتحرك في الكون بدون اسم الله عز وجل إقرار مني بأن الله هو الذي يحرّك، هو الذي يفعل، هو الذي يسبب هذه الأسباب، هو الذي يجعلني أستعمل هذه الأسباب. إذن سورة الفاتحة ومن أول كلمة فيها (بسم الله) تربيني، تجعلني عبداً أتخرّج فعلاً في مدرسة العبودية وأتعلّم منذ أول كلمة (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أن أكون عبداً حقاً لله سبحانه
    ولذا لا ينبغي لي أن أعمل عملاً دون البدء به ببسم الله وإلا كان العمل ناقصاً أبتر مقطوعاً مبتوراً قليل البركة، قليل الفائدة






    (الرحمن الرحيم)
    الرحمن الرحيم في كلمة البسملة ثم (الرحمن الرحيم)
    التي ستأتي فيما بعد في سورة الفاتحة تذكرني بأمور عديدة:
    واحدة من أعظمها أن علاقتي مع الله عز وجل قائمة على الرحمة،فأنا عبد مرحوم لأن علاقتي بمن؟
    علاقتي بالرحمن الرحيم. وسبحان الله العظيم اختيار الإسمين معاً (رحمن رحيم) رحيم بعباده رحمة متواصلة سواء كان هؤلاء العباد في حالة خطأ في حالة بُعْد عنه أو في حالة تقرّب إليه وعبودية خاصة.
    نحن جميعاً عبيد، عبيد ربوبيته سواء عصيناه أو أطعناه وهو في هذه الحالة رحمن بنا سبحانه وتعالى وكذلك نحن عبيد عبودية الألوهية حين نختار طريق العبودية وعلاقة العبودية هنا فيها اختيار وهنا يأتي معنى الرحيم يعطيني رحمة خاصة لأهل عبوديته لأولئك العبيد الذين يعبدونه عبودية الألوهية، الاختيار


    (الحمد لله رب العالمين)
    الحمد. أنا أول ما أفتتح العلاقة بيني وبين الله عز وجل أول كلمة أريد أن أخاطب بها ربي أول كلمة أريد أن أقولها لربي: يا رب الحمد لله. ومن هنا كان يستحب للمؤمن أن لا يبدأ دعاءً إلا بقوله: الحمد لله، تقديم الثناء، تقديم الشكر. والحمد لله كلمة جامعة تجمع كل معاني الثناء، كل معاني المدح، كل معاني التذلل والانكسار بين يدي الله عز وجل (الحمد لله).
    سورة الفاتحة التي تكرر في كل ركعة تعودني أن أستحضر النعم، تعودني وتعلّمني وتدرّبني على أن أرى النعم بعيني والفارق شاسع بين عبد يقول الحمد لله مجرد كلمة وبين عبد حين يقول الحمد لله من أعماق قلبه تبدأ كل النعم التي وهبها الله عز وجل لهذا الإنسان تظهر أمام عينيه واضحة للعيان. الحمد الذي تبنيه سورة الفاتحة لكي يكون عبادة حقيقية حمدٌ يحوّل الحمد من شعور في القلب وكلام باللسان إلى فعل وسلوك


    (مالك يوم الدين)
    ثم تنتقل الآية إلى آية عظيمة جداً تنقل الإنسان إلى الواقع الذي لا ينبغي أن ينفك عنه الإنسان أبداً في حياته (مالك يوم الدين). رحلة الحياة القصيرة التي قد تستغرق من الإنسان كل الهموم كل الأحزان كل الاهتمامات وتذهب بعيداً به عن خالقه وتشرد به أحياناً حتى في صلاته، هذا الاستغراق الكامل للحياة القصيرة تحررها كلمة (مالك يوم الدين) تذكر تماماً أن الرب الذي أقمت وافتتحت العلاقة معه في الدنيا هو الرب الذي يملك يوم الدين يوم الجزاء. يذكِّرك ويربط دائماً وهذه طبيعة القرآن وسورة الفاتحة تؤسس هذا المعنى أن الحياة ليست هي نهاية المطاف في الحقيقة الحياة هي بداية المطاف. في الحقيقة بداية العلاقة التي تبنيها سورة الفاتحة في الحياة ستمتد إلى ذلك اليوم العظيم (مالك يوم الدين). فإذا كان الرب الذي أعطاك ومنحك وأغدق عليك نعمه ظاهرة وباطنة وتولى تربيتك في الدنيا هو الذي سيتولى الجزاء في الآخرة، هو الذي يمتلك يوم الدين، فكيف يا ترى سيكون ظنّك به؟ كيف سيكون اقبالك عليه؟ كيف سيكون حرصك على تقوية العلاقة به عز وجل (مالك يوم الدين)؟. وهل سيبقى في قلبك ملوك آخرين إن صح التعبير؟ وهل سيبقى في قلبك شعور بالعبودية لأحد سواه سبحانه وتعالى؟ وجاء بكلمة (مالك) وجاء بكلمة (يوم الدين) وقد يقول قائل ويتبادر إلى الذهن أن في الدنيا ملوك وهذه حقيقة ولكن الحقيقة أن هذا الملك الذي ينسب إلى ملوك الدنيا مهما كثروا ومهما كان ملكهم إنما هو ملك ظاهري يقال على سبيل التجوّز فقد يمتلك الإنسان قطعة أرض، قطعة بلد، شيء من متاع الدنيا ملك ظاهري يملك التصرف فيه إلى حد ما، الملك هنا ليس ملكاً مطلقاً إلى حد ما فترة من الزمن ولكن لمن سيعود ذلك؟ الملك الحقيقي لمن؟ لله الواحد القهار،







    (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)
    أن من أكثر الأشياء التي تقوي مناعة المريض المريض أمراض بدنية ضد الأمراض أن تقوي جانب الإرادة والتفاؤل لديه، الطاقة الإيجابية الحقيقية فيه. سورة الفاتحة تعطيني هذا المعنى حين أقول وأردد (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) حين أكون مستحضراً لهذه المعاني مقرراً لها بقلبي وفعلي ولساني أن الرب الذي يصرّفني في أموري الرب الذي يكتب لي المرض التعب الشقاء أحياناً الأشياء التي لا تروق لي رب رحمن رب رحيم وهذه معاني عظيمة تحققها سورة الفاتحة لتفتح لي طبيعة العلاقة الجديدة بيني وبين الله عز وجل.
    آية في سورة الفاتحة وضعت علاجاً للضلال وللغضب في آياتها واحدة تلو الأخرى خلّصت الإنسان من الضلال، الضلال البعد عن الله عز وجل بكل أشكاله وأنواعه ولا يمكن أن يأتي الضلال لأنه إنتكاسة إلا باتباع منهج غير منهج الله سبحانه. ولما جاءت (إياك نعبد) جعلتني فعلاً أبتعد في حصانة، في درع، في وقاية من الضلال. لا يمكن أن يأتي الضلال وأنا أعبد الله حق العبادة، الضلال لا يأتي إلا حين أتخذ معبوداً من دون الله وغالب من يُعبد من دون الله هو الهوى، النفس. الضلال وكل الأمراض المتشعبة المتنوعة من حسد من حقد من تنافس على الدنيا من أشياء متنوعة من أشكال الضلال لا يمكن أن تأتي إلا من قبيل النفس فقط واتباع الهوى خلّصتني سورة الفاتحة منها


    في سورة الفاتحة تفتح على الإنسان في هذه الآية شيئاً عجيباً تخلصه من الشعور بالغربة وخاصة غربة آخر الزمان حين يستشعر الإنسان أنه غريب في وسط جموع من الناس قد تختلف معه في الآراء في الأفعال في التصرفات قد يخيل إليه في بعض الأحيان فعلاً أنه غريب غريب بكل معاني الغربة، غريب في ما يفعله، غريب في تصوراته ومعتقداته، غريب حين ينأى عن الدنيا بمعنى الترفع عن دناياها، فالكل متكالب على الدنيا على سبيل المثال ولكن هذه الغربة تبددها سورة الفاتحة حين تضع في حسبان المؤمن أنك مع الذين أنعمت عليهم وأن هذا يا مؤمن هو مطلوبك في الأصل وأنك تدعو ليل نهار بهذا الدعاء





    (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ).


    إذاً حين تتفرق سبل الدنيا لا تأسف عليها فقد تكون تلك السبل طريق الضالين أو ربما طريق من غضب الله عليهم والضلال والغضب بينهما تناسبت






    ختمت لي بموضوع
    (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)
    لتسدل الستار على جميع الأنواع والأفعال التي يمكن أن تقود وتأخذ الإنسان بعيداً عن منهج الله عز وجل وكأن ذاك الإنسان واقفاً على ما يغضب الله عز وجل إن كان بعيداً عن ذاك المنهج. الأعمال والأفعال التي يقع فيها الإنسان وتستجلب غضب الله عز وجل لا يمكن أن تكون إلا حين يبتعد عن المنهج ولذا ربي عز وجل حذّر في آيات متعددة من أفعال اليهود ووصف بالوصف الدقيق في بعض الأحيان (غضِب الله عليهم) لماذا؟ لو أردنا أن نلخص الأفعال كاملة لوجدناها في البعد عن منهج الله عز وجل. العبد أيّاً كان حين لا يحقق معنى إياك نعبد في واقع حياته ويعبد أشياء متعددة ويعبد هوى النفس ويبتعد عن الطريق قطعاً قد وقع في ضلال مستجلباً غضب الله عز وجل. الترابط بين الضلال والغضب واضح، من ضلّ عن منهج الله غضب الله عليه ومن عبد الله حق عبادته كما أوضحت سورة الفاتحة لا يمكن أن يكون ضالاً أو مغضوباً عليه

    بهذه المعاني العظيمة استحقت هذه السورة أن تكون أعظم سورة في كتاب الله.
    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يفتح علينا في هذا الكتاب العظيم وأن يجعل الفاتحة فاتحة لنا لكل خير إنه سميع مجيب الدعاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


    تدبر سورة الفاتحة

    د. رقية العلواني

    اسلاميات



    يتبع
    سورة البقرة


  • #2
    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

    سورة البقرة



    السورة التي بين أيدينا اليوم هي السورة التي أوصى النبي صلّ الله عليه وسلم بتلاوتها وتعلمها، السورة التي قال: إن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البَطَلة (بمعنى السحرة). السورة التي وصفها مع آل عمران بأنهما الزهراوين يقول النبي صلّ الله عليه وسلم في وصيته لأمته بتعلم السورة التي بين أيدينا وإحقاقها في واقع حياتنا أفرادًا أو مجتمعات، يقول صلّ الله عليه وسلم " تعلموا القرآن" – وتأملوا كلمة تعلموا، التعلم لا يكون محصورًا فقط بتلاوة أو حفظ في الصدور،
    التعلم بمعنى التطبيق، التعلم بمعنى السير على المنهج الذي جاء في هذه السورة العظيمة
    السورة التي بين ايدينا سورة البقرة مع آل عمران سماهما النبي صلّ الله عليه وسلم الزهراوين لنورهما، لهدايتهما، لعظيم أجرهما.

    السورة التي جاءت إجابة على السؤال والدعاء الملحّ الذي يلحّ به العبد على ربه في سورة الفاتحة حين يقول (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) فإذا بسورة البقرة تأتي وتفتتح بقوله عز وجل (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) تريد الهداية؟ وتطلب الهداية وتدعو لنفسك بالهداية؟ (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) هذه هي الهداية، لا بد من العمل

    لا يمكن أن يكون هناك انفصال أو شرخ بين أن أحفظ الآيات في قلبي، في صدري وأتلوها وبين أن لا أعيش تلك الآيات في واقعي وتعاملي وأخذي وعطائي وسلوكي وأخلاقي، لا يمكن أن يكون هناك شرخ. من هنا نستطيع أن نفهم لِمَ هذه السورة العظيمة مع آل عمران جاءت لتسمى الزهراوين: النور والهداية. والنور والهداية يمكن أن تكون هناك شمس أمامي في النهار ولكني إذا أغلقت النوافذ والمنافذ أمام نور الشمس هل أستطيع أن أرى نور الشمس وضياء الشمس؟! لا يمكن، لأني أغلقت المنافذ ليس لأن الشمس غير موجودة وليس لأن نور الشمس وضياءها غير موجود أو بعيد، أنا من أبعدت، أنا من أعلقت. وما يقال عن نور الشمس يقال هنا في هذا الحديث عن نور الزهراوين.

    هذه أطول سورة في كتاب الله، هذه السورة التي فيها أعظم آية في كتاب الله، هذه السورة التي كان يمكث صحابة النبي صلى الله عليه وسلم السنوات الطوال لتعلمها كما ورد عن عبد الله بن عمر مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلم السورة والعرب كلنا نعلم أنهم أمة حافظة فكان أسهل شيء عليهم أن يحفظوا الكلمات والحروف ولكن ما كان حفظ الكلمات والحروف مقصدهم، كان حفظ الآيات والتعاليم والأوامر في واقعهم وتطبيقها في مجتمعهم المقصد والغاية الأساس

    الإنسان صاحب سورة البقرة الإنسان الذي حفظ السورة بقليه بحياته بسلوكه بتطبيقه لها فكان الجزاء من جنس العمل حفظته سورة البقرة لما حفظها في حياته، جاءت تشفع له وتدافع عنه يوم القيامة لما دافع عن أحكامها وأوامرها وتطبيقها في واقع حياته، الجزاء من جنس العمل.


    مقدمة سورة البقرة


    نحن بشر تحيط بنا المخاوف، الوساوس، الشكوك، الأوهام من اشياء متعددة هذه المخاوف لا يمكن أن تبدد إلا من خلال شحنة إيمانية وقوة إيمانية دافئة، القوة الإيمانية في هذه السورة العظيمة وبخاصة في آية الكرسي حين يقرأها المؤمن وهو مؤمن بها وهو مستشعر لعظمة ما يقرأ مستحضر للآيات التي قرأ مستحضر لكل حرف في تلك السورة وفي تلك الآية.

    سورة البقرة تتألف من ثلاثة أجزاء:

    الجزء الأول منذ بدايته أقام دعائم الهداية، المقصد الأساس في السورة، السورة سورة هداية، سورة نور في الدنيا وفي الآخرة لأصحابها، لمن يقوم بحقها، أقام دعائم الهداية على التوحيد الخالص الصادق الذي هو مراد الله عز وجل ولذلك ابن القيم لديه كلمة جميلة يقول: إن كل آية في القرآن متضمنة للتوحيد شاهدة به داعية إليه. فالجزء الأول في سورة البقرة أقام دعائم الهداية على التوحيد وبيّن منذ البداية أن لا عمل يصحّ إلا حين يُبنى على ذلك التوحيد (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَفِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) إيمان، توحيد، يقين

    ثم تعرض السورة في الجزء الأول مواقف متعددة متنوعة لبني إسرائيل في سياق التذكير لهذه الأمة، الأمة التي نزل عليها القرآن أول ما نزل، أمة العرب. هذا الكتاب الذي أنزله الله على هذه الأمة عرض لها نماذج من تعامل بني إسرائيل مع منهجهم، مع دعوة نبيهم موسى عليه السلام مع التوراة كيف تعاملوا، الرب سبحانه وتعالى أكّد هذه الوصية (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)) والوصية ليست لبني إسرائيل دون غيرهم، الوصية لكل الأمم، الوصية لهذه الأمة التي نزل فيها القرآن (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ) والحديث عن القوة هنا يتضمن كل أشكال وأسباب القوة المادية والمعنوية حين تأخذ القرآن وتأخذ سورة البقرة وأوامر سورة البقرة خذها بقوة، خذها بقلبك، خذها بطاعة، خذها بخضوع وانكسار ورغبة حقيقية في تطبيقها في واقع حياتك ودافع عنها بقوة لأن المنهج يحتاج أن تدافع عنه. إذا كنت أنت مؤمنًا بهذا المنهج حق الإيمان عليك أن تدافع عنه، لأنك بطبيعة الابتلاء والحياة ستواجه أشكالًا من التحديات، أشكالًا من الصعوبات ألوانًا من الابتلاءات، إن لم تكن لديك القوة الكافية لمواجهة تلك التحديات إذن قطعًا ستفشل في أداء ذلك المنهج



    ترد الآيات في سورة البقرة في الجزء الأول مرة بعد مرة قضية العصيان الذي وقع في هذه الأمة إلى الشرك بأنواعه المتعددة، إلى عدم خلوص التوحيد، التوحيد القضية الأولى، ولذلك تقول عنهم الآيات (قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ (93)) عبادة العجل التي وقعت في بني إسرائيل، البعد عن التوحيد، التخبط، الزيف، الإنحراف عن المنهج، المماطلة في تنفيذ أوامر الله (قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) وقالوا في آية أخرى (قُلُوبُنَا غُلْفٌ (88)) أُغلقت، وهي بالفعل قد أُغلقت، كيف أُغلقت؟ الآيات في سورة البقرة تحدثنا عن أشكال من العقوبات التي أصابت قلوب تلك الأمة التي ترنحت في القيام بمنهج الله سبحانه وتعالى وتنفيذه في واقع الحياة، قسوة (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ (74)) وغُلف وختم، لم كل هذه العقوبات على القلوب؟ لأن الإنسان حينما يُغلق قلبه أمام المنهج فإن العقوبة من جنس العمل!
    ï»؟


    (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ ))

    هذه الوصية العظيمة لأجل مواجهة التحديات، الحياة ليست مفروشة بالورود، طريق الحياة وطريق تطبيقك للمنهج في حياتك وفي واقعك ليس مفروشًا بالرياحين والورود بل ربما يأتيك في بعض الأحيان العديد من الصعوبات والأشواك والصخور كيف ستواجه كل ذلك إن لم يكن في قلبك وفي حياتك سورة البقرة العظيمة وهذا القرآن العظيم الذي تحمله بقلبك وتدافع عنه بكل ما أوتيت من قوة؟!


    يتبع

    تعليق


    • #3
      رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

      الجزء الثاني في سورة البقرة بدأ بالحديث عن القبلة وتحويل القبلة نحو المسجد الحرام وتحمل الأمة المسلمة التي نزل عليها الكتاب القرآن، الأمة الوسط، مسؤولية الشهادة على الأمم (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (143)) إذن هي الرسالة هي الأمانة هي تحقيق وحمل تلك الأمانة التي ضيّعها بنو إسرائيل من قبل ونحن بحاجة كأمة أن لا نضيّعها وما جاء في الجزء الأول من حديث عن بني إسرائيل إنما جاء في سياق التحذير لهذه الأمة من أن تقع فيما وقع فيه بنو إسرائيل من تضييع للأمانة من تضييع لذلك المنهج الرباني المنزل عليهم في التوراة في واقع الحياة وفي سلوكهم وتعاملهم. هذه الأمة تحملت تلك المسؤولية ولذلك الجزء الثاني واضح جدًا فيه التعاليم المختلفة الآيات التي تحدثت عن القصاص، الآيات التي تحدثت عن الدين، التي تحدثت عن الوصايا التي تحدثت عن الزواج عن الطلاق عن الحج عن الصيام عن العبادة ما تركت شيئًا إلا وتحدثت عنه، جمعت كل التعاليم جمعت كل الأوامر التي تقيم المنهج في واقع الحياة، التي لا يمكن لمجتمع أن يعيش بعيدًا عنها، ربي سبحانه وتعالى ما خلق البشر فوضى وما أراد لعباده أن يتركهم هكذا يعبثون ويلعبون ويجربون القانون تلو القانون والدستور تلو الدستور، أبدًا، ربي سبحانه وتعالى ما كان ليترك عباده هَملًا بلا منهج، ولذلك منذ اللحظة التي نزل فيها آدم ربي سبحانه وتعالى أعطى له ذلك المنهج فقال (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (38)) إذن هو المنهج مرة أخرى وهذا المنهج هو الذي تتحدث عنه هذه الآيات العظيمة في الجزء الثاني من سورة البقرة.



      سورة البقرة تعلّم الإنسان من خلال الأوامر والنواهي كيف يتقي الله كيف يقول لنفسه (لا) حين ينبغي أن يقول لها (لا)، وعلى قدر ما تكون عظمة الله عز وجل في قلب ذلك المؤمن الذي تبنيه السورة في آياتها آية بعد آية على قدر ما يكون تعظيم ذلك الإنسان لأمر الله ووقوفه عن نواهيه ولذلك الكلام متواصل في السورة في الجزء الثاني عن (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا) لأنه على قدر ما تولّد في قلبي من توحيد وتعظيم لربي عز وجل الآمر الناهي على قدر ما يكبر ويتحقق ذلك الأمر في واقعي وفي حياتي، خشية الله عز وجل تبنيها سورة البقرة. ويأتي الكلام عن الجهاد في سبيل الله ليس من باب التسلط على شعوب العالم أبدًا أو إكراه العالم على الدخول في الدين، أبدًا، وإنما من باب آخر من باب إيصال الرسالة التي تحمي الإنسانية من غوائل وزيف الشر والفساد التي تقتلع بذور الشر والفساد في النفوس والأمم، لا بد لهذه الرسالة أن تصل وتصل بالحسن ولكن إذا اقتضى الأمر أن يكون هناك مواجهة فالمؤمن يواجه ولكن دون ظلم ولا اعتداء على أحد فالله لا يحب المعتدين

      (خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ)
      خذ المنهج بقوة في حياتك في تطبيق كي تحقق المنهج وتُسعَد به وتُسعِد به من حولك.
      هذه هي رسالة سورة البقرة ولذلك ختم الجزء الثاني من سورة البقرة بقصة طالوت وجالوت ليبين معنى الثبات على الحق والصبر على تعاليم المنهج والتزاماته مؤكدًا سنة التمحيص والغربلة والتدافع بين الناس ليُحِقّ الله الحق بكلماته وعلى أيدي مَنْ؟
      ربما تكون على أيدي فئة قليلة (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ (249))
      ولكن لكي تغلب هذه الفئة من الناس لا بد أن ينتصر المنهج في نفوسها أولًا، في سرّها قبل أن يكون في العلن، لا بد أن تتخلص من أدواء النفس ونزعاتها وأنانيتها وتسلّطها ورغبتها في التسلط والجبروت والتكبر على الآخرين. فما كان لذلك المنهج ولا لأصحابه أن يرتقوا على أنفسهم وحياتهم إلا بتلك التعاليم وتطبيقاتها، ما كان لهم أن يرتقوا بعيدًا عن ذلك المنهج.

      ثم تأتي في بداية الجزء الثالث من السورة بالتأكيد مرة أخرى على أن دعوة الأنبياء واحدة وأن لا عداء بين الأديان على الإطلاق ولذلك في عصرنا الحاضر من يدّعي ويلعب على وتر أن ما يحدث من نزاعات إنما هو بين الأديان المختلفة هذا الكلام لا واقع له من الصحة على الإطلاق، الديانات الحقة السمواية جاءت برسالة واحدة الرسل جاؤوا برسالة واحدة رسالة التوحيد رسالة العدل إذن لماذا يحدث هذا النزاع وهذا الصراع؟ لما حدث من اختلاف في أتباعهم بعد ذلك، والاختلاف ما كان لأجل الدين وما كان لتحقيق رسالة الأديان ومنهج الأديان في الكون وإنما كان لأجل النفس وأطماعها ونزعاتها وأنانيتها ورغبتها في التسلط على الآخرين كما حدث في قصة طالوت وجالوت، المسألة لا يمكن أن تخرج عن ذلك الإطار.






      ثم تأتي الآية العظيمة أعظم آية في كتاب الله، تلك الآية التي قال النبي صلّ الله عليه وسلم لأبيّ بن كعب: يا أبا المنذر أيّ آية معك من كتاب الله أعظم؟ فيقول أُبيّ: قلت الله ورسوله أعلم، قال أبا المنذر أيّ آية معك من كتاب الله أعظم؟ قال: قلت الله لا إله إلا هو الحي القيوم (آية الكرسي) قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدري وقال: ليهنك العلم أبا المنذر. آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله، تلك الآية التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تُصبح. من أين جاء الحفظ في هذه الآية العظيمة؟ أعظم آية في كتاب الله، آية التوحيد، آية الكرسي هي آية التوحيد، الآية التي يتعرّف الله سبحانه وتعالى ويتجلّى فيها لعباده بصفاته فالقرآن كما يقول ابن القيم: كلام الله تجلّى الله فيه لعباده بصفاته. وفي هذه الآية العظيمة ربي سبحانه وتعالى تجلّى لعباده بصفاته في هذه الآية
      (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)




      (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255))
      صفات عظيمة صفات تولد في قلب المؤمن صفات التوكل على الله عز وجل تأخذ من كل هذه الصفات أعمال قلبية ولذلك يصبح الإنسان في حرز يتخلص من المخاوف الموهومة، الخوف من العين، الخوف من السحر، الخوف من الحسد، الخوف من الفقر، الخوف على المستقبل، الخوف على النفس، الخوف من المرض، الخوف على الأولاد، يُسقط عنه كل تلك المخاوف الموهومة بنور الإيمان حين يتجلى في قلبه، نور الإيمان بصفات الكمال والجلال لله الواحد القهار، وكلما شهد العبد هذ الصفات حين يقرأ هذه الآية العظيمة ولّدت لديه توكلًا على الله، شعورًا بالافتقار إلى الله سبحانه والاستعانة به دون سواه والذل والخضوع والانكسار له وهذا محض التوحيد والعبودية، هذا محض رسالة التوحيد العظيمة أن يشعر الإنسان أن لا حاجة له إلى أحد سوى الله سبحانه وتعالى فيخشع القلب لله تعظيمًا وإجلالًا وتوقيرًا ومهابة وينكسر بين يدي خالقه ويشهد نِعَم الله عز وجل فيخشع القلب فتتبعه الجوارح وتسير على هداه. القلب قائد، القلب يخشع حين يقرأ هذه الآية العظيمة بالقلب، بالإحساس، لا يبقى هناك خوف من أحد! تتبدد المخاوف وما أكثر المخاوف التي نعاني منها في وقتنا الحاضر! بعض الناس لا ينام بالليل من القلق، من الأرق، من الخوف ولكن من ملأ الإيمان بربه قلبه أيخاف أحدًا؟ أيخاف شيئًا؟! أيمكن لك أن تخاف شيئًا والله مولاك؟! أيمكن لك أن تخاف على رزقك ومن بيده ملكوت السموات والأرض لك ربًا؟! أيمكن ذلك؟!




      تعليق


      • #4
        رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

        ولذلك جاءت الآيات التي تلي آية الكرسة بعد (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)



        وبعد أن تعرّف الله سبحانه وتعالى وعرّف ذاته العليّة لخلقه بصفاته جاءت الآيات (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ)


        ماذا عليك حين يكون الله مولاك يتولى شؤونك يصرّف حياتك يدبر لك المستقبل كما دبر لك الماضي والحاضر يطعمك ويسقيك ويشفيك، يعطيك ويدافع عنك ويمنع عنك ويحفظك ويتولاك، ماذا عليك؟! أتخاف البشر؟! أيستقيم الخوف من البشر بالسحر بالحسد بالعين بالرزق بالمال بالوظيفة باي شيء،


        ايستقيم الخوف من البشر مع وجود هذه الصفات الإيمانية في قلب المؤمن؟!


        لا يستقيم.



        نعم المخاوف موجودة، نعم المخاطر موجودة لا أحد ينكر وجود هذه الأشياء لا أحد ينكروجود الشر لكن ما عليك أن تحرر قلبك منه هو الخوف من الشر، الشر موجود ولكن حرّر قلبك من الخوف ولا يمكن للقلب أن يتحرر إلا حين يخضع لخالقه عز وجل ويعبد الله سبحانه وتعالى حق عبادته وينكسر بين يديه ويستشعر بضعفه وفاقته وحاجته لخالقه وأنه في حمى مولاه وأنه في حفظ الله عز وجل وأن ما من شيء في الكون يحدث ولا حتى ورقة تسقط من شجرة إلا بعلمه، ربك عليم، ربك عليّ، ربك عظيم، لا تخاف، لا تخشى شيئًا، لا عليك، تخلص من المخاوف والأحزان.



        ويأتي السؤال الواضح هنا:


        لماذا التركيز في سورة البقرة على التخلص من هذه المخاوف والأحزان ولا يقربك شيطان


        والبيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة يفر منه الشيطان، لم هذا الحديث؟


        الإنسان الذي تريد سورة البقرة أن تصنعه على آياتها إنسان حر، إنسان قوي، إنسان قادر على أن يلتزم المنهج الرباني في واقع الحياة ولا يمكن لإنسان خائف جبان متردد مليئة رأسه بالأوهام والوساوس والقلق والأرق لا يمكن لمثل هذا الإنسان أن يلتزم بالمنهج في الواقع، لا يمكن أن يأخذ هذا الكتاب بقوة، اليد الضعيفة المرتعشة من الخوف لا يمكن أن تأخذ الكتاب بقوة، الكتاب الذي يؤخذ بقوة لا بد أن تمسك به أيادٍ قوية أياد لا ترتعش من الخوف لا ترتعد من الشر، لا تخشى شيئًا، لا تخشى إلا الله الواحد القهار.


        من أين جاءت كل هذه الشحنة من القوة والدافعية؟

        من إيمانها بخالقها، الرب الذي أنا أؤمن به يسيّر العالم بأسره، العالم كله بين يديه سبحانه، كل شيء خاضع لعظمته، شهود هذه المعاني في قلبي واضح المعنى تمامًا بتأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على قرآءة آية الكرسي صباحًا مساءً بعد كل صلاة لتتركز تلك المعاني في قلبي لأستشعر هذه المعاني، لأطمئن، لأشعر بالأمان، الأمان العملة المفقودة في عالمنا!



        تفنن الإنسان المعاصر في صنع الأقفال، في صنع أجهزة الحماية في صنع أشياء متعددةولكن لا يزال أكثر المخلوقات خوفًا في الوقت الذي نعيشï»؟ فيه،


        من أين يأتي الخوف؟


        يأتي الخوف مع ضعف التوحيد في قلوب الناس، ضعف شعلة التوحيد، خفت وخبت تلك الشعلة العظيمة التي أضاءت العالم أمنًا وأمانًا ورحمة وعدلًا وسلامًا، المؤمن لا يخاف.



        صحيح هناك المخاوف العادية البشرية الطبيعية هذه لا تُلغى لكنه ليس بالجبان، ليس بالمتردد ليس بالخائف على حياته وأهله وماله، يعيش في قلق ولا ينام في بعض الأحيان ولا يسكن إلا بالمهدّئات، المؤمن ليس هكذا، المؤمن الذي سكن قلبه الإيمان الذي شهد قلبه معاني التعظيم والإجلال لله سبحانه وتعالى الذي تبنيه سورة البقرة وآية الكرسي أعظم آية في كتاب الله. ولذا ما أجمل الربط في آيات السورة العظيمة، كل آيات السورة مترابطة، بعد الحديث عن آية الكرسي وما صنعته في قلب المؤمن جاء الحديث عن الإنفاق دستور الإنفاق في سبيل الله لأن المؤمن الذي يخاف على المستقبل وعلى أمواله من النفاد وعلى ثروته من أن تبدد أو تضيع لا يمكن أن يبذل لا يمكن أن يضحّي لا يمكن أن يُعطي والمؤمن الذي تصنعه سورة البقرة إنسان معطاء يبذل الغالي والنفيس.




        يا ترى لماذا يبذل المؤمن الذي تصنعه سورة البقرة الغالي والنفيس؟


        لأن السورة بآياتها تعلمه أن ما تنفقه الله يخلفه، أنا ما عندكم ينفد مهما زاد وما عند الله باق، ما عندكم ينفد وما عند الله باق وأن الإنفاق لا يمكن أن يقلل من المال وإنما الذي يقلل من المال حقيقة مخالفة المنهج الرباني الرب الذي أمرك بالإنفاق ضمِنَ لك أن لا يقلّ ذلك المال بل يزداد ويتضاعف أضعافًا مضاعفة ولذلك جاءت الآية بالمقابل (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ (276))


        الربا مخالفة للمنهج الرباني مخالفة صريحة، الربا استغلال لحقوق الضعفاء، الربا عدم إنسانية، الربا عدم شعور بأني أنا إنسان عليّ أن أمد يد الخير والعون البذل والعطاء لمن هو أضعف مني وأقل مني قدرة فجاءت سورة البقرة وبددت تلك المخاوف والأوهام التي عانى منها ويعاني عالمنا المعاصر الذي اكتوى بنار الربا والفوائد في البنوك وأعلن إفلاسه أكثر من مرة والإفلاس ما كان إفلاس بنوك فقط بل كان إفلاسًا في النفوس وإفلاس قلوب ضيعت المنهج الرباني الذي أمر بالإنفاق وحرّم الربا





        ولذلك يقول (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) يمحقها بالفعل، الخير كل الخير في اتباعك للمنهج الرباني والشر كل الشر في مخالفتك للمنهج الرباني ولذلك ربي قال وعقّب في ختام الحديث عن آيات الربا بتحذير البشر (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ (279)) فإن لم تفعلوا بترك الربا فاذنوا بحرب من الله ورسوله، حرب وهي حرب وما يعيشه عالمنا المعاصر اليوم حرب بكل المقاييس، لِمَ الحرب؟ مخالفة المنهج!. سورة البقرة تجيب عن أسئلتي، تجيب عن المعضلات التي دوخت رؤوس العالم اليوم، رؤوس العلماء والمفكرين والنقاد والمحللين سياسيين واقتصاديين واجتماعيين، لِمَ كل المعاناة في العالم المعاصر رغم كل التقدم التقني الذي نحن فيه والعلمي؟ لِمَ المعاناة؟ لِمَ زادت الحروب؟ لِمَ زاد الفقر؟ لِمَ زاد الشقاء؟ لِمَ زادت التعاسة؟ لم زاد الضنك؟ لم زاد التعب؟ لم زاد المرض رغم التقدم في وسائل الطب؟


        هذه الأسئلة تجيب عنها سورة البقرة بطريقة واضحة لمن يتدبر في آياتها ويقف عند معانيها


        (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) إذن هي الحرب!


        الحرب حين أنت يا إنسان تعلن الحرب على المنهج الذي أنزله الخالق إليك ليهديك وينقذك ليسعدك لا ليشقيك، ليعذيك لا ليمنعك ليهديك ليأحذ بيديك نحو الراحة التي تنشد نحو السعادة التي تروم، نحو النعيم الذي تتأمله ولكنك لا تدري كيف تصل إليه





        - لعن اللهُ آكلَ الرِّبا ومُوكِلَه وشاهِدَيه وكاتبَه قال : وقال : ما ظهر في قومٍ الرِّبا والزِّنا إلا أحلُّوا بأنفسِهم عقابَ اللهِ عزَّ وجلَّ



        الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : أحمد شاكر | المصدر : مسند أحمد

        الصفحة أو الرقم: 5/309 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح

        تعليق


        • #5
          رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

          الجزء الأول من سورة البقرة

          (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ )

          إجابة الدعاء، الهداية التي تطلب أيها المسلم وتلحّ على الله بالدعاء أن تحصل عليها، الهداية التي لا سعادة ولا نجاة لا في الدنيا ولا في الآخرة بعيدًا عنها هي موجودة في هذه السورة العظيمة
          (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)
          لكي تتحقق تلك الهداية لا بد للقلب الذي يستقبل وينتفع بمعاني الهداية وبأنوارها أن يكون فيه تقوى. والمعنى الواضح الأساس للتقوى أن يسير الإنسان على توقّي، على حذر، ولنا أن نسأل حذر من أي شيء؟ حذر وتنبيه من أن آتي لهذه السورة العظيمة بقلب لا يريد الهداية ولا يطلبها، من قلب مريض، من قلب يأتي إلى القرآن بتراكمات، باشياء مختلفة، بأهواء، لا يطلب الهداية، هذا النوع من القلوب وهذا النوع من التلقي لا تتحقق فيه معاني الهداية،
          (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ )
          الإيمان بالغيب ليست مجرد حقيقة إيمانية فقط غائبة عن الواقع، لا،
          هذا الإيمان بالغيب يقودني إلى عبادات، يقودني إلى ممارسة شعائر، سلوكيات، أعمال
          (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)
          صلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر صلاة تجعل من العبادة ممارسة متواصلة للعمل الصالح الذي يريده الله سبحانه وتعالى في حياتي أصبحت الصلاة هنا في حد ذاتها مصدر للهداية التي أبحث عنها وألحّ في الدعاء بطلبها من الله سبحانه وتعالى وتحولت تلك الصلاة إلى عطاء (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) الرزق بكل أشكاله، موهبة، علم، عمل، عطاء، خير، مال، جاه، منزلة، كل ما أنا فيه أنا أنفق منه،
          (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)
          ليس هناك تفرقة بين الرسالات السماوية ولا بين الأديان وهنا تظهر لطيفة أخرى من لطائف هذه السورة العظيمة أن المؤمن بإيمانه واستهدائه بنور ذلك الكتاب يصبح رسالة ومشروع عالمي للسلام للخير للعطاء لا يقف عطاء ذلك المؤمن المستهدي بنور آيات سورة البقرة عند أمته وعند قومه وعند رسالته وإنما يمتد ليشمل كل البشرية
          (وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) وحين تستقر كل تلك المعاني في نفسي سأصل لمرحلة الهداية (أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ) وطريق الهداية طريق ممهد ميسر للفلاح والفوز في الدنيا وفي الآخرة ولذا جاء في نهاية الآية (وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) قطعًا فائزون، فائزون برضى الله عز وجل في الدنيا وفي الآخرة، فائزون بالسكينة والطمأنينة التي يفتقر إليها كل العالم اليوم،
          (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ )
          خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )
          صنف من البشر خُتم وأُغلق على قلبه جزاء بما فعل، الذي فعل أنه سدّ كل منافذ الإدراك قلب وسمع وبصر أمام الاستماع والتلقي لآيات ذلك الكتاب العظيم ولذلك هذا الصنف من البشر القرآن عليهم عمى قرأ، استمع إلى القرآن لا يغني عنه ذلك شيئًا لأن المحل قد أُغلق لأن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك قد أُغلق دون تلق آيات القرآن العظيم هذا صنف من الناس لا تنفع معه آيات القرآن العظيم.
          وهناك صنف ثالث تقدمه سورة البقرة

          (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ )
          يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ )
          صنف يعتبر أن قضية الإيمان نفاق يقول شيئًا ويضمر شيئًا آخر
          (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)
          هذا الادعاء ولّد في قلوبهم مرض النفاق مرض البعد عن الله عز وجل مرض جعلهم ينظرون إلى الحقائق الماثلة أمام أعينهم على أنها اشياء مغلوطة مكذوبة

          هو يقوم بالفساد ولكن لا يراه فسادًا ولا إفسادًا يراه صلاحًا يراه خيرًا
          (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ
          (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ )

          تعليق


          • #6
            رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

            تتضح فائدة الهداية أن يجعل الله لك نورًا في قلبك، نورًا في بصرك نورًا في حياتك، نورًا تهتدي به نورًا ترى به الحقائق كما هي في الواقع، نورًا لا يجعلك ترى الخير شرًا وترى الشر خيرًا، نورًا لا يجعلك ترى الفساد إصلاحًا وإن أجمع الناس على ذلك، نور يجعلك ترى الحق حقًا وترى الباطل باطلًا، هذا الصنف من الناس في تعامله مع القرآن الكريم يقارب الصنف الثاني الذي جاءت الآيات على ذكره يستمع لدعوات المؤمنين بالإيمان

            (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ)

            ينظرون إلى الأمور بسطحية عجيبة،
            أعظم خسارة للإنسان في الدنيا والآخرة أن يشتري الضلالة بالهدى. والحديث عن الهدى في سورة البقرة حديث متواصل يضرب الله له الأمثال
            (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً)

            (أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ)

            والكلام في كل تلك الأمثال عن الغيث عن النور عن البرق لصلته بقضية الهداية
            ولذلك ربي سبحانه وتعالى في ختام الآيات قال
            (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ)
            مثل حسي من الواقع


            (وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ

            إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
            النور موجود في آيات هذا القرآن العظيم لكن لأجل أن تستفيد أنت من ذلك النور عليك أن تفتح ما قد أُغلق من عينيك ما قد أغلق من أبواب في قلبك لكي تفتح المجال لذلك النور أن يدخل في قلبك وفي بصيرتك وفي حياتك أما إن أغلق الإنسان المنافذ أمام ذلك النور فأنّى لنور الهداية أن ينفذ إلى قلب قد سُدّ وقد خُتم عليه؟!

            (وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)

            القرآن يتحدى غرور الإنسان وعناد الإنسان وتكبره حين يسير بعيدًا عن منهج الهداية، يتحدى غرور الإنسان الكافر المكابر الذي يجادل في الله بغير علم يجادل في آيات هذا القرآن بغير علم فتكون النتيجة قطعًا هي الخسارة

            (فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)

            وفي ذات الوقت وكطبيعة القرآن العظيم
            تأتي البشارة في المقابل للمؤمنين الذين استطاعوا أن يحولوا آيات الكتاب إلى عمل صالح

            (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)


            (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةًقَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)

            تأملوا الصلة الواضحة بين الهداية وبين القصة الأولى في سورة البقرة قصة الخليقة
            الآيات تحدد وتوقظ الإنسان من البداية لك أن تسأل وعليك أن تسأل نفسك:
            لم أنا هنا"لم جئت على هذه الأرض؟ ما هو دوري على هذه الأرض؟ لم خُلقت؟ ما هي الغاية التي لأجلها خُلقت؟
            أسئلة مشروعة لا يمكن لعاقل يمتلك وسائل الإدراك والعقل نصيب إلا ويسأل نفسه هذه الأسئلة لِمَ خُلقت؟ والإجابة واضحة بعيدا عن التوهم والخرافات والتضليل
            (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)
            ما معنى خليفة هنا؟
            أن يقوم بمنهج سينزله ربي سبحانه وتعالى على هذا الإنسان، أعطاه مهمة وسلّمه مفاتيح الأمور وسلّه مع المفاتيح المنهج وهنا تظهر (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) إذن الكتاب والمنهج وسورة البقرة وآيات سورة البقرة وغيرها من السور في كتاب الله عز وجل هو منهجك أيها الإنسان، أيها الخليفة ربي سبحانه وتعالى لم يخلق الإنسان بدون منهج أعطاه المنهج وهو هذا القرآن افعل ولا تفعل، إن فعلت كذا يبحدث كذا وإن فعلت هذا ولم تفعل هذا سيحدث هذا، منهج واضح المعالم ولا يمكن أن يتوصل الإنسان إلى ذلك المنهج بعيدًا عن العلم لا يمكن أن يتوصل إليه عن طريق الخرافة والجهل والتكهن!
            (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)
            إذن هذا الحوار الدائر بين الله سبحانه وتعالى وبين الملائكة في قصة خلق آدم عليه السلام حدد مهمتي أنا كإنسان، يحدد المنهج الذي ربي سبحانه وتعالى أعطاه للإنسان قال

            (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)

            وهنا اتضحت معالم القضية أمام الملائكة وأمام الإنسان الذي يقرأ في هذا الكتاب العظيم.
            أمر الله سبحانه وتعالى الملائكة بأن يسجدوا لآدم والسجود هنا ليس سجود عبادة وإنما سجود تشريف وسجود تكليف من قبل الخالق الذي أمر وليس من أجل آدم عليه السلام وهذه النقطة مهم جداً لأن إبليس لم يفهم ولم يدرك هذا المعنى، إبليس نظر إلى آدم وإلى تكوين آدم ولم ينظر إلى قضية الأمر الذي جاء من رب آدم ورب الملائكة أجمعين، لم ينظر إلى المسألة من هذه الزاوية، ضلال!
            إبليس الأصل في منهجه الضلال والإضلال وإبليس بطبيعته يُضلّ لأنه في الأصل ضال وقد ضل الطريق وأول ما ضلّ به إبليس هو هذه الجزئية تمامًا: ربي سبحانه وتعالى قال للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا ولكن إبليس لم ينظر إلى الأمر على أنه أمر رباني وبالتالي عليه أن يطيع وإنما نظر إلى جزئيات وتفاصيل، ضلال، فأبى واستكبر وكان من الكافرين. أما آدم عليه السلام فالقصة بالنسبة له بدأت فصولها بطريقة مختلفة، بطريقة تحدد لي أنا الإنسان اليوم من بني آدم المنهج الذي ينبغي أن لا أحيد عنه في تعاملي مع الله عز وجل وإلا كانت النتيجة نتيجة مختلفة تمامًا. ربي سبحانه وتعالى أمر آدم

            (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا
            وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ)

            اِفعل ولا تفعل، اسكن وكلا منها رغدًا ولا تقربا هذه الشجرة، أمر ونهي تمامًا ككل آيات سورة البقرة والقرآن العظيم افعل ولا تفعل، وأعطاني مثالًا كعادة القرآن العظيم وأسلوبه العظيم ماذا تكون النتيجة حين تخالف أمر الله عز وجل حين يقول لك افعل ولكنك لا تفعل وحين نهاك ويقول لك لا تفعل ولكنك تفعل، النتيجة كارثية تمامًا!


            وهذا ما حدث مع آدم عليه السلام وحواء
            (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا)
            تأملوا في دقة اللفظة القرآنية!


            تعليق


            • #7
              رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

              القرآن ليس كغيره من الكتب التي حُرفت من قبل أصحابها كالتوراة والإنجيل


              توقع الخطيئة وتُلحقها بحواء وتقول إن حواء اشتركت مع الشيطان في إضلال آدم! أبدًا!

              (فَأَزَلَّهُمَا)
              آدم وحواء كلاهما أخطأ كلاهما وقع في الزلل كلاهما لم يقفا عند الأمر الإلهي من الله عز وجل
              (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ
              وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)



              القصة الأولى، المغزى الأساس من القصة الأولى تعطيني الدرس الأول أن تعاليم القرآن التي وردت في السورة وفي سور أخرى لا تقف منها موقف المتفرج ولا موقف المخالِف وعليك أن تستحضر العواقب والنتائج المترتبة على مخالفة المنهج والأمر الإلهي، من أول سورة، سورة البقرة تربيني وسورة البقرة تعلمني ولنا أن نربط مع واقعنا ومع مجتمعاتنا ومع سلوكياتنا، كل ما يحدث في واقعنا على المستوى الفردي أو المستوى المجتمعي كل ما يحدث من كوارث ومن مشاكل ومن مصائب إنما هي نتيجة واضحة تمامًا لمخالفات من قبلنا مخالفات في المنهج مخالفات لذلك المنهج الذي أنزله الله سبحانه وتعالى كل ما يحدث وبالتالي أنا لا ينبغي أن أوجه اللوم إلى هذا أو إلى ذاك أول من ينبغي أن يوجه إليه اللوم هو نفسي التي خالفت نفسي التي عصت نفسي التي لم تقف عند المنهج وعند الأوامر ولذلك جاءت الآيات تتحدث عن التوبة




              (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)


              الطبيعة البشرية طبيعة الإنسان وقابليته لأن يزلّ وقابليته لأن يخالف وقابليته أن يبتعد عن منهج الله ومع تلك القابلية رحمة الله عز وجل أوجدت له الباب العظيم الباب الذي لا يغلق أبدًا باب التوبة (فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) والرب الذي تاب على أبينا آدم هو الرب الذي لم يزل ويبقَ قاتح أبواب التوبة لنا جميعًأ يفتح الأبواب لنا جميعًا دعوة مفتوحة كلما أخطأت لا تزدد خطأ بأن تبتعد أكثر عن الله عز وجل ولكن عالج الخطأ بخطوة صح وهي التوبة والتراجع عن الخطأ وهذا بالضبط الفارق الجوهري الذي حدث بين آدم وإبليس، آدم وإبليس كلاهما أخطأ ولكن الفارق أن إبليس أصرّ على خطئه ولم يتراجع ولم يعترف بالذنب ولم يتب فبقي على ضلاله أما آدم أخطأ فاعترف بذنبه وتراجع عن الخطأ وتاب عن ذلك الخطأ.

              ومنذ تلك اللحظة بدأ النزول على هذه الأرض


              (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)


              قاعدة أساسية حين نزل آدم وبدأت الحياة البشرية على هذه الأرض لم يترك الله عز وجل آدم بدون منهج

              (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)

              لديك منهج، سِر على ذلك المنهج فيه هداية ذلك المنهج سيهديك إلى حياة في الدنيا وفي الآخرة خالية من الخوف خالية من الحزن خالية من الاكتئاب والقلق والمتاعب النفسية المتزايدة التي يعاني منها إنسان العصر الذي لم يدرك أبسط جزئيات هذه المعضلة التي يعيشها ويعاني منها البعد عن المنهج البعد عن الهداية، الضلال

              (وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)


              ثم تبدأ الآيات من الاية 39 إلى نهاية الجزء الأول من سورة البقرة تقريبًا في تقديم نموذج حيّ نموذج بشري نموذج لأمة من الأمم ركزت عليها سورة البقرة العظيمة أوضحت جواني مختلفة ومواقف من حياة تلك الأمة في تعاملها مع المنهج الرباني الذي أنزله الله سبحانه وتعالى إليها وأرسله إليها عبر رسلها وأنبيائها بنو إسرائيل (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) مباشرة بعد قصة آدم وقصة الخليقة على الأرض بدأت قصة بني إسرائيل. سورة البقرة حيت تقدم المواقف المختلفة لبني إسرائيل وكيفية تعاملهم مع المنهج الرباني ومع الميثاق والعهد الذي كان بينهم كبشر وكأمة أُنزل عليها كتاب وأُنزل إليها رسل وبين الله سبحانه وتعالى إنما تقدم نموذجًا لهذه الأمة أمة القرآن لكي تستفيد من المواقف التي وقعت في بني إسرائيل وتأخذ منها الدروس وتتعلم العبر وتحاول ألا تقع في المواقع والزلات والأخطاء والعثرات التي وقع فيها بنو إسرائيل من قبل.





              التاريخ حين تعرضه سورة البقرة ويعرضه القرآن ليس لأنه تاريخ ولكن لأنه درس ومن لا يحسن قرآءة الماضي والتاريخ لا يمكن له أن يتعلم ويعرف كيف يعيش الواقع وكيف يستشرف المستقبل.

              قصة بني إسرائيل حاضرة بوضوح في مواقف متنوعة في سورة البقرة العظيمة مؤكدة على أن كل ما يحدث للأمم وللأقوام إنما هو نتيجة طبيعية تلقائية لكيفية تعاطي تلك الأمم مع المنهج الذي أُنزل من ربها سبحانه وتعالى.


              (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ)

              وأعظم نعمة ينعم الله بها على الإنسان ونعمه كثيرة نعمة أن ينزل عليه منهج، أن يعطيه منهجًا يقول له افعل ولا تفعل، اذهب من هذا الطريق ولا تذهب من هذا الطريق لأنه مغلق ولا يؤدي بك إلى نتيجة، المنهج

              (اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)

              ربي سبحانه وتعالى أوفى من أعطى عهدًا سبحانه وتعالى ومن يوفّ بعهد الله ويوفي بالتزاماته أمام خالقه تكون النتيجة الطبيعية أن الله سبحانه وتعالى يوفي له بعهده.

              وتأتي الوصية العظيمة والوصية تحمل الكثير من المعاني لبني إسرائيل أن رسالات الأنبياء من عهد آدم إلى خاتمة الرسالات بالنبي صلى الله عليه وسلم رسالة واحدة تدعو إلى التوحيد وتأمر بالخير والعمل الصالح غير مجزأة رسالة لا تعمل حساب للولاءات ولأقوام وعنصريات لا تعمل حساب لعطاءات الدنيا المختلفة لأنها رسالة إيمانية رسالة التزام مع الله عز وجلت



              (وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ)

              رسالة النبي صلّ الله عليه وسلم، وصية الله عز وجل لتلك الأمة أمة بني إسرائيل أن تؤمن بالرسالة التي جاء بها النبي صلّ الله عليه وسلم لأنها تتمة لرسالة موسى وعيسى عليهما السلام وجميع من سبقهم من الأنبياء الرسالة واحد لا تفرّق لأن ما يفرّق ليس الدين والرسالات وإنما ما يفرّق بين البشر الأهواء والأطماع والحسابات الشخصية المادية. ولذا جاء كثيرًأ في سورة البقرة

              (وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ)

              البيع والشراء والمتاجرة الكارثة الكبرى حين يتحول الدين إلى متاجرة يتاجر به من يمكن أن يُعرف برجالات الدين كما حدث مع بني إسرائيل، التحذير واضح، ولم يتاجر به هؤلاء؟ لأجل مصالحهم الشخصية

              (وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا (174) البقرة)

              ويتكرر ذلك في سورة البقرة كثيرا.

              تعليق


              • #8
                رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني


                موضع رااائع جدا ما شاء الله ومجهود أروع استمري اختي
                بارك الله فيك

                تعليق


                • #9
                  رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                  جزاك الله خيراً
                  تشرفت بمتابعتك الموضوع

                  تعليق


                  • #10
                    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                    (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)

                    صورة أخرى من صور المتاجرة بالدين والوصية واضحة كما ذكرنا،
                    الخطاب في سورة البقرة يأتي لبني إسرائيل ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
                    الخطاب موجّه للمسلمين، الخطاب موجّه لكل الأمم
                    (وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)
                    لا تكتم الحق حين يكون الحق عليك وتُظهره حين يكون لك، لا تُخضِع الحق لحساباتك الشخصية المادية،
                    الحق لا يخضع لأهواء شخصية، الحق لا يخضع لمصالح شخصية، الحق لا يخضع لمصالح.
                    وعلينا اليوم ونحن نرى وننظر إلى العالم لأن الغرض من قرآءة القرآن العظيم أن أنظر إلى هذا القرآن وأن أقرأ به واقعي وأتعلم لكي أصحح وأعدّل وفق المنهج الرباني في كتاب الله.
                    السبب فيما يحدث في عالمنا اليوم وواحد من أعظم أسبابه أن الإنسان المعاصر أصبح يتاجر وبيبع ويشتري بالحق والباطل! يحق الحق حين يكون الحق إلى جانبه حين يكون الحق في تحقيق أغراضه وأطماعه الشخصية وحين يكون الحق مخالفًا لأهواء نفسه ولمصالحه الشخصية يسارع بكتمانه ويسارع بلبس الحق بالباطل وهو ما تحذّر منه هذه الآيات العظيمة.

                    تستمر الآيات في تقديم معالم في طريق الهداية في كيفية عرض وتقديم معالم المنهج الرباني في سياق الحديث عن بني إسرائيل وتستمر الوصايا بـ(وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ) وهنا لنا وقفة في هذا المجال: الأمر بالعبادة من صلاة ومن زكاة يأتي في سياق الحديث عن التعامل في عرض وتقديم الدين والمنهج لأن كل العبادات في الأديان السماوية جاءت لترتقي بالنفوس، جاءت لتخلّص النفوس والقلوب من شوائبها، جاءت لتكون عونًا للإنسان على الارتقاء بالإنسان بسلوكياته وطريقة تعامله مع الأحداث
                    (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ)؟

                    ثم في الآية التي تليها مباشرة يعيب باستنكار عن من يأمر بالمعروف وينسى نفسه وينهى عن المنكر ويأتيه الوضية خاصة بمن يمكن أن نطلق عليهم رجالات الدين
                    (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)
                    كان من الأجدر والأحوط والذي ينبغي أن يكون الصورة المثالية التي ينبغي أن نسير عليها في حياتنا أن تكون العبادة التي أمارسها في حياتي مصفاة تصفي الشوائب التي تعلق بسلوكي وأفعالي وتصرفاتي وبالتالي تنعكس تلك العبادة على كيفية التعامل مع المعروف ومع المنكر أنا لا يمكن أن أنهى الناس عن أفعال وتصرفات ولكني في نفس الوقت أمارس نفس التصرفات الازدواجية بمعنى آخر ومرض الازدواجية مرض يصيب الكثير من رجالات الدين وقد أصاب الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى ويصيب الكثيرين.

                    هذا المرض يجعل الإنسان يتصرف بعيدًا عن نفسه لا يرى العيوب المتواجدة في نفسه وفي شخصه وإنما ينظر إلى عيوب الآخرين ينظر إلى تلك العيوب ويحاول أن يتحدث عنها في منأى عن نفسه وكأنه قد أعطى لنفسه حصانة ضد تلك العيوب وبالتالي يأمر بالمعروف ولكنه لا يأتي ذلك المعروف ينهى عن المنكر وقد يكون هو أول المسارعين للقيام بذلك المنكر والقرآن يعتبر ذلك نوعًا من البعد عن العقل

                    (أَفَلاَ تَعْقِلُونَ).

                    تعليق


                    • #11
                      رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                      كيف يصبح واقعي وتعاملي وحياتي الخاصة في أسرتي وفي مجتمعي
                      تصبح مرآة لما أدعو الناس إليه، تواصل، وجهان لعملة واحدة،
                      كيف يصبح هذا التساوي بين ما يظهره الإنسان علانية أمام الآخرين وبين ما يسرّه ويبطنه في واقعه وتعامله، كيف يصبح هذا الأمر؟
                      كيف يصبح هناك تناغم وتناسق بين السر والعلن،
                      كيف يصبح العلن انعكاسًا لما يخفيه الإنسان في سرّه من نقاوة وصفاء،
                      المنهج الرباني كيف يصبح ذلك؟




                      الآيات تقدم لي الوصفة
                      (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ)
                      الصبر أن أتحلى بالصبر بطول النفس أن أتحلى بالقدرة على مجاهدة النفس، أن أتحلى بالقدرة على أن أرتقي بنفسي الأمر يحتاج إلى صبر والصبر على الطاعة والصبر على التحلي بالصفات الحسنة والأخلاق الطيبة من أعلى درجات الصبر ولذلك جاءت الوصية به.

                      والصبر لا ينفك عن الصلاة وهنا لنا أن نتوقف عند هذه ونستحضر المواقف التي كان يعيش بها النبي صلّ الله عليه وسلم الصلاة بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم لم تكن مجرد أداء فريضة لم تكن عبئًا على عاتقه يريد أن يتخلص منه، أبدًا، كان صلّ الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة كان ينادي على بلال فيقول أرحنا بها يا بلال، يا ترى كيف تمكن النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة من أن يحوّل الصلاة، العبادة، الفريضة إلى مفزع وملجأ وكهف يأوي إليه حين تأتي عليه المحن؟ كيف؟


                      لكي اصل بصلاتي إلى تلك المرحلة أحتاج أن أستحضر الخشوع في صلاتي ولكي أمارس الخشوع الذي هو روح الصلاة ولب الصلاة وأجعله جزءًا لا يتجزأ من صلاتي، من ركوعي، من سجودي، من قيامي من خضوعي الخشوع، لكي أصل إلى هذه المرحلة علي أن أتيقن تمامًا من لقاء الله سبحانه وتعالى
                      (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)

                      الصلاة لقاء بين العبد وربه، أنت تناجي الله عز وجل في صلاتك أنت تخاطبه
                      فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

                      إذن هذا النوع من الصلاة الذي يرتقي بأخلاقيات الإنسان ويرتقي بسلوكياته هو هذه الصلاة

                      تعليق


                      • #12
                        رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                        من أعظم عطاءات التوحيد أنه يحرر الإنسان من أسر الشهوات المادية يحرره من الوقوع في سلطان النزوات والشهوات من مال من جاه من ركض وراء طعام أو شراب، التوحيد يحرر الإنسان من هذا كله


                        ولكن الإشكالية التي وقع فيها بنو إسرائيل من مواقفهم التي ذكرتها سورة البقرة أنهم ما استطاعوا أن يتخلصوا من الأسر، من العبودية، نفسية العبيد كانت ملازمة لهم على الرغم أنهم تحرروا من فرعون هم كانوا عبيدًا لدى فرعون ولكن الحرية لا تكون فقط بكسر القيود المادية.

                        أعظم أنواع الحرية التي صنعها التوحيد في نفوس أتباعه أنه حرّرهم تحريرًا معنوياً أصبحوا أحرارًا ما باتوا عبيدًا لشهوة من مال أو طعام أو شراب أو منصب أو ما شابه.

                        الآيات تتحدث عن موقف من المواقف التي مر بها بنو إسرائيل، طلبوا من موسى عليه السلام أن يستسقي لهم الله عز وجل وقد فعل موسى عليه السلام وربي سبحانه وتعالى قدّم لهم معجزة مادية عاينوها بأعينهم رأوا الماء وهو يتفجر بين أيديهم وربي سبحانه هنا وجّه لهم الأمر الإلهي

                        (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60))

                        ولكن ماذا كانت النتيجة لم يتوقف بنو إسرائيل عند ذاك الأمر الإلهي، المنهج الرباني، وإنما ولكن وقفوا عند شيء آخر شيء مادي وقعوا في الأسر من جديد، وقعوا في الأسر لأن التوحيد الذي كان في قلوبهم لم يلامس شغاف القلوب، التوحيد الذي كان في قلوبهم كان توحيداً ضعيفاً كان توحيدًا ما استطاع أن يحرّرهم التحرير الحقيقي من سلطة الشهوات المادية فكانت الإجابة مقابل ذاك الأمر الإلهي الرباني على لسان موسى عليه السلام أن يا موسى

                        (لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ


                        مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا)

                        الأشياء والأطعمة وأنواع الأطعمة التي كانوا يأكلونها عند فرعون وهم عبيد، لم ينظروا إلى عطاء الحرية وتنسّم الحرية بكل معانيها وإنما نظروا إلى الفُتات تشوّقت أنفسهم وتطلّعت إلى الأطعمة التي كانوا يأكلونها وهم عبيد، ولم يتشوّقوا ويتطلّعوا إلى الحرية التي يتنعمون بها والتي أنقذهم لله سبحانه وتعالى من خلالها من أسر فرعون.


                        الحرية لها ثمن، الآيات تعلمنا هنا أن الحرية لها ثمن وأن الحرية حين تُعطى وتوهب لأمة من الأمم ينبغي لتلك الأمة أن تكون على مستوى عطاء الحرية على مستوى التضحية على مستوى البذل الآيات تربي المجتمع الأول والمجتمعات المسلمة. الآيات آيات سورة البقرة نزلت كما تكلمنا وذكرنا على مدى سنوات التي عاشها المسلمون في المجتمع المدني الأول بناء الدولة، الآيات تريد أن تربي فيّ معاني التضحية والحرية بأوسع فضاءاتها ونطاقاتها الحرية ليست كلمة الحرية ليست مجرد شعار نطالب به الحرية ليست ادّعاء الحرية أن تتحرر في داخل نفسك من أسر شهواتها أن تنفض عنك قيودها أن تصبح عبداً لله وحده دون سواه، التوحيد، الحرية تساوي التوحيد بأبهى صوره وحلله

                        بنو إسرائيل لم يتحرروا، بنو إسرائيل صحيح خلّصهم ربي سبحانه وتعالى من أسر فرعون ولكنهم ما استطاعوا ولكنهم لم يتخلصوا من أسر الشهوات المادية اشتاقوا لطعم العبودية اشتاقوا للشهوات المادية التي كانت متكرّسة متأصّلة في نفوسهم فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة كانت من جزاء العمل
                        (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ (61))

                        نتيجة طبيعية تمامًا نتيجة لكفرهم نتيجة لطريقة تعاملهم مع المنهج الرباني المتمثل في التوراة،
                        ربي سبحانه وتعالى أنزل لهم منهجًا وحين يقابل الإنسان المنهج الرباني بالكفر والجحود والعناد والمعصية تلو المعصية والمخالفة مع التي تليها ومحاولة التحايل على النصوص والتلكؤ في اتباع أوامر الله سبحانه لا يمكن أن تكون النتيجة مغايرة (وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ (61)) الذلّة أن يصبح الإنسان أسيراً سواء كان إنسان كفرد أو كشعوب، أن تقع الشعوب في الأسر من جديد في الذل، في الخضوع، في المسكنة. الشعوب بأسرها


                        ونحن نرقب اليوم ما يحدث في العالم ويدور حولنا الشعوب قد تكون حرة في الشكل في الظاهر ولكنها ربما تكون أسيرة وواقعة في الأسر هذا نوع من أنواع الذلة التي تتحدث عنها سورة البقرة.


                        الحرية لا تعني أن لا تكون هناك قيود في يدي فحسب، الحرية المادية، الحرية تعني أن أكون حرة كفرد أو كمجتمعات وشعوب في اتخاذ القرار، في الرؤية، في النظر، في التصور، في التطلع، في الأهداف، في تنفيذ الأهداف، هذه هي الحرية. الحرية أن تتخلص من سطوة البشر سواء كانوا فرعون أو غير فرعون الحرية أن تكون فعلًا عبداً لله سبحانه ولا تكون عبداً لأحد سواه.
                        هذه المعادلة لم يدركها بنو إسرائيل ووقعوا في مخالفات مخالفات أخرى
                        ولذلك جاءت الآية العظيمة التي بعدها لتقرر

                        (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62))

                        إذا أردت الحرية الحقيقية فهي في الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح الذي يجعل منك إنساناً حراً طليقاً ويضمن لك الأجر والثواب في الآخرة. ولذلك تأملوا معي نهاية الآية (وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)) الخوف والحزن، الخوف والحزن هي ضريبة يدفعها الإنسان الأسير، يدفعها العبد إزاء قابليته للاستعباد لغيره، الخوف والحزن. ولنا أن نتوقف في كل ما يحدث في عالمنا المعاصر اليوم، ما هي السمة الغالبة على مجتمعاتنا المنكوبة؟ خوف وحزن! خوف بأشكاله المتعددة المتنوعة، خوف على الأرزاق، خوف لغياب الأمن، خوف على المستقبل، خوف على الحياة، خوف، خوف، خوف، الخوف بأشكاله وحزن لا يمكن أن ينفك عن منظومة الخوف، عذاب! لِمَ جاء الخوف والحزن؟

                        البعد عن المنهج وبالتالي الآية تقول
                        (مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62))

                        في الدنيا والآخرة.

                        وحتى ما يصيب الإنسان المؤمن في الدنيا من خوف أو من حزن في بعض الأحيان هو خوف وحزن نسبي بسيط لا ينفكّ عن المشاعر الإنسانية، أما أن يصبح الخوف والحزن كما هو واقع في مجتمعاتنا المعاصرة حالة ملازمة للأمم وللشعوب هذه قضية ينبغي أن نتوقف عندها.

                        وبمفهوم المخالفة في الآية أن من لم يؤمن بالله واليوم الآخر سيكون الحزن والخوف عنده حالة ملازمة لا ينفكّ عنها ولا يستطيع التخلص من أسرها وهذا ما حدث ويحدث حين يخالف الإنسان فرداً كان أو شعباً المنهج الإلهي الرباني.


                        وتعود الآية من جديد في سياق الحديث عن بني إسرائيل لتؤكد أن الإشكالية الكبرى في بني إسرائيل ومواقفهم المتعددة التي تتناولها سورة البقرة إنما كانت تكمن في مخالفة المنهج الرباني ((خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ (63)) الوصية ليست لبني إسرائيل فحسب، الوصية لي (خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)) ثم حين لا يحدث هذا الأخذ بقوة تكون النتيجة الطبيعية

                        (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64))

                        التولي والإعراض عن المنهج الرباني، الوقوع في إشكالية التعامل معه التي وقعت في بني إسرائيل

                        تعليق


                        • #13
                          رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                          بني إسرائيل أمرهم ربي عز وجل أن لا يعملوا في السبت كما ورد في سور أخرى وآيات أخر في كتاب الله عز وجل هذا أمر رباني أمر إلهي ولكن ماذا فعلوا؟

                          فئة من بني إسرائيل اعتدوا على الأمر الرباني والمنهج الرباني فماذا كانت النتيجة؟
                          أن الله سبحانه وتعالى مسخ تلك الفئة التي تعدّت المنهج الرباني وسواء كان المسخ حقيقياً
                          (فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65))
                          أو مسخًا معنوياً بمعنى أن يتحول الإنسان عن هذا المنهج إلى صورة مغايرة تماماً صورة ممسوخة صورة لا يليق بها أن تتلقى المنهج الرباني. في كِلا الأحوال كانت الخسارة هي الملازمة والملاحقة لهم
                          (فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66))
                          آيات، علامات، دلائل ربي سبحانه وتعالى في هذا الكون والمجتمع يُري الإنسان والأمم والشعوب آيات يُري العواقب والنتائج التي تترتب على الإنسان حين يخالف المنهج الرباني
                          الإنسان فرد أو شعب حين يخالف المنهج الرباني هناك عقوبة مترتبة والعقوبة قد تكون فردية وقد تكون جماعية وقد حدثت في أولئك الذين تجاوزوا الأمر الرباني مع بني إسرائيل. تنتقل الآية إلى موقف آخر من مواقف بني إسرائيل لتعرض وتقدم لنا نموذجًأ آخر نموذجًا من الإعراض نموذجًا من التحايل في التعامل مع المنهج الرباني موسى عليه السلام أمرهم بأن يذبحوا بقرة
                          (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً (67))
                          قصة، حادثة وقعت، قصة قتل حدثت في بني إسرائيل وحين أراد موسى عليه السلام أن يكشف عن هوية القاتل فكِلا الفريقين أراد أن يرمي باللائمة على الفريق الآخر وربي سبحانه وتعالى أراد أن يكشف لهم الحقيقة فأمر موسى عليه السلام أن يأمرهم بذبح بقرة، واضح الأمر، ولكن ما تعودوا عليه في التعامل مع الأوامر الربانية والوحي الإلهي التلكؤ في اتباع الأمر، التحايل، كثرة المماطلة، كثرة السؤال، كثرة القيل والقال، لمَ؟ وماذا؟ وكيف؟ لا لأجل أن يفهموا ولا لأجل أن يتفقهوا في الدين ولكن لأجل أن يتفيقهوا، بمعنى لأجل أن يبرروا لأنفسهم التحايل، لأجل أن يتباطؤا في اتباع المنهج الرباني مدلف خطير جداً سياق الآيات تحدثني وتحذرني من الانجرار فيه والإنسياق نحوه، أن أتعامل مع المنهج الرباني واِفعل ولا تفعل بنيّة التحايل والمماطلة وليس بنيّة المتابعة وعدم المخالفة.
                          السؤال عن الحكمة والقصد وراء التشريع الإلهي لا شك أنه قد يكون في بعض الأحيان أمر مشروع ولكن بشرط ألا يكون بنيّة التهرّب من ذلك الأمر وإنما بنيّة الفهم بنيّة الوعي بنيّة الخضوع والإنسياق للأمر الرباني. العبادة، أصل العبادة أن أكون عبداً خاضعاً لله سبحانه منقاداً لأمره، في بعض الأحيان قد أفهم الحكمة وفي بعض الأحيان قد لا أفهم وفي كلتا الحالتين فهمت الحكمة من وراء الأمر الرباني أم لم أفهم عليّ الاتباع والانقياد والخضوع.
                          هذا لم يحدث في قصة البقرة مع بني إسرائيل أول كلمة ردّوها على موسى عليه السلام (قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا (67)) الكلام مع نبي! وتأملوا معي في سوء الأدب في التعامل مع المبلِّغ عن المنهج، النبي، الأنبياء (قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا)! ثم المماطلة
                          (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ (68))
                          (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا (69))
                          (ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ (70))
                          كل هذه الطلبات ما كانت لأجل الإنقياد والخضوع وتنفيذ الأمر الإلهي
                          وإنما عملية مماطلة فماذا كانت النتيجة وكيف كانت العاقبة وراء تلك المماطلات؟
                          أن الله سبحانه وتعالى كشف التزوير والكذب والاحتيال الذي وقعوا فيه




                          (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)
                          فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى (73))
                          الغرض من سياق البقرة وقضية ذبح البقرة أن يُضرَب بها هذا القتيل ليعيده الله سبحانه وتعالى بقدرته إلى الحياة من جديد فيشهد على من قتله، على القاتل،
                          هذا كان الغرض وذلك لعدة أمور منها إعطاء صورة حية حسية لبني إسرائيل الذين كانوا مولعين بالحس وعدم الإيمان بالغيب، بقدرة الله سبحانه وتعالى على الإحياء وعلى الإماتة وعلى البعث، اختبار لإيمانهم وابتلاء لمسارعتهم في اتباع المنهج الرباني وهذا لم يحدث ولم يحدث شيء من ذلك!
                          فكانت النتيجة الطبيعية لهذه القصة ولذاك الموقف مع بني إسرائيل أن أحدث الله في قلوبهم قسوة
                          (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ (74))
                          القسوة في القلب عقوبة، وهي مرض يجعل القلب متصلبًا متلبدَ الحسّ لا يشعر بالآيات ولا بالمواعظ حين تمر أمام عينيه، العين تتصلّب فيها الدموع، تجف فيها المآقي، لا تعد قادرة على أن تدمع
                          ونحن نعلم جميعاً أن البكاء من خشية الله عز وجل من النعم العظيمة التي ينعم الله عز وجل بها على الإنسان وأن جزاءها أن تُحرّم النار على تلك العين التي بكت من خشيته سبحانه. ولكن الحال في بني إسرائيل كان العكس تماماً كان عقوبة والعقوبة لا تأتي إلا على مخالفة ومعصية. المماطلة في اتباع المنهج الرباني الذي أتى به موسى عليه السلام التراجع، التخاذل، التحايل، كل ذلك في التعامل مع المنهج الرباني كانت العقوبة من جنس العمل، قسوة!
                          (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَة (74)) في صلابتها
                          (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (74)) من الحجارة (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)) الحجارة كما يقول ربي عز وجل في سورة أخرى (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (21) الحشر)
                          ولكن الإنسان حين يقسو قلبه كما حدث في بني إسرائيل نتيجة لمخالفة المنهج الرباني يصبح ذلك القلب أقسى من الحجارة فتمرّ عليه المواعظ في كتاب الله ويسمع الآيات بأذنيه ويراها في واقعه بعينيه ولكن لا تحرك فيه قلباً، لا تحرك فيه ساكناً، لا تجعل القلب يتحرك باتجاه تلك الآيات العظيمة فيخرّ مؤمناً خاضعاً لها، لا تحرّك فيه بواعث الخشية من الله عز وجل التي هي من أعظم أعمال القلوب.
                          وكل الآيات وهي تتحدث عن بني إسرائيل إنما هي تحذّرنا نحن اليوم من أن نتعامل مع منهج ربنا وكتاب ربنا بهذا الشكل وبهذه الصورة لأن النتيجة لن تكون مغايرة لما حدث مع بني إسرائيل


                          ثم تنتقل الآيات إلى موقف آخر من مواقف التعاطي مع المنهج والكتاب أيضاً من بني إسرائيل،
                          التحريف، التحريف بكل أشكاله وصوره، تحريف معنوي وتحريف حسّي.
                          أما المعنوي فهو ما أخبر عنه الله عز وجل حين قال
                          (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ (76))
                          الازدواجية، النفاق، التحريف، جعل الدين بضاعة وتجارة، أُظهِر من الآيات ما يتناسب مع مصالحي الشخصية، أستشهد بالآيات التي تخدم وتحقق أغراضي وأطماعي ولكني أغضّ الطرف وأنسى الآيات التي لا تأتي في مصالحي الشخصية ولا في إطار تحقيق أهوائي وأطماعي وأغراضي، موقف خطير جداً يحقق النفاق يجسد الإزدواجية في التعامل مع كتاب الله عز وجل ومع المنهج! أعرف شيئاً ولكني أعمل شيئاً آخر، أعرف أن الحق ليس في ما أفعله ولكني أفعل الباطل وأمارسه، إزدواجية! ولا بأس أن أدّعي أنني من أنصار الحق كما فعل هؤلاء القوم من بني إسرائيل
                          (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ (76)) إزدواجية، ادِّعاء. ولكن هل يغني ذلك الادّعاء في التعامل مع الله عز وجل؟!



                          تأملوا معي الآية
                          (أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77))
                          السرّ عنده علانية، إياك أن تتعامل مع الله عز وجل دون أن تحقق هدف النقاوة في باطنك وفي سرّك،
                          إياك من الإزدواجية في التعامل مع الله عز وجل لأني أنا لا أستطيع أن أخفي شيئًا عنه سبحانه إن نجحت في إضمار الباطل وإخفاء الحق على الناس لن أنجح في ذلك مع الله عز وجل لأنه ببساطة شديدة لأن
                          (أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)).
                          أما النوع الآخر أو الشكل الآخر الذي يحذّرني منه القرآن في التعامل مع المنهج والكتاب تحريف من نوع آخر، التحريف بمعنى أن أعلم الكتاب قراءة أو تلاوة فقط بالألفاظ أما بالعمل فالأمر مختلف وتأملوا معي الآية
                          (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78))
                          ولذا قال جمعٌ من المفسرين في هذه الآية لا يعلمون من الكتاب إلا التلاوة والقراءة أما التدبر أما التفقّه أما التفهم أما التنفيذ أما التطبيق فهذا شيء بعيد تماماً عن اهتمامهم. هذا النوع الأعوج من التعال مع المنهج الرباني ومع الكتاب هو نوع من التحريف وقد حدث كذلك في بني إسرائيل




                          ï»؟أما النوع الحسّي فأن يكتب ويحرّف آيات الكتاب تحريفاً بيديه
                          (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (79))

                          وتأملوا نهاية الآية
                          ( لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا (79))
                          متاجرة بالدين!
                          يحرّف على هواه يتّبع الهوى يُخضِع الدين والمنهج الرباني لأطماعه الشخصية مدلف خطير جداً جدًا.
                          وغالب ما يحدث اليوم في المجتمعات في المتاجرة بالدين النتائج الوخيمة
                          التي تترتب على ذلك لا يعلم مداها إلا الله!
                          حين يتحول الدين إلى قضية تجارية،
                          إلى هوى نفس حين أشتري وأبيع،
                          ولذلك كلمة (لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا (79)) جاء ذكرها في سورة البقرة كثيرًا جداً، لماذا؟
                          للتحذير من هذا المنهج الخطير.
                          الدين لا ينبغي أن يخضع للبيع ولا للشراء، الدين جاء ليحكم حياتي وحياتك، الدين جاء لكي يُخضع قلبي ومصالحي له ولأحكامه وأوامره وليس لأجل أن أُخضعه أنا لنقاط ضعفي ونزواتي وأطماعي وشهواتي!
                          ماذا كانت النتيجة؟
                          (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79))
                          المال الحرام الذي يُكتسب وإن كان كثيراً من جرّاء المتاجرة بالدين والمصالح الشخصية سيكون وبالاً على صاحبه، وهذا بالفعل ما حدث في بني إسرائيل. ومن جديد تنتقل بي الآيات إلى ذلك الميثاق إلى المنهج الرباني المنهج الواحد الذي جاءت به لكل الشرائع السماوية، التوراة جاءت بشرائع عظيمة لأنها من الله عز وجل والإنجيل جاء بتعاليم ربانية عظيمة والقرآن جاء بتعاليم ومبادئ في غاية العظمة
                          (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ (83))
                          التوحيد الأساس
                          (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)
                          برّ الوادين
                          (وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا
                          وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83))
                          الشرائع السماوية واحدة، كل الرسالات السماوية جاءت بالتوحيد، جاءت بالقيم العظيمة، جاءت بالأمر بالإحسان للوالدين والأقارب وقول الخير وعمل الخير والصلاح والبرّ والمعروف، جاءت بعبادات ترتقي بصاحبها في مرحلة السلوك والتطبيق والتعامل مع الآخرين هذه الشرائع التي لا يختلف عليها اثنان كيف كان الموقف منها؟!
                          (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83))
                          . وتنتقل بي الآيات إلى نوع آخر من الأزدواجية في التعامل مع الآيات والمنهج الرباني أن يؤمن الإنسان ببعض الكتاب ويكفر ببعض، من جديد إخضاع المنهج الرباني للمصالح، للأهواء الشخصية، للأطماع (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85))

                          المنهج الرباني عليك أن تأخذه جملة وتفصيلاً، عليك أن تأخذ كل ما فيه لكي يحقق الثمار المرجوة في الواقع وفي المجتمع أما أن تطبّق جزئية منه وتترك الجزء الآخر هذا اعوجاج في الأخذ به، هذا لا يمكن أن يؤدي الغرض أبداً. الكتاب عليك أن تأخذه بكلّه، بكل أوامره ونواهيه وأن تخضع بقلبك وقالبك ومجتمعك لذلك المنهج الرباني،
                          ولذلك من جديد تأملوا معي كم مرة يأتي الكلام عن البيع والشراء
                          (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ (86))

                          باع واشترى باع آخرته واشترى دنياه بثمن بخس
                          (فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)).

                          والقضية لأنها قضية خطيرة جداً وتحدث ليس فقط مع بني إسرائيل، تحدث في المسلمين، تحدث في النصارى، تحدث في أقوام متعددة لذلك القرآن وقف عندها في سورة البقرة طويلاً:
                          لا تبع وتشتري بالدين، المتاجرة

                          تعليق


                          • #14
                            رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني




                            تعود الآيات من جديد لتتحدث عن موسى عليه السلام والكتاب

                            (وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ (87))
                            الرسالات واحدة ولكن الإشكالية في تعاملكم مع تلك الرسالات
                            (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87))
                            (بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ)
                            وتأملوا معي هذا هو السبب، ليس السبب أنك غير مقتنع بالمنهج الرباني، ليس السبب في مخالفة بني إسرائيل للمنهج الرباني الذي جاء به موسى عليه السلام أنهم لم يكونوا على قناعة أو دراية بذلك المنهج، أبداً.
                            السبب أنه قد جاء بما لا تهوى أنفسكم!


                            هوى النفس، أخطر الأمراض في التعامل مع المنهج الرباني هوى النفس ولذلك القرآن يحدثني في آيات عديدة فيقول (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ (23) الجاثية) الهوى قد يصبح إلهًا يُعبَد من دون الله!
                            والمطلوب من الدين أن تتحرر من هواك، أن تتحرر من أي سلطان إلا الخضوع والانقياد لأمر الله عز وجل،
                            هذا مطلب رئيسي.


                            (وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88))
                            لعن، بدأ الجزاء على ذلك العناد والجحود والإنكار والتعامل السيء مع المنهج الرباني.
                            فيا ترى كيف كان استقبال بنو إسرائيل للمنهج الرباني الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؟
                            كيف كان استقبال بني إسرائيل للمنهج الذي لم يكن يختلف في أساسه عن ما جاء به موسى عليه السلام؟ منهج النبي صلى الله عليه وسلم الذي جاء في القرآن

                            (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ (89))
                            وهم في الأصل كانوا يستفتحون على الناس في المدينة، على العرب ويتباهون ويتفاخرون أنه قد أظلّنا زمان سيظهر فيه لنا نبي جديد من أنبياء بني إسرائيل، كيف كان موقفهم؟ .
                            عرفوا بأنه هذا هو الكتاب الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم حقاً
                            عرفوا بذلك ولكنهم تجاهلوا تلك المعرفة، لماذا؟
                            لأن تلك المعرفة قد تناقض ما تهواه أنفسهم وتتشوف إليه ولذا القرآن قال


                            (بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ
                            فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (90))
                            هذه هي الحقيقة، هذه هي النتائج التي ترتبت على ذلك التعامل الأعوج مع المنهج الرباني من قِبَل بني إسرائيل، المتاجرة بالدين لا يمكن أن تكون لها نتيجة أخرى ولذلك عادت الآيات من جديد في الآية 92 تقول (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ) تذكّرهم (ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ ) إن كنتم لا تريدون اتباع النبي صلّ الله عليه وسلم لأنه ليس من بني إسرائيل فما تقولون على النبي موسى عليه السلام الذي أرسله الله إليكم؟ وعلى الرغم من ذلك اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون! كيف تفسّرون ذلك؟! وكيف تفسّرون أن الله قد أخذ الميثاق عليكم (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ) ولكن لم تكن النتيجة هي الاتّباع بل كانت النتيجة (قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ (93)).



                            إن كان الإيمان لا يولّد لديك قوة دافعة للاتباع والطاعة والأخذ بقوة بذلك المنهج فما قيمة ذلك الإيمان؟!
                            ما قيمة أن تقول أنا مؤمن باللسان ولكن الفعل في الواقع يخالف ذلك القول؟! ما قيمة ذلك كله؟
                            (قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ).
                            إن كان ذلك النوع من الإيمان الذي تدّعون يأمركم بقتل الأنبياء ومخالفة المنهج الرباني فبئس به من إيمان، هذا ادّعاء، هذا ليس إيمانًا، الإيمان التزام، الإيمان لا يمكن أن يبرر تلك الازدواجية بين الفعل والقول، الإيمان لا يبرر ذلك، الإيمان لا يجعلك تعيش في تناقض مميت بين ما تؤمن به في قلبك وبين ما تمارسه في حياتك وسلوكك.

                            تعليق


                            • #15
                              رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                              حب الدنيا والركون إليها وكراهية الموت طبيعة واضحة تمامًا في أولئك القوم الذين تاجروا بالدين لأن الموت بالنسبة لهم يشكّل العالم الآخر الذي باعوه بثمن بخس هم اشتروا الدنيا ولكنهم باعوا الآخرة فشيء طبيعي أن يكره هذا النوع من البشر الموت تمامًا
                              (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ)الآية96
                              لا يريد لحياته على الأرض أن تنتهي ولكن يُهيأ لهذا البشر أنه سيزحزح بذلك عن العذاب لأنه لا يزال لا يدرك حقيقة (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ (8) الجمعة) وأن الرب الذي كفرتهم به ستأتون إليه وتعودون إليه وسيوفيكم أعمالكم يوم القيامة ولذلك جاءت ختام الآيات فقال الله عز وجل (وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) ويأتي هذا النوع من التعامل بمختلف العداوات، الإنسان الذي يعيش هذه الازدواجية يعادي كل أحد يعادي الملائكة ويعادي الأنبياء ويعادي الكتب ويعادي الرسل لأنه ببساطه عادى نفسه، عادى المنهج الرباني الذي جاء به الله سبحانه وتعالى ولذلك جاءت الآية بقوله سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ) يا محمد صلى الله عليه وسلم (آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) واضحات (وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ) لا يكفر بهذه الآيات الواضحة وبذلك المنهج العظيم الذي أنزله الله عليك إلا من خرج عن أوامر ربه سبحانه وتعالى.
                              ولذلك لما جاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم مصدّق لما معهم
                              (وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101))
                              تأملوا المثل الرائع الذي تقدمه الآيات (نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ) وضعوه خلف ظهورهم، أرادوا أن يخفوا المنهج الرباني أرادوا أن يخفوا ما كُتب في التوراة ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم، التوراة جاءت تبشّر بالنبي صلوات الله وسلامه عليه، أرادوا أن يخفوا تلك المعلومات التي جاءت فيها فنبذوه وراء ظهورهم. أنت حين تتبع وتخالف المنهج الرباني لا بد أنك تتبع منهجًا آخر، لا يمكن أن تمشي في الدنيا دون اتّباع، مستحيل، إما أن تتبع المنهج الرباني وإما أن تتبع منهجًا آخر
                              (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ)
                              إذن هم خالفوا المنهج الرباني لأجل أن يتبعوا الشياطين وتأتي الآيات في سياق الحديث عن أنبياء بني إسرائيل، موسى عليه السلام لم يكن هو النبي الوحيد الذي كذّب به بنو إسرائيل، كان من قبله أنبياء كان سليمان وكان داوود، لكن الموقف من كل هؤلاء الأنبياء كان لا يتغير، الموقف هو
                              (وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (102))
                              يتاجرون بالدين، تعلّموا الأشياء المخالفة المناقضة للمنهج الرباني بما فيها السحر، تعلموا كيف يفرقون بين المرء وزوجه مخالفة للأمر الرباني، اتّبعوا السحر واتبعوا الشعوذة واتبعوا الأوامر الشيطانية
                              (وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ) بئس بها من تجارة!
                              الساحر والمخالف للمنهج الرباني المنهج الذي أمر الله به عز وجل مهما درّ ذلك عليه من مكاسب دنيوية وقتية فهي خسائر في حقيقة الأمر وليست مكاسب على الإطلاق، خسر نفسه خسر آخرته خسر دنياه خسر كل شيء ولذلك تأملوا المعادلة الرائعة
                              (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (103))
                              تأملوا الفارق العظيم، الآية الأولى
                              (وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ)
                              تجارة خاسرة حتى وإن تصورت أنت أن فيها مكسب مادي، التجارة الرابحة الإيمان والتقوى


                              (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ)
                              لو كانوا يعلمون المعنى الحقيقي للتجارة الرابحة عبارة من أعظم التوجيهات في المنهج الرباين العبارة ليست موجهة لبني إسرائيل فحسب العبارة موجهة لنا جميعًا عليك أن تدرك المعنى الحقيقي للربح والخسارة من حيث تعتقد أنك تعتقد أنها ربحًا ولا تضيع على نفسك الفرصة وتخسر وأنت يُهيأ لك أنك تربح، اتباع المنهج الرباني في الحياة والسلوك كسب حقيقي ربح حقيقي في الدنيا وفي الآخرة

                              تعليق


                              • #16
                                رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)

                                (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)

                                تأملوا في دقة النص القرآني وعدالته وإنصافه قال (كثير) قطعًا ليس الكل، هناك فئة من أهل الكتاب فئة اتبعت النبي صلّ الله عليه وسلم فئة كانت منصفة ولكنهم ليس بكثر لأن الكثير ودوا (لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً) يا ترى لماذا؟ لماذا أرادوا زعزعة وبلبلة الإيمان في نفوس أتباعه؟ لماذا أرادوا زعزعة المسلمين في إيمانهم واعتقادهم؟
                                (حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم)
                                حسد، ومرض الحسد لا يكون إلا بناء على هوى النفس، لا يحسد المؤمن إلا وقد امتلأ قلبه بالله والثقة واليقين بعطائه وقسمته للأرزاق بين خلقه، لا يمكن ولذلك القرآن يقول (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ الفلق) التعوذ من شر الحاسد لأن الحاسد يقع في إشكالية كبيرة، يقع في إشكالية اعتقادية حين يعتقد أن الرب الذي قسم الأرزاق ليس بمنصف حاشاه سبحانه، أعطى لفلان ولم يعطني أنا وأنا مستحق للعطاء أكثر من فلان، من الذي يقسم الأرزاق بين الخلق؟ الخالق أم المخلوق؟!

                                الحسد إشكالية خطيرة على الإنسان أن يتخلص منها وقد وقع فيها بنو إسرائيل حين توقعوا وتصوروا أن الأمة الإسلامية وأن الكتاب الذي أُنزل عليها وهو القرآن وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم لا يستحق أن يكون النبي الخاتم وأن الأمة الإسلامية لا تستحق أن تكون الأمة الخاتمة، من الذي يقسم الأرزاق؟ الله أم هم؟! ولذلك جاءت الآية (حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) هم يعرفون الحق، لا تقلق ولكن ليست الإشكالية في معرفة الحق فحسب الإشكالية الكبرى والمهمة أن تعرف الحق وتتبعه وتسير عليه (فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)).





                                (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى)
                                الجنة ليست حكرًأ على أحد، لست أنت ولا أنا الذي يملك مفاتيح الجنة، الذي يملك مفاتيح الجنة هو الخالق الذي خلق وأعطى ورزق
                                (تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)
                                بلى، القاعدة واضحة (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ) وانقاد لأمره
                                (وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (112))
                                إشكالية خطيرة بعض الأشخاص يقع في هذه الإشكالية فيقول فلان يدخل الجنة وفلان يدخل النار، إشكالية خطيرة تناقض ما جاء في كتاب الله عز وجل، لا تقل هذا القول أبدًا، لا يجوز، من يملك الجنة والنار هو الذي يحدد من يدخل ومن يخرج، نحن بشر، نحن دعاة لسنا بقضاة على أحد.
                                (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ)
                                من الذي يحكم؟
                                (فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113))
                                لا تدخل في معارك خاسرة، هذه المعارك خاسرة، من الذي يحكم؟
                                الله سبحانه وتعالى، ما هو دورك؟
                                دورك أن تبين الحقيقة دورك أن تعرض الرسالة دورك أن تقدم المنهج الرباني وتسير عليه في حياتك أما الحكم على الناس وعلى الآخرين فليس من اختصاصك في شيء ولذلك

                                تعليق


                                • #17
                                  رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                  الجزء الثاني من سورة البقرة

                                  بدأ الجزء الثاني بتحديد أمر في غاية الأهمية ألا وهو القبلة، القبلة ذلك المكان الذي يتوجه إليه المسلمون في كل يوم على الأقل خمس مرات على مدار الـأربع وعشرين ساعة يتوجه المسلمون بقلوبهم وأبدانهم باتجاه القبلة وقد كان المسلمون في مكة يتوجهون حين فرضت الصلاة إلى بيت المقدس، في ذلك الوقت الذي كان العرب في الجاهلية يقدّسون البيت الحرام ويعظّمونه وهنا جاءت مسألة تحول القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام وبدأ الكلام في سورة البقرة في جزئها الثاني بقوله عز وجل (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ) السفهاء من اليهود، (مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)) معالم الهداية التي أذن الله بها لهذه الأمة في أدق تفاصيل حياتها وشعائرها وعباداتها.


                                  ورب العالمين سبحانه وتعالى في الآية الثانية يبين الحقيقة الواضحة
                                  (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)

                                  هذه الأمة المسلمة التي بني اعتقادها في الجزء الأول من سورة البقرة هذه الأمة التي أبان الله لها معالم الهداية في سورة البقرة العظيمة وفي كتابه الكريم معالم المنهج أراد الله لها أن تكون أمة وسطا
                                  (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)

                                  إذاً هي الوسطية فلا إفراط ولا تفريط، لا غلو ولا تفريط في شيء من الأشياء، أمة وسط في اعتقادها أمة وسط في شعورها أمة وسط في معالم مناهجها أمة وسط في أخلاقياتها وتوجهاتها الوسطية هي الصبغة التي أراد الله لهذه الأمة أن تكون فيها والوسطية ليست شعارًا الوسطية في هذه الأمة ليست إدعاء وإنما هي لب تشريعاتها ولب قدرتها على التفاهم في المنهج الرباني وتنفيذه في واقع الحياة، إذن هي الوسطية.

                                  وأراد الله لهذه الأمة وحدد في الجزء الثاني ومنذ بدايته أن هذه الأمة يقع على عاتقها مهمة عظيمة مهمة الشهادة على الأمم (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) والشهادة هنا تكليف وتشريف.


                                  الشهادة على الأمم هنا مرحلة تحضير لهذه الأمة أن تكون بمستوى التكليف الذي أراد الله لها عز وجل أن يكون لها التكاليف والتشريعات الشهادة على الأمم تقتضي من هذه الأمة الجديدة الأمة المسلمة الفتية التي بنيت دعائمها في المجتمع المدني ومع بدايات نزول سورة البقرة إلى نهاياتها. هذه الأمة لها خصائص من أعظم خصائصها ومنذ البداية أن تستشعر بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقها وهذا ما حدث في بداية هذا الجزء.

                                  أما تحول القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام ففيه وقفات عديدة جداً:


                                  واحدة من أهم هذه الوقفات أن تحول وتوجه المسلمين في مكة من البيت الحرام إلى بيت المقدس إنما كان لنزع فتيل القومية والتعصب إلى نعرة مهما كانت تلك النعرة، العرب في الجاهلية كانوا يرون عظمتهم ومجدهم في البيت الحرام وفي ذلك الوقت كان توجه المسلمين في الصلاة نحو بيت المقدس لماذا؟


                                  لينتزع فتيل النعرات والتعصبات القومية، ليجعل التعصب الوحيد والولاء والانتماء الوحيد للدين وليس لقوم ولا لجنس ولا لأرض فانتزع ذلك من هذه الأمة وهي لا تزال مجرد مجموعة من الأفراد المستضعفين في مكة ولنا أن نتخيل حجم التحدي الذي واجهه المسلمون المستشعفون في مكة وهم يديرون وجوههم في اتجاه بيت المقدس في الوقت الذي هم فيه في مكة وبين ظهراني قريش. ولكن هذه الأمة أريد لها ومنذ أول كلمة أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم أن تكون متميزة في كل شيء أن تكون قوية ومختلفة في كل تصوراتها واعتقاداتها ليست لأجل الاختلاف والتميز في حد ذاته ولكن لكي تصلح وتوضح ما قد فسد في الأمة السابقة.

                                  (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ)

                                  اختبار، لا بد أن تكون هذه الأمة بمكوناتها بأفرادها ميممة بإخلاص وصدق
                                  نحو الله سبحانه وتعالى ورضاه لا تبتغي شيئًا آخر

                                  (وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ)
                                  موضوع تحول القبلة كان موضوعًا في غاية الأهمية بالنسبة للمسلمين وبالنسبة لتعاملهم مع اليهود ومع غيرهم (وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) لماذا هي ليست كبيرة على الذين هدى الله؟
                                  لأن من هداه الله سبحانه وتعالى هو يتبين معالم المنهج الرباني، هو منقاد، هو خاضع في كل جزئيات حياته واعتقاده وتصوره باتجاه المنهج الرباني، لا يكبر عليه شيء ولا يعظُم عليه شيء ولا يقف أمامه تحدي لأنه يبتغي الهداية ويرى الهداية في ذلك المنهج الرباني فكل ما يأتي من الله سبحانه وتعالى هو يرى فيه الهداية، تستسلم نفسه وروحه تنقاد إلى ذلك المنهج الرباني بمنتهى رحابة الصدر.


                                  (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144))
                                  هم يعلمون أن الحق في المنهج الذي قد أتيتَ به، هم يعلمون تماماً أن الحق في هذا القرآن العظيم فقد أوتوا الكتاب أوتوا التوراة من قبلك ويعلمون أين الحق وأين الباطل ولكن الفارق كبير بين من يعلم الحق فيتبعه وبين من يعلم الحق ولكنه ينكره لأنه يخالف هوى نفسه!
                                  ولذلك جاءت القاعدة الحاسمة مبينة للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين
                                  (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ
                                  وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145))

                                  أنت يا محمد صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة المسلمة الجديدة أنتم أمة متميزة أنتم أمة أصبحت في موقع القيادة لغيرها من الأمم، عليك أن تشعر بهذا في أعماق نفسك عليك أن تكون مؤمناً بأنك فعلاً على الحق وأن المنهج الذي أُنزل في هذا القرآن هو الحق ولا حق سواه، وأن ما حدث من تحريف في الديانات السابقة من يهودية ونصرانية أتت على تلك الديانات وجعلت تلك الديانات والتعاليم المحرّفة مجرد أهواء شخصية ومصالح شخصية ما عادت أديانًا!

                                  ولذلك قال ربي (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ) إذاً ما عادت ديانة يهودية ولا نصرانية عادت أهواء ومصالح شخصية (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) اشعُر بالتميز وبالنعمة التي أنعم الله بها عليك وفي هذا شيء عظيم جداً أن هذه الأمة المسلمة التي أنزل الله سبحانه وتعالى عليها القرآن لا بد أن يكون لديها قناعة بالحق الذي نزل عليها، اِعلم أن كل تلك المعارك المصطنعة ليست معارك دينية، ترفع باسم الدين ولكنها معارك أهواء ومطامع ومصالح شخصية.

                                  القائد الحق لا يقول للناس أنا قائد وعليكم أن تتبعوني وتسيروا خلفي،
                                  القائد الحق يقود الأمم ويقود الآخرين بتصرفاته بأفعاله بسلوكياته التي تقول للناس فعلاً لا قولًا
                                  أن الاتباع والسير على هذا المنهج فيه الخير وفيه الصلاح.
                                  فقيادة الأمة المسلمة في اتباع المنهج وتشريعاته وحين لا تسير على ذلك المنهج الرباني في تفاصيل الحياة لا تصبح مؤهلة لتلك القيادة ولا للشهادة على الأمم والأمم الأخرى مطلوب منها أن تسير وراء تلك القيادة ليس لأنها مجرد سائرة هكذا فالسير هنا ليس مجرد تقليد أعمى وإنما هو سير على الحق الذي يظهر نور الهداية فيه في كل تعاليم وتشريعات المنهج الذي جاء لتلك الأمة، إذاً
                                  (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ).

                                  تعليق


                                  • #18
                                    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني






                                    وهنا تواصل الآيات العظيمة لتبين للنبي صلى الله عليه وسلم وللأمة باسرها أن الحق في المنهج الرباني وأن من آتيناهم الكتاب من اليهود والنصارى يعرفون ذلك الحق تماماً فلا تذهب نفسك حسرات ولا يذهب وقتك وجهدك عبثاً هكذا في معارك مصطنعة لكي تحاول أن تدخل مï»؟عهم ف
                                    ي نقاشات لتقنعهم بأن هذا هو الحق وذاك هو الباطل فهم يعرفون أين الحق وأين الباطل فالمسألة ليست معرفة،




                                    (الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ)


                                    إذاً أين المشكلة؟

                                    (وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكتمون الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)



                                    فالمشكلة في النفوس التي ارتضت أن تكتم الحق حين لا يكون في جانبها حين لا يكون لا في صالحها حين لا يكون في صف مصالحها وأطماعها الشخصية الذاتية الحق يُكتم في مثل تلك الأحوال


                                    سياق الآيات هنا ليحذر الأمة الإسلامية من خطر عظيم خطر كتمان الحق فالحق لا بد أن يظهر سواء كان يتماشى مع المصالح الشخصية للأفراد أو كان على عكس توجهاتهم ومصالحهم وأطماعهم الحق أحق أن يتبع والباطل أحق أن يزهق ويدمغ حتى ولو كان ذاك الباطل يسير وفق أهواء شخصية أو مصالح ذاتية. الحق جاء ليحق الحق بتعاليمه في الواقع ولم يأتِ لكي يخضع لأهواء الناس ومصالحهم



                                    (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148))



                                    القضية ليست في مكان القضية ليست في زمان القبلة ما أريد لها لمجرد أن تكون مكان يتوجه إليه المسلمين وهنا وقفة عظيمة من الوقفات التي نحتاج وتحتاج الأمة المسلمة أن تستذكرها وتستحضرها في الوقت الحاضر: التوجه للقبلة من أعظم الأشياء التي تجمع قلوب المسلمين، التوجه نحو القبلة، أنتم تتوجهون باتجاه قبلة واحدة وبالتالي عليكم أن تلتفتوا إلى توجه القلوب باتجاه واحد نحو هدف واحد ولذا جاءت الآية (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) وحدة القبلة تحيي في قلوبنا وحدة الهدف ووحدة العمل الصالح مهما اختلفتم ومهما تباينت أماكن وجود هذه الأمة وأفراد الأمة على الأرض الهدف واحد العمل الصالح واستباق الخيرات أما فيما عدا ذلك


                                    (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (149)) والتركيز على الحق (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) البقرة).

                                    (فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150))

                                    أيّ نعمة؟
                                    نعمة إنزال المنهج الرباني، نعمة أن يكون لك منهج في واقع حياتك تسير عليه (ولعلكم تهتدون) الهداية، المنظومة الكاملة لسورة البقرة الهداية إذاً القاعدة (فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي)
                                    لماذا الحديث هنا عن الخشية؟
                                    الأمة والفرد الذي يتصدى لأن يكون قائداً ليس لمجرد القيادة فالقيادة كما ذكرنا ليست مجرد شيء أنا أسعى إليه القيادة مسؤولية أنا مستعد أن أتحمل تبعاتها وهذا ما أرادت سورة البقرة أن تبنيه في الجزء الثاني. ولكن هذا النوع من الشعور والإحساس ينبغي أن يقوم على أساس القوة والاعتداد بالمنهج الرباني والذي يناهض الخوف ويناهض الخشية من البشر، لا تستقيم القيادة في نفس تخشى أحد سوى الله عز وجل، لا يمكن أن تكون قيادياً ناجحاً فرداً أو شعباً كالأمة المسلمة وأنت تخشى أحداً سوى الله سبحانه وتعالى!
                                    اجعل خشيتك من الله وحده، حدد الغاية والوجهة واجعل الوجهة واحدة نحو رضى الله سبحانه وتعالى لكي تتم عليك النعمة.

                                    ويذكِّر ربي سبحانه وتعالى الأمة مرة بعد مرة كما كان من قبل يذكّر بني إسرائيل لكن في بني إسرائيل كان يخاطبهم فيقول لهم
                                    (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)) ومع الأمة المسلمة يؤكد على هذه الحقيقة(كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [/(151))
                                    ولنا أن نقف طويلاً عند قوله عز وجل (وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) التعليم.
                                    النبي صلّ الله عليه وسلم ما كان يقرأ على المسلمين القرآن قراءة فحسب ما كان يقرأها قراءة كان يعلّم والفارق كبير بين القراءة المجرّدة وبين التعليم!
                                    فالتعليم يعني خطوات يعني كيفية يعني متابعة للسير في المنهج وعلى المنهج، النبي صلّ الله عليه وسلم صنع الأمة الإسلامية الأولى المجتمع المدني على عينه، على عين التشريعات الإلهية، على عين الآيات القرآنية التي كانت تتنزل عليه صلّ الله عليه وسلم، كان المعلِّم الأول النبي صلّ الله عليه وسلم. وهنا لفتة رائعة لكل من يتصدى لتعليم الناس القرآن العظيم أن يكون معلمًأ لا يكون مجرد قارئ فالفارق بين القارئ والمعلم كبير المعلم هو الذي يربي ويوضح الكيفية هو الذي يوضح كيفية السير على المنهج وفي ذلك خير عظيم أراد الله عز وجل أن يضعه أمام الأمة المسلمة.



                                    تعليق


                                    • #19
                                      رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني




                                      ثم تأتي الوصية التي تليها ونحن إلى الآن لم نبدأ في التشريعات وتفاصيلها


                                      (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152))
                                      الشكر مقابل الجحود والكفران ونكران النعمة
                                      ولا تزال الأمة المسلمة وهي تتلقى التعاليم في الجزء الثاني في سورة البقرة قريبة عهد بما حدث مع بني إسرائيل من جحود وكفران نعمة الهداية ونعمة أن يكون لها منهج.
                                      تعامل مع المنهج الرباني بشكر، تعامل مع المنهج الرباني على أنه نعمة وليس تقييد تعامل مع التعاليم الرباني التي ستأتي تباعاً في سورة البقرة على أنها نعمة لأنها تحقق لك الهداية والطمأنينة والسعادة في حياتك في الدنيا والآخرة في مجتمعك في أسرتك في نفسك في اقتصادك، ولأن الحديث سيأتي عن المنهج وعن التعليمات وعن التشريعات والأوامر والنواهي أعطى ربي سبحانه وتعالى الوصفة من جديد الوصفة التي ذُكرت في الجزء الأول في سورة البقرة
                                      (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153))
                                      الصبر والصلاة للمرة الثانية في سورة البقرة. السير على المنهج الرباني والتعليمات والأوامر الربانية تحتاج إلى صبر تحتاج إلى ثبات تحتاج صبر على الطاعة تحتاج إلى نفس طويل يعلمني أن أكون ثابتاً مهما بلغت التضحيات.
                                      الآيات تؤهل النفسية المسلمة فرداً كان أو جماعة تؤهل النفسية المسلمة أنك حين تسير على المنهج ضع في حسبانك أنك ستمر بمواقف شديدة وبمحن وخطوب ومواقف صعبة قد تقتضي منك أن تبذل وأن تقدم التضحيات. والعلاج لتقديم ذلك كله برحابة صدر وبطمأنينة الاستعانة بأمرين: الصبر والصلاة التي تحدثنا عنها،
                                      تأملوا معي دقة الوصف القرآني وتسلسل الآيات وترابطها
                                      (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154))
                                      مباشرة انتقلت الآيات إلى الحديث عن التضحية والبذل، الآيات الأول أهّلت الأفراد والمجتمع إلى تقديم التضحيات وقدّمت بين أيديهم المنهج الشافي الدواء الشافي صبر وصلاة لكي تستطيع أن تبذل وتواجه التحديات والصعاب ثم جاءت في الآيات التي تليها مباشرة لتؤكد أنك في خضم تطبيقك المنهج الرباني قد تحتاج أن تبذل روحك وحياتك ثمنًا لذلك التطبيق ولكنك حين تبذل لا تغب عن ذهنك أبداً تلك الحقيقة أنك حين تُقتل في سبيل الله لست بميت بل أنت حيّ لست بميت بل هذه هي الحياة الحقيقية
                                      (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
                                      في سبيل الله وليس في سبيل سلطة أو شهوة أو استيلاء على منصب أو جاه ولكن في سبيل الله وحده، في سبيل تطبيق منهجه في واقع الحياة في سبيل تنفيذ أوامره وما جاء في هذا الكتاب العظيم



                                      (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155))
                                      الحديث عن الصبر متواصل ولا زلنا لم نبدأ بأيّ تشريع ولا توجيه من التوجيهات لا زلنا في البداية لكن التأهيل لهذه الأمة مستمر منذ البداية. الابتلاء سنة من السنن في هذا الكون العظيم سنة من سنن الحياة
                                      (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)
                                      سلسلة من الابتلاءات، الإنسان قد يصاب في ماله بنقص، قد يصاب في صحته قد يصاب في تجارته قد يصاب في أولاده أو وطنه في بيته كما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم حين ابتلي وأصحابه وكانت النتيجة أن هجر الوطن والعشيرة والأقارب.
                                      إذاً المؤمن في طريق الحياة وفي سبيل الله معرّض لكل ذلك وعليه أن يضع في حسبانه ذلك حتى يكون مستعداً لديه استعداد وفي ذلك شيء من أعظم اللفتات الاستراتيجية والتربوية في التعليم: أنت حين تؤهل الشخص لشيء عظيم عليك أن تقف معه وتعطيه فكرة عن ما يمكن أن يتعرض له، والقرآن يعلمنا ويعلم الأمة أفراداً وشعوباً أن يا أمة كوني مؤهلة لأن تتعرضي للمحن والابتلاءات فحين يأتي الابتلاء تكون النفسية مستعدة لهذا الابتلاء لأنها مسبقاً قد أُعطيت لها الفكرة عن نوع وحجم ذلك الابتلاء فتكون مستعدة تماماً فما هو الاستعداد الذي تتلقى به الأمة تلك الابتلاءات والمحن؟
                                      (بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ)
                                      الدواء في الصبر
                                      (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156))
                                      مهما كان نوع المصيبة فردية أو مجتمعية قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ودعونا نقف عند تلك الكلمة (إنا لله) نحن وأموالنا وأرواحنا وأنفسنا نحن لله نحن لسنا ملكاً لأنفسنا نحن لا نمتلك من أنفسنا شيئاً أنا حين ابتلى بنقص من المال أو في الصحة أنا لا يحق لي ابتداءً أن أعترض على ذلك، لماذا؟
                                      لأن نفسي وصحتي وكل ما أنا فيه هو ليس ملك لي هو ملك لله (إنا لله)
                                      أنا لست لنفسي أنا لله لا يحق لي أن أعترض على شيء، أنا ملك لله أنا عبد تأملوا دقة التعبير ولذلك المفروض إذا أصيب بمصيبة لا قدر الله المفروض أول كلمة يقولها (إنا لله وإنا إليه راجعون).
                                      وتأملوا في الشطر الثاني من الآيه
                                      ( وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)
                                      أنا سأعود إلى ربي سبحانه وتعالى بكلّي بصحتي بمرضي بابتلائي بنقصي أنا عائده إليه إذاً فلأرجع إليه رجعة صادقة رجعة بنفس مطمئنة راضية مستشعرة لقدرة الله سبحانه وتعالى وحكمته ورحمته في الابتلاء ورحمته سبحانه في الأخذ كما في العطاء وحكمته في الأخذ كما في العطاء وحكمته ورحمته في الزيادة وفي النقصان في الصحة وفي المرض الآيات تشكل دعامة قوية لكل من يتعرض لابتلاء والمؤمن والكافر يتعرضون هذه قضية محسومة المؤمن والكافر يتعرضون للابتلاء ولكن المؤمن تؤهله سورة البقرة لكيفية مواجهة الابتلاءات، أعطته الحصانة: صبر وصلاة واستذكار دائمًا أنك لله وأنك ستعود إليه, ما هي النتيجة والثمرة المترتبة على ذلك التأهيل النفسي والشعوري في قلب المؤمن؟
                                      (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157))
                                      تأملوا الهداية حاضرة في آيات سورة البقرة فالمنظومة كاملة هي منظومة الهداية أنا أدعو وأقول (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) الفاتحة) حين أصبح على هذا القدر من المسؤولية والشعور أصبحت من المهتدين (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) الصلوات والسكينة والطمأنينة والرحمة تتنزل كالغيث على تلك القلوب المؤمنة القلوب التي آمنت بأنها لله. وطالما أنني أنا في الأصل بكلّي لله عز وجل فحين يطلب مني ربي التضحية والبذل ألا أعطيه؟ ألا أقدّم؟ تأملوا اللفتة الإيمانية الرائعة، شيء طبيعي أنا لله إذن لا بأس أن أقدم فأنا في الأصل لست لنفسي أنا لله فحين يطلب مني أن أضحي وأبذل سأبذل لأني لله ولست لنفسي.

                                      تعليق


                                      • #20
                                        رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                        تتوالى الآيات في الحديث عن عن كارثة كتمان الحق، لا ينبغي أن يكتم ليس ثمة ما يبرر أن تكتم حقاً أبداً الحق لا بد أن يظهر لا بد أن يسار عليه في الواقع لا يُكتم وأكبر جريمة يرتكبها الإنسان في حق نفسه وفي حق الآخرين أن يكتم الحق ولذا جاءت الآيات لتبين

                                        (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ
                                        أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159))
                                        والحديث وإن كان عن فريق من اليهود الذين كتموا ما جاء في التوراة ولكنه عام أولئك مستحقين للعن
                                        (أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159)
                                        إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) .
                                        إذاً القضية محسومة الحق الذي في قلبك لا بد أن يظهر ولا بد أن يكون أكبر قيمة تسعى في حياتك لإحقاقها مهما كان حجم التضحيات والبذل وفي ذلك إشارة واضحة أن ما حال بين هذا الفريق الذي كتم الحق من بني إسرائيل وبين إظهار الحق إنما هي النفس، الأطماع البشرية ذاك الفريق ما كان مستعداً لأن يضحي بشيء ما كان مستعداً أن يتخلص من أسر الشهوات والأطماع والمصالح الشخصية ما استطاع أن يفعل ذلك فكانت النتيجة أنه ضحى بالحق لأجل مصالحه الشخصية!
                                        وفي ذلك تأكيد للأمة المسلمة أن الحق أعظم ما ينبغي أن تدافع عنه وأن تتبناه في حياتها وفي تشريعاتها ولكي يصبح الحق هو أعظم حقيقة في نفوس أتباعه ولكي يصبح الحق ذلك الحق الذي لأجله تُضحى الأرواح وتبذل الأموال والنفوس لكي يصبح الحق بهذه المنزلة العظيمة سورة البقرة تبني ذلك الحق على أسس متينة، أسس التعرف على الله سبحانه وتعالى. أنا لا يمكن أن أعظِّم الحق دون أن أستشعر بعظمة من حقّ الحق عليّ وذلك يقتضي مني أن أتعرف على الله سبحانه وتعالى ويتطلب مني أن أتعرف عليه سبحانه وتعالى من خلال آياته المبثوثة في الكون من أمامي كما هي مقروءة أمامي في ذلك المنهج العظيم في القرآن الكريم
                                        (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164))
                                        فأنا في الكون الذي أعيش بين نوعين من الآيات آيات مرئية أمام عيني أراها محسوسة معجزات، صحيح هي ليست كتلك المعجزات المادية الحسية التي نزلت على بني إسرائيل من قضية البحر ومن تفجير الماء ومن ومن... ولكن الأمة المسلمة والعقل البشري هنا يحدثه ويخاطبه القرآن عن معجزات هو يراها تتحدث أمام عينيه، تتحدث عن عظمة الخالق الذي أمر.
                                        وربما نتساءل لماذا الحديث عن آيات كونية في بدايات الحديث عن تشريعات أُسرية واقتصادية وسياسية لماذا؟ كما ذكرنا قبل قليل التشريعات الربانية والتوجيهات والأوامر والنواهي من عند الله سبحانه وتعالى ولكي تسير على تلك التشريعات في قلبك وفي حياتك بطمأنينة وثبات ورسوخ ويقين يحتاج الإيمان أن يكون ثابتاً في قلبك، تحتاج إلى دفعة من الإيمان تولد لديك الرغبة والقدرة على أن تسير على تلك التشريعات والتوجيهات وهو ما تأتي به هذه الآيات تحديداً (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) والآية في صور متعددة جاءت بمزيج من آيات الله عز وجل في الكون: الماء السماء الأرض اختلاف الليل والنهار الفلك التي تجري في البحر من أجراه؟ الماء الذي ينزل من السماء من أنزله؟، الجبال من أرساها؟ السموات من ثبتها بغير أعمدة؟ الأرض من الذي أقامها؟ الليل من الذي يجعله ليلًا؟ من الذي يأذن لليل أن يأتي من؟ من الذي يأذن للظلام أن يحل؟ ومن الذي يأذن للنهار أن يذهب؟ من؟؟ من الذي يأذن للسفن أن تسير على البحر من؟ من الذي أوجد تلك القوانين؟ من الذي أرسى دعائم هذا الملك العظيم؟ من الذي أوجد كل تلك المعجزات الحسية أمام عيني من؟ هو الله الواحد القهار (لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ولماذا جاء بالعقل؟ يا سبحان الله العظيم!
                                        كل كلمة في كتاب الله عز وجل لها موقعها ولها مقصد وحكمة في ذلك الموقع، هذه الآيات المحسوسة هذا الزخم والحشد من الآيات المرئية تحتاج مني إلى تعقل وأن أتوصل إلى نتائج، ما هي النتيجة التي ينبغي أن أتوصل إليها؟
                                        النتيجة أن لا أقدّم على حب الله شيئًا ولا أحد، النتيجة المتوقعة بعد أن رأيت كل ذلك الحشد وأراه ليل نهار أمام عيني أن أصل إلى هذه الحقيقة: أن لا أتخذ من دون الله نداً، التوحيد بكل أبعاده وبكل أنواعه ولذلك جاءت مباشرة الآية التي تليها تعيب على أصحاب العقول المختلة الضعيفة ممن ذهبت عقولهم فاتخذوا من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)) لا يمكن لعاقل أن يتخذ نداً من دون الله، لأن تلك الآيات كفيلة بأن تهديه إلى خالقه سبحانه، كفيلة بأن تهديه إلى عظمة ذلك الخالق الرب الذي خلق، الرب الذي أوجد، الرب الذي سوّى كفيلة بأن تهديه فإن لم تهده تلك الآيات إذن قطعًا هناك خلل في تفكيره وفي عقله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا) يجعلون لله نداً نظيراً مثيلاً (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) وتأملوا معي موقع الحديث عن الإيمان والمحبة قبيل الحديث عن التوجيهات والتشريعات لماذا؟ الأوامر والنواهي والتشريعات التي ستأتي تباعاً في سورة البقرة هي ليست مبنية فقط على الأمر والنهي المجرد أبداً، هي مبنية على علاقة قوية تصنعها سورة البقرة بين الله سبحانه وتعالى وبين العبد الذي يتلقى المنهج الرباني، علاقة حب، علاقة إيمان والفارق شاسع بين أن تتبع من تحب وتنفذ أوامره وبين أن تتبع من لا تحب ولا تعرف كيف تحبّ فلا بد أن تسبقها علاقة الإيمان والمحبة التي تبنيها هذه الآيات.
                                        (وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)
                                        نقطة مهمة جداً قبل أن تنفذ الأوامر عليك أن تكون أشد حبًا لله، لا تقدم على محبة الله شيئًا وإذا أردت أن تصل إلى تلك المرحلة ما عليك إلا أن تتأمل في ذاك الكون الفسيح الآيات أمام عينيك تأمل وحاول أن يشهد قلبك آثار رحمة الله عز وجل المبثوثة في كل شيء ليس فقط في الكون ولكن (وفي أنفسكم ألا تبصرون) تأمل إلى آثار رحمة الله عز وجل في يدك، تأمل إلى آثار رحمة الله وحكمته في عينك التي تبصر بها في قدميك التي تسير عليها، في قلبك الذي ينبض، في الرئة التي تستنشق وتتنفس بها أنفاس الحياة، في كل شيء كل هذه الآيات تنبئ وتقول بأن لك ربًا يحبك ويرحمك، بأن لك رباً ما يريد لك إلا الخير والهداية، بأن لك رباً أقام الكون كله لأجلك وسخّر كل ما في هذا الكون لأجلك والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ربٌ بهذه الأوصاف العظيمة الجليلة ألا يستحق أن يُحَبّ أشد الحب؟ ألا يستحق أن تقدم المحبة له دون سواه؟ بلا شك، هذه المحبة التي تبنيها آيات سورة البقرة.


                                        (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)
                                        ظلموا أنفسهم أولاً حين قدّموا محبة على ربهم عز وجل محبة أي أحد آخر أو أي شيء آخر
                                        (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)
                                        عاينوا العذاب مشاهد يوم القيامة
                                        (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)
                                        رحيم ولكنه قوي سبحانه، رحمته وسعت كل شيء وشديد العذاب لمن عصاه وخالف منهجه
                                        ثم أنني حين اتبع أحدًا سوى الله سبحانه وتعالى وتأملوا في الكلمات هنا جاءتني كلمات الاتباع لماذا؟
                                        كما ذكرنا التمهيد للأوامر للتشريعات اتباع، أنا ديني يقوم على اتباع المنهج كيف يولّد ذلك الاتباع؟
                                        والقاعدة واضحة إن لم تتبع المنهج الرباني قطعاً ستتبع المنهج الشيطاني ستتبع هوى النفس، ستتبع طواغيت ستتبع مناهج وضعية ستتبع أحكام وضعها بشر لا يملكون لأنفسه نفعاً ولا ضراً
                                        ولذلك جاءت الآيات
                                        (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167))
                                        الآيات عظيمة، الآيات تقدم لي منهجًا تقدم لي مشهدًا أنا أراه في واقعي أرى أناسًا ضعفاء ليس لأن الله قد خلقهم ضعفاء، ضعفاء لأنهم ما استطاعوا أن يتحرروا من سلطان الخوف من الآخرين، من سلطان الشهوات من سلطان المطامع والمصالح الشخصية وهوى النفس وخطوات الشيطان، هؤلاء ضعفاء هؤلاء كانوا لقمة سائغة لمن استولوا عليهم، سيطروا عليهم، تحكموا في قراراتهم وتحكموا في تصرفاتهم اخترعوا لهم منهجًا من عند أنفسهم اخترعوا لهم أحكام وقوانين وتشريعات من دون ما شرّع الله عز وجل في الاقتصاد وفي الأسرة وفي الحياة وفي الميراث وفي كل شيء في كل ميادين الحياة فكانت النتيجة أن تلك الفئة المستضعَفة كانت لديها القابلية لأن تُستعبَد لبشر كانت لديها القابلية أن تتخذ من دون الله نداً يشرّع لها، يتحكم في حياتها في مقدراتها في تصرفاتها فالقرآن يقدم لي المشهد الأخير في يوم القيامة

                                        (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ)
                                        انتهى الموضوع رأوا الحقيقة التي كان ينبغي للعاقل أن يراها مسبقًا أن القوة لله جميعاً أن لا أحد يملك القوة لا سلطان ولا طاغوت ولا بشر ولا نظام استبدادي ولا قانون ولا أيّ أحد القوة لله جميعاً في الدنيا والآخرة القوة لله جميعاً. هذه الحقيقة إذا لم تستقر في النفوس ستقع في خطوات الشيطان، ستقع في اتباع القوانين المضللة، ستقع أسيراً لتحكيمات وتشريعات البشر الظالمة المستبدة ستصبح أسيرة وأن لم يكن هنالك قيود ولا أغلال في أيديها ولكن القيود والأغلال في عقولها وفي قلوبها حين سُلبت نعمة التعقل والتفكير والتوصل إلى حقيقة التوحيد وحقيقة أن القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب لمن خالف منهجه في واقع الحياة، لمن بدّل منهجه وتشريعاته في الواقع وقدّم التشريعات البشرية المضلّلة المزيفة.

                                        تعليق


                                        • #21
                                          رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                                          بارك الله فيك على هذا الجهد العظيم وجعله الله في ميزان حسناتك إن شاء الله

                                          عندي سؤال وهو أنك لم تبين معنى كلمة الرحمن في أول البسملة ؟
                                          كما أنك لم تبين لنا سبب تسمية سورة البقرة بهذا الإسم ؟

                                          تعليق


                                          • #22
                                            رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                            عليكم السلام ورحمة الله وبركاتة

                                            بالنسبه لكلمة الرحمن نقلت لحضرتك مرة اخرى ما طرحته سابقا


                                            (الرحمن الرحيم)

                                            الرحمن الرحيم في كلمة البسملة ثم (الرحمن الرحيم)

                                            التي ستأتي فيما بعد في سورة الفاتحة تذكرني بأمور عديدة:

                                            واحدة من أعظمها أن علاقتي مع الله عز وجل قائمة على الرحمة،فأنا عبد مرحوم لأن علاقتي بمن؟

                                            علاقتي بالرحمن الرحيم. وسبحان الله العظيم اختيار الإسمين معاً (رحمن رحيم) رحيم بعباده رحمة متواصلة سواء كان هؤلاء العباد في حالة خطأ في حالة بُعْد عنه أو في حالة تقرّب إليه وعبودية خاصة.

                                            نحن جميعاً عبيد، عبيد ربوبيته سواء عصيناه أو أطعناه وهو في هذه الحالة رحمن بنا سبحانه وتعالى وكذلك نحن عبيد عبودية الألوهية حين نختار طريق العبودية وعلاقة العبودية هنا فيها اختيار
                                            وهنا يأتي معنى الرحيم يعطيني رحمة خاصة لأهل عبوديته لأولئك العبيد الذين يعبدونه عبودية الألوهية، الاختيار)

                                            أى ( الرحمن ) رحمة عامة ، و( الرحيم ) رحمة خاصة بالمؤمنين


                                            بالنسبه لسبب تسمية سورة البقرة بهذا الإسم ؟
                                            سر ذلك قول الله جل وعلا فيها: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67]، فالحديث عن البقرة في هذه الآيات هو السبب في تسمية سورة البقرة،
                                            نقلت جزء مما طرحته سابقا للتوضيح ويمكن لحضرتك الرجوع لقراءة تفصيل التدبر


                                            (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً (67))
                                            قصة، حادثة وقعت، قصة قتل حدثت في بني إسرائيل وحين أراد موسى عليه السلام أن يكشف عن هوية القاتل فكِلا الفريقين أراد أن يرمي باللائمة على الفريق الآخر وربي سبحانه وتعالى أراد أن يكشف لهم الحقيقة فأمر موسى عليه السلام أن يأمرهم بذبح بقرة، واضح الأمر، ولكن ما تعودوا عليه في التعامل مع الأوامر الربانية والوحي الإلهي التلكؤ في اتباع الأمر، التحايل، كثرة المماطلة، كثرة السؤال، كثرة القيل والقال، لمَ؟ وماذا؟ وكيف؟ لا لأجل أن يفهموا ولا لأجل أن يتفقهوا في الدين ولكن لأجل أن يتفيقهوا، بمعنى لأجل أن يبرروا لأنفسهم التحايل، لأجل أن يتباطؤا في اتباع المنهج الرباني مدلف خطير جداً سياق الآيات تحدثني وتحذرني من الانجرار فيه والإنسياق نحوه، أن أتعامل مع المنهج الرباني واِفعل ولا تفعل بنيّة التحايل والمماطلة وليس بنيّة المتابعة وعدم المخالفة.

                                            تعليق


                                            • #23
                                              رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                              (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168))

                                              (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)

                                              يا ترى المنهج الشيطاني بأيّ شيء يأمر؟!

                                              تأملوا كل هذه مقدمات للتعاليم والمناهج

                                              (إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169))

                                              إذاً المنهج الشيطاني من مزاياه أنه يقود الإنسان إلى السوء والفحشاء المنهج الشيطاني من مزاياه أنه يضلل ويذهب بالإنسان بعيدًا عن خالقه عز وجل وتأملوا في الاية

                                              (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)

                                              ونحن نقرأ ونسمع في واقعنا من يقول بأن شريعة الله عز وجل لا تصلح للتطبيق في هذا الزمن!

                                              العالم تطور، العالم تغير، الدنيا أصبحت غير الدنيا والأحكام التي جاءت في سورة البقرة والقرآن ما عادت تصلح لأن تُطبَّق في هذا الزمن الذي نحن فيه عصر الانترنت والكمبيوتر والفضاء و..و..

                                              (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)

                                              لأن القول على منهجه والتقول على منهجه سبحانه هو من هذا القبيل، خطوات الشيطان.

                                              الشيطان يزيّن الشيطان يجعلك تتصور أن المنهج الذي جاء في القرآن غير صالح للتطبيق، قديم، الأحكام التي فيه لا تصلح لشيء!.

                                              ثم تستمر الآيات لتقدم لي بتسلسل رائع نماذج لأنواع التبعية لغير الله لا زلنا في نفس السياق التبعية الأولى التبعية للأقوياء، التبعية بشكل آخر تبعية المحبة أن أحب شيئًا فاتبعه وأسير عليه ولو كان على ضلال ثم تبعية الشيطان بكل أشكاله وأنواعه ويأتي في المقابل الحوار الذي تقدمه سورة البقرة وحين يقال لهؤلاء الذين يتقولون على الله بغير علم


                                              (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ)



                                              اتبع المنهج الرباني الذي أنزله الله أنزل الكتاب أنزل القرآن والتشريعات

                                              (قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170))

                                              تبعية للقديم والمألوف، للآباء، للأجداد، لما سبق لشيء قد اعتدته عليه النفس تألف ما اعتادت عليه ويصعب عليها أن تنسل وتنسلخ من عاداتها وتقاليدها وأعرافها وبيئاتها وأحكام آبائها وأجدادها تشعر بأن القضية بالنسبة لها قضية عار كما كان يتصور هذا الوهم المشركون وكل الأمم الضالة من قبل ومن بعد، نفس المعتقد، نفس التصور (بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا) واضحة العبارة.

                                              ولكن القرآن يقدّم الحقيقة أمام الأعين

                                              (أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)

                                              النفس تألف الشيء ولكن ماذا لو كان في ذلك الشيء الخراب والدمار؟!

                                              ماذا لو كان في ذل


                                              (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ (177))

                                              تؤسس التشريع ليس على شكل المظهر ولا الهيئة الخارجية وإن كان ذلك جزء منها ولكن الأصل في كل التشريعات الأصل في كل الأوامر والنواهي أن تقوم على الصدق مع الله أن تقوم على التقوى أن تحقق التقوى ولذلك كلمة لعلكم تتقون، هم المتقون، تقوى، يتقون، تتأكد في سورة البقرة في عديد من التشريعات والأوامر لماذا؟

                                              الغرض الأساس من تلك التشريعات الوصول إلى الهداية التي لا يمكن أن يكون محلها إلا قلب يتقي الله إلا قلب يعشق تقوى الله عز وجل ويتمثل تلك التقوى في تحولاته وفي تصرفاته وفي سلوكه

                                              (وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)

                                              الآية تتحدث عن صدق الآية تتحدث عن تقوى الآية تتحدث عن تصرفات وسلوكيات وانعكاس لعلاقة الصدق مع الله سبحانه وتعالى والتقوى فيه. ثم تتنقل الآيات بعد ذلك وتتحول إلى مقصد الحفاظ على النفس كلياً ضرورة من ضروريات التشريع في الواقع الحفاظ على النفس ولذلك جاء التشريع بقوله سبحانه وتعالى

                                              (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى (178))

                                              القصاص وتأملوا معي عدالة الإسلام وتشريعاته

                                              (الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ)

                                              هناك مشاحة للعفو

                                              (فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ).


                                              (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179))

                                              القصاص في القتل وقتل القاتل العمد إنما هو شرع لأجل حياة المجتمع والحفاظ على المجتمع، العقوبات والحدود في الإسلام بنظامها التشريعي الذي جاء في سورة البقرة ما جاء ليزهق أرواح الناس ما جاء لأجل أن يقيد الناس في تصرفاتهم ولا في أعمالهم ولا أن يُحدث هذا النوع من القيد في حياة البشر وإنما جاء ليحررهم جاء ليخلصهم فالقاتل العمد حين يقتل وحين يُقتل إنما تحافظ به على أرواح الأبرياء في المجتمع، الردع في العقوبة، العقوبة حين لا تكون رادعة ولا تكون صارمة يحدث تسيب في المجتمع يحدث انهيار في منظومة الأمن الذي جاء الشرع لتحقيقه في حياة الناس،


                                              تعليق


                                              • #24
                                                رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                                السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                                                لقد قرأت ما كتبته أختي الكريمة في معنى الرحمن ولكن لا يوجد شيء يدل على معناه ، والذي استطعت أن أفهمه من الكلام المذكور سابقاً : أن الرحمن معناه " الرحمة العامة " ولا أدري من أين أتيت بهذا المعنى ؟ وعلى ماذا استندت في ذلك !! أرجو التوضيح أكثر

                                                أما بالنسبة لسبب تسمية السورة بهذا الإسم ، فلقد قرأت ما كتبته " سر ذلك قول الله جل وعلا فيها: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) ، فالحديث عن البقرة في هذه الآيات هو السبب في تسمية سورة البقرة " ولكن للأسف لا يوجد على هذا الكلام دليل ؟
                                                ولكن لو سمحت لي فأنا أستطيع أن أشرح وأفصل أكثر في ( معنى الرحمن ، وسبب التسمية ) لعل الله يهدي أحدنا الى الحق أو الصواب .

                                                تعليق


                                                • #25
                                                  رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                                  قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( الرحمن : هو ذو الرحمة الواسعة ؛ لأن فَعْلان في اللغة العربية تدل على السعة والامتلاء ، كما يقال : رجل غضبان ، إذا امتلأ غضبا .
                                                  الرحيم : اسم يدل على الفعل ؛ لأنه فعيل بمعنى فاعل ، فهو دال على الفعل ، فيجتمع من ( الرحمن الرحيم ) أن رحمة الله واسعة ، وتؤخذ من ( الرحمن ) ، وأنها واصلة إلى الخلق ، وتؤخذ من ( الرحيم ) ، وهذا ما رمى إليه بعضهم بقوله : ( الرحمن ) رحمة عامة ، و( الرحيم ) رحمة خاصة بالمؤمنين . ولكن ما ذكرناه أولى ) .
                                                  انتهى من شرح العقيدة الواسطية 1/22

                                                  بالنسبه بلتسميه سورة البقرة بهذا الاسم من الممكن الرجوع لاى موقع اسلامى موثوق فيه كإسلام ويب او هدى القران او غيرها ستجد انه يتفق مع ما ذكرته الدكتورة رقيه العلوانى

                                                  بالنسبه لان حضرتك تريد توضيح شرح مفصل لمعنى الرحمن ، وسبب التسمية من الممكن طرح موضوع فى الصفحة الخاصة بك لان السلسله هنا خاصة بتدبر الدكتورة رقيه العلواني وانا اقوم بالنقل من صفحتها كما هى بدون اضافة

                                                  تعليق


                                                  • #26
                                                    رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                                    ثم تنتقل الآيات من تشريع الحفاظ على النفس إلى تشريع الحفاظ على الأموال في كل أشكالها وصورها

                                                    (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180))



                                                    الحفاظ على المال الحفاظ على الوصية في الأموال هذا التشريع وهذه الأوامر الربانية تدخل في كل جزئيات حياتك لا تدع لك شيئًا إلا ولكن تدخل فيه لتنظمه ولتحقق فيه مقاصد الأمن والرخاء والسعادة التي جاءت بها تشريعات الإسلام.وتأملوا في ختام الآية (فَمَنْ بَدَّلَهُ) أي أحدث تبديلًا في الوصية

                                                    (بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181))


                                                    إذاً المراقبة مراقبة ذاتية، القرآن وسورة البقرة تصنع في جهاز مراقبة ذاتي يقوم على استحضار على أن الله يسمع دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء، على استحضار أن الله يعلم السر كما يعلم العلانية،



                                                    ثم تنتقل بعد ذلك الآيات للحديث عن عبادة الصوم العظيمة ولنا أن نتساءل كيف تأتي التشريعات بالحديث عن القصاص وعن المال وعن الوصية ثم تأتي بالحديث عن الصوم التشريعات كما ذكرنا والعبادات في سورة البقرة وفي القرآن العظيم بشكل عام تأتي لكي تهذب النفوس ما من عبادة من صلاة وصيام ولا زكاة إلا ولها مقاصد تربوية مقاصد تربي الفرد تربي الفرد وإرادة الفرد على أن يكون أكثر قدرة على تحقيق الأوامر والمنهج الرباني في واقع الحياة الصوم يقوي الإرادة ويقوي التقوى الصوم يصل الإنسان بخالقه الصوم يصفّي ويخلص النفس من شوائبها ولذا ربي عز وجل يقول


                                                    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ (183))

                                                    لماذا؟

                                                    (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
                                                    شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَيُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىمَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)


                                                    الأجدر بحالة الصيام وبعبادة الصيام حين يقوم بها الإنسان على أتم وجه أن تصل بالإنسان إلى مرحلة التقوى أن تترقى بحالة التقوى الضرورية التي لا يمكن أن يقام للمجتمع دور ولا للفرد بدون هذه التقوى فالتقوى ضمانة،
                                                    (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (185))


                                                    وأن الغرض من فرض الصيام ليس تعذيب الجسم ولا الشعور بالجوع بالنسبة للبطن أو الحاجات المادية للإنسان بعيدًا عن التقوى فالأصل في التشريع التيسير وليس التعسير

                                                    (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)


                                                    ولكن هذه المعاني التي جاءت في الصوم إنما جاءت لتحقق معاني التقوى. وهذا الصوم العظيم وهذه العبادة العظيمة التي يحتفي بها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها في كل عام إنما جاءت احتفاء بالمنهج الرباني احتفاءً بالقرآن العظيم تشريفاً لذلك القرآن الذي أنزله الله في شهر رمضان


                                                    (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ)

                                                    من جديد الحديث عن الهدى

                                                    (وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (185))



                                                    (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

                                                    تشكرون الخالق الذي شرّع تشكرون الخالق أنزل المنهج وجعل عبادة الصيام عبادة وفريضة علينا عندما يستحضر الإنسان أن الشكر حاضر في قلبه على العبادة يستشعر أن الأوامر ليست عبئاً الأوامر ليست قيودًا النواهي ليست كبحًا لجماح حريته بقدر ما هي فتح لحريته وإشعار له بقيمة المنهج وأنه نعمة تستحق الشكر من قبل الله عز وجل


                                                    (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي)

                                                    استجابة للمنهج

                                                    (وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186))

                                                    الحديث ما انقطع عن المنهج ولكنه وظف الدعاء الذي هو علاقة بين العبد وربه الدعاء استجابة العبد لنداء ربه .علاقة قائمة على استشعارك بأنه سبحانه قريب بقربه بما يليق بجلاله سبحانه منك، بسماعه لدعواتك بسماعه لمناجاتك بسماعك همومك وأحزانك وما يشغل فكرك، الله قريب.







                                                    (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187))

                                                    ولِمَ وضعت الحدود؟ لم وضعت الخطوط الحمراء في حياة الناس؟

                                                    ابتلاء واختبار وامتحان لإرادة الإنسان الذي يتمرن على تقوية إرادته أمام الشهوات والوقوف أمام الخطوط الحمراء دون تجاوزها من خلال العبادة. فمن تعلّم واعتاد على الوقوف عند حدود الله مع نفسه وفي علاقته مع زوجته قطعاً هو الإنسان المؤهل للحفاظ على تلك الحدود في تعامله مع الآخرين.



                                                    الإنسان القادر على أن يكبح جماح الشهوة ولا يتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها له الخالق سبحانه وتعالى وفي ذلك كل الخير كل العطاء كل الصلاح.

                                                    نتاج الحرية لا تتوج إلا بالوقوف عند الحدود. وتنتقل الآيات من الحديث عن تلك العلاقة والحدود إلى الحديث عن أموال الناس فكما ذكرنا قبل قليل الإنسان الذي لا يستطيع أن يمارس كلمة (لا) في حياته الخاصة ويقف عند حدود الله لا يمكن له أن يمارسها في المجتمع لا يمكن له أن لا تمتد يده إلى الحرام حين يرى الحرام أما الإنسان القادر على عدم تجاوز الخطوط الحمراء ومراعاة حدود الله سبحانه وتعالى هو الإنسان القادر على أن لا يأخذ شيئًا ليس له بحق لا يأكل أموال الناس بالباطل لا يأكل الأموال التي لا تخصه لا يأكل فريقًا من أموال الناس بالإثم وهو عالم لحرمتها، تلك حدود الله لا يتجاوز الحدود.

                                                    تعليق


                                                    • #27
                                                      رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                                      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                                                      نعم أختي الفاضلة سأقوم إن شاء الله بطرح الموضوع في الصفحة الخاصة بي ، ولكن أرجو أن تخبري الدكتورة التي تنقلين عنها هذه التفاسير أن هناك خطأ في معنى الرحمن فلتراجعه ، كما وأدعوك لقراءة الموضوع على الصفحة الخاصة بي لتعلمي الصواب ، وأما بالنسبة لما نقلته عن ابن عثيمين رحمه الله فأصاب بعضاً وأخطأ بعضاً .

                                                      أما بالنسبة لسبب التسمية ، فليس اتفاق المواقع الإسلامية معك فيما تقولين حُجة ، إتما الحجة بالأيات والبراهين بارك الله فيك .

                                                      تعليق


                                                      • #28
                                                        رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                                        تأملوا كيف يمكن للمجتمع أن يعيش وما نوع الحالة الأمنية التي يعيش فيها مجتمع أفراده مصانون بسياج من التقوى، أجهزة الأمن والمراقبة فيه أجهزة ذاتية كل فرد من الأفراد الذين يعيشون في ذلك المجتمع عليه رقيب من ذاته ومن نفسه لا يخشى إلا الله عز وجل ولذا ربي يقول

                                                        (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189))
                                                        العصور التي كانت تطبق فيها تلك التعليمات الربانية كان الناس يبيتون وأبواب البيوت مفتوحة لا يخافون شيئًا إلا الحيوانات التي تدخل عليهم في بيوتهم، لا يخافون من البشر، لماذا؟
                                                        لأن البشر الذي تعلّم الخوف من الله لا يُخاف منه على شيء ولا على أحد.
                                                        (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (190))
                                                        مجدداً في سبيل الله لا في سبيل منصب ولا في سبيل استيلاء على ثروات شعوب ولا استعمار ولكن في سبيل الله وحده
                                                        (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)
                                                        وهنا لنا عدة وقفات:
                                                        الوقفة الأولى أن الأمر بالقتال جاء بمعنى الحفاظ على مكتسبات الشعوب والمجتمعات هذه واحدة.
                                                        الأمر الآخر أن الأمر بالقتال جاء بعد سلسلة من الأوامر والتوجيهات الشخصية التي دخلت في حياة الفرد التي دخلت في أدق العلاقة الخاصة بين الزوجين وفي المال وفي العطاء وفي حرمة البيوت ثم انتقلت إلى القتال، لماذا؟
                                                        المجتمع الذي لا يستطيع أفراده أن يحافظوا على حدود الله وتشريعاته وقوانينه في حياتهم الخاصة وفي أموالهم وفي سلوكهم مع الآخرين فيما بينهم هم أفراد في غاية العجز عن الدفاع عن الوطن وحمايته. الشخص الذي يدافع عن وطنه وعن حقوقه لا بد له من مواصفات وتلك المواصفات تأتي على رأسها التقوى والوقوف عند حدود الله، فمن يراعي حدود الله سبحانه وتعالى ويتقيه في أدق العلاقات الإنسانية هو الإنسان القادر على حماية وطنه القادر على الدفاع عن وطنه القادر على حماية مكتسباته فقد حمى المجتمع بكل أفراده من نفسه وبالتالي هو أقدر على أن يحميه من غيره أما إن كان عاجزاً عن أن يحمي المجتمع من نفسه وطغيان شهواته فامتدت يده على سبيل المثال إلى الحرام فأكل أموال الناس هذا إنسان عاجز عن الدفاع عن وطنه عاجز عن حماية حقوق غيره لأنه فشل في الامتحان لم يتمكن من حماية الآخرين من ظلم نفسه فأنّى له أن يتمكن من حماية الآخرين من ظلم الآخرين واعتدائهم؟!
                                                        وحتى في القتال لا تفارق القوى ومنظومة التقوى التعاليم الإنسانية التعاليم التي جاءت من الرب سبحانه وتعالى في سورة البقرة عدم الاعتداء
                                                        (وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)
                                                        العدوان بكل صوره على الآخرين وعلى الأموال وحرمات الأنفس قضية محسومة قضية منهي عنها قضية محرّمة في دين الله ومنهجه لا يمكن أن يبررها أن دين الشخص الآخر الذي يُعتدى عليه يختلف عن ديني لا يمكن أن يبررها شيء على الإطلاق فالاعتداء محرّم


                                                        (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ (194))
                                                        المثلية في رد الحقوق والدفاع عن النفس لا يحق لك أن تدافع عن نفسك بعدوان أكثر مما قد وقع عليك، تخيل عدالة التشريعات الإلهية،
                                                        تخيل السياج والحصن الحصين الذي وضعته هذه التشريعات العظيمة.
                                                        ولكن يا ترى ما الذي يحقق عدم الظلم ويحقق العدالة حتى في الحروب معروف تمامًا في التشريعات الإنسانية أن الحروب يحدث فيها سفك واعتداء ومصائب وانتهاكات لحقوق الإنسان ما الذي يضمن أنه حتى في واقع القتال والحروب يبقى الإنسان على أرقى درجات النزاهة والحصانة وعدم الاعتداء على الآخرين؟
                                                        تأملوا في قوله عز وجل
                                                        (
                                                        وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)


                                                        التقوى هي الضمان الوحيد وهي الحصن الحصين لمراعاة حقوق الإنسان وممارسة الإنسان لحماية حقوق غيره من نفسه وأمام نفسه.
                                                        هذا القرآن العظيم ينتقل بعد ذلك من قضية الجهاد بالنفس وبذل النفس والتضحية والدفاع عن المكتسبات المجتمعية إلى قضية الإنفاق
                                                        (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
                                                        من بذل النفس إلى بذل المال والبذل في سورة البقرة حاضر في مختلف الآيات والتشريعات كما سنأتي عليه في الجزء الثالث على سبيل المثال، لماذا؟ ا
                                                        لإنسان الذي استطاع أن يتغلب على قضية النفس وأن يبذل نفسه وروحه في سبيل الله هو أقدر على أن يبذل ماله ولن يكون ولن يصل تلك المرحلة من البذل والتضحية إلا حين يستحضر أن ما من شيء فيه لنفسه، كله لله
                                                        (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156))
                                                        وبالتالي ترخص الروح ويرخص المال في أيّ سبيل؟
                                                        في سبيل الله
                                                        (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195))
                                                        لا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة من خلال الشح والبخل وعدم الرغبة في البذل والتضحية والعطاء. وهنا تحضرنا الصور المتعددة التي جاءت عن بني إسرائيل، بنو إسرائيل الذين كانوا ليسوا على مقدرة من البذل والعطاء ولذلك في آيات القرآن العظيم ربي عز وجل تأتي الآيات بالحدث عن شح النفس (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) الحشر) الشح لا بد أن أتخلص من الشح أتحرر من البخل أتحرر من عدم الرغبة في العطاء، ما الذي يحررني؟ الإنفاق وسورة البقرة تقدم أشكالًا متعددة للإنفاق إنفاق الروح والنفس وبذل هذه النفس في سبيل الله وإنفاق المال للتخلص من الشحّ


                                                        (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ (196))
                                                        الحج مدرسة يتخرج فيه الإنسان قادر على العطاء والبذل وقادر على تجاوز شحّ النفس إنسان محصّن بالتقوى إنسان زادت عنده التقوى ولذلك تستمر الآيات في الحديث عن مدرسة الحج
                                                        (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197))
                                                        الحج مدرسة كبرى يتعلم فيها الإنسان الصبر والتضحية يتعلم أنه لن يُرفع عمله ولن يُقبل إلا حين يكون خالياً من الرفث والفسوق والجدال والسُباب يتعلم كيف ينزّه الإنسان لسانه وكيف ينزّه عينه فلا تقع على حرام يتعلم كيف يتجاوز ويغضّ الطرف عن عثرات الآخرين يتعلم كيف يكون إنساناً حقيقياً متسامحاً يبذل الخير للآخرين يتعلم كيف يعفو وكيف يصفح، إنسان جديد إنسان تصنعه تلك المدرسة الربانية الموجودة في الحج.
                                                        الحج ليس مجرد شعيرة الحج ليس مجرد عبادة، من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع وعاد من حجه كيوم ولدته أمه صفحة بيضاء نقية من الذي نقاه؟ نقاه الصبر نقته تلك التعاليم الربانية المقصودة في الحج، الحج فيه زحمة كبير فيه احتكاك بين البشر بشكل واضح لماذا؟ لأنه رسالة عالمية أراد ربنا عز وجل أن يبتغي الناس من فضله وكيف يبتغون من فضله؟ يجتمعون يتعلمون من بعضهم البعض يتسامحون يخطئون ويصيبون ويغفر بعضهم لبعض الحج مدرسة للتقوى ولذلك جاء الحديث عن التقوى
                                                        (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)
                                                        ولن يزداد الإنسان في تقواه إلا حين يتجاوز الشحّ الموجود في نفسه يتجاوز الأنانية يتخلص من الأشياء التي تحول بينه وبين أنانيته يتعلم كيف يصفح لا يمكن أن تسامح إلا حين يزداد رصيد التقوى في قلبك، لا يمكن أن يقوم أحد من الناس بدفعك في الحج والعمرة نتيجة للزحام الشديد وتعفو عنه وتسامحه وتبتسم في وجهه وتدعو له بالمغفرة إلا حين يكون رصيدك من التقوى عالياً مرتفعاً. وكيف ترتفع أسهمك في التقوى إلا حين تتربى على عين تلك التشريعات الإلهية.


                                                        (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)
                                                        وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205))
                                                        الإنسان الذي تخرج في مدرسة الحج إنسان لا يمكن أن يقبل بمنهج الفساد والإفساد إنسان صلح سرّه فانعكس ذلك الصلاح على علانيته إنسان ليس عنده ازدواجية ولا نفاق في التعامل مع الآخرين إنسان ليس هناك ثمة تناقض بين التقوى التي يحملها في قلبه والمنهج الذي يسير عليه في الحياة على الإطلاق. ليس هناك تناقض بين قوله وفعله كتلك الصورة التي تنقلها الآية
                                                        (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204))
                                                        ثمّة تناقض وازدواجية يقول شيئاً ويبطن شيئاً آخر، الإنسان الذي تصنعه مدرسة الحج وتعاليم المنهج الرباني وتصوغه التقوى إنسان سرّه خيرٌ من علانيته، وكيف يصل الإنسان إلى مرحلة يكون السر عنده خير من العلانية؟ حين تبرز التقوى، حين تأتي التقوى فتبدأ تبدد ظلمات النفس وأنانيتها ولذلك جاءت بالصورة الناصعة
                                                        (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207))
                                                        إنسان استطاع أن يتخلّص من شُحّ النفس واستطاع أن يتجاوز الفساد، كيف تجاوز الفساد؟
                                                        ببساطة شديدة يشري نفسه ابتغاء مرضات الله، باع نفسه لله عز وجل تخلص من شح نفسه. ما من فساد يقع في الأرض إلا كان حب النفس والأنانية له أثر فيه لا يمكن أن يحدث الفساد إلا حين يتصور الإنسان بوهم أنه يحب ذاته وأنانيته، يحاول أن يؤثر نفسه على الآخرين فيأتي الفساد من هنا. أما الإنسان الذي تصنعه سورة البقرة فهو إنسان باع نفسه لله أخضع نفسه لله عز وجل يحب الله أكثر من أي شيء آخر، أكثر من نفسه فيخضع لمنهجه وينقاد لتعاليمه. هذا الإنسان هو القادر على أن يحقق السلم في الحياة هو الإنسان القادر على أن يقدم السلم الأهلي ويمارسه السلم العالمي الذي يفتقر إليه عالمنا المعاصر اليوم، عالمنا المعاصر اليوم يبكي دماً من فقدان السلم كيف يتحقق السلم؟

                                                        لا يمكن أن يحقق السلم أفراد لا يعيشون سلامًا مع أنفسهم ومع ذواتهم لا يمكن. تعاليم سورة البقرة والمنهج الرباني في سورة البقرة يحقق السلم الداخلي، الأمن الداخلي، الأفراد القادرون على تحقيق السلم الداخلي مع أنفسهم والتصالح مع ذواتهم من خلال اتباع منهج الله هم أولئك الذين يستطيعون أن يحققوا السلم

                                                        تعليق


                                                        • #29
                                                          رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                                          (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208))

                                                          من جديد الحديث عن خطوات الشيطان، الفرقة والنزاع والقتال والحروب والصراعات بين البشر التي نشهدها في عالمنا اليوم لا يمكن أن تكون من قبيل تطبيق منهج رباني لا يرضى لعباده إلا الخير والإيمان والصلاح! لا يمكن إلا أن تكون من قبيل تطبيق وتنفيذ مناهج شيطانية بشرية وضعية ما استطاعت أن تتحرر من شُحّ أنفسها، هذه الصراعات لا يمكن أن تكون خارج هذا الإطار. ولذلك جاء الأمر في الدخول في السلم، هذا الدخول في السلم الذي يحقق للعالم ما تصبو إليه والثبات على ذلك والتحذير من الزلل والوقوع في الخطأ نتيجة عدم حساب الخطوات بشكل صحيح واتباع المناهج الشيطانية ولنا هنا أن نتخيل ما يأتي به الثبات من ثمن ومن تضحيات بالأنفس وبالأموال ولذلك يأتي الحديث في سياق وفي خضم الكلام عن التعاليم البشرية والحديث عن السلام في ذكر بني إسرائيل من جديد
                                                          (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ)
                                                          لكي يتفرقوا؟ أبدًا!
                                                          (لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213))
                                                          إذاً الأصل في الأديان والكتب السماوية أنها توحد وتجمع لا أنها تفرق وتشتت أما الاختلاف (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) وظلماً وعدواناً أما المؤمن فالله يهديه (فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) منهج الأنبياء واحد السير على الكتب والمنهج الرباني وتنفيذ المنهج في واقع الحياة. ولكن تنفيذ ذلك المنهج لا يمكن أن يأتي بدون تضحيات، لا يمكن أن يأتي بدون ثبات، الثبات على المنهج الرباني الذي جاء به كل الأنبياء والكتب السابقة لا بد أن يدفع له ثمن وهذا الثمن هو التضحية ولذا جاءت الآية العظيمة في قوله عز وجل
                                                          (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214))


                                                          الثبات على الحق يحتاج إلى تضحية يحتاج إلى نفوس تعلم بأن الحق له وثمن والثمن غالي وهي مستعدة لأن تدفع ذلك الثمن ولذلك جاء الحديث مباشرة عن الإنفاق بالمال بعد بذل النفس جاء الحديث عن المال
                                                          (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215))
                                                          التضحية، البذل، العطاء في سبيل الله واتباع المنهج الذي يأمرك. ثم بعد الحديث عن الإنفاق بالمال يأتي
                                                          (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216))
                                                          نفوس مستعدة أن تضحي بالمال وتضحي بالأرواح لأجل أن تنفذ المنهج الرباني في واقع الحياة. والآية واضحة في قوله عز وجل (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) أنا في اتباعي للمنهج الرباني قد أسير على خطوات أو على أوامر وتعاليم وأنا أرى أني أكره هذه التعاليم، فيها عبء، لا أحد مهما يكن يحب أن يضحي بنفسه بهذه البساطة، أغلى شيء على الإنسان الروح، نفسه التي بين جنبيه كيف يضحي بها؟!!
                                                          (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ)
                                                          وهنا إشارة واضحة إلى واقعية التشريعات الإلهية فالتشريعات الإلهية ليست مثالية التشريعات الإلهية صادرة من رب يعرف ما يحبه البشر وما يكرهه، يعرف خلجات نفسك يعرف ما تحدّث به نفسك وأنت بينك وبين نفسك يعرف سبحانه وتعالى، سميع عليم، يعلم أن النفوس لا تحب القتل لا تحب أن تُقتَل، لا تحب الموت بطبيعتها (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) ولكن تأملوا في النتيجة
                                                          (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)
                                                          القاعدة أنك تخرج مما تهواه وتحبّه نفسك إلى ما يحبّه الله ورسوله، وتخرج عما تكرهه نفسك إلى ما يكرهه الله ورسوله، تخرج عن نفسك تماماً، تتخلى عن نفسك، تنصاع لمنهج ربك عز وجل، مؤمناً بأن الله قد يفرض عليك شيئاً أنت تراه شراً وهو خير، هذا المنهج الرباني، المنهج الرباني يطلب منك أن تخرج من داعية هواك ونفسك.
                                                          (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219))
                                                          إذا أردنا أن نتعرف على حجم الثروة المهدرة في الخمر وفي الميسر وفي القمار وما شابه فما علينا إلا أن نلقي نظرة سريعة على إحصائيات العالم في ذلك لنجد أن ما ينفقه العالم على هذه الأشياء بالمليارات!
                                                          أموال مهولة تهدر في أي شيء؟! في أشياء حرّمها الله عز وجل.

                                                          في المقابل هناك صورة أخرى ما هي الصورة التي يقدّمها وما هو البديل الذي تقدمه التشريعات الربانية؟ المال، المال الذي يستعمل في الإنفاق في وجه من وجه الخير في الإنفاق على اليتامى المال الذي يكون فيه الإنسان وصيًا على اليتيم كيف يراقب الله عز وجل فيه؟ الآيات جاءت في قوله عز وجل

                                                          (وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ (220))
                                                          عليك أن تراعي الله عز وجل في النفقة التي تنفقها على اليتيم الذي بين يدك عليك أن تراعي الله في كل هذه الجزئيات وتحافظ عليها في جزئياتها.

                                                          تعليق


                                                          • #30
                                                            رد: سلسلة : روائع البيات لـ د/ رقية العلواني

                                                            ثم تنتقل بعد ذلك التعليمات والتشريعات إلى الزواج الذي يعكس صورة من صور إيمانك واعتقادك وتقواك، الزواج ليس قضية أوتوماتيكية جسدية مادية بحتة، القرآن لا ينظر إلى الزواج على أنه علاقة جسدية ينظر إلى الزواج على أنه علاقة روحية تربط بين اثنين ولأن تلك العلاقة علاقة مادية وروحية وجسدية ومعنوية وفكرية وثقافية لا بد أن تقام على تناغم وانسجام في المشاعر والاعتقاد. من هنا حرّم التشريع الإسلامي والتشريع القرآني الزواج ما بين المشرك والمؤمن لذلك التناقض الواضح والتنافر الواضح بين الإيمان والكفر.


                                                            ثم تنتقل بعد ذلك الآيات من الحديث عن الزواج في إطاره العام إلى الحديث من جديد عن تفاصيل دقيقة في العلاقة الخاصة بين الرجل والمرأة لتدخل التقوى في تلك الجزئيات فتطهرها فتنقّيها فتخلّصها فتجعلها علاقة لا ينظر إليها القرآن على أنها نجس أو علاقة يشمئز القرآن منها، لا، بل علاقة مصانة بسياج من التقوى والطهر والعفاف في أبهى وأحلى صور

                                                            (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223))

                                                            من جديد التقوى حاضرة حتى في العلاقة الخاصة، التقوى حالة تصبح جزءًا من الإنسان المؤمن التقوى تصقله وتصقل مشاعره وتصرفاته وسلوكه لا تنبثق من فراغ بل من إيمان من قلب متحفّز من قلب يستشعر مراقبة الله له في كل صغيرة وكبيرة

                                                            (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)

                                                            راقب الله عز وجل في كل تصرفات حياتك، جهاز مراقبة ذاتي كامل، حصانة كاملة. ثم تنتقل الآيات بعد ذلك إلى تفاصيل وإجراءات في العلاقة الزوجية، العلاقة بين الزوجين، علاقة الطلاق وعلاقة النفور التي قد تحدث والإيلاء، علاقة ما يحدث بين الأزواج في العلاقات الأسرية قد يحدث في بعض الأحيان نفور بين الزوجين

                                                            (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227))


                                                            يا تُرى حين يحدث نفور بين الزوجين أين معالم المنهج الرباني؟ م
                                                            ا الذي يتحكم في الوضع هنا؟
                                                            حين يحدث النفور والبغضاء والكراهية لا ينبغي أن تتحكم المشاعر النفسية السلبية البشرية في الحكم على تلك العلاقة، لماذا؟ لأن الذي يحكم العلاقة حتى في حالة النفور هو المنهج الرباني والتعاليم البشرية أنت لا تحكمك أهواؤك ولا تُحكم بأهواء من قبل نفسك، أبداً، أنت محكوم بالمنهج عليك أن تراعي الله سواء كرهت أم أحببت عليك أن تراعي الله عز وجل.


                                                            ثم تنتقل الآيات للحديث عن الطلاق وللحديث عن عدّة المطلقة وتأملوا كيف تكون التقوى حاضرة في كل هذه الجزئيات يقول ربي عز وجل
                                                            (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ (228))
                                                            ما دخل الإيمان بالله في مراعاة المعتدّة لعدّتها والفترة التي تعتد فيها؟
                                                            الإيمان قضية فاعلة، الإيمان ما وقر في قلبك وصدقته أعمالك وسلوكياتك وأفعالك وتصرفاتك. الإيمان قضية حاضرة تصدّقه الأعمال والتصرفات والممارسات ولذلك تأمل في قوله
                                                            (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)
                                                            ووالله لو أن البيوت الأسرية ولو أن العلاقات بين الزوجين والعلاقات الأسرية أقيمت على دعائم المنهج المصان بتقوى الله عز وجل لما كان بنا تلك الحاجة إلى أن نقف طوابير وصفوف على أبواب المحاكم الشرعية! لما كان هناك حاجة لحلّ كل تلك النزاعات والفوضى العارمة التي تسود في أسرنا وفي بيوتنا! ما سادت تلك الفوضى والعداوة والكراهية وضياع الحقوق وعدم الإمساك بمعروف ولا التسريح بإحسان إلا حين غابت معالم المنهج الرباني في قلوبنا وفي سلوكياتنا،

                                                            وتأملوا كيف ختمت الآية بقوله
                                                            (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
                                                            الحدود في العلاقات الأسرية بين الزوجين من الذي وضعها؟
                                                            لم تضعها أنت ولم يضعها أحد من البشر الذي وضعها الرب سبحانه وتعالى فعلى قدر ما أنت تتقيه وتحبه عليك أن تراعي الحدود الذي وضعها، هذه حدود الله عز وجل وهذه ثمرة مراعاة حدود الله عز وجل التي يبينها لقوم يعلمون. ولذلك ربي عز وجل حين يتحدث عن الصورة المشوّهة التي تأتي جراء مخالفة التعليمات الربانية يقول
                                                            (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا)

                                                            لا تمسك المرأة وتمنع طلاق المرأة لأجل أن تضر بها كما يحدث في مجتمعات كثيرة جداً الرجل يمسك المرأة لا محبة في عشرتها ولا بقاءً عليها ولكن للإضرار بها وتأملوا كيف تأتي التعاليم الربانية
                                                            (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا
                                                            تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا)
                                                            وتختم بقوله
                                                            (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
                                                            تقوى الله عز وجل. من الذي يمنعك من الوقوع في ظلم المرأة التي تحت يدك؟ الطلاق بيد الرجل، من الذي يمنعك من الوقوع في الظلم؟

                                                            الله الذي شرّع، الله الذي جعل الطلاق بيدك، الله الذي أحلّها لك، الله الذي وضع لك كل هذه التعاليم هو الذي يمنع ولذلك الآيات كلها تنتهي بالحديث عن التقوى
                                                            (ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232))





                                                            تعليق

                                                            جاري التحميل ..
                                                            X