{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ○ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى:٩-١٠]
{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [الضحى: 9]
قد اختلف العلماء مَن هو اليتيم؟
هل هو مَن فقد أباه أو أمه، والحق أن اليتيم مَن فقَد أحدهما أو كلاهما، بل حتى اللقيط في الجملة فهو أحد الأيتام. قال ابن سعدي: لا تُسئ معاملةَ اليتيم، ولا تُضيِّق صدرَك عليه، ولا تنهره، بل أَكْرِمه، وأعطه ما تيسَّر، واصنع به كما تحب أن يُصنَع بولدك من بعدك، وقالوا: قَهْر اليتيم: أخْذ ماله وظُلْمه، وقيل: هو بمعنى عبوسة الوجه، والمعنى أعم، كما قال - صلى الله عليه وسلم عند أبي داود: ((اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزَن ومن العَجِز والكسل، ومن الجُبْن والبخل، ومن غَلبة الدين وقَهْر الرجال))، فالقهر أعم من ذلك، وخصَّ اليتيم؛ لأنه لا ناصر له غير الله تعالى، فغلَّظ في أمره، بتغليظ العقوبة على ظالمه
)وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى: 10]
هنا السائل لم تُحدَّد هُويَّتُه ولا جنسه ولا مسألته، بل أي سائل سواء سأل الطعام أو المال أو العِلم أو الخدمة، لا تنهره ولا تَزجُره
قال ابن سعدي: "وهذا يدخل فيه السائل للمال والسائل للعلم"
، "واليتيم والسائل منصوبان بالفعل الذي بعده، وحقُّ المنصوب أن يكون بعد الفاء، والتقدير: مهما يكن من شيء فلا تقهر اليتيم، ولا تنهر السائل"[24]، وقد يُقعِد الشيطانُ البعضَ بحيل لا تقف، فقد يُوهِم المُنفِق بكذب السائل أو تزويره للحقائق، وهذا يظهر للبعض مع القرائن - إن وُجِدت - لكن من لم يظهر له شيء فليتمعَّن في هذا الحديث العظيم؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قال رجل: لأتصدَّقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضَعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدَّثون، تُصُدِّق على سارق؟ فقال: اللهم لك الحمد، لأتصدَّقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يدي زانية، فأصبحوا يتحدَّثون تُصُدِّق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدَّقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يدي غني، فأصبحوا يتحدَّثون تُصُدِّق على غني، فقال: اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني، فأتي فقيل له: أما صَدقتُك على سارق، فلعله أن يَستعِفَّ عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تَستعِفَّ عن زناها، وأما الغني فلعله يعتبر فيُنفِق مما أعطاه الله))؛ رواه البخاري (1355)، فأعطِ السائل وأَحسِن النية، فإن لم تُعْطِه، فالجواب بلطف قد يقوم مقامَ العطاء
وكما قيل: فليُسعِد النُّطق إن لم يُسعِد المال، وتأمَّل معي في حديث الأعرابي عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه بُرْد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه الأعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرتُ إلى صفحة عاتِقِ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أثَّرتْ بها حاشية الرداء من شدة جبْذته، ثم قال: يا محمد! مُرْ لي من مال الله الذي عندك، وهذه الرواية في الصحيحين، وفي رواية أخرى: "لا من مال أبيك، قال: فالتفت إليه، فضَحِك - صلى الله عليه وسلم - ثم أمر له بعطاء"، ورُوي عن النبي مرسلاً عن زيد بن أسلم - رضي الله عنه -: ((أَعْطُوا السَّائل وإن جاء على فَرَسٍ))[25]، قال ابن عبدالبر - رحمه الله -: "لا أعلم في إرسال هذا الحديث خلافًا بين رواة مالك، وليس في هذا اللفظ مُسنَد يُحتَج به فيما علِمتُ"[26].
وقد حُكي أن عمر بن عبدالعزيز بعث مالاً يُفرَّق بالرقة، فقال له الذي بعث معه: يا أمير المؤمنين، تبعثني إلى قوم لا أعرفهم، وفيهم غني وفقير، فقال: كل مَن مدَّ يده إليك فأعطِه ، قال ابن عثيمين: لكن هذا العموم يَدخُله التخصيص؛ إذا عرفت أن السائل في العلم إنما يُريد التعنُّتَ، وأخذ رأيك وأخذ رأي فلان وفلان، حتى يضرب آراء العلماء بعضها ببعض، فإذا علِمتَ ذلك فهنا لك الحق أن تنهره، وأن تقول: يا فلان، اتقِ الله، ألم تسأل فلانًا كيف تسألني بعدما سألته؟! أتلعب بدين الله؟! أتريد إن أفتاك الناسُ بما تحب سكتَّ، وإن أفتوك بما لا تحب ذهبتَ تسأل؟! هذا لا بأس؛ لأن هذا النهر تأديب له، وكذلك سائل المال إذا علِمتَ أن الذي سألك المال غنيٌّ فلك الحق أن تَنهَره، ولك الحق أيضًا أن تُوبِّخه على سؤاله وهو غني، إذًا هذا العموم "السائل فلا تنهر"، مخصوص فيما إذا اقتضت المصلحة أن يُنهَر فلا بأس
إن جملة السائلين في مرتبةٍ أدنى من المسؤول؛ ولذا كان النهي صريحًا عن نهرهم، حتى لا تتطبَّع النفوس على مقْت الأدنين، فهي ثُلْمة في الإيمان، وشرخ في المجتمع، والله أعلم.
صيد الفوائد
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [الضحى: 9]
قد اختلف العلماء مَن هو اليتيم؟
هل هو مَن فقد أباه أو أمه، والحق أن اليتيم مَن فقَد أحدهما أو كلاهما، بل حتى اللقيط في الجملة فهو أحد الأيتام. قال ابن سعدي: لا تُسئ معاملةَ اليتيم، ولا تُضيِّق صدرَك عليه، ولا تنهره، بل أَكْرِمه، وأعطه ما تيسَّر، واصنع به كما تحب أن يُصنَع بولدك من بعدك، وقالوا: قَهْر اليتيم: أخْذ ماله وظُلْمه، وقيل: هو بمعنى عبوسة الوجه، والمعنى أعم، كما قال - صلى الله عليه وسلم عند أبي داود: ((اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزَن ومن العَجِز والكسل، ومن الجُبْن والبخل، ومن غَلبة الدين وقَهْر الرجال))، فالقهر أعم من ذلك، وخصَّ اليتيم؛ لأنه لا ناصر له غير الله تعالى، فغلَّظ في أمره، بتغليظ العقوبة على ظالمه
)وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى: 10]
هنا السائل لم تُحدَّد هُويَّتُه ولا جنسه ولا مسألته، بل أي سائل سواء سأل الطعام أو المال أو العِلم أو الخدمة، لا تنهره ولا تَزجُره
قال ابن سعدي: "وهذا يدخل فيه السائل للمال والسائل للعلم"
، "واليتيم والسائل منصوبان بالفعل الذي بعده، وحقُّ المنصوب أن يكون بعد الفاء، والتقدير: مهما يكن من شيء فلا تقهر اليتيم، ولا تنهر السائل"[24]، وقد يُقعِد الشيطانُ البعضَ بحيل لا تقف، فقد يُوهِم المُنفِق بكذب السائل أو تزويره للحقائق، وهذا يظهر للبعض مع القرائن - إن وُجِدت - لكن من لم يظهر له شيء فليتمعَّن في هذا الحديث العظيم؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قال رجل: لأتصدَّقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضَعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدَّثون، تُصُدِّق على سارق؟ فقال: اللهم لك الحمد، لأتصدَّقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يدي زانية، فأصبحوا يتحدَّثون تُصُدِّق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدَّقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يدي غني، فأصبحوا يتحدَّثون تُصُدِّق على غني، فقال: اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني، فأتي فقيل له: أما صَدقتُك على سارق، فلعله أن يَستعِفَّ عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تَستعِفَّ عن زناها، وأما الغني فلعله يعتبر فيُنفِق مما أعطاه الله))؛ رواه البخاري (1355)، فأعطِ السائل وأَحسِن النية، فإن لم تُعْطِه، فالجواب بلطف قد يقوم مقامَ العطاء
وكما قيل: فليُسعِد النُّطق إن لم يُسعِد المال، وتأمَّل معي في حديث الأعرابي عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كنت أمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه بُرْد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه الأعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرتُ إلى صفحة عاتِقِ النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد أثَّرتْ بها حاشية الرداء من شدة جبْذته، ثم قال: يا محمد! مُرْ لي من مال الله الذي عندك، وهذه الرواية في الصحيحين، وفي رواية أخرى: "لا من مال أبيك، قال: فالتفت إليه، فضَحِك - صلى الله عليه وسلم - ثم أمر له بعطاء"، ورُوي عن النبي مرسلاً عن زيد بن أسلم - رضي الله عنه -: ((أَعْطُوا السَّائل وإن جاء على فَرَسٍ))[25]، قال ابن عبدالبر - رحمه الله -: "لا أعلم في إرسال هذا الحديث خلافًا بين رواة مالك، وليس في هذا اللفظ مُسنَد يُحتَج به فيما علِمتُ"[26].
وقد حُكي أن عمر بن عبدالعزيز بعث مالاً يُفرَّق بالرقة، فقال له الذي بعث معه: يا أمير المؤمنين، تبعثني إلى قوم لا أعرفهم، وفيهم غني وفقير، فقال: كل مَن مدَّ يده إليك فأعطِه ، قال ابن عثيمين: لكن هذا العموم يَدخُله التخصيص؛ إذا عرفت أن السائل في العلم إنما يُريد التعنُّتَ، وأخذ رأيك وأخذ رأي فلان وفلان، حتى يضرب آراء العلماء بعضها ببعض، فإذا علِمتَ ذلك فهنا لك الحق أن تنهره، وأن تقول: يا فلان، اتقِ الله، ألم تسأل فلانًا كيف تسألني بعدما سألته؟! أتلعب بدين الله؟! أتريد إن أفتاك الناسُ بما تحب سكتَّ، وإن أفتوك بما لا تحب ذهبتَ تسأل؟! هذا لا بأس؛ لأن هذا النهر تأديب له، وكذلك سائل المال إذا علِمتَ أن الذي سألك المال غنيٌّ فلك الحق أن تَنهَره، ولك الحق أيضًا أن تُوبِّخه على سؤاله وهو غني، إذًا هذا العموم "السائل فلا تنهر"، مخصوص فيما إذا اقتضت المصلحة أن يُنهَر فلا بأس
إن جملة السائلين في مرتبةٍ أدنى من المسؤول؛ ولذا كان النهي صريحًا عن نهرهم، حتى لا تتطبَّع النفوس على مقْت الأدنين، فهي ثُلْمة في الإيمان، وشرخ في المجتمع، والله أعلم.
صيد الفوائد
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9)
1-﴿فأمّا اليتيم فلا تقهر﴾؛ مسحةٌ على رأس يتيم تمسح عنك الذنوب المتراكمة. / فرائد قرآنية
2- ﴿فأما اليتيم فلا تقهر﴾ شكا رجل إلى النبي ﷺ قسوة قلبه، فقال له: إن أردت أن يلين قلبك فأطعم المسكين وامسح رأس اليتيم. رواه الألباني في الصحيحة / أ.د رقية المحارب 3- عاش نبينا ﷺ اليتم فامتن الله عليه بالإيواء والتكريم: ﴿ألم يجدك يتيمًا فأوى﴾ ولذا ذكره حتى لا ينسى! ﴿فأما اليتيم فلا تقهر﴾/ روائع القرآن
4- "فأما اليتيم فلا تقهر" وأما السائل فلا تنهر" عند الإحسان لا يكن قلة مالك سببا في أذية المحتاج ،الجأ إلى الإحسان المعنوي فهو واسع جداً.. / عادل صالح السليم
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10)
1- ( وأما السائل فلا تنهر ) إذا لم تحسن إلى الفقير بالصدقة ، فأحسن إليه بحسن الخلق وطيب الكلام !! / عايض المطيري
2- وأما السائل فلا تنهر...........من حق السائل أن يحتفظ بكرامته ويجد جوابا لسؤاله. / عبد الله بلقاسم
3- ( وأما السائل فلا تنهر)(لا تنهره) لم يقل (فأعطه)! حفظ مشاعر المنكسرين (صدقة) / د. عقيل الشمري.
4- ﴿ وأما (السائل) فلا تنهر ﴾ لم تحدد هُويته ولا جنسه ولا مسألته! فلا تزجر أي سائل لمال أو طعام أو علم أو غيره/ نايف الفيصل
حصاد التدبر
![](https://akhawat.islamway.net/forum/uploads/monthly_2021_12/144715245_774591619810328_120611766535370744_n.thumb.jpg.d257edb8607c49d9494c43650be1a9c6.jpg)
اترك تعليق: