رد: تدبر آية من القرآن
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ (60)
{ .... أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ } [الزمر: ٦٠]
{ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ } عن الحق، وعن عبادة ربهم، المفترين عليه؟ بلى واللّه، إن فيها لعقوبة وخزيا وسخطا، يبلغ من المتكبرين كل مبلغ، ويؤخذ الحق منهم بها.
من عواقب الكبر:
1. أن الكبر سبب في الصد عن الطاعة:قال تعالى عن إبليس: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34]، وعن فرعون: ﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 39]، وهكذا أقوام الأنبياء الذين عارضوا الرسالة وردوها؛ ففي قوم صالح قال تعالى: ﴿ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾ [الأعراف: 76]، وهكذا جميع أقوام الأنبياء الذين لم يقبلوا الحق، حتى كفار قريش.
2. أن الكبر سبب في الطبع على القلب بالغفلة والبعد عن الله تعالى:قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ [غافر: 35].
3. أن الكبر يبعد الإنسان عن صفات المقربين لله جل وعلا:فمن صفاتهم أنهم لا يستكبرون؛ قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [النحل: 49]، وقال: ﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [السجدة: 15].
4. أن الكبر سبب للطرد من الجنة ودخول النار:دل على ذلك حديثا الباب؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبرٍ))، وقال: ((لا يدخل الجنة أحدٌ في قلبه مثقال حبة خردلٍ من كبرياء))، ووصف الله تعالى النار في غير ما آية بأنها مثوى المتكبرين، فقال في سورة النحل: ﴿ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [النحل: 29]، وفي سورة الزمر: ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [الزمر: 60]، وفي سورة غافر: ﴿ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [غافر: 76].
قال الغزالي: "فالكبر آفة عظيمة هائلة، وفيه يهلك الخواص من الخلق، وقلما ينفك عنه العباد والزهاد والعلماء، فضلاً عن عوام الخلق، وكيف لا تعظُمُ آفته وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة مَن كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبرٍ))، وإنما صار حجابًا دون الجنة؛ لأنه يحول بين العبد وبين أخلاق المؤمنين كلها؛ لأنه لا يقدر على أن يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه وفيه شيء من الكبر، فما من خلق ذميم إلا وصاحب الكبر مضطر إليه ليحفظ كبره، وما من خلق محمود إلا وهو عاجز عنه؛ خوفًا من أن يفوته عزه، فمن هذا لم يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة منه"؛ [انظر: إحياء علوم الدين (3/ 345)].
5. أن المتكبرين يجازَوْن يوم القيامة من جنس أعمالهم، فكما تكبروا في الدنيا سيصيبهم الذل يوم القيامة، ولهم عصارة أهل النار:عن عبدالله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صورة الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار؛ طينة الخبال))؛ رواه الترمذي وقال: "حسن صحيح"، وحسنه البغوي؛ [انظر: شرح السنة للبغوي (13/ 168)].
6. أن الكبر سبب في صرف الإنسان عن الاتعاظ والاعتبار بالعبر والآيات:قال تعالى: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ [الأعراف: 146].
• من آثار الكبر ومظاهره:
1. عدم قبول الحق، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الباب: ((الكبر بطر الحق)).
2. احتقار الناس وانتقاصهم، كما في حديث الباب: ((الكبر بطر الحق وغمط الناس))، ويدخل في ذلك من باب الأولى: احتقار العمال والسخرية بهم.
3. سوء معاملة الناس والغلظة معهم؛ لأنه يرى أنه فوق الناس، وأن له حقًّا عليهم، إما بمال كبعض التجار، أو بجاه كبعض شيوخ القبائل، أو بمنصب كمدير مع موظفيه.
4. أكل حقوق الناس بالباطل؛ وذلك لأن المتكبر يرى أنه لا أحد يقوى عليه، وأنه يستطيع إنفاذ ما يريد.
5. رؤية النفس بأنها خير من غيرها؛ فالمتكبر يرى في نفسه خيرًا عظيمًا، وأنه أفضل من كثير من الناس إلا أنه يتواضع، فهذا كما قيل: شجرة الكبر مغروسة فيه إلا أنه قد قطع أغصانها، فهو يرى أنه من خير الناس وأعلاهم إلا أنه لا يتلفظ بهذا؛ لأن التلفظ بذلك مذموم، وهذا شعور قد يجده بعض طلبة العلم، وللشيطان عليهم بهذا مداخل، من أراد بسطها فليقرأ كتابًا نافعًا في هذا، اسمه: (تلبيس إبليس لابن الجوزي).
6. الترفع في المجالس والتقدم على الأقران، وهذا منشؤه إظهار ما في النفس من ترفع وحسد للأقران، والله المستعان، وعند التأمل يجد المتأمل كثيرًا من المظاهر التي يحكيها الواقع، نسأل الله السلامة والعافية.
• علاج الكبر:
هناك عدة أمور تعين بعد توفيق الله تعالى على التخلص من هذا الداء داء الكبر، منها:
1. تذكر نعمة الله تعالى عليك؛ فإن العبد إذا تذكر أن كل ما فيه من ميزات وخيرات إنما هو من نعم الله تعالى وأن الله تعالى أخرجه من بطن أمه لا يعرف شيئًا، فعرفه جل وعلا هذه النعم ليشكرها؛ قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]، إذا تأملت ذلك نسبت هذه الخيرات لمسديها، وعرفت أن هذه النعم أنت بحاجة إلى أن تشكر من وهبك إياها، لا أن ترتفع بها على الناس، وأن الذي أعطاك قادرٌ على أن يمنعك.
2. الاقتداء بهَدْي النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه؛ وذلك بقراءة سيرته صلى الله عليه وسلم وتواضعه مع الصبيان فيسلم عليهم ويمازحهم، ومع الجارية فيقضي حاجتها، ومع الأعراب بلينه معهم، ومع أهل بيته فيكون في مهنتهم، ومع أصحابه فيشاركهم العمل، ونحو ذلك من المواقف التي ملئت بها السنة النبوية.
3. تذكر الآخرة، وأن مآلك إليها، فاستعد لها، وتأمل من هم أهل النار، وعندئذ على ماذا تتكبر وأنت إلى الله راجع، وما عندك فانٍ، وأن المتكبرين من أهل النار؟! ففي صحيح مسلم من حديث حارثة بن وهب - رضي الله عنه -: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أخبركم بأهل الجنة؟))، قالوا: بلى، قال: ((كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره))، ثم قال: ((ألا أخبركم بأهل النار؟))، قالوا: بلى، قال: ((كل عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مستكبر)).
والعُتُلُّ: الجافي الغليظ، والجوَّاظ: المختال في مِشيتِه.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((احتجَّت الجنة والنار، فقالت هذه: يدخلني الجبارون والمتكبرون، وقالت هذه: يدخلني الضعفاء والمساكين، فقال الله عز وجل لهذه: أنت عذابي أعذب بك من أشاء، وقال لهذه: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها)).
4. قراءة سيرهم خير معين للنفس في التخلص من هذا الداء، وكتب السير مليئة بسيرهم، ومن أبرزها (سير أعلام النبلاء للذهبي)، أو قراءة المختصرات عليه، ومن أبرزها: (نزهة الفضلاء لموسى الشريف) و(تحفة العلماء لمحمد صفوت نور الدين)، أو اقرأ (التهذيب الموضوعي لحلية الأولياء لمحمد الهبدان) وهو كتاب قيم صدر حديثًا.
5. معرفة النفس على حقيقتها، وذلك حيث يتذكر الإنسان أنه خلق من ماء دافق، ويتذكر قول الله تعالى أيضًا: ﴿ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ﴾ [عبس: 18، 19]، وعن مطرف بن عبدالله بن الشخير أنه رأى المهلب وهو يتبختر في جبَّة خز، فقال: يا عبدالله، هذه مِشية يبغضها الله ورسوله، فقال له المهلب: أما تعرفني؟ فقال: بلى أعرفك، أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل العذرة، فمضى المهلب وترك مشيته تلك"؛ [انظر: إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 359)].
ابذل جهدك لأن تسحق مارد الكبر في داخلك ، واعلم أن معركتك معه قوية ، فلا تتوقع أن نوازع الإستعلاء تستسلم بسهوله .. أيقظ كل جنود التواضع ليحرسوا قلبك
لنتأكد من سلامة منهجنا وإخلاص قلوبنا قبل أن نتفاجأ غدا أن ماكنا نحسبه صوابا ليس إلا ضلالا . ولنعي جيدا أن لافضل لأحد على آخر إلا بالتقوى ... وما يدرينا أننا أتقياء ؟!!! مهما عملنا تبقى القلوب في وجل ... اللهم غفرانك ورضاك
المصدر شبكة الالوكة
![](https://akhawat.islamway.net/forum/uploads/monthly_2022_04/275247419_999401237329364_8935911349456372253_n.thumb.jpg.7e54ef15ed99648d5fa466eb3f029a2f.jpg)
{ .... أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ } [الزمر: ٦٠]
{ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ } عن الحق، وعن عبادة ربهم، المفترين عليه؟ بلى واللّه، إن فيها لعقوبة وخزيا وسخطا، يبلغ من المتكبرين كل مبلغ، ويؤخذ الحق منهم بها.
من عواقب الكبر:
1. أن الكبر سبب في الصد عن الطاعة:قال تعالى عن إبليس: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34]، وعن فرعون: ﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 39]، وهكذا أقوام الأنبياء الذين عارضوا الرسالة وردوها؛ ففي قوم صالح قال تعالى: ﴿ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾ [الأعراف: 76]، وهكذا جميع أقوام الأنبياء الذين لم يقبلوا الحق، حتى كفار قريش.
2. أن الكبر سبب في الطبع على القلب بالغفلة والبعد عن الله تعالى:قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴾ [غافر: 35].
3. أن الكبر يبعد الإنسان عن صفات المقربين لله جل وعلا:فمن صفاتهم أنهم لا يستكبرون؛ قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [النحل: 49]، وقال: ﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [السجدة: 15].
4. أن الكبر سبب للطرد من الجنة ودخول النار:دل على ذلك حديثا الباب؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبرٍ))، وقال: ((لا يدخل الجنة أحدٌ في قلبه مثقال حبة خردلٍ من كبرياء))، ووصف الله تعالى النار في غير ما آية بأنها مثوى المتكبرين، فقال في سورة النحل: ﴿ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [النحل: 29]، وفي سورة الزمر: ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [الزمر: 60]، وفي سورة غافر: ﴿ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [غافر: 76].
قال الغزالي: "فالكبر آفة عظيمة هائلة، وفيه يهلك الخواص من الخلق، وقلما ينفك عنه العباد والزهاد والعلماء، فضلاً عن عوام الخلق، وكيف لا تعظُمُ آفته وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة مَن كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبرٍ))، وإنما صار حجابًا دون الجنة؛ لأنه يحول بين العبد وبين أخلاق المؤمنين كلها؛ لأنه لا يقدر على أن يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه وفيه شيء من الكبر، فما من خلق ذميم إلا وصاحب الكبر مضطر إليه ليحفظ كبره، وما من خلق محمود إلا وهو عاجز عنه؛ خوفًا من أن يفوته عزه، فمن هذا لم يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة منه"؛ [انظر: إحياء علوم الدين (3/ 345)].
5. أن المتكبرين يجازَوْن يوم القيامة من جنس أعمالهم، فكما تكبروا في الدنيا سيصيبهم الذل يوم القيامة، ولهم عصارة أهل النار:عن عبدالله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صورة الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار؛ طينة الخبال))؛ رواه الترمذي وقال: "حسن صحيح"، وحسنه البغوي؛ [انظر: شرح السنة للبغوي (13/ 168)].
6. أن الكبر سبب في صرف الإنسان عن الاتعاظ والاعتبار بالعبر والآيات:قال تعالى: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ [الأعراف: 146].
• من آثار الكبر ومظاهره:
1. عدم قبول الحق، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الباب: ((الكبر بطر الحق)).
2. احتقار الناس وانتقاصهم، كما في حديث الباب: ((الكبر بطر الحق وغمط الناس))، ويدخل في ذلك من باب الأولى: احتقار العمال والسخرية بهم.
3. سوء معاملة الناس والغلظة معهم؛ لأنه يرى أنه فوق الناس، وأن له حقًّا عليهم، إما بمال كبعض التجار، أو بجاه كبعض شيوخ القبائل، أو بمنصب كمدير مع موظفيه.
4. أكل حقوق الناس بالباطل؛ وذلك لأن المتكبر يرى أنه لا أحد يقوى عليه، وأنه يستطيع إنفاذ ما يريد.
5. رؤية النفس بأنها خير من غيرها؛ فالمتكبر يرى في نفسه خيرًا عظيمًا، وأنه أفضل من كثير من الناس إلا أنه يتواضع، فهذا كما قيل: شجرة الكبر مغروسة فيه إلا أنه قد قطع أغصانها، فهو يرى أنه من خير الناس وأعلاهم إلا أنه لا يتلفظ بهذا؛ لأن التلفظ بذلك مذموم، وهذا شعور قد يجده بعض طلبة العلم، وللشيطان عليهم بهذا مداخل، من أراد بسطها فليقرأ كتابًا نافعًا في هذا، اسمه: (تلبيس إبليس لابن الجوزي).
6. الترفع في المجالس والتقدم على الأقران، وهذا منشؤه إظهار ما في النفس من ترفع وحسد للأقران، والله المستعان، وعند التأمل يجد المتأمل كثيرًا من المظاهر التي يحكيها الواقع، نسأل الله السلامة والعافية.
• علاج الكبر:
هناك عدة أمور تعين بعد توفيق الله تعالى على التخلص من هذا الداء داء الكبر، منها:
1. تذكر نعمة الله تعالى عليك؛ فإن العبد إذا تذكر أن كل ما فيه من ميزات وخيرات إنما هو من نعم الله تعالى وأن الله تعالى أخرجه من بطن أمه لا يعرف شيئًا، فعرفه جل وعلا هذه النعم ليشكرها؛ قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]، إذا تأملت ذلك نسبت هذه الخيرات لمسديها، وعرفت أن هذه النعم أنت بحاجة إلى أن تشكر من وهبك إياها، لا أن ترتفع بها على الناس، وأن الذي أعطاك قادرٌ على أن يمنعك.
2. الاقتداء بهَدْي النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه؛ وذلك بقراءة سيرته صلى الله عليه وسلم وتواضعه مع الصبيان فيسلم عليهم ويمازحهم، ومع الجارية فيقضي حاجتها، ومع الأعراب بلينه معهم، ومع أهل بيته فيكون في مهنتهم، ومع أصحابه فيشاركهم العمل، ونحو ذلك من المواقف التي ملئت بها السنة النبوية.
3. تذكر الآخرة، وأن مآلك إليها، فاستعد لها، وتأمل من هم أهل النار، وعندئذ على ماذا تتكبر وأنت إلى الله راجع، وما عندك فانٍ، وأن المتكبرين من أهل النار؟! ففي صحيح مسلم من حديث حارثة بن وهب - رضي الله عنه -: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أخبركم بأهل الجنة؟))، قالوا: بلى، قال: ((كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره))، ثم قال: ((ألا أخبركم بأهل النار؟))، قالوا: بلى، قال: ((كل عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مستكبر)).
والعُتُلُّ: الجافي الغليظ، والجوَّاظ: المختال في مِشيتِه.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((احتجَّت الجنة والنار، فقالت هذه: يدخلني الجبارون والمتكبرون، وقالت هذه: يدخلني الضعفاء والمساكين، فقال الله عز وجل لهذه: أنت عذابي أعذب بك من أشاء، وقال لهذه: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها)).
4. قراءة سيرهم خير معين للنفس في التخلص من هذا الداء، وكتب السير مليئة بسيرهم، ومن أبرزها (سير أعلام النبلاء للذهبي)، أو قراءة المختصرات عليه، ومن أبرزها: (نزهة الفضلاء لموسى الشريف) و(تحفة العلماء لمحمد صفوت نور الدين)، أو اقرأ (التهذيب الموضوعي لحلية الأولياء لمحمد الهبدان) وهو كتاب قيم صدر حديثًا.
5. معرفة النفس على حقيقتها، وذلك حيث يتذكر الإنسان أنه خلق من ماء دافق، ويتذكر قول الله تعالى أيضًا: ﴿ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ﴾ [عبس: 18، 19]، وعن مطرف بن عبدالله بن الشخير أنه رأى المهلب وهو يتبختر في جبَّة خز، فقال: يا عبدالله، هذه مِشية يبغضها الله ورسوله، فقال له المهلب: أما تعرفني؟ فقال: بلى أعرفك، أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل العذرة، فمضى المهلب وترك مشيته تلك"؛ [انظر: إحياء علوم الدين للغزالي (3/ 359)].
ابذل جهدك لأن تسحق مارد الكبر في داخلك ، واعلم أن معركتك معه قوية ، فلا تتوقع أن نوازع الإستعلاء تستسلم بسهوله .. أيقظ كل جنود التواضع ليحرسوا قلبك
لنتأكد من سلامة منهجنا وإخلاص قلوبنا قبل أن نتفاجأ غدا أن ماكنا نحسبه صوابا ليس إلا ضلالا . ولنعي جيدا أن لافضل لأحد على آخر إلا بالتقوى ... وما يدرينا أننا أتقياء ؟!!! مهما عملنا تبقى القلوب في وجل ... اللهم غفرانك ورضاك
المصدر شبكة الالوكة
![](https://akhawat.islamway.net/forum/uploads/monthly_2022_04/275247419_999401237329364_8935911349456372253_n.thumb.jpg.7e54ef15ed99648d5fa466eb3f029a2f.jpg)
تعليق