بداية أريد أن أوضح انني لا أقتبس هذا الموضوع لمهاجمة تيار الإخوان أو لتشويه صورته .. بل لأنقل صورة مخالفة ورآي آخر في الأحداث الفارقة التي تمر بها بلدنا وأمتنا .. هدفي هنا أن ينصت إخواننا في الإخوان لهذا الحديث الموضوعي الرزين .. لأننا نحتاج هذا التيار بشدة و أكرر بشدة في الفترة القادمة ونحتاجه أن يكون قويا و مرتفع الرأس حتى عنان السماء .. والشعب لن يخذل أي ساعي بحق و سيهبه من الشرعية ما يكفيه و زيادة
ولا يفوتني هنا أن أشكر الدكتور عصام العريان على ما قام به ورفع رأس التيار الإسلامي عاليا .. وبالفعل أثبت أننا نختلف مع الإخوان سياسيا .. لكن والله هم من أحب الناس إلينا بأفعالهم الحميدة وأخلاقهم و قيمهم الرفيعة.
أترككم مع المقال:
محمد بن المختار الشنقيطي
تأتي الثورات العظمى بنظام قيم جديد، وميزان قوى جديد. فيصبح ما كان محظورا من حق التعبير والتنظيم في ظل الاستبداد أمرا مباحا بالبداهة، ويصبح ما كان مباحا من فساد وظلم من الموبقات. وبدون هذا الانقلاب في القيم السياسية لا تكون الثورة ثورةً تستحق هذه التسمية. وقد انبلج فجر الثورة المصرية الحالية عن هذا النمط من قلب الموازين وقلب نظام القيم السياسية. لكن الاستبداد يربي الناس على الرضا بالدون، والقبول بالسقوف الواطئة، بحيث لا يدركون عمق التغيير التي تأتي به الثورات إلا بعد لأي. وقد يجد هؤلاء أنفسهم وقد تجاوزتهم الثورة، ومنهم من كان عدوا للاستبداد ومناضلا في سبيل اقتلاعه، بل ترى بعضهم عاجزا عن استيعاب ما توفره له الثورة من فرص ما كان يحلم بتحقيقها إلا في أمد بعيد.
وما رأيناه من مشاركة الإخوان المسلمين في مصر في الحوار مع جناح الأمن العسكري المدعوم أميركيا في نظام مبارك، بقيادة عمر سليمان، مثال على هذه الظاهرة الكلاسيكية في تاريخ الثورات، وهي القبول بالسقوف الواطئة، في وقت رفع السقف، بل اقتلاعه. وهو موقف غريب حقا صدورُه من جماعة الإخوان المسلمين، لأسباب عدة، أهمها:
أولا: أن الإخوان أنفسهم لديهم تاريخ طويل من مقارعة الاستبداد في مصر، ولم تبذل حركة وطنية مصرية خلال القرن العشرين من ثمن مقارعة الاستبداد بقدر ما بذل الإخوان في أرواحهم وأموالهم وحرياتهم وكرامتهم الشخصية.
ثانيا: أن الجناح الذي تفاوض معه الإخوان يمثل أسوأ ما في نظام مبارك، فهو جناح استخبارات وتحالفات مشينة ومريبة مع إسرائيل وأميركا، فهو النقيض المنطقي لكل ما يمثله الإخوان، من مواقف إسلامية ووطنية.
ثالثا: أن عمر سليمان يحمل حقدا شخصيا عميقا على الإخوان ورسالتهم الفكرية والسياسية. وهذا موثق في وثائق الدبلوماسية الأمريكية السرية التي كشفتها ويكيليكس. فالإخوان هم آخر من نتوقع منهم القبول بشرعية سليمان، حتى ولو قبلها الآخرون.
ولعل من الدوافع التي يمكن أن تكون وراء هذا الموقف الإخواني الغريب:
أولا: الاعتياد على السقوف الواطئة التي اعتاد عليها الإخوان مع الأسف، بحيث لم يعودوا قادرين على الخروج منها إلا بتحول ذهني كبير يوازي التحول الثوري الهائل في مصر اليوم.
ثانيا: التعود على الهوية المنفصلة عن المجتمع جراء ثمانين عاما من العمل التنظيمي والسياسي في الظل، وتلك ظاهرة معروفة في تاريخ العمل السري.
ثالثا: ما دعاه د. حسان حتحوت “عبادة الصورة”، فالإخوان اليوم حريصون على إقناع فلول النظام والغرب بأنهم قوم عمليون وسياسيون براغماتيون.
بيد أن الإخوان بهذا الموقف قد أضروا كثيرا بصورتهم لدى شعبهم الثائر، والشعوب العربية التي تحبس أنفاسها انتظارا لانجلاء الأمور في مصر لصالح الثورة. وهذه الصورة أهم من أي صورة يريدون تسويقها أمام فلول النظام والغربيين الذين سيظلون يحقدون على الإخوان ولو خرجوا من جلودهم. والأسوأ من ذلك أنهم حفروا فجوة بينهم وبين شباب الثورة الذين هم وقود الثورة والممسك بزمامها. ومن الضروري أن يصححوا الإخوان هذا الخطأ الفادح فورا، فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الخطإ.
إن أسوأ ما يهدم الثورات هو الأنانية السياسية لدى مكوناتها، والتفكير في تحقيق مكاسب لجماعة أو حزب بعينه بعيدا على المصلحة العامة للشعب التي سالت من أجلها دماء الشهداء. ومشاركة الإخوان في المفاوضات مع عمر سليمان دون موافقة الشباب الذين أشعلوا الثورة، وإعلانهم النتائج في مقر كتلتهم البرلمانية بدلا من إعلانها في ميدان التحرير، وتحركهم القانوني لإطلاق سراح سجنائهم.. كلها بوادر مؤسفة تدل على عجز عن إدراك عظمة الثورة وأرجحيتها على أي مصالح خاصة.
وما يحتاج الإخوان إدراكه اليوم أن النظام يحتاجهم، وهم لا يحتاجونه، وأن الشعب هو الذي سيمنح الإخوان حقهم وحريتهم في العمل السياسي، بل هم قد أخذوا حقوقهم وحققوا حريتهم من خلال المشاركة الفاعلة في هذه الثورة العظمية، دون منة من فلول النظام أو من الغرب. فضلا عن أن أي مصالح جزئية –مهما تكن شرعيتها وأهميتها- يجب تأجيلها إلى حين تحقيق المصلحة الكبرى لمصر، وهي تقويض نظام الاستبداد والفساد.
لقد كان الإخوان سباقين إلى وضع تصور متكامل حول انتقال السلطة في مصر، بما فيه تولي رئيس المحكمة الدستورية لرئاسة الدولة، وتلك خطة عظيمة ستخلص مصر من الحكم العسكري الذي سامها الهوان وجر عليها المصائب، وهي تتضمن سقفا أعلى مما طالبت به القوى السياسية الأخرى التي أبدت ميلا إلى قبول عمر سليمان رئيسا مؤقتا. وجدير بالإخوان اليوم أن يتمسكوا برؤيتهم، وأن يسعوا إلى التلاحم مع الشباب العظيم الذي أشعل هذه الثورة، والذي هو نبض مصر وروحها اليوم.
وقد سمعتُ بعض الإخوان يرددون أنهم لن يرشحوا أحدهم لرئاسة الدولة، ولا بأس بهذا لطمأنة شركاء الثورة، فرئيس مصر الثورة لا بد أن يكون حلا وسطا يرضي الجميع ولا ينتمي انتماء صريحا لجهة واحدة. لكن بعض الإخوان أوغل في الانحناء قائلا إنهم لن يرشحوا للبرلمان أكثر من الثلث، وهذا أمر لا داعي له، وتنازل مجاني دون داع.
لقد انتهى عهد المطالبة، وبدأ عهد المغالبة، فاحذروا السقوف الواطئة أيها الإخوان، ولا تهدموا تراثكم المجيد في مقارعة الاستبداد والفساد بخطى متعجلة، وانحناءات قاصمة، وثمرات مريرة لم يحن بعد قطافها. إن مصر لم تعد تلتفت إلى الوراء، فلا تلتفتوا إلى الوراء
=========
نقلا عن موقع الأستاذ الشنقيطي:
http://www.shinqiti.net/?p=160
=========
نقلا عن موقع الأستاذ الشنقيطي:
http://www.shinqiti.net/?p=160
تعليق