اتفاق مكة بين صلح الحديبية و فتح مكة
..حكمت سنة التاريخ أن تتوالى أحداث الزمان على البشرية تطابق كلٌ منها أختها .. فتتكرر أبعادها المنطقية مع اختلاف بعد الزمان و المكان .. لكن يبقى للب المنطق وجوده ..
ليس عنا ببعيد في تاريخ البشرية يوم أن خرجت الخوارج على سيدنا علي رضي الله عنه ، صهر خير الخليقة ، و وزوج بنته و درة قلبه ، و أبو سبطيه ، وحامل شرف آل بيته من بعده صلى الله عليه وسلم .. عمه سيد الشهداء حمزة ، و أخوه جعفر الطيار ..
مربط الفرس في الموضوع يوم أن حاور سيدنا عبدالله بن عباس - حبر الأمة و ترجمان القران - الخوارج فيما كفروا فيه المفدى كرم الله وجهه .. فكان أن قالوا أن عليا رضي الله عنه كافر لأنه حكم الرجال في دين الله ، و أنه تنازل عن صفة أمير المؤمنين ، و هو إن لم يكن أمير المؤمنين كان أمير الكافرين ، و أنه كفر لأنه لم يسبِ من كان ضده ، فهو إن لم يسبهم أقر بصحة فعلهم ،اذا فقد كفر بقتاله لهم !!..
فما كان من سيدنا إبن اعباس إلا أن أفحمهم بمنطق الحجة و البرهان فقال مما قال ما معناه أن الله حكم الرجال بين الرجل و زوجه في الطلاق " و ان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من اهله و حكما من اهلها ان يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما " .. فكيف لا يحكم الرجال في دماء الأمة .. فقالوا في هذه صدقت ... قال أما الثانية .. فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم تنازل عن صفة الرسالة يوم أن وافق على مسح كلمة رسول الله من نص معاهدة صلح الحديبية .. و ذلك من أجل تحقيق غاية أسمى تمثلت فيما بعد بفتح مكة ... أفلا يتنازل علي كرم الله وجهه عن الإمارة حتى يحقن دماء المسلمين ؟! .. فقالوا صدقت . قال أم الثالثة فكيف يسبي أمه ؟؟ أليست عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا} فكيف لمسلم أن يسبي أمه ؟؟ فقالوا صدقت .. و هنا تكررت سنة الله في الأرض باصرار الكفرة على كفرهم رغم البينة ..
ننطلق من هذا الحدث التاريخي إلى حدث آخر سبقه .. مرتبط معه في لب المنطق و فكره .. إلى صلح الحديبية الذي استشهد عبد الله بن عباس رضي الله عنه باحد مواقفه .. . فلقد رأى الصحابة فيه اجحافا كبيرا .. بل إنهم كادوا يفتنون يوم أن لم ينفذوا أوامر المصطفى في الحلق و التحلل من الإحرام .. إلا أنهم اتبعوا الأمر بعد أن فعله رسول الله أمامهم ...
شروط مجحفة لمن ينظر إليها دون إدراك و فهم .. إلا لمن الهمه الله عكس ذلك .. و فعلا .. فقد كانت نظرة النبي أوسع و أبعد .. كيف لا وهو رسول الله صلى الله عليه و سلم ..
وقف العمرة و اعادتها في العام المقبل ، رد من اسلم من قريش ، في حين قبول قريش بمن أتاها من المسلمين ، التنازل عن صفة الرسالة في نص المعاهدة ، وقف القتال لأجل معلوم .. و غيرها من الشروط .. التي كانت رغم اجحافها سببا في تفرغ المسلمين لنشر دعوتهم في شتى اصقاع الدنيا حينها .. ثم كان بعدها .. تمكن المسلمين و رفعة لوائهم و زيادة قوتهم .. ثم هي سنة أو أقل حتى فتحت مكة !!
تتكرر أحداث الزمان مرة أخرى ..بل مرارا و تكرارا .. فكم من معاهدة عقدها أئمة المسلمين .. كانت لهم بحول الله و قوته نصرا مؤزرا و فتحا مشرفا ..
و لكم تكرر في الزمان الرافضون المتعنتون المثبطون لهمم المسلمين و لعزائمهم و لإجماعهم .. و التاريخ يعيد نفسه .
وقعت قبل فترة وجيزة حركة المقاومة الاسلامية حماس اتفاقا مع من قاتلها و وقف في وجهها و زرع الأشواك في طريقها .. مع التي تسمى حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح .. كان فيه ما ظنه البعض تنازلا و خيانة و تفريطا و و و الكثير من المسميات التي نعت بها الاتفاق و نعتت بها الحركة المجاهدة ..
و هنا للا بد لنا من وقفة ..
قبل اطلاق الأحكام لننظر إلى نقطة كانت ستلي فشل الإتفاق لو قدر له ذلك .. ولنتخيل .. حرب أهلية ، قتل ، دمار ، دماء .. بل لربما أشياء لن تخطر بالبال .. و لهدم الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من إراقة دم امرئ مسلم .. و كل من سيكون سببا في اشعال هذه الفتنة سواء بالكلمة أو الموقف من التراضي أو بالرفض .. فله كفل من الإثم ..
نقطة أخرى .. الاتفاق لم يبدل و لم يغير من مواقف حركة حماس .. فالهدنة أعلنت من قبل ، و نص الاحترام للاتفاقايات الموقعة كتب في وثيقة الاسرى و في كل نقاط الحوار التي طرحت .. وهذا فيه شيء من المراوغة السياسية التي تراهن عليه حماس .. و لا ننسى هنا المواقف التاريخية المسجلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية و لعلي بن ابي طالب كرم الله وجهه في التحكيم و مع الفتنة .. حيث تقدير الأمور كان أبعد و أكبر ..
أمر آخر نقف عنده في هذا الحدث الجلل .. مأخذ يؤخذ على الحركة المجاهدة أنها قبلت في حكومتها الوطنية علمانيين و شيوعيين ووو .. نذكر هنا بنبي الله يوسف عليه السلام .. يوم أن تولى منصب وزير الإقتصاد في ظل حكم فرعون الذي نازع الله عز وجل في ألوهيته - حاشى رب العزة أن ينازعه في ملكه أحد - .. لكن كان في بعد نظر سيدنا يوسف بعد توفيق الله له ما مكنه من نشر دين الله في الأرض رغم أنف فرعون ..
ثم إن مطلب الوحدة الوطنية نادت به الحركة المجاهدة منذ أول يوم نالت فيه ثقة الشعب في المجلس التشريعي ..
أمر آخر هو مُــر .. يدمي القلب و يفتق المرارة .. إلى كل من وجه لسانه اللاذع طعنا و غدرا و فحشا في الحركة المجاهدة على توقيعها على الاتفاق .. أين كنتم قبل الاتفاق ؟؟ و أين كانت أسنتكم قبل الإتفاق ؟؟ و لنتذكر هنا .. أنه في كل خطوة كانت تخطوها الحركة المجاهدة نرى نفس الأسن الصدئة تطعن و تشوه و تغدر .. لأجل غاية في أنفسهم لا لأجل النصح و الإرشاد .. و إلا أين كانوا يوم المواقف التي يدعون الآن ان الحركة إنحرفت عنها ؟؟ أم أن الطعن و القذف و التشهير أصبح الغاية و الوسيلة ؟؟ ( قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا ﴿18﴾ أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا ﴿19) الأحزاب .
و لمن لا يعجبه الأمر .. أترك لغيرك أن يسير في طريقه .. و التاريخ كفيل بأن يظهر المحق من المخطئ .. و أرنا فعلك و أثرك في هذا التاريخ .. لا أن تكون حجر عثرة في وجه الدعاة .. اذا لم يعجبك طريقهم .. فاسلك غيره .. و أرض الله واسعة .. و لكل مجتهد نصيبه .. و الله وحده عظم في وحدانيته له الملكوت و القدرة على مجازاة الخلق و محاسبتهم .
د. عزالدين
تعليق