خاطرة حول آية (2)
هل جربت أن تكون ملعقة؟
بقلم: خالد الطبلاوي
(لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)) سورة النساء.
لي صديق لا يمل من طرْق أبواب الخير، كأنما تنفس الخير حتى سرى في عروقه، فهو يتحسس سبله ليل نهار، ولقد كنا صحبةً لا تنفك عن التواصل رغم شروخ المشاغل، نتواصى بما يصلح أمر ديننا ودنيانا.
وكان لكلٍ منا طاقة تميزه، ومواهبُ تعززه، فلا يتعدى مواهبه وطاقته، وهو يطلب هدفه ويرجو غايته، إلا صاحبي هذا؛ فإن له عقل التاجر الماهر، وحنكة الحكيم الأريب، يدرك أن الطاقة أصناف وأنواع، وأن المواهب في النفس كالكنز النفيس، يحوزها الصبور في التنقيب، ثم يحسن إدارتها الحفيظ الحسيب.
مررنا ذات يومٍ بمظلة خاويةٍ على عروشها، كانت تظل المسافرين، وتؤوي إليها المنتظرين، حفر خرابها في نفوسنا الكآبة، فكم كانت في حر الصيف كالسحابة، وكانت للعابرين في الشتاء المقر، تكفيهم الزمهرير والمطر، لكننا لزمنا الأسف والحزن فلم نبرح عليهما عاكفين، أما صديقنا فقد أسر أمرًا، وتحرك سرًّا، وما مر الهلال حتى صارت المظلة في أفضل حال.
ولما تتبعت الأثر، واستقصيت الخبر، علمت أن صاحبي حث أحد الموسرين، وحرك فيه الخير الدفين، فأصلح على نفقته المظلة، حتى كأن لم يكن بها من علة، فحصَّل أجر الدال على الخير، فقد هب إليه في خفة الطير.
وما تزال تلك من سماته، يضاعف بها من طيباته، كلما عجز أن يفعل خيرًا بيديه، أسرع فحض الناس عليه، وتالله إن هذا لأمر هيِّن، لكل حصيفٍ ذي لسان ليِّن، يزين للناس فعل الخيرات، ويفتح لهم سبل الحسنات، فيعمل فيهم عمل المِلْعقة، يحرك الطيبات المعلَّقة، فينشر في المجتمع العطاء، كما يذوب السكر في الماء، فطوبى لمن كانت في الخير نجواه، فقد عمَّرَ بالطيبات الصالحات مثواه.
تعليق