أكثر من شهر مضى على توقيع اتفاق المصالحة، ومن احتفل حينها بالمناسبة ومن بينهم أهالي المعتقلين السياسيين ومعتقلون سابقون لدى أجهزة السلطة كانوا يتوقعون ألا يمضي أكثر من أسبوع قبل خروج أبنائهم، وتوقف الاستدعاءات للتحقيق على خلفية الانتماء السياسي.
وها قد مرّت كل تلك الأيام، دون أن يلوح في الأفق تقدم يذكر على أي مسار يخص بنود الاتفاق، السياسية منها والأمنية، وأهمها قضية الاعتقال السياسي، واستمرار التجاوزات من قبل الأجهزة الأمنية في الضفة ضد خصومها السياسيين وعلى رأسهم حماس، وهي تجاوزات تتراوح ما بين استمرار الاعتقالات والاستدعاءات، والمضي في سياسة حظر أي نشاط أو تخريبه والتشويش عليه، كما حدث في الخليل في ذكرى النكسة عندما عمدت مجموعة فتحاوية موجهة من قبل الأجهزة الأمنية لتخريب فعالية نظمتها مجموعات شبابية على الفيسبوك!
نفهم جيداً منطق الأجهزة الأمنية في الضفة، وقد حفظناه عن ظهر قلب، فهو قائم على الدجل من ناحية، وتضليل الشارع من ناحية أخرى، وهو ما ينسحب على قادة فتح في جميع مستوياتهم، فهم يوجهون أوامر القمع والتخريب لعناصر الأجهزة من جهة، فيما يعلنون من جهة أخرى أن ملف الاعتقال السياسي في طريقه للحل، وأنه ينتظر فقط توقيع عباس عليه ليفرج عن جميع الأسرى، وقد يتمادى بعضهم في الاستهبال فيقول إن من يمارس الاعتقال في الضفة ليس حركة فتح! رغم أن هذا يتطلب منهم في المقابل قدراً قليلاً من الجرأة للإقرار بأن (الشركات الأمنية) العاملة في الضفة تتلقى أوامرها من راعيتها أمريكا مباشرة، ولا سبيل لإرغامها على تسريح جميع المعتقلين لديها سواء على خلفية النشاط السياسي أو المقاوم للاحتلال!
لكننا لا نفهم، ولن نتفهم، موقف الشارع الذي ما زال متردداً في حمل مشعل الاحتجاج وفي انتزاع حقه بيده، ورد الاعتبار لنفسه ولكرامته المستباحة، رغم أن عوامل الاحتقان الداخلي وفيرة ومتصاعدة، لكن حالة الشلل واللامبالاة التي تحدثنا عنها في مقالات سابقة تجاه مختلف القضايا على الساحة تحمل المتقاعسين والمقصرين على تبرير قعودهم، وعلى تحميل غيرهم المسؤولية، وافتراض أن القادة هم من يجب أن يحصّلوا الحقوق ويردوا المظالم إلى أهلها، وأن عدم تحرك القادة على نحو ملموس مبرر لتخاذل الأفراد!
لقد آن الأوان لتحويل الاحتجاج على الاعتقال السياسي إلى قضية رأي عام تهمّ جميع شرائح المجتمع، وهذا يتطلب قبل كل شيء أن ينطلق الرفض من كون الاعتقال السياسي يأتي في سياق تنفيذ الالتزامات الأمنية للاحتلال، وهي التزامات تظل ماضية حتى في ظل تعثر العلاقات السياسية بين السلطة والاحتلال، ورغم توقيع مصالحة فلسطينية، وهذا يستلزم أن يكون عنوان التحرك إسقاط التنسيق الأمني برمته، وبغض النظر عمّا يجري في أروقة الحوار الفلسطيني.
وحين يحمل الشارع كلّه همّ هذه القضية، وليس فقط أهالي المعتقلين أو مناصري فصائل المقاومة، فلن تتمكن أية جهة من تجيير إنجازاته لخدمة أهدافها، ولا من إلزام حركة الشارع بالتوقف مراعاة لحسابات الفصائل واتفاقاتها، ولا من الاكتفاء بقطف ثمار ترقيعية متواضعة، فعجلة الوطنية الفلسطينية لا يمكن أن تسير في ظل ارتهان الإرادة، أو التعويل على حلول تسكينية مؤقتة، وأول خطواتها تبدأ حين يكسر حاجز الخوف والتردد، وتنفى اللامبالاة من قاموسنا، وتصبح كل قضية عامة خاصة بنا ولصيقة بضمائرنا، ومحفزة لطاقاتنا!
تعليق