في إعلان توقيع المصالحة الفلسطيني المفاجئ الأخير ثمة ما يبعث على التفاؤل، وفي الوقت ذاته ما يدعو للتشاؤم والشك بجدوى تطور الاتفاق إلى مصالحة حقيقية.
ما يبعث على التفاؤل أن التوقيع الأوليّ حدث دون مقدمات إعلامية كانت سابقاً تنتهي بإعلان تعثّر الحوار بعد حملات دعائية وتأكيدات سياسية على قرب توقيع الاتفاق من مختلف الأطراف، وما يبعث على التفاؤل أن راعي الاتفاق هذه المرة ليس نظام مبارك-سليمان الذي كان منحازاً لفتح ضد حماس، وضاغطاً على الأخيرة بوحي من المطالبات الإسرائيلية، ودافعاً باتجاه تطويع أية صيغة تفاهم لتكون مقبولة دولياً ومتماشية مع شروط الرباعية.
أما ما يشي بقدر غير قليل من التشاؤم فهو أن صيغة التفاهم التي رشحت للإعلام لا تكاد تتجاوز سقف الشؤون التفصيلية والإجرائية المتعلقة بالانتخابات والمنظمة والأمن والحكومة، في ظل غياب شبه كامل للحديث عن البرنامج الوطني أو حدود المرجعية السياسية لتلك القضايا، وكأن المطلوب فقط إنجاز هياكل وظيفية تحضّر لانتخابات جديدة مع بقاء كل شيء على حاله!
قلنا سابقاً إن مشكلتنا الداخلية وأساس اختلافنا لم تكن قضية الانتخابات ولا شكل الحكومة وعناصرها، بل التباين المنهجي الشاسع بين خيارين قائمين على الساحة، ولم تكن الإشكالية المتعلقة بالانتخابات ورفض فتح العملي لنتائجها أو التسليم باستحقاقاتها سوى إحدى تجليات ذلك التباين، مضافاً إليه التدخل الأمريكي والإسرائيلي المباشر في الشأن الفلسطيني ومحاولة فرض فيتو على جميع الأجندة الوطنية، وهو الأمر الذي لم يجابه بأية ممانعة من قبل حركة فتح وقيادة السلطة!
فهم أبجديات الخلاف ومفاصله يعين دون شك على تحديد أولويات المصالحة ومحاور الوفاق، والمخارج من حالة الجمود الحالية، ولكن لم يظهر حتى الآن ما يشير إلى إمكانية حدوث خلخلة واضحة في مواقف السلطة ونهجها المتصلب في مراهنته على خيار التسوية وجميع مقتضياته بما فيها التنسيق الأمني الذي قضى على ما تبقى من خطوط للرجعة أمام قيادة السلطة.
ولذلك لا يبدو مفهوماً للمواطن العادي كيف يمكن توقيع اتفاق مصالحة قبل البتّ علناً في جميع القضايا التي كانت وما زالت معيقات حقيقية وكبيرة أمام التقارب بين قطبي الساحة الفلسطينية، صحيح أنه مفهوم أن أياً من الطرفين لن يلغي برنامجه لصالح الآخر، غير أن قضية من طراز مشروع التنسيق الأمني لا يمكن أن تكون شأناً يستقيم إلحاقه ببرنامج حزبي لأي فصيل وطني، ولذلك كان منتظراً أن نقرأ فصول اتفاق سياسي ووطني واضحة تعيد تأصيل الموقف العام من الحقوق والثوابت، وتشكل مرجعية لبقية الأمور التفصيلية، لا أن نطالع حديثاً حول قضايا إجرائية ليست أصلاً جوهر خلافنا الداخلي ولا المعضلة التي أنتجت حالة الانقسام!
وإن كان بحث البرنامج الوطني سيؤجل إلى مرحلة لاحقة فهذا يعني أن الاتفاق لم يقم على أساس متين، أما إن كان قد اتفق على معالمه العامة وتم إرجاء الإعلان عنه لسبب أو لآخر، فهذا سيخلق إشكاليات لاحقة عند صياغة برنامج الحكومة المؤقتة التي لا بد أن تتضمن نصوصاً سياسة واضحة لا تقبل ازدواجية التأويل!
نأمل أن تكون قيادة فتح قد وعت المتغيرات العربية جيداً وأدركت قيمة الرهان على إرادة الشعوب واستحالة تزيف إرادتها وتلويث وعيها، لأنه إن لم تكن لديها نية لتغيير نهجها وشطب عوامل الارتهان والتبعية منه فعلينا أن نتوقع انهياراً قريباً للاتفاق، مع فارق أن الشعب هذه المرة سيكون مستعداً لقول كلمة فاصلة يترجمها انتفاضة كبرى تنسف أولاً كل من يعرقل مسيرته نحو التحرر أو يصرّ على التمسك بعهوده والتزاماته تجاه الاحتلال!
تعليق