بوسعنا أن نصف خطاب الرئيس مبارك بمناسبة عيد العمال بأنه «خطاب تكذيب الشائعات». إحدى تلك الشائعات تعلقت بحالته الصحية، وتحدثت عن ترتيبات لعودته مرة أخرى إلى مستشفى ألمانيا الذى أجرى فيه الجراحة، بدعوى أنه تعجل فى مغادرته، وأن الرعاية الطبية التى توافرت له فى شرم الشيخ لم تكن كافية لتعافيه على النحو المنشود.
لكن الرئيس حين ظهر على المنصة فى حالة طبيعية، وحين تحدث بصوت قوى مستعيدا مرحه المعتاد، وحين كان ينصت إلى تعليقات القاعة ويتجاوب معها. فإنه كذب تلك الشائعات التى تحدثت بصورة مقلقة عن حالته الصحية، وبدا هذا التكذيب صريحا حين قال إنه يجد نفسه الآن أقوى عزما وأشد تصميما (لاحظ أن الأهرام أبرزت العبارة باللون الأحمر واعتبرتها العنوان الرئيسى للصفحة الأولى) وما كان ينقص هذه الإشارة إلا أن يضيف بعد ذلك، «كما يشيع البعض هذه الأيام».
الشائعة الثانية التى كذبها الرئيس مبارك كانت تلك التى تحدثت عن احتمال عدم ترشحه للولاية السادسة، واعتزامه إخلاء الموقع لابنه جمال، الذى يهيئ نفسه لخلافة والده، وإذ نفت الصورة التى ظهر عليها الرئيس ما تردد عن إصابته بالضعف وعدم قدرته على مباشرة مهامه، إلا أنه أكد معنى الاستمرار حين قال صراحة أمام الجميع «سأكون معكم دائما»، ورغم أن العبارة يمكن أن تحمل بأكثر من معنى، فإنها حين تصدر عن الرئيس وهو فى السنة الأخيرة لولايته، فإنها ترجح معنى الحرص على الاستمرار فى المنصب.
كذّب الرئيس أيضا ما أشاعه أو تمناه بعض المتفائلين من أنه يتجه إلى إحداث بعض التعديلات الدستورية التى طالب بها دعاة التغيير. كما أنه كذّب ضمنا ما تردد عن اعتزامه تعيين نائب لرئيس الجمهورية. لقد اعتبر أن الإصلاح السياسى قطع أشواطا بفضل تعديلات الدستور التى تمت فى سنة 2005، والتى اعتبرها الباحثون والناشطون المصريون «كارثية»، من حيث إنها كرست احتكار السلطة وأضافت المزيد من القيود على الحريات العامة. وذهب الرئيس فى كلمته إلى أن المطالبة بالتغيير الذى طالبت به العناصر الوطنية تفتح الباب للانفلات والفوضى.
ولم يخل ذلك التعبير من مفارقة، ذلك أن الناشطين المصريين ما برحوا يحذرون طوال السنوات الخمس الأخيرة، على الأقل، من أن التقاعس عن تحقيق الإصلاح السياسى بما يسمح بإجراء التغييرات بالأساليب السلمية والديمقراطية من شأنه أن يهيئ المناخ للانفجار والفوضى. ولكن الرئيس قلب المعادلة، واعتبر أن الفوضى كامنة فى مطلب التغيير، الذى اعتبره نوعا من المزايدة واللعب بالشعارات.
كذّب الرئيس أيضا الشائعات التى قالت إنه سيقدم «هدية» إلى العمال فى عيدهم. وحين تحدث عن الربط بين الأجور والإنتاج، فإنه رفض ضمنا أن يربط الأجور بالأسعار وارتفاع نفقات المعيشة. وبذلك فإنه رد حكم المحكمة الإدارية التى قضت بإلزام الحكومة بإعادة النظر فى الحد الأدنى للأجور، نظرا للارتفاع الشديد فى أسعار السلع الذى أرهق ذوى الدخول الضعيفة وضاعف من أعداد الذين يعيشون تحت حد الفقر.
بقيت عندى ثلاث ملاحظات على الخطاب، الأولى أنه ليس فى السياسة آخر كلام. وما يقال اليوم قد يتغير غدا، ليس فقط بسبب تغير الظروف، ولكن أيضا حينما يكون الكلام بالمجان، وليس خاضعا للمساءلة والحساب. ناهيك عن أن للأقدار تصاريفها أيضا.
الثانية أن باب المراهنة على التغيير فى ظل الأوضاع القائمة ومن خلالها بات مغلقا. ومن ثم تعين على دعاة التغيير أن يطرقوا بابا آخر وأن يعيدوا النظر فى خطابهم وأساليبهم.
الثالثة أن الرئيس مبارك بطبيعته ضد التغيير ويتصور أن الثبات قرين الاستقرار، حتى إذا كان من شأنه تجميد الأوضاع وتحنيط الدعائم والأركان. ذلك أوضح ما يكون فى خطاب الحزب الوطنى الذى يرأسه، حين رفع قبل سنتين شعار «الفكر الجديد»، الذى لم يكن سوى استنساخ للفكر القديم، وهى الحيلة التى لم تنطل على أحد
لكن الرئيس حين ظهر على المنصة فى حالة طبيعية، وحين تحدث بصوت قوى مستعيدا مرحه المعتاد، وحين كان ينصت إلى تعليقات القاعة ويتجاوب معها. فإنه كذب تلك الشائعات التى تحدثت بصورة مقلقة عن حالته الصحية، وبدا هذا التكذيب صريحا حين قال إنه يجد نفسه الآن أقوى عزما وأشد تصميما (لاحظ أن الأهرام أبرزت العبارة باللون الأحمر واعتبرتها العنوان الرئيسى للصفحة الأولى) وما كان ينقص هذه الإشارة إلا أن يضيف بعد ذلك، «كما يشيع البعض هذه الأيام».
الشائعة الثانية التى كذبها الرئيس مبارك كانت تلك التى تحدثت عن احتمال عدم ترشحه للولاية السادسة، واعتزامه إخلاء الموقع لابنه جمال، الذى يهيئ نفسه لخلافة والده، وإذ نفت الصورة التى ظهر عليها الرئيس ما تردد عن إصابته بالضعف وعدم قدرته على مباشرة مهامه، إلا أنه أكد معنى الاستمرار حين قال صراحة أمام الجميع «سأكون معكم دائما»، ورغم أن العبارة يمكن أن تحمل بأكثر من معنى، فإنها حين تصدر عن الرئيس وهو فى السنة الأخيرة لولايته، فإنها ترجح معنى الحرص على الاستمرار فى المنصب.
كذّب الرئيس أيضا ما أشاعه أو تمناه بعض المتفائلين من أنه يتجه إلى إحداث بعض التعديلات الدستورية التى طالب بها دعاة التغيير. كما أنه كذّب ضمنا ما تردد عن اعتزامه تعيين نائب لرئيس الجمهورية. لقد اعتبر أن الإصلاح السياسى قطع أشواطا بفضل تعديلات الدستور التى تمت فى سنة 2005، والتى اعتبرها الباحثون والناشطون المصريون «كارثية»، من حيث إنها كرست احتكار السلطة وأضافت المزيد من القيود على الحريات العامة. وذهب الرئيس فى كلمته إلى أن المطالبة بالتغيير الذى طالبت به العناصر الوطنية تفتح الباب للانفلات والفوضى.
ولم يخل ذلك التعبير من مفارقة، ذلك أن الناشطين المصريين ما برحوا يحذرون طوال السنوات الخمس الأخيرة، على الأقل، من أن التقاعس عن تحقيق الإصلاح السياسى بما يسمح بإجراء التغييرات بالأساليب السلمية والديمقراطية من شأنه أن يهيئ المناخ للانفجار والفوضى. ولكن الرئيس قلب المعادلة، واعتبر أن الفوضى كامنة فى مطلب التغيير، الذى اعتبره نوعا من المزايدة واللعب بالشعارات.
كذّب الرئيس أيضا الشائعات التى قالت إنه سيقدم «هدية» إلى العمال فى عيدهم. وحين تحدث عن الربط بين الأجور والإنتاج، فإنه رفض ضمنا أن يربط الأجور بالأسعار وارتفاع نفقات المعيشة. وبذلك فإنه رد حكم المحكمة الإدارية التى قضت بإلزام الحكومة بإعادة النظر فى الحد الأدنى للأجور، نظرا للارتفاع الشديد فى أسعار السلع الذى أرهق ذوى الدخول الضعيفة وضاعف من أعداد الذين يعيشون تحت حد الفقر.
بقيت عندى ثلاث ملاحظات على الخطاب، الأولى أنه ليس فى السياسة آخر كلام. وما يقال اليوم قد يتغير غدا، ليس فقط بسبب تغير الظروف، ولكن أيضا حينما يكون الكلام بالمجان، وليس خاضعا للمساءلة والحساب. ناهيك عن أن للأقدار تصاريفها أيضا.
الثانية أن باب المراهنة على التغيير فى ظل الأوضاع القائمة ومن خلالها بات مغلقا. ومن ثم تعين على دعاة التغيير أن يطرقوا بابا آخر وأن يعيدوا النظر فى خطابهم وأساليبهم.
الثالثة أن الرئيس مبارك بطبيعته ضد التغيير ويتصور أن الثبات قرين الاستقرار، حتى إذا كان من شأنه تجميد الأوضاع وتحنيط الدعائم والأركان. ذلك أوضح ما يكون فى خطاب الحزب الوطنى الذى يرأسه، حين رفع قبل سنتين شعار «الفكر الجديد»، الذى لم يكن سوى استنساخ للفكر القديم، وهى الحيلة التى لم تنطل على أحد
تعليق