المصدر:
في إحدى ليالي شتاء العام 2000 قضى المبعوث الأمريكي الخاص آنذاك للمنطقة دينيس روس، والذي كان مسؤولاً عن تنسيق عملية التسوية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، أكثر من ساعة ينتظر واقفاً أمام منزل الحاخام المتطرف عفوديا يوسيف، زعيم حركة " شاس " الدينية اليهودية المتطرفة، قبل أن يؤذن له بالدخول على الحاخام الذي كان مشغولاً بإعطاء درس ديني لعدد من طلابه. وعندما دخل روس، فإذا بالحاخام وقبل أن يأذن له بالكلام يستفسر عن مدى التزامه بتعاليم الدين اليهودي، على اعتبار أن روس يهودياً. روس تحمل كل هذا العناء راضياً من أجل السماح له بوضع الحاخام في صورة الجهود التي تبذلها الإدارة الأمريكية في مجال التسوية، ومن أجل إقناع الحاخام بعدم سحب وزراء حركته من الحكومة الإسرائيلية حتى تظل تتمتع بالأغلبية البرلمانية. ومثل روس فعل ميجيل موراتينوس الذي كان مبعوثاً للاتحاد الأوروبي والآن يشغل منصب وزير خارجية أسبانيا، الذي كان يعتمر القبعة اليهودية قبل دخوله على الحاخام من أجل محاولة إقناعه بإبقاء حركته في الحكومة الإسرائيلية. كل من الولايات المتحدة التي مثلها روس والاتحاد الأوروبي الذي مثله موراتينوس كانا يبرران التقرب والتزلف من الحاخام المتطرف بالقول إنه لا يمكن تجاهل حركة شاس التي تحتل 13% من مقاعد البرلمان الإسرائيلي، وأن هذا يعبر عن احترام كل من الإدارة الأمريكية وأوروبا لقرار الناخب الإسرائيلي. والآن نجد كلاً من واشنطن وأوروبا يرفضان الاعتراف بحكومة تشكلها حركة حماس التي فازت بأكثر من 55% من مقاعد البرلمان الفلسطيني، ليس هذا فحسب، بل إن أوروبا وأمريكا لا تتورعان عن التهديد بمعاقبة الشعب الفلسطيني على خياره الحر بانتخاب قائمة " حماس ". هذا مع أن حركة " شاس " التي كان ممثلو الغرب يتزلفون لزعيمها، هي حركة متطرفة، ولا مجال هنا لذكر جملة المواقف والتصريحات العنصرية المقيتة التي كانت تصدر عن قادة الحركة وعن الحاخام يوسيف نفسه، الذي دعا إلى قتل الفلسطينيين كالأفاعي، وإصداره العديد من " الفتاوى " التي تنتقص من آدمية الفلسطينيين. إن المواقف المتناقضة من حركتي حماس وشاس – وعذرا للجمع بين النقيضين - تعكس حقيقة النفاق الأوروبي الأمريكي الذي يعتمد معايير مزدوجة في النظر إلى اسرائيل من جهة والعرب والفلسطينيين من جهة ثانية. وللأسف أن حدود النفاق لا تنتهي عند أمريكا وأوروبا، بل تعدته للنظام العربي الرسمي، فالحاخام يوسيف دعي للقاء أكثر من زعيم عربي، وتم استقباله كما يتم استقبال قادة الدول، وهانحن نلحظ أن الدول العربية تصمت صمت من في القبور إزاء التهديدات الأوروبية والأمريكية بقطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني في أعقاب فوز حماس، ليس هذا فحسب، بل إن بعض المسؤولين العرب تطوع لمطالبة حماس بالاستجابة للشروط الأوروبية الأمريكية القاضية بالاعتراف بإسرائيل وإلغاء ميثاقها، إلى غير ذلك من المواقف غير المشرفة للنظام الرسمي العربي . لقد كان أقل مقتضيات الكرامة القومية للعالم العربي أن يصدر موقف عربي رسمي نقيض للموقفين الأوروبي والأمريكي، لكن هذا للأسف لم يحصل، وهناك تخوف حقيقي من أن تقوم الدول العربية بلعب دورها في معاقبة الشعب الفلسطيني عبر قطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية في حال شكلت حماس الحكومة المقبلة. لكن أكثر المواقف خطورة من فوز حركة حماس هو الموقف الصادر عن حركة " فتح " فور الإعلان عن نتائج الانتخابات، والرافض للمشاركة في حكومة بزعامة حركة حماس. على الرغم من كل المبررات التي يقدمها المتحدثون باسم " فتح "، فإن هذا الموقف هو موقف عدائي يقصد منه معاقبة الشعب الفلسطيني على خياره الحر ، وإفشال حركة حماس ووضعها في ورطة كبيرة، بهدف إيصالها إلى نقطة تتنازل معها عن إنجازاتها الانتخابية غير المتوقعة. إن الموقف الرسمي الذي تتخذه " فتح " من فوز حماس أخطر بكثير من المواقف الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية والعربية مجتمعة، إذ إن الموقف الفلسطيني الموحد هو شرط أساسي من أجل إحداث تصدع في المواقف الخارجية. صحيح أن حركة " فتح " تؤكد أن لها برنامجاً مختلفاً عن حركة حماس، وبالتالي لا يمكن الجلوس معها في حكومة واحدة، لكن هذا لا يعني إطلاقا الرفض المبدئي لفكرة المشاركة في حكومة تشكلها حماس. ومن المفارقة ذات الدلالات أن أحد أهم الاستنتاجات التي خلصت لها دوائر التقدير الاستراتيجي للدولة العبرية في أعقاب فوز حماس كان الإجماع على أن مصلحة إسرائيل تقتضي ألا توافق حركة " فتح " على المشاركة بحكومة بزعامة حركة حماس !
على " فتح " أن تعي أنه عبر المواقف الكيدية والتي تلتقي مع إرادة أعداء الشعب الفلسطيني لا يمكنها أن تستعيد ثقة الشعب الفلسطيني. فعلى الرغم من خطورة الموقف الذي تواجهه حركة حماس في هذه الأثناء، فإن الشعب الفلسطيني لن ينحاز إلا لمن يقف في صفه، ولا يعمل على تحقيق رهانات أعدائه. لقد كان من المفترض أن يشكل إعلان إسرائيل على الملأ أن مصلحتها تقتضي عدم مشاركة " فتح " بحكومة حماس، مسوغاً لأن تفكر " فتح " ألف مرة قبل رفض عرض حماس بالمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية. لقد كان الأجدر بقادة " فتح " أن يبحثوا عن الأسباب الحقيقية وراء تراجع حركتهم ، وأن يعقدوا العزم على إصلاح الخلل – ليس فقط البنيوي داخل الحركة – بل وقبل شئ الخلل في التوجهات السياسية للحركة، ومراجعة تجربة السلطة الفلسطينية التي جعلت الشارع الفلسطيني ينفض يده من ممثليها . لقد قال الشعب الفلسطيني- صاحب الحق الوطني المشروع- كلمته ، وعلى الجميع أن يحترموا هذه الكلمة، على الأقل، كما يحترموا خيارات دولة الاحتلال !
في إحدى ليالي شتاء العام 2000 قضى المبعوث الأمريكي الخاص آنذاك للمنطقة دينيس روس، والذي كان مسؤولاً عن تنسيق عملية التسوية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، أكثر من ساعة ينتظر واقفاً أمام منزل الحاخام المتطرف عفوديا يوسيف، زعيم حركة " شاس " الدينية اليهودية المتطرفة، قبل أن يؤذن له بالدخول على الحاخام الذي كان مشغولاً بإعطاء درس ديني لعدد من طلابه. وعندما دخل روس، فإذا بالحاخام وقبل أن يأذن له بالكلام يستفسر عن مدى التزامه بتعاليم الدين اليهودي، على اعتبار أن روس يهودياً. روس تحمل كل هذا العناء راضياً من أجل السماح له بوضع الحاخام في صورة الجهود التي تبذلها الإدارة الأمريكية في مجال التسوية، ومن أجل إقناع الحاخام بعدم سحب وزراء حركته من الحكومة الإسرائيلية حتى تظل تتمتع بالأغلبية البرلمانية. ومثل روس فعل ميجيل موراتينوس الذي كان مبعوثاً للاتحاد الأوروبي والآن يشغل منصب وزير خارجية أسبانيا، الذي كان يعتمر القبعة اليهودية قبل دخوله على الحاخام من أجل محاولة إقناعه بإبقاء حركته في الحكومة الإسرائيلية. كل من الولايات المتحدة التي مثلها روس والاتحاد الأوروبي الذي مثله موراتينوس كانا يبرران التقرب والتزلف من الحاخام المتطرف بالقول إنه لا يمكن تجاهل حركة شاس التي تحتل 13% من مقاعد البرلمان الإسرائيلي، وأن هذا يعبر عن احترام كل من الإدارة الأمريكية وأوروبا لقرار الناخب الإسرائيلي. والآن نجد كلاً من واشنطن وأوروبا يرفضان الاعتراف بحكومة تشكلها حركة حماس التي فازت بأكثر من 55% من مقاعد البرلمان الفلسطيني، ليس هذا فحسب، بل إن أوروبا وأمريكا لا تتورعان عن التهديد بمعاقبة الشعب الفلسطيني على خياره الحر بانتخاب قائمة " حماس ". هذا مع أن حركة " شاس " التي كان ممثلو الغرب يتزلفون لزعيمها، هي حركة متطرفة، ولا مجال هنا لذكر جملة المواقف والتصريحات العنصرية المقيتة التي كانت تصدر عن قادة الحركة وعن الحاخام يوسيف نفسه، الذي دعا إلى قتل الفلسطينيين كالأفاعي، وإصداره العديد من " الفتاوى " التي تنتقص من آدمية الفلسطينيين. إن المواقف المتناقضة من حركتي حماس وشاس – وعذرا للجمع بين النقيضين - تعكس حقيقة النفاق الأوروبي الأمريكي الذي يعتمد معايير مزدوجة في النظر إلى اسرائيل من جهة والعرب والفلسطينيين من جهة ثانية. وللأسف أن حدود النفاق لا تنتهي عند أمريكا وأوروبا، بل تعدته للنظام العربي الرسمي، فالحاخام يوسيف دعي للقاء أكثر من زعيم عربي، وتم استقباله كما يتم استقبال قادة الدول، وهانحن نلحظ أن الدول العربية تصمت صمت من في القبور إزاء التهديدات الأوروبية والأمريكية بقطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني في أعقاب فوز حماس، ليس هذا فحسب، بل إن بعض المسؤولين العرب تطوع لمطالبة حماس بالاستجابة للشروط الأوروبية الأمريكية القاضية بالاعتراف بإسرائيل وإلغاء ميثاقها، إلى غير ذلك من المواقف غير المشرفة للنظام الرسمي العربي . لقد كان أقل مقتضيات الكرامة القومية للعالم العربي أن يصدر موقف عربي رسمي نقيض للموقفين الأوروبي والأمريكي، لكن هذا للأسف لم يحصل، وهناك تخوف حقيقي من أن تقوم الدول العربية بلعب دورها في معاقبة الشعب الفلسطيني عبر قطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية في حال شكلت حماس الحكومة المقبلة. لكن أكثر المواقف خطورة من فوز حركة حماس هو الموقف الصادر عن حركة " فتح " فور الإعلان عن نتائج الانتخابات، والرافض للمشاركة في حكومة بزعامة حركة حماس. على الرغم من كل المبررات التي يقدمها المتحدثون باسم " فتح "، فإن هذا الموقف هو موقف عدائي يقصد منه معاقبة الشعب الفلسطيني على خياره الحر ، وإفشال حركة حماس ووضعها في ورطة كبيرة، بهدف إيصالها إلى نقطة تتنازل معها عن إنجازاتها الانتخابية غير المتوقعة. إن الموقف الرسمي الذي تتخذه " فتح " من فوز حماس أخطر بكثير من المواقف الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية والعربية مجتمعة، إذ إن الموقف الفلسطيني الموحد هو شرط أساسي من أجل إحداث تصدع في المواقف الخارجية. صحيح أن حركة " فتح " تؤكد أن لها برنامجاً مختلفاً عن حركة حماس، وبالتالي لا يمكن الجلوس معها في حكومة واحدة، لكن هذا لا يعني إطلاقا الرفض المبدئي لفكرة المشاركة في حكومة تشكلها حماس. ومن المفارقة ذات الدلالات أن أحد أهم الاستنتاجات التي خلصت لها دوائر التقدير الاستراتيجي للدولة العبرية في أعقاب فوز حماس كان الإجماع على أن مصلحة إسرائيل تقتضي ألا توافق حركة " فتح " على المشاركة بحكومة بزعامة حركة حماس !
على " فتح " أن تعي أنه عبر المواقف الكيدية والتي تلتقي مع إرادة أعداء الشعب الفلسطيني لا يمكنها أن تستعيد ثقة الشعب الفلسطيني. فعلى الرغم من خطورة الموقف الذي تواجهه حركة حماس في هذه الأثناء، فإن الشعب الفلسطيني لن ينحاز إلا لمن يقف في صفه، ولا يعمل على تحقيق رهانات أعدائه. لقد كان من المفترض أن يشكل إعلان إسرائيل على الملأ أن مصلحتها تقتضي عدم مشاركة " فتح " بحكومة حماس، مسوغاً لأن تفكر " فتح " ألف مرة قبل رفض عرض حماس بالمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية. لقد كان الأجدر بقادة " فتح " أن يبحثوا عن الأسباب الحقيقية وراء تراجع حركتهم ، وأن يعقدوا العزم على إصلاح الخلل – ليس فقط البنيوي داخل الحركة – بل وقبل شئ الخلل في التوجهات السياسية للحركة، ومراجعة تجربة السلطة الفلسطينية التي جعلت الشارع الفلسطيني ينفض يده من ممثليها . لقد قال الشعب الفلسطيني- صاحب الحق الوطني المشروع- كلمته ، وعلى الجميع أن يحترموا هذه الكلمة، على الأقل، كما يحترموا خيارات دولة الاحتلال !
تعليق