أسطورة الهندسة القسامية
الشهيد القائد
عدنان الغول
إعداد
الأستاذ / ياسر عبد الرؤوف
الإهداء
إلى شيخ الأمة الإمام المجاهد أحمد ياسين
إلى روح القائدين يحيى الغول و يحيى عياش
إلى الأسير المجاهد عمر الغول و كل الأسرى من خلفه
إلى بلال و محمد و عمران
إلى رهبان الليل و فرسان النهار ..
إلى الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ..
أُهدي هذا الكتاب
" باغتيال عدنان الغول استطعنا أن نقضي على نصف المقاومة الفلسطينية "
رئيس جهاز الأركان الإسرائيلي السابق
موشيه يعلون
" تصفية الغول هي ضربة أشد بكثير لحماس من تصفية الرنتيسي و ياسين "
يديعوت احرنوت
" إن صاروخ القسام الذي صنعه عدنان الغول - و الذي اغتيل قبل أيام - هو الصاروخ الذي قد يغير الشرق الأوسط "
صحيفة التايمز البريطانية
" بعد قدوم أبو بلال الغول من الخارج كان لديه خبرة استثمرناها بشكل كبير ، و بعد قدوم يحيى عياش من الضفة كوّنا طاقم ثلاثي ، يحيى الغول و يحيى عياش و أنا "
القائد العام لكتائب القسام
محمد الضيف
" عدنان الغول ...
بصماته وآثاره باقية بقوة، من خلال السلاح الذي يحمله المجاهدون اليوم ، يقارعون به الاحتلال الصهيوني... ومع كل تكبيرة مجاهد يطلق قذيفة "الياسين" أو صاروخ "القسام" ، يضرب أعداءه حتى بعد استشهاده، ليصبح ما ابتكره بمثابة صدقة جارية له.. "
أبو عبيده
المتحدث الرسمي باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام
بسم الله الرحمن الرحيم
تصدير
قد تكون رائحة نوار اللوز هي مقدمة و واجهة لمقدم أجمل فصول السنة ، لكن لا توجد رائحة تجمع الفصول الأربعة ، و من العبث أن تجد قاسماً مشتركاً بين الفصول ، لكن أن تكون شهيداً و والد شهيدين و عم شهيد ، إذن فأنت أصل في لوحة الشهادة .
أن تكون خصباً مثل السهول ، و أن تكون صلباً مثل الصخور ، إذن فأنت في امتداد السهول جبل .
أن تكون مثل الشروق ، وأن تنشر الضياء ، إذن فأنت الشيء المميز الفائق الغرابة .
أن تكون فدائياً و طلائعياً تجمع بين الشباب و الكهولة بروح الطفولة ، إذن فأنت عدنان الغول .. الشهيد و أبو الشهيد و عم الشهيد ، فأنت وطن في رجل ، و رجل احتوى الوطن بين دفتيه ، و حمله على منكبيه ، هذا أقل ما يقال لك و فيك أخي و رفيق دربي أبا بلال .
من لا يعرفك لن يُقدّر يوماً بأنك أساس في مداميك هذا النصر ، فلم يكن يعرف الكثيرون بأنك نقلت المعركة من أرض غزة إلى سديروت ، فروَّعتهم كما روَّعوا أطفال فلسطين ، كنت نواة البؤرة في استهدافهم ، فأراد الدهر أن يصب عليك مكارهه باستشهاد ابنك الأول ، لكنك وسعت مساحة الفرح في صدرك لتقهر العدو بالاختيار المطلق لدرب الموت على مذبح الحب الإلهي بالطاعة كي تتربع على السنامة ففزت بالنعمة التي أرادوها لك نقمة ، نعمة الشهادة و تزينت بزينة الرجاء العظيم .
عدة مرات ، قبل أن تتحرر من قيد الجسد شخصياً فكنت شريك الأئمة الشهداء و الصحابة الأطهار و الأخيار ، فأرض كربلاء تشهد على معنى قتل الأب و الابن و الأخ و ابن الأخ ، فالتزمت النهج . نهج الأوائل و نهج الحواضر ، من قادتك الشهداء و الأمراء ، الأمير أحمد و الأمير عبد العزيز ، رضي الله عنهم و رضي عنك ، علماً نعلمه بهدوء اليقين و رسوخ الإيمان ، و حلة نرتديها مخضبة ، قصصاً ، لا حتفاً رغم أنوفنا ، لا موت الهوازل ، بل موت النوازل ، تسفك منا الدماء ، عهداً و وفاءً .
عهداً أخي و رفيق دربي لبيعة في أعناقنا و وفاءً لأصحابها و نهجاً ارتضاه ، دفعاً من باختيار السكون من الروح لا لدنيا و لا لجاه و إني أعلم بأنك تعلم بأن البداية بدأت و الإشراقة أطلت ، و البيرق رفع و سار المسير ، و نفر النفير ، فارقب بعين الكون اصطفاف الكتائب هواة الشموخ ، و رايات العساكر بلون السهول و نشيد الحناجر يهز العروش لنصر يزاحم أعتى الجيوش ، فهذا و ذاك ، أنت فيه أساس و تأسيس ، فاليوم ما تحت أقدامنا و غداّ إن شاء الله هربيا و حمامة و المجدل و يافا و كل أرض مغتصبة من أرض السلام .
مناجاتك أخي عدنان لا يخطها المداد ، بل روح لروح ، و حي لحي بوعد الهي محتوم .
أخوك و رفيق دربك و سلاحك
عبد القوقا ( أبو يوسف )
مقدمة
(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ والإنجيل وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
الحمد لله على ما قدّر به و قضى و شكراً له على ما أنعم به و ارتضى ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد قائد الغر المحجلين ، أما بعد :
فقد رحل عنا كبير المهندسين ، الشيخ القائد عدنان الغول ، الرجل الخفي الذي أمضى معظم حياته مطارداً واستطاع أن ينقل المقاومة الفلسطينية العظيمة نقلة غير مسبوقة من خلال تصنيع الأسلحة محلياً في ظل هذا الحصار المفروض منذ زمن بعيد على جهادنا المقدس في فلسطين ، و بقيت معالم الشهادة واضحة ، جلية في كل صاروخ يطلقه المجاهدون على مستوطنات الغاصبين الصهاينة ، فلم يكن أبو بلال " عدنان الغول " شخصاً عادياً على الإطلاق ، بل كان شخصية غير مسبوقة ، فهو داعية من الطراز الأول و مهندسٌ ، عالمٌ كيميائيٌ ، استطاع أن يحطم أسطورة الجيش الذي لا يقهر ، و كان معلماً لمئات المهندسين ، زاهداً في الدنيا ، يرضى بالقليل و لا ينظر إلى الكثير ، فالنشأة الإسلامية التي نشأ و ترعرع في ربوعها ، و موائد القرآن و عشقه للجهاد في سبيل الله جعل منه شخصية فذّة عملاقة غيّرت مجريات المعركة الفلسطينية مع اليهود النازيين . قدّم ولديه بلال و محمد و لم ييأس ، بل كان مثالاً للصبر . شجاعاً لا يعرف الضعف ، رابط الجأش ، لا تؤثر فيه هذه الخطوب أو النوازل ، و لا تثنيه المصاعب عن تحقيق آماله بتطوير الأسلحة المحلية ، فيوم استشهد ولده بلال ذهب إلى مستشفى الشفاء وحده و دلف إلى ثلاجة الموتى و قبّل بلال ثم غادر مصمماً على الانتقام لأرواح الشهداء جميعاً ، لقد صبر ذلك العملاق صبر الرجال الذين استقر الإيمان و اليقين في قلوبهم و استسلم لقدر الله تعالى عالماً بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه و ما أخطئه لم يكن ليصيبه ، لا يتوانى و لا يتردد في التضحية بنفسه و فلذات كبده و صهره عمران مستذكراً قوله تعالى " الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ " و قوله تعالى "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيم".
.. هذا و لم تكن فترة البحث في سيرة هذا الرجل قليلة أو بسيطة بل كانت طويلة جداً ، فهو لم يترك لنا إلا القليل من صور غير واضحة المعالم ، خفية عن الجميع رغم أن حياته كانت مفعمة بالجهاد إلا أنه كان يكللها السر و الكتمان و كأنه رجل ظِل يختفي بعد أن ينجز ما يصبو إليه ،غير عابئ بذكر اسمه .
لقد كان القائد عدنان الغول خفياً تقياً ، لا يعرفه سوى قلة من شبان الحركة الإسلامية ، حتى جاء استشهاد ولده بلال في الثاني و العشرين من شهر ديسمبر 2001 لتتضح صورته اكثر ، و بعد استشهاد ولده محمد و صهره عمران يوم الجمعة ، السابع و العشرين من شهر حزيران ( يونيو ) 2003 أصبح الحديث عنه يكثر و يكثر و استبدت الرغبة بالجميع لمعرفة هذا الشخص الذي كان غائبا عن الأعين و الذي أصبح المطلوب رقم "2" للأجهزة الأمنية و العسكرية الإسرائيلية ، إلا أنه و رغم ذلك أيضاً بقى خفياً جداً ، لا يُرى و لا يُسمع عنه إلا القليل .
فكان " يحيى " ابن غزة لامعاً في سماء المقاومة و الجهاد كيحيى ابن الضفة ، فيحيى " و هو الاسم الحقيقي للشيخ عدنان الغول" كيحيى عياش ، غيّر مجريات التاريخ الفلسطيني بأكمله ، فنحن هنا مع حالتين نادرتين " يحيى " ابن الضفة الذي أرسى قواعد العمليات الاستشهادية ، و " يحيى " ابن غزة الذي أرسى أسطورة الصواريخ و التي كان له الفضل الكبير في تصنيعها و تطويرها . فكم هي غريبة تلك الأقدار التي حملت بين ثناياها الاسم الخالد " يحيى " الذي أعطى هؤلاء الرجال الحياة بعد استشهادهم ، و كأن شهادتهم حياة للجميع .
هناك في الضفة كان يحيى الأول حياة - للأمة العربية جمعاء و للشعب الفلسطيني خاصة - بالعمليات التي هزت تل أبيب و الخضيرة و العفولة و كل الأراضي المغتصبة ، و هنا يحيى الثاني الذي هز المستوطنات و أعلن الرعب في صفوف الكيان المغتصب للأرض و العرض و الوطن ، فكلاهما كتب التاريخ بدمه و أحدث تغيرات هامة في مجريات التاريخ الفلسطيني المعاصر التي لن تنساها البشرية جمعاء .
و بعد استشهاد القائد عدنان الغول و معرفتنا بأنه أبو صواريخ القسام والبنا و البتار و الياسين إلا أنه ظل كشخصية هلامية لا نستطيع رؤيتها أو إدراكها ، لذلك أخذت على عاتقي أن ابحث في سيرة هذا الرجل الذي ترك إرثا للمقاومة الفلسطينية تستطيع من بعده تحقيق حلمه بتصنيع مضاد للطائرات الذي بدأ بإنشائه حتى وفقني الله إلى ما بين أيديكم عن حياة و سيرة القائد الكبير يحيى " عدنان " محمود جابر الغول ، نشكره به على ما أتم من اجل فلسطين و أجلنا .
و نسأل الله تعالى أن يجعل مقامه في علّيين في صحبة الأنبياء والشهداء و الصديقيين و الصالحين و حسن أولئك رفيقاً .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أخوكم
أبو أنس
الفصل الأول
الميلاد و النشأة
ولد الشهيد القائد يحيى محمود جابر الغول في مدينة غزة يوم 24/7/1958م ، في مخيم الشاطئ بعيادة الوكالة ( السويدي ) و قد كان المخيم يمثل اللبنة الأولى في تشكيل شخصية القائد يحيى الغول في ظل الاحتلال و الغطرسة الصهيونية الغاشمة .
حين عادت الأم تحمل وليدها " يحيى " إلى منزلهم في مخيم الشاطئ استقبلتهم أخته الكبرى " زينب " و سألتهم عن اسم المولود فأجابوا بـ " يحيى " ، فرفضت الأخت إلا أن تسميه عدنان ، و طلبت منهم ذلك و أصرت في طلبها فقرر جميع أفراد الأسرة على مناداته بعدنان استجابة لطلب الأخت ، على أن يبقى اسمه " يحيى " في القوشان و الأوراق الثبوتية و الرسمية.
ولد عدنان الغول لأبوين مسلمين ، فلسطينيين فأبوه المجاهد الكبير محمود جابر الغول " أبو خضر " الذي يعتبر رمزاً من رموز المقاومة في قرية هربيا إحدى قرى قضاء غزة و التي هُجّروا منها عام 1948 ، فقد كان محمود الغول و الحاج شوقي الغول من كبار قادة المجاهدين و على رأس الجيش الذي تصدى لقوات الاحتلال الغاشم عام 1948 و استطاعوا أن يلحقوا الخسائر بالجيشين الإسرائيلي و البريطاني المستعمر ، فعمليات الكر و الفَر و الاستيلاء على سلاح الإنجليز و مهاجمة مواقعهم و خطف الجنود جعل لوالد الشهيد عدنان الغول هيبة في كل القرى المجاورة .
في العام الذي ولد فيه عدنان كان والده يقبع في سجن غزة المركزي لدى القوات المصرية التي أرهقها محمود جابر الغول في عملياته المستمرة ضد أرتال الغاصبين ، و الاستيلاء على سلاحهم ، فقرروا اعتقاله لمدة عام . و حين جاءوا بعدنان إليه في السجن تبسم و كان اللقاء الأول يجمعهم داخل قاعة سجن غزة المركزي .
غادر محمود الغول قرية هربيا عام 1948 إلى مدينة غزة و مكث فيها حوالي شهرين في منزل متواضع للسيد أديب القيشاوي و هو أحد أخوال أبو خضر ( والد عدنان ) ، بعد ذلك انتقلت العائلة للعيش في مدينة رفح التي كان فيها الوضع متأزماً بين السكان من استقبال اللاجئين لولا صرامة الغول الذي فرض البقاء بقوة على الأرض . في ذلك العام كان المطر شديداً و الرياح قوية جداً ، فالجميع يذكر الخيام التي طارت و الثلوج التي حطت على هذه البقعة الداكنة من الأرض حتى أصبح الناس يسمون ذلك العام بـ" عام الثلجة " و بعد عامين أو أكثر قليلاً تركوا مدينة رفح متجهين إلى دير البلح . في تلك الفترة عمل الأب في تهريب مواتير المياه من قرية هربيا إلى أهالي المخيم ، و يذكر اخوة أبو بلال ما حدث بأبيهم حين عثر اليهود على أحد المواتير لدى أحد أفراد سكان منطقة البريج و الذي اعترف لليهود عن محمود الغول المسؤول عن تهريب المواتير من قرية هربيا إلى مخيمات اللاجئين ، ليتم وقتها محاصرة منزل أبو خضر الغول و البحث عنه لولا قدر الله الذي نجاه لحظتها و استطاع الفرار من المخيم إلى مدينة غزة مرة أخرى .
انتقل الجميع بعد ذلك للعيش في النصيرات و استطاع الأب أن يشتري قطعة كبيرة من الأرض في منطقة المغراقة التي عاش بها قائدنا طيلة حياته رحمه الله . فقد حط الجمع رحالهم عام 1965 في منطقة وادي غزة و مكثوا بعد ذلك هناك إلى يومنا هذا .
درس الشيخ عدنان الغول المرحلة الابتدائية ( السنتين الأولى و الثانية ) في مدرسة العتيقة بمخيم الشاطئ . و لا يزال الجميع يذكر ما حدث مع عدنان في يومه الأول من المدرسة . فقد كاد أن يموت لولا رعاية الله وحده ، فحين غادر المدرسة في اليوم الأول لم يتجه للمنزل فوراً بل قرر الذهاب إلى بحر المخيم و هناك ظل يسبح فترة من الوقت و وقت أن عاد إلى المنزل ضربته أمه و غسلته بالماء . ما حدث بعد ذلك أن الفتى عدنان مرض مرضاً شديداً ، اضطر بأهله أن يحملوه إلى مستشفى دار الشفاء و هناك مكث قرابة ثلاثة أيام بسبب نزلة حادة ألمّت به تحولت بعد ذلك إلى حمى شوكية ، و في اليوم الرابع أخبرهم الطبيب بأن الأربع و العشرين ساعة القادمة ستحدد مصير الطفل عدنان الغول ، فإما أن يموت و هو الاحتمال الأرجح و إما أن يصاب بالشلل ، أو أن يفيق دون شيء و هو احتمال ضعيف جداً ، لكن لا شيء يقف أمام قدرة الله عز وجل ، فاستفاق الطفل في يومه الرابع نشيطاً سليماً ، معَافاً إلا أن أذنه اليسرى بقيت تؤلمه حتى وفاته رحمه الله ، فكان لا يسمع بها كثيراً بسبب الالتهاب الذي ألّم به جراء تلك الحادثة .
انتقل بعدها عدنان الغول ليعيش مع أسرته في المغراقة ، فأكمل دراسته الابتدائية هناك في مدرسة ذكور النصيرات الابتدائية (ج ) ، ثم درس المرحلة الإعدادية أيضاً في مدرسة ذكور النصيرات الإعدادية (ب) و كان ذا طبيعة هادئة رزينة ، فكان الجميع يقول عنه أن القطة تأكل عشاءه ، لكنه كان في منزله عكس ذلك تماماً ، فكان يحب اللعب ، خصوصاً إعداد السلاح الخشبي و القنابل التي يكونها من الرمل و غير ذلك كثير . يتحدث عن ذلك أخوه محمد الذي كان دائماً يلاحظ شغف الفتى عدنان بالبحث و اكتشاف مواد بسيطة متفجرة ، فيخترع مواد عادية من أعواد الثقاب ترعب أهل المنزل الذين كانوا دائماً خائفين على ولدهم من أن يؤذي نفسه فكان عدنان أحياناً لا ينام تفكيراً في كيفية تصنيع سلاح صغير مناسبٍ له.
في تلك الفترة بدأت ميوله الإسلامية تظهر من خلال التزامه بمسجد بلال الذي بناه أحد رجال عائلة السقا ، و كان من رواد هذا المسجد و من المواظبين على جميع الصلوات الخمس خصوصاً صلاة الفجر ، حتى أحبه جميع من في المسجد . فقد كان مطيعاً ، هادئاً ، ودوداً باشاً في وجه الجميع .
التحق عدنان بعد ذلك بمدرسة خالد بن الوليد الثانوية في النصيرات عام 1976 و كان من أفضل الطلاب و أذكاهم على الإطلاق خصوصاً في مادتي الفيزياء و الكيمياء ، و كان يتمتع بحب مدرسيه و زملائه الذين يغبطونه لذكائه . كان في تلك المرحلة من أبرز الدعاة إلى الالتزام بتعاليم الإسلام و الالتفاف تحت راية الدين العظيم ، و كان يمارس في تلك الحقبة من الزمن هوايته المفضلة و هي لعبة كمال الأجسام فتدرب مع بعض إخوانه من مسجد بلال والجمعية الإسلامية في أحد النوادي بتلك المنطقة ، فكان كثير الأكل يحب السمك و اللحم مغذياً جسمه الذي لم يستطع أن يحمله بعد ذلك ، حتى أن أمه كانت تقول بأنه غولاً حقيقياً لا بالاسم فقط.
في يوم 2/2/1977 فجع الشاب عدنان بوفاة أبيه الذي أصيب بجلطة في الدماغ و حزن حزناً شديداً لموت الرجل الذي علمه معنى العزة و الجهاد و الذي أخذ بيده نحو النور و التربية القويمة ، ففقد الحبيب الذي ملأ عليه البيت بالسرور و البِشر ، و أصيب جراء ذلك بـ"طَربَة " أصبح على إثرها قليل المشي آنذاك ، فقد كان يعتبر والده رمزاً له في بطولاته و جهاده ضد المحتلين التي طالما ترنم بها لأصحابه و أحبابه .
بعد إنهائه مرحلة الثانوية العامة و تفوقه فيها قرر جميع إخوانه إرساله إلى الخارج لإتمام دراسته الجامعية إلا أنه رفض ذلك العرض متمسكاً بتراب الوطن ، لكن إصرار الأهل جعله يلين فسافر في نهاية عام 1979 إلى إسبانيا لنيل درجة البكالوريوس في علم الكيمياء ، لكن ما أن مرت فترة قصيرة حتى أحاطه الملل من كل جانب و لم يعجبه الأمر كثيراً فقرر العودة إلى غزة و بعد شهرين فقط عاد شوقاً و حنيناً إلى أزقة المخيم و دروبه التائهة. وعاد و ظل يصلي حتى كلّت قدماه كأنه ارتكب خطيئة بسفره إلى خارج حدود فلسطين .
الفصل الثاني
الالتحاق بجماعة الإخوان المسلمين
خلال دراسة القائد عدنان الغول في المرحلة الثانوية تحديداً بدأ نشاطه الإسلامي يظهر على الساحة فعرفه كل أبناء جيله و قادة العمل الإسلامي آنذاك بأنه أنشط هؤلاء الشبان و أحرصهم على التبليغ و الدعوة للفكر الإسلامي و قد تمّ انتدابه للعمل ضمن جماعة الإخوان المسلمين ، و بدأ يتعرف على أفكار الجماعة في تلك المرحلة من الزمن فلم يمر أكثر من عام حتى كان بين أحضانها مبلغاً عشيرته و أهله بأنها الجماعة الربانية الراشدة ، و كان عدنان الغول في طليعة أفراد الجماعة في منطقة المغراقة تحديداً التي كانت تزخر بالرجال الأشداء و المغاوير محافظاً على الأسس القويمة لذلك التنظيم .
في ذلك الوقت بدأ يلتزم بمسجد الجمعية الإسلامية التي زخرت بالعمل الدعوي و التربوي ليكون له نصيب بأن يتتلمذ على أيدي كبار رجال جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين أمثال القائد عبد الفتاح دخان و القائد حماد الحسنات ، و أوكلت إليه الكثير من المهام في ذلك المسجد ، فبدأ بتحفيظ الشبان القرآن و التزم أيضاً معهم بحفظ المصحف حتى حفظه كاملاً بعد ذلك .
في تلك الحقبة من الزمن كون علاقات حميمة مع شبان الحركة داخل النصيرات و خارجها و استمر في الارتقاء معهم بهذه الدعوة الراشدة . و استطاع مع إخوانه أن يقيموا أنشطة رياضية لا يزال جميع رواد مسجد حمزة و مسجد الجمعية الإسلامية يذكرها ، فتدرب مع بعض إخوانه على رفع الأثقال و كمال الأجسام ، و كان مسروراً جدا بذلك العمل .
سافر عدنان بعد إنهائه المرحلة الثانوية إلى إسبانيا و عاد دون أن يتم دراسته ، فقد استبد به الشوق إلى غزة و عاد يحمل إليها حنيناً من نوع خاص ، و فكر بعدة مشاريع كي يستقر في أرضه لكنه لم يبق على ذلك الحال كثيراً حين طلب منه أهله إتمام دراسته في غزة أو أية دولة عربية أخرى ، فقرر السفر إلى دولة مصر الشقيقة و درس في جامعة بيروت العربية بالإسكندرية حوالي العام . هناك توطدت علاقته أكثر بجماعة الإخوان المسلمين و تعرف على قيادات الجماعة في فلسطين الذين كانوا يدرسون هناك آنذاك و أصبح من القيادات الشابة في الجامعة طوال تلك الفترة ، لكن حملات الاعتقال و التعذيب التي مورست بحق شباب الإخوان وقتذاك من قبل القوات المصرية و الملاحقات التي أرهقتهم جعلته يقرر العودة مرة أخرى إلى غزة ، و كان له ما أراد . فعاد دون أن يحصل على شهادة البكالوريوس أو أي شيء آخر سوى تعمقه و تعلقه بجماعة الإخوان المسلمين التي ظلت تسعى إلى إخراج الناس من عبودية القادة العرب و ضلالهم إلى نور وعدل الإسلام .
تعرف بعد ذلك شهيدنا عدنان الغول رحمه الله على الشيخ أحمد ياسين و كانت علاقته وطيدة به و بالقائد الشهيد عبد العزيز الرنتيسي ، و في ذلك الوقت سافر عدنان إلى الأردن و عاد يحمل معه مجموعة كبيرة من الرسائل و الكتب الدعوية التي لم تكن متوفرة في غزة آنذاك ، المهم في ذلك الأمر أن الشيخ عدنان قد خرج في مهمة لم يكن يعلم بها أحد ، حتى أسرته التي فوجئت بعد ذلك بأن عدنان لم يكن يسافر لإتمام الدراسة أو أي شئ آخر بل ذهب كي يطلب مساعدة من منظمة التحرير الفلسطينية لإحضار السلاح إلى غزة و محاربة اليهود المتمركزين في القطاع لكنه عاد دون أن يحصل على شيء ، لقد قام بذلك عدنان بسبب أن تلك الفترة لم تكن تحمل طابع العمل العسكري فلم تكن جماعة الإخوان المسلمين مهيأة للعمل العسكري في قطاع غزة فالتجأ إلى المنظمة التي أعادته بخفي حنين ليبدأ مشوراً جديداً في التربية و الدعوة دون أن يحقق ما يحلم به أو يصبو إليه .
ساهم بعد ذلك بدور فاعل في بناء مسجد الإيمان مع كثير من الاخوة في حركة حماس الذين كان لهم الجهد بإعمار المسجد حديثاً ، و أصبح عدنان يرتاد هذا المسجد حتى أخر فترة من حياته ، و لقد كان يؤم المصلين ، فيقول عنه الأستاذ أبو محمد و هو من الذين عايشوا الشيخ عدنان لأمد بعيد بخصوص ذلك الأمر " إن الشيخ عدنان كان عظيم القدر في نفوسنا ، فقد تحمل أعباء هذا الدين و هذه الدعوة منذ نعومة أظفاره ، فكان يجاهد ، و يعلم الناس تعاليم شرعنا الحنيف ، و كان من الدعاة ( أعلم أن الجميع يقول عن عدنان بأنه رجل عسكري ) لكن ذلك ليس فقط ما كان يوليه اهتمامه ، فقد كان يولي هم الدعوة اهتماماً اكبر ، و أذكره حين كان يزورنا بالمسجد فيصلي بنا رحمه الله ، كم كان عذب الصوت ، خاشعاً . كان يطلب منا قبل أن نصلي خلفة في صلاة التراويح بأن من لم يستطع القيام فليجلس و يصلي قاعداً ، حتى تكل قدماه هو دون أن يجلس و يبقى واقفاً ، منتصباً ، خاشعاً . كان أحياناً يختم في الركعة أكثر من جزأين .. " و يتم الأستاذ أبو محمد بقوله " كان متواضعاً إلى أبعد الحدود ، فلا زلت أذكره حين جاء إلينا و هو مطارد من قبل السلطة و قوات الاحتلال ، و دخل علينا المسجد فقمنا نستقبله مسرورين ، لكنه قبل أن يتفوه بأي كلمة " استحلفنا بالله أن نجلس و لا نقوم لاستقباله ، و طلب منا بأن لا نشعره بأنه ذو قيمة أكبر منا ، و طلب منا أن نتعامل معه كأنه موجود بيننا دائماً .. "
زواجه ..
في عام 1981م تزوج الشاب عدنان من ابنة عمه ( وفاء إبراهيم الغول ) و كان له حفلاً مهيباً في ديوان عائلة الغول و حضره جميع أصدقاء الشاب عدنان و أحيوا حفلاً إسلاميا رائعاً شرح صدر عائلة الشاب التي لم تختلط من قبل بالشباب المسلم عن كثب .
استقر بعدنان المقام في منطقة المغراقة التي كانت تعتبر المحضن الأول له ، و كم كانت سعادة تلك الفتاة بذلك الشاب الوسيم ، المتدين ، الملتزم بشعائر الإسلام ، فقد كانت تعتبره قدوة لكل شبان العائلة ، لحسن خلقة و سيرته ، و حسن المعاملة و العشرة و التمسك بتعاليم الشرع الحنيف و خلال تلك السنوات التي قضتها معه كان بشوشاً ، طلق الوجه ، رطباً ، لين الجانب ، يترنم دائماً بقول الحبيب المصطفى عليه الصلاة و السلام مع زوجاته و يقول لزوجته أنا علمني القرآن و علمتني سنة محمد عليه الصلاة و السلام و يقرأ قول النبي صلى الله عليه و سلم " خيركم خيركم لأهله ، و أنا خيركم لأهلي " فكان نعم الزوج و نعم الأب ، و نعم المجاهد .
حين ذهبتُ لأقابل زوجته أم بلال حدثتني عن سيرته التي لم أكن اعرفها عن كثب مثل اليوم ، و قالت بأنها لم تسمع يوماً منه كلمة " أف " أو أية إساءة في المعاملة . كما اخوته الذين لم يسمعوا منه أية كلمة غامضة ، غاضبة بل قوله فقط " الله يسامحك " و " الله يهديك ".
بعد أسبوع واحد من زواج عدنان الغول من ابنة عمه ، أخذ منها المهر من ( الذهب ) و اشترى به سلاحاً للمقاومة لعدم توفر السلاح وقتذاك فتضيف أم بلال: ((تزوجني في عام 1981 ودفع مهراً لا بأس به ، وكنت قد اشتريت بمعظمه مصاغاً لي، ولكن قبل أن يمر أسبوع واحد على زواجنا أخذ يحدثني عن ضرورة الجهاد ومقاومة أعداء الله الصهاينة وأنه يتمنى لو يملك سلاحاً يجاهد به. وأخذ يقنعني شيئاً فشيئاً ويزين لي أهمية الجهاد، وعندما رأيت به هذا الحماس وأنه صادق في الدفاع عن أرض الوطن، دفعت إليه بمصاغي كاملاً ليشتري به سلاحاً، وكانت هذه أول مرة يملك فيها عدنان سلاحاً خاصاً ليدافع به عن وطنه)) .
في يوم 28 / 8 / 1983 ولد بلال الابن الأكبر للقائد عدنان ، و كم كان سعيداً يومها ، فقد أسرع في إحضار العقيقة و تم دعوة كل أفراد آل الغول و أصحابه المجاهدين لتلك العقيقة ، و ظل عدنان يزرع في ولده معنى العزة و الجهاد حتى استشهد بلال عصر يوم الأربعاء 22 / 8 / 2001 م .
و في يوم 31 / 10 / 1987 ولد محمد الهادئ ، الوديع الذي لم تكن تفارقه البسمة يوماً و أصبح لعدنان رجلان يمكن الاعتماد عليهما في جميع مجالات الحياة . لكنه فقدهما قبل أن يستشهد بعد أن كانا نعم الجنديين و نعم الرجلين في زمن عزت فيه الرجال . قد استشهد محمد فجر يوم الجمعة 27 / 6 / 2003 م في إحدى محاولات الاغتيال لأبيه في منطقة المغراقة .
تذكر أم بلال بأن الشيخ عدنان حين أصبح مطارداً كان أولاده كثيري المزاح معه لأنهم لا يرونه إلا قليلاً خلال الأسبوع ، حتى أن بلالاً جلس يوماً على أحد الكراسي و بدأ يلعب مع أبيه لعبة التحقيق و بدأ يستدرج أباه في الحوار و الأب غارقٌ في الضحك حين تذكر عمليات التحقيق في سجون السلطة الفلسطينية ، و تذكر أم بلال أن بلالاً و محمداً يوماً سألاه " كيف حقق معك هؤلاء الخونة ؟ " و كل ذلك استفاد منه الطفلان بلال و محمد بعد ذلك ، فحين تمت مطاردة عدنان من قبل السلطة الفلسطينية بعد عام 1996 و مطالبة الـCIA له ، حاصر رجال السلطة المنزل في منطقة المغراقة و ربطوا بلالاً على شجرة و ضربوه بعنف كي يعترف عن مكان أبيه إلا أنهم لم يستطيعوا أن يخرجوا منه بكلمة واحدة ، حتى محمد و عمران كانوا حجارة صماء لا تتحدث ،و لا تشي بأي سر مهما كلفهم ذلك الأمر.
للشيخ عدنان أربعة أولاد هم بلال و محمد و محمود و هلال ، استشهد بلال و محمد و بقي الآخران ، وللشيخ عدنان خمس بنات أخريات تزوجت إحداهن من ابن عمها عمران الذي استشهد في معركة المغراقة بعد أن أنجبت منه الطفلة ملك .
عمله
عمل الشهيد عدنان الغول في بداية حياته داخل الخط الأخضر أياماً قليلة ثم انتقل بعد ذلك للعمل في مزرعة للدواجن عند أحد الصهاينة المغتصبين و لم يستطع أن يتم أكثر من خمسة أيام فعاد للعمل في منطقة المغراقة لحرث الأرض التي يقطنها ، و ظل يزرع و يسقي و يغرس كما زرع و غرس في قلوبنا حب الوطن اليوم .
و ظل عدنان على ذلك الحال فترة قليلة من الزمن بسبب نشاطه العسكري الذي فرض عليه الفرار من براثن الاحتلال و المطاردة في 13 / 10 / 1987 م و الاختفاء حتى مغادرة أرض الوطن .
الفصل الثالث
انتفاضة الـ87
خطط الصهاينة في نهاية السبعينات إلى إنهاء أية انتفاضة في فلسطين و حاولوا إشغال الفلسطينيين بلقمة العيش بعيداً عن الجهاد و المقاومة ، ففي تلك الفترة كانت إسرائيل تحاول زج الفلسطينيين في معترك الحياة المادية و إشغالهم بالعمل داخل الخط الأخضر و من ثم نشر الثقافة الاستعمارية و إبعاد الناس عن المساجد ، فقد حاول الصهاينة نشر الفكر الغربي الذي يدعو إلى الإلحاد و السفور و التبرج و النزوة الجنسية و المادية و إبعاد الجميع عن بوتقة الفكر الإسلامي من خلال تنظيمات هدامة رعتها عين المحتل و لم تحاول التضييق عليها .
و بناءً عليه تبنت جماعة الإخوان المسلمين التربية هدفاً رئيسياً لها آنذاك و كان همها و شغلها الشاغل هو بناء النفوس إيمانياً و تربوياً . إلى جانب ذلك عملت في الاتجاه العسكري لكن بصورة بطيئة و قليلة غير واضحة المعالم . فقد شكلت جماعة الإخوان المسلمين في فترة السبعينات و الثمانينات جمعيات و تنظيمات عسكرية سرية ، فأسست جماعة الإخوان المسلمين تنظيماً عسكرياً مسلحاً عام 1979 في فلسطين داخل الخط الأخضر و قد نفذ هذا التنظيم عشرات العمليات المسلحة و دمر العديد من المنشآت الاقتصادية اليهودية في فلسطين ، لكن تم اكتشاف ذلك التنظيم عام 1980 و اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلية أكثر من 60 شاباً من أفراده ، و أصدرت السلطات اليهودية أحكاماً متفاوتة على أعضاء ذلك التنظيم وصلت أقصاها إلى خمس عشرة سنة ، و قد صرح مستشار بيغن يومها للشؤون العربية أنه لو لم يتم كشف أمر هذه الحركة في الوقت المناسب لتعرض أمن إسرائيل و مستقبلها إلى خطر عظيم .
كذلك تبنت جماعة الإخوان المسلمين التنظيم و التخطيط لانتفاضات تلهب النفوس الفلسطينية الأصيلة ، ففي نيسان عام 1982 و بعد أن قام جندي إسرائيلي باقتحام المسجد الأقصى و إطلاق النار على المصلين . بدأت الانتفاضة انطلاقاً من الجامعة الإسلامية التي أسستها جماعة الإخوان المسلمين و قد كانت لهيب الثورة و المقاومة ، و قد أطلقت عليها وسائل الإعلام " بثورة المساجد "و كان عدنان يمثل حجراً رئيسياً في إشعال النفوس لتلك الانتفاضة التي كان يقودها مع بعض إخوانه المجاهدين .
كذلك أسست جماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة تنظيماً عسكرياً جديداً عام 1984 و اكتشفت سلطات الاحتلال هذا التنظيم التابع للإخوان المسلمين ، و الذي تزعمه الشيخ القائد الراحل أحمد ياسين أمين عام المجمع الإسلامي في قطاع غزة آنذاك ، و حكمت المحكمة الإسرائيلية على الشيخ المعلم أحمد ياسين بالسجن لمدة 13 عاماً ، و من إحدى التهم التي وجهتها المحكمة للشيخ أحمد ياسين في ذلك الوقت هو محاولة تدمير إسرائيل و إقامة دولة إسلامية مكانها ، و قد تم الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين عام 1985 في صفقة تبادل أسرى قامت بها الجبهة الشعبية – القيادة العامة بزعامة أحمد جبريل.
بعد ذلك تم إيقاف أي عمل عسكري من قبل جماعة الإخوان المسلمين حتى طُلب من عدنان الغول إتلاف أي سلاح يمتلكه و إيقاف جميع الأنشطة العسكرية ، خشية من هدم كل شيء بنته الجماعة فالجامعة الإسلامية لا زالت في طور البناء كذلك التنظيم الأساسي و الذي لا يزال في طور البناء و هو " حركة حماس " قد ينتهي في أي لحظة .
فكانت الفترة الزمنية ما بين 1982 – 1987 التي سبقت الانتفاضة تمثل لعدنان فترة حماسية قوية كانت مليئة بأحداث المواجهات الشعبية و الصدامات مع اليهود ، حتى يمكن القول بأن الانتفاضة كانت قائمة بالفعل و لو جزئياً .
أما بالنسبة لوضع التنظيمات الفلسطينية في تلك الحقبة من الزمن فكان مزرياً جداً كما يذكر القائد عدنان لشبكة الإسلام اليوم ، فقد حاولت إسرائيل إنهاء منظمة التحرير الفلسطينية و تهميشها عن الساحة الفلسطينية ، فحركة فتح و الجبهة الشعبية كانتا من حركات المقاومة الفلسطينية الباسلة التي تبنت مشروع المقاومة ، لذلك تم عقد مؤتمر القمة العربية قبل الانتفاضة الأولى بعدة أشهر تحت رعاية إسرائيلية أمريكية لتهميش دور منظمة التحرير و إنهاء وجودها عن الساحة الفلسطينية .
كذلك حاولت إسرائيل بعد عدة أعوام إنهاء وجود الحركات الإسلامية لشعورها بالخطر الداهم تجاه التيار الإسلامي ، فكثرت الشائعات نحو تلك المنظمات و الحركات الإسلامية خصوصاً حركة المقاومة الإسلامية حماس فبدأ عمل الموساد و أجهزة المخابرات عن طريق العملاء في ذلك الأمر بأن حركة حماس هي صنيعة إسرائيلية ، و قد كان الهدف من هذه الشائعات صرف الناس عن حركة حماس التي تحمل في طياتها روح العمل و الفكر الإسلامي.
سئل عدنان يوماً عن ذلك أن إسرائيل هي من كانت تقف وراء تأسيس حماس ؟ فأجاب ضاحكاً ، بأن هذا كلام سخيف ، تافه و عارٍ عن الصحة التي لا يقبلها العقل ، فقد كانت إسرائيل أكثر ما تخشاه هو قيام الحركة الإسلامية آنذاك و نظراً لأن عدنان من أبرز من قاموا بإظهار صورة حماس بشكلها الواضح و الحقيقي للمجتمع الفلسطيني كان له أن يعترف بسخافة بعض المرجفين الذين استغلوا هذه الترهات للتشويه بسمعة الحركة .
في عام 1983 حدث خلاف بين جماعة الإخوان المسلمين و الحركات العلمانية و الشيوعية الأخرى ، و رغم تجاوز كل الخطوط الحمراء من قبل تلك التنظيمات إلا أن جماعة الإخوان المسلمين ظلت حكيمة في قراراتها التي رفضت الفتنة أو الاقتتال الداخلي ، وقتذاك جهز عدنان مجموعة من الشبان لقطع رأس أي فتنة أو أي محاولة من تلك التنظيمات لاغتيال قيادات الإخوان ، فكان أحد الأخوة جاهزاً ينتظر قرار الشيخ عدنان لقتل أي شخص يحاول المساس بشخصيات الإخوان في غزة لكن الدكتور إسماعيل الخطيب عميد الجامعة الإسلامية لم يقبل عرض عدنان الذي كان جاهزاً للتنفيذ و قدّر الله أن تنتهي تلك الفتنة بسلام .
خلال ذلك بدأت الحركة الإسلامية بالعمل العسكري و في عام 1984 كانت ضربة جمع السلاح التي اعتقل على أثرها الشيخ أحمد ياسين ، في ذلك الوقت كان عدنان يعمل مباشرة مع الشيخ أحمد ياسين ، لكن الحركة بعد تلك الأحداث قررت إيقاف العمل العسكري حرصاً على سلامة تأسيس الحركة التي كانت في طور البناء فقرر عدنان تأسيس مجموعة مسلحة بقيادته مهمتها قتل العملاء و اليهود في كل مكان من فلسطين ، و بدأت المجموعة عملها عام 1985 و ترأس تلك المجموعة التي أسماها " مجاهدو المغراقة " و التي تكونت منه و أخيه عمر الذي يقضي الآن حكماً بالسجن لمدة 95 عاماً و محمد رياض حسان و عبد الكريم أبو ربيع و ناهض الوحيدي و مجموعة أخرى من الشبان الثائرين . إلى جانب ذلك قام عدنان بتجهيز السلاح لكل المجموعات التي عملت معه من ماله الخاص ، فلا زالت تذكر أم بلال أسبوعها الأول الذي باعت فيه ذهبها من اجل إحضار السلاح للمجاهدين . و كان يسعى أبو بلال من وراء ذلك التنظيم مناوئة أي تنظيم غير إسلامي على الساحة الفلسطينية للفت أنظار الشارع إلى الفكر الإسلامي الذي بدأ يقود المعركة ، و كان هناك عدة عمليات عسكرية و أمنية لكنهم لم يصدروا أي بيان يتبنى تلك العمليات التي نفذوها ، لكن ذلك تم كشفه بعد أن تم الاعتراف على عدنان و الآخرين
أيضاً عملت تلك المجموعة على محاربة الفساد الذي كان قائماً آنذاك . ففي أحد الأيام أطلقت مجموعة الشيخ عدنان النار على مجموعة من المجندات الإسرائيليات اللاتي عملن على إسقاط الشباب الفلسطيني و كن يحضرن إلى متنزه بلدية غزة بخصوص ذلك الأمر ، أيضاً قام الشيخ عدنان بإعدام العديد من العملاء أمثال (ت،ح) الذي كان يمتلك خمارة في مخيم النصيرات بالقرب من مدرسة البنات الإعدادية ، فقام عدنان و ناهض الوحيدي بإطلاق النار عليه من فوهة مسدساتهم ثم قاموا بعد ذلك بقليل بإعدام عميلين آخرين بالقرب من المستشفى الأهلي في مدينة غزة ، فقد قام عدنان و ناهض الوحيدي و عمر الغول و هم يحملون مسدسات 9 ملم و بعد مراقبة طويلة لأحد هؤلاء العملاء في محله حيث يعمل كهربائي سيارات في عسقولة خرج العميلان و بصحبتهما امرأة من محل الأخير فقام أبو بلال و ناهض و عمر بقتلهم على وجه السرعة و انسحبوا تحيطهم رعاية الرحمن . كذلك تم أيضاً إعدام العميل (ع. و.) مقابل السويدي في شارع النصر يوم عرفة 1987 و قد قام بالعملية أبو بلال و محمد حسان و كان عمر الغول يقود السيارة التي تقلهم ، و قد كان العميل قناص جيد ، سريع الحركة ، يستخدم سلاحه بسرعة و سيارته من النوع المزود بأجهزة اللاسلكي فتم رصد بدقة و هو في سيارته التي توقفت أمام أحد المحلات لبيع الأثاث فانتظر المجاهدون داخل سيارتهم حتى خرج العميل و ما أن ركب السيارة و بدأ في تشغيل المقود حتى اقتربت سيارة أبو بلال ملتصقة بسيارته و أطلق عدنان من داخل سيارته النار على العميل في رأسه قبل أن يستطيع التحرك و هكذا قتل مجرم كان يعرفه الجميع بعربدته فأراح الله الناس من شره . و ظل عدنان يعمل على محاربة الفساد إلى أن بدأت المشاكل مع الهلال الأحمر بسبب عملية إطلاق النار عليه لاتهام أعضائه بالانتساب إلى المنظمات الشيوعية .
و يعترف الشيخ عدنان بأن تلك الفترة كانت مرحلة تمحيص و اختبار للشباب المسلم ، إلا انه يعترف بالخطأ الجسيم من قبل بعض الشبان الذين كانت صدورهم حامية تريد أن تقضي على الفساد في يوم و ليلة ، و لم يكن يؤيد عدنان ما حصل من اعتداء على مركز الهلال بتلك الصورة ، بل كان يحبذ بأن يتم التعامل مع المشكلة بحكمة اكثر كما قررت قيادة جماعة الإخوان.
في ذلك الوقت تحديداً بدأ ظهور حركة الجهاد الإسلامي على الساحة كفصيل إسلامي عسكري يدعو إلى مقاومة الاحتلال ، و في تلك المرحلة تحديداً استطاع ستة من أعضاء حركة الجهاد الإسلامي ( و هي حركة تسمت بهذا الاسم قبل تأسيس حركة الجهاد الإسلامي التابعة لفتحي الشقاقي ) من الإفلات من سجن غزة المركزي يوم 18/5/1987م ، و قد جن جنون الصهاينة من ذلك و بحثوا عن السجناء فلم يجدوهم و هم سامي الشيخ خليل و محمد الجمل و خالد محمد صالح و مصباح الصوري و عماد الصفطاوي و صالح محمد اشتيوي الذي ألقى القبض عليه بعد هربه ، وبقيت هذه القصة تثير الشجاعة في نفوس الشبان المتحمس للقتال آنذاك . بعد تلك الحادثة صار هؤلاء الشباب يحاربون الصهاينة في كل مكان حتى مل الصهاينة منهم و حاولوا أكثر من مرة ملاحقتهم و قتلهم لكن رعاية الله كانت تكلؤهم بالليل و النهار . خلال تلك الفترة تم اتصال مجموعة الشيخ عدنان بهؤلاء الشبان عن طريق أحد المجاهدين الذين اغتيلوا بعد ذلك و يدعى علي القصاص رحمه الله و الذي أرسله أحد قيادات حركة الجهاد الإسلامي آنذاك و صار العمل مشتركاً بينهم حتى كان استشهاد الشبان الأربعة و نجاة عدنان والآخرين.
و كانت أول عملية لمجموعة الشهيد عدنان الغول عام 1985 بمناسبة غزوة بدر في شهر رمضان المبارك في كمين نصبوه شرق البوليس الحربي حيث تم وضع حاجز من السيارات القديمة حيث كانت تمر قافلة عسكرية مزودة بالمؤن و السلاح فاستطاعت المجموعة قتل الجنود و إحراق الشاحنة و الهرب بالسلاح ، وقتذاك تبع اليهود أثر المجاهدين حتى وصلوا إلى أول شارع إلى بيارة عائلة الشهيد عدنان في منطقة المغراقة لكن الله عمى عنهم أعين اليهود و تاهوا في بداية الطريق فانسحبوا دون التعرف على مكان المجاهدين ، كذلك كانت هناك عملية لأبو بلال قرب شاطئ بحر النصيرات عندما قام بنصب عبوة ناسفة موجهة نحو مركز المراقبة ثم زرع لغماً ارضياً آخر مؤقت بحيث ينفجر بعد ربع ساعة من الانفجار الأول و قد أحدثت تلك العملية هزة قوية في المنطقة .
ثم معظم العمليات التي قام بها أبو بلال و أخوه عمر كانت في سوق فراس في اليهود الذين يحضرون للتسوق من هناك .
و في يوم 2/8/1987م يوم عيد الأضحى استطاع عدنان الغول قتل قائد الشرطة العسكرية في القطاع ( رون طال ) و لم تستطع حينها السلطات الصهيونية القبض عليه ، رغم أنها قامت بإغلاق جميع مداخل القطاع و منعت حركة الدخول و الخروج منه ، كما منعت عشرات الألوف من العمال من الذهاب للعمل داخل الخط الأخضر و فرضت منع التجول على أجزاء كبيرة من قطاع غزة ، وأعطى هذا العمل الثقة في نفوس الفلسطينيين بالإعجاب و الارتياح.
كذلك في 6/10 /1987 نشبت معركة حامية الوطيس عند حاجز إسرائيلي بين هذه المجموعة التي يقودها عدنان و بين قوات الأمن الإسرائيلية في حي الشجاعية و جاءت نجدة أخرى لقوات الأمن و جرت معركة حامية الوطيس ، استشهد على إثرها أربعة من أفراد حركة الجهاد الإسلامي كانوا ضمن مجموعة الشيخ عدنان و قتل حينذاك رجل الاستخبارات فيكتور أرجوان ، و قد نعت الحركة الإسلامية الشهداء الأربعة و هم ( سامي الشيخ خليل ، محمد الجمل ، أحمد حلس ، و زهدي قريقع ) و ذكرت بعض المصادر المطلعة انه سقط ربما أكثر من خمسين من قوات الاحتلال بين قتيل و جريح . و بالفعل فقد أضحت الأحداث المتوالية بعد ذلك انتفاضة شاملة و عنيفة فجرها الإسلاميون في 7/10/1987 على خلفية استشهاد هؤلاء الشبان في حي الشجاعية في قطاع غزة يوم 6/10/1987 ، فقد قام لحظتها شباب الإخوان المسلمين في القطاع بإشعال المظاهرات و المواجهات العنيفة .
و في غزة قام شباب الكتلة الإسلامية بمسيرات ضخمة في 11/10/1987م فوضعوا المتاريس في الشوارع و قذفوا السيارات العسكرية بالحجارة و تمركزوا داخل أسوار الجامعة الإسلامية في غزة فسقط ثمانية جرحى ، كما قامت الحركات الإسلامية بعدة تظاهرات و دعت إلى إضراب شامل في أوقات مختلفة .
بعد استشهاد محمد الجمل و سامي الشيخ خليل و زهدي قريقع و أحمد حلس في تلك العملية يوم 6 / 10 / 1987 بدأت حالة الانتفاضة تبزغ على الساحة الفلسطينية إلا أنها كان موجات مد و جزر حتى كانت عملية الدهس في جباليا و أصبحت الانتفاضة أمراً حتمياً فقامت الانتفاضة في 8 / 12 / 1987 م و التهب الشارع الفلسطيني و بدأت بوادر المعركة الإسلامية البطولية .
بعد فجر يوم الثلاثاء 8 / 12/ 1987 انطلق المصلون من مسجد بمخيم جباليا و تبعهم آلاف من أهالي غزة الغاضبين بمن فيهم طلاب الجامعة الإسلامية للتعبير عن غضبهم و استنكارهم لحادث استشهاد أربعة شبان و جرح تسعة آخرين من أبناء غزة بعدما دهستهم سيارة نقل صهيونية .
و بعد أن انتقل الخبر إلى مخيم جباليا حيث مقر سكن ثلاثة شهداء منهم ، انتشر الخبر في أرجاء قطاع غزة و تناقلت الأخبار حادث الاصطدام الذي تم على خلفية انتقامية لقتل مستوطن إسرائيلي في القطاع قبل ذلك بيومين من حادث الاصطدام ، وأن هناك صلة قربى بين سائق الشاحنة الإسرائيلية و المستوطن شلومو جيل الذي قتلته المقاومة ، فقامت مظاهرات صاخبة أثناء تشييع ضحايا الحادث ، و في 9/12/1987 قامت المظاهرات في مخيم جباليا ، و انطلق الشباب فجر ذلك اليوم من المسجد لرشق قوات الجيش بالحجارة لأنها حاولت التعرض للمتظاهرين ، فردت السلطات العسكرية الإسرائيلية بعنف على المتظاهرين ، فأطلقوا الأعيرة النارية و الغازات المسيلة للدموع عليها فاستشهد على إثرها الشهيد الشاب حاتم السيسي و كان أول شهيد لانتفاضة الـ87 و جرح 25 آخرين في مخيم جباليا . و هنا كانت المرحلة الجهادية الحاسمة لتاريخ عدنان الغول الذي أصبح فيها مطارداً من أجل فلسطين الحبيبة .
الشهيد القائد
عدنان الغول
إعداد
الأستاذ / ياسر عبد الرؤوف
الإهداء
إلى شيخ الأمة الإمام المجاهد أحمد ياسين
إلى روح القائدين يحيى الغول و يحيى عياش
إلى الأسير المجاهد عمر الغول و كل الأسرى من خلفه
إلى بلال و محمد و عمران
إلى رهبان الليل و فرسان النهار ..
إلى الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ..
أُهدي هذا الكتاب
" باغتيال عدنان الغول استطعنا أن نقضي على نصف المقاومة الفلسطينية "
رئيس جهاز الأركان الإسرائيلي السابق
موشيه يعلون
" تصفية الغول هي ضربة أشد بكثير لحماس من تصفية الرنتيسي و ياسين "
يديعوت احرنوت
" إن صاروخ القسام الذي صنعه عدنان الغول - و الذي اغتيل قبل أيام - هو الصاروخ الذي قد يغير الشرق الأوسط "
صحيفة التايمز البريطانية
" بعد قدوم أبو بلال الغول من الخارج كان لديه خبرة استثمرناها بشكل كبير ، و بعد قدوم يحيى عياش من الضفة كوّنا طاقم ثلاثي ، يحيى الغول و يحيى عياش و أنا "
القائد العام لكتائب القسام
محمد الضيف
" عدنان الغول ...
بصماته وآثاره باقية بقوة، من خلال السلاح الذي يحمله المجاهدون اليوم ، يقارعون به الاحتلال الصهيوني... ومع كل تكبيرة مجاهد يطلق قذيفة "الياسين" أو صاروخ "القسام" ، يضرب أعداءه حتى بعد استشهاده، ليصبح ما ابتكره بمثابة صدقة جارية له.. "
أبو عبيده
المتحدث الرسمي باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام
بسم الله الرحمن الرحيم
تصدير
قد تكون رائحة نوار اللوز هي مقدمة و واجهة لمقدم أجمل فصول السنة ، لكن لا توجد رائحة تجمع الفصول الأربعة ، و من العبث أن تجد قاسماً مشتركاً بين الفصول ، لكن أن تكون شهيداً و والد شهيدين و عم شهيد ، إذن فأنت أصل في لوحة الشهادة .
أن تكون خصباً مثل السهول ، و أن تكون صلباً مثل الصخور ، إذن فأنت في امتداد السهول جبل .
أن تكون مثل الشروق ، وأن تنشر الضياء ، إذن فأنت الشيء المميز الفائق الغرابة .
أن تكون فدائياً و طلائعياً تجمع بين الشباب و الكهولة بروح الطفولة ، إذن فأنت عدنان الغول .. الشهيد و أبو الشهيد و عم الشهيد ، فأنت وطن في رجل ، و رجل احتوى الوطن بين دفتيه ، و حمله على منكبيه ، هذا أقل ما يقال لك و فيك أخي و رفيق دربي أبا بلال .
من لا يعرفك لن يُقدّر يوماً بأنك أساس في مداميك هذا النصر ، فلم يكن يعرف الكثيرون بأنك نقلت المعركة من أرض غزة إلى سديروت ، فروَّعتهم كما روَّعوا أطفال فلسطين ، كنت نواة البؤرة في استهدافهم ، فأراد الدهر أن يصب عليك مكارهه باستشهاد ابنك الأول ، لكنك وسعت مساحة الفرح في صدرك لتقهر العدو بالاختيار المطلق لدرب الموت على مذبح الحب الإلهي بالطاعة كي تتربع على السنامة ففزت بالنعمة التي أرادوها لك نقمة ، نعمة الشهادة و تزينت بزينة الرجاء العظيم .
عدة مرات ، قبل أن تتحرر من قيد الجسد شخصياً فكنت شريك الأئمة الشهداء و الصحابة الأطهار و الأخيار ، فأرض كربلاء تشهد على معنى قتل الأب و الابن و الأخ و ابن الأخ ، فالتزمت النهج . نهج الأوائل و نهج الحواضر ، من قادتك الشهداء و الأمراء ، الأمير أحمد و الأمير عبد العزيز ، رضي الله عنهم و رضي عنك ، علماً نعلمه بهدوء اليقين و رسوخ الإيمان ، و حلة نرتديها مخضبة ، قصصاً ، لا حتفاً رغم أنوفنا ، لا موت الهوازل ، بل موت النوازل ، تسفك منا الدماء ، عهداً و وفاءً .
عهداً أخي و رفيق دربي لبيعة في أعناقنا و وفاءً لأصحابها و نهجاً ارتضاه ، دفعاً من باختيار السكون من الروح لا لدنيا و لا لجاه و إني أعلم بأنك تعلم بأن البداية بدأت و الإشراقة أطلت ، و البيرق رفع و سار المسير ، و نفر النفير ، فارقب بعين الكون اصطفاف الكتائب هواة الشموخ ، و رايات العساكر بلون السهول و نشيد الحناجر يهز العروش لنصر يزاحم أعتى الجيوش ، فهذا و ذاك ، أنت فيه أساس و تأسيس ، فاليوم ما تحت أقدامنا و غداّ إن شاء الله هربيا و حمامة و المجدل و يافا و كل أرض مغتصبة من أرض السلام .
مناجاتك أخي عدنان لا يخطها المداد ، بل روح لروح ، و حي لحي بوعد الهي محتوم .
أخوك و رفيق دربك و سلاحك
عبد القوقا ( أبو يوسف )
مقدمة
(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ والإنجيل وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
الحمد لله على ما قدّر به و قضى و شكراً له على ما أنعم به و ارتضى ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد قائد الغر المحجلين ، أما بعد :
فقد رحل عنا كبير المهندسين ، الشيخ القائد عدنان الغول ، الرجل الخفي الذي أمضى معظم حياته مطارداً واستطاع أن ينقل المقاومة الفلسطينية العظيمة نقلة غير مسبوقة من خلال تصنيع الأسلحة محلياً في ظل هذا الحصار المفروض منذ زمن بعيد على جهادنا المقدس في فلسطين ، و بقيت معالم الشهادة واضحة ، جلية في كل صاروخ يطلقه المجاهدون على مستوطنات الغاصبين الصهاينة ، فلم يكن أبو بلال " عدنان الغول " شخصاً عادياً على الإطلاق ، بل كان شخصية غير مسبوقة ، فهو داعية من الطراز الأول و مهندسٌ ، عالمٌ كيميائيٌ ، استطاع أن يحطم أسطورة الجيش الذي لا يقهر ، و كان معلماً لمئات المهندسين ، زاهداً في الدنيا ، يرضى بالقليل و لا ينظر إلى الكثير ، فالنشأة الإسلامية التي نشأ و ترعرع في ربوعها ، و موائد القرآن و عشقه للجهاد في سبيل الله جعل منه شخصية فذّة عملاقة غيّرت مجريات المعركة الفلسطينية مع اليهود النازيين . قدّم ولديه بلال و محمد و لم ييأس ، بل كان مثالاً للصبر . شجاعاً لا يعرف الضعف ، رابط الجأش ، لا تؤثر فيه هذه الخطوب أو النوازل ، و لا تثنيه المصاعب عن تحقيق آماله بتطوير الأسلحة المحلية ، فيوم استشهد ولده بلال ذهب إلى مستشفى الشفاء وحده و دلف إلى ثلاجة الموتى و قبّل بلال ثم غادر مصمماً على الانتقام لأرواح الشهداء جميعاً ، لقد صبر ذلك العملاق صبر الرجال الذين استقر الإيمان و اليقين في قلوبهم و استسلم لقدر الله تعالى عالماً بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه و ما أخطئه لم يكن ليصيبه ، لا يتوانى و لا يتردد في التضحية بنفسه و فلذات كبده و صهره عمران مستذكراً قوله تعالى " الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ " و قوله تعالى "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيم".
.. هذا و لم تكن فترة البحث في سيرة هذا الرجل قليلة أو بسيطة بل كانت طويلة جداً ، فهو لم يترك لنا إلا القليل من صور غير واضحة المعالم ، خفية عن الجميع رغم أن حياته كانت مفعمة بالجهاد إلا أنه كان يكللها السر و الكتمان و كأنه رجل ظِل يختفي بعد أن ينجز ما يصبو إليه ،غير عابئ بذكر اسمه .
لقد كان القائد عدنان الغول خفياً تقياً ، لا يعرفه سوى قلة من شبان الحركة الإسلامية ، حتى جاء استشهاد ولده بلال في الثاني و العشرين من شهر ديسمبر 2001 لتتضح صورته اكثر ، و بعد استشهاد ولده محمد و صهره عمران يوم الجمعة ، السابع و العشرين من شهر حزيران ( يونيو ) 2003 أصبح الحديث عنه يكثر و يكثر و استبدت الرغبة بالجميع لمعرفة هذا الشخص الذي كان غائبا عن الأعين و الذي أصبح المطلوب رقم "2" للأجهزة الأمنية و العسكرية الإسرائيلية ، إلا أنه و رغم ذلك أيضاً بقى خفياً جداً ، لا يُرى و لا يُسمع عنه إلا القليل .
فكان " يحيى " ابن غزة لامعاً في سماء المقاومة و الجهاد كيحيى ابن الضفة ، فيحيى " و هو الاسم الحقيقي للشيخ عدنان الغول" كيحيى عياش ، غيّر مجريات التاريخ الفلسطيني بأكمله ، فنحن هنا مع حالتين نادرتين " يحيى " ابن الضفة الذي أرسى قواعد العمليات الاستشهادية ، و " يحيى " ابن غزة الذي أرسى أسطورة الصواريخ و التي كان له الفضل الكبير في تصنيعها و تطويرها . فكم هي غريبة تلك الأقدار التي حملت بين ثناياها الاسم الخالد " يحيى " الذي أعطى هؤلاء الرجال الحياة بعد استشهادهم ، و كأن شهادتهم حياة للجميع .
هناك في الضفة كان يحيى الأول حياة - للأمة العربية جمعاء و للشعب الفلسطيني خاصة - بالعمليات التي هزت تل أبيب و الخضيرة و العفولة و كل الأراضي المغتصبة ، و هنا يحيى الثاني الذي هز المستوطنات و أعلن الرعب في صفوف الكيان المغتصب للأرض و العرض و الوطن ، فكلاهما كتب التاريخ بدمه و أحدث تغيرات هامة في مجريات التاريخ الفلسطيني المعاصر التي لن تنساها البشرية جمعاء .
و بعد استشهاد القائد عدنان الغول و معرفتنا بأنه أبو صواريخ القسام والبنا و البتار و الياسين إلا أنه ظل كشخصية هلامية لا نستطيع رؤيتها أو إدراكها ، لذلك أخذت على عاتقي أن ابحث في سيرة هذا الرجل الذي ترك إرثا للمقاومة الفلسطينية تستطيع من بعده تحقيق حلمه بتصنيع مضاد للطائرات الذي بدأ بإنشائه حتى وفقني الله إلى ما بين أيديكم عن حياة و سيرة القائد الكبير يحيى " عدنان " محمود جابر الغول ، نشكره به على ما أتم من اجل فلسطين و أجلنا .
و نسأل الله تعالى أن يجعل مقامه في علّيين في صحبة الأنبياء والشهداء و الصديقيين و الصالحين و حسن أولئك رفيقاً .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أخوكم
أبو أنس
الفصل الأول
الميلاد و النشأة
ولد الشهيد القائد يحيى محمود جابر الغول في مدينة غزة يوم 24/7/1958م ، في مخيم الشاطئ بعيادة الوكالة ( السويدي ) و قد كان المخيم يمثل اللبنة الأولى في تشكيل شخصية القائد يحيى الغول في ظل الاحتلال و الغطرسة الصهيونية الغاشمة .
حين عادت الأم تحمل وليدها " يحيى " إلى منزلهم في مخيم الشاطئ استقبلتهم أخته الكبرى " زينب " و سألتهم عن اسم المولود فأجابوا بـ " يحيى " ، فرفضت الأخت إلا أن تسميه عدنان ، و طلبت منهم ذلك و أصرت في طلبها فقرر جميع أفراد الأسرة على مناداته بعدنان استجابة لطلب الأخت ، على أن يبقى اسمه " يحيى " في القوشان و الأوراق الثبوتية و الرسمية.
ولد عدنان الغول لأبوين مسلمين ، فلسطينيين فأبوه المجاهد الكبير محمود جابر الغول " أبو خضر " الذي يعتبر رمزاً من رموز المقاومة في قرية هربيا إحدى قرى قضاء غزة و التي هُجّروا منها عام 1948 ، فقد كان محمود الغول و الحاج شوقي الغول من كبار قادة المجاهدين و على رأس الجيش الذي تصدى لقوات الاحتلال الغاشم عام 1948 و استطاعوا أن يلحقوا الخسائر بالجيشين الإسرائيلي و البريطاني المستعمر ، فعمليات الكر و الفَر و الاستيلاء على سلاح الإنجليز و مهاجمة مواقعهم و خطف الجنود جعل لوالد الشهيد عدنان الغول هيبة في كل القرى المجاورة .
في العام الذي ولد فيه عدنان كان والده يقبع في سجن غزة المركزي لدى القوات المصرية التي أرهقها محمود جابر الغول في عملياته المستمرة ضد أرتال الغاصبين ، و الاستيلاء على سلاحهم ، فقرروا اعتقاله لمدة عام . و حين جاءوا بعدنان إليه في السجن تبسم و كان اللقاء الأول يجمعهم داخل قاعة سجن غزة المركزي .
غادر محمود الغول قرية هربيا عام 1948 إلى مدينة غزة و مكث فيها حوالي شهرين في منزل متواضع للسيد أديب القيشاوي و هو أحد أخوال أبو خضر ( والد عدنان ) ، بعد ذلك انتقلت العائلة للعيش في مدينة رفح التي كان فيها الوضع متأزماً بين السكان من استقبال اللاجئين لولا صرامة الغول الذي فرض البقاء بقوة على الأرض . في ذلك العام كان المطر شديداً و الرياح قوية جداً ، فالجميع يذكر الخيام التي طارت و الثلوج التي حطت على هذه البقعة الداكنة من الأرض حتى أصبح الناس يسمون ذلك العام بـ" عام الثلجة " و بعد عامين أو أكثر قليلاً تركوا مدينة رفح متجهين إلى دير البلح . في تلك الفترة عمل الأب في تهريب مواتير المياه من قرية هربيا إلى أهالي المخيم ، و يذكر اخوة أبو بلال ما حدث بأبيهم حين عثر اليهود على أحد المواتير لدى أحد أفراد سكان منطقة البريج و الذي اعترف لليهود عن محمود الغول المسؤول عن تهريب المواتير من قرية هربيا إلى مخيمات اللاجئين ، ليتم وقتها محاصرة منزل أبو خضر الغول و البحث عنه لولا قدر الله الذي نجاه لحظتها و استطاع الفرار من المخيم إلى مدينة غزة مرة أخرى .
انتقل الجميع بعد ذلك للعيش في النصيرات و استطاع الأب أن يشتري قطعة كبيرة من الأرض في منطقة المغراقة التي عاش بها قائدنا طيلة حياته رحمه الله . فقد حط الجمع رحالهم عام 1965 في منطقة وادي غزة و مكثوا بعد ذلك هناك إلى يومنا هذا .
درس الشيخ عدنان الغول المرحلة الابتدائية ( السنتين الأولى و الثانية ) في مدرسة العتيقة بمخيم الشاطئ . و لا يزال الجميع يذكر ما حدث مع عدنان في يومه الأول من المدرسة . فقد كاد أن يموت لولا رعاية الله وحده ، فحين غادر المدرسة في اليوم الأول لم يتجه للمنزل فوراً بل قرر الذهاب إلى بحر المخيم و هناك ظل يسبح فترة من الوقت و وقت أن عاد إلى المنزل ضربته أمه و غسلته بالماء . ما حدث بعد ذلك أن الفتى عدنان مرض مرضاً شديداً ، اضطر بأهله أن يحملوه إلى مستشفى دار الشفاء و هناك مكث قرابة ثلاثة أيام بسبب نزلة حادة ألمّت به تحولت بعد ذلك إلى حمى شوكية ، و في اليوم الرابع أخبرهم الطبيب بأن الأربع و العشرين ساعة القادمة ستحدد مصير الطفل عدنان الغول ، فإما أن يموت و هو الاحتمال الأرجح و إما أن يصاب بالشلل ، أو أن يفيق دون شيء و هو احتمال ضعيف جداً ، لكن لا شيء يقف أمام قدرة الله عز وجل ، فاستفاق الطفل في يومه الرابع نشيطاً سليماً ، معَافاً إلا أن أذنه اليسرى بقيت تؤلمه حتى وفاته رحمه الله ، فكان لا يسمع بها كثيراً بسبب الالتهاب الذي ألّم به جراء تلك الحادثة .
انتقل بعدها عدنان الغول ليعيش مع أسرته في المغراقة ، فأكمل دراسته الابتدائية هناك في مدرسة ذكور النصيرات الابتدائية (ج ) ، ثم درس المرحلة الإعدادية أيضاً في مدرسة ذكور النصيرات الإعدادية (ب) و كان ذا طبيعة هادئة رزينة ، فكان الجميع يقول عنه أن القطة تأكل عشاءه ، لكنه كان في منزله عكس ذلك تماماً ، فكان يحب اللعب ، خصوصاً إعداد السلاح الخشبي و القنابل التي يكونها من الرمل و غير ذلك كثير . يتحدث عن ذلك أخوه محمد الذي كان دائماً يلاحظ شغف الفتى عدنان بالبحث و اكتشاف مواد بسيطة متفجرة ، فيخترع مواد عادية من أعواد الثقاب ترعب أهل المنزل الذين كانوا دائماً خائفين على ولدهم من أن يؤذي نفسه فكان عدنان أحياناً لا ينام تفكيراً في كيفية تصنيع سلاح صغير مناسبٍ له.
في تلك الفترة بدأت ميوله الإسلامية تظهر من خلال التزامه بمسجد بلال الذي بناه أحد رجال عائلة السقا ، و كان من رواد هذا المسجد و من المواظبين على جميع الصلوات الخمس خصوصاً صلاة الفجر ، حتى أحبه جميع من في المسجد . فقد كان مطيعاً ، هادئاً ، ودوداً باشاً في وجه الجميع .
التحق عدنان بعد ذلك بمدرسة خالد بن الوليد الثانوية في النصيرات عام 1976 و كان من أفضل الطلاب و أذكاهم على الإطلاق خصوصاً في مادتي الفيزياء و الكيمياء ، و كان يتمتع بحب مدرسيه و زملائه الذين يغبطونه لذكائه . كان في تلك المرحلة من أبرز الدعاة إلى الالتزام بتعاليم الإسلام و الالتفاف تحت راية الدين العظيم ، و كان يمارس في تلك الحقبة من الزمن هوايته المفضلة و هي لعبة كمال الأجسام فتدرب مع بعض إخوانه من مسجد بلال والجمعية الإسلامية في أحد النوادي بتلك المنطقة ، فكان كثير الأكل يحب السمك و اللحم مغذياً جسمه الذي لم يستطع أن يحمله بعد ذلك ، حتى أن أمه كانت تقول بأنه غولاً حقيقياً لا بالاسم فقط.
في يوم 2/2/1977 فجع الشاب عدنان بوفاة أبيه الذي أصيب بجلطة في الدماغ و حزن حزناً شديداً لموت الرجل الذي علمه معنى العزة و الجهاد و الذي أخذ بيده نحو النور و التربية القويمة ، ففقد الحبيب الذي ملأ عليه البيت بالسرور و البِشر ، و أصيب جراء ذلك بـ"طَربَة " أصبح على إثرها قليل المشي آنذاك ، فقد كان يعتبر والده رمزاً له في بطولاته و جهاده ضد المحتلين التي طالما ترنم بها لأصحابه و أحبابه .
بعد إنهائه مرحلة الثانوية العامة و تفوقه فيها قرر جميع إخوانه إرساله إلى الخارج لإتمام دراسته الجامعية إلا أنه رفض ذلك العرض متمسكاً بتراب الوطن ، لكن إصرار الأهل جعله يلين فسافر في نهاية عام 1979 إلى إسبانيا لنيل درجة البكالوريوس في علم الكيمياء ، لكن ما أن مرت فترة قصيرة حتى أحاطه الملل من كل جانب و لم يعجبه الأمر كثيراً فقرر العودة إلى غزة و بعد شهرين فقط عاد شوقاً و حنيناً إلى أزقة المخيم و دروبه التائهة. وعاد و ظل يصلي حتى كلّت قدماه كأنه ارتكب خطيئة بسفره إلى خارج حدود فلسطين .
الفصل الثاني
الالتحاق بجماعة الإخوان المسلمين
خلال دراسة القائد عدنان الغول في المرحلة الثانوية تحديداً بدأ نشاطه الإسلامي يظهر على الساحة فعرفه كل أبناء جيله و قادة العمل الإسلامي آنذاك بأنه أنشط هؤلاء الشبان و أحرصهم على التبليغ و الدعوة للفكر الإسلامي و قد تمّ انتدابه للعمل ضمن جماعة الإخوان المسلمين ، و بدأ يتعرف على أفكار الجماعة في تلك المرحلة من الزمن فلم يمر أكثر من عام حتى كان بين أحضانها مبلغاً عشيرته و أهله بأنها الجماعة الربانية الراشدة ، و كان عدنان الغول في طليعة أفراد الجماعة في منطقة المغراقة تحديداً التي كانت تزخر بالرجال الأشداء و المغاوير محافظاً على الأسس القويمة لذلك التنظيم .
في ذلك الوقت بدأ يلتزم بمسجد الجمعية الإسلامية التي زخرت بالعمل الدعوي و التربوي ليكون له نصيب بأن يتتلمذ على أيدي كبار رجال جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين أمثال القائد عبد الفتاح دخان و القائد حماد الحسنات ، و أوكلت إليه الكثير من المهام في ذلك المسجد ، فبدأ بتحفيظ الشبان القرآن و التزم أيضاً معهم بحفظ المصحف حتى حفظه كاملاً بعد ذلك .
في تلك الحقبة من الزمن كون علاقات حميمة مع شبان الحركة داخل النصيرات و خارجها و استمر في الارتقاء معهم بهذه الدعوة الراشدة . و استطاع مع إخوانه أن يقيموا أنشطة رياضية لا يزال جميع رواد مسجد حمزة و مسجد الجمعية الإسلامية يذكرها ، فتدرب مع بعض إخوانه على رفع الأثقال و كمال الأجسام ، و كان مسروراً جدا بذلك العمل .
سافر عدنان بعد إنهائه المرحلة الثانوية إلى إسبانيا و عاد دون أن يتم دراسته ، فقد استبد به الشوق إلى غزة و عاد يحمل إليها حنيناً من نوع خاص ، و فكر بعدة مشاريع كي يستقر في أرضه لكنه لم يبق على ذلك الحال كثيراً حين طلب منه أهله إتمام دراسته في غزة أو أية دولة عربية أخرى ، فقرر السفر إلى دولة مصر الشقيقة و درس في جامعة بيروت العربية بالإسكندرية حوالي العام . هناك توطدت علاقته أكثر بجماعة الإخوان المسلمين و تعرف على قيادات الجماعة في فلسطين الذين كانوا يدرسون هناك آنذاك و أصبح من القيادات الشابة في الجامعة طوال تلك الفترة ، لكن حملات الاعتقال و التعذيب التي مورست بحق شباب الإخوان وقتذاك من قبل القوات المصرية و الملاحقات التي أرهقتهم جعلته يقرر العودة مرة أخرى إلى غزة ، و كان له ما أراد . فعاد دون أن يحصل على شهادة البكالوريوس أو أي شيء آخر سوى تعمقه و تعلقه بجماعة الإخوان المسلمين التي ظلت تسعى إلى إخراج الناس من عبودية القادة العرب و ضلالهم إلى نور وعدل الإسلام .
تعرف بعد ذلك شهيدنا عدنان الغول رحمه الله على الشيخ أحمد ياسين و كانت علاقته وطيدة به و بالقائد الشهيد عبد العزيز الرنتيسي ، و في ذلك الوقت سافر عدنان إلى الأردن و عاد يحمل معه مجموعة كبيرة من الرسائل و الكتب الدعوية التي لم تكن متوفرة في غزة آنذاك ، المهم في ذلك الأمر أن الشيخ عدنان قد خرج في مهمة لم يكن يعلم بها أحد ، حتى أسرته التي فوجئت بعد ذلك بأن عدنان لم يكن يسافر لإتمام الدراسة أو أي شئ آخر بل ذهب كي يطلب مساعدة من منظمة التحرير الفلسطينية لإحضار السلاح إلى غزة و محاربة اليهود المتمركزين في القطاع لكنه عاد دون أن يحصل على شيء ، لقد قام بذلك عدنان بسبب أن تلك الفترة لم تكن تحمل طابع العمل العسكري فلم تكن جماعة الإخوان المسلمين مهيأة للعمل العسكري في قطاع غزة فالتجأ إلى المنظمة التي أعادته بخفي حنين ليبدأ مشوراً جديداً في التربية و الدعوة دون أن يحقق ما يحلم به أو يصبو إليه .
ساهم بعد ذلك بدور فاعل في بناء مسجد الإيمان مع كثير من الاخوة في حركة حماس الذين كان لهم الجهد بإعمار المسجد حديثاً ، و أصبح عدنان يرتاد هذا المسجد حتى أخر فترة من حياته ، و لقد كان يؤم المصلين ، فيقول عنه الأستاذ أبو محمد و هو من الذين عايشوا الشيخ عدنان لأمد بعيد بخصوص ذلك الأمر " إن الشيخ عدنان كان عظيم القدر في نفوسنا ، فقد تحمل أعباء هذا الدين و هذه الدعوة منذ نعومة أظفاره ، فكان يجاهد ، و يعلم الناس تعاليم شرعنا الحنيف ، و كان من الدعاة ( أعلم أن الجميع يقول عن عدنان بأنه رجل عسكري ) لكن ذلك ليس فقط ما كان يوليه اهتمامه ، فقد كان يولي هم الدعوة اهتماماً اكبر ، و أذكره حين كان يزورنا بالمسجد فيصلي بنا رحمه الله ، كم كان عذب الصوت ، خاشعاً . كان يطلب منا قبل أن نصلي خلفة في صلاة التراويح بأن من لم يستطع القيام فليجلس و يصلي قاعداً ، حتى تكل قدماه هو دون أن يجلس و يبقى واقفاً ، منتصباً ، خاشعاً . كان أحياناً يختم في الركعة أكثر من جزأين .. " و يتم الأستاذ أبو محمد بقوله " كان متواضعاً إلى أبعد الحدود ، فلا زلت أذكره حين جاء إلينا و هو مطارد من قبل السلطة و قوات الاحتلال ، و دخل علينا المسجد فقمنا نستقبله مسرورين ، لكنه قبل أن يتفوه بأي كلمة " استحلفنا بالله أن نجلس و لا نقوم لاستقباله ، و طلب منا بأن لا نشعره بأنه ذو قيمة أكبر منا ، و طلب منا أن نتعامل معه كأنه موجود بيننا دائماً .. "
زواجه ..
في عام 1981م تزوج الشاب عدنان من ابنة عمه ( وفاء إبراهيم الغول ) و كان له حفلاً مهيباً في ديوان عائلة الغول و حضره جميع أصدقاء الشاب عدنان و أحيوا حفلاً إسلاميا رائعاً شرح صدر عائلة الشاب التي لم تختلط من قبل بالشباب المسلم عن كثب .
استقر بعدنان المقام في منطقة المغراقة التي كانت تعتبر المحضن الأول له ، و كم كانت سعادة تلك الفتاة بذلك الشاب الوسيم ، المتدين ، الملتزم بشعائر الإسلام ، فقد كانت تعتبره قدوة لكل شبان العائلة ، لحسن خلقة و سيرته ، و حسن المعاملة و العشرة و التمسك بتعاليم الشرع الحنيف و خلال تلك السنوات التي قضتها معه كان بشوشاً ، طلق الوجه ، رطباً ، لين الجانب ، يترنم دائماً بقول الحبيب المصطفى عليه الصلاة و السلام مع زوجاته و يقول لزوجته أنا علمني القرآن و علمتني سنة محمد عليه الصلاة و السلام و يقرأ قول النبي صلى الله عليه و سلم " خيركم خيركم لأهله ، و أنا خيركم لأهلي " فكان نعم الزوج و نعم الأب ، و نعم المجاهد .
حين ذهبتُ لأقابل زوجته أم بلال حدثتني عن سيرته التي لم أكن اعرفها عن كثب مثل اليوم ، و قالت بأنها لم تسمع يوماً منه كلمة " أف " أو أية إساءة في المعاملة . كما اخوته الذين لم يسمعوا منه أية كلمة غامضة ، غاضبة بل قوله فقط " الله يسامحك " و " الله يهديك ".
بعد أسبوع واحد من زواج عدنان الغول من ابنة عمه ، أخذ منها المهر من ( الذهب ) و اشترى به سلاحاً للمقاومة لعدم توفر السلاح وقتذاك فتضيف أم بلال: ((تزوجني في عام 1981 ودفع مهراً لا بأس به ، وكنت قد اشتريت بمعظمه مصاغاً لي، ولكن قبل أن يمر أسبوع واحد على زواجنا أخذ يحدثني عن ضرورة الجهاد ومقاومة أعداء الله الصهاينة وأنه يتمنى لو يملك سلاحاً يجاهد به. وأخذ يقنعني شيئاً فشيئاً ويزين لي أهمية الجهاد، وعندما رأيت به هذا الحماس وأنه صادق في الدفاع عن أرض الوطن، دفعت إليه بمصاغي كاملاً ليشتري به سلاحاً، وكانت هذه أول مرة يملك فيها عدنان سلاحاً خاصاً ليدافع به عن وطنه)) .
في يوم 28 / 8 / 1983 ولد بلال الابن الأكبر للقائد عدنان ، و كم كان سعيداً يومها ، فقد أسرع في إحضار العقيقة و تم دعوة كل أفراد آل الغول و أصحابه المجاهدين لتلك العقيقة ، و ظل عدنان يزرع في ولده معنى العزة و الجهاد حتى استشهد بلال عصر يوم الأربعاء 22 / 8 / 2001 م .
و في يوم 31 / 10 / 1987 ولد محمد الهادئ ، الوديع الذي لم تكن تفارقه البسمة يوماً و أصبح لعدنان رجلان يمكن الاعتماد عليهما في جميع مجالات الحياة . لكنه فقدهما قبل أن يستشهد بعد أن كانا نعم الجنديين و نعم الرجلين في زمن عزت فيه الرجال . قد استشهد محمد فجر يوم الجمعة 27 / 6 / 2003 م في إحدى محاولات الاغتيال لأبيه في منطقة المغراقة .
تذكر أم بلال بأن الشيخ عدنان حين أصبح مطارداً كان أولاده كثيري المزاح معه لأنهم لا يرونه إلا قليلاً خلال الأسبوع ، حتى أن بلالاً جلس يوماً على أحد الكراسي و بدأ يلعب مع أبيه لعبة التحقيق و بدأ يستدرج أباه في الحوار و الأب غارقٌ في الضحك حين تذكر عمليات التحقيق في سجون السلطة الفلسطينية ، و تذكر أم بلال أن بلالاً و محمداً يوماً سألاه " كيف حقق معك هؤلاء الخونة ؟ " و كل ذلك استفاد منه الطفلان بلال و محمد بعد ذلك ، فحين تمت مطاردة عدنان من قبل السلطة الفلسطينية بعد عام 1996 و مطالبة الـCIA له ، حاصر رجال السلطة المنزل في منطقة المغراقة و ربطوا بلالاً على شجرة و ضربوه بعنف كي يعترف عن مكان أبيه إلا أنهم لم يستطيعوا أن يخرجوا منه بكلمة واحدة ، حتى محمد و عمران كانوا حجارة صماء لا تتحدث ،و لا تشي بأي سر مهما كلفهم ذلك الأمر.
للشيخ عدنان أربعة أولاد هم بلال و محمد و محمود و هلال ، استشهد بلال و محمد و بقي الآخران ، وللشيخ عدنان خمس بنات أخريات تزوجت إحداهن من ابن عمها عمران الذي استشهد في معركة المغراقة بعد أن أنجبت منه الطفلة ملك .
عمله
عمل الشهيد عدنان الغول في بداية حياته داخل الخط الأخضر أياماً قليلة ثم انتقل بعد ذلك للعمل في مزرعة للدواجن عند أحد الصهاينة المغتصبين و لم يستطع أن يتم أكثر من خمسة أيام فعاد للعمل في منطقة المغراقة لحرث الأرض التي يقطنها ، و ظل يزرع و يسقي و يغرس كما زرع و غرس في قلوبنا حب الوطن اليوم .
و ظل عدنان على ذلك الحال فترة قليلة من الزمن بسبب نشاطه العسكري الذي فرض عليه الفرار من براثن الاحتلال و المطاردة في 13 / 10 / 1987 م و الاختفاء حتى مغادرة أرض الوطن .
الفصل الثالث
انتفاضة الـ87
خطط الصهاينة في نهاية السبعينات إلى إنهاء أية انتفاضة في فلسطين و حاولوا إشغال الفلسطينيين بلقمة العيش بعيداً عن الجهاد و المقاومة ، ففي تلك الفترة كانت إسرائيل تحاول زج الفلسطينيين في معترك الحياة المادية و إشغالهم بالعمل داخل الخط الأخضر و من ثم نشر الثقافة الاستعمارية و إبعاد الناس عن المساجد ، فقد حاول الصهاينة نشر الفكر الغربي الذي يدعو إلى الإلحاد و السفور و التبرج و النزوة الجنسية و المادية و إبعاد الجميع عن بوتقة الفكر الإسلامي من خلال تنظيمات هدامة رعتها عين المحتل و لم تحاول التضييق عليها .
و بناءً عليه تبنت جماعة الإخوان المسلمين التربية هدفاً رئيسياً لها آنذاك و كان همها و شغلها الشاغل هو بناء النفوس إيمانياً و تربوياً . إلى جانب ذلك عملت في الاتجاه العسكري لكن بصورة بطيئة و قليلة غير واضحة المعالم . فقد شكلت جماعة الإخوان المسلمين في فترة السبعينات و الثمانينات جمعيات و تنظيمات عسكرية سرية ، فأسست جماعة الإخوان المسلمين تنظيماً عسكرياً مسلحاً عام 1979 في فلسطين داخل الخط الأخضر و قد نفذ هذا التنظيم عشرات العمليات المسلحة و دمر العديد من المنشآت الاقتصادية اليهودية في فلسطين ، لكن تم اكتشاف ذلك التنظيم عام 1980 و اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلية أكثر من 60 شاباً من أفراده ، و أصدرت السلطات اليهودية أحكاماً متفاوتة على أعضاء ذلك التنظيم وصلت أقصاها إلى خمس عشرة سنة ، و قد صرح مستشار بيغن يومها للشؤون العربية أنه لو لم يتم كشف أمر هذه الحركة في الوقت المناسب لتعرض أمن إسرائيل و مستقبلها إلى خطر عظيم .
كذلك تبنت جماعة الإخوان المسلمين التنظيم و التخطيط لانتفاضات تلهب النفوس الفلسطينية الأصيلة ، ففي نيسان عام 1982 و بعد أن قام جندي إسرائيلي باقتحام المسجد الأقصى و إطلاق النار على المصلين . بدأت الانتفاضة انطلاقاً من الجامعة الإسلامية التي أسستها جماعة الإخوان المسلمين و قد كانت لهيب الثورة و المقاومة ، و قد أطلقت عليها وسائل الإعلام " بثورة المساجد "و كان عدنان يمثل حجراً رئيسياً في إشعال النفوس لتلك الانتفاضة التي كان يقودها مع بعض إخوانه المجاهدين .
كذلك أسست جماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة تنظيماً عسكرياً جديداً عام 1984 و اكتشفت سلطات الاحتلال هذا التنظيم التابع للإخوان المسلمين ، و الذي تزعمه الشيخ القائد الراحل أحمد ياسين أمين عام المجمع الإسلامي في قطاع غزة آنذاك ، و حكمت المحكمة الإسرائيلية على الشيخ المعلم أحمد ياسين بالسجن لمدة 13 عاماً ، و من إحدى التهم التي وجهتها المحكمة للشيخ أحمد ياسين في ذلك الوقت هو محاولة تدمير إسرائيل و إقامة دولة إسلامية مكانها ، و قد تم الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين عام 1985 في صفقة تبادل أسرى قامت بها الجبهة الشعبية – القيادة العامة بزعامة أحمد جبريل.
بعد ذلك تم إيقاف أي عمل عسكري من قبل جماعة الإخوان المسلمين حتى طُلب من عدنان الغول إتلاف أي سلاح يمتلكه و إيقاف جميع الأنشطة العسكرية ، خشية من هدم كل شيء بنته الجماعة فالجامعة الإسلامية لا زالت في طور البناء كذلك التنظيم الأساسي و الذي لا يزال في طور البناء و هو " حركة حماس " قد ينتهي في أي لحظة .
فكانت الفترة الزمنية ما بين 1982 – 1987 التي سبقت الانتفاضة تمثل لعدنان فترة حماسية قوية كانت مليئة بأحداث المواجهات الشعبية و الصدامات مع اليهود ، حتى يمكن القول بأن الانتفاضة كانت قائمة بالفعل و لو جزئياً .
أما بالنسبة لوضع التنظيمات الفلسطينية في تلك الحقبة من الزمن فكان مزرياً جداً كما يذكر القائد عدنان لشبكة الإسلام اليوم ، فقد حاولت إسرائيل إنهاء منظمة التحرير الفلسطينية و تهميشها عن الساحة الفلسطينية ، فحركة فتح و الجبهة الشعبية كانتا من حركات المقاومة الفلسطينية الباسلة التي تبنت مشروع المقاومة ، لذلك تم عقد مؤتمر القمة العربية قبل الانتفاضة الأولى بعدة أشهر تحت رعاية إسرائيلية أمريكية لتهميش دور منظمة التحرير و إنهاء وجودها عن الساحة الفلسطينية .
كذلك حاولت إسرائيل بعد عدة أعوام إنهاء وجود الحركات الإسلامية لشعورها بالخطر الداهم تجاه التيار الإسلامي ، فكثرت الشائعات نحو تلك المنظمات و الحركات الإسلامية خصوصاً حركة المقاومة الإسلامية حماس فبدأ عمل الموساد و أجهزة المخابرات عن طريق العملاء في ذلك الأمر بأن حركة حماس هي صنيعة إسرائيلية ، و قد كان الهدف من هذه الشائعات صرف الناس عن حركة حماس التي تحمل في طياتها روح العمل و الفكر الإسلامي.
سئل عدنان يوماً عن ذلك أن إسرائيل هي من كانت تقف وراء تأسيس حماس ؟ فأجاب ضاحكاً ، بأن هذا كلام سخيف ، تافه و عارٍ عن الصحة التي لا يقبلها العقل ، فقد كانت إسرائيل أكثر ما تخشاه هو قيام الحركة الإسلامية آنذاك و نظراً لأن عدنان من أبرز من قاموا بإظهار صورة حماس بشكلها الواضح و الحقيقي للمجتمع الفلسطيني كان له أن يعترف بسخافة بعض المرجفين الذين استغلوا هذه الترهات للتشويه بسمعة الحركة .
في عام 1983 حدث خلاف بين جماعة الإخوان المسلمين و الحركات العلمانية و الشيوعية الأخرى ، و رغم تجاوز كل الخطوط الحمراء من قبل تلك التنظيمات إلا أن جماعة الإخوان المسلمين ظلت حكيمة في قراراتها التي رفضت الفتنة أو الاقتتال الداخلي ، وقتذاك جهز عدنان مجموعة من الشبان لقطع رأس أي فتنة أو أي محاولة من تلك التنظيمات لاغتيال قيادات الإخوان ، فكان أحد الأخوة جاهزاً ينتظر قرار الشيخ عدنان لقتل أي شخص يحاول المساس بشخصيات الإخوان في غزة لكن الدكتور إسماعيل الخطيب عميد الجامعة الإسلامية لم يقبل عرض عدنان الذي كان جاهزاً للتنفيذ و قدّر الله أن تنتهي تلك الفتنة بسلام .
خلال ذلك بدأت الحركة الإسلامية بالعمل العسكري و في عام 1984 كانت ضربة جمع السلاح التي اعتقل على أثرها الشيخ أحمد ياسين ، في ذلك الوقت كان عدنان يعمل مباشرة مع الشيخ أحمد ياسين ، لكن الحركة بعد تلك الأحداث قررت إيقاف العمل العسكري حرصاً على سلامة تأسيس الحركة التي كانت في طور البناء فقرر عدنان تأسيس مجموعة مسلحة بقيادته مهمتها قتل العملاء و اليهود في كل مكان من فلسطين ، و بدأت المجموعة عملها عام 1985 و ترأس تلك المجموعة التي أسماها " مجاهدو المغراقة " و التي تكونت منه و أخيه عمر الذي يقضي الآن حكماً بالسجن لمدة 95 عاماً و محمد رياض حسان و عبد الكريم أبو ربيع و ناهض الوحيدي و مجموعة أخرى من الشبان الثائرين . إلى جانب ذلك قام عدنان بتجهيز السلاح لكل المجموعات التي عملت معه من ماله الخاص ، فلا زالت تذكر أم بلال أسبوعها الأول الذي باعت فيه ذهبها من اجل إحضار السلاح للمجاهدين . و كان يسعى أبو بلال من وراء ذلك التنظيم مناوئة أي تنظيم غير إسلامي على الساحة الفلسطينية للفت أنظار الشارع إلى الفكر الإسلامي الذي بدأ يقود المعركة ، و كان هناك عدة عمليات عسكرية و أمنية لكنهم لم يصدروا أي بيان يتبنى تلك العمليات التي نفذوها ، لكن ذلك تم كشفه بعد أن تم الاعتراف على عدنان و الآخرين
أيضاً عملت تلك المجموعة على محاربة الفساد الذي كان قائماً آنذاك . ففي أحد الأيام أطلقت مجموعة الشيخ عدنان النار على مجموعة من المجندات الإسرائيليات اللاتي عملن على إسقاط الشباب الفلسطيني و كن يحضرن إلى متنزه بلدية غزة بخصوص ذلك الأمر ، أيضاً قام الشيخ عدنان بإعدام العديد من العملاء أمثال (ت،ح) الذي كان يمتلك خمارة في مخيم النصيرات بالقرب من مدرسة البنات الإعدادية ، فقام عدنان و ناهض الوحيدي بإطلاق النار عليه من فوهة مسدساتهم ثم قاموا بعد ذلك بقليل بإعدام عميلين آخرين بالقرب من المستشفى الأهلي في مدينة غزة ، فقد قام عدنان و ناهض الوحيدي و عمر الغول و هم يحملون مسدسات 9 ملم و بعد مراقبة طويلة لأحد هؤلاء العملاء في محله حيث يعمل كهربائي سيارات في عسقولة خرج العميلان و بصحبتهما امرأة من محل الأخير فقام أبو بلال و ناهض و عمر بقتلهم على وجه السرعة و انسحبوا تحيطهم رعاية الرحمن . كذلك تم أيضاً إعدام العميل (ع. و.) مقابل السويدي في شارع النصر يوم عرفة 1987 و قد قام بالعملية أبو بلال و محمد حسان و كان عمر الغول يقود السيارة التي تقلهم ، و قد كان العميل قناص جيد ، سريع الحركة ، يستخدم سلاحه بسرعة و سيارته من النوع المزود بأجهزة اللاسلكي فتم رصد بدقة و هو في سيارته التي توقفت أمام أحد المحلات لبيع الأثاث فانتظر المجاهدون داخل سيارتهم حتى خرج العميل و ما أن ركب السيارة و بدأ في تشغيل المقود حتى اقتربت سيارة أبو بلال ملتصقة بسيارته و أطلق عدنان من داخل سيارته النار على العميل في رأسه قبل أن يستطيع التحرك و هكذا قتل مجرم كان يعرفه الجميع بعربدته فأراح الله الناس من شره . و ظل عدنان يعمل على محاربة الفساد إلى أن بدأت المشاكل مع الهلال الأحمر بسبب عملية إطلاق النار عليه لاتهام أعضائه بالانتساب إلى المنظمات الشيوعية .
و يعترف الشيخ عدنان بأن تلك الفترة كانت مرحلة تمحيص و اختبار للشباب المسلم ، إلا انه يعترف بالخطأ الجسيم من قبل بعض الشبان الذين كانت صدورهم حامية تريد أن تقضي على الفساد في يوم و ليلة ، و لم يكن يؤيد عدنان ما حصل من اعتداء على مركز الهلال بتلك الصورة ، بل كان يحبذ بأن يتم التعامل مع المشكلة بحكمة اكثر كما قررت قيادة جماعة الإخوان.
في ذلك الوقت تحديداً بدأ ظهور حركة الجهاد الإسلامي على الساحة كفصيل إسلامي عسكري يدعو إلى مقاومة الاحتلال ، و في تلك المرحلة تحديداً استطاع ستة من أعضاء حركة الجهاد الإسلامي ( و هي حركة تسمت بهذا الاسم قبل تأسيس حركة الجهاد الإسلامي التابعة لفتحي الشقاقي ) من الإفلات من سجن غزة المركزي يوم 18/5/1987م ، و قد جن جنون الصهاينة من ذلك و بحثوا عن السجناء فلم يجدوهم و هم سامي الشيخ خليل و محمد الجمل و خالد محمد صالح و مصباح الصوري و عماد الصفطاوي و صالح محمد اشتيوي الذي ألقى القبض عليه بعد هربه ، وبقيت هذه القصة تثير الشجاعة في نفوس الشبان المتحمس للقتال آنذاك . بعد تلك الحادثة صار هؤلاء الشباب يحاربون الصهاينة في كل مكان حتى مل الصهاينة منهم و حاولوا أكثر من مرة ملاحقتهم و قتلهم لكن رعاية الله كانت تكلؤهم بالليل و النهار . خلال تلك الفترة تم اتصال مجموعة الشيخ عدنان بهؤلاء الشبان عن طريق أحد المجاهدين الذين اغتيلوا بعد ذلك و يدعى علي القصاص رحمه الله و الذي أرسله أحد قيادات حركة الجهاد الإسلامي آنذاك و صار العمل مشتركاً بينهم حتى كان استشهاد الشبان الأربعة و نجاة عدنان والآخرين.
و كانت أول عملية لمجموعة الشهيد عدنان الغول عام 1985 بمناسبة غزوة بدر في شهر رمضان المبارك في كمين نصبوه شرق البوليس الحربي حيث تم وضع حاجز من السيارات القديمة حيث كانت تمر قافلة عسكرية مزودة بالمؤن و السلاح فاستطاعت المجموعة قتل الجنود و إحراق الشاحنة و الهرب بالسلاح ، وقتذاك تبع اليهود أثر المجاهدين حتى وصلوا إلى أول شارع إلى بيارة عائلة الشهيد عدنان في منطقة المغراقة لكن الله عمى عنهم أعين اليهود و تاهوا في بداية الطريق فانسحبوا دون التعرف على مكان المجاهدين ، كذلك كانت هناك عملية لأبو بلال قرب شاطئ بحر النصيرات عندما قام بنصب عبوة ناسفة موجهة نحو مركز المراقبة ثم زرع لغماً ارضياً آخر مؤقت بحيث ينفجر بعد ربع ساعة من الانفجار الأول و قد أحدثت تلك العملية هزة قوية في المنطقة .
ثم معظم العمليات التي قام بها أبو بلال و أخوه عمر كانت في سوق فراس في اليهود الذين يحضرون للتسوق من هناك .
و في يوم 2/8/1987م يوم عيد الأضحى استطاع عدنان الغول قتل قائد الشرطة العسكرية في القطاع ( رون طال ) و لم تستطع حينها السلطات الصهيونية القبض عليه ، رغم أنها قامت بإغلاق جميع مداخل القطاع و منعت حركة الدخول و الخروج منه ، كما منعت عشرات الألوف من العمال من الذهاب للعمل داخل الخط الأخضر و فرضت منع التجول على أجزاء كبيرة من قطاع غزة ، وأعطى هذا العمل الثقة في نفوس الفلسطينيين بالإعجاب و الارتياح.
كذلك في 6/10 /1987 نشبت معركة حامية الوطيس عند حاجز إسرائيلي بين هذه المجموعة التي يقودها عدنان و بين قوات الأمن الإسرائيلية في حي الشجاعية و جاءت نجدة أخرى لقوات الأمن و جرت معركة حامية الوطيس ، استشهد على إثرها أربعة من أفراد حركة الجهاد الإسلامي كانوا ضمن مجموعة الشيخ عدنان و قتل حينذاك رجل الاستخبارات فيكتور أرجوان ، و قد نعت الحركة الإسلامية الشهداء الأربعة و هم ( سامي الشيخ خليل ، محمد الجمل ، أحمد حلس ، و زهدي قريقع ) و ذكرت بعض المصادر المطلعة انه سقط ربما أكثر من خمسين من قوات الاحتلال بين قتيل و جريح . و بالفعل فقد أضحت الأحداث المتوالية بعد ذلك انتفاضة شاملة و عنيفة فجرها الإسلاميون في 7/10/1987 على خلفية استشهاد هؤلاء الشبان في حي الشجاعية في قطاع غزة يوم 6/10/1987 ، فقد قام لحظتها شباب الإخوان المسلمين في القطاع بإشعال المظاهرات و المواجهات العنيفة .
و في غزة قام شباب الكتلة الإسلامية بمسيرات ضخمة في 11/10/1987م فوضعوا المتاريس في الشوارع و قذفوا السيارات العسكرية بالحجارة و تمركزوا داخل أسوار الجامعة الإسلامية في غزة فسقط ثمانية جرحى ، كما قامت الحركات الإسلامية بعدة تظاهرات و دعت إلى إضراب شامل في أوقات مختلفة .
بعد استشهاد محمد الجمل و سامي الشيخ خليل و زهدي قريقع و أحمد حلس في تلك العملية يوم 6 / 10 / 1987 بدأت حالة الانتفاضة تبزغ على الساحة الفلسطينية إلا أنها كان موجات مد و جزر حتى كانت عملية الدهس في جباليا و أصبحت الانتفاضة أمراً حتمياً فقامت الانتفاضة في 8 / 12 / 1987 م و التهب الشارع الفلسطيني و بدأت بوادر المعركة الإسلامية البطولية .
بعد فجر يوم الثلاثاء 8 / 12/ 1987 انطلق المصلون من مسجد بمخيم جباليا و تبعهم آلاف من أهالي غزة الغاضبين بمن فيهم طلاب الجامعة الإسلامية للتعبير عن غضبهم و استنكارهم لحادث استشهاد أربعة شبان و جرح تسعة آخرين من أبناء غزة بعدما دهستهم سيارة نقل صهيونية .
و بعد أن انتقل الخبر إلى مخيم جباليا حيث مقر سكن ثلاثة شهداء منهم ، انتشر الخبر في أرجاء قطاع غزة و تناقلت الأخبار حادث الاصطدام الذي تم على خلفية انتقامية لقتل مستوطن إسرائيلي في القطاع قبل ذلك بيومين من حادث الاصطدام ، وأن هناك صلة قربى بين سائق الشاحنة الإسرائيلية و المستوطن شلومو جيل الذي قتلته المقاومة ، فقامت مظاهرات صاخبة أثناء تشييع ضحايا الحادث ، و في 9/12/1987 قامت المظاهرات في مخيم جباليا ، و انطلق الشباب فجر ذلك اليوم من المسجد لرشق قوات الجيش بالحجارة لأنها حاولت التعرض للمتظاهرين ، فردت السلطات العسكرية الإسرائيلية بعنف على المتظاهرين ، فأطلقوا الأعيرة النارية و الغازات المسيلة للدموع عليها فاستشهد على إثرها الشهيد الشاب حاتم السيسي و كان أول شهيد لانتفاضة الـ87 و جرح 25 آخرين في مخيم جباليا . و هنا كانت المرحلة الجهادية الحاسمة لتاريخ عدنان الغول الذي أصبح فيها مطارداً من أجل فلسطين الحبيبة .
تعليق