[align=center]انهم ابناء الأقليات السنية والأحزاب المتهالكة... و«العائلات المستوحدة» ... مضلع «الأحباش» الأمني والاجتماعي يهتز بين المساجد البيروتية الثلاثة... وتقرير ميليس
بيروت - حازم الأمين الحياة - 31/10/05//[/align]
تضمن تقرير المحقق الدولي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري القاضي الألماني ديتليف ميليس اسماء قياديين في جمعية المشاريع الخيرية الأسلامية (الأحباش). وادعى القضاء اللبناني على اثنين من قادة هذه الجماعة بتهمة الأشباه بعلاقتهم بالجريمة.
والأحباش هم جماعة من السنة اللبنانيين يقودهم الشيخ عبدالله الهرري، وهو شيخ حبشي جاء الى لبنان في ستينات القرن الفائت. وعرف عن الأحباش علاقاتهم المتينة بالأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية. كما عرف عنهم محاولاتهم الأستئثار بالتمثيل السني اللبناني مستعينين برعاتهم السوريين.
وتمكن الأحباش من الأنتشار في عدد من المناطق في لبنان لا سيما في العاصمة بيروت التي «انتخبت» في العام 2991 احد قيادييهم (عدنان الطرابلسي) نائباً عنها. اما ابرز حضور لهم في الحقبة الفائتة فكان ما سمي بتظاهرة السواطير التي احتشد فيها عدد من مناصريهم رافعين السواطير ومهددين خصوم سورية في لبنان.
غالباً ما يبدأ البيروتيون, ابناء الأحياء الشعبية رواياتهم عن «الاحباش» برواية واحدة, وهي محاولة ناشطين «حبشيين» السيطرة على المسجد او المصلى في الحي الذي يسكنه البيروتي الراوي. اذ يبدو ان الأحياء البيروتية شهدت في الخمس عشرة سنة الأخيرة عشرات الوقائع المنتمية الى هذا النوع من الحوادث. لقد حاول المشاريعيون (نسبة الى جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية) او «الاحباش» نسبة الى شيخهم الحبشي عبدالله الهرري, السيطرة على معظم مساجد السنة في العاصمة بيروت وفي الكثير من المدن والقرى الأخرى, مستفيدين من دعم الأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية لهم في مواجهة المؤسسات التقليدية الدينية, متمثلة في دار الفتوى وجمعية المقاصد الإسلامية والمؤسسات الأخرى. ونجح «الاحباش» في السيطرة على الكثير من المساجد والمصليات وفشلوا في محاولات اخرى, وكان لانحياز المؤسسات القضائية والأمنية اليهم دور في موازنة عدم القبول الشعبي لمساعيهم مع سعي حثيث لتكريسهم ممثلين للمسلمين السنّة.
يروي ابو وليد وهو صاحب مقهى في منطقة الطريق الجديدة كيف سعى «الاحباش» الى السيطرة على مصلى السمان قرب مستشفى المقاصد, وهو مصلى محلي كان يديره شيخ من دار الفتوى. ويقول ابو وليد ان عناصر «الاحباش» وصلوا بسلاحهم قبل نحو خمس سنوات الى المصلى, فتصدى لهم عدد من شبان المنطقة الذين استدعوا الشرطة. وبعدها امر مدعي عام التمييز في حينها عدنان عضوم بإقفال المصلى, وبقي مصلى السمان مقفلاً الى هذه السنة اي بعد ان ازيح عضوم وحل محله القاضي سعيد ميرزا.
مناصرون للأحباش أمام مقرهم في بيروت.
الرواية نفسها كررها احد ابناء الطريق الجديدة ولكنه كان يتحدث عن مصلى الجامعة العربية في الناحية الأخرى من المنطقة, اذ اقفل المدعي العام المصلى بعد محاولة «الاحباش» السيطرة عليه, وكانت المواجهة بين «الاحباش» والسلفيين الذين شكلوا جنود المواجهة في وقائع كثيرة بين بيروت و»الاحباش».
لا يوجد «احباش» في منطقة الطريق الجديدة كما يقول ابو وليد, والقطع هنا مبالغة محلية تنتمي الى تقاليد الكلام البيروتي. لكن منزل الشيخ الهرري في ساحة ابو شاكر, وهي احدى ساحات الطريق الجديدة. ووجود منزل الهرري في المنطقة يملي حضوراً لـ «الأحباش» وان كان على نحو مختلف. حراس وحواجز حديد, ورجال غريبون منتشرون بالقرب من المنزل. ولكن البيارتة يتحدثون عن «الاحباش» بصفتهم ابناء جلدة اخرى, وهو امر يدفعك الى التساؤل دائماً من هم «الاحباش»؟. وما تعني ازياءهم ومساجدهم وعائلاتهم ومدارسهم... انهم بحسب الكلام البيروتي غرباء وان كانوا بيارتة, وقليلون وان كانوا كثراً, و»ليسوا منا» وان كانوا اشقاءنا وجيراننا. انهم بحسب البيروتي العادي نوع من الفصام, او هم الشخصية الثانية لفصام بيروتي تولد من سنوات الحرب وما تلاها.
دخل «الاحباش» بيروت من باب المواجهة مع دار الفتوى. وترافق دخولهم مع خلو الساحة البيروتية على المستوى الأمني والجهازاتي من اي قوة اخرى. حركة «المرابطون» وهي كانت المظهر الحربي الركيك للمساهمة السنية في الحرب اللبنانية, هذه الحركة كان السوريون وحلفاؤهم اجهزوا عليها في العام 1986. وعلى ضفاف المرابطون كان عدد من التنظيمات البيروتية الصغيرة قد قضى نحبه بعد ان خرج الفلسطينيون من بيروت عام 1982. «الاحباش» جاؤوا بدعم سوري ليرثوا حطام هذه التنظيمات, ولكن طموحاتهم تجاوزت هذه التنظيمات الى دار الفتوى وجمعية المقاصد, وهي من المؤسسات البيروتية الراسخة والممتدة الى خارج لبنان مما يصعب عملية مواجهتها, ويشعر البيروتيون والسنة عموماً بأن ثمة من يسعى لإزاحة الطائفة الأكثر رسوخاً في لبنان عن موقعها. وربما مثلت قضية اغتيال الشيخ نزار الحلبي عام 1996 علامة في هذا المجال. فالحلبي الذي كان رئيساً للجمعية في حينها, يكاد يكون الأزهري الوحيد في الجمعية, والأرجح ان طموحات المشاريعيين انصبت على الفوز بدار الفتوى, وهو امر في حال نجحوا فيه كان ليعني انقلاباً في موقع الطائفة وفي وظيفتها منذ الاستقلال وقبله. ولهذا شكلت عملية الاغتيال لحظة خروج عن الإمساك السوري بالوضع الأمني, او لحظة تمرد سني نادر على الإرادة السورية. نفذ العملية شباب ينتمون الى الحركة السلفية, وتمت محاكمتهم واعدامهم بسرعة قياساً الى بطء القضاء اللبناني وتريثاته الكثيرة.
يشير شباب سلفيون, وهم الخصوم التقليديون لـ «لأحباش» الى ان الكثير من الناشطين الحبشيين البيارتة هم من بقايا المرابطون. قد يفسر هذا الأمر سر العلاقة بين عدد من المسؤولين «الاحباش» وبين قائد الحرس الجمهوري الموقوف والمشتبه به في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري مصطفى حمدان. فهذا الأخير هو ابن شقيقة رئيس حركة المرابطون ابراهيم قليلات, وهو ايضاً من سكان منطقة الطريق الجديدة سابقاً. ويقول ابو وليد صاحب المقهى ان شقيق حمدان ويدعى ماجد انشأ شركة امن تولت الأمن في عدد من مناطق بيروت منها المنطقة التي حصلت فيها حادثة تفجير موكب الحريري, وكان وظف عدداً من عناصر حركة المرابطون في شركته.
واذا كان المرابطون شكلوا حركة خروج الى حدٍ ما عن المتن التقليدي السني البيروتي, فانتشروا في الأحياء الفقيرة من المدينة, وترأسوا العائلات الصغيرة, فان وراثة «الاحباش» لبقاياهم ابقت للأخيرين هامش الهامش. فبالإضافة الى بقايا المرابطون والتنظيمات العسكرية والأمنية الصغيرة التي تيتمت وانهارت بعد خروج الفلسطينيين من بيروت, وجد «الاحباش» مناصرين لهم بين اقليتين سنيتين بيروتيتين هما عرب المسلخ والأكراد المجنسين او الطامحين الى الفوز بالجنسية اللبنانية. ويقول احد البيروتيين ان «الاحباش» وبسبب نفوذهم الكبير في الأجهزة الأمنية اللبنانية تمكنوا من تجنيس عدد كبير من الأكراد من انصارهم.
مناطق انتشار «الاحباش» لصيقة في وعي البيارتة بوقائع الحرب اللبنانية, فيقولون عن «احباش» البسطا مثلاً انهم شبيبة (انصار الثورة) وهي جماعة كان يتزعمها خلال الحرب مصطفى الترك وتمولها حركة «فتح». وبعد خروج «فتح» من بيروت شعر شباب البسطا التحتا انهم بحاجة الى غطاء يحميهم وسط غابة الحمايات, فنقلوا ولاءهم الى «الاحباش». حصل هذا في النصف الثاني من الثمانينات. وهي الحقبة التي احكم فيها السوريون قبضتهم على الوضع الأمني والعسكري في بيروت, وسعوا الى افتعال بؤر اجتماعية ومحلية لنفوذهم. ومن رموز «انصار الثورة» المنتقلين الى «الاحباش» كما يروي احد ابناء البسطا, احمد حليم والمشحبر والختيار. وكانت جمعية المشاريع في حينها تسلمت احد محاور القتال في منطقة رأس النبع في بيروت اطلق عليه اسم محور المشايخ وهو يقع في منطقة البريمو قرب مستشفى غريب وتولى شباب «انصار الثورة» القتال فيه.
اما النازحون من المرابطون الى «الاحباش» فكان من ابرزهم محمد المملوك وهو من تتهمه الأجهزة الأمنية اللبنانية بأنه صاحب مخزن للأسلحة تمت مصادرته بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري, وشقيقه ايضاً, وعدد من ابناء عائلة المبيض. علماً ان صوراً للملوك تم الصاقها على جدران بيروت من جانب مجموعات محلية في اعقاب توقيفه من الشرطة اللبنانية بتهمة مسؤوليته عن مخزن الأسلحة, حملت عبارات تدعو الى اطلاق «المقاوم البيروتي الأول محمد المملوك» كتبت مثقلة بشعارات المرابطون. فإذا اضفنا الى هذه الصور ورود اسم ماجد حمدان شقيق العميد مصطفى حمدان في قضية مخزن الأسلحة, والانتماء الحبشي المستجد لمملوك, تبدت لنا صورة المساحة المشتركة والمتداخلة التي عمل فيها مثلث بقايا المرابطون مع جمعية المشاريع (الاحباش) ومع العميد حمدان وشقيقه صاحب شركة الأمن التي تولت امن منطقة السان جورج التي فُجر موكب الحريري فيها.
حين يباشر المسؤول الإعلامي في «الاحباش» الشيخ عبد القادر الفاكهاني تفسيره سر الاتصالات الهاتفية التي جرت بين القيادي في «الاحباش» احمد عبد العال وبين قادة الأجهزة الأمنية المشتبه بهم في قضية اغتيال الرئيس الحريري نهار الاغتيال, يقول: «ان عبد العال اتصل بمسؤولين لبنانيين وليس اسرائيليين. لقد اتصلوا بنا لسؤالنا عن احمد ابو عدس, فنحن جمعية لها حضور على الأرض ونتابع قضايا تسمح لنا بالوصول الى معلومات عن مثل هؤلاء السلفيين. وبالفعل اعطيناهم معلومات عن المدعو ابو عدس». يكشف الفاكهاني بكلامه هذا بعض الوظائف التي تلعبها جمعية المشاريع, وان كان عنى امراً آخر بكشفه هذه الوظيفة. يتحدث الفاكهاني من مكتبه في منطقة برج ابي حيدر في المبنى المحاذي تماماً لمسجد برج ابي حيدر الذي قال مفتي الجمهورية اللبنانية محمد رشيد قباني ان «الاحباش» سيطروا عليه بالقوة. ويبدو ان مساجد «الاحباش» في العاصمة بيروت شكلت شبكة تواصل ديني واجتماعي وامني لهذه الجماعة، ووفرت لها قدرة على الوصول والحضور في البيئة البيروتية. فنظرة سريعة الى المساجد الثلاثة الرئيسة التي يسيطر عليها «الاحباش» في بيروت وهي جميعها تابعة في الأصل لدار الفتوى ووضعت الجمعية يدها عليها «بالقوة» بحسب قباني, تشعرك بأن ثمة سعياً لأقامة «مربعات حبشية» (عبارة تم اشتقاقها من تعبير مربعات امنية) في العاصمة. مركز المربع هذا هو مسجد برج ابي حيدر, وضلعي المتساويان تقريباً, هما المسافة بين هذا المسجد ومسجدي زقاق البلاط والبسطا الفوقا. اما الضلع الرابع فهو ضلع متحرك بين مصلى لم تتم السيطرة عليه بعد في الطريق الجديدة, او شقة في بربور تقول الأجهزة الأمنية اللبنانية انها عثرت فيها على اسلحة وتقول جمعية المشاريع ان لا علاقة لها بها.
يقول الفاكهاني «الاحباش شعب وليسوا جمعية, واذا اعتقد احد ان الفرصة مؤاتية للانقضاض عليهم فهو مخطئ», ثم يبدأ بالتجول في انحاء مبنى الجمعية مشيراً الى قاعة الافطارات التي تقيمها الجمعية يومياً وهنا يتابع حديثه قائلاً: «هناك عشرات الافطارات التي نقيمها يومياً في بيروت. نشاطنا اجتماعي وليس امنياً كما يتهموننا. هؤلاء الشباب الذين ينتشرون في محيط مبنى الجمعية والمسجد هم من المصلين ومن الأنصار العابرين وليسوا رجال امن. وهذه الأعمدة الحديد في محيط المسجد اجراءات عادية, خصوصاً انه في العام 1996 قُتل رئيس جمعيتنا بثلاثين رصاصة امام منزله».
المتأمل في البيئة السكانية لأطراف «المضلع الحبشي» في بيروت لا بد له من ان يرصد درجة كبيرة من عدم الانسجام السكاني. فمناطق البسطا وبرج ابي حيدر وزقاق البلاط وصولاً الى اطراف المصيطبة, هي من المناطق التي ضرب فيها النقاء البيروتي بسكن شيعي كثيف, وبجيوب كردية واخرى من سنة الأطراف. الأزقة التي تصل بين تلك المناطق وهي ضيقة ومتعرجة, ضعُف فيها السكن البيروتي على نحو واضح. فاز «الاحباش» بتلك الجيوب الضعيفة التي تضاعفت حاجتها الى حماية مستمدة من الوضع الراهن. الأكراد لجأوا اليهم سعياً نحو التجنس والاندماج, وعرب المسلخ شكلت مساجد «الاحباش» بالنسبة لبعضهم قناة عبور الى المدينة. العائلات البيروتية الصغيرة التي انتهكت قوى الحرب منازلها واحياءها ايضاً كان «الاحباش» ملجأهم في الكثير من الأحيان. الأزقة التي تفصل بين منطقتي برج ابي حيدر والبسطا الفوقا, اي بين مسجدي «الاحباش» في هاتين المنطقتين, يتزاحم فيها حضور جمعية المشاريع مع حضور لافت لحركة امل. الشعارات على الجدران تتحاذى وتتلامس, وثمة تشابه اجتماعي من الصعب تفسيره. وهنا تحضر في ذاكرة العابر ما ردده السلفيون عن العلاقة التي تربط «الاحباش» بحركة امل, وهي ليست علاقة سياسية بحسبهم بل علاقة تنسيق ميداني املتها المصالح المشتركة في السيطرة على المشهد البيروتي. وذلك تم برعاية حليف التنظيمين اي سورية. فيروي السلفيون ان «الاحباش» سيطروا على المساجد البيروتية الثلاثة في ايام الحرب بمساعدة من حركة امل التي كانت في حينها تسيطر على مناطق واسعة من بيروت. وربما هذا ما يفسر قوة «الاحباش» في الجيوب السنية في مناطق الكثافة الشيعية وضعفهم في مناطق الكثافة السنية مثل الطريق الجديدة والمزرعة. علماً ان «الاحباش» هم من اكثر الجماعات السنية اللبنانية استقطاباً لعناصر شيعية, اذ يلاحظ كثير من البيارتة تمكن «الاحباش» من جذب ناشطين شيعة اليهم, وتمكن عدد من هؤلاء من الوصول الى دوائر قيادية في الجمعية, ومنهم مثلاً احمد عجوز مسؤول منطقة بربور في الجمعية وربيع شعيب المرافق الشخصي لرئيس الجمعية الشيخ حسام قراقيرة.
هذا الكلام لا ينفي ما لاحظته زميلة بيروتية لجهة تمكن «الاحباش» من النفاذ الى اوساط عائلات بيروتية في صلب التركيبة الاجتماعية للمدينة. ففي سياق رفعهم شعار «الاعتدال في مواجهة التطرف» وسع «الاحباش» شبكة نفوذهم في اوساط مدينية, ودفعوا باتجاه دور اكبر للنساء الحبشيات في عملية نشر دعاويهم, وتمكنوا من خلال ذلك من النفاذ الى بعض الأوساط العائلية البيروتية. ومن يريد سماع قصة «الاحباش» من خصومهم السلفيين سيلاحظ ان المآخذ تتركز في جزء كبير منها على سماحهم للنساء بالتعطر والاختلاط, وتساهلهم في موضوع الحجاب خصوصاً في بدايات الالتزام. ومن الأمثلة الدائمة التي يكررها السلفيون اثناء سعيهم لأدانة «الاحباش» هي قضية امتلاك مسؤول «الاحباش» في شمال لبنان طه ناجي مسبحاً مختلطاً اسمه (ناجي بيتش). وقد شكلت هذه الاعتقادات فرصة لهم لإقامة جلسات منزلية في عدد من المناطق كانت احد تقنيات الجذب الأساسية الى مجتمع «الاحباش» في بيروت. واشارت الزميلة البيروتية الى ان الكثير من تجار سوق الذهب في منطقة البربير هم من «الاحباش», وان عائلات من اثرياء المدينة تم جذبها الى جلسات «الاحباش» المنزلية. وتقول الزميلة ان التحاق هذه العائلات المستوحدة بـ «الاحباش» مثل شبه انشقاق عن الدوائر العائلية الأوسع, اذ ان الانتماء الى الجمعية هو نوع من الانشقاق العائلي وليس من ذلك االنوع من الانتماءات التي قد تشهدها العائلات من دون ان يعني انتماء افراد من العائلة اليها خروجاً من اللحمة العائلية. ولكن هذه الاختراقات للمتن البيروتي تبقى محدودة, ولا تضعف من حقيقة عدم تقبل الجسم السني العام لهذه الجماعة, اذ ان عدم القبول هذا مستمد من نظرة عامة لموقع الطائفة في لبنان وفي المنطقة.
يردد البيارتة اخباراً كثيرة عن رجال تم اجتذابهم الى جمعية المشاريع من خلال اجتذاب نسائهم اولاً, ولعل تسمية الجمعية تمت الى حكاية من هذا النوع بصلة ما. فجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية كانت قبل ان تنتقل الى «الاحباش» في ثمانينات القرن الفائت جمعية يملكها الشيخ احمد العجوز, ومن طريق ابنته التي كانت ناشطة «حبشية» تمكنوا من السيطرة على هيئتها الإدارية. اما اليوم فللجمعية حضور ونشاطات على الكثير من الصعد. ثمة مدارس كثيرة ضمن مجموعة مدارس الثقافة الإسلامية تتبع الجمعية. وتمكن «الاحباش» بفعل نفوذهم من الحصول على ترخيص لجامعة تابعة لهم طلقوا عليها اسم الجامعة العالمية, وباشرت هذه الجامعة عملها في مبنى في منطقة النويري يضمها الى «سوبر ماركت» ضخم يملكه «الاحباش» ايضاً ويسمى الديوان, ومعظم زبائنه من مناصري الجمعية الذين يقصدونه من مختلف مناطق بيروت. ويشير عدد من خصوم «الاحباش» في بيروت الى ان جمعية المشاريع حرمت على انصارها شراء السلع من غير الديوان.
ثمة مستويات عدة للحضور الحبشي في مدينة بيروت, فبالإضافة الى الطابع الأمني الجهازاتي لانتشارهم, شكلوا على المستوى الديني حلقة مقفلة لطالما دارت احاديث البيارتة عن وقائع متخيلة تجرى فيها. لكن الأكيد ايضاً ان «الاحباش» كانوا اكثر مرونة من الكثير من الفرق الدينية في فهمهم لأنماط الحياة الحديثة, وكانت المزاوجة بين انغلاقهم على معتقداتهم وبين انفتاح وقبول للكثير من انماط لا تتقبلها جماعات دينية اخرى, سمة اساسية لطالما ألصقت بهم. فيقال مثلاً انهم يحرمون على المرأة ان ترتاد مصعداً كهربائياً مع رجل وحدهما, وفي الوقت نفسه ينسب اليهم السماح للمرأة بالتعطر ويتساهلون في موضوع حجابها. وربما نجمت هذه التفاوتات عن اقترابهم من اعتقادات صوفية غير مبلورة كثيراً, خصوصاً انه يُنسب اليهم احترامهم للشيخ الرفاعي.
اما العودة الى بدايات النشاط الحبشي في بيروت فيستعاد من قبل البيارتة مقروناً بالتنافس بين «الاحباش» والرجبيين في بدايات ثمانينات القرن الفائت او قبلها بقليل. فالرجبيون اتباع الشيخ رجب ديب وهو شيخ سوري من تلامذة مفتي سورية السابق الشيخ احمد كفتارو. وقد اسس الرجبيون جمعية سموها جمعية الفتوة الإسلامية, وهي جمعية ما زالت ناشطة الى اليوم ويترأسها الشيخ زياد الصاحب. ولكن صعود نجم «الاحباش» المترافق مع تعاظم النفوذ السوري في لبنان ادى الى عدم تكافؤ في المنافسة لمصلحة «الاحباش», مع محاولات رجبية للاستفادة من اجواء عدم القبول البيروتي للجمعية التي يصفها ناشط سلفي بأنها «غريبة عن بيروت».
«الاحباش» متأهبون هذه الأيام بعد ورود اسمي احمد ومحمود عبد العال وهما قياديان في جمعية المشاريع, في تقرير المحقق الألماني ديتليف ميليس. في المناطق التي ينتشرون بها ثمة يقظة متبادلة بينهم وبين جماعات محلية اخرى. ويبدو ان الكثير من القوى والهيئات التي جاء التوسع الحبشي في الأحياء البيروتية على حسابها تجري حسابات لاستعادة ما سُلم لـ «الأحباش» في الحقبة الفائتة. لا يتعلق الأمر بـ «تيار المستقبل» فقط, ولا بدار الفتوى التي اعلنت عن اجراءات لاستعادة المساجد التي كان سيطر عليها «الاحباش» في العاصمة, انما ايضاً هناك جمعية المقاصد التي بينها وبين جمعية المشاريع دعاوى قضائية, وهناك ايضاً الخصوم التقليديون لـ «الأحباش» وهم السلفيون, إضافة طبعاً الى الرجبيين.
لكن الخليط المتحفز لمنافسة «الاحباش» يبدو على قدر من عدم الانسجام يجعل التوقع صعباً خصوصاً اذا ما اخذنا في الاعتبار ان من بين المتحفزين, وربما من اكثرهم حماسة هم بعض الجماعات السلفية التي لا يبدو ان حضورها سيساهم في ايجاد اجواء بديلة اكثر وضوحاً وانكشافاً في مجتمعات الأحياء الشعبية في العاصمة.
بيروت - حازم الأمين الحياة - 31/10/05//[/align]
تضمن تقرير المحقق الدولي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري القاضي الألماني ديتليف ميليس اسماء قياديين في جمعية المشاريع الخيرية الأسلامية (الأحباش). وادعى القضاء اللبناني على اثنين من قادة هذه الجماعة بتهمة الأشباه بعلاقتهم بالجريمة.
والأحباش هم جماعة من السنة اللبنانيين يقودهم الشيخ عبدالله الهرري، وهو شيخ حبشي جاء الى لبنان في ستينات القرن الفائت. وعرف عن الأحباش علاقاتهم المتينة بالأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية. كما عرف عنهم محاولاتهم الأستئثار بالتمثيل السني اللبناني مستعينين برعاتهم السوريين.
وتمكن الأحباش من الأنتشار في عدد من المناطق في لبنان لا سيما في العاصمة بيروت التي «انتخبت» في العام 2991 احد قيادييهم (عدنان الطرابلسي) نائباً عنها. اما ابرز حضور لهم في الحقبة الفائتة فكان ما سمي بتظاهرة السواطير التي احتشد فيها عدد من مناصريهم رافعين السواطير ومهددين خصوم سورية في لبنان.
غالباً ما يبدأ البيروتيون, ابناء الأحياء الشعبية رواياتهم عن «الاحباش» برواية واحدة, وهي محاولة ناشطين «حبشيين» السيطرة على المسجد او المصلى في الحي الذي يسكنه البيروتي الراوي. اذ يبدو ان الأحياء البيروتية شهدت في الخمس عشرة سنة الأخيرة عشرات الوقائع المنتمية الى هذا النوع من الحوادث. لقد حاول المشاريعيون (نسبة الى جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية) او «الاحباش» نسبة الى شيخهم الحبشي عبدالله الهرري, السيطرة على معظم مساجد السنة في العاصمة بيروت وفي الكثير من المدن والقرى الأخرى, مستفيدين من دعم الأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية لهم في مواجهة المؤسسات التقليدية الدينية, متمثلة في دار الفتوى وجمعية المقاصد الإسلامية والمؤسسات الأخرى. ونجح «الاحباش» في السيطرة على الكثير من المساجد والمصليات وفشلوا في محاولات اخرى, وكان لانحياز المؤسسات القضائية والأمنية اليهم دور في موازنة عدم القبول الشعبي لمساعيهم مع سعي حثيث لتكريسهم ممثلين للمسلمين السنّة.
يروي ابو وليد وهو صاحب مقهى في منطقة الطريق الجديدة كيف سعى «الاحباش» الى السيطرة على مصلى السمان قرب مستشفى المقاصد, وهو مصلى محلي كان يديره شيخ من دار الفتوى. ويقول ابو وليد ان عناصر «الاحباش» وصلوا بسلاحهم قبل نحو خمس سنوات الى المصلى, فتصدى لهم عدد من شبان المنطقة الذين استدعوا الشرطة. وبعدها امر مدعي عام التمييز في حينها عدنان عضوم بإقفال المصلى, وبقي مصلى السمان مقفلاً الى هذه السنة اي بعد ان ازيح عضوم وحل محله القاضي سعيد ميرزا.
مناصرون للأحباش أمام مقرهم في بيروت.
الرواية نفسها كررها احد ابناء الطريق الجديدة ولكنه كان يتحدث عن مصلى الجامعة العربية في الناحية الأخرى من المنطقة, اذ اقفل المدعي العام المصلى بعد محاولة «الاحباش» السيطرة عليه, وكانت المواجهة بين «الاحباش» والسلفيين الذين شكلوا جنود المواجهة في وقائع كثيرة بين بيروت و»الاحباش».
لا يوجد «احباش» في منطقة الطريق الجديدة كما يقول ابو وليد, والقطع هنا مبالغة محلية تنتمي الى تقاليد الكلام البيروتي. لكن منزل الشيخ الهرري في ساحة ابو شاكر, وهي احدى ساحات الطريق الجديدة. ووجود منزل الهرري في المنطقة يملي حضوراً لـ «الأحباش» وان كان على نحو مختلف. حراس وحواجز حديد, ورجال غريبون منتشرون بالقرب من المنزل. ولكن البيارتة يتحدثون عن «الاحباش» بصفتهم ابناء جلدة اخرى, وهو امر يدفعك الى التساؤل دائماً من هم «الاحباش»؟. وما تعني ازياءهم ومساجدهم وعائلاتهم ومدارسهم... انهم بحسب الكلام البيروتي غرباء وان كانوا بيارتة, وقليلون وان كانوا كثراً, و»ليسوا منا» وان كانوا اشقاءنا وجيراننا. انهم بحسب البيروتي العادي نوع من الفصام, او هم الشخصية الثانية لفصام بيروتي تولد من سنوات الحرب وما تلاها.
دخل «الاحباش» بيروت من باب المواجهة مع دار الفتوى. وترافق دخولهم مع خلو الساحة البيروتية على المستوى الأمني والجهازاتي من اي قوة اخرى. حركة «المرابطون» وهي كانت المظهر الحربي الركيك للمساهمة السنية في الحرب اللبنانية, هذه الحركة كان السوريون وحلفاؤهم اجهزوا عليها في العام 1986. وعلى ضفاف المرابطون كان عدد من التنظيمات البيروتية الصغيرة قد قضى نحبه بعد ان خرج الفلسطينيون من بيروت عام 1982. «الاحباش» جاؤوا بدعم سوري ليرثوا حطام هذه التنظيمات, ولكن طموحاتهم تجاوزت هذه التنظيمات الى دار الفتوى وجمعية المقاصد, وهي من المؤسسات البيروتية الراسخة والممتدة الى خارج لبنان مما يصعب عملية مواجهتها, ويشعر البيروتيون والسنة عموماً بأن ثمة من يسعى لإزاحة الطائفة الأكثر رسوخاً في لبنان عن موقعها. وربما مثلت قضية اغتيال الشيخ نزار الحلبي عام 1996 علامة في هذا المجال. فالحلبي الذي كان رئيساً للجمعية في حينها, يكاد يكون الأزهري الوحيد في الجمعية, والأرجح ان طموحات المشاريعيين انصبت على الفوز بدار الفتوى, وهو امر في حال نجحوا فيه كان ليعني انقلاباً في موقع الطائفة وفي وظيفتها منذ الاستقلال وقبله. ولهذا شكلت عملية الاغتيال لحظة خروج عن الإمساك السوري بالوضع الأمني, او لحظة تمرد سني نادر على الإرادة السورية. نفذ العملية شباب ينتمون الى الحركة السلفية, وتمت محاكمتهم واعدامهم بسرعة قياساً الى بطء القضاء اللبناني وتريثاته الكثيرة.
يشير شباب سلفيون, وهم الخصوم التقليديون لـ «لأحباش» الى ان الكثير من الناشطين الحبشيين البيارتة هم من بقايا المرابطون. قد يفسر هذا الأمر سر العلاقة بين عدد من المسؤولين «الاحباش» وبين قائد الحرس الجمهوري الموقوف والمشتبه به في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري مصطفى حمدان. فهذا الأخير هو ابن شقيقة رئيس حركة المرابطون ابراهيم قليلات, وهو ايضاً من سكان منطقة الطريق الجديدة سابقاً. ويقول ابو وليد صاحب المقهى ان شقيق حمدان ويدعى ماجد انشأ شركة امن تولت الأمن في عدد من مناطق بيروت منها المنطقة التي حصلت فيها حادثة تفجير موكب الحريري, وكان وظف عدداً من عناصر حركة المرابطون في شركته.
واذا كان المرابطون شكلوا حركة خروج الى حدٍ ما عن المتن التقليدي السني البيروتي, فانتشروا في الأحياء الفقيرة من المدينة, وترأسوا العائلات الصغيرة, فان وراثة «الاحباش» لبقاياهم ابقت للأخيرين هامش الهامش. فبالإضافة الى بقايا المرابطون والتنظيمات العسكرية والأمنية الصغيرة التي تيتمت وانهارت بعد خروج الفلسطينيين من بيروت, وجد «الاحباش» مناصرين لهم بين اقليتين سنيتين بيروتيتين هما عرب المسلخ والأكراد المجنسين او الطامحين الى الفوز بالجنسية اللبنانية. ويقول احد البيروتيين ان «الاحباش» وبسبب نفوذهم الكبير في الأجهزة الأمنية اللبنانية تمكنوا من تجنيس عدد كبير من الأكراد من انصارهم.
مناطق انتشار «الاحباش» لصيقة في وعي البيارتة بوقائع الحرب اللبنانية, فيقولون عن «احباش» البسطا مثلاً انهم شبيبة (انصار الثورة) وهي جماعة كان يتزعمها خلال الحرب مصطفى الترك وتمولها حركة «فتح». وبعد خروج «فتح» من بيروت شعر شباب البسطا التحتا انهم بحاجة الى غطاء يحميهم وسط غابة الحمايات, فنقلوا ولاءهم الى «الاحباش». حصل هذا في النصف الثاني من الثمانينات. وهي الحقبة التي احكم فيها السوريون قبضتهم على الوضع الأمني والعسكري في بيروت, وسعوا الى افتعال بؤر اجتماعية ومحلية لنفوذهم. ومن رموز «انصار الثورة» المنتقلين الى «الاحباش» كما يروي احد ابناء البسطا, احمد حليم والمشحبر والختيار. وكانت جمعية المشاريع في حينها تسلمت احد محاور القتال في منطقة رأس النبع في بيروت اطلق عليه اسم محور المشايخ وهو يقع في منطقة البريمو قرب مستشفى غريب وتولى شباب «انصار الثورة» القتال فيه.
اما النازحون من المرابطون الى «الاحباش» فكان من ابرزهم محمد المملوك وهو من تتهمه الأجهزة الأمنية اللبنانية بأنه صاحب مخزن للأسلحة تمت مصادرته بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري, وشقيقه ايضاً, وعدد من ابناء عائلة المبيض. علماً ان صوراً للملوك تم الصاقها على جدران بيروت من جانب مجموعات محلية في اعقاب توقيفه من الشرطة اللبنانية بتهمة مسؤوليته عن مخزن الأسلحة, حملت عبارات تدعو الى اطلاق «المقاوم البيروتي الأول محمد المملوك» كتبت مثقلة بشعارات المرابطون. فإذا اضفنا الى هذه الصور ورود اسم ماجد حمدان شقيق العميد مصطفى حمدان في قضية مخزن الأسلحة, والانتماء الحبشي المستجد لمملوك, تبدت لنا صورة المساحة المشتركة والمتداخلة التي عمل فيها مثلث بقايا المرابطون مع جمعية المشاريع (الاحباش) ومع العميد حمدان وشقيقه صاحب شركة الأمن التي تولت امن منطقة السان جورج التي فُجر موكب الحريري فيها.
حين يباشر المسؤول الإعلامي في «الاحباش» الشيخ عبد القادر الفاكهاني تفسيره سر الاتصالات الهاتفية التي جرت بين القيادي في «الاحباش» احمد عبد العال وبين قادة الأجهزة الأمنية المشتبه بهم في قضية اغتيال الرئيس الحريري نهار الاغتيال, يقول: «ان عبد العال اتصل بمسؤولين لبنانيين وليس اسرائيليين. لقد اتصلوا بنا لسؤالنا عن احمد ابو عدس, فنحن جمعية لها حضور على الأرض ونتابع قضايا تسمح لنا بالوصول الى معلومات عن مثل هؤلاء السلفيين. وبالفعل اعطيناهم معلومات عن المدعو ابو عدس». يكشف الفاكهاني بكلامه هذا بعض الوظائف التي تلعبها جمعية المشاريع, وان كان عنى امراً آخر بكشفه هذه الوظيفة. يتحدث الفاكهاني من مكتبه في منطقة برج ابي حيدر في المبنى المحاذي تماماً لمسجد برج ابي حيدر الذي قال مفتي الجمهورية اللبنانية محمد رشيد قباني ان «الاحباش» سيطروا عليه بالقوة. ويبدو ان مساجد «الاحباش» في العاصمة بيروت شكلت شبكة تواصل ديني واجتماعي وامني لهذه الجماعة، ووفرت لها قدرة على الوصول والحضور في البيئة البيروتية. فنظرة سريعة الى المساجد الثلاثة الرئيسة التي يسيطر عليها «الاحباش» في بيروت وهي جميعها تابعة في الأصل لدار الفتوى ووضعت الجمعية يدها عليها «بالقوة» بحسب قباني, تشعرك بأن ثمة سعياً لأقامة «مربعات حبشية» (عبارة تم اشتقاقها من تعبير مربعات امنية) في العاصمة. مركز المربع هذا هو مسجد برج ابي حيدر, وضلعي المتساويان تقريباً, هما المسافة بين هذا المسجد ومسجدي زقاق البلاط والبسطا الفوقا. اما الضلع الرابع فهو ضلع متحرك بين مصلى لم تتم السيطرة عليه بعد في الطريق الجديدة, او شقة في بربور تقول الأجهزة الأمنية اللبنانية انها عثرت فيها على اسلحة وتقول جمعية المشاريع ان لا علاقة لها بها.
يقول الفاكهاني «الاحباش شعب وليسوا جمعية, واذا اعتقد احد ان الفرصة مؤاتية للانقضاض عليهم فهو مخطئ», ثم يبدأ بالتجول في انحاء مبنى الجمعية مشيراً الى قاعة الافطارات التي تقيمها الجمعية يومياً وهنا يتابع حديثه قائلاً: «هناك عشرات الافطارات التي نقيمها يومياً في بيروت. نشاطنا اجتماعي وليس امنياً كما يتهموننا. هؤلاء الشباب الذين ينتشرون في محيط مبنى الجمعية والمسجد هم من المصلين ومن الأنصار العابرين وليسوا رجال امن. وهذه الأعمدة الحديد في محيط المسجد اجراءات عادية, خصوصاً انه في العام 1996 قُتل رئيس جمعيتنا بثلاثين رصاصة امام منزله».
المتأمل في البيئة السكانية لأطراف «المضلع الحبشي» في بيروت لا بد له من ان يرصد درجة كبيرة من عدم الانسجام السكاني. فمناطق البسطا وبرج ابي حيدر وزقاق البلاط وصولاً الى اطراف المصيطبة, هي من المناطق التي ضرب فيها النقاء البيروتي بسكن شيعي كثيف, وبجيوب كردية واخرى من سنة الأطراف. الأزقة التي تصل بين تلك المناطق وهي ضيقة ومتعرجة, ضعُف فيها السكن البيروتي على نحو واضح. فاز «الاحباش» بتلك الجيوب الضعيفة التي تضاعفت حاجتها الى حماية مستمدة من الوضع الراهن. الأكراد لجأوا اليهم سعياً نحو التجنس والاندماج, وعرب المسلخ شكلت مساجد «الاحباش» بالنسبة لبعضهم قناة عبور الى المدينة. العائلات البيروتية الصغيرة التي انتهكت قوى الحرب منازلها واحياءها ايضاً كان «الاحباش» ملجأهم في الكثير من الأحيان. الأزقة التي تفصل بين منطقتي برج ابي حيدر والبسطا الفوقا, اي بين مسجدي «الاحباش» في هاتين المنطقتين, يتزاحم فيها حضور جمعية المشاريع مع حضور لافت لحركة امل. الشعارات على الجدران تتحاذى وتتلامس, وثمة تشابه اجتماعي من الصعب تفسيره. وهنا تحضر في ذاكرة العابر ما ردده السلفيون عن العلاقة التي تربط «الاحباش» بحركة امل, وهي ليست علاقة سياسية بحسبهم بل علاقة تنسيق ميداني املتها المصالح المشتركة في السيطرة على المشهد البيروتي. وذلك تم برعاية حليف التنظيمين اي سورية. فيروي السلفيون ان «الاحباش» سيطروا على المساجد البيروتية الثلاثة في ايام الحرب بمساعدة من حركة امل التي كانت في حينها تسيطر على مناطق واسعة من بيروت. وربما هذا ما يفسر قوة «الاحباش» في الجيوب السنية في مناطق الكثافة الشيعية وضعفهم في مناطق الكثافة السنية مثل الطريق الجديدة والمزرعة. علماً ان «الاحباش» هم من اكثر الجماعات السنية اللبنانية استقطاباً لعناصر شيعية, اذ يلاحظ كثير من البيارتة تمكن «الاحباش» من جذب ناشطين شيعة اليهم, وتمكن عدد من هؤلاء من الوصول الى دوائر قيادية في الجمعية, ومنهم مثلاً احمد عجوز مسؤول منطقة بربور في الجمعية وربيع شعيب المرافق الشخصي لرئيس الجمعية الشيخ حسام قراقيرة.
هذا الكلام لا ينفي ما لاحظته زميلة بيروتية لجهة تمكن «الاحباش» من النفاذ الى اوساط عائلات بيروتية في صلب التركيبة الاجتماعية للمدينة. ففي سياق رفعهم شعار «الاعتدال في مواجهة التطرف» وسع «الاحباش» شبكة نفوذهم في اوساط مدينية, ودفعوا باتجاه دور اكبر للنساء الحبشيات في عملية نشر دعاويهم, وتمكنوا من خلال ذلك من النفاذ الى بعض الأوساط العائلية البيروتية. ومن يريد سماع قصة «الاحباش» من خصومهم السلفيين سيلاحظ ان المآخذ تتركز في جزء كبير منها على سماحهم للنساء بالتعطر والاختلاط, وتساهلهم في موضوع الحجاب خصوصاً في بدايات الالتزام. ومن الأمثلة الدائمة التي يكررها السلفيون اثناء سعيهم لأدانة «الاحباش» هي قضية امتلاك مسؤول «الاحباش» في شمال لبنان طه ناجي مسبحاً مختلطاً اسمه (ناجي بيتش). وقد شكلت هذه الاعتقادات فرصة لهم لإقامة جلسات منزلية في عدد من المناطق كانت احد تقنيات الجذب الأساسية الى مجتمع «الاحباش» في بيروت. واشارت الزميلة البيروتية الى ان الكثير من تجار سوق الذهب في منطقة البربير هم من «الاحباش», وان عائلات من اثرياء المدينة تم جذبها الى جلسات «الاحباش» المنزلية. وتقول الزميلة ان التحاق هذه العائلات المستوحدة بـ «الاحباش» مثل شبه انشقاق عن الدوائر العائلية الأوسع, اذ ان الانتماء الى الجمعية هو نوع من الانشقاق العائلي وليس من ذلك االنوع من الانتماءات التي قد تشهدها العائلات من دون ان يعني انتماء افراد من العائلة اليها خروجاً من اللحمة العائلية. ولكن هذه الاختراقات للمتن البيروتي تبقى محدودة, ولا تضعف من حقيقة عدم تقبل الجسم السني العام لهذه الجماعة, اذ ان عدم القبول هذا مستمد من نظرة عامة لموقع الطائفة في لبنان وفي المنطقة.
يردد البيارتة اخباراً كثيرة عن رجال تم اجتذابهم الى جمعية المشاريع من خلال اجتذاب نسائهم اولاً, ولعل تسمية الجمعية تمت الى حكاية من هذا النوع بصلة ما. فجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية كانت قبل ان تنتقل الى «الاحباش» في ثمانينات القرن الفائت جمعية يملكها الشيخ احمد العجوز, ومن طريق ابنته التي كانت ناشطة «حبشية» تمكنوا من السيطرة على هيئتها الإدارية. اما اليوم فللجمعية حضور ونشاطات على الكثير من الصعد. ثمة مدارس كثيرة ضمن مجموعة مدارس الثقافة الإسلامية تتبع الجمعية. وتمكن «الاحباش» بفعل نفوذهم من الحصول على ترخيص لجامعة تابعة لهم طلقوا عليها اسم الجامعة العالمية, وباشرت هذه الجامعة عملها في مبنى في منطقة النويري يضمها الى «سوبر ماركت» ضخم يملكه «الاحباش» ايضاً ويسمى الديوان, ومعظم زبائنه من مناصري الجمعية الذين يقصدونه من مختلف مناطق بيروت. ويشير عدد من خصوم «الاحباش» في بيروت الى ان جمعية المشاريع حرمت على انصارها شراء السلع من غير الديوان.
ثمة مستويات عدة للحضور الحبشي في مدينة بيروت, فبالإضافة الى الطابع الأمني الجهازاتي لانتشارهم, شكلوا على المستوى الديني حلقة مقفلة لطالما دارت احاديث البيارتة عن وقائع متخيلة تجرى فيها. لكن الأكيد ايضاً ان «الاحباش» كانوا اكثر مرونة من الكثير من الفرق الدينية في فهمهم لأنماط الحياة الحديثة, وكانت المزاوجة بين انغلاقهم على معتقداتهم وبين انفتاح وقبول للكثير من انماط لا تتقبلها جماعات دينية اخرى, سمة اساسية لطالما ألصقت بهم. فيقال مثلاً انهم يحرمون على المرأة ان ترتاد مصعداً كهربائياً مع رجل وحدهما, وفي الوقت نفسه ينسب اليهم السماح للمرأة بالتعطر ويتساهلون في موضوع حجابها. وربما نجمت هذه التفاوتات عن اقترابهم من اعتقادات صوفية غير مبلورة كثيراً, خصوصاً انه يُنسب اليهم احترامهم للشيخ الرفاعي.
اما العودة الى بدايات النشاط الحبشي في بيروت فيستعاد من قبل البيارتة مقروناً بالتنافس بين «الاحباش» والرجبيين في بدايات ثمانينات القرن الفائت او قبلها بقليل. فالرجبيون اتباع الشيخ رجب ديب وهو شيخ سوري من تلامذة مفتي سورية السابق الشيخ احمد كفتارو. وقد اسس الرجبيون جمعية سموها جمعية الفتوة الإسلامية, وهي جمعية ما زالت ناشطة الى اليوم ويترأسها الشيخ زياد الصاحب. ولكن صعود نجم «الاحباش» المترافق مع تعاظم النفوذ السوري في لبنان ادى الى عدم تكافؤ في المنافسة لمصلحة «الاحباش», مع محاولات رجبية للاستفادة من اجواء عدم القبول البيروتي للجمعية التي يصفها ناشط سلفي بأنها «غريبة عن بيروت».
«الاحباش» متأهبون هذه الأيام بعد ورود اسمي احمد ومحمود عبد العال وهما قياديان في جمعية المشاريع, في تقرير المحقق الألماني ديتليف ميليس. في المناطق التي ينتشرون بها ثمة يقظة متبادلة بينهم وبين جماعات محلية اخرى. ويبدو ان الكثير من القوى والهيئات التي جاء التوسع الحبشي في الأحياء البيروتية على حسابها تجري حسابات لاستعادة ما سُلم لـ «الأحباش» في الحقبة الفائتة. لا يتعلق الأمر بـ «تيار المستقبل» فقط, ولا بدار الفتوى التي اعلنت عن اجراءات لاستعادة المساجد التي كان سيطر عليها «الاحباش» في العاصمة, انما ايضاً هناك جمعية المقاصد التي بينها وبين جمعية المشاريع دعاوى قضائية, وهناك ايضاً الخصوم التقليديون لـ «الأحباش» وهم السلفيون, إضافة طبعاً الى الرجبيين.
لكن الخليط المتحفز لمنافسة «الاحباش» يبدو على قدر من عدم الانسجام يجعل التوقع صعباً خصوصاً اذا ما اخذنا في الاعتبار ان من بين المتحفزين, وربما من اكثرهم حماسة هم بعض الجماعات السلفية التي لا يبدو ان حضورها سيساهم في ايجاد اجواء بديلة اكثر وضوحاً وانكشافاً في مجتمعات الأحياء الشعبية في العاصمة.
تعليق