الداعية الإسلامي.. أحمد ديدات.. الجزء الأول
اطلعت على وفاة الداعية الإسلامي الشيخ أحمد ديدات رحمه الله، اليوم الثلاثاء4/7/ 1426هـ ـ 9/8/2005م
وكنت قد كتبت عنه بعض المعلومات بعد زيارتي له في منزله في ضاحية من ضواحي دربن وهو على سرير مرضه، وهي كما ترى في الأسفل: السبت: 20/3/1420هـ ـ 3/7/1999م..
وأقول: اللهم ارحم عبدك أحمد ديدات واجعلنا وإياه ممن أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، إنا لله وإنا إليه راجعون. لله ما أخذ ولله ما أعطى..
لقد أدى هذا الرجل الداعية العظيم ما لم تؤده مؤسسات من الدعوة إلى الله، وأفحم مثيري الشبهات على ديننا الحتيف من مصادرهم التي يعتمدون عليها في دينهم..
ومات وهو يوصي علماء المسلمين بأن يأخذوا زمام المبادرة الذي أخذ به عندما تحدوه وهو جاهل فقير، فاستعان بالله عندما عثر على كتاب لولي الله الدهولي يسمى: (إظهار الحق) في بقايا مخزن تغيطيه الأتربة، يهدم مؤلفه ما كان النصارى يظنونه حججاً وبينات تقوي دينهم المحرف..
ففرح بالكتاب فرحاً شديداً فشمر عن ساعد الجد وحزم حقائبه وذهب إلى أساتذة من تحدوه في عقر دارهم وهزمهم الواحد تلو الآخر، حتى كانوا يفرون منه إذا سمعوا ذكر اسمه..
وعندما نام على سرير مرضه ولم يستطع تحريك لسانه بالكلام، ذهبوا إليه في منزله يدعونه إلى دينهم المحرف، تشفياً منه..
وهذه طبيعتهم يفرون من صفوف المعارك المعنوية عندما يلقي دعاة الإسلام أمامهم عصى موسى..
ويفرون من المعارك الحربية عندما يجدون قادة إسلاميين أقوياء، يعدون ما أمرهم الله به من القوة التي ترهبهم، فإذا تفوقوا هم في السلاح وضعف المسلمين اغتنموا الفرصة للتشفي فيهم..
فرحمك الله يا ديدات وخلفك بمن يأخذ السيف بحقه، وكأنه تعالى قد فعل، وإنا لله وإنا إليه راجعون..
السبت: 20/3/1420هـ ـ 3/7/1999م
زيارة الشيخ أحمد ديدات، في منزله..
كان أول لقاء سجل في برنامج زيارتي [لمدينة دربن في بريطانيا] الاجتماع بالأخ (يوسف بن الشيخ أحمد ديدات) في مركز الشيخ في وسط مدينة" دربن" للاطلاع على نشاط المركز، وأخذ معلومات عن والده، ثم القيام بزيارة والده الذي يلازم سريره منذ ما يقارب ثلاث سنوات..
وذهبنا إلى المركز مبكرين ولم نجد الرجل، فاتصل به موظفو المكتب وأخبروه أن الضيف السعودي في انتظارك، فقال لهم: أنا في الطريق إليكم..
وجاءنا المحاسب – وهو شاب طويل القامة – وأخذنا للاطلاع على مكاتب المركز، وكان أول مكتب وقف بنا عليه هو مكتب الشيخ أحمد ديدات الذي كان يدير منه المركز ونشاطه، ثم مررنا على بقية مكاتب المركز الأخرى..
والمكاتب تقع في الدور الرابع من المبنى الذي يملكه الشيخ، وبقية الطوابق بها مكاتب مؤجرة وأسواق تجارية..
وبعد قليل قال لنا المحاسب: الأخ يوسف ينتظركم في الأسفل، وظننت أن له مكتباً في أحد الطوابق السفلى سنجتمع به فيه، ولكنه كان ينتظرنا بسيارته في الشارع..
صافحني وأشار لي بالركوب إلى جانبه، وركب الأخوان "حسن" المغربي الذي كان يرافقني للترجمة، والسائق يوسف في المقعد الخلفي، وأخذ ينهب الطريق بسيارته نهباً، كانت سرعته مخيفة..!
وأخذ الرجل يتحدث - بسرعة - عن والده ونشاطه في مهاجمة العقيدة النصرانية، وحاول حسن أن يترجم لي شيئاً مما يقول ولكنه لم يستطع اللحاق به، وفهمت من الكلمات المقتضبة أنه يتحدث عن خطر النصرانية ووجوب التصدي لها، و أن والده قد حمل هذا العبء، وأنه هو سيسير في نفس طريق أبيه..
قلت للمترجم أخبره أنني قد اجتمعت بوالده في جدة وفي المدينة وقد سمعت منه مباشرة، وسمعت له بعض المحاضرات المترجمة..
وبعد قليل فوجئت بالهجوم الديداتي العنيف والغضب المغربي الشديد، كل منهما يخاصم الآخر، وفهمت من الرجل قوله للمترجم: أخبره.. والمترجم يشتد في خصومته..
فقلت للأخ حسن: يجب أن تترجم لي كل ما يقول، ولكن المترجم يزداد غضباً وخصومة ولم يخبرني ما الذي يجري بينه وبين الأخ يوسف، وصاحبنا يرفع صوته ويزيد من سرعة سيارته، وكانت الطريق متعرجة، وأنا أكرر قوله تعالى: (( حسبنا الله ونعم الوكيل ))..
ثم سكت الخصمان بعد أن فتح يوسف شريط "كاسيت" للقرآن الكريم من سورة البقرة بصوت" الشيخ محمد أيوب" فأسكت القرآن الكريم صوت الخصمين، ولا أظنه أسكت غضبهما..
فهمت بعد ذلك – استنباطاً – أن يوسف ديدات نال من بعض الدول وزعماء العرب، وأن حسناً المغربي لم يوافقه ورفض أن يترجم لي ما سمعه منه..
وكانت المسافة من مدينة دربن إلى القرية التي يسكن فيها الشيخ أحمد ديدات تزيد عن خمسين كيلاً، وتسمى:" فير ولام VERULAM" تقع في شمال شرق مدينة دربن..
في منزل الشيخ أحمد ديدات..
وقفنا في خارج مقصورة الشيخ، ودخل الأخ يوسف ولد الشيخ يستأذن لنا بالدخول..
دخلنا على (الشيخ أحمد ديدات) وهو مستلقٍ على سريره الصحي، ولا يبدو على وجهه أثر المرض، ولكنه لا يحرك إلا جفني عينيه، وقد يحرك رأسه، وحدق بعينيه في وجهي، ولم يكن يصرف نظره غالب الوقت الذي قضيته واقفا أمامه..
وقد مضى للشيخ على حالته هذه ثلاث سنوات ونصف السنة..
الشيخ يسمع ويفهم ويخاطب..!
لم يمنع الشيخ مرضه الطويل الذي أقعده من سماع الكلام، وفهمه بالرموز التي يخاطبه بها ابنه، والموافقة على ما يقال له برفع جفنيه، أو المخالفة لذلك عن طريق تحريك رأسه يميناً ويساراً، وإظهار السرور بالضحك المسموع، وإظهار حزنه بالبكاء كذلك..
ولقد فتح جفنيه مصوباً عينيه إلى وجهي عندما قال له ابنه: هذا فلان جاء من المدينة المنورة، ورغب في زيارتك، ثم رفع صوته بالبكاء حنينا على المدينة المنورة..!
وقلت له: لقد أديت واجبك في الدفاع عن كتاب ربك، وبينت باطل الكتابين المحرفين، واستفاد منك كثير من الدعاة في هذا الباب، كما هدى الله بك من أراد من غير المسلمين، لذلك نرجو أن يجزل الله لك الثواب وأن يحسن خاتمتك. فرفع جفنيه مؤمناً، ورفع صوته بالبكاء مشفقاً..
وقال ابنه: إن قسس النصارى يزورون والدي – وهو على هذا الحال - ويلحون عليه بأن يترك دينه، ويدخل في النصرانية، ولا يزوره المسلمون..!
وهو يرد عليهم قائلاً: لئن فعلت ذلك لأفتحن باب فتنة على الإسلام والمسلمين، وأخبر والده بما قال لي، فرفع صوته باكياً..
وقلت له: لو كانت هذه الدعوة النصرانية موجهة لمسلم عاقل – ولو كان غير عالم – لرجونا له، وهو في هذه الحالة أن يثبته الله على دينه، فكيف بمن أفنى حياته مبيناً باطل هؤلاء القوم؟! إن رجاءنا له التوفيق أعظم! فرفع الشيخ صوته ضاحكاً مسروراً..
وقال لي ابنه: هل تريد أن تقول للوالد شيئاً؟
قلت له باللغة الإنجليزية – ناطقاً بكل كلمة على انفراد - رافعاً صوتي: أسأل الله الذي جمعنا بك هنا في منزلك في الدنيا أن يجمعنا هنالك في الجنة، فرفع جفنيه مؤمناً، ورفع صوته باكياً حنيناً إلى الجنة..
وأعطاني يوسف ما يسمى بالإنجيل (البا يبل) – وفيه نص مترجم باللغة العربية – خلاصته: أن نوحاً عليه السلام زنى – حاشاه – بابنتيه الصغرى والكبرى، وقال لي: اقرأه بصوت مرتفع ليسمع أبي صوتك، ففعلت، وقلت بعد قراءتي: هذا النص وحده يكفي لنفور العقلاء من الإيمان بما في الكتابين الموجودين (العهدين) القديم والجديد، فرفع الشيخ جفنيه مؤيداً، ورفع صوته ضاحكاً مبدياً سروره..
وقلت له: بماذا توصينا يا شيخ؟!
فقال: أوصي علماء العرب أن يجتهدوا في دعوة النصارى إلى الإسلام، وأن يتسلحوا في دعوتهم بالرد عليهم من كتبهم، فإن ذلك أدعى لتشكيكهم في دينهم وتفكيرهم في الإسلام ودراسته ثم الدخول فيه، وهذا أمر مجرب..
ثم شكا من انتقاد بعض العرب لأسلوبه في الهجوم على المسيحيين وكتبهم وقال: إن الهجوم على عقيدتهم الباطلة جعل كثيراً منهم يشكون في باطلهم..
وطلبت من ابنه أن آخذ للشيخ صورة، فرفض، فقلت له: أخبر والدك أني أرغب في ذلك، فأخبره فحرك جفنيه مظهراً إذنه بذلك، فأخذ يوسف نفسه صورة أو صورتين وأنا بجانب الشيخ..
ثم أخرج يوسف بعض كتب الشيخ في الرد على المسيحية وقال للشيخ: هل أكتب إهداء لهذه الكتب منك للدكتور وتختم على الإهداء بإبهامك؟ فرد بالإيجاب، وفعل..
ولد أحمد ديدات سنة: 1918م في (سرت) بالهند، وسافر والده إلى جنوب أفريقيا في نفس السنة، ولحق أحمد ديدات بوالده في جنوب أفريقيا سنة 1927م وفي نفس السنة توفيت أمه..
درس بتفوق إلى السنة الثانية من المرحلة الإعدادية، وترك الدراسة وعمل في دكان مع مسلم، وكان عمره: 16 سنة..
كيف ظهر المركز الدولي للدعوة الإسلامية..؟
هذا، وقد حاولت أن آخذ من الأخ يوسف معلومات مفصلة عن الشيخ وعن المركز، عن طريق السؤال والجواب، أو أن يكتب لي ذلك – ولو باختصار باللغة الإنجليزية – فاعتذر لكثرة مشاغله كما قال، ووعدني أن يبعث لي بمقابلة مع والده في شريط فيديو مترجم باللغة العربية، وببعض المعلومات في بعض المجلات العربية. [الشريط صادر عن تلفزيون الإمارات العربية المتحدة (أبو ظبي) أما المجلات فلم أجد فيها ما يفيدني عن الشيخ ومركزه ].
وقد بعث لي بالشريط، وفيه يبين الشيخ سبب اتجاهه إلى دراسة التوراة والإنجيل والرد على عقائد اليهود والنصارى بشدة، وأنه – في الأصل – كان عاملاً ليس عنده علم بأمور الإسلام، وأن النصارى كانوا يهاجمون الإسلام..
وكانوا يسألون المسلمين الذين يعملون معهم أسئلة تشككهم في الإسلام، ولم يكن المسلمون يستطيعون الرد على تلك الأسئلة، مع تمسكهم بدينهم.. ولكن ذلك كان يزعج ديدات وزملاءه، وكان هو يفكر في ذلك ويتمنى أن يجد من يساعده في الرد على تلك الشبهات والأسئلة..
وسنتناول في الجزء الثاني بدء معركة الداعية أحمد ديدات ـ رحمه الله ـ مع النصارى ودعوتهم..
موقع الروضة الإسلامي..
اطلعت على وفاة الداعية الإسلامي الشيخ أحمد ديدات رحمه الله، اليوم الثلاثاء4/7/ 1426هـ ـ 9/8/2005م
وكنت قد كتبت عنه بعض المعلومات بعد زيارتي له في منزله في ضاحية من ضواحي دربن وهو على سرير مرضه، وهي كما ترى في الأسفل: السبت: 20/3/1420هـ ـ 3/7/1999م..
وأقول: اللهم ارحم عبدك أحمد ديدات واجعلنا وإياه ممن أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، إنا لله وإنا إليه راجعون. لله ما أخذ ولله ما أعطى..
لقد أدى هذا الرجل الداعية العظيم ما لم تؤده مؤسسات من الدعوة إلى الله، وأفحم مثيري الشبهات على ديننا الحتيف من مصادرهم التي يعتمدون عليها في دينهم..
ومات وهو يوصي علماء المسلمين بأن يأخذوا زمام المبادرة الذي أخذ به عندما تحدوه وهو جاهل فقير، فاستعان بالله عندما عثر على كتاب لولي الله الدهولي يسمى: (إظهار الحق) في بقايا مخزن تغيطيه الأتربة، يهدم مؤلفه ما كان النصارى يظنونه حججاً وبينات تقوي دينهم المحرف..
ففرح بالكتاب فرحاً شديداً فشمر عن ساعد الجد وحزم حقائبه وذهب إلى أساتذة من تحدوه في عقر دارهم وهزمهم الواحد تلو الآخر، حتى كانوا يفرون منه إذا سمعوا ذكر اسمه..
وعندما نام على سرير مرضه ولم يستطع تحريك لسانه بالكلام، ذهبوا إليه في منزله يدعونه إلى دينهم المحرف، تشفياً منه..
وهذه طبيعتهم يفرون من صفوف المعارك المعنوية عندما يلقي دعاة الإسلام أمامهم عصى موسى..
ويفرون من المعارك الحربية عندما يجدون قادة إسلاميين أقوياء، يعدون ما أمرهم الله به من القوة التي ترهبهم، فإذا تفوقوا هم في السلاح وضعف المسلمين اغتنموا الفرصة للتشفي فيهم..
فرحمك الله يا ديدات وخلفك بمن يأخذ السيف بحقه، وكأنه تعالى قد فعل، وإنا لله وإنا إليه راجعون..
السبت: 20/3/1420هـ ـ 3/7/1999م
زيارة الشيخ أحمد ديدات، في منزله..
كان أول لقاء سجل في برنامج زيارتي [لمدينة دربن في بريطانيا] الاجتماع بالأخ (يوسف بن الشيخ أحمد ديدات) في مركز الشيخ في وسط مدينة" دربن" للاطلاع على نشاط المركز، وأخذ معلومات عن والده، ثم القيام بزيارة والده الذي يلازم سريره منذ ما يقارب ثلاث سنوات..
وذهبنا إلى المركز مبكرين ولم نجد الرجل، فاتصل به موظفو المكتب وأخبروه أن الضيف السعودي في انتظارك، فقال لهم: أنا في الطريق إليكم..
وجاءنا المحاسب – وهو شاب طويل القامة – وأخذنا للاطلاع على مكاتب المركز، وكان أول مكتب وقف بنا عليه هو مكتب الشيخ أحمد ديدات الذي كان يدير منه المركز ونشاطه، ثم مررنا على بقية مكاتب المركز الأخرى..
والمكاتب تقع في الدور الرابع من المبنى الذي يملكه الشيخ، وبقية الطوابق بها مكاتب مؤجرة وأسواق تجارية..
وبعد قليل قال لنا المحاسب: الأخ يوسف ينتظركم في الأسفل، وظننت أن له مكتباً في أحد الطوابق السفلى سنجتمع به فيه، ولكنه كان ينتظرنا بسيارته في الشارع..
صافحني وأشار لي بالركوب إلى جانبه، وركب الأخوان "حسن" المغربي الذي كان يرافقني للترجمة، والسائق يوسف في المقعد الخلفي، وأخذ ينهب الطريق بسيارته نهباً، كانت سرعته مخيفة..!
وأخذ الرجل يتحدث - بسرعة - عن والده ونشاطه في مهاجمة العقيدة النصرانية، وحاول حسن أن يترجم لي شيئاً مما يقول ولكنه لم يستطع اللحاق به، وفهمت من الكلمات المقتضبة أنه يتحدث عن خطر النصرانية ووجوب التصدي لها، و أن والده قد حمل هذا العبء، وأنه هو سيسير في نفس طريق أبيه..
قلت للمترجم أخبره أنني قد اجتمعت بوالده في جدة وفي المدينة وقد سمعت منه مباشرة، وسمعت له بعض المحاضرات المترجمة..
وبعد قليل فوجئت بالهجوم الديداتي العنيف والغضب المغربي الشديد، كل منهما يخاصم الآخر، وفهمت من الرجل قوله للمترجم: أخبره.. والمترجم يشتد في خصومته..
فقلت للأخ حسن: يجب أن تترجم لي كل ما يقول، ولكن المترجم يزداد غضباً وخصومة ولم يخبرني ما الذي يجري بينه وبين الأخ يوسف، وصاحبنا يرفع صوته ويزيد من سرعة سيارته، وكانت الطريق متعرجة، وأنا أكرر قوله تعالى: (( حسبنا الله ونعم الوكيل ))..
ثم سكت الخصمان بعد أن فتح يوسف شريط "كاسيت" للقرآن الكريم من سورة البقرة بصوت" الشيخ محمد أيوب" فأسكت القرآن الكريم صوت الخصمين، ولا أظنه أسكت غضبهما..
فهمت بعد ذلك – استنباطاً – أن يوسف ديدات نال من بعض الدول وزعماء العرب، وأن حسناً المغربي لم يوافقه ورفض أن يترجم لي ما سمعه منه..
وكانت المسافة من مدينة دربن إلى القرية التي يسكن فيها الشيخ أحمد ديدات تزيد عن خمسين كيلاً، وتسمى:" فير ولام VERULAM" تقع في شمال شرق مدينة دربن..
في منزل الشيخ أحمد ديدات..
وقفنا في خارج مقصورة الشيخ، ودخل الأخ يوسف ولد الشيخ يستأذن لنا بالدخول..
دخلنا على (الشيخ أحمد ديدات) وهو مستلقٍ على سريره الصحي، ولا يبدو على وجهه أثر المرض، ولكنه لا يحرك إلا جفني عينيه، وقد يحرك رأسه، وحدق بعينيه في وجهي، ولم يكن يصرف نظره غالب الوقت الذي قضيته واقفا أمامه..
وقد مضى للشيخ على حالته هذه ثلاث سنوات ونصف السنة..
الشيخ يسمع ويفهم ويخاطب..!
لم يمنع الشيخ مرضه الطويل الذي أقعده من سماع الكلام، وفهمه بالرموز التي يخاطبه بها ابنه، والموافقة على ما يقال له برفع جفنيه، أو المخالفة لذلك عن طريق تحريك رأسه يميناً ويساراً، وإظهار السرور بالضحك المسموع، وإظهار حزنه بالبكاء كذلك..
ولقد فتح جفنيه مصوباً عينيه إلى وجهي عندما قال له ابنه: هذا فلان جاء من المدينة المنورة، ورغب في زيارتك، ثم رفع صوته بالبكاء حنينا على المدينة المنورة..!
وقلت له: لقد أديت واجبك في الدفاع عن كتاب ربك، وبينت باطل الكتابين المحرفين، واستفاد منك كثير من الدعاة في هذا الباب، كما هدى الله بك من أراد من غير المسلمين، لذلك نرجو أن يجزل الله لك الثواب وأن يحسن خاتمتك. فرفع جفنيه مؤمناً، ورفع صوته بالبكاء مشفقاً..
وقال ابنه: إن قسس النصارى يزورون والدي – وهو على هذا الحال - ويلحون عليه بأن يترك دينه، ويدخل في النصرانية، ولا يزوره المسلمون..!
وهو يرد عليهم قائلاً: لئن فعلت ذلك لأفتحن باب فتنة على الإسلام والمسلمين، وأخبر والده بما قال لي، فرفع صوته باكياً..
وقلت له: لو كانت هذه الدعوة النصرانية موجهة لمسلم عاقل – ولو كان غير عالم – لرجونا له، وهو في هذه الحالة أن يثبته الله على دينه، فكيف بمن أفنى حياته مبيناً باطل هؤلاء القوم؟! إن رجاءنا له التوفيق أعظم! فرفع الشيخ صوته ضاحكاً مسروراً..
وقال لي ابنه: هل تريد أن تقول للوالد شيئاً؟
قلت له باللغة الإنجليزية – ناطقاً بكل كلمة على انفراد - رافعاً صوتي: أسأل الله الذي جمعنا بك هنا في منزلك في الدنيا أن يجمعنا هنالك في الجنة، فرفع جفنيه مؤمناً، ورفع صوته باكياً حنيناً إلى الجنة..
وأعطاني يوسف ما يسمى بالإنجيل (البا يبل) – وفيه نص مترجم باللغة العربية – خلاصته: أن نوحاً عليه السلام زنى – حاشاه – بابنتيه الصغرى والكبرى، وقال لي: اقرأه بصوت مرتفع ليسمع أبي صوتك، ففعلت، وقلت بعد قراءتي: هذا النص وحده يكفي لنفور العقلاء من الإيمان بما في الكتابين الموجودين (العهدين) القديم والجديد، فرفع الشيخ جفنيه مؤيداً، ورفع صوته ضاحكاً مبدياً سروره..
وقلت له: بماذا توصينا يا شيخ؟!
فقال: أوصي علماء العرب أن يجتهدوا في دعوة النصارى إلى الإسلام، وأن يتسلحوا في دعوتهم بالرد عليهم من كتبهم، فإن ذلك أدعى لتشكيكهم في دينهم وتفكيرهم في الإسلام ودراسته ثم الدخول فيه، وهذا أمر مجرب..
ثم شكا من انتقاد بعض العرب لأسلوبه في الهجوم على المسيحيين وكتبهم وقال: إن الهجوم على عقيدتهم الباطلة جعل كثيراً منهم يشكون في باطلهم..
وطلبت من ابنه أن آخذ للشيخ صورة، فرفض، فقلت له: أخبر والدك أني أرغب في ذلك، فأخبره فحرك جفنيه مظهراً إذنه بذلك، فأخذ يوسف نفسه صورة أو صورتين وأنا بجانب الشيخ..
ثم أخرج يوسف بعض كتب الشيخ في الرد على المسيحية وقال للشيخ: هل أكتب إهداء لهذه الكتب منك للدكتور وتختم على الإهداء بإبهامك؟ فرد بالإيجاب، وفعل..
ولد أحمد ديدات سنة: 1918م في (سرت) بالهند، وسافر والده إلى جنوب أفريقيا في نفس السنة، ولحق أحمد ديدات بوالده في جنوب أفريقيا سنة 1927م وفي نفس السنة توفيت أمه..
درس بتفوق إلى السنة الثانية من المرحلة الإعدادية، وترك الدراسة وعمل في دكان مع مسلم، وكان عمره: 16 سنة..
كيف ظهر المركز الدولي للدعوة الإسلامية..؟
هذا، وقد حاولت أن آخذ من الأخ يوسف معلومات مفصلة عن الشيخ وعن المركز، عن طريق السؤال والجواب، أو أن يكتب لي ذلك – ولو باختصار باللغة الإنجليزية – فاعتذر لكثرة مشاغله كما قال، ووعدني أن يبعث لي بمقابلة مع والده في شريط فيديو مترجم باللغة العربية، وببعض المعلومات في بعض المجلات العربية. [الشريط صادر عن تلفزيون الإمارات العربية المتحدة (أبو ظبي) أما المجلات فلم أجد فيها ما يفيدني عن الشيخ ومركزه ].
وقد بعث لي بالشريط، وفيه يبين الشيخ سبب اتجاهه إلى دراسة التوراة والإنجيل والرد على عقائد اليهود والنصارى بشدة، وأنه – في الأصل – كان عاملاً ليس عنده علم بأمور الإسلام، وأن النصارى كانوا يهاجمون الإسلام..
وكانوا يسألون المسلمين الذين يعملون معهم أسئلة تشككهم في الإسلام، ولم يكن المسلمون يستطيعون الرد على تلك الأسئلة، مع تمسكهم بدينهم.. ولكن ذلك كان يزعج ديدات وزملاءه، وكان هو يفكر في ذلك ويتمنى أن يجد من يساعده في الرد على تلك الشبهات والأسئلة..
وسنتناول في الجزء الثاني بدء معركة الداعية أحمد ديدات ـ رحمه الله ـ مع النصارى ودعوتهم..
موقع الروضة الإسلامي..
تعليق