إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فقه ( الموازنات ) بين اتفاق مكة وصلح الحديبية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فقه ( الموازنات ) بين اتفاق مكة وصلح الحديبية

    بسم الله الرحمن الرحيم
    فقه
    ( الموازنات )
    بين اتفاق مكة وصلح الحديبية

    فقه ( الموازنات ) واحد من خمسة أنواع من الفقه ينبغي على أبناء الحركة الإسلامية التركيز عليها وفهمها ، وهي بالإضافة لفقه الموازنات : فقه المقاصد ، وفقه الأولويات أو مراتب الأعمال ، وفقه السنن الكونية والاجتماعية ، وفقه الاختلاف .
    وفقه الموازنات الذي نحن هنا بصدده ، هو في حقيقته مبني على فقه الواقع ودراسته دراسة علمية مبنية على ما يسره لنا عصرنا من معلومات وإمكانات ، وآثرنا تسميته في عنوان هذا المقال ( فقه التنازلات ) لسببين :
     الأول : لأن فقه الموازنات في حقيقته يتضمن تنازلات في بعض الأحيان .
     الثاني : لأن ما حدث في صلح الحديبية وكذلك ما حدث في صلح مكة هو تقديم تنازلات ، وإن كانت في دائرة المساحة المسموح بها شرعاً .
    وهنا لابد أن نُذكَّر :
     أولاً : إن المواقف التي تصلح لمرحلة ( التنظيم ) أو ما قبل الدولة ، ربما لا تصلح في مرحلة (الدولة ) وذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار الهجمة الكبيرة – والتي فاقت كل التوقعات – على حكومتنا ، حيث لم يكن أمامنا أن نختار بين أسود وأبيض ، بقدر وَضْع جملة الخيارات في دائرة فقه الموازنات بين المصالح والمفاسد ، أو الموازنة بين جملة من المفاسد ، لم يكن أمامنا خيار إلا أن نقبل بأقلها ضرراً على شعبنا وحركتنا .
     ثانياً : ليس كل تنازل للأعداء مرفوضاً ، وليست كل استجابة لمطالبهم أمراً منكراً ، والفقه في ذلك تحقيق أعلى المكاسب بأدنى التنازلات ، والوصول إلى الخير المحبوب وإن مرَّ ببوابة الُمبغض المكروه ، والموازنة بين المصالح والمفاسد .

    صلح الحديبية ، وفقه ( التنازلات )
    ولدينا في صلح الحديبية مساحة كبيرة نستطيع أن نتحرك من خلالها ونقيس ما حدث من اتفاق في مكة على ما حدث في الحديبية .
    فالمتأمل في شروط الحديبية يرى فيها الغبن والحيف ظاهرين على المسلمين من الكافرين في إملاء جملة من الشروط وذلك كالتالي :
    1- ألم يَمنعوا المسلمين من كتابة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وقالوا : لا نَعرفُ إلا رحمان اليمامة ، ولكن اكتب : (باسمك اللهم ) فرفض المسلمون ذلك وأقرها النبي  ، أليس ذلك تنازلاً ؟
    2- ثم رفضوا كتابة ( هذا ما قضى عليه محمد رسول الله ) ، وقالوا : لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب : (محمد بن عبد الله )، فقال النبي  : إني رسول الله وإن كذبتموني ، اكتب محمد بن عبد الله ، فقبل النبي  بما أرادوا ، أليس ذلك تنازلاً ؟ وكانت هذه الاعتراضات منهم ( حميةً جاهلية ) كما أخبر الله عنهم في كتابة ، وإلا فقد تحققوا صدقه  ، وأيقنوا صحة رسالته بالبراهين التي رأوها وسمعوا بها( ) .
    3- حتى إذا وصلوا إلى شرط : ( على ألا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا ) ، قال المسلمون : سبحان الله ! كيف يُرد إلى المشركين وقد جاء مسلماً ؟ وفي تلك الأثناء قدم
    ( أبوجندل بن سهيل بن عمرو ) يَرْسُف في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين ظهور المسلمين ، فقال أبوه ( سهيل ) : هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إليّ ، فقال النبي  : إنّا لم نقض الكتاب بعد ، قال سهيل :إذاً والله لا أصالحك على شيء أبداً، فقال النبي  : فأجزه لي ! فرفض سهيل ، ثم استصرخ أبو جندل ( المسلمين ) وحرك عواطفهم قائلاً : يا معشر المسلمين : أُردُّ إلى المشركين وقد جئت مسلماً ، ألا ترون ما لقيت؟ وكان قد عُذب في الله عذاباً شديداً ، فتأثر المسلمون وكان عمر من أشدهم تأثراً حتى أتى النبي وقال : يا رسول الله ! ألست نبي الله حقاً : قال : بلى ! قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى ! فقلت : علام نعطي الدنية في ديننا إذاً ، ونرجع ولم يحكم الله بيننا وبين أعدائنا ؟ فقال :إني رسول الله وهو ناصري ، ولست أعطيه .
    4-ومن التنازلات الكبيرة التي قدمها المسلمون من أجل تحقيق مصلحة أكبر في صلح الحديبية ، أنهم صُدوا عن المسجد الحرام ، فقبل المسلمون بذلك ، على أن يعودوا في العام القادم ، وقد حكى القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى :هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً  [الفتح :25] .
    5- يحسب من لا فقه له أن أي تعامل مع المشركين هو في حساب التنازلات المرفوضة ، وأن أي تعاون مع نفر منهم هو مناقض للبراءة منهم ، وأن أي استجابة تُعد نقيصة في الدين ، وضعفاً في التعامل معهم ، وكان ما حدث قُبيل الحديبية بل السيرة النبوية تصحح هذا المفهوم ، فقد بعث النبي  من ( ذي الحليفة ) بشر بن سفيان الخزاعي عيناً له إلى قريش ليأتيه بخبرهم ، وقد كان بشر ما زال على شركه ، بل كانت ( خزاعة ) عيبة نصح رسول الله  ( ) ( مسلمهم وكافرهم ) لا يُخفون عليه شيئاً كان بمكة ( ) .
    قال ابن القيم رحمه الله معلقاً : ( وفي قصة الحديبية من الفقه أن الاستعانة بالمشرك المأمون في الجهاد جائزة عند الحاجة ، لأن بشر الخزاعي كان كافراً إذ ذاك ، وفيه من المصلحة أنه أقرب إلى اختلاطه بالعدو ، وأخذه أخبارهم )( ) .
    6- إن الحدَّة والشِّدة والعنف والتشنج ليست من لوازم القوة ، والمسامحة والمهادنة والتعقل والمداراة ليست مؤشرات للضعف والأمور تختلف بأحوالها ، والناجح من وظَّف الموقف المناسب في الوقت المناسب ، فليس الشديد بالصرعة ، وإن من البيان لسحراً ، وإذا لم يكن إلا الأسنة مركباً فما حيلة المضطر إلا ركوبها ، والمداراة من أخلاق المؤمنين ، والمداهنة سيما المنافقين .
    ومن تأمل هديه  ومواقفه في الحديبية وجدها محققة للغرض وإن غلب عليها المسامحة والمفاهمة ، ولذا قال العلماء بجواز بعض المسامحة في أمر الدين واحتمال الضيم ما لم يكن قادحاً في أصله ، إذا تعين ذلك طريقاً للسلامة في الحال والصلاح في المآل ، سواء كان ذلك في حال ضعف المسلمين أو قوتهم ، وأن التابع لا يليق به الاعتراض على المتبوع بمجرد ما يظهر في الحال ، بل عليه التسليم ، لأن المتبوع أعرف بمآل الأمور غالباً بكثرة التجربة ، ولاسيما مع من هو مؤيد بالوحي ( ) .
    فتأمل أخي القارئ /
    هل هناك أعظم من أن يُصد المسلم عن بيت الله الحرام ، حيث خرج المسلمون من المدينة ، لا يريدون قتالاً إنما خرجوا معتمرين قد ساقوا معهم الهدي ، ثم بعد كل هذا ، تُملى وتُفرض عليهم الشروط ، ويمنعوا من البيت الذي هو مأوى أفئدة المسلمين ، كم كانت هذه ثقيلة على النفس ، لكن بالرغم ذلك تنازل المسلمون من أجل مصلحة أكبر .
    ثم هل هناك أعظم من أن يلقي مسلم مظلوم هارب من المشركين ، يلقي بنفسه بين ظهرانَي المسلمين ، فيُفرض على المسلمين تسليمه للمشركين ، بالرغم من استصراخه واستغاثته ، إلا أن المسلمين تنازلوا وقبلوا بتسليمه للمشركين .
    ثم تأمل أخي القارئ :
    إن رسول الله  المؤيد من ربه لم يكن متعطشاً للدماء ، داعية حرب ، بل كان داعية سلام ، لذا نجده في الحديبية يُصلي بأصحابه صلاة الخوف في عُسفان وذلك حين بلغه قرب خيل المشركين ( ) . وليتفادى الاشتباك مع المشركين سلك طريقاً وعرة عبر ثنية المرار ( مهبط الحديبية ) وعندما بركت ناقته القصواء في الحديبية وقال الناس : خلأت القصواء ، قال : ( ما خلأت ولكن حبسها حابس الفيل ) ثم قال عليه الصلاة والسلام : ( والذي نفسي بيده لا يسألونني–يعني قريشاً–خُطة يُعظِّمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها)( ) وفي رواية : (وَاللَّهِ لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إِلَى خُطَّةٍ يَسْأَلُونِي فِيهَا صِلَةَ الرَّحِمِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا )( ) . ورغم عدوان قريش وكبريائها فقد ظل حريصاً على إسلامهم مفضلاً حقن الدماء بينه وبينهم متحسراً على أكل الحرب لهم وقد عبّر  بقوله : ( يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب ، ماذا عليهم لو خلُّوا بيني وبين سائر الناس ؟ فإن أصابوني كان الذي أرادوا ، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وهم وافرون )( ) .
    قال ابن القيم رحمه الله :
    ومن فوائد قصة الحديبية : ( أن مصالحة المشركين ببعض ما فيه ضيمٌ على المسلمين جائزة للمصلحة الراجحة ، ودفع ما هو شرُ منه ، ففيه دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما ) ( ).
    وهكذا يكون الفقه في التنازلات تحقيق المصلحة الكبرى ، وإن وقع مفسدة أقل ،وما أحوجنا إلى هذا الفقه ! وهو الذي قال عنه ابن القيم : ( وهذا من أدق المواضع وأصعبها ، وأشقها على النفس ) ( ).
    نعم ! إن رفض الآخر سهل ، والقطع بعدم التفاهم والتعاون مع المخالفين ، لا يحتاج مزيد فقه ،ولكن هل يحقق الخير المطلوب ،وهل ينكأ العدو ، وماذا يترتب عليه من المفاسد؟ تلك قضايا لا بد من إعادة النظر فيها في تعاملنا مع أعدائنا وتحقيق المكاسب لإسلامنا على هدى السيرة النبوية .
    اتهام النفس والرأي :
    كم نُزكي أنفسنا والله يقول : ( فلا تُزكوا أنفسكم ) [ النجم :32] وكم نصحح مواقفنا ونُخطئ غيرنا ، وأحد الصحابة ( سهل ابن حنيف ، رضي الله عنه ) يقول حين قدم من
    ( صفين ) : اتهموا الرأي ، فلقد رأيتني يوم أبي جندل ( الحديبية ) ولو أستطيع أن أرد على رسول الله  أمره لرددت ، والله ورسوله أعلم ( ).
    إن حق المسلم أن يجتهد في رأيه ، ولكن مع تقدير آراء الآخرين ،وليس بالضرورة أن يكون اجتهاده هو الحق ،بل قد يكون الحق مع مخالفيه ، ولذا ينبغي ألا يَحمل المسلم على إخوانه المسلمين ، ويُسيء الظن بهم ،وإن خالفوا الرأي ، بل ينبغي أن يعود إلى نفسه ويتهمها ،وليست القوة بالمعارضة أبداً ،ولا يعنى أن المسلم الموافق لغيره ضعيفٌ وجبانٌ .
    وفي تباين موقف الشيخين أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما – في شروط الصلح ما يؤكد هذا ، فعمر تأثر للشروط وعارض وأبو بكر سلَم و رضي ، وكان أقوى من غيره إيماناً وتسليماً ، حتى قال ابن القيم : (والصدِّيق تلقَّاه بالرضى والتسليم حتى كان قلبه على قلب رسول الله  ، وذلك يدل على أفضل الصحابة وأكملهم وأعرفهم بالله – تعالى – ورسول الله  ، وأعلمهم بدينه وأقومهم بمحابِّه وأشدهم موافقه له )( ) ، أجل لقد انبلج الصبح ، وأصبح الصلحُ فتحاً ، والغبن في الظاهر نصراً مبيناً ، وعاد عمر إلى نفسه يؤنبها حتى كان يصوم ويتصدق ليكفر عما سلف منه – بالرغم أن الذي حدث منه ومن غيره من الصحابة غَيرة على الإسلام – وقد فهم رضي الله عنه بعد هو وغيره من الصحابة أن الغيرة ينبغي أن تكون في مكانها ،وإن اتهام النفس وارد ، وإن التنازل إذا حقق مكاسب عليا فهو السياسة الشرعية والسنة النبوية التي ينبغي أن تقتفى ، بل لقد أكرم الله المؤمنين بالنصر العزيز والسكينة المطمئنة كما أخبر في سورة الفتح
    قال ابن القيم : (وتأمل كيف وصف – سبحانه – النصر بأنه عزيزٌ في هذا الموطن ، ثم ذكر إنزال السكينة في قلوب المؤمنين في هذا الموطن الذي اضطربت فيه القلوب وقلقت أشد القلق ، في أحوج ما كانت إلى السكينة ، فازدادوا بها إيماناً إلى إيمانهم ( ).
    والنجاح الأكبر والاستثمار الأعظم هو استثمار النبي  لهذه الفرصة ( الهدنة ) وتحييد قريش ، للتفرغ لخصوم آخرين ، وثمة فرص للدعوة لدين الحق هذا أوانها وميدانها ، وقد كان . ففي الجانب الحربي غزا النبي  ( اليهود ) في ( خيبر) وأدبهم وغنم أموالهم وعقد الصلح معهم ، وفي الجانب السلمي تقدمت الدعوة خطوات في أرض الحجاز وما حولها ودخل في دين الله – زمن الهدنة – أضعاف ما دخل من قبل . وعن هذه المكاسب الدعوية يقول الزهري – رحمه الله - : " فما فُتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه ، إنما كان القتال حيث التقى الناس ، فلما كانت الهدنة ووضعت الحرب وأمن الناس بعضهم بعضاً والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة ، فلم يُكلَّم أحد بالإسلام يعقل شيئاً إلا دخل فيه ولقد دخل في تينك السنين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك وأكثر " أ . هـ .
    قال ابن هشام : " والدليل على قول الزهري أن رسول الله  خرج إلى الحديبية في ألف وأربعمائة – في قول جابر – ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف " ( ) .

    بين اتفاق مكة وصلح الحديبية
    بداية لا يختلف اثنان في أن السبب الأهم والرئيس في نجاح الاتفاق وإنجازه هو حجم الدماء التي سالت في شوارع غزة ، هذه الدماء حاصرت الحركتين ولم تسمح لهما أن يخرجا بدون اتفاق .
    والناس في موقفهم من حماس في هذا الاتفاق فريقان :
    - الأول : مشفقٌ محبٌ لهذه الحركة وحريص على مصلحة القضية والمشروع الإسلامي .
    - والآخر فريق شامت يتربص بهذه الحركة الدوائر ، يبحث عن ثُلمة أو ثغرة ، يَلجُ من خلالها للتشهير بهذه الحركة أمام جماهيرها واتهامها أنها قد تنازلت عن ثوابتها ، وللأسف الشديد فإن الفريق الأول قد تأثر بهذه الحملة الإعلامية المضللة . وأمام هذه الأسئلة والجدل الذي يدور من الفريقين حول هذا الاتفاق ، لابد من توضيح جملة من الأمور :
    - أولاً : يقول البعض إن الحركة قد قدمت تنازلات في اتفاق مكة ، ويبالغ آخرون فيصفونها بالمخالفات الشرعية . ولعلي أوافق الذين يقولون بأن الحركة قد قدمت تنازلات ، وهذا يتضح لكل من تابع مسيرة المفاوضات بين الحركتين وذلك منذ اليوم الأول الذي وصلت فيه حماس إلى سدة الحكم ، وهذا من طبيعة المفاوضات ، أن يقدم كل طرف بعض التنازلات ، وإلا فستبقى المفاوضات تراوح مكانها ، ولكن نؤكد أن ذلك ليس على إطلاقه ، وإنما وقع في حدود المساحة المسموح بها شرعاً ، فهو اجتهاد في دائرة الظنيات ، التي تقبل هذا النوع من الاجتهاد .
    - ثانياً: إن اتفاق مكة جاء في سياق فقه المصالح والمفاسد ، ومعالم هذا الفقه تمثلت في الآتي :
    1- إن الاتفاق دفع مفسدة كبيرة عن الشعب الفلسطيني حيث حقن الدماء ، وهذا يشبه إلى حدٍ كبير ما فعله رسول الله  يوم الحديبية حين قال : (وَاللَّهِ لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إِلَى خُطَّةٍ يَسْأَلُونِي فِيهَا صِلَةَ الرَّحِمِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا ) وهذا هو فقه المصالح بعينه وإن شئت فسمه فقه التنازلات . فالرسول  هنا على استعداد أن يعطي قريش ما يطلبون في سبيل حقن الدماء ، والتي تقطع صلة الأرحام .
    2- إن من المصالح التي حققها الاتفاق للشعب الفلسطيني ، حكومة الوحدة الوطنية، وهي أول حكومة وحة وطنية في تاريخ الشعب الفلسطيني ، وهذا سيسجله التاريخ لهذه الحركة
    3- إن المناكفات التي وقعت بين حماس و فتح طوال فترة الحكومة ، شغلت الحركة عن كثير من القضايا الهامة وعلى رأسها الصف الداخلي وأمور الدعوة ، أما الآن فقد أصبح أمام الحركة فرصة كبيرة لإعادة ترتيب صفوفنا وحركتنا والاشتغال بالدعوة والتربية .
    - ثالثاً : إن النص الذي جاء في خطاب التكليف الذي وجهه الرئيس عباس إلى إسماعيل هنية والذي أثار البعض حوله جدلاً وتساؤلات نَصُه : ( ادعوكم كرئيس للحكومة المقبلة للالتزام بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني وصون حقوقه والحفاظ على مكتسباته وتطويرها والعمل على تحقيق أهدافه الوطنية كما أقرتها قرارات المجالس الوطنية ومواد القانون الأساسي ووثيقة الوفاق الوطني وقرارات القمم العربية ، وعلى أساس ذلك أدعوكم إلى احترام قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية) .
    وهنا لابد من التأمل في عبارة (أدعوكم إلى احترام ) فهناك فرق بين الاحترام والالتزام ، وعلى كل حال فكلمة (احترام ) حمَّالةُ وجوهٍ ، لكنها لا تُلزم الحركة بشيء ولاسيما إذا علمنا أن خطاب الحركة فيما يتعلق بالاعتراف بشرعية إسرائيل لم يتغير ولن يتغير ، حيث مازالت حماس وستبقى ترفض الاعتراف بشرعية إسرائيل وهو أحد الشروط الأساسية التي تطالب بها قوى دولية لرفع الحظر المفروض عن حماس ، وهذا يؤكد أن التنازلات التي جاءت في اتفاق مكة شكلية ونوع من المناورة السياسية .
    - رابعاً : من الطبيعي جداً أن نسمع بعض الأصوات الداخلية الساخطة على الاتفاق ، ومثل هذه الأصوات ، لابد أن نُحسن الظن بهم ، فهم يعبرون عن غَيرتهم ، لذا يجب أن نفتح صدورنا لهم ونحاورهم في أجواء يسودها الحب والإخاء . كذلك علينا ألا نتشنج أمام بعض الجماعات الإسلامية الناقدة لنا ، ولنتذكر أننا لو كنا خارج الحكومة ، ما اضطررنا إلى ما اضطررنا إليه ونحن في داخل الحكومة . فأمثال هؤلاء يجب أن نحاورهم بالتي هي أحسن .
    - خامساً : يجب أن نترفق بإخواننا وبأنفسنا ولنحفظ حبل الود بيننا وليكن حسن الظن أصلاً راسخاً في علاقاتنا وتعاملنا ، فذاك يسهم في وحدتنا ، ولا يدع مجالاً للشيطان للتحريش بيننا ، ولا يعني ذلك بحال ترك التناصح ، فالمؤمن مرآة أخيه ، والنصيحة واجبة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم .

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    وكتبه أبو الحسن يوسف علي فرحات
    21/ربيع أول / 1428هـ - 8/4/2007م

  • #2
    رد : فقه ( الموازنات ) بين اتفاق مكة وصلح الحديبية

    بارك الله فيك

    مقال جميل جدا

    تعليق


    • #3
      رد : فقه ( الموازنات ) بين اتفاق مكة وصلح الحديبية



      لقد طال انتظارك

      لم تاخرت بكتابة الموضوع؟

      نعم فقه الموازنات هو الاسلام

      بل هو الشرائع كلها

      جاء بعض الصبية ليضربوه عرض الحائط

      وما علموا انهم يضربون بالعقيدة


      اما التنازلات فليست كافية بعد

      ونرجو من ولاة الامر في السلطة حماس وفتح

      ان يولوا هذا الامر جل اهتمامهم

      وان يحاصروا اليهود بالاتفاقات مع الاتزام بها

      ولا ينقضوها فإن في نقضها انقاذا لاسرائيل

      مشكوووووووووووووووووووووور على الموضوع الهادف


      تعليق


      • #4
        رد : فقه ( الموازنات ) بين اتفاق مكة وصلح الحديبية

        المشاركة الأصلية بواسطة قلق


        لقد طال انتظارك

        لم تاخرت بكتابة الموضوع؟

        نعم فقه الموازنات هو الاسلام

        بل هو الشرائع كلها

        جاء بعض الصبية ليضربوه عرض الحائط

        وما علموا انهم يضربون بالعقيدة


        اما التنازلات فليست كافية بعد

        ونرجو من ولاة الامر في السلطة حماس وفتح

        ان يولوا هذا الامر جل اهتمامهم

        وان يحاصروا اليهود بالاتفاقات مع الاتزام بها

        ولا ينقضوها فإن في نقضها انقاذا لاسرائيل

        مشكوووووووووووووووووووووور على الموضوع الهادف


        [align=justify]فقه الموازنات هو فقه مستحدث أريد منه الموازنة والتقريب بين الحق والباطل

        فقه الموازنات هو فقه مستحدث لتحليل الحلال وتحريم الحلال

        فقه الموازنات هو فقه مستحدث ويكفي عاراً وشناراً على من سار في ضلاله التقريب بين صلح أقرته السماء واتفاق لعنته السماء.

        فقه الموازنات هو باختصار فقه التنازلات عن الثوابت الشرعية والتعلل في ذلك بفقه غريب بعيد عن أصول الاسلام

        صلح الحديبية صلح لم يتناول اقرار المحتل ولم يشمل أرضاً اسلامية واتفاق مكة الكارثة وما تبعه من تحالف وشراكة مع الفاسدين المفسدين من حكومة وحدة وطنية ودخول في منظمة الخيانة الفلسطينية ودخول في سلطة فلسطسينية ولدت من رحم اتفاقية اوسلو، وأخيراً وليس آخراً اقرار يهود على فلسطين 1948 مقابل دويلة هزيلة في بعض فلسطين 1967 والبقية تأتي، ورحم الله ثوابت الشهيد الرنتيسي وقد داستها وحوش الموازنات !!!!!

        [/align]
        التعديل الأخير تم بواسطة طالب عوض الله; 14/04/2007, 06:03 PM.

        تعليق


        • #5
          رد : فقه ( الموازنات ) بين اتفاق مكة وصلح الحديبية

          قيادي بـ الاخوان : نؤيد تأسيس دولة علمانية ثنائية القومية بفلسطين

          القاهرة ـ يو بي آي ـ رويترز: قال عبد المنعم ابو الفتوح القيادي في الاخوان المسلمين في مصر ان الجماعة تؤيد تأسيس دولة علمانية ثنائية القومية في فلسطين كحل نهائي للصراع العربي ـ الاسرائيلي.
          وقال ابو الفتوح والذي يشغل منصب عضو مكتب الارشاد، اعلي سلطة تنفيذية داخل الجماعة، ان موقف الاخوان المسلمين في القضية الفلسطينية هو اننا لسنا ضد اليهود وهدفنا ليس القضاء علي اليهود لا في داخل فلسطين ولا في خارج فلسطين .
          واضاف ان المجتمع الدولي يجب ان يعمل علي تكوين دولتين فلسطينية واسرائيلية كحل موقت، ثم يمكن بعد ذلك تأسيس دولة علمانية ثنائية القومية يتداول اليهود والمسلمون والمسيحيون علي قيادتها كحل نهائي .
          وكان ابو الفتوح يتحدث ضمن جلسة مغلقة مساء الخميس جمعت مجموعة من المثقفين والسياسيين المصريين مع المرشح الامريكي الرئاسي السابق مايكل دوكاكس في مقر جريدة البديل اليسارية المستقلة بالقاهرة.
          وقال ان حركة حماس قبلت بحل الدولتين وانشاء دولة فلسطينية مستقلة علي حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967 وعاصمتها القدس.
          الا ان ابو الفتوح قال ان مسألة الاعتراف باسرائيل حالياً يمكن تاجيلها، موضحا ان الشيء الاساسي هو وجود التعايش بين البشر بشكل سلمي .
          واشار الي ان حركة حماس هي جزء من مدرسة الاخوان المسلمين الا انها ليست متداخلة تنظيميا مع الجماعة الام التي تأسست في مصر عام 1928 ولها فروع في معظم بلدان العالم الاسلامي.

          فما رد حماس المجاهدة على هالكلام الكفري

          تعليق


          • #6
            رد : فقه ( الموازنات ) بين اتفاق مكة وصلح الحديبية

            المشاركة الأصلية بواسطة الصيلد
            قيادي بـ الاخوان : نؤيد تأسيس دولة علمانية ثنائية القومية بفلسطين

            القاهرة ـ يو بي آي ـ رويترز: قال عبد المنعم ابو الفتوح القيادي في الاخوان المسلمين في مصر ان الجماعة تؤيد تأسيس دولة علمانية ثنائية القومية في فلسطين كحل نهائي للصراع العربي ـ الاسرائيلي.
            وقال ابو الفتوح والذي يشغل منصب عضو مكتب الارشاد، اعلي سلطة تنفيذية داخل الجماعة، ان موقف الاخوان المسلمين في القضية الفلسطينية هو اننا لسنا ضد اليهود وهدفنا ليس القضاء علي اليهود لا في داخل فلسطين ولا في خارج فلسطين .
            واضاف ان المجتمع الدولي يجب ان يعمل علي تكوين دولتين فلسطينية واسرائيلية كحل موقت، ثم يمكن بعد ذلك تأسيس دولة علمانية ثنائية القومية يتداول اليهود والمسلمون والمسيحيون علي قيادتها كحل نهائي .
            وكان ابو الفتوح يتحدث ضمن جلسة مغلقة مساء الخميس جمعت مجموعة من المثقفين والسياسيين المصريين مع المرشح الامريكي الرئاسي السابق مايكل دوكاكس في مقر جريدة البديل اليسارية المستقلة بالقاهرة.
            وقال ان حركة حماس قبلت بحل الدولتين وانشاء دولة فلسطينية مستقلة علي حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967 وعاصمتها القدس.
            الا ان ابو الفتوح قال ان مسألة الاعتراف باسرائيل حالياً يمكن تاجيلها، موضحا ان الشيء الاساسي هو وجود التعايش بين البشر بشكل سلمي .
            واشار الي ان حركة حماس هي جزء من مدرسة الاخوان المسلمين الا انها ليست متداخلة تنظيميا مع الجماعة الام التي تأسست في مصر عام 1928 ولها فروع في معظم بلدان العالم الاسلامي.

            فما رد حماس المجاهدة على هالكلام الكفري

            أأتى هذا بناء على الفقه المُمبتدع " فقه الموازنات : الذي هو في حقيقته " فقه التنازلات " ؟

            تعليق


            • #7
              رد : فقه ( الموازنات ) بين اتفاق مكة وصلح الحديبية



              فقه الموازنات

              يُعد فقه الموازنات أو فقه التعارض والترجيح، من العلوم الأساسية الواجب معرفتها على طالب العلم لضبط فقه الواقع، لما له من حاجة ماسة في مختلف شؤون الحياة الإنسانية، لذا تجد أن هذا العلم يمارس من قبل الناس جميعاً في حياتهم المعيشية، للترجيح بين مصلحتين، أو بين مفسدتين، أو الموازنة بين المصالح والمفاسد.
              وتشتد الضرورة لفقه الموازنات، لتقرير مسائل فقه السياسة الشرعية عند أولي الأمر. فكثيرا مّا تتعارض أمامهم المصلحة والمفسدة، أو المنافع مع بعضها البعض، أوالمفاسد مع بعضها البعض. وعليه جاء هذا العلم، الذي أرسى قواعده علماء الأصول، ليضع أمام المعنيين من الأمراء والقضاة والسياسيين القواعد الضابطة للوصول إلى المصلحة المرجوة عند تعارض الأدلة.

              أقسام فقه الموازنات:
              يقسم فقه الموازنات إلى ثلاثة أقسام رئيسية، وقد استنبط العلماء قواعد هذا الفقه من القرآن والسنة:

              (أ) الموازنة بين المصالح:
              المصلحة لغة: هي المنفعة. وضدها يسمى: مفسدة.
              والمصلحة في الاصطلاح كما عرفها الغزالي هي: ((عبارة في الأصل عن جلب منفعة أو دفع مفسدة...والمحافظة على مقصود الشرع، ومقصود الشرع من الخلق خمسة وهي (الدين, والنفس، والنسل، والعقل, والمال)...فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة))( ),
              ومن الأدلة التي استنبط منها العلماء قاعدة الموازنة بين المصالح: قوله تعالى: )وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ( [البقرة:219]. فقدم القرآن الكريم مصلحة الإنفاق على العيال في حال عدم وفرة المال، على مصلحة الإنفاق على الفقير.
              قال العز بن عبد السلام: ((واعلم أن تقديم الأصلح فالأصلح، ودرء الأفسد فالأفسد، مركوز في طبائع العباد نظراً لهم من رب الأرباب))( ). ويقول: ((والشريعة كلها مصالح إما تدرأ مفاسد أو تجلب مصالح))( ).
              يقول ابن تيمية: ((إذ الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، والورع ترجيح خير الخيرين بتفويت أدناهما ودفع شر الشرين وإن حصل أدناهما))( ). ويقول: ((ومطلوبها ـ أي الشريعة ـ ترجيح خير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا جميعاً، ودفع شر الشرين إذا لم يندفعا جميعاً))( ).

              (ب) الموازنة بين المصالح والمفاسد:
              الإصلاح والإفساد ضدان ذكرهما الله تعالى في آية واحدة: )وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ( [البقرة:220].
              وذكرهما منفردين في آيات أخر، كقوله تعالى: )إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ( [الأعراف:170]. وقوله تعالى: )إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ( [يونس:81].
              ومن الآيات الدالة على الموازنة بين المصالح والمفاسد:
              قوله تعالى: )يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا( [البقرة:219]. ففي قوله تعالى: )وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا(، دلالة واضحة على الموازنة بين المصالح والمفاسد. في قوله تعالى: )وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا(.
              وقوله تعالى: )فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ( [النساء:2]. وفيها تقديم مصلحة الزواج من واحدة، على مفسدة التعدد في الزواج من النساء.وقاعدتها الأصولية: ((درء المفاسد أولى من جلب المنافع)).
              يقول ابن تيمية: ((.... فالواجبات والمستحبات لابد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة, إذ بهذا بعثت الرسل ونزلت الكتب...))( ).

              (ج) الموازنة بين المفاسد:
              ذكر القرآن الكريم قصة الخضر u حين خرق السفينة وهي صالحة. فقد أحدث فيها مفسدة، ليدفع بها مفسدة أعظم، ألا وهي غصب السفينة من قبل الملك. فلولا هذا الخرق أو المفسدة لأخذها الملك، وضاع أهلها الذين يقتاتون بما رزقهم الله من دخلها. قال تعالى: )أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا( [الكهف:79].
              وفي هذه القصة دليل على جواز قصد إحداث مفسدة مّا، لدفع أخرى راجحة، ولا يُعد ذلك من باب الخيانة للأمانة أو للأمة.
              فكيف يكون الحال إذا فَرَضَ الواقع نفسه بضغط من الرعية المطالبين ببعض الأمور خلاف الأولى، كقيادة المرأة للسيارات، أو عملها خارج البيت، أو بالضغط من قبلهم، أو من قبل الأعداء لقبول بعض المفاسد المخالفة للشريعة، كالمشاركة في المجالس البرلمانية بطريقة الانتخابات، أو تشكيل الأحزاب، أو الأستعانة بالجيوش غير المسلمة لدفع عدو صائل، أو توقيع معاهدة سلام مع الأعداء والتنازل فيها عن بعض الحقوق، أو بالضغط من قبل الأعداء لتسليمهم بعض الرعايا المسلمين في ظروف خاصة حرجة، لا شك أن عمل مثل هذه الأمور في مثل هذه الأحوال القاهرة أولى بالجواز، لما سيترتب على عدم الاستجابة لهذه الضغوط من مفاسد كبيرة تهدد وجود الدولة الإسلامية.

              فقد روى تاج الدين السبكي في أحداث سنة 616هـ، قصة حصلت بين جنكزخان طاغية التتار والسلطان علاء الدين خوارزمشاه محمد بن تكش، أحد سلاطين المماليك، وكان ملكاً عظيماً، اتسعت ممالكه، وعظمت هيبته، وأذعنت له العباد... والقصة تُحَمّل هذا السلطان نتيجة ما حل بالمسلمين على يد التتار من ألوان الدمار والقتل، بسبب عدم تسليم نفس واحدة من المسلمين لجنكيزخان، وتفصيل القصة بتصرف يسير، كما يلي:

              ((ان جماعة من التجار المسلمين، خرجوا الى بلاد جنكزخان دون إذن السلطان خوازمشاه ومعهم المستظرفات. فقابلهم جنكزخان وأكرمهم غاية الإكرام، ورداً على سؤاله لهم: لأي شيء انقطعتم عنا؟ فقالوا: إن السلطان خوارزمشاه منع التجار من المسافرة إلى بلادك، ولو علم بنا لأهلكنا.
              فأرسل جنكزخان رسله إلى خوارزمشاه لإعادة العلاقات التجارية المتبادلة بين البلدين. وأرسل من جهته تجاراً معهم أموال لا تعد ولا تحصى. فلما انتهوا إلى الأترار عمد نائب خوارزمشاه بها، فكتب إلى خوارزمشاه بأن يقتلهم ويأخذ أموالهم. فأصدر خوارزمشاه مرسوماً بقتلهم وسلب ما كان معهم. فأرسل جنكزخان إلى خوارزمشاه: هذا الذي جرى، أعلمني هل هو عن رضى منك؟ إن لم يكن برضاك فنحن نطلب بدمائهم من نائب الأترار.
              فكان جواب خوارزمشاه: أن هذا كان بعلمي وأمري، وما بيننا إلا السيف. فقام ولده السلطان جلال الدين وكان عاقلاً وأشار على والده أن يتلطف في الجواب ويخلي بين جنكزخان ونائب الأترار، ويسلطه على دم واحدة يحمي به المسلمين من نهر جيحون إلى قريب بلاد الشام، ومساجد لا تحصى عددها، ومدارس، وأمم لا يحصون، وأقاليم. فأبى والده إلا السيف وأمر بقتل الرسل.
              فيالها من فعلة ما كان أقبحها! أجْرَتْ كل قطرة من دمائهم سيلاً من دماء المسلمين))( ).انتهى

              وهذا ما حصل لحركة طالبان من قريب. حيث رفضت ما كان رفضه سبباً في ضياع دولة وسقوطها. وعلى الذين لا يستطيعون تقدير هذه الأمور، ترك خيار التقدير لأولي العلم الفقهاء في الواقع، ثم احترام رأيهم، وعدم التعرض للحومهم، فهم ما قاموا بذلك إلا لحفظ مقاصد الشريعة، وعلى رأسها حفظ الضرورات.

              وفي باب الترجيح بين المفاسد كذلك قوله تعالى: )يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ( [البقرة:217]. فمن باب درء المفسدة الكبرى بالصغرى، أجاز لنا القرآن الكريم القتال في الشهر الحرام مع أنه كبير، لدفع ما هو أكبر.
              وقوله تعالى: )لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ( [المائدة:82].

              ودلالة الآية: ذكر لنا القرآن أسماء أشد الناس عداوة للمؤمنين من بين جميع الأعداء، لأخذ الحيطة والحذر من جهتهم. لذا فرّق الله سبحانه وتعالى بين المقاتلين لنا في الدين من الأعداء من غيرهم، كما في قوله: )لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ*إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ([الممتحنة:8-9].

              يقول ابن تيمية: ((إذ الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، والورع ترجيح خير الخيرين بتفويت أدناهما ودفع شر الشرين وإن حصل أدناهما))( ).

              ويقول: ((ومطلوبها ـ اي الشريعة ـ ترجيح خير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا جميعاً ودفع شر الشرين إذا لم يندفعا جميعاً))( ).
              إذن في حالة تعارض المفاسد، وانطلاقأَ من قوله تعالى: )فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ( [التغابن:16]، فإنه يُصار إلى دفعهما جميعاً، فإذا لم يندفعا جميعاً، دفعنا الأفسد فالأفسد، على النحو التالي:
              - تدفع المفسدة المجمع عليها بالمفسدة المختلف فيها))( ).
              - تدفع المفسدة الكبرى بالصغرى( ).
              - تدفع المفسدة التي يترتب عليها ضرر عام بالتي يترتب عليها ضررٌ خاص( ).


              تعليق


              • #8
                رد : فقه ( الموازنات ) بين اتفاق مكة وصلح الحديبية

                المشاركة الأصلية بواسطة طالب عوض الله
                أأتى هذا بناء على الفقه المُمبتدع " فقه الموازنات : الذي هو في حقيقته " فقه التنازلات " ؟
                نعم

                تعليق


                • #9
                  رد : فقه ( الموازنات ) بين اتفاق مكة وصلح الحديبية

                  فقه الموازنات

                  يُعد فقه الموازنات أو فقه التعارض والترجيح، من العلوم الأساسية الواجب معرفتها على طالب العلم لضبط فقه الواقع، لما له من حاجة ماسة في مختلف شؤون الحياة الإنسانية، لذا تجد أن هذا العلم يمارس من قبل الناس جميعاً في حياتهم المعيشية، للترجيح بين مصلحتين، أو بين مفسدتين، أو الموازنة بين المصالح والمفاسد.
                  وتشتد الضرورة لفقه الموازنات، لتقرير مسائل فقه السياسة الشرعية عند أولي الأمر. فكثيرا مّا تتعارض أمامهم المصلحة والمفسدة، أو المنافع مع بعضها البعض، أوالمفاسد مع بعضها البعض. وعليه جاء هذا العلم، الذي أرسى قواعده علماء الأصول، ليضع أمام المعنيين من الأمراء والقضاة والسياسيين القواعد الضابطة للوصول إلى المصلحة المرجوة عند تعارض الأدلة.

                  أقسام فقه الموازنات:
                  يقسم فقه الموازنات إلى ثلاثة أقسام رئيسية، وقد استنبط العلماء قواعد هذا الفقه من القرآن والسنة:

                  (أ) الموازنة بين المصالح:
                  باختصار شديد أينما يكون الشرع تكون المصلحة وليس العكس

                  وهناك فرق كبير بين القياس وبين تصيد المنافع والباسها لبس حكم الله

                  كفاية يا ناس..... والله حرام


                  [align=justify]إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ {40/ 56}[/align]

                  تعليق

                  جاري التحميل ..
                  X