لتجعل دراستك في سبيل الله

ياسين عز الدين


يتكلم أغلب الناس عن الجانب المادي للدراسة الجامعية، فهذا التخصص سيدرّ عليك مالًا أكثر من ذاك والبعض يشجعك على عدم الدراسة والعمل في الورشات (سياسة التجهيل).

لكن هنالك جانب مهم وهو أن تكون دراستك وشهادتك في سبيل الله؛ لتخدم شعبك وأمتك ودعوتك وقضيتك بما تدرسه وما تقدمه لهم.


قد تعمل بشهادتك وقد لا تعمل لكن الأكيد أنك قادر على خدمة دعوتك وأمتك وما تؤمن به من خلالها وسيأتي زمن تستفيد فيه منها.

الكثير ممن درسوا في مجالات الهندسة والكيمياء أفادوا القسام في تطوير وتصنيع ما لديه، مثل يحيى عياش وعبد الله البرغوثي ومحمد الزواري وجمال الزبدة وآخرون لا نعرفهم.

تستطيع أن تدرس البرمجة ثم تساهم بإنشاء موقع دعوي أو آخر يدعم القضية الفلسطينية أو ... أو .... وليس شرطًا المقابل المادي، فوقتك كإنسان متعلم وصاحب شهادة هو مال وعملك هذا هو مال تنفقه في سبيل الله.

ليس شرطًا أن تصبح عالمًا أو باحثًا كبيرًا يكفي أن تعمل بما تعلمته لتخدم به أمتك، فمثلًا لو أصبحت مهندسًا زراعيًا يكفي أن تعلم المزارعين طرقًا زراعية حديثة تزيد من دخلهم أو تقلل من تعبهم والتكاليف عليهم.


أحد الإخوة سألني حول التخصصات التي أنصح بها، والحقيقة أغلب التخصصات إن لم يكن كلها فيها خير لمن بحث عنه.


لكن سأتكلم عن بعض التخصصات أرى أنها بحاجة لشباب مسلم ملتزم يتفوق ويبدع فيها:

1- العلوم المالية والإدارية: فكيف سيكون لدينا البديل الإسلامي للبنوك الربوية ونحن نفتقد المختصين بها؟ وكيف ندير مؤسساتنا ونحن نفتقد إلى الخبراء؟


2- علم الاقتصاد: كيف سيكون لدينا اقتصادًا إسلاميًا؟ كيف نتحرر من الاستعمار الاقتصادي؟ كيف نبني اقتصادًا مقاومًا؟ كيف نطور اقتصاد شعبنا وأمتنا الإسلامية؟


3- علم الآثار: للأسف أغلب المختصين في علوم الآثار غير مهتمين بالحضارة الإسلامية والعربية، وبعضهم حاقد عليها، والنتيجة أن آثارنا وتاريخنا العربي والإسلامي يندثر أمام عيوننا، فيما غيرنا يبنون حضارات من الوهم واللاشيء مثلما يفعل الصهاينة والأمريكان.


هذا علم مهمل بكل أسف من المسلمين عمومًا وأبناء التيار الإسلامي خصوصًا، والنتيجة أن الآثار التي تسلط عليها الأنظار (في فلسطين مثلًا) هي الرومانية والكنعانية فيما تهمل الآثار الأموية والعباسية والمملوكية والعثمانية التي هي تاريخنا ووعينا وجذورنا الحقيقية.


4- العلوم الاجتماعية: مثل التاريخ وعلم الاجتماع والعلوم السياسة وهي علوم لا تلقى الاهتمام الكافي من أبناء التيار الإسلامي رغم أهميتها في فهم المجتمعات وتاريخها وبالتالي مقدمة لتغيير هذه المجتمعات نحو ما نريده ونتأمله.


5- القانون: كيف سنشرع القوانين في الدولة الإسلامية ونحن نهجر هذا التخصص؟ هل سنأتي بأشخاص مثل قيس سعيد ليخبص ما يشاء ويضحك علينا ويقول "هذا دستور يحقق مقاصد الشريعة"؟


وهنالك نظرة خاطئة بخصوص القانون ومهنة المحاماة أنه تحايل ونصب ودفاع عن المجرمين واللصوص أو حكم بغير ما أنزل الله به، هذه مطبات يقع بها الكثيرون لكن الإنسان الملتزم يستطيع تجنبها لو أراد، بل يستطيع تقديم نموذج ملتزم ومميز.


6- الإعلام: صحيح أن فرص العمل للملتزمين في مجال الإعلام محدودة جدًا بسبب سيطرة الأنظمة على هذا القطاع، لكنك تستطيع أن تقدم لدعوتك وأمتك وشعبك دون أن تكون موظفًا، ويمكنك أيضًا أن تطور نفسك وتكون باحثًا وتقدم نصائح إعلامية ذات قيمة للعاملين في المجال السياسي بدلًا من تركهم يخطئون دون علم ولا هدى.


7- الفنون المختلفة بما فيه الإخراج والتمثيل، فحتى لا تبقى حكرًا على أصحاب الأهواء والرقص والطبل والزمر، نريد أناس ملتزمين يسخرونها لخدمة أمتهم بعيدًا عن الضلال والهوى.


8- العلوم الشرعية: التي يجب أن لا تكون حكرًا على الطلبة أصحاب العلامات المتدنية، ومثلما قلت قد لا تجد وظيفة بها لكن سخر ما تتعلم به من أجل فائدة أمتك.


وأنصح لمن أراد التعمق ودراسة الماجستير في العلوم الشرعية أن يعمل على الربط بينها وبين العلوم الأخرى، مثل التخصص في البنوك الإسلامية وأحكامها، نظرية الحكم في الإسلام، الديموقراطية والإسلام، العملات الرقمية وحكمها الشرعي، نحو اقتصاد إسلامي، استخدام نظريات الإعلام الحديثة في العمل الدعوي وهكذا.


9 - مهنة التدريس: التخصص في مهنة التدريس قد لا يكون جذابًا لشخص قد تخرج بالأمس من الثانوية، إلا أنها مهنة راقية ومناسبة من ناحية مهنية خصوصًا للنساء كون ساعات دوامها محدودة لكن هذه المقالة ليست عن الجوانب المادية للتخصصات.


المدرّس يشكل وعي الأجيال القادمة، فأنت تؤثر على شخصية مئات وآلاف الطلبة الذين تدرسهم، فهذه فرصتك لتساهم ببناء جيل واعٍ وملتزم، صحيح أن مهنة التعليم متعبة لكن لا شيء في هذه الدنيا يتحقق دون تعب!


10- الطب والهندسة والصيدلة وعلم الحاسوب: هذه تخصصات ليست بحاجة لدعاية وعليها إقبال جيد لذا لن أتكلم عنها.


في الختام: لا تستمعوا لمن ينصحكم بالجهل ولا تصدقوا من يقول لكم أنكم لن تستطيعوا أن تكونوا أصحاب شأن في هذه الحياة، بل أنتم ستحملون هموم أمتكم وبدون العلم فستفشلون.


لا تنظروا للتعليم أنه وظيفة وراتب فقط، بل أيضًا طريقة تستطيعون تسخيرها لخدمة أمتكم وشعبكم ودعوتكم ودينكم، وهذا ما لا يتيحه لكم الجهل والعمل في الورشات والمستوطنات.