إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فيزا بالعدس (مقالة قصصية ضاحكة)/ بقلم: خالد الطبللاوي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فيزا بالعدس (مقالة قصصية ضاحكة)/ بقلم: خالد الطبللاوي


    فيزا بالعدس (مقالة قصصية ضاحكة)
    بقلم: خالد الطبلاوي


    تزبأ(1) العم خيري -ولا تسألوا عن معنى تزبأ - وقرر أن يقبض معاشه الهزيل أول يناير الموافق أول الأسبوع الموافق أول السنة (حبكت يعني).

    شمَّع الفتلة ولبس ما على الشماعة - ولا يعني هذا التعبير كثرة ما على الشماعة طبعًا- وانتزع شهادة التطعيم حتى يمكنه دخول البريد دون اعتراض، واطمأن على بطاقته الحزينة التي استخرجها بعد شفائه من كورونا مباشرةً وصورته بها تشبه من خرج من المقابر بإذن ربه لحكمة يعلمها الله.

    أشار للتوكتوك حتى يلحق بالدور، وراح يداعب السائق الظريف، ويعطيه دروسًا في فن الحياة، والنظام، وترتيب الأمور.

    أخذ رقمًا من موظف الأمن وجلس بين المنتظرين على كرتونة على رصيف أحد المحلات، فما لبث إلا قليلًا حتى صاح صاحب المحل:
    -ايه يا جماعة؟ الرحمة حلوة، احنا كمان عاوزين نقبض زيكم لا مؤاخذة، دا محل أكل عيش مش قهوة بلدي!!
    قبض الخجل على ياقته وانتزعه من راحته ليقف وسط وحل الشوارع تلطخ ثيابه السيارات العابرة في يوم ممطر.
    انتظر حتى اقترب دوره، لم يبق أمامه غير اثنين، وفجأة !!!!
    أخرج أحدهما من جيبه الفيزا!!!!
    يا خبر حبر شيني، وراح يقلب جيوبه، ويخلع الجاكت، وينفض ثيابه دون جدوى، حتى لفت كل المنتظرين عما ينتظرونه فراحوا يتندرون:

    - مالك يا أستاذ! إياك تقول اتلطشت، الحمد لله أكيد جيبك قبل القبض أبيض يا ورد ههههههههه.
    - لا وانت الصادق دي نوع من الارتيكاريا اسمها ارتيكاريا القبض.
    - والله شكله نسي الفيزا، لا حول ولا قوة إلا بالله.
    - لا مؤاخذة جاي يعمل بروفة وبعدين يرجع يجيب الفيزا!

    تحمل كل ما قيل فهو يستحقه بجدارة، فألف باء قبض المعاش الفيزا ثم الفيزا ثم الفيزا.

    ما حز في نفسه أن الناس يدخلون ويخرجون ولم يسألهم أحد عن المصل وشهادة التطعيم، وقد كاد أن يضعها في برواز ويعلقها على باب البيت.
    رجع يجر خيبته جرًّا، رفض - معاقبًا نفسه- أن يشير للتكتوك، راحت سياط اللوم تتناوب على نتف ريشه الذي نفشه وهو يعطي سائق التكتوك الشاب دروسًا في النظام.

    دخل بيته على حين غفلة من زوجه وأولاده، حاول إصلاح الأمر دون أن يشعروا لكن هيهات هيهات... فقد انهالت عليه الأسئلة المعتادة التي تعد من طقوس يوم القبض: شحنت كارت الكهربا؟ اشتريت عجينة الطعمية؟ اشتريت خزين الشهر .......... إلخ، فاضطر إلى الاعتراف المر الذي أصاب الجميع بهستيريا الضحك، فنال وصلةً أخرى تضاف إلى وصلة المنتظرين بطابور القبض.

    ما أثار انتباهه ودهشته إصرار زوجته على أن تعطيه نقودًا ليستقل التكتوك عند عودته للبريد، مع كلمات كالبلسم للجراح حول طبيعة السن والنسيان الذي أصبح من سمات الجميع حتى الشباب، والحمد لله أنه بخير وحسه بالدنيا.

    اعترف بالخطأ الجليل، وأقر أمام أسرته أنه لم يعد في كامل قواه العقلية، وأنه يجب أن يُراجع ويُتمم عليه قبل خروجه من البيت كي لا تتكرر الفاجعة.

    خفض من جناحه للجميع وقرر أن يصدر قرار عفو مسبق عن أخطاء جميع أفراد الأسرة لمدة شهر على الأقل حتى نسيان أم الكوارث التي ارتكبها.

    أشار للتكتوك وإذا بحظه السعيد يسوق إليه نفس السائق الذي تعجب من عودته للبريد من جديد فراح يسأله بمكر:
    - خير يا والدي!! راجع البريد ليه؟ هو مفيش غيرك يعلمهم النظام ولا إيه؟
    ابتسم ولم يرد، نزل ببطء اتجه إلى آخر الطابور من جديد، عانى الأمرين حتى وصل إلى الشباك وحصل على معاشه ثم انصرف في صمت.

    عاد إلى البيت يمشي على خجل، استراح قليلًا، طلب طعام الغداء في لطف بالغ، لاحظ همسًا وغمزًا ولمزًا، وحركةً غريبةً في إعداد عدس الغذاء لم يرها من قبل، ما كل هذه البذور التي تخرج من المصفاة؟!!!! العدس الأصفر لا ينتج عنه ما يراه! ولون العدس مختلف عن كل مره.

    ارتاب في الأمر، قرر أن يستجوب ابنته الممسكة بالمصفاة خلسةً في غياب أمها التي تصلي في حجرتها، وبعد عدة محاولات انفجرت ابنته في نوبة ضحك هستيري، ولحقت بها امرأته، إلى حد الوقوع من الضحك على أرض المطبخ.

    ظل في ذهول حتى أجابته أصغر البنات:
    بصراحة يا بابا؛ ماما بدل ما تحط كيس شربة من الفريزر على العدس حطت كيس جوافة كانت مخزناه علشان تعمله عصير!
    ضحك من قلبه ضحكًا لم يضحكه من قبل!
    سجد لله شكرًا، فالآن والآن فقط يستطيع رفع رأسه ونفش ريشه في البيت من جديد.

    -----------
    (1) تزبأ لفظ دارج قديم في بعض القرى يعني غرته نفسه، ولعله يرجع إلى التشبه بالملكة الزباء بنت جذيمة الأبرص.
جاري التحميل ..