عملية التلة الفرنسية
بقلم: ياسين عز الدين
توفي أمس الجمعة صلاح عثمان من مخيم جباليا أحد منفذي عملية التلة الفرنسية في 1/7/1993م، وهي احدى العمليات المميزة والتي تستحق وقفة عند كافة تفاصيلها.
بينما كانت حركة فتح تخوض غمار التفاوض مع الاحتلال والذي أفضى إلى اتفاقية أوسلو في 13/9/1993م، كانت حماس تخطط وتنفذ العمليات المسلحة ضد الاحتلال الصهيوني.
فجاءت عملية التلة الفرنسية ضمن جهود كتائب القسام لتحرير الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني، حيث قضت الخطة اختطاف حافلة مستوطنين قرب مستوطنة التلة الفرنسية في القدس والمساومة من أجل الإفراج عن عدد من الأسرى.
خطط للعملية القائد الشهيد محمد عزيز رشدي من مخيم العروب ونفذها كل من الشهيدين ماهر أبو سرور من مخيم عايدة ومحمد الهندي من مخيم جباليا بالإضافة لصلاح عثمان.
كما نلاحظ فإن منفذي العملية كانوا من الضفة وغزة، وهذا كان طبيعيًا في فترة ما قبل أوسلو حيث كان التنقل بين الضفة وغزة، وكان هنالك عملًا عسكريًا مشتركًا للقسام بين الضفة وغزة.
بعد أوسلو اختلف الأمر حيث أقرت الاتفاقية أن غزة والضفة كيانان منفصلان ويحتاج ابن غزة لتصريح من أجل الوصول للضفة ونفس الشيء لابن الضفة.
قام منفذو العملية باختطاف الحافلة بعد أن تنكروا على هيئة مستوطنين وجنود، وحاول بعض المستوطنين الاستيلاء على سلاح المنفذين، وحصل اشتباك وأطلق جنود من خارج الحافلة النار فأصيب صلاح عثمان برصاصة في رأسه افقدته وعيه.
واصطدمت الحافلة بعامود كهرباء، فقفز ماهر أبو سرور ومحمد الهندي منها واختطفا سيارة فيها مستوطنة وأجبراها على التوجه نحو بيت لحم إلا أن حاجزًا لجيش الاحتلال وضع لاعتراض السيارة أطلق صاروخًا مضادًا للدروع على السيارةفقتلت المستوطنة وارتقى الشهيدان.
قتل في العملية اثنين من المستوطنين وأصيب العشرات.
"وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا، وما تدري نفس بأي أرض تموت"
كانت إصابة صلاح عثمان خطيرة جدًا وكان في حالة موتٍ سريري، ورغم أن الاحتلال يحتجز عادةً الأسرى الجرحى مهما كان وضعهم صعبًا، إلا أن الأطباء الصهاينة كانوا على يقين من أنه لا أمل لصلاح بالعودة للحياة لدرجة أنهم فضلوا إطلاقه بعد فترة (لتوفير نفقات علاجه) وإرساله ليعيش في مستشفيات غزة أيامه الأخيرة.
وحصل ما لم يكن بحسبانهم فاستعاد وعيه بعد فترة، وعادت صحته تدريجيًا مع إصابته بشلل نصفي استمر معه حتى وفاته، وأصيب مرة أخرى خلال العدوان على غزة عام 2008م في قصف لأحد المساجد ونجا، ليموت يوم أمس متأثرًا بفايروس كورونا.
عندما خرجوا للعملية كانوا على شبه يقين باستشهادهم كما هو واضح في تسجيل فيديو للمنفذين قبل العملية بيوم، ذهب صلاح وهو متيقن من أن نسبة نجاته لا تتجاوز 1% إلا أنه نجا واليوم يموت من فايروس نسبة وفياته حوالي 1%.
كان عمره 22 عامًا عندما ظن أنه سيلاقي الموت في العملية، ليعيش بعدها 28 عامًا.
درس مهم
ومما لفت نظري في الفيديو جواب الشهيد محمد الهندي على سؤال: "هل تنصح جميع شباب الحركة بالالتحاق بالعمل العسكري"، فكان جوابه: "لا، فكلكم على ثغرة من ثغور الإسلام فلا يؤتين من قبلك"، وهذا يدل على أهمية جميع جوانب العمل فلا العمل العسكري أهم من الدعوي أو السياسي أو الإعلامي أو الخيري ولا العكس.
هذه نقطة ضرورية يجب الإشارة لها لأن البعض يقلل من شأن كل ما لا يمت للعمل العسكري بصلة بل قد يستهزئ به ويسفه القائمين عليه، هذه منظومة متكاملة والعمل العسكري لا يمكن أن ينجح ويزدهر ويتواصل بدون باقي أجزاء المنظومة.
ولهذا السبب تجد الاحتلال اليوم يلاحق الراية الخضراء في الضفة، فهي ليست مجرد قطعة قماش، بينما يتغاضى عن سلاح الزعرنة والفلتان الأمني فهو لا يشكل أي خطر عليه.
عن ماهر أبو سرور
كان الشهيد ماهر أبو سرور أول من استطاع استدراج ضابط شاباك صهيوني، وقتله في شقة بالقدس كان يفترض أن يتقابلا فيها ليعطيه الضابط التعليمات بعد أن اعتقد أنه أوقع الشهيد في مستنقع العمالة.
حيث نصب الشهيد وأحد رفاقه (لا أذكر اسمه) كمينًا للضابط داخل الشقة، ولم يكن معهما سلاح فاستخدما مطرقة وسكينًا لقتله واستولوا على مسدسه وأوراقًا كانت معه وانسحبا من المكان.
وما زلت حتى اليوم أذكر كيف أعلنت المذيعة في "صوت إسرائيل" عن العملية بصوت يملؤه الغضب والحقد، وكيف وصفته بـ "العميل" بنبرة كلها انتشاء وحقد، وضحكت من صيغة الخبر الساذجة مدركًا أنها محاولة بائسة للانتقام منه بعد أن أذل الشاباك ومرغ كرامته في الأرض، فقد كانت نشرات الأخبار في الإذاعة تحت إشراف ضباط من الشاباك يدققون في كل كلمة تكتب وتقال.
واستمر الاحتلال يطارد الشهيد ماهر أبو سرور إلى أن ارتقى خلال تنفيذه لعملية التلة الفرنسية.
في الختام
رويت لكم جزءًا بسيطًا من عمليات القسام في الانتفاضة الأولى والتي كانت تستنزف العدو الصهيوني إلى أن جاءت أوسلو لتكون طعنةً غادرة، ووقعت على عجل دون استشارة الشعب الفلسطيني ولا المقاومين، على عكس ما تزعمه الدعاية الفتحاوية أن عمليات القسام كانت تهدف لإفشال السلطة.
مسيرة طويلة من العمل المقاوم على كافة الجبهات لم ولن تتوقف حتى تتحرير كامل فلسطين بإذن الله.
تعليق