إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عبد الناصر وحرب اليمن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عبد الناصر وحرب اليمن

    حرب اليمن
    مقدمة:
    أكاد أجزم أن أكثر من تسعين بالمائة من الشعب المصري لا يعرفون عن حرب اليمن شيئا, أو على الأقل كل من التقيت بهم في محاورة سياسية حول عبد الناصر - وكلهم من حاملي الشهادات العليا ومنهم أطباء ومهندسون ومحاسبون - لا يعرفون إلا أن مصر شاركت في حرب كانت دائرة في اليمن, ولكنهم لا يعرفون كنه تلك الحرب وأي عدو كان المصريون يساعدون اليمنيين في محاربته, وبعضهم يظن أن اليمن كانت قد تعرضت لعدوان خارجي, وأن مصر أرسلت جيشها لدفع هذا العدوان, وهذا بالطبع نتيجة حتمية للتعتيم الإعلامي المتعمد على هذه الحرب. وهكذا يعود بنا الحديث عن حرب اليمن إلى حملة التضليل الإعلامي مرة أخرى, لنجد أننا أمام أحد أهم أسباب كارثة يونيو وما أدراك ما كارثة يوينو, إنها الحدث المفصلي في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي, فالواقع العربي بعدها اختلف اختلافا كليا عن الواقع العربي قبلها, فلم تكن كارثة يونيو مجرد هزيمة منيت بها مصر والأمة العربية ولكنها كانت البوابة التي ولج منها العرب إلى عصر الخنوع والتردي والانبطاح, ذلك العصر الذي مازالوا يتمرغون في أوحالة إلى الآن - إلا من رحم ربي - ولا حول ولا قوة إلا بالله.
    قلنا إن عبد اللطيف بغدادي لم يتحدث عن حرب اليمن إلا في معرض حديثه عن اعتمادات مالية مطلوبة للقوات المصرية في اليمن, لكنه لم يتحدث عن أسبابها أو عن نتائجها أو عن تداعياتها على الحالة التي كانت تمر بها البلاد في ذلك الوقت, يقول بغدادي: "اتصل بي عبد الناصر تليفونيًّا قبل ظهر يوم الأربعاء 21 نوفمبر 1962، وتكلم معي عن الاعتمادات الإضافية التي تطلبها القوات المسلحة لمواجهة العمليات الحربية باليمن، ولتعزيز باقي القوات أيضًا وهي استكمال فرقتين مشاة؛ الفرقة السادسة والسابعة. وكانت اللجنة الدائمة المتفرعة من مجلس الدفاع الأعلى قد سبق لها مناقشة هذه الاعتمادات المطلوبة ورأت تخفيضها. وقال جمال إنه أبدى اعتراضه لعبد الحكيم على حجم الاعتماد المطلوب. ولكن رغم اعتراضه فقد تقدم إليه بعد ذلك بمذكرة يطلب منه فيها اعتماد أربعة عشر مليونًا من الجنيهات لمقابلة مصروفات العمليات في اليمن وذلك حتى فبراير 1963، هذا بالإضافة إلى المبالغ الأخرى المطلوبة للتعزيز. كما طلب عبد الحكيم رصد مبلغ سبعة ملايين من الجنيهات لمواجهة مصروفات هذه العمليات أيضًا إن امتدت إلى ما بعد فبراير. وجمال كان يرى أن هذه المبالغ المطلوبة كبيرة ولا يمكن تدبيرها إلا على حساب مشروعات خطة التنمية الاقتصادية. وسيتسبب عنه إيقاف تنفيذ بعض المشروعات، وهذا هو ما يعترض عليه. وأنه كان قد سبق وتكلم مع عبد الحكيم عند بداية العمليات في اليمن عن المبالغ المنتظر إنفاقها على تلك الحملة، وكان قد حددها له بحوالي واحد ونصف مليون من الجنيهات. ولكنه عاد إليه بعد فترة وذكر أنها حوالي ثلاثة ملايين من الجنيهات. ثم عاد ثانية ورفعها إلى خمسة ملايين. وزادها بعد ذلك إلى خمسة عشر مليونًا. ويستطرد جمال ويذكر أنه عاد يطالب برفعها إلى واحد وعشرين مليونًا من الجنيهات. وخرج جمال من هذه المقدمة بأنه قد أعد قرارين ليعرضا على مجلس الرئاسة في الاجتماع الذي كان سيعقد في مساء نفس اليوم الذي جرى فيه هذا الحديث. ويطلب في القرار الأول من المجلس الموافقة على اعتماد إضافي بمبلغ خمسة ملايين من الجنيهات فقط تخصص للطوارئ ولمواجهة العمليات الحربية التي تجري في اليمن. وأما القرار الثاني فيطلب فيه موافقة المجلس على اعتماد إضافي آخر بمبلغ خمسة ملايين من الجنيهات أيضًا بغرض استخدامها في تعزيز القوات المسلحة."
    تعليق:
    هذا كل ما جاء في مذكرات بغدادي عن حرب اليمن, وقد جاء في سياق الحديث عن خلافات عبد الناصر مع عبد الحكيم التي أخذت حيزا كبيرا من مذكراته وهو يتحدث عن تلك الفترة, بل لم ينقطع الحديث عن تلك الخلافات إلا بموت عبد الحكيم عامر في أعقاب هزيمة يونيو, بعد ذلك لم يُذكر شيء في مذكرات بغدادي عن حرب اليمن وذلك في رأيي الشخصي راجع لسببين أولهما أن عبد اللطيف بغدادي في ذلك الوقت كان قد زهد العمل السياسي وقرر الانسحاب من الساحة في هدوء, السبب الثاني أن حرب اليمن كانت تخضع لعملية تعتيم إعلامي متعمد كجزء من حملة التضليل الإعلامي التي استهدفت الشعب المصري في ذلك الوقت. ومع أن ما أتيح لي من وثائق عن حرب اليمن قليل جدا, إلا أن أي حديث عن هذه الحرب يضعنا أمام حقائق تاريخية لا يستطيع أحد أن يتجاهلها فضلا عن أن ينكرها, أولها أن الجيش المصري الذي ذهب ليحارب في اليمن لم يكن هدفه الدفاع عن اليمن ضد عدو خارجي, ولم يكن هدفه مقاومة احتلال ينهب ثروات البلاد ويستذل الشعب اليمني بقوته وجبروته, ولكنه ذهب ليقاتل إلى جانب يمنيين يقاتلون يمنيين آخرين, هذا والله ما حدث!, الحقيقة الثانية أن مصر لم تتأثر بالحرب التي كانت دائرة في اليمن بشكل أو بآخر, لأن اليمن غير مشتركة مع مصر في حدود جغرافية, أو حتى مصالح سياسية أو اقتصادية, ولم يكن في نية مصر السيطرة على اليمن واستغلال ثرواتها أو شيء من هذا القبيل, أي أن اشتراك مصر في حرب اليمن لم يكن بسبب تأثر مصر بالحرب الدائرة في اليمن بشكل أو بآخر, الحقيقة الثالثة أن الطرفين المتحاربين يدينان بالإسلام, أي أن العقيدة لم تكن سببا للحرب, فنحن نتحدث عن حرب لا ناقة لمصر فيها ولا جمل, تشترك فيها مصر دون سبب معقول, وفيها يقتل عشرات الآلاف من الجنود والضباط المصريين, وهذه هي الحقيقة الخامسة والأكثر إيلاما في كل هذه الحقائق. وقد وردت في مقال نشر في المنتدى العربي للدفاع والتسليح بعض تفاصيل هذه الحرب التي دارت رحاها في أوائل الستينيات من القرن المنصرم, وسوف أعرض هنا لما جاء في هذا المقال دون تدخل مني إلا بما لا يخل بالمضمون, فالمقال من وجهة نظري يؤرخ لهذا الحدث التاريخي بحيدة وموضوعية, بعيدا عن المهاترات السياسية.
    فكرة تاريخية:
    حكمت سلالة الزيديين اليمن لمدة تزيد عن 1100 سنة وقد بدأ هذا الحكم عندما ذهب اليمنيون إلى المدينة سنة 284 هـ لمبايعة الهادي يحيى بن الحسين إماماً لليمن بعد أن انتشرت فيه دعوة القرامطة والإسماعيلية وقد تعهد الإمام بتحكيم شرع الله وسنة رسوله صلى الله علسه وسلم والمساواة بين اليمنيين على اختلاف مذاهبهم وأصولهم. ولكن خلفاء الإمام لم يلتزموا بذلك وميزوا أنفسهم عن بقية الشعب على أنهم السلالة الهاشمية الحاكمة, وضمِن الأئمة حكم اليمن بإثارة الخلافات والمشاحنات بين القبائل وكان ذلك من أسباب الانقلابات التي تتابعت على اليمن في منتصف القرن العشرين .وكان من بين هذه الأسباب أيضاً أن اليمن كان معزولاً عن التطور والتحديث فقد قال الدكتور عبد الرحمن البيضاني أنه كان يوجد في اليمن عام 1950 ثلاثة صحف تصل من عدن التي كانت تحت الإدارة البريطانية ولا توجد كهرباء في صنعاء ولا يوجد إلا ثلاثة أجهزة راديو بحوزة الإمام أحمد والبدر ولي العهد والقاضي أحمد الحضراني. وقد وقع أول هذه الإنقلابات عام 1948, وقد قام به عبد الله الوزير وانتهى بفشله, وفي 31 مارس عام 1955, حدث انقلاب قام به المقدم أحمد يحيى الثلايا وقد قام المقدم أحمد بقيادة فرقة من الجنود لمحاصرة الإمام في قصره في مدينة تعز وطالبوا الإمام تسليم نفسه وهو ما حدث, ولكن قادة الانقلاب اختلفوا فيما بينهم على مصير الإمام فبعضهم اقترح قتله والبعض الآخر اقترح أن يستبدل به أخوه الأمير سيف الله عبد الله. وفي أثناء ذلك قام الإمام بفتح خزائن قصره واشترى جنود الثلايا كما قامت سيدات الأسرة المالكة بقص شعورهن ووضعوها في أظرف وأرسلوها إلى القبائل وكتبوا لهم (يا غارة الله بنات النبي), أي أنهن بنات الرسول من الأسرة الهاشمية فهجمت القبائل على تعز وفشل الإنقلاب. وفي صيف عام 1959 سافر الإمام أحمد إلى روما للعلاج من الروماتيزم فاعتقد البدر أنها نهاية أبيه فقام بإنشاء مجلس نيابي برئاسة أحد أبناء الشعب وهو القاضي أحمد الصياغي كما قام بإلقاء خطاب ناري ضد الإمام في احتفال للجيش اليمني الوليد. فثار الهاشميون ضد البدر مما دفعه للاستعانة بالقبائل لإخماد ثورتهم ورغم أن عيون البدر في روما تخبره أن أبوه يحتضر إلا أن الإمام أحمد أفاق من مرضه ورجع إلى اليمن وقام بإلغاء كل ما قام به البدر من إصلاحات كما أمر باسترجاع الأموال والأسلحة التي أعطاها البدر للقبائل التي أيدته في الإصلاحات. وهرب شيوخ القبائل إلى السعودية, ولكن الملك سعود ضمنهم عند الإمام أحمد, ولما رجعوا أعطاهم الإمام لابنه البدر فقام بذبحهم ترضية لأبيه, وكانت هذه الحادثة دليلاً للذين عقدوا الآمال على البدر أنه لا يختلف كثيراً عمن سبقوه.وعنما مات الإمام أحمد في 19 سبتمبر عام 1962 خلفه ابنه الإمام البدر وكان قرار تعيين عبد الله السلال قائداً للحرس الملكي من أول القرارات التي اتخذها الإمام.
    الانقلاب:
    بعد تولي عبد الله السلال قيادة الحرس الملكي تناقش ضباط الجيش فيما بينهم إذا كان هذا هو الوقت المناسب للقيام بالانقلاب أو الانتظار حتى عودة الأمير الحسن من الخارج للقبض عليهما معاً في وقت واحد. ولكن العقيد عبد الله السلال قرر التحرك وأمر بإعلان حالة التأهب القصوى في الكلية الحربية في صنعاء وفتح جميع مستودعات الأسلحة وتوزيعها على كل الضباط الصغار والجنود وفي مساء 25 سبتمبر جمع عبد الله السلال القادة المعروفين في الحركة القومية اليمنية والضباط الذين تعاطفوا معها أو شاركوا في محاولة انقلاب الثلايا عام 1955. وتم تنفيذ الثورة بواسطة 13 دبابة من اللواء بدر و 6 عربات مصفحة ومدفعين متحركين ومدفعين مضادين للطائرات وكانت الكلية الحربية هي مقر القيادة والسيطرة على القوات التي تقوم بالانقلاب. توجهت وحدة من الضباط الثوريين مصحوبة بالدبابات إلى قصر البشائر (قصر الإمام) , وقاموا باستخدام مكبرات الصوت لدعوة الحرس الملكي للتضامن القبلي وتسليم الإمام بدر الذي تقرر إرساله للمنفى بسلام, ولكن الحرس الملكي رفض الاستسلام وفتح النار على وحدة الضباط مما دفع الثوريين إلى الرد بقذائف المدافع والدبابات فقد قرر الثوار استخدام الدبابات والمدفعية منذ البدابة. وقد استمرت معركة القصر حتى استسلم الحرس الملكي في صباح اليوم التالي وكانت الإذاعة قد سقطت منذ البداية بعد مقتل ضابط ملكي واحد وانهيار المقاومة أما مخزن السلاح فكان أسهلها فكان يكفي أمر مكتوب من العقيد السلال لفتح المنشأة ثم تنحية الملكيين منها وتأمين البنادق المدفعية والذخيرة. وقد سقطت الاتصالات التليفونية أيضاً بدون أي مقاومة وفي قصر الوصول فقد ظلت الوحدات الثورية آمنه تحت ستار حماية وتأمين الدبلوماسيين والشخصيات الهامة التي جاءت لتبارك لولي العهد الجديد. وفي صباح 26 سبتمبر تم تأمين كل المناطق في صنعاء وأعلنت الإذاعة أنه قد تمت الإطاحة بالإمام بدر وحلت محله حكومة ثورية جديدة ثم بدأت الوحدات الثورية في مدن تعز وحجة وميناء الحديدة تأمين ترسانات السفن والمطارات ومنشآت الميناء. وكان عهد الإمام أحمد عهد معارضة وثورات وقد تعرض الإمام إلى 12 محاولة اغتيال منها محاولة فاشلة لاغتياله وهو على فراش الموت وما كانت الثورة التي قام بها الضباط عبد الله السلال وعبد الرحمن البيضاني والدكتور محسن العيني إلا تركيز النشاطات الثورية في جهد منظم واحد للإطاحة بحكم الإمام وقد كان قائد المجموعة، السلال متأثراً بقراءاته عن الثورة الفرنسية وكتاب عبد الناصر فلسفة الثورة. لم يشارك البيضاني - وهو مثقف يحمل درجة الدكتوراه - رؤية عبد الناصر على الرغم من أنه كان يريد خلق جمهورية على أرض اليمن ولكن بدون انتهاج الخط الناصري وهو الخط الذي اختاره عبد الله السلال وقد حدثت منافسه بين الإثنين انتهت لصالح السلال. وفي 28 سبتمبر أعلنت الإذاعة موت الإمام بدر على الرغم من إنه كان لا يزال على قيد الحياة وفي هذه الأثناء غادر الإمام العاصمة صنعاء وهرب إلى مدينة حجة في الشمال وكان ينوي أن يفعل ما فعله أجداده من قبل بالاستنجاد بالقبائل في الشمال وفي جبال حضرموت وشن حرب لاستعادة العاصمة. وفي 30 سبتمبر وصل العميد المصري على عبد الخبير على متن الطائرة لتقييم الموقف وتقدير احتياجات مجلس قيادة الثورة اليمني وعلى الفور تقرر إرسال كتيبة قوات خاصة مصرية (صاعقة) وكانت مهمتها العمل على حراسة العقيد عبد الله السلال ووصلت هذه الكتيبة إلى الحديدة في 5 أكتوبر. وكان أنور السادات يعتقد أن لواء مدعوم بالطائرات يمكنه تأمين السلال ومجموعة الضباط الأحرار اليمنيين ولكن تسارعت الأحداث, وقامت السعودية التي كانت تخشى المد الناصري بإرسال قوات إلى الحدود اليمنية وأرسل ملك الأردن رئيس أركان جيشه إلى الأمير حسن لإجراء مباحثات. ومن يوم 2 أكتوبر إلى 8 أكتوبر غادرت أربع طائرات شحن سعودية محملة بالسلاح لإرساله إلى القبائل اليمنية الموالية للإمام ولكن الطيارين اتجهوا إلى مدينة أسوان المصرية, وقد أعلن سفراء ألمانيا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة والأردن دعمهم لنظام الإمام بينما أعلنت مصر، إيطاليا، تشكوسلوفاكيا دعمهم للثورة الجمهورية.
    التورط المصري فى اليمن :
    حاول المفكرون العسكريون المصريون تبرير سبب إرسال القوات المصرية إلى اليمن. وقد ذكر أنتوني نتنغ في كتاباته عن سيرة حياة عبد الناصر عوامل عديدة دفعت الرئيس المصري لإرسال قوات مصرية إلى اليمن. وكتب المؤرخ السياسي والصديق المقرب من عبد الناصر محمد حسنين هيكل في كتاب « لمصر لا لعبد الناصر», أنه قد تناقش مع عبد الناصر في موضوع دعم الانقلاب في اليمن وكانت وجهة نظره أن وضع ثورة السلال لا يمكنها من احتواء العدد الكبير من القوات المصرية التي سترسل إلى اليمن لدعم نظامه. وأنه من الأفضل التفكير في إرسال متطوعين عرب من جميع أنحاء العالم العربي للقتال بجانب القوات الجمهورية اليمنية وقد ضرب هيكل مثال الحرب الأهلية الإسبانية للتطبيق في اليمن ولكن عبد الناصر رفض وجهة نظره وكان مصراً على ضرورة حماية الحركة القومية العربية. وكان عبد الناصر يعتقد أن لواء من القوات الخاصة المصرية مصحوباً بسرب من القاذفات المقاتلة يمكنه أن يحمي الجمهوريين في اليمن وكان عبد الناصر يتطلع إلى تغيير النظام اليمني منذ 1957, وفي يناير 1962 وجد الفرصة سانحة لتحقيق تطلعاته وذلك بدعم حركة الضباط الأحرار اليمنيين بالإيواء والمال وعلى موجات إذاعة صوت العرب. كان عبد الناصر يعتقد أن قدر مصر هو مواجهة الاستعمار. كانت ينظر إلى الحرب في اليمن على أنها وسيلة لكسب النقاط في صراعه مع النظام الملكي السعودي الذي اعتقد عبد الناصر أنه سعى إلى فك الوحدة بين مصر وسوريا.
    وقائع القتال:
    العميد كمال علي حسن قائد القوات المصرية باليمن:
    أدرك عبد الناصر خلال ثلاثة أشهر من إرساله القوات إلى اليمن أن الأمر يتطلب أكثر مما توقع وفي بدايات عام 1963, بدأ مسعاه الذي امتد أربعة أعوام لإخراج القوات المصرية من اليمن لحفظ ماء الوجه ولكنه وجد نفسه مضطراً لإرسال المزيد من القوات. وكان عدد القوات أقل من 5,000 جندي في أكتوبر 1963. وبعد شهرين ارتفع عدد القوات النظامية هناك إلى 15,000 وفي نهاية عام 1963 بلغ عدد القوات 36,000 وفي نهاية عام 1964 بلغ 50,000 جندي مصري في اليمن وبلغ العدد ذروته في نهاية عام 1965 ليبلغ عدد القوات المرابطة هناك 55,000 جندي مصري تم تقسيمهم إلى 13 لواء مشاة ملحقين بفرقة مدفعية وفرقة دبابات والعديد من قوات الصاعقة وألوية المظلات.
    وقد أرسل السفير أحمد أبو زيد - الذي كان سفير مصر إلى المملكة اليمنية من 1957 إلى 1961 - العديد من التقارير الهامة عن اليمن التي لم تصل إلى وزارة الدفاع المصرية ويبدو إنها ظلت مدفونة في أدراج وزارة الخارجية فقد حذر السفير المسئولين في مصر - بمن فيهم المشير عبد الحكيم عامر - أن القبائل اليمنية صعبة المراس ولا تملك أي إحساس بالولاء أو الانتماء للوطن وعارض السفير إرسال القوات المصرية واقترح دعم الضباط الأحرار اليمنيين بالمال والسلاح وحذرهم بأن السعوديين سيغرقون اليمن بالمال لتأليب القبائل ضد الثورة. لم يتفهم عبد الناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة المصريون أن تمركز قوات مصرية في اليمن - على أبواب المملكة العربية السعودية - سينظر إليه على أنه مسألة حياة أوموت لعائلة آل سعود، وكذلك فإنه سيعتبر زيادة التهديد على القوات البريطانية الموجودة في محمية عدن. ولم تُؤخذ هذه العوامل في الاعتبار عندما تم اتخاذ القرار النهائي بإرسال القوات المصرية إلى اليمن. وكان هناك بعد آخر خفي في هذا الصراع ألا وهو رغبة السعودية في أن تصبح القوة المؤثرة في شبه الجزيرة العربية وقد شكلت القوات المصرية تهديداً لهذا النفوذ التقليدي التي كانت تمارسه السعودية على اليمن وعلى دول الخليج الأخرى.
    خرائط القتال :
    كان القادة الميدانيون المصريون يعانون من انعدام الخرائط الطوبوغرافية مما سبب لهم مشكلة حقيقية في الأشهر الأولى من الحرب فلم يستطع القادة وضع الخطط للعمليات العسكرية أو إرسال التقارير الدورية أو الإبلاغ عن الخسائر بدون الإحداثيات الدقيقة للمواقع. وكانت لدى وحدات القتال خرائط تستخدم فقط للملاحة الجوية. وقد أقر مدير المخابرات العامة المصرية صلاح نصر أن المعلومات عن اليمن كانت شحيحة ولأن مصر لم يكن لديها سفارة في اليمن منذ 1961, فقد طلبت معلومات من السفير الأمريكي في اليمن ولكن كل ما أرسله في تقريره كانت معلومات عن الاقتصاد اليمني.
    وكان نقص الخرائط وعدم معرفة المصريين بأرض المعركة يؤدي إلى استمرار بقاء القوات المصرية في مستنقع اليمن وكان من بين القواد الذين تم إرسالهم لتنفيذ العملية 9000 - وهو الاسم الذي أطلقه قادة الجيش المصري على حرب اليمن - لواء مصري واحد من أصل يمني من قبيلة بني سند اسمه طلعت حسن علي وكان هذا اللواء هو الوحيد الذي يمكن أن يكون له معرفة باليمن. ولم يعان السعوديون والملكيون من هذه المشكلة بسبب الارتباط والتزاوج بين القبائل السعودية واليمنية على جانبي الحدود وبالإضافة إلى ذلك فقد قامت السعودية بإرسال آلاف العمال اليمنيين العاملين في المملكة العربية السعودية لمساعدة الإمام بدر. وكانت الزيادة في أعداد القوات المصرية نتيجةً مباشرة للتصعيد السعودي البريطاني, ولم يكن نتيجة الواقع على أرض المعركة أو حاجات عسكرية صرفة, وقد أرسل العراق أيضاً العديد من البعثيين اليمنيين على متن الطائرات لزعزعة استقرار نظام الضباط الأحرار اليمني الموالي للمصريين.
    دور القوات الجوية المصرية منذ عام 1962, إلى نهاية الحرب :
    أدرك قادة الأركان العامة المصرية أهمية الجسر الجوي ولم يدرك المصريون تأثيره جيداً في اليمن حتى أكتوبر 1963, في هذا الوقت كان الزعيم الجزائري أحمد بن بلة متورطاً في حرب الرمال مع المملكة المغربية الموالية للولايات المتحدة على قطعة أرض في الصحراء أعطيت للجزائر بعد طرد الاحتلال الفرنسي. وكان الجزائريون يمتلكون جيش يعتمد تكتيكات حرب العصابات في مواجهة قوات مسلحة تقليدية وطلب بن بلة مساعدة من عبد الناصر في صورة كميات ضخمة من الدبابات والعتاد الذي جاء عن طريق البحر والجسر الجوي وقد جاءت على حسب كلام نتنغ بسرعة وكفاءة عالية من الجيش المصري ومكنت هذه المساعدات الجزائريين من الاحتفاظ بقطعة الأرض المتنازع عليها.
    في يناير 1964 ، قام الملكيون بحصار العاصمة اليمنية صنعاء فقامت ناقلات الأنتونوف المصرية بعمل جسر جوي لنقل أطنان من الطعام والوقود إلى العاصمة المحاصرة وقدر المصريون تكاليف تجهيز القوات المصرية والجمهورية اليمنية بملايين الدولارات وبالإضافة إلى ذلك فقد قامت موسكو بتجديد مطار الروضة الحربي خارج صنعاء. فقد رأى القادة السياسيون السوفييت أنها فرصة لكسب موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية ولذلك قاموا بتدريب المئات من الطيارين الحربيين المصريين للخدمة في حرب اليمن وقامت القوات الجوية والبحرية المصرية بغارات لقصف مدن نجران وجازان السعوديتين اللتين كانتا مأوى للقوات الملكية. وفي المقابل قام السعوديون بشراء نظام ثندربيرد للدفاع الجوي وقاموا بتطوير مطار خميس مشيط الحربي وحاولت الرياض إقناع واشنطن بالرد بالنيابة عنها على المصريين! ولكن الرئيس كنيدي اكتفى بإرسال سرب طائرات مقاتلة وقاذفات إلى قاعدة الظهران الجوية لإظهار جدية أمريكا في الدفاع عن مصالحها في المملكة العربية السعودية
    مراحل القتال:
    قسمت قيادة الأركان العامة المصرية حرب اليمن إلى ثلاثة أهداف عملياتية الأول كان الشق الجوي وبدأ هذا الشق بطائرات تدريب قامت بعمليات تمشيط كما قامت أيضاً بحمل القذائف وانتهى بثلاثة أسراب من القاذفات المقاتلة تمركزت بالقرب من الحدود اليمنية السعودية. وقام المصريون بطلعات جوية على طول ساحل تهامة وفي مدن نجران وجازان السعوديتين وكان هدف هذه الطلعات قصف تشكيلات الملكيين الأرضية وتعويض قلة التشكيلات المصرية على الأرض بالقوة الجوية وبجانب الغارات الجوية المصرية كان الشق العملياتي الثاني هو السيطرة على الطرق الرئيسية المؤدية للعاصمة صنعاء والطرق التي تربطها بالمدن والقرى الرئيسية. وكانت حملة "رمضان" هي أكبر هجوم نُفذ من أجل هذه الشق العملياتي الذي بدأ في مارس 1963 واستمر حتى فبراير 1964, وركز على فتح وتأمين الطرق من صنعاء إلى صعدة في الشمال وطريق صنعاء مأرب في الشرق وكانت نتيجة نجاح المصريين أن الملكيين سيتخذون الهضاب والجبال ملجأ لإعادة التجمع والقيام بالكر والفر. وكان الشق العملياتي الثالث هوإخضاع القبائل وإغراءهم لتأييد الجمهوريين وتطلب ذلك إنفاق أموال كثيرة لإمداد القبائل بالمساعدات ورشوة زعماء القبائل. وبقدوم عام 1967 تمركزت القوات المصرية في مثلث الحديدة تعز صنعاء للدفاع عنه وقامت بعمل طلعات جوية لقصف جنوب المملكة العربية السعودية وشمال اليمن وقد أراد عبد الناصر انسحاباً متزامناً للقوات المصرية والسعودية من اليمن لحفظ ماء الوجه. ولكن هذا الانسحاب جاء عند اندلاع حرب يونيو 1967 فعنترية عبد الناصر التي أدت به إلى طلب سحب قوات الأمم المتحدة من سيناء شجعت إسرائيل على القيام بهجوم جرئ على ثلاثة دول عربية هي مصر وسوريا والأردن. وبعد نكسة 67 بدأ العرب في الاتحاد ضد إسرائيل. وقد أعطى ذلك عبد الناصر الفرصة للخروج من اليمن في قمة الخرطوم ومن 1968 إلى 1971 انسحبت مصر والسعودية ومعهم مئات المرتزقة من اليمن.
    تعقيب:
    تعمدت أن أعرض لكل هذه التفاصيل التي وردت في المقال, والتي ربما لا تكون كافية عن الحرب اليمنية التي تورطت فيها مصر على مدى عدة سنوات, لتكوّن صورة تقريبة لتلك الحرب التي استُنزفت فيها خزانة الدولة وأنهك الجيش المصري الذي كان معدا لتنفيذ تهديدات عبد الناصر لإسرائيل (ومن وراء إسرائيل), وقتل فيها عشرات ألآلاف من المصريين ما بين جندي وضابط, كانوا عدة الوطن في الدفاع عن أراضيه ومقدراته ومقدساته, فماذا جنت مصر من حرب اليمن؟ لا شيء غير الخزي والعار, فهل لنا بعد هذه السنوات أن نسأل: من المسؤول عن اشتراك مصر في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل؟ من المسؤول عن تدمير عتاد الجيش المصري التي تم شراؤه بأموال الشعب؟ من المسؤول عن الأموال التي تم صرفها من خزينة الدولة على القوات المسلحة التي تحارب في اليمن والتي تقدر بعشرات الملايين من الجنيهات حينما كانت قيمة الجنيه المصري أعلى من قيمة الجنيه الذهب, وتعادل أربعة دولارات أمريكية؟ ولو راجعنا ما ورد في مذكرات بغدادي عن الاعتمادات المطلوبة في الأشهر الأولى لاشتراك القوات المسلحة المصرية في الحرب لوقفنا على مدي الخسائر المالية التي تكبدتها خزينة الدولة بسبب حرب اليمن, أخيرا هل لنا أن نسأل: في رقبة من دماء عشرات الآلاف من القتلى المصريين الذين قضوا على جبال اليمن بغير جريرة ارتكبوها إلا أنهم أُمروا فأطاعوا من أمرهم؟ ومن يتحمل ذنب من أصيبوا في هذه الحرب إصابات أقعدت بعضهم وتسببت في عاهات دائمة عند آخرين؟ أعتقد أن الإجابة واضحة لا لبس فيها, فمن كان على رأس السلطة وبيده وحده الأمر والنهي هو من تسبب في كل هذا وهو المسؤول عن كل هذا, ولو راجعنا معا الظروف التي قرر فيها عبد الناصر مشاركة الجيش المصري في حرب اليمن لوجدنا أننا أمام واقع يفرض على عبد الناصر تلك المشاركة فرضا, فقد كانت الوحدة المصرية السورية بمثابة التصديق النهائي على زعامته ليس لمصر وحدها ولكن للأمة العربية كلها, لذلك جاء الانفصال بمثابة نزع هذه الزعامة عنه, بل ألقت في قلبه الرعب أن يحدث في مصر ما حدث في سوريا, يقول عبد اللطيف بغدادي:" ولقد بدأ جمال في ذكر الحل بقوة: (إن البلد كلها إشاعات، من يقول إن عبد الحكيم محدد إقامته، ومن يقول إن البغدادي زعلان، ومن يقول أنني مريض جدًا إلى آخر تلك الإشاعات). وهذا صحيح ولقد سمعتها أيضًا. ثم قال: (إن الرجعيين والحزبيين قد نشطوا جدًا في هذه الأيام، هل تعرف أن فؤاد سراج الدين عندما ذهب للتعزية في وفاة المرحوم حجازي وقف له جميع المعزين هناك عند دخوله عليهم لابد أن يكون هذا قد رتب من قبل مع بعض المقربين إليه، وعلى أن يبدأوا هم بالوقوف فيندفع وراءهم باقي المعزين بالوقوف كذلك). ثم استطرد قائلا: (الصورة التي نحن عليها اليوم هي نفس صورة سنة 1954 أيام أزمة محمد نجيب، والأسلوب الذي اتبع في سوريا من الرجعيين والرأسماليين وترديد الإشاعات هو نفس الأسلوب المتبع حاليًا في مصر. والهدف هو تحقيق ما تحقق في سوريا. وثورتنا ثورة برجوازية وقد جمدت من سنة 1956، وانعزلنا وانغمس كل منا في الروتين، وآن الأوان أن نحولها إلى ثورة جماهيرية. وكما قال لينين لابد من القضاء على الرجعيين والرأسماليين ونزع سلاحهم بمصادرة ممتلكاتهم لأنه حاول في بداية الثورة البلشفية التعاون معهم ولكنه فشل ولم يفلح واضطر إلى القضاء عليهم. وكنت أعتقد أنه مخطئ ولكن قد تبين لي الآن أنه كان على صواب وأنا المخطئ. وليس أمامنا من حل غير القضاء عليهم وذلك باعتقالهم جميعًا ووضعهم في منطقة الوادي الجديد، وتجميد أموالهم وذلك عن طريق تحويل سندات الأراضي والشركات التي أخذت وأممت منهم إلى الدين العام وعدم صرف الفائدة لهم. وعمل مجلس ثورة جديد من خمسين عضوًا لأن الناس في انتظار ثورة فلنقم نحن بها، «الناس عايزة هزة عايزة صدمة حتى تفوق»، والمجلس الجديد سيتكون منا ومن الوزراء ومن أشخاص آخرين ارتبطوا بنا من بداية الثورة، لأنه عندما تعلق لنا المشانق ستعلق لهم أيضًا. ونعطي اختصاص رئيس الجمهورية لمجلس الثورة الجديد، ونعمل مجالس ثورية في كل قرية وفي كل مصنع، ونبدأ نعمل بروح ثورية، ونرفع الناس التي ستعمل معنا إلى مستوانا لنزيد عدد أعضاء مجلس الثورة الجديد بعد سنة إلى مائة عضو ثم إلى مائة وخمسين ثم إلى مائتين عضوًا حتى يصبح في النهاية مجلس الثورة مثل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وكل فرد في هذه الحالة سيسعى للوصول إلى عضوية مجلس الثورة، وسأقوم بإلقاء بيان أوضح للشعب فيه هذه الصورة. ثم قال: طبعًا أنت فوجئت بهذا الحل لأن كل الناس يقترحون إعادة تنظيم الإتحاد القومي ومجلس الأمة وإعطاء حريات، وأنا أعتقد أن هذه ليست بحلول مجدية. وأنت تتذكر سنة 1953, حين شكلنا محكمة الثورة وكانت الإشاعات في ذلك الوقت كما هي الآن وقد قضينا بهذه المحكمة على نشاط الرجعيين والانتهازيين". ,
    تعليق:
    قال عبد الناصر هذا الكلام في معرض حوار طويل دار بينه وبين بغدادي حول الموقف الراهن في البلاد يوم 11 أكتوبر 1961, أي بعد الانفصال بعدة أيام. وقد عرضنا لهذا الموضوع من قبل وإنما أعيده هنا لأبين إلى أي مدى من التخبط كانت الحال التي كان عليها عليها عبد الناصر بعد الانفصال, وفي مذكرات بغدادي عن تلك الفترة المزيد لمن يريد الاطلاع, لذلك كان قرار عبد الناصر بالموافقة على اشتراك مصر عسكريا في حرب اليمن بمثابة القشة التي تعلق بها ليصل إلى شاطئ الزعامة التي فقد جزءا منها في دمشق, وجزءا منها في الجيش حينما اكتشف أن عبد الحكيم عامر أصبح يمثل قوة لا يستهان بها داخل اللقوات المسلحة, أما الجزء المتبقي منها فخشي على ضياعه من تنامي قوة من أسماهم بالرجعيين وأصحاب رؤوس الأموال. وبين هو يفكر في الطريقة التي يحمي بها زعامته الجريحة, استغاث به ثوار اليمن لحماية ثورتهم, ألم أقل إن حملة التضليل الإعلامي التي أحاطت بعبد الناصر تجاوزت حدود مصر إلى الدول العربية, حتى وصلت أصداء تلك الحملة إلى اليمن فجاءه اليمنيون يطلبون منه حماية ثورتهم, أليس هو زعيم الأمة؟ أليس هو عدو الرجعية التي تحاول النيل من الثورة والثوار؟, لم يفكر عبد الناصر طويلا وقرر اشتراك مصر في الحرب الدائرة في اليمن إلى جانب الثوار, لم يفكر عبد الناصر في أن هذه الحرب إذا كانت مشروعة لليمنيين المتقاتلين من منطلق موروثات اجتماعية وقبلية إلا أنها ليست كذلك بالنسبة للمصريين الذين لا يهمهم أن يحكم اليمن زيد أو عمرو, لم يفكر عبد الناصر في أن أرواحا بريئة ستزهق على جبال اليمن, لم يفكر عبد الناصر في أن العتاد الحربي أعد من أجل محاربة العدو المرابط على الحدود الشرقية للبلاد, وليس من أجل محاربة أشقاء يتقاتلون على أمر لا يخص مصر من قريب أو بعيد, لم يفكر عبد الناصر في أن أموالا من أموال الشعب ستنفق على هذه الحرب دون طائل يعود على الشعب من ورائها, وكان الشعب أحوج ما يكون إليها للنهوض بمؤسساته والتخلص من براثن الفقر الذي ما فتئ عبد الناصر يردد أنه العدو الأول للشعب وأنه سيعمل على القضاء عليه, إذا به يفقر الأغنياء ويزيد الفقراء فقرا على فقرهم نتيجة لحروب جر البلاد إليها طيلة سنوات حكمه وكلها دون إعداد ولا ترتيب, لم يفكر عبد الناصر في هذا كله بل لم يفكر إلا في شيء واحد, إنه الزعامة الجريحة, فدفع بالجيش في حرب يبعد ميدانها عن مصر ما يزيد على ثلاثة آلاف كيلومتر ليستعيد ما فقد منها, وبالفعل ما أن وصلت طلائع الجيش إلى ساحة القتال في اليمن حتى بدأت آلة الإعلام في الإشادة بزعيم الأمة العربية مرة أخرى, وبدأت الأكاذيب تتردد في وسائل الإعلام المختلفة, أكاذيب النصر الذي تحققه قواتنا المسلحة في اليمن, ولو سأل سائل عن العدو الذي تحاربه قواتنا المسلحة في اليمن قيل له إنها تحارب قوى الرجعية والإمبريالية العالمية التي تدعم أعداء الثورة في اليمن. ولو سئل أحد الجنود المصريين العائدين من اليمن عن العدو الذي كان يحاربه قال إنه كان يحارب قبائل يمينة لا تؤيد الثورة, أي أنه كان يحارب يمنيين غير مؤيدين للثورة التي قادها نفر من اليمينين, وكان يقاتل سعوديين يؤيدون اليمنيين الذين لا يؤيديون الثورة, واليمنيون والسعوديون الذين يقاتلهم المصريون مسلمون لم يفعلوا شيئا مسيئا لمصر أو للمصريين يستوجب قتالهم, فمن ذا يقر عبد الناصر على ما فعله بمصر وبالمصريين في تلك الحرب؟

    د/محمود السيد الفخراني

  • #2
    رد: عبد الناصر وحرب اليمن

    موضوع شيق يحمل الكثير من المعلومات التاريخية. للاسف كثير من الاعضاء هنا لايحب ان يقرأ المواضيع الطويلة لكن ضروري ان يفعلوا.

    "وكان أنور السادات يعتقد أن لواء مدعوم بالطائرات يمكنه تأمين السلال ومجموعة الضباط الأحرار اليمنيين"
    تقصد جمال عبد الناصر وليس انور السادات، يبدو انه خطأ املائي.

    بوركتم اخي.. ممكن ان اكون ثقلت عليك، اطلب موضوع عن الوحدة بين مصر وسوريا اسببابها حيثياتها ثم فشلها.، ايضا موضوع عن دور عبد الناصر ومايسمى ثورة الضباط الاحرار في المغرب العربي..

    اخيرا ادعو المشرفين الى دمج الموضوعيين كسلسلة حلقات

    تعليق


    • #3
      رد: عبد الناصر وحرب اليمن

      السلام عليكم (شامنا عزنا) : هذا ما جاء في الوثيقة التي قمت بنقلها, ولا غرابة أن يدلي السادات بدلوه في مثل هذه الأمور فكلهم - أقصد مجلس قيادة الثورة - كانوا يوافقون عبد الناصر على ما يقدم عليه ويداهونه ويحاولون إغراقه في أي مستنقع حتى يأمنوا شره وهذا موضوع يطول شرحه وسوف نعرض له في حينه إن شاء الله. د/محمود السد الفخراني

      تعليق

      جاري التحميل ..
      X