برنامج الكاميرا الخفية محاذير شرعية
أولاًّ: من المعلوم أن إضحاك الناس بالنكت أو الطرائف، أو الأفعال أو الحركات؛ من العادات الذميمة التي عدَّها أكثر العلماء من خوارم المروءة، ومن أسباب ردَّ الشهادة، ويلزم تحريمه إذا كان فيه سخرية بأحد، أو كان الكذب طريقاً إلى إضحاكهم، وقد جاء الوعيد الشديد في ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم:" "ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل له ويل له". أخرحه ابن المبارك في الزهد، وأحمد في المسند، وأبو داود، والترمذي، وقال: هذا حديث حسن، وقال الألباني: حديث حسن.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عمَّن يتحدث بين الناس بكلام وحكايات مفتعلة كلها كذب، فقال في مجموع الفتاوي:"أما المتحدث بأحاديث مفتعلة ليضحك الناس أو لغرض آخر فإنه عاص لله ورسوله..وساق الحديث، ثم قال:" قال ابن مسعود إن الكذب لا يصلح في جد ولا هزل، ولا يعد أحدكم صبيه شيئا ثم لا ينجزه. وإن كان فيه عدوان على مسلم وضرر في الدين فهو أشد تحريما من ذلك، وبكل حال ففاعل ذلك مستحق العقوبة الشرعية التي تردعه عن ذلك". ونقل عنه رحمه الله قوله:"وتحرم محاكاة الناس للضحك، ويُعزرُ هو ومن يأمره؛ لأنًّه أذى". ومما يؤسف له قد صار همُّ بعض القنوات الفضائية جذب الناس إلى بعض برامجها، ولو باللجوء إلى الكذب أو السخرية أو الهزل، أو والاستخفاف بعقول المشاهدين لها. ومن ثم قال الحكماء: إيراد المضحكات على سبيل السخف نهاية القباحة.
وثانيا:لا يخلو البرنامج من تخويف الناس وترويعهم وإزعاجهم، وهذا لا يخفى على مَن شاهدها، وقد حذًّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ترويع المسلم وتخويفة، فقد روي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسيرون معه عليه السلام في مسير فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى نبل معه فأخذها، فلما استيقظ الرجل فزع، فضحك القوم، فقال: ما يضحككم فقالوا:لا، إلا أنا أخذنا نبل هذا ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً. رواه أبو داود وأحمد، وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم:"لا يأخذن أحدكم متاع صاحبه جاداً ولا لاعباً، وإذا وجد أحدكم عصا صاحبه فليردها عليه". رواه الترمذي وحسنه، وأبو داود وأحمد، وحسنه الألباني.وقد يقول قائل: بأن القائمين على البرنامج يعتذرون إلى ضحية مقلبهم في نهاية الحلقة بدعوى أنهم مازحون معه، فنقول: وهل يشرع ترويع وإضحاك الناس على المسلم ابتداءً!! وماذا لو لم يقبل الاعتذار؟ أو كانت نتيجة الترويع سباب وتنابذ بالكلمات البذيئة، كما سمعنا في بعض حلقاته.
وثالثاً: ومن المحاذير الشرعية أيضاً أنَّ فيه تبذيراً وإسرافاً ومضيعةً للمال وللوقت دون نفع وفائدة، ومن المعلوم أن إنتاجَ حلقةٍ واحدة منه بما يحتاجه من معدات ونفقاتٍ يكلف كثيرا من المال، في حين لو استعمل ذلك المال في ما هو جد أو جزء منه فقط في مزاح محمود مفيد لكان خيراً للأمة، قال تعالى: (ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطانُ للإنسان خذولا)، وكم فيه من مضيعة للوقت خاصة في شهر قال الله فيه"شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ). وكم من رجل وامرأة تعطلت مصالحهم وأفسدت عليهم الكاميرا الخفية يومهم وليلتهم، ولا يخفى ما للوقت من قيمة في الإسلام وفي حياة المسلم، مع العلم أنًّ كثيرا من الفضائيات أسقطت هذا البرنامج من برامجها، بعد أن تأكد لها بعدم جدواه وما يعقبه من أضرار وسلبيات.
ورابعاً: ومن المحاذير الشرعية ما يحدث فيه من المناكفة والمشاجرة، والمشاحنة، وأحيانا كلمات منافية للأدب، وما يترتي عليه من شجار وضرب، فمثلا تَعرَّض مُقدَِم البرنامج في فضائية الكتاب "مؤمن شويح" للضرب والسب والشتم، وأدخل على إثره مستشفى الشفاء بغزة، وهذا وحده كاف ليكون سبباً في عدِّ هذا البرنامج من البرامج التي لا يجوز شرعا عرضه، إلا بعد تجنب هذه المحاذير الشرعية، لذا فنهيب بفضائياتنا وخاصة فضائية الكتاب أن تضبط برامجها بالضوابط الشرعية، وأن تحترم عقلية المشاهد المسلم، وأن تحافظ على مشاعره وأحاسيسه.
تعليق