إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الإسلام دين العقل والتخطيط

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإسلام دين العقل والتخطيط

    الإسلام دين العقل والتخطيط


    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

    اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا ..وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا..إنك أنت العليم الحكيم.



    {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِين وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}.



    فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ:

    ذلك أن الجليس لا بدَّ أن أن يأخذ من جليسه نفعاً أو ضراً، ولما كان الأمر يتعلق بالمشركين فإن مجالستهم فيها الضرر المؤكد لذلك جاء النهي عن مجالستهم التي ما كانت تخلو من الطعن والهزء، فمن كان قادراً على الرد عليهم بالحجة فليفعل وإلا فقد وجب عليه مفارقتهم، وهذا إن كان دينه أغلى عليه من مجالستهم، فإن بقي مجالساً لهم فهو مثلهم كما نصت الآية، والراضي بالفسق فاسق.

    ولئن كانت الآية خطاباً ينهى الصحابة رضي الله عنهم في زمانهم فهي خطاب ينهى المسلمين إلى يوم الدين عن مجالسة من يطعن بالدين أو بالعلماء أو بأي شعيرة من شعائر الإسلام.

    أخرج ابنُ المنذر عن السُّدّيَ قال: كان المشركون إذا جالسوا المؤمنين وقعوا في رسولِ الله صلى الله عليه وسلم والقرآن، فشتموه واستهزؤوا به، فأمر الله تعالى أنْ لا يقعدوا معهم حتى يخوضُوا في حديثٍ غيره.(1)

    وهذا الحكم تدريجيٌّ في تحريم موالاة المسلمين.

    بدأ بالنهي عن حضور مجالسهم ليميّزَ خبيثَ المنافقين مِن كمال طِيب المؤمنين، ورخّصَ لهم في المجالسة إنْ لم يكن ثَمّة طعنٌ، ثم نسخ الحكم بآيةِ:

    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ}، وجعل جزاء جلوسِهم معهم:{إِنَّكُمْ إِذَاً مِثْلُهُمْ}.

    وأصْلُ الخوض هو الدخول في الماءِ والطين، فجعل كل أحاديثهم خوضاً فهم في حديثهم الأول يخوضون، وانتـقالهم لأحاديث أخرى خوض أيضاً ولذا جعل الكلامَ معهم كالذي يتلوّثُ بالطين، وهو مثالٌ للباطل، فكأنّ الحديث: أنْ يا مؤمن لا تَخُضْ بالأقذار والنجاساتِ التي تلوّثُ روحَك وإيمانَك، وكُنْ حَذِرَاً على قلبك مِن الميل لهؤلاء لئلاّ تـتلوث بنجاسة حديثهم.

    وهذا النهي والتـشديد بسبب مجالستهم، فكيف بموالاتِهم والاعتـزاز بهم؟.

    قال صلى الله عليه وسلم: (إنّ الرجل ليتكلّم بالكلمة لا يريدُ بِها بأساً ليضحِكَ بها القوم؛ وإنه لَيَقَعُ بها أبعدَ مِن السماء)(2).

    قال صلى الله عليه وسلم: (إنّ العبدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكلمة ما يَتَبَيَّنُ فيها؛ يَزِلُّ بِها في النّار أبعدَ مِمّا بين المشرقِ والمغربِ)(3).

    وأُتِيَ عمرُ بنُ عبدِ العزيز بقومٍ أُخِذُوا على شُرْبٍ، فأَمَرَ بِحَدِّهم، فقالوا: فيهم صائمٌ، فقال: ابدَؤُوا به، قال تعالى: {فَلاَ تَـقْعُدُوا مَعَهُمْ}.

    قال صلى الله عليه وسلم: (مـَن كان يؤمنُ بالله واليوم الآخرِ فلا يَجلسْ على مائدةٍ يُدارُ عليها الخمر)(4).



    إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ:

    إنْ قعدتم معهم أو استمعتُم لأقوالِهم وسكتُّم رضاً بقولهم، وأنتم شركاؤهم أيضاً في الإثم والكفر، فإنّه مَن رأى المنكرَ وسكتَ عنه فهو شريكٌ في الإثم، لأنّ الراضي بالكفر كافرٌ، والراضي بالإثم آثمٌ.

    وفيه دليلٌ على أنه يجب على المؤمن اجتـناب أهلِ المعاصي إذا ظهر منهم منكرٌ، وكلُّ مَن جلس مجلسَ معصيةٍ ولم ينكِرْ على أصحابه فهو معهم في الإثم والوزر سواء، فإذا وجب تجنّبُ أهلِ المعصية فَتَجَنُّبُ أهلِ الإلحاد أوجبُ وأشدُّ، فالإنكار بالدليل والحجة أو المفارقة، وفي الحديث: (إذا وُقع في الرجل وأنت في ملأ فكن للرجل ناصرا ًوللقوم زاجراً وقم عنهم).

    وقوله: {إِنَّكُمْ إِذَاً مِثْلُهُمْ} أي في الإثم إنْ لم تَرْضَوا، فإنْ رضيتُم بخوضهم كفرتُم.



    إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِين وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا:

    وسبب جمعهم معاً لأن المنافقين اجتمعوا مع المسلمين بأجسادهم، ولكنهم بقوا مع الكافرين والمشركين على نفس العقيدة، كذلك هم إخوة في عقيدة الكفر والشرك، إنهم كما قال تعالى: {مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء}، بل هم مع المشركين في العقيدة.

    قال سعيدُ بن جُبَيْرٍ: إنّ الله جامع المنافقين مِن أهل المدينة والمشركين مِن أهل مكّةَ في جهنّمَ جميعاً؛ لأنّهم إخوةٌ في الكفر، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}، فالله جمع بينهم في النار، كما اجتمعوا في الدنيا على الكفر.

    ووفّقَ بينهم في عقابه كما اتَّـفَقُوا في الدنيا على عداوة المسلمين، وجَمَعهم في جهنم لأنّهم اجتمعوا في التخذيل عن دين الله الذي ارتضاه وعن الرسول صلى الله عليه وسلم.

    والآيةُ تَحُضُّ المسلمَ على الغيرة على دينه، وأنّ شأنَ نورِ العقيدة في قلبِه أنْ لا يدع أحداً يتهجّم على دينه وإيمانه بنقدٍ أو سخريَةٍ؛ إلاّ أنْ يَنْقَضَّ عليه بِحُجَجِ الإيمان، إنْ كان عالماً، أو يقومَ مِن المجلس إنْ كان لا علمَ عنده، أمّا إذا سكت وجلسَ كان الناقد أو الساخر أَعَزَّ وأغلى على الجالس مِن إيمانه ودينه. أمّا الصادق في إيمانه فإنه لا تأخذُه في الله لومةُ لائمٍ، لذلك يقوم مثبِّتَاً لدينه ليُعْلِمَ الكافرَ والملحِدَ والمنافقَ أنّ الإيمان في نفس المؤمن أَعَزُّ عليه مِن الوجود كلِّه، ذلك أنَّ المسلم الحقّ صاحب عقيدة ملأت يقينه وحياته، وإنها أغلى عليه من الدنيا بما فيها.

    قال صلى الله عليه وسلم: (مَن حضر معصيةً فكرهها فكأنّما غاب عنها، ومَن غاب عنها فرضيَها فكأنه حضرها)(5).

    قال صلى الله عليه وسلم: (لَمُقَامُ أحدِكم في الدنيا يتكلّمُ بِحَقٍّ يردُّ به باطلاً؛ أو ينصرُ به حقّاً؛ أفضلُ مِن هجرةٍ معي)(6).

    قال صلى الله عليه وسلم: (ما مِن قومٍ يُعْمَلُ فيهم بالمعاصي؛ يقدرون على أنْ يغيّروا ولا يغيّروا؛ إلاّ أوشكَ أنْ يعمَّهُمُ اللهُ منه بعقابٍ)(7)، أي أن عقاب الله يعم القوم إذا لم يوجد فيهم من ينكر منكراً أو يبطل باطلاً قد فشا فيهم.

    عن عمروِ بنِ الحارث أنّ رجلاً دعا عبدَ الله بن مسعودٍ إلى وليمةٍ، فلما جاء يدخلُ سمع لهواً فلم يدخلْ، فقال له:لم رجعتَ؟ قال: إني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مَن كثّرَ سوادَ قومٍ فهو منهم، ومَن رضيَ عملَ قومٍ كان شريكَ مَن عَمِلَ به)(8).

    وعن معصبِ بنِ سعدٍ: لا تجالسوا مفتوناً، فإنه لنْ يُخْطِئَكَ منه إحدى خَصْلتين: إمّا أنْ يفتـنَكَ فتـتابعَه أو يؤذيَكَ قبل أنْ تفارقَه(9).



    تعليقٌ بسيطٌ: في الآية دليلٌ على أنّ المتجالسين والمتحابّين يلتقي بعضُهم ببعضٍ؛ أهلُ الإيمان مع أهل الإيمان، والكفرةُ مع الكفرة، وأهلُ النفاقِ مع بعضِهم، والأرواحُ جنودٌ مُجَنّدةٌ. والمرءُ مع مَن أَحَبّ، ومَن أَحَبَّ قوماً حُشِرَ معهم، فمَن كان مِن أهل الصدقِ وجالس الصادقين والمخلِصِين والعلماء والصالحين {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ}، ومَن كان مِن أهل الباطل وجالس أهلَ الباطل وأحبَّهم حُشِرَ مع الخائضين،

    {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ}، ومَن كان مِن المذنبين بين المؤمنين وغيرِهم حُشِرَ يوم القيامة مع المخلِّطِين {خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحَاً وَآخَرَ سَيِّئَاً}، يحشرون يوم القيامة ووجه كل واحد منهم نصفه أبيض ونصفه أسود، فيومُ الـقيامة يوم معرفة أهل العزّةِ والكرامةِ مِن أهل الغِرّةِ والندامة.


    --------------------------------------------------------------------------------

    (1) الدر 5/718.

    (2) رواه أحمد 3/38 والترمذي 7/2316 بنحوه، وحسنه السيوطي في الفيض (2/336) عن أبي سعيد.

    (3) رواه أحمد 2/379، والبخاري 4/6112، ومسلم 16/2988،والترمذي 7/2315، هـ2/2970، عن أبي هريرة.

    (4) النسائي 4/6741 ، أحمد في مسنده 3/339 ، الحاكم 4/288 ، مجمع 1/1515 عن عمر.

    (5) البيهقي 7/266 ، ورمز السيوطي في الفيض (7/266) لضعفه، عن أبي هريرة.

    (6) عزاه في الكنـز (3/5589) إلى الحلية، عن عصمة بن مالك

    (7) أبو داود 4/4338، ه‍ 2/4009، أحمد في مسنده 4/361، ابن حبان 1/300 عن أبي بكر.

    (8) الديلمي في مسند الفردوس 3/5621، الفتح الكبير 3/200، قال الزيلعي في نصب الراية (4/346): رواه أبو يعلى في مسنده، ورواه علي ابن معبد في كتاب الطاعة والمعصية، ورواه ابن المبارك في كتاب الزهد والرقائق موقوفا على أبي ذر،عن ابن مسعود.

    (9) الاعتقاد للبيهقي ص 39.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    الشيخ رجب ديب حفظه الله
جاري التحميل ..
X