المحررة رمضان تحكي فصولاً من معاناة الأسيرات
أكثر ما يحزن الأسيرات عدم الاهتمام بقضيتهن
آثار القيد على يديها لا زالت شاهدة!
أكثر ما يحزن الأسيرات عدم الاهتمام بقضيتهن
آثار القيد على يديها لا زالت شاهدة!
الخليل/ميسون العيدة
"الحمد لله يا زالن الهموم ان شالله
والمية على مجراها والنصر من عندك يا الله "
بهذه الكلمات والكثير من الزغاريد استقبلت عائلة المحررة أفنان إسماعيل رمضان -22 عامًا- ابنتهم قبل ثلاثة أيام، بعد قضائها سبعة شهور في سجون الاحتلال بتهمة انتمائها للكتلة الإسلامية، وأفنان طالبة هندسة حاسوب في السنة الرابعة تدرس في جامعة بوليتكنك فلسطين بالخليل.والمية على مجراها والنصر من عندك يا الله "
وتروي المحررة لـنا قصة يوم اعتقالها، تقول: "كنت منهمكة في إعداد مشروع لإحدى المواد وكانت الساعة قد تعّدت الواحدة ليلاً، سمعنا أصوات الجيبات العسكرية ونظرت من النافذة فإذا البيت محاصر، وأصوات صراخ وتكسير للأبواب، وطرق بأعقاب البنادق، طالبونا بالنزول وطلبوا منا هوياتنا، طلبوني شخصيًا للحديث مع الضابط لوحدي، حينها عرفت أن الاعتقال لي، ولأن إحدى صديقاتي من الجامعة كانت قد اعتقلت قبل أيام وهي المحررة إسلام البشيتي".
تكمل: "كانت من أصعب الدقائق، فأنا مقبلة على مجهول، لكن الله ألهمني بكلمة واحدة على لساني: أسأل الله الثبات، لا أنسى صراخ أمي: ماذا فعلت ابنتي؟ خذوني معها!
سمحوا لي بالسلام عليها ومنعوا أبي وأخي من رؤيتي حيث احتجزوهما في إحدى الغرف، صعدت إلى الجيب العسكري، عصبوا عيني وربطوا يدي ببعضهما".
تكمل: "مرّت الساعات طويلة في هذه الليلة، وصلنا مركز عصيون كما عرفت لاحقًا حوالي الساعة الرابعة فجرًا، بعدها أجلسوني على شيء يشبه الرصيف قرابة الساعة، لا أرى شيئًا ولا أسمع سوى أصوات قليلة فشعرت أني قرب مستوطنة أو معسكر للجيش، كنت بحاجة للماء، طلبت ذلك لكن لم يرد عليّ أحد، احتجت لاستخدام دورة المياه فماطلوا كثيرًا، وسمحوا لي بالذهاب مقيدة بعد أكثر من ساعتين، تم نقلي بعدها إلى معتقل عوفرللتحقيق الذي كان استفزازيًا بدرجة كبيرة، بعدها نقلوني إلى سجن الشارون".
غرف وماء وطعام غير صالحة للبشر!
وتتحدث المحررة أفنان عن أوضاع غرف السجن المزرية، حيث الغرف غير الصحية، فلا تهوية رغم ارتفاع درجة حرارة المنطقة والرطوبة العالية وما ينتج عنه من عفونة، ناهيك عن الإضاءة الرديئة شبه المعدومة، إلى أعشاش الصراصيرالكثيرة والحشرات الأخرى، ناهيك عن الماء الذي لا يصلح للشرب، والطعام السيء للغاية والذي نفضل أن نبقى صيامًا على أن نتذوقه.
وتشدد المحررة على أن وضع الأسيرات بشكل خاص سيء جدًا، فهن معرضات للإهمال على جميع الأصعدة، ومحرومات من التواصل مع العالم الخارجي فلا اتصالات، وأكثرهن لا زيارات لهن، ولا يرون إلا المحامين كل أسبوعين لللواتي لا زلن غير محكومات.
ولا يفصل الأسيرات عن الجنائيات الإسرائيليات سوى فاصل بسيط، ومرّت ليالٍ كثيرة ونحن نستمع لصراخ وطرق المدمنات منهن كما تقول أفنان، فهن مصدر إزعاج دائم.
وزيارة الكنتينا غير مسموحة إلا لاثنتين من الأسيرات مرتين في الشهر، إضافة إلا أن إدخال الكتب ممنوع والأشغال اليدوية أيضًا ممنوعة، وتم السماح بها بعد إضراب الأسرى لكنها لم تدخل إلا في الشهر الفائت، فلكم أن تتخيلوا هذه الحياة الفاقدة لكل المقومات التي تقضيها الأسيرات، يسليهن بعض القنوات التلفزيونية التي يختارها السجان وعددها أقل من أصابع اليد الواحدة كما تقول المحررة .
إهمال طبي متعمد
وتحدثت المحررة عن أيام صعبة ومواقف كثيرة مرّت عليهن، وذكرت كمثال أيّام صعبة مرّت بها الأسيرة لينا الجربوني تصرخ من الألم، حيث كانت تعاني من التهاب شديد في المرارة، وتعمدت الإدارة إهمالها وعدم الرد على صرخاتها، ومرّت عليها ليلتان من أصعب ما يكون تصرخ بصوت عالٍ نسمع صراخها من الغرف المجاورة، ولا مجيب، وبعد استمرارنا في الصراخ وطرق الأبواب ومناداة السجانات،أخرجوها للعيادة مكبلة اليدين والقدمين بقيد متصل وسحبوها منه، وهي لا تقوى على الوقوف، وظلت في المشفى لثلاثة أيّام، وقاموا بإعطائها المسكنات، وحددوا لها عملية لاستئصال المرارة موعدها قبل ثلاثة شهور وللآن لم يقوموا بها، وكل فترة يتجدد الألم، ولا حل سوى المسّكنات.
وكانت المحررة أفنان قد نزلت إلى المحكمة ست مرات خلال الأربعة شهور الأولى من اعتقالها، حتى تم النطق بالحكم، وتذكر أن يوم المحكمة من أصعب الأيام التي تمر على الأسير، حيث يخرج في الساعة الثالثة والنصف قبل الفجر ويعود في حوالي الساعة العاشرة مساءً، حيث يضطر أن يركب البوسطة التي تمثل قطعة من العذاب، حيث الجلوس لساعات طويلة فيما يشبه قفصًا حديديًا لا منتفس فيه ولا مكان للحركة، مقيدًا بشكل كامل، ولقاء الأهل يوم المحكمة يكون صعبًا جدًا حيث يتعمدون إبعاد الأهل عن مكان وجود ابنهم أو ابنتهم، فتحكي الدموع رغما عنّا، وما أسرعها من لحظات تنتهي بسرعة.
يتمنين الاهتمام بقضيتهن
وتتمنى المحررة أفنان رمضان أن يكون هناك اهتمامًا إعلاميًا بالأسرى بشكل عام والأسيرات بالذات ، تقول: "فكم كنا نحزن عندما نستمع لبعض الإذاعات، ولا نسمع شيئًا بخصوصنا، أو نسمع خبرًا عابرًا عن تعداد الأيام لإضراب بعض الأسرى"، وتتمنى أيضًا أن تسمح الزيارات لأهالي الأسيرات اللواتي معظم أهاليهن ممنوعون من رؤيتهن.
معاناة الأهل
المربية بشرى الزعتري والدة المحررة أفنان رمضان حدّثتنا عن أصعب لحظات مرّت عليها؛ فقالت: "كانت لحظة اعتقالها صعبة جدًا، ولم أتوقعها يومًا، صرخت فيهم: أين تأخذون ابنتي؟ فلم أسمع صدى صوتي، اختطفوها من حضني، أفنان ابنتي الكبيرة وهي ركن من البيت، إنها صديقتي وأختي وحبيبتي، لكم أن تتخيلوا هذه الشهور التي مرّت عليّ بدونها، ولم يثبتني فيها بفضل الله إلا الإيمان، وأقول لهذه الدولة التي تتشدق بالحرية والديمقراطية وهي عنوان للوحشية: أن آثار القيد على يد ابنتي شاهدة على إجرامكم، وكأنكم تعمدتم إوثاقه في يومها الأخير".
وتتمنى والدة أفنان زوال الاحتلال قريبًا، وتشدد على أن : "المقاومة هي السبيل الوحيد لدحره؛ فالإصرار على العلم أيضًا مقاومة والتمسك بالدين والثوابت والصبر على الأذى من المقاومة، والله وعدنا بالنصر مهما طال الظلام، ولا أستطيع وصف فرحتي الآن وهي بجانبي، وأدعو بالفرج القريب لكل الأسرى والأسيرات".
تعليق