أيهما أطول عمرا سوريا أم إيران
ضرغام الزبداني
شبكة فجر نيوز -
اعتبر البعض أن تصريح الملك الشاب عبد الله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية في بداية عهده عن خطر الهلال الشيعي على المنطقة، هو تصريح يفتقد للحنكة السياسية، لكن أثبتت الأحداث بعد عشر سنوات من إطلاق هذا التحذير العلني أنه عين الصواب، فبراغماتية إيران كانت هي المستفيد الأهم من كافة حروب المنطقة في العشرين سنة الماضية .
وتحالفت مرحليا مع الشيطان الأكبر أمريكا في كل من أفغانستان والعراق، وحققت بذلك مكاسب كبيرة لمشروعها الشرق أوسطي، وكانت القضية الفلسطينية هي رافعة الحصول على التأييد الشعبي في المنطقة ذات الأغلبية السنية الجارفة، فمررت من خلالها مشروعها الإيديولوجي تحت شعار المقاومة ومحور الممانعة، وانطلت هذه السياسة على كثير من الحركات المعارضة والأحزاب الإسلامية التي تتمتع بنفس القدر من الميكافيلية الإيرانية، فامتد الهلال الشيعي من اليمن إلى المنطقة الشرقية في الجزيرة العربية، وصولا إلى الخاصرة في العراق، إلى أهم دولة في هذا التحالف سوريا النصيرية وانتهى بلبنان .
وقد أنفقت إيران من جيب المواطن الإيراني، ومن عائدات النفط ومقدرات الأمة الإيرانية المليارات في دعم الأنظمة والحركات المؤيدة لها كحزب الله وحماس والحوثيين في سبيل مشروعها الكبير.
وعندما حان وقت جني ثمار هذه السياسة داهمت الأحداث المتسارعة المشروع برمته، وأعادت ترتيب الأوراق بالمنطقة، وتغيرات الحسابات القديمة، فالولايات المتحدة الأمريكية التي غضت الطرف عن المشروع الإيراني في المنطقة لالتقاء المصالح بينهما وهي تخوض حربها الكونية على الإرهاب، استدركت في السنوات الأخيرة وبضغط من دولة الكيان الصهيوني من أجل وقف خطر امتلاك إيران للسلاح النووي وتأثير ذلك على شريان النفط المغذي للاقتصاد الأمريكي، وقلبت الثورات العربية الطاولة رأسا على عقب، حيث فقدت القضية الفلسطينية بريقها كرافعة تستخدمها إيران للحشد الشعبوي، وانصرفت الشعوب إلى ثوراتها الداخلية وما تبع ذلك من تغيرات على حياة الناس اليومية، وبروز أولويات وطنية على حساب القضايا المركزية في المنطقة .
وفي العراق أدى فشل المشروع السياسي السني المدعوم خليجيا وأمريكيا إلى مخاوف كبيرة من عودة النفوذ إلى الحركات السنية التي اتخذت القتال سبيلا وحيدا للتمكين للطائفة السنية، حيث شهدت الساحة العراقية عودة الحاضنة الشعبية السنية للعمل المسلح على حساب العمل السياسي وشكل ذلك تحديا حقيقيا لحكومة إيران في بغداد حكومة المالكي، وتعتبر التغييرات التي أحدثتها الثورة السورية هي المعول الأهم في هدم المشروع الإيراني في المنطقة، فسوريا كانت تعتبر ركن مهم وقديم وبوابة اختراق المشروع الإيراني للمنطقة السنية، وتحول الثورة السورية السلمية إلى ثورة مسلحة ذات طابع ديني وطائفي، تسير بشكل حتمي نحو إسقاط النظام ، أو في أحسن الأحوال - بالنسبة لإيران- تحول النظام السوري إلى دولة علوية معزولة ومحصورة في الشريط الساحلي.
أدت هذه التغيرات الأربعة إلى إرباك المشروع الشيعي برمته، وأحدثت تغيرات داخلية خطيرة، فقد فقدت العملة الإيرانية 60% من قيمتها مقابل الدولار منذ نهاية العام الماضي، بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها الدول الغربية، وبسبب الإنفاق الضخم على السياسة الخارجية، وبوادر انهيار النظام السوري الحليف الذي أنفقت عليه إيران ما يقارب من عشرة مليار دولار، أدى إلى تبخر أموال دافع الضرائب الإيراني في تحالفات خارجية فاشلة ، مع تضخم كبير في سعر صرف الريال الإيراني، وارتفاع هائل في أسعار المواد الأساسية، مع وجود حركة معارضة قوية تنتظر الفرصة للثورة على نظام ولاية الفقيه، ووجود ما يقارب من عشرة ملايين إيراني سني ناقم يعاني منذ عقود من الظلم والقهر، مما يؤشر على قرب الربيع الإيراني، والحالة الجديدة هذه، جعلت إمكانية أن يأمر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بقصف مواقع نووية إيرانية أمرا مستبعدا، لأن المصاعب التي يعاني منها نظام ولاية الفقيه أصبحت كبيرة قد تصل إلى حد إفلاس الدولة كما قال نتنياهو لمجلس وزرائه مؤخرا.
إن انهيار النظام السوري مسألة وقت فقط، وسيؤدي هذا الانهيار إلى تداعيات خطيرة على المنطقة، يكون تأثيرها كأحجار الدمينو على المشروع الإيراني، ابتداء من لبنان التي ستنتهي كدولة وتدخل في حالة من التوحش المرعب، في حرب طائفية طاحنة، سيكون للطائفة السنية -لأول مرة منذ عقود- دورا محوريا فيها، بعد انحسار الدور السني الأمريكي الذي يمثله سعد الحريري وحزب المستقبل لصالح الدور السني المسلح، والذي رأس حربته المسلحون في طرابلس، وبروز الحركات الفلسطينية السلفية المسلحة على حساب الحركات الوطنية في المخيمات الفلسطينية في لبنان، مما يشكل تحديا حقيقيا لنفوذ حزب الله، وفي العراق لخص باقر صولاغ وزير الداخلية الأسبق تداعيات سقوط النظام السوري على العراق بتصريحاته الأخيرة لقناة العراقية حيث قال " إذا انتصرت جبهة النصرة(أبرز الفصائل السنية المقاتلة في سوريا) في سوريا فإن القاعدة ستكون في وسط بغداد".
لقد ارتبط التحالف الإيراني السوري ارتباطا عضويا في العقود الماضية، مما جعل الحدث في أي بلد يؤثر على الثاني بشكل مباشر، فهل ستنجو إيران من تداعيات الثورة السورية؟ وهل ستصمد سوريا طويلا إذا بدأ الربيع الإيراني؟ أم يمكن لحرب أمريكية خاطفة إعادة المشروع الإيراني إلى المربع الأول؟ أم أن إيران تملك خيار جر المنطقة إلى حرب مع إسرائيل، توحد فيها جبهتها الداخلية، وتنقذ النظام السوري الذي سيظهر كطرف مقاوم ضد إسرائيل والإمبريالية العالمية، وتعيد بذلك الرافعة للمشروع الشيعي في المنطقة؟ أم أنها بذلك تدخل مغامرة غير محسوبة في ظل تربص غربي وحصار اقتصادي خانق، وبوجود حركات جهادية سنية فاعلة ومتحفزة في كافة مناطق النفوذ الإيراني وفي حديقتها الخلفية؟ أم أن إيران ستسارع بتصنيع القنبلة النووية لتوحد الداخل الإيراني وتدخل إلى النادي النووي، وهل ستسمح الولايات المتحدة الأمريكية بوصول الصراع إلى هذا المستوى من تجاوز الخطوط الحمراء؟ أم ستنفذ مبدأ كارتر على الفور؟ والأشهر القليلة القادمة كافية للإجابة عن هذه التساؤلات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضرغام الزبداني
وكالة الفجر الإخبارية
تشرين الأول 2012
ضرغام الزبداني
شبكة فجر نيوز -
اعتبر البعض أن تصريح الملك الشاب عبد الله الثاني ملك المملكة الأردنية الهاشمية في بداية عهده عن خطر الهلال الشيعي على المنطقة، هو تصريح يفتقد للحنكة السياسية، لكن أثبتت الأحداث بعد عشر سنوات من إطلاق هذا التحذير العلني أنه عين الصواب، فبراغماتية إيران كانت هي المستفيد الأهم من كافة حروب المنطقة في العشرين سنة الماضية .
وتحالفت مرحليا مع الشيطان الأكبر أمريكا في كل من أفغانستان والعراق، وحققت بذلك مكاسب كبيرة لمشروعها الشرق أوسطي، وكانت القضية الفلسطينية هي رافعة الحصول على التأييد الشعبي في المنطقة ذات الأغلبية السنية الجارفة، فمررت من خلالها مشروعها الإيديولوجي تحت شعار المقاومة ومحور الممانعة، وانطلت هذه السياسة على كثير من الحركات المعارضة والأحزاب الإسلامية التي تتمتع بنفس القدر من الميكافيلية الإيرانية، فامتد الهلال الشيعي من اليمن إلى المنطقة الشرقية في الجزيرة العربية، وصولا إلى الخاصرة في العراق، إلى أهم دولة في هذا التحالف سوريا النصيرية وانتهى بلبنان .
وقد أنفقت إيران من جيب المواطن الإيراني، ومن عائدات النفط ومقدرات الأمة الإيرانية المليارات في دعم الأنظمة والحركات المؤيدة لها كحزب الله وحماس والحوثيين في سبيل مشروعها الكبير.
وعندما حان وقت جني ثمار هذه السياسة داهمت الأحداث المتسارعة المشروع برمته، وأعادت ترتيب الأوراق بالمنطقة، وتغيرات الحسابات القديمة، فالولايات المتحدة الأمريكية التي غضت الطرف عن المشروع الإيراني في المنطقة لالتقاء المصالح بينهما وهي تخوض حربها الكونية على الإرهاب، استدركت في السنوات الأخيرة وبضغط من دولة الكيان الصهيوني من أجل وقف خطر امتلاك إيران للسلاح النووي وتأثير ذلك على شريان النفط المغذي للاقتصاد الأمريكي، وقلبت الثورات العربية الطاولة رأسا على عقب، حيث فقدت القضية الفلسطينية بريقها كرافعة تستخدمها إيران للحشد الشعبوي، وانصرفت الشعوب إلى ثوراتها الداخلية وما تبع ذلك من تغيرات على حياة الناس اليومية، وبروز أولويات وطنية على حساب القضايا المركزية في المنطقة .
وفي العراق أدى فشل المشروع السياسي السني المدعوم خليجيا وأمريكيا إلى مخاوف كبيرة من عودة النفوذ إلى الحركات السنية التي اتخذت القتال سبيلا وحيدا للتمكين للطائفة السنية، حيث شهدت الساحة العراقية عودة الحاضنة الشعبية السنية للعمل المسلح على حساب العمل السياسي وشكل ذلك تحديا حقيقيا لحكومة إيران في بغداد حكومة المالكي، وتعتبر التغييرات التي أحدثتها الثورة السورية هي المعول الأهم في هدم المشروع الإيراني في المنطقة، فسوريا كانت تعتبر ركن مهم وقديم وبوابة اختراق المشروع الإيراني للمنطقة السنية، وتحول الثورة السورية السلمية إلى ثورة مسلحة ذات طابع ديني وطائفي، تسير بشكل حتمي نحو إسقاط النظام ، أو في أحسن الأحوال - بالنسبة لإيران- تحول النظام السوري إلى دولة علوية معزولة ومحصورة في الشريط الساحلي.
أدت هذه التغيرات الأربعة إلى إرباك المشروع الشيعي برمته، وأحدثت تغيرات داخلية خطيرة، فقد فقدت العملة الإيرانية 60% من قيمتها مقابل الدولار منذ نهاية العام الماضي، بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها الدول الغربية، وبسبب الإنفاق الضخم على السياسة الخارجية، وبوادر انهيار النظام السوري الحليف الذي أنفقت عليه إيران ما يقارب من عشرة مليار دولار، أدى إلى تبخر أموال دافع الضرائب الإيراني في تحالفات خارجية فاشلة ، مع تضخم كبير في سعر صرف الريال الإيراني، وارتفاع هائل في أسعار المواد الأساسية، مع وجود حركة معارضة قوية تنتظر الفرصة للثورة على نظام ولاية الفقيه، ووجود ما يقارب من عشرة ملايين إيراني سني ناقم يعاني منذ عقود من الظلم والقهر، مما يؤشر على قرب الربيع الإيراني، والحالة الجديدة هذه، جعلت إمكانية أن يأمر رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بقصف مواقع نووية إيرانية أمرا مستبعدا، لأن المصاعب التي يعاني منها نظام ولاية الفقيه أصبحت كبيرة قد تصل إلى حد إفلاس الدولة كما قال نتنياهو لمجلس وزرائه مؤخرا.
إن انهيار النظام السوري مسألة وقت فقط، وسيؤدي هذا الانهيار إلى تداعيات خطيرة على المنطقة، يكون تأثيرها كأحجار الدمينو على المشروع الإيراني، ابتداء من لبنان التي ستنتهي كدولة وتدخل في حالة من التوحش المرعب، في حرب طائفية طاحنة، سيكون للطائفة السنية -لأول مرة منذ عقود- دورا محوريا فيها، بعد انحسار الدور السني الأمريكي الذي يمثله سعد الحريري وحزب المستقبل لصالح الدور السني المسلح، والذي رأس حربته المسلحون في طرابلس، وبروز الحركات الفلسطينية السلفية المسلحة على حساب الحركات الوطنية في المخيمات الفلسطينية في لبنان، مما يشكل تحديا حقيقيا لنفوذ حزب الله، وفي العراق لخص باقر صولاغ وزير الداخلية الأسبق تداعيات سقوط النظام السوري على العراق بتصريحاته الأخيرة لقناة العراقية حيث قال " إذا انتصرت جبهة النصرة(أبرز الفصائل السنية المقاتلة في سوريا) في سوريا فإن القاعدة ستكون في وسط بغداد".
لقد ارتبط التحالف الإيراني السوري ارتباطا عضويا في العقود الماضية، مما جعل الحدث في أي بلد يؤثر على الثاني بشكل مباشر، فهل ستنجو إيران من تداعيات الثورة السورية؟ وهل ستصمد سوريا طويلا إذا بدأ الربيع الإيراني؟ أم يمكن لحرب أمريكية خاطفة إعادة المشروع الإيراني إلى المربع الأول؟ أم أن إيران تملك خيار جر المنطقة إلى حرب مع إسرائيل، توحد فيها جبهتها الداخلية، وتنقذ النظام السوري الذي سيظهر كطرف مقاوم ضد إسرائيل والإمبريالية العالمية، وتعيد بذلك الرافعة للمشروع الشيعي في المنطقة؟ أم أنها بذلك تدخل مغامرة غير محسوبة في ظل تربص غربي وحصار اقتصادي خانق، وبوجود حركات جهادية سنية فاعلة ومتحفزة في كافة مناطق النفوذ الإيراني وفي حديقتها الخلفية؟ أم أن إيران ستسارع بتصنيع القنبلة النووية لتوحد الداخل الإيراني وتدخل إلى النادي النووي، وهل ستسمح الولايات المتحدة الأمريكية بوصول الصراع إلى هذا المستوى من تجاوز الخطوط الحمراء؟ أم ستنفذ مبدأ كارتر على الفور؟ والأشهر القليلة القادمة كافية للإجابة عن هذه التساؤلات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
ضرغام الزبداني
وكالة الفجر الإخبارية
تشرين الأول 2012
تعليق