واجب الأمة الشرعي تجاه: الأسرى، والمعتقلين الفلسطينيين
اتفق الفقهاء على أن تخليص الأسرى من أيدي المحتل الغاصب الكيان الصهيوني واجب على المسلمين جميعهم وبعبارة أخرى: هو فرض كفاية ذكر ابن بطال: "فكاك الأسير واجب على الكفاية".فإن تم عن طريق الأسير نفسه؛ سقط الإثم عن جميع المسلمين، وكذلك إن حصل الفكاك عن طريق فصائل المقاومة أو السلطة الوطنية الفلسطينية أو بعض المسلمين؛ سقط الإثم عن باقي المسلمين، وإن لم يحصل؛ بقي المسلمون جميعهم مطالبون بهذا الواجب: الديني والوطني والأخلاقي ويؤيد ذلك، ما يلي:
-
1- قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) الأنفال: 72 – 73.
فالآية بينت: إذا استدعي المؤمنون لنصر إخوانهم المسلمين على الكفار؛ يجب على المسلمين نصرهم ويدخل في ذلك المستضعفون من أبناء الشعب الفلسطيني المجاهد الذين وقعوا في أيدي أعداء المسلمين من الكيان الصهيوني.قال القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ : " يريد إن دعوا هؤلاء [أؤلئك] المؤمنون الذين لم يهاجروا من أرض الحرب عونكم بنفير أو مال؛ لاستنقاذهم، فأعينوهم؛ فذلك فرض عليكم، فلا تخذلوهم"
2- قال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً﴾ (سورة النساء: 75)،
قال ابن حجر الهيثمي -رحمه الله تعالى-: " ولو أسروا مسلماً فالأصح وجوب النهوض إليهم على كل قادر" .
3- قوله- صلى الله عليه وسلم -: " فكوا العاني ـ يعني: الأسير ـ وأطعموا الجائع، وعودوا المريض ". فهو صريح في وجوب تخليص الأسرى من أيدي أعدائهم؛ لأن الأمر للوجوب، وعليه فإنه يجب تخليص الأسرى من أبناء الشعب الفلسطيني من الأسر،
قال ابن بطال: "فكاك الأسير واجب على الكفاية ، وبه قال الجمهور" .
4- ما ثبت في الصحيح عن أبي جحيفة قال: " قلت لعليّ رضي الله عنه : "هل عندكم شيئاً من الوحي إلا ما في كتاب الله"؟ قال: "لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن، وما في هذه الصحيفة". "قلت: "وما في الصحيفة؟ " قال: العقل وفكاك الأسير وألا يقتل مسلم بكافر" .
دل الحديث بصريح القول على وجوب السعي والعمل الجاد لفك الأسرى وتخليصهم مما هم فيه من: الشدة والكرب والعنت.
5- ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ المرأة المشركة من سلمة بن الأكوع التي وقع عليها السبي، ثم فادى بها ناساً من المسلمين كانوا أسروا بمكة وهذا الوجوب لا يقتصر على الأسرى المسلمين، وإنما يعم المسلمين وغيرهم، فإذا وقع أهل الذمة أو المستأمنون في أيدي أعداء المسلمين؛ وجب على المسلمين استنقاذهم، بموجب عقدي الذمة والإمامة اللذين يقضيان بتوفير الحماية لهم، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : "إنما بذلوا الجزية؛ لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا".
فإذا كان هذا في حق أهل الذمة والمستأمنين، فما بالك في أبناء الشعب الفلسطيني المسلم المجاهد المرابط الذي دافع عن كرامة وعزة وشرف الأمة؟، علاوة على دينها وهو يحارب أعداء الأمة الإسلامية كلها جمعاء، وقد دل على وجوب فكاك الأسرى إضافة إلى ما ذكرنا من الآيات والأحاديث الإجماع والمعقول.
أما الإجماع :
تتابعت أقوال الأئمة والفقهاء على وجوب فكاك الأسير، والعمل على تخليصه من الأسر، فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "لئن أستنقذ رجلاً من المسلمين من أيدي الكفار، أحب إلى من جزيرة العرب" .
وقد جرى حكم الفقهاء على وجوب فك الأسير واستنفاذه من أيدي أسريه، حتى قالوا: لو سبيت امرأة بالمشرق؛ فقد وجب على أهل المغرب استنفاذها من الأسر؛ وهذا الوجوب تتفق عليه المذاهب الفقهية جميعاً، ولا يوجد من يخالف هذا الحكم؛ لأنه أمر طبيعي بين المسلمين جميعاً، حتى لقد عدّ الفقهاء حرمة الأسير المسلم كحرمة الدار، ".
ذكر الإمام النووي: أنه إذا أسر الأعداء مسلماً أو مسلمين: فالراجح أن المسألة كدخول العدو ديار الإسلام؛ لأن حرمة المسلم أعظم من حرمة الدار" ؛ لذا يجب العمل على استخلاص الأسير أو الأسيرين، ومن الأمثلة على ذلك ما حصل من المنصور بن أبي عامر، أحد أعظم الملوك المسلمين في (الأندلس)، فقد خرج للجهاد ضد الفرنج، وحاربهم في عدة معارك، وانتصر عليهم ، مما اضطر (الفرنج) إلى طلب الصلح منه، وقد طلب (المنصور) منهم أن يزوجوه ابنة ملكهم، وأن يعطوه أموالاً طائلة، وتحفاً كثيرة، ففعلوا، وكانت البنت في غاية الجمال، ولما شيعها قومها طلبوا منها أن تحسن الوساطة لقومها عنده، وكانت فتاة حكيمة، فقالت لهم: "إن الجاه لا يطلب بأفخاذ النساء، وإنما يطلب برماح الرجال". ولما أنهى المنصور حربه، ثم عاد إلى عاصمته، تلقته امرأة مسلمة، وقالت له: "أنت والناس تفرحون، وأنا باكية حزينة". قال: ولماذا؟ قالت: "ولدي أسير عند الفرنج؛ فلم يذهب المنصور إلى مقره، وإنما سير الجيوش فوراً، ثم أمرهم أن يقاتلوا الفرنج حتى يخلصوا ابنها من الأسر ، فجاءوا به حراً طليقاً".
أما المعقول :
فإن حق المسلم على المسلم عظيم، وإن فك الأسير المسلم والعمل له، والسعي من أجله، وبذل كل مجهود لذلك هو صورة من صور الولاية بين المسلمين، قال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (سورة التوبة: 71)، وكذلك هي صورة من صور عزة المسلمين، وعدم رضاهم بالذل والهوان، الله تعالى: ﴿ فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ (سورة محمد: 35).
وفي وجوب فك الأسير أيضاً ردع لكل من تسول له نفسه الاعتداء على حرمات المسلمين، ليعلموا أن كل مسلم إنما هو بمثابة أمة، وأن حرمته كحرمتها، وفي ذلك رد لغيظ المعتدين الذين يتربصون بهذه الأمة المسلمة، التي اختارها الله لتكون خير الأمم.
تعليق