إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الناس في هذا الموضع أربع فرق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الناس في هذا الموضع أربع فرق



    الناس في هذا الموضع أربع فرق


    *


    الناس في هذا الموضع أربع فرق
    «الفرقة الأولى ‏:‏ » من استبان له سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين على التفصيل علما وعملا ، وهؤلاء أعلم الخلق‏.‏
    «الفرقة الثانية ‏:‏ » من عميت عنه السبيلان من أشباه الأنعام، وهؤلاء بسبيل المجرمين أحضر ولها أسلك ‏.‏
    «الفرقة الثالثة ‏:‏ » من صرف عنايته إلى معرفة سبيل المؤمنين دون ضدها فهو يعرف ضدها من حيث الجملة والمخالفة، وأن كل ما خالف سبيل المؤمنين فهو باطل وإن لم يتصوره على التفصيل ، بل إذا سمع شيئا مما خالف سبيل المؤمنين صرف سمعه عنه ولم يشغل نفسه بفهمه ومعرفة وجه بطلانه، وهو بمنزلة من سلمت نفسه من إرادة الشهوات فلم تخطر بقلبه ولم تدعه إليها نفسه، بخلاف الفرقة الأولى، فإنهم يعرفونها وتميل إليها نفوسهم ويجاهدونها على تركها الله‏.‏
    وقد كتبوا إلى عمر بن الخطاب يسألونه عن هذه المسألة أيهما أفضل‏:‏ رجل لم تخطر له الشهوات ولم تمر بباله، أو رجل نازعته إليها نفسه فتركها لله‏؟‏ فكتب عمر‏:‏ إن الذي تشتهي نفسه المعاصي ويتركها لله عز وجل من الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم‏.‏

    وهكذا من عرف البدع والشرك والباطل وطرقه فأبغضها لله وحذرها وحذر منها ودفعها عن نفسه ولم يدعها تخدش وجه إيمانه ولا تورثه شبهة ولا شكا، بل يزداد بمعرفتها بصيرة في الحق ومحبة له، وكراهة لها و نفرة عنها، أفضل ممن لا تخطر بباله ولا تمر بقلبه‏.‏ فإنه كلما مرت بقلبه وتصورت له ازداد محبة للحق ومعرفة بقدره وسرورا به، فيقوى إيمانه به‏.‏ كما أن صاحب خواطر الشهوات والمعاصي كلما مرت به فرغب عنها إلى ضدها ازداد محبة لضدها ورغبة فيه وطلبا له وحرصا عليه، فما ابتلى الله سبحانه عبده المؤمن بمحبة الشهوات والمعاصي وميل نفسه إليها إلا ليسوقه بها إلى محبة ما هو أفضل منها وخير له وأنفع وأدوم ، وليجاهد نفسه على تركها له سبحانه فتورثه تلك المجاهدة الوصول إلى المحبوب الأعلى ‏.‏

    فكلما نازعته نفسه إلى تلك الشهوات واشتدت إرادته لها وشوقه إليها، صرف ذلك الشوق والإرادة والمحبة إلى النوع العالي الدائم، فكان طلبه له أشد وحرصه عليه أتم، بخلاف النفس الباردة الخالية من ذلك، فإنها وإن كانت طالبة للأعلى لكن بين الطلبين فرق عظيم‏.‏ ألا ترى أن من مشى إلى محبوبه على الجمر والشوك أعظم ممن مشى إليه راكبا على النجائب‏‏ فليس من آثر محبوبه مع منازعة نفسه كمن آثره مع عدم منازعتها إلى غيره ، فهو سبحانه يبتلي عبده بالشهوات، إما حجابا له عنه، أو حاجبا له يوصله إلى رضاه وقربه وكرامته‏.‏

    «الفرقة الرابعة‏:» ‏ فرقة عرفت سبيل الشر والبدع والكفر مفصلة، وسبيل المؤمنين مجملة ، وهذا حال كثير ممن اعتنى بمقالات الأمم ومقالات أهل البدع، فعرفها على التفصيل ولم يعرف ما جاء به الرسول كذلك، بل عرفه معرفة مجملة وإن تفصلت له في بعض الأشياء ومن تأمل كتبهم رأى ذلك عيانا‏.‏ وكذلك من كان عارفا بطرق الشر والظلم والفساد على التفصيل سالكا لها، إذا تاب ورجع عنها إلى سبيل الأبرار يكون علمه بها مجملا غير عارف بها على التفصيل معرفة من أفنى عمره في تصرفها وسلوكها‏.‏

    والمقصود أن الله سبحانه يحب أن تعرف سبيل أعدائه لتجتنب وتبغض ، كما يحب أن تعرف سبيل أوليائه لتحب وتسلك‏.‏ وفي هذه المعرفة من الفوائد والأسرار ما لا يعلمه إلا الله من معرفة عموم ربوبيته سبحانه، وحكمته وكمال أسمائه وصفاته وتعلقها بمتعلقاتها واقتفائها لآثارها وموجباتها‏.‏ وذلك من أعظم الدلالة على ربوبيته وملكه وإلهيته وحبه وبغضه وثوابه وعقابه، والله أعلم‏.‏
    أرباب الحوائج على باب الملك يسألون قضاء حوائجهم، وأولياؤه المحبون له الذين هو همهم ومرادهم جلساؤه وخواصه، فإذا أراد قضاء حاجة واحد من أولئك أذن لبعض جلسائه وخاصته أن يشفع فيه رحمة له وكرامة للشافع، وسائر الناس مطرودون عن الباب مضروبون بسياط البعد‏.‏


    الفوائد_الإمام شمس الدين أبي عبد الله بن قيم الجوزية


    *


  • #2
    رد : الناس في هذا الموضع أربع فرق

    جزاك الله كل خير أخي الفاضل على الموضوع القيم

    رحم الله الإمام ابن القيم وأسكنه فسيح جناته

    تعليق


    • #3
      رد : الناس في هذا الموضع أربع فرق

      المشاركة الأصلية بواسطة oummati2025 مشاهدة المشاركة
      جزاك الله كل خير أخي الفاضل على الموضوع القيم

      رحم الله الإمام ابن القيم وأسكنه فسيح جناته
      -حياك الله وبارك فيك وجزاك الخير كله ..

      تعليق


      • #4
        رد : الناس في هذا الموضع أربع فرق

        بارك الله فيك أخي على الفائدة .

        تعليق


        • #5
          رد : الناس في هذا الموضع أربع فرق

          المشاركة الأصلية بواسطة قسامية رفح مشاهدة المشاركة
          بارك الله فيك أخي على الفائدة .
          -وفيكِ بارك الله .. شكرا لكِ

          تعليق

          جاري التحميل ..
          X