بسم الله الرحمن الرحيم
لعل الدارس لتاريخ الفكر الإسلامي يلاحظ أن ظهور علم أصول الفقه، وعلم أصول الحديث، وعلم الكلام وعلم النحو والصرف.... كل ذلك كان قبل ظهور علوم الطب والصيدلة والكيمياء والبصريات وغيرها من العلوم.
ولذلك فلقد ظهر العلماء والفقهاء واللغويون أمثال مالك والشافعي والفراهيدي قبل ظهور الرازي وابن سينا وجابر بن حيان وغيرهم.. الأمر الذي يجعلنا نقسم تاريخ الفكر البشري إلى مرحلتين أساسيتين: الأولى ما قبل الإسلام والثانية ما بعد الإسلام والتي تميزت بظهور العلوم المختلفة وأصحابها الذين استمدوا منهج تفكيرهم من منهج القران الكريم، ولعل هذا واقعا مقنعا ً من الأمور التي تجعلنا نقول بأننا نتعلم التفكير ومنهجيته من القران الكريم.
إن القران الكريم كتاب مُعجز من الله تعالى على يد رسوله الأمين ، وبكل تأكيد لن يكون إعجازه في الكم الهائل فيه من المعلومات (بالرغم من وجود جانب من إعجازه بذكره لقصص الأقوام السابقة) ، فعدد 300 صفحة لا يكفي عادة لإعطاء كم هائل من المعلومات، فبالمقارنة مع الموسوعات مثلا (فقط للتوضيح إنما طبعا لا مقارنة بينهما) نجد أنها تحتوي كم ضخم للغاية من المعلومات ولهذا تحتوي عدد كبير من الصفحات عادة ما يزيد عن الألف صفحة... إلا أن القرآن الكريم لا يمتلك عدد ضخم من الصفحات مقارنة بغيره ليحتوى كم كبير من المعلومات وبالتالي فان إعجازه لا يتمثل بمعلوماته وإنما يتجلّى هذا الإعجاز في السر الذي يكمن في طريقة التفكير الإبداعي التي يكتسبها كل من يتدبر القرآن الكريم حق تدبره.
ولعلنا نلاحظ أننا في قرائتنا للقرآن الكريم لا نسير على فكرة تتسلسل من البداية وحتى النهاية وفق ترتيب يتبع ترتيب الصفحات كما في كل الكتب الأخرى والتي تهدف إلى إعطاء القارئ المعلومات بطريقة متسلسلة، فهناك تسلسل معين يتبعه القرآن الكريم إلا أنه غير مباشر يدفع القارئ المتدبر إلى التفكر والتدبر لاكتشاف هذا التسلسل، ولهذا نجد غير العرب يشعرون عند قراءة ترجمة الآيات بعدم ترابطها في كثير من مواقعه، ولا ننسى أن إعجاز القرآن الكريم بلغته وبيانه وإيجازه في الدرجة الأولى، فمن أراد فهمه لابد وأن يتدبره بدقة تكون فيها نيته أن يفهم الآية لا أن يقرأ أو يحفظ الآية ثم يمضي، ففهمي للآية الثانية من سورة البقرة مثلاً لا يأتي بدون فهم الآية الأولى منها وبربط آيات السورة كاملة نأتي على فهم كامل للسورة، وبعد أن أفهم السورة التالية ( آل عمران) لابد من ربطها بسورة البقرة، وهكذا إلى أن تفهم سور القرآن كاملة ومن ثم نربطها معا لنخرج بفهم كامل جزئيا للقرآن الكريم (وأقول جزئي لأن من سمات إعجاز القرآن الكريم مرونته واستيعابه لأكثر من فهم ، لذا لو فهمته بطريقة معينة في وقت ما وعدت ثانية للتفكر بما وصلت إليه لخرجت بنتائج مختلفة عن الأولى قد تزيد أو تنقص أو حتى تتغير بالكامل).
وبهذه الطريقة الفذّة في التفكير التباعدي التقاربي يصبح متدبر القرآن إنسان صاحب منهج فكري واسع يتسع لكل جوانب ومناحي الحياة، تماماً كما كان سلفنا الصالح.. وما تخلفنا وتراجعنا عن الأمم الأخرى إلا نتيجة لسبب بعدنا عن تدبر القرآن وفهمه فهما صحيحاً.
أتمنى لو أن مرامي من موضوعي كان واضحاً ، ولو أننا نتخذ قراراً بيننا وبين أنفسنا
ألا نمر على الآية عند قراءتها مروراً عاديّاً حتى ولو كانت واضحة ظاهريا بمعانيها لنا
~ أقمار الدياجي ~
تعليق