بيان محمد البرادعي أمام مجلس الأمن الدولي (نص)
نيويورك - خدمة قدس برس
يلي نص البيان الذي أدلى به محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمام مجلس الأمن الدولي في جلسته التي عقدتها يوم الاثنين السابع والعشرين من كانون ثاني (يناير) 2003:
(بداية النص)
في الأيام الستين الماضية، انخرط مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عملية التحقق من وجود، أو عدم وجود، برنامج للأسلحة النووية في العراق. واليوم، وعملا بالفقرة الخامسة من القرار 1441 (2002)، قَدَّمتُ لرئيس مجلس الأمن تقريرا مستكملا عن التقدم الذي أحرزناه منذ استأنفنا الأنشطة المتعلقة بالتحقق من وجود أسلحة نووية في العرق – من حيث النهج الذي اعتمدناه، والأدوات التي استخدمناها، والنتائج المحددة التي توصلنا إليها، ومستوى التعاون الذي تلقيناه، وأخيرا، بشأن رأينا في الطريقة التي نواصل بها العمل. ويمكن الحصول على النسخ المتوفرة من التقرير في هذه القاعة. واسمحوا لي أن أحدد في هذا البيان الخطوط العريضة للجوانب الرئيسية لهذا التقرير.
ولفهم النهج الذي اتبعته الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عمليات التفتيش على مدى الشهرين الماضيين، من المهم أولا أن نذكر بما تم إنجازه أثناء عمليات التفتيش التي أجريناها بين عامي 1991 و 1998 تنفيذا للولاية التي أناطها بنا مجلس الأمن لإزالة برنامج العراق للأسلحة النووية. في أيلول (سبتمبر) 1991، استولت الوكالة في العراق على وثائق كانت تدلل على نطاق برنامجه للأسلحة النووية.
وبحلول نهاية عام 1992، قمنا، إلى حد بعيد، بتدمير أو إزالة أو تعطيل كل المنشآت والمعدات العراقية ذات الصلة بإنتاج الأسلحة النووية. كما صادرنا ما لدى العراق من مواد يمكن استخدامها في صنع الأسلحة النووية – اليورانيوم عالي الإثراء والبلوتونيوم – ومع مطلع عام 1994 أزلنا هذه المواد من البلد. وبحلول كانون الأول (ديسمبر) 1998، حينما توقفت عمليات التفتيش تحسبا لضربة عسكرية وشيكة، كنا على ثقة بأننا لم نغفل عن أي مكونات يعتد بها في برنامج العراق النووي.
ومع أننا لا ندعي اليقين المطلق، فقد استنتجنا آنذاك أننا نجحنا في تحييد برنامج العراق للأسلحة النووية، وأنه لم تكن هناك مؤشرات على أن العراق يحتفظ بأية قدرة مادية على إنتاج مواد يمكن استخدامها في صنع الأسلحة النووية.
وخلال فترة السنوات الأربع التي لم نكن فيها متواجدين في العراق، واصلنا عملنا التحليلي بقدر ما تسمح به قدرتنا، عن طريق استخدام التصوير بالسواتل وغير ذلك من المعلومات. ولكن التحليل عن بعد لا يمكن أن يحل محل التفتيش الموقعي، وبالتالي لم نكن قادرين على التوصل إلى أي استنتاجات عن امتثال العراق لالتزاماته تجاه مجلس الأمن في المجال النووي، بعد كانون الأول (ديسمبر) 1998.
وإزاء هذه الخلفية، وعندما وافق العراق في أيلول (سبتمبر) الماضي، على إعادة فتح أبوابه أمام التفتيش، وفي أعقاب اتخاذ مجلس الأمن لاحقا للقرار 1441 (2002) الذي عزز سلطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وعملية التفتيش، كان الاستطلاع هو هدفنا الأول من عمليات التفتيش التي نقوم بها. وفي هذه المرحلة، سعينا على وجه السرعة إلى إعادة إنشاء قاعدة معلوماتنا عن قدرات العراق النووية، والتأكد من أن المنشآت الرئيسية لم تفتح مرة أخرى، والتحقق من موقع المواد النووية والمواد غير النووية ذات الصلة، وتحديد هوية مسؤولين عراقيين رئيسيين، والشروع في إجراء مقابلات معهم.
وعلى امتداد هذين الشهرين الأولين من عملية التفتيش، أحرزنا تقدما لا بأس به بالنسبة لمعرفتنا بقدرات العراق النووية، من خلال عمليات التفتيش التي بلغت في مجموعها حتى هذا التاريخ 139 عملية تمت في حوالي 106 مواقع. والجزء الأعظم من هذه العمليات أجري في منشآت تديرها الدولة أو منشآت صناعية خاصة، وفي مراكز للأبحاث وجامعات – إما في المواقع التي كان من المعروف أن العراق يحتفظ فيها بقدرات تقنية كبيرة في الماضي، أو في مواقع جديدة أوحت بها عملية الرصد عن بعد والتحليل. وجميع أنشطة التفتيش تمت بدون إخطار العراق مسبقا، باستثناء الحالات التي كان فيها الإخطار مطلوبا لضمان توفر الدعم اللازم.
وقد استغل مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية استغلالا تاما سلطة التفتيش المخولة لهم بموجب القرار 1441 (2002)، وسيواصلون السير على هذا المنوال. وفي هذا الصدد، صدرت تعليمات للمفتشين ببذل كل جهد ممكن لمباشرة أنشطتهم مع التحلي بالدرجة الواجبة من التمرس المهني والحساسية.
ومع مواصلتنا، إلى حد ما، هذا العمل الاستطلاعي، تكون عمليات التفتيش التي نضطلع بها قد قطعت الآن شوطا بعيدا في مرحلة التحقيق – مع تركيزنا بصورة خاصة على تحديد ما إذا كان قد حدث في العراق، أو لم يحدث، في غضون السنوات الأربع الماضية، أي شيء له صلة بإعادة بناء قدرات العراق النووية. وعمليات التفتيش التحقيقية هذه، تركز على مجالات الانشغال التي حددتها دول أخرى، والمنشآت التي تم تحديدها عن طريق صور السواتل، بأنها عُدلت أو أنشئت منذ عام 1998؛ وعلى أدلة التفتيش الأخرى التي توصلت إليها الوكالة بشكل مستقل.
وبالتوازي مع أنشطة التفتيش المذكورة، أجرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحليلا مستفيضا للمعلومات الداعمة التي تم الحصول عليها من شتى المصادر.
وفي هذا الصدد، دمجنا المعلومات الجديدة التي قدمها العراق، بما في ذلك الإعلان المقدم في 7 كانون الأول (ديسمبر) استجابة للقرار 1441 (2002)، مع السجلات التي جمعناها بين عامي 1991 و 1998 والمعلومات الإضافية التي جمعناها من خلال الرصد عن بعد منذ عام 1998. وكان الإعلان العراقي متسقا مع فهمنا الحالي لبرنامج العراق النووي قبل عام 1991؛ ولكنه لم يقدم أية معلومات جديدة تتعلق بمسائل معينة كانت معلقة قبل عام 1991 وتتصل بتصميم أسلحة وصنع طارد مركزي. ورغم أن هذه المسائل لا تمثل قضايا غير محسومة في نزع السلاح إلا أنها تحتاج إلى توضيح إضافي.
وفضلا عن التفتيش في المواقع والتحليل بعيدا عنها، استخدم المفتشون مجموعة من الأدوات لإنجاز مهمتهم. وإذ استفدنا من بصمة المواد المشعة، استأنفنا رصد أنهار وقنوات وبحيرات العراق للكشف عن وجود نظائر مشعة معينة. وتم جمع مجموعة كبيرة من العينات البيئية وعينات تربة من كل أرجاء العراق وأخذها إلى مختبرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتحليلها، وأعدنا إجراء عمليات المسح الروتيني بأشعة كاما المحمولة على السيارات أو بالأيدي لرصد مواد نووية غير معلنة.
وأجرى المفتشون أيضا عددا كبيرا من المقابلات مع علماء ومديرين وفنيين عراقيين - بصفة رئيسية في مواقع عملهم في سياق عمليات تفتيش مفاجئة - بوصفها مصدرا قيّما للمعلومات عن البرامج والأنشطة السابقة والحالية. وكانت المعلومات التي حصلنا عليها مفيدة في تقييم اكتمال ودقة الإعلان العراقي.
من الواضح أن القرار 1441 (2002) فوض الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولجنة الأمم المتحدة للرصد والتحقق والتفتيش تحديد منهجيات ومواقع إجراء المقابلات مع المسؤولين العراقيين وأشخاص آخرين. ورفض أول شخصين طلبت الوكالة الدولية اللقاء بهما على انفراد طلب المقابلة بدون حضور ممثل للحكومة العراقية. وكان ذلك عاملا مقيدا. ورغم أن الحكومة العراقية التزمت مؤخرا بتشجيع المسؤولين والموظفين الآخرين العراقيين على إجراء المقابلات الانفرادية عند طلبها، للأسف فإن الطلب الثالث، الذي قُدم قبل يومين بشأن، إجراء مقابلة على انفراد مع شخص فإن ذلك الشخص رفض تلبية ذلك الطلب.
وستستمر الوكالة الدولية في تحديد طرائق وأماكن المقابلات، بما في ذلك احتمال مقابلة موظفين عراقيين في الخارج. وسنواصل إبلاغ مجلس الأمن عن جهودنا لإجراء مقابلات وفقا للطرائق والأماكن التي نفضلها ومدى النجاح الذي نحققه في هذا الصدد.
أود أن أوجز لكم عددا من النتائج المنبثقة حتى الآن من أنشطتنا للتفتيش.
أولا، فتشنا كل المباني والمنشآت التي تم تحديدها، من خلال الصور الملتقطة بالساتل، كما تم تعديلها وتركيبها خلال السنوات الأربع الماضية. وتمكن مفتشو الوكالة الدولية من الوصول بسهولة إليها وتوضيح طبيعة الأنشطة الجارية حاليا في هذه المنشآت. ولم نرصد أية أنشطة نووية محظورة خلال عمليات التفتيش هذه.
وكانت المسألة التي ركزنا عليها بصفة خاصة محاولة العراق حيازة أنابيب الألمومينيوم شديدة القوة ومسألة ما إذا كان من الممكن استخدام هذه الأنابيب، لو تمت حيازتها، في صنع طاردات مركزية. وأشارت السلطات العراقية إلى أن محاولتها غير الناجحة لحيازة الأنابيب الألمونيوم تتعلق ببرنامج هندسي لتحويل صواريخ تقليدية.
وللتحقق من تلك المعلومات، فحص مفتشو الوكالة الدولية مواقع إنتاج وتخزين الصواريخ، وأخذوا عينات من الأنابيب، وقابلوا موظفين عراقيين معنيين، ودققوا في عقود الشراء والوثائق ذات الصلة. ومن التحليل الذي قمنا به حتى الآن، يبدو أن أنابيب الألمونيوم تتسق مع الغرض الذي أعلنه العراق، ولو لم تُعدل لن تكون مناسبة لصنع طاردات مركزية. ولكن ما زلنا نبحث في هذه المسألة. ومع ذلك، من الواضح أن محاولة حيازة مثل هذه الأنابيب محظورة بموجب قرار مجلس الأمن 687 (1991).
أما المجال الآخر الذي انصب عليه التركيز فهو معرفة الكيفية التي نُقلت أو استُعملت بها مواد أخرى ذات استخدام مزدوج – أي المواد التي يمكن استخدامها في إنتاج أسلحة نووية ولكن لها أيضا استخدامات أخرى مشروعة. ومثال جيد على ذلك الإعلان العراقي المتعلق بمادة HMX شديدة الانفجار، الذي يفيد أن كمية ما من مادة HMX التي خضعت إلى أختام الوكالة الدولية في العراق في نهاية عام 1998 تم استخدامها في مصانع أسمنت كمتفجرات صناعية للتعدين. إن أماكن المواد المنقولة والاستخدام النهائي لها أمور تتطلب تحقيقات إضافية، رغم أنه سيصعب التحقق من كيفية التصرف في المادة HMX المعلن عن استخدامها.
وتمثلت النقطة المحورية الرابعة في فحص تقارير عن محاولات عراقية لاستيراد أورانيوم بعد عام 1991. وأنكرت السلطات العراقية القيام بأي من هذه المحاولات. وستواصل الوكالة الدولية متابعة هذه القضية. ولكن ليست لدينا في هذه المرحلة معلومات كافية وسنكون ممتنين لو تلقينا المزيد من المعلومات.
ونحرز أيضا تقدما في عدد من القضايا الأخرى المتعلقة على سبيل المثال بمحاولة استيراد مصنع لإنتاج المغناطيس.
وبالإضافة إلى السلطات الجديدة المخولة بموجب القرار 1441 (2002)، اعتقد أن التصميم الموحد للمجلس على دعم عملية التفتيش كان عنصرا حيويا ويجب أن يبقى كذلك لو أردنا تحقيق حل سلمي للوضع في العراق. وأعتقد أن المجلس سيواصل دعمه الموحد والمطلق لعملية التفتيش في العراق.
وخلال الأشهر القليلة القادمة ستركز عمليات التفتيش بشكل أوثق بكثير على متابعة شواغل محددة بينما سنواصل زيارة المواقع وإجراء المقابلات مع موظفين عراقيين مهمين. ولقد بدأنا عمليات التفتيش بطائرات الهليكوبتر، التي تدفع من قدرة المفتشين على التنقل وقدرتهم على الاستجابة السريعة للمعلومات والسماح بإجراء عمليات مسح واسعة النطاق للرصد الإشعاعي. إن التحليل المخبري للعينات البيئية مستمر وسنعيد تركيب أجهزة جمع عينات الهواء من أجل رصد بيئي لمساحات واسعة. وسنعيد أيضا إدخال أنظمة للاستطلاع بكاميرات الفيديو في مواقع هامة للسماح بالرصد شبه الفوري عن بعد للمعدات ذات الاستخدام المزدوج.
إن عملية التفتيش بطبيعتها، في العراق وغيرها على حد سواء، لا تقوم على أساس الثقة بل على عملية شاملة لتقصي الحقائق تدعمها حرية الوصول إلى جميع المعلومات المتاحة. وينبغي أن يشمل ذلك، حيثما أمكن تطبيقه، المعلومات المتاحة للدول التي قد تتصل بالغرض من التفتيش. ولقد بدأنا في الأسابيع القليلة الماضية تلقي المزيد من المعلومات الموجبة لاتخاذ إجراءات من دول – أي المعلومات ذات القيمة المباشرة والراهنة لمتابعة التفتيش. وسأستمر في مناشدة الدول المتاح لها الوصول إلى مثل هذه المعلومات تقديمها إلى المنظمات التي تقوم بأعمال التفتيش حتى يمكن الإسراع في عملية التفتيش وتوفير ضمانات إضافية.
أخيرا، قمنا بحث العراق مرة أخرى على زيادة درجة تعاونه مع عملية التفتيش. ودعما لعمليات تفتيش الوكالة الدولية حتى الآن، أتاحت السلطات العراقية إمكانية الوصول إلى جميع المنشآت التي تمت زيارتها، بما في ذلك مجمعات رئاسية ومساكن خاصة، بدون شروط وبلا تأخير. وكانت السلطات العراقية متعاونة أيضا في إتاحة وثائق أصلية إضافية استجابة لطلبات من مفتشي الوكالة الدولية.
وفي مناقشاتنا مع المسؤولين العراقيين الأسبوع الماضي في بغداد، أكدنا على الحاجة إلى الانتقال من الدعم السلبي – وهو الاستجابة حسب الحاجة لطلبات المفتشين – إلى الدعم الاستباقي – أي المساعدة الطوعية للمفتشين من خلال تقديم الوثائق والأشخاص والأدلة الأخرى مما يساعد في سد الفجوات الباقية في معلوماتنا.
وهناك مثال على كيفية زيادة أخذ زمام المبادرة من جانب العراق تجسد في عملية تفتيش مسكن خاص تمت قبل أسبوعين فقط، ونتج عنها الحصول على عدد كبير من الوثائق، بعضها سري ويتعلق، جزئيا، بجهود العراق قبل عام 1991 لاستخدام تكنولوجيا الليزر في تخصيب الأورانيوم.
وإن كانت تلك الوثائق لا تعكس، فيما يبدو، وجود أنشطة جديدة أو جارية تتعلق بالأسلحة النووية في العراق، فهي قد تحفز فهمنا المفصل لبعض جوانب البرنامج النووي للعراق قبل عام 1991. ولذا من الجوهري والملح للعراق، وبمبادرة منه، أن يقدم أي أدلة إضافية لمساعدة المفتشين في تنفيذ ولايتهم.
ومن شأن هذه المشاركة النشطة من جانب العراق – كما أخبرناهم – أن تكون في صالح العراق جدا وهي فرصة متاحة قد لا تدوم طويلا. فينبغي أن يبذل العراق كل ما في وسعه لبلوغ أقصى قدر من الشفافية – مع إثبات رغبته في حل القضايا بدلا من أن تقتضي الحاجة إلى فرض ذلك. ولن يرضى المجتمع الدولي عن بقاء الأسئلة قائمة عن أسلحة الدمار الشامل العراقية؛ فالعالم يطلب درجة عالية من ضمان أن العراق خال تماما من تلك الأسلحة وقد نفد صبر العالم من أجل الحصول على ذلك الضمان. وكلما أسرع المفتشون في تقديم هذا الضمان، أسرعت آفاق الوصول إلى حل سلمي يترجم إلى واقع يرتجى.
وإن عملية التفتيش تستغرق وقتا طويلا. ولا بد لي أن أذكر أنه حتى في حالة جنوب أفريقيا التي كنا نحصل فيها على تعاون كامل ونشط، أمضت الوكالة عامين لكي تكمل العملية في ذلك البلد. غير أنه لو نجح التفتيش، يمكن كفالة نزع السلاح بالطرق السلمية. وجدير بالذكر أننا في تجربتنا السابقة في العراق أنجزنا معظم عملية القضاء على برنامجه المتعلق بالأسلحة النووية عن طريق التفتيش المباغت. وجدير بالذكر أيضا أن وجود المفتشين الدوليين في العراق اليوم يظل مفيدا كأداة ردع فعالة وضمان من استئناف برامج تطوير أسلحة الدمار الشامل، حتى ونحن نواصل البحث عن احتمالات وجود أنشطة سابقة.
وختاما فإننا لم نجد حتى الآن أي دليل على أن العراق أحيى برنامجه للأسلحة النووية منذ القضاء على ذلك البرنامج في التسعينات. ومع هذا يسير عملنا باطراد وينبغي أن يسير سيره الطبيعي. أما وقد أصبح الآن نظامنا للتحقق قائما وإذا لم تطرأ ظروف استثنائية، وشريطة أن يكون هناك تعاون مستمر وإيجابي من جانب العراق، سنتمكن في الأشهر القليلة القادمة من تقديم ضمانات موثوقة بأن العراق ليس لديه برامج للأسلحة النووية. ونرى أن هذه الشهور القليلة استثمار قيم في السلام لأنها يمكن أن تساعدنا في تجنب الحرب. ونحن واثقون من أننا سنظل نتلقى الدعم من المجلس في بذلنا لأقصى جهد للتحقق من نزع أسلحة العراق النووية بطرق سلمية، وإثبات أن عملية التفتيش يمكن أن تصبح، بل وأصبحت، صورة رئيسية للنظام الدولي لتحديد الأسلحة النووية.
نيويورك - خدمة قدس برس
يلي نص البيان الذي أدلى به محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمام مجلس الأمن الدولي في جلسته التي عقدتها يوم الاثنين السابع والعشرين من كانون ثاني (يناير) 2003:
(بداية النص)
في الأيام الستين الماضية، انخرط مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عملية التحقق من وجود، أو عدم وجود، برنامج للأسلحة النووية في العراق. واليوم، وعملا بالفقرة الخامسة من القرار 1441 (2002)، قَدَّمتُ لرئيس مجلس الأمن تقريرا مستكملا عن التقدم الذي أحرزناه منذ استأنفنا الأنشطة المتعلقة بالتحقق من وجود أسلحة نووية في العرق – من حيث النهج الذي اعتمدناه، والأدوات التي استخدمناها، والنتائج المحددة التي توصلنا إليها، ومستوى التعاون الذي تلقيناه، وأخيرا، بشأن رأينا في الطريقة التي نواصل بها العمل. ويمكن الحصول على النسخ المتوفرة من التقرير في هذه القاعة. واسمحوا لي أن أحدد في هذا البيان الخطوط العريضة للجوانب الرئيسية لهذا التقرير.
ولفهم النهج الذي اتبعته الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عمليات التفتيش على مدى الشهرين الماضيين، من المهم أولا أن نذكر بما تم إنجازه أثناء عمليات التفتيش التي أجريناها بين عامي 1991 و 1998 تنفيذا للولاية التي أناطها بنا مجلس الأمن لإزالة برنامج العراق للأسلحة النووية. في أيلول (سبتمبر) 1991، استولت الوكالة في العراق على وثائق كانت تدلل على نطاق برنامجه للأسلحة النووية.
وبحلول نهاية عام 1992، قمنا، إلى حد بعيد، بتدمير أو إزالة أو تعطيل كل المنشآت والمعدات العراقية ذات الصلة بإنتاج الأسلحة النووية. كما صادرنا ما لدى العراق من مواد يمكن استخدامها في صنع الأسلحة النووية – اليورانيوم عالي الإثراء والبلوتونيوم – ومع مطلع عام 1994 أزلنا هذه المواد من البلد. وبحلول كانون الأول (ديسمبر) 1998، حينما توقفت عمليات التفتيش تحسبا لضربة عسكرية وشيكة، كنا على ثقة بأننا لم نغفل عن أي مكونات يعتد بها في برنامج العراق النووي.
ومع أننا لا ندعي اليقين المطلق، فقد استنتجنا آنذاك أننا نجحنا في تحييد برنامج العراق للأسلحة النووية، وأنه لم تكن هناك مؤشرات على أن العراق يحتفظ بأية قدرة مادية على إنتاج مواد يمكن استخدامها في صنع الأسلحة النووية.
وخلال فترة السنوات الأربع التي لم نكن فيها متواجدين في العراق، واصلنا عملنا التحليلي بقدر ما تسمح به قدرتنا، عن طريق استخدام التصوير بالسواتل وغير ذلك من المعلومات. ولكن التحليل عن بعد لا يمكن أن يحل محل التفتيش الموقعي، وبالتالي لم نكن قادرين على التوصل إلى أي استنتاجات عن امتثال العراق لالتزاماته تجاه مجلس الأمن في المجال النووي، بعد كانون الأول (ديسمبر) 1998.
وإزاء هذه الخلفية، وعندما وافق العراق في أيلول (سبتمبر) الماضي، على إعادة فتح أبوابه أمام التفتيش، وفي أعقاب اتخاذ مجلس الأمن لاحقا للقرار 1441 (2002) الذي عزز سلطة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وعملية التفتيش، كان الاستطلاع هو هدفنا الأول من عمليات التفتيش التي نقوم بها. وفي هذه المرحلة، سعينا على وجه السرعة إلى إعادة إنشاء قاعدة معلوماتنا عن قدرات العراق النووية، والتأكد من أن المنشآت الرئيسية لم تفتح مرة أخرى، والتحقق من موقع المواد النووية والمواد غير النووية ذات الصلة، وتحديد هوية مسؤولين عراقيين رئيسيين، والشروع في إجراء مقابلات معهم.
وعلى امتداد هذين الشهرين الأولين من عملية التفتيش، أحرزنا تقدما لا بأس به بالنسبة لمعرفتنا بقدرات العراق النووية، من خلال عمليات التفتيش التي بلغت في مجموعها حتى هذا التاريخ 139 عملية تمت في حوالي 106 مواقع. والجزء الأعظم من هذه العمليات أجري في منشآت تديرها الدولة أو منشآت صناعية خاصة، وفي مراكز للأبحاث وجامعات – إما في المواقع التي كان من المعروف أن العراق يحتفظ فيها بقدرات تقنية كبيرة في الماضي، أو في مواقع جديدة أوحت بها عملية الرصد عن بعد والتحليل. وجميع أنشطة التفتيش تمت بدون إخطار العراق مسبقا، باستثناء الحالات التي كان فيها الإخطار مطلوبا لضمان توفر الدعم اللازم.
وقد استغل مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية استغلالا تاما سلطة التفتيش المخولة لهم بموجب القرار 1441 (2002)، وسيواصلون السير على هذا المنوال. وفي هذا الصدد، صدرت تعليمات للمفتشين ببذل كل جهد ممكن لمباشرة أنشطتهم مع التحلي بالدرجة الواجبة من التمرس المهني والحساسية.
ومع مواصلتنا، إلى حد ما، هذا العمل الاستطلاعي، تكون عمليات التفتيش التي نضطلع بها قد قطعت الآن شوطا بعيدا في مرحلة التحقيق – مع تركيزنا بصورة خاصة على تحديد ما إذا كان قد حدث في العراق، أو لم يحدث، في غضون السنوات الأربع الماضية، أي شيء له صلة بإعادة بناء قدرات العراق النووية. وعمليات التفتيش التحقيقية هذه، تركز على مجالات الانشغال التي حددتها دول أخرى، والمنشآت التي تم تحديدها عن طريق صور السواتل، بأنها عُدلت أو أنشئت منذ عام 1998؛ وعلى أدلة التفتيش الأخرى التي توصلت إليها الوكالة بشكل مستقل.
وبالتوازي مع أنشطة التفتيش المذكورة، أجرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحليلا مستفيضا للمعلومات الداعمة التي تم الحصول عليها من شتى المصادر.
وفي هذا الصدد، دمجنا المعلومات الجديدة التي قدمها العراق، بما في ذلك الإعلان المقدم في 7 كانون الأول (ديسمبر) استجابة للقرار 1441 (2002)، مع السجلات التي جمعناها بين عامي 1991 و 1998 والمعلومات الإضافية التي جمعناها من خلال الرصد عن بعد منذ عام 1998. وكان الإعلان العراقي متسقا مع فهمنا الحالي لبرنامج العراق النووي قبل عام 1991؛ ولكنه لم يقدم أية معلومات جديدة تتعلق بمسائل معينة كانت معلقة قبل عام 1991 وتتصل بتصميم أسلحة وصنع طارد مركزي. ورغم أن هذه المسائل لا تمثل قضايا غير محسومة في نزع السلاح إلا أنها تحتاج إلى توضيح إضافي.
وفضلا عن التفتيش في المواقع والتحليل بعيدا عنها، استخدم المفتشون مجموعة من الأدوات لإنجاز مهمتهم. وإذ استفدنا من بصمة المواد المشعة، استأنفنا رصد أنهار وقنوات وبحيرات العراق للكشف عن وجود نظائر مشعة معينة. وتم جمع مجموعة كبيرة من العينات البيئية وعينات تربة من كل أرجاء العراق وأخذها إلى مختبرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتحليلها، وأعدنا إجراء عمليات المسح الروتيني بأشعة كاما المحمولة على السيارات أو بالأيدي لرصد مواد نووية غير معلنة.
وأجرى المفتشون أيضا عددا كبيرا من المقابلات مع علماء ومديرين وفنيين عراقيين - بصفة رئيسية في مواقع عملهم في سياق عمليات تفتيش مفاجئة - بوصفها مصدرا قيّما للمعلومات عن البرامج والأنشطة السابقة والحالية. وكانت المعلومات التي حصلنا عليها مفيدة في تقييم اكتمال ودقة الإعلان العراقي.
من الواضح أن القرار 1441 (2002) فوض الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولجنة الأمم المتحدة للرصد والتحقق والتفتيش تحديد منهجيات ومواقع إجراء المقابلات مع المسؤولين العراقيين وأشخاص آخرين. ورفض أول شخصين طلبت الوكالة الدولية اللقاء بهما على انفراد طلب المقابلة بدون حضور ممثل للحكومة العراقية. وكان ذلك عاملا مقيدا. ورغم أن الحكومة العراقية التزمت مؤخرا بتشجيع المسؤولين والموظفين الآخرين العراقيين على إجراء المقابلات الانفرادية عند طلبها، للأسف فإن الطلب الثالث، الذي قُدم قبل يومين بشأن، إجراء مقابلة على انفراد مع شخص فإن ذلك الشخص رفض تلبية ذلك الطلب.
وستستمر الوكالة الدولية في تحديد طرائق وأماكن المقابلات، بما في ذلك احتمال مقابلة موظفين عراقيين في الخارج. وسنواصل إبلاغ مجلس الأمن عن جهودنا لإجراء مقابلات وفقا للطرائق والأماكن التي نفضلها ومدى النجاح الذي نحققه في هذا الصدد.
أود أن أوجز لكم عددا من النتائج المنبثقة حتى الآن من أنشطتنا للتفتيش.
أولا، فتشنا كل المباني والمنشآت التي تم تحديدها، من خلال الصور الملتقطة بالساتل، كما تم تعديلها وتركيبها خلال السنوات الأربع الماضية. وتمكن مفتشو الوكالة الدولية من الوصول بسهولة إليها وتوضيح طبيعة الأنشطة الجارية حاليا في هذه المنشآت. ولم نرصد أية أنشطة نووية محظورة خلال عمليات التفتيش هذه.
وكانت المسألة التي ركزنا عليها بصفة خاصة محاولة العراق حيازة أنابيب الألمومينيوم شديدة القوة ومسألة ما إذا كان من الممكن استخدام هذه الأنابيب، لو تمت حيازتها، في صنع طاردات مركزية. وأشارت السلطات العراقية إلى أن محاولتها غير الناجحة لحيازة الأنابيب الألمونيوم تتعلق ببرنامج هندسي لتحويل صواريخ تقليدية.
وللتحقق من تلك المعلومات، فحص مفتشو الوكالة الدولية مواقع إنتاج وتخزين الصواريخ، وأخذوا عينات من الأنابيب، وقابلوا موظفين عراقيين معنيين، ودققوا في عقود الشراء والوثائق ذات الصلة. ومن التحليل الذي قمنا به حتى الآن، يبدو أن أنابيب الألمونيوم تتسق مع الغرض الذي أعلنه العراق، ولو لم تُعدل لن تكون مناسبة لصنع طاردات مركزية. ولكن ما زلنا نبحث في هذه المسألة. ومع ذلك، من الواضح أن محاولة حيازة مثل هذه الأنابيب محظورة بموجب قرار مجلس الأمن 687 (1991).
أما المجال الآخر الذي انصب عليه التركيز فهو معرفة الكيفية التي نُقلت أو استُعملت بها مواد أخرى ذات استخدام مزدوج – أي المواد التي يمكن استخدامها في إنتاج أسلحة نووية ولكن لها أيضا استخدامات أخرى مشروعة. ومثال جيد على ذلك الإعلان العراقي المتعلق بمادة HMX شديدة الانفجار، الذي يفيد أن كمية ما من مادة HMX التي خضعت إلى أختام الوكالة الدولية في العراق في نهاية عام 1998 تم استخدامها في مصانع أسمنت كمتفجرات صناعية للتعدين. إن أماكن المواد المنقولة والاستخدام النهائي لها أمور تتطلب تحقيقات إضافية، رغم أنه سيصعب التحقق من كيفية التصرف في المادة HMX المعلن عن استخدامها.
وتمثلت النقطة المحورية الرابعة في فحص تقارير عن محاولات عراقية لاستيراد أورانيوم بعد عام 1991. وأنكرت السلطات العراقية القيام بأي من هذه المحاولات. وستواصل الوكالة الدولية متابعة هذه القضية. ولكن ليست لدينا في هذه المرحلة معلومات كافية وسنكون ممتنين لو تلقينا المزيد من المعلومات.
ونحرز أيضا تقدما في عدد من القضايا الأخرى المتعلقة على سبيل المثال بمحاولة استيراد مصنع لإنتاج المغناطيس.
وبالإضافة إلى السلطات الجديدة المخولة بموجب القرار 1441 (2002)، اعتقد أن التصميم الموحد للمجلس على دعم عملية التفتيش كان عنصرا حيويا ويجب أن يبقى كذلك لو أردنا تحقيق حل سلمي للوضع في العراق. وأعتقد أن المجلس سيواصل دعمه الموحد والمطلق لعملية التفتيش في العراق.
وخلال الأشهر القليلة القادمة ستركز عمليات التفتيش بشكل أوثق بكثير على متابعة شواغل محددة بينما سنواصل زيارة المواقع وإجراء المقابلات مع موظفين عراقيين مهمين. ولقد بدأنا عمليات التفتيش بطائرات الهليكوبتر، التي تدفع من قدرة المفتشين على التنقل وقدرتهم على الاستجابة السريعة للمعلومات والسماح بإجراء عمليات مسح واسعة النطاق للرصد الإشعاعي. إن التحليل المخبري للعينات البيئية مستمر وسنعيد تركيب أجهزة جمع عينات الهواء من أجل رصد بيئي لمساحات واسعة. وسنعيد أيضا إدخال أنظمة للاستطلاع بكاميرات الفيديو في مواقع هامة للسماح بالرصد شبه الفوري عن بعد للمعدات ذات الاستخدام المزدوج.
إن عملية التفتيش بطبيعتها، في العراق وغيرها على حد سواء، لا تقوم على أساس الثقة بل على عملية شاملة لتقصي الحقائق تدعمها حرية الوصول إلى جميع المعلومات المتاحة. وينبغي أن يشمل ذلك، حيثما أمكن تطبيقه، المعلومات المتاحة للدول التي قد تتصل بالغرض من التفتيش. ولقد بدأنا في الأسابيع القليلة الماضية تلقي المزيد من المعلومات الموجبة لاتخاذ إجراءات من دول – أي المعلومات ذات القيمة المباشرة والراهنة لمتابعة التفتيش. وسأستمر في مناشدة الدول المتاح لها الوصول إلى مثل هذه المعلومات تقديمها إلى المنظمات التي تقوم بأعمال التفتيش حتى يمكن الإسراع في عملية التفتيش وتوفير ضمانات إضافية.
أخيرا، قمنا بحث العراق مرة أخرى على زيادة درجة تعاونه مع عملية التفتيش. ودعما لعمليات تفتيش الوكالة الدولية حتى الآن، أتاحت السلطات العراقية إمكانية الوصول إلى جميع المنشآت التي تمت زيارتها، بما في ذلك مجمعات رئاسية ومساكن خاصة، بدون شروط وبلا تأخير. وكانت السلطات العراقية متعاونة أيضا في إتاحة وثائق أصلية إضافية استجابة لطلبات من مفتشي الوكالة الدولية.
وفي مناقشاتنا مع المسؤولين العراقيين الأسبوع الماضي في بغداد، أكدنا على الحاجة إلى الانتقال من الدعم السلبي – وهو الاستجابة حسب الحاجة لطلبات المفتشين – إلى الدعم الاستباقي – أي المساعدة الطوعية للمفتشين من خلال تقديم الوثائق والأشخاص والأدلة الأخرى مما يساعد في سد الفجوات الباقية في معلوماتنا.
وهناك مثال على كيفية زيادة أخذ زمام المبادرة من جانب العراق تجسد في عملية تفتيش مسكن خاص تمت قبل أسبوعين فقط، ونتج عنها الحصول على عدد كبير من الوثائق، بعضها سري ويتعلق، جزئيا، بجهود العراق قبل عام 1991 لاستخدام تكنولوجيا الليزر في تخصيب الأورانيوم.
وإن كانت تلك الوثائق لا تعكس، فيما يبدو، وجود أنشطة جديدة أو جارية تتعلق بالأسلحة النووية في العراق، فهي قد تحفز فهمنا المفصل لبعض جوانب البرنامج النووي للعراق قبل عام 1991. ولذا من الجوهري والملح للعراق، وبمبادرة منه، أن يقدم أي أدلة إضافية لمساعدة المفتشين في تنفيذ ولايتهم.
ومن شأن هذه المشاركة النشطة من جانب العراق – كما أخبرناهم – أن تكون في صالح العراق جدا وهي فرصة متاحة قد لا تدوم طويلا. فينبغي أن يبذل العراق كل ما في وسعه لبلوغ أقصى قدر من الشفافية – مع إثبات رغبته في حل القضايا بدلا من أن تقتضي الحاجة إلى فرض ذلك. ولن يرضى المجتمع الدولي عن بقاء الأسئلة قائمة عن أسلحة الدمار الشامل العراقية؛ فالعالم يطلب درجة عالية من ضمان أن العراق خال تماما من تلك الأسلحة وقد نفد صبر العالم من أجل الحصول على ذلك الضمان. وكلما أسرع المفتشون في تقديم هذا الضمان، أسرعت آفاق الوصول إلى حل سلمي يترجم إلى واقع يرتجى.
وإن عملية التفتيش تستغرق وقتا طويلا. ولا بد لي أن أذكر أنه حتى في حالة جنوب أفريقيا التي كنا نحصل فيها على تعاون كامل ونشط، أمضت الوكالة عامين لكي تكمل العملية في ذلك البلد. غير أنه لو نجح التفتيش، يمكن كفالة نزع السلاح بالطرق السلمية. وجدير بالذكر أننا في تجربتنا السابقة في العراق أنجزنا معظم عملية القضاء على برنامجه المتعلق بالأسلحة النووية عن طريق التفتيش المباغت. وجدير بالذكر أيضا أن وجود المفتشين الدوليين في العراق اليوم يظل مفيدا كأداة ردع فعالة وضمان من استئناف برامج تطوير أسلحة الدمار الشامل، حتى ونحن نواصل البحث عن احتمالات وجود أنشطة سابقة.
وختاما فإننا لم نجد حتى الآن أي دليل على أن العراق أحيى برنامجه للأسلحة النووية منذ القضاء على ذلك البرنامج في التسعينات. ومع هذا يسير عملنا باطراد وينبغي أن يسير سيره الطبيعي. أما وقد أصبح الآن نظامنا للتحقق قائما وإذا لم تطرأ ظروف استثنائية، وشريطة أن يكون هناك تعاون مستمر وإيجابي من جانب العراق، سنتمكن في الأشهر القليلة القادمة من تقديم ضمانات موثوقة بأن العراق ليس لديه برامج للأسلحة النووية. ونرى أن هذه الشهور القليلة استثمار قيم في السلام لأنها يمكن أن تساعدنا في تجنب الحرب. ونحن واثقون من أننا سنظل نتلقى الدعم من المجلس في بذلنا لأقصى جهد للتحقق من نزع أسلحة العراق النووية بطرق سلمية، وإثبات أن عملية التفتيش يمكن أن تصبح، بل وأصبحت، صورة رئيسية للنظام الدولي لتحديد الأسلحة النووية.
تعليق