لقد حدث ذلك ايام الرسول عليه افضل الصلاه والتسليم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لقد امر بقتل الاسرى
فقد ثبت أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل بعض الأسرى، منهم عقبة بن أبي معيط، وطعيمة ابن عدي والنضر بن الحارث، وهم من أسرى بدر(16). وجواز قتل الأسير هو مذهب جمهور الفقهاء من الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم. لكنّهم يجعلونه خياراً مرتبطاً بالمصلحة وجوباً، فإذا كانت المصلحة تقضي بعدم قتلهم، فلا يجوز في هذه الحال أن يحكم عليهم بالقتل،
أسر المسلمون في غزوة بدر سبعين أسيرًا، فماذا سيفعل المسلمون في هؤلاء الأسرى؟ فإلى هذه اللحظة لم يكن هناك تشريعٌ يوضح أمر التعامل مع هؤلاء الأسرى، فكان لا بد أن يتصرف رسول الله بإحدى طرق التشاور التي اعتاد أن يتعامل بها مع الصحابة y؛ فقام بعمل مجلس استشاريّ بأنْ جمع صحابته y، وبدأ يسألهم ويستشيرهم في أمر الأسرى.
موقف أبي بكر الصديق
فقال المستشار الأول لرسول الله (أبو بكر الصديق) t: "يا رسول الله، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدًا".
لقد كان يغلب على رأي أبي بكر t جانب الرحمة، فهو يرى أنهم بنو العم والعشيرة، والدولة في حاجة إلى ما سيؤخذ من أموالهم، وربما يؤمنون بعد ذلك، وهذا خير من أن يموتوا على الكفر. وقد كانت اختياراته t قريبة من اختيارات رسول الله ؛ نظرًا لتقارب طبيعتي الرسول وأبي بكر t، فكان يغلِّب جانب الرحمة على جانب القوة، كما كان يصفُ الصِّدِّيق ويقول: "أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ"[1].
موقف عمر بن الخطاب
لما أنهى أبو بكر t كلامه قال للمستشار الثاني: مَا تَرَى يَابْنَ الْخَطَّابِ؟
فقال عمر بن الخطاب t: والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكِّنني من فلان -وذكر قريبًا له- فأضرب عنقه، وتمكن عليًّا من عقيل بن أبي طالب -أخيه- فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم.
فكان رأيه t شديد الحسم؛ ففي رأيه أن يُقتل السبعون، وعلى أن يقتل كلٌّ قريبه؛ حتى يُظهِر كل مسلم حُبَّه لله، وأنه ليس في قلبه ولاء لأيِّ مشرك مهما كان، حتى وإن كان أقرب الناس إليه. فكان هذا هو رأي عمر بن الخطاب t، يقول النبي في الحديث: "وَأَشَدُّهَا -أي الأمة- فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ"[2].
فهذان رأيان، وكلاهما مبنيٌّ على الحب الكامل لله تعالى ولأمر الدعوة والدولة الإسلامية، لكن كلاًّ منهما له طريقته، وكلاهما مختلف تمام الاختلاف عن الآخر.
أحدهما يقول: نأخذ الفدية، والآخر يقول: نقتل الأسرى.
يقول عمر بن الخطاب t: "فهوى رسول الله ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قلتُ، وأخذ منهم الفداء". فلما كان من الغد، يقول عمر: "فغدوتُ إلى رسول الله وأبي بكر وهما يبكيان، فقلت: يا رسول الله، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك، فإن وجدتُ بكاءً بكيت، وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما".
إنها أحاسيس راقية جدًّا في قلب سيدنا عمر بن الخطاب t.
فقال : "لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهُمُ الْفِدَاءَ، فَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ"[3]. وأشار إلى شجرة قريبة، وأنزل الله قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: 67]، أي: يكثر القتل.
{تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} [الأنفال: 67]، أي: أخذ الفدية.
{وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 67].
ثم قال: {لَوْلاَ كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68]. والعذاب العظيم هو ما تحدَّث عنه النبي لعمر بن الخطاب، أنه كان أدنى من الشجرة. والكتاب الذي سبق هو الآيات التي نزلت قبل ذلك في سورة محمد ، قال الله في شأن الأسرى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 4].
فأمر الفداء أمر مشروع، لكن الأولى هنا كان أن يثخن في الأرض. وكان سعد بن معاذ t يرى مثل رأي عمر بن الخطاب t، وقد قال ذلك مبكرًا عندما بدأ المسلمون يأسرون المشركين، وقبل الاستشارة، وقد نظر النبي لسعد بن معاذ عندما بدأ المسلمون في أسر المشركين، فوجده حزينًا، فقال له: "وَاللَّهِ لَكَأَنَّكَ يَا سَعْدُ تَكْرَهُ مَا يَفْعَلُ الْقَوْمُ"، أي من أسر المسلمين للمشركين. فقال سعد: "أجَلْ، والله يا رسول الله، كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل أحبَّ إليَّ من استبقاء الرجال"[4].
واستقر رأي المسلمين على استبقاء الأسرى وأخذ الفدية منهم، وعندما أوحى الله بالآيات لم ينكر عليهم هذا الأمر، ومع أن الله ذكر أن الأولى كان الإثخان في الأرض، إلا أنه أقرَّ أخذ الفداء، وبدأ المسلمون في أخذ الفداء؛ فمن كان معه مال كان يدفع منه، وكان ما يُدفع هو ما بين ألف إلى أربعة آلاف درهم للرجل، وكلٌّ بحسب حالته المادية.
رسول الله يفدي عمه العباس
من أروع الأمثلة التي تُذكر في أمر الفداء، ما دار بين رسول الله والعباس بن عبد المطلب عم رسول الله ، وقد كان أسيرًا في يوم بدر، وكان قد خرج مُستكرَهًا إلى بدر، وقاتل مع المشركين، وأُسِر مع من أُسر، وكان رجلاً غنيًّا، وسوف يدفع فدية ليفتدي نفسه، ودار بينه وبين رسول الله هذا الحوار الرائع، الذي ينقل درجةً من أرقى الدرجات في قيادة الدول، فلا يوجد أيُّ نوع من الوساطة أو المحاباة لأحد من الأقارب أو الأهل أو العشيرة.
قال العباس: "يا رسول الله، قد كنت مسلمًا". أي أنه كان يُخفِي إسلامه، ومن ثَمَّ فلا يدفع الفداء.
فقال رسول الله : "اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِسْلاَمِكَ، فَإِنْ يَكُنْ كَمَا تَقُولُ فَإِنَّ اللَّهَ يَجْزِيكَ، وَأَمَّا ظَاهِرُكَ فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا؛ فَافْتَدِ نَفْسَكَ، وَابْنَيْ أَخَوَيْكَ نَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَحَلِيفَكَ عُتْبَةَ بْنَ عَمْرٍو".
فقال العباس: ما ذاك عندي يا رسول الله.
فقال : "فَأَيْنَ الْمَالَ الَّذِي دَفَنْتَهُ أَنْتَ وَأُمُّ الْفَضْلِ، فَقُلْتَ لَهَا: إِنْ أُصِبْتُ فِي سَفَرِي هَذَا، فَهَذَا الْمَالُ الَّذِي دَفَنْتُهُ لِبَنَيَّ: الْفَضْلِ وَعَبْدِ اللَّهِ وَقُثَمٍ".
فقال العباس: "والله يا رسول الله، إني لأعلم أنك رسول الله؛ إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل، فاحسب لي ما أصبتم مني: عشرين أوقية من مال كان معي".
فقال رسول الله : "ذَاكَ شَيْءٌ أَعْطَانَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْكَ". وأنزل الله : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال: 70].
وهذه الآية نزلت في العباس t، وقد قال بعد ذلك: "فأعطانا الله مكان العشرين أوقية في الإسلام عشرين عبدًا، كلهم في يده مال يضرب به، مع ما أرجو من مغفرة الله "[5].
هذا الأمر يوضِّح لنا كيف كان رسول الله يطبِّق القانون على الجميع، حتى على العباس بن عبد المطلب، وكان الصحابة أنفسهم يستعجبون لهذا الأمر، وقد كان في قلوب الأنصار رِقَّة عجيبة، فلما رأوا هذا الأمر أشفقوا على رسول الله من أن يأخذ الفداء من عمه، وعمه الذي يحبه، فقد كان العباس واقفًا مع رسول الله في بيعة العقبة الثانية، ومعنى ذلك أنه كان قريبًا جدًّا من قلب النبي ، وليس كأبي لهب مثلاً؛ فجاء الأنصار إلى الرسول وحاولوا أن يُعفوا العباس من الفدية لكن بطريقة في غاية اللطف والأدب، فقد كانوا y قمة في الأخلاق وفي الإيمان، فقالوا له: "يا رسول الله، ائذن لنا فلنترك لابن أختنا العباس فداءه"[6].
وجَدَّة العباس t من بني النجار من الخزرج، الذين هم من الأنصار، فهم يطلبون y من الرسول أن يُعفِي عمَّه، لا لأنه عمه، لكن لأنه قريب لهم من هذه الناحية. ولكن الرسول رفض ذلك تمامًا، وأصرَّ على أخذ الفداء، بل أخذ من العباس نفسه أعلى قيمة للفداء، وهي أربعة آلاف درهم للرجل.
موقف آخر مع سهيل بن عمرو
كان سهيل بن عمرو من قادة قريش، وكان أسيرًا في بدر، وهو ممن عرفوا بحسن البيان والخطابة، وكان يحمِّس المشركين على قتال الرسول ، وعندما أخذه المسلمون أسيرًا كان من رأي عمر بن الخطاب t أن تُنزع ثَنِيَّة -وهي الأسنان الأمامية- سهيل بن عمرو؛ لئلاّ يقف خطيبًا ضد المسلمين بعد ذلك؛ فقال: "يا رسول الله، دعني أنزع ثَنِيَّتَيْ سهيل بن عمرو، فلا يقوم عليك خطيبًا في موطن أبدًا". ورفض رسول الله هذا الأمر، وتظهر نبوءة جديدة لرسول الله في هذا الموقف، حين قال: "عَسَى أَنْ يَقُومَ مَقَامًا لاَ تَذُمُّهُ"[7].
وقد حدث هذا عندما ارتدت العرب، فقد وقف سهيل t وخطب في الناس وثبَّتهم على الإسلام في مكة المكرمة، وكان مما قال: "إن ذلك لم يزد الإسلام إلا قوةً، فمن رابنا ضَرَبْنا عُنُقَه"[8]؛ فثبت الناس في مكة على الإسلام.
صور أخرى من الفداء
كانت هذه إحدى صور الفداء وهي الفداء بالمال، وكان بعض الأسرى من الفقراء، فرأى النبي أن بعض الأسرى يعرفون القراءة والكتابة، والأمة الإسلامية في ذلك الوقت لم تكن قد تعلمت بعدُ، ومن يقرأ ويكتب إنما هم قليل، فكان يفتدي هؤلاء المشركين بأن يُعلِّم كلٌّ منهم عشرة من غلمان المدينة المنورة. ويوضح هذا الأمر دقة النبي وبُعد نظره وعمق فهمه، فهو يريد أن يعلِّم الأمة القراءة والكتابة من أول أمرها، فقد استثمر هذا الحدث العظيم؛ وهو وجود سبعين أسيرًا من المشركين، بعضهم يعرفون القراءة والكتابة في أن يعلِّم الأمة.
وقد منَّ النبي على بعض الأسرى بغير فداء، وأطلقهم هكذا دون أن يأخذ منهم شيئًا، ومنهم أبو عزة الجمحي وكان رجلاً فقيرًا، وقال للرسول : "لقد عرفت ما لي من مال، وإني لذو حاجة وذو عيال، فامنن عليَّ". فمنَّ عليه ، لكن أخذ عليه عهدًا ألاَّ يظاهر عليه أحدًا، ولكنه لم يفِ بعهده، ونال جزاءه بعد ذلك.
وقَتَلَ النبي أسيرين هما: عقبة بن أبي مُعَيْط، والنضر بن الحارث؛ لأنهما كانا من أكابر مجرمي قريش، أو ما نسمِّيهم اليوم مجرمي الحرب.
حكم الأسرى في الإسلام
وقد نزل بعد ذلك التشريع الإسلامي في شأن الأسرى، وهو أن الإمام له الخيار في شأن الأسرى بين أربعة أمور:
1- المنّ بغير فداء.
2- الفداء: وقد يكون بمال، أو بتعليم الغير، أو بأسير مثله (تبادل أسرى).
3- القتل لمجرمي الحرب، أو المعاملة بالمثل إذا كان أعداء الأمة يقتلون الأسارى من المسلمين.
4- الاسترقاق وهو الاحتفاظ بالأسير رقيقًا إلى أجلٍ يحدده الإمام، حسب ما يرى من احتياج المسلمين.
فللإمام أن يختار بين هذه الأمور الأربعة، وللحاكم أن يتعاهد مع دولة ما أو مجموعة من الدول في طريقة التعامل مع الأسرى، كأن يتم الاتفاق مع مجموعة من الدول على أنه لا استرقاق خلال العشر سنوات القادمة، أو لا قتل للأسرى خلال فترة محددة، وهكذا ما دام الشرع يسمح بأكثر من طريقة للتعامل مع الأسرى.
منهج الإسلام في التعامل مع الأسرى
لكن هناك شيء في غاية الأهمية؛ وهو أنه إذا تمَّ الاختفاظ بالأسير، فلا بد من إكرامه ولا بد من رعايته رعايةً أخلاقية سامية تليق بدين الإسلام، قال الله : {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8].
أي أنه مع حالة الفقر والحاجة الشديدة التي تمرُّ بالمسلمين إلا أنهم مع ذلك (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا).
وقد غرس النبي هذا الأمر في صحابته منذ اليوم الأول لوجود أسرى معهم، وقال لهم : "اسْتَوْصُوا بِالأُسَارَى خَيْرًا".
وقد بذل الصحابة y كل خير للأُسارى، مع أنهم كانوا منذ أيام قليلة يحاولون قتل المسلمين، مع هذا نَسِي المسلمون ذلك تمامًا، وتذكروا قول الرسول : "اسْتَوْصُوا بِالأُسَارَى خَيْرًا".
يقول أبو عزيز بن عمير -وهو ممن أسر في بدر، وهو أخو مصعب بن عمير- يقول: "كنت في نفر من الأنصار، فكانوا إذا قدَّموا غداءهم وعشاءهم، أكلوا التمر وأطعموني البُرَّ لوصية رسول الله إياهم بنا"[9]. وكان لهذا الأمر الأثر الكبير في نفسية أبي عزيز الذي ما إن أُطلق حتى أعلن إسلامه t.
وكان أبو العاص بن الربيع أيضًا في أسارى بدر، يقول: "كنت في رهط من الأنصار، جزاهم الله خيرًا". وأسلم بعد ذلك t، وكان زوجًا لبنت رسول الله السيدة زينب رضي الله عنها، ومع هذا كان أحد الأسرى.
يقول t: "كنت في رهط من الأنصار، جزاهم الله خيرًا، كنا إذا تعشَّينا أو تغدَّينا آثروني بالخبز وأكلوا التمر، والخبز معهم قليل والتمر زادهم، حتى إن الرجل لتقع في يده كسرة فيدفعها إليَّ"[10].
وكان الوليد بن الوليد بن المغيرة -وهو أخو خالد بن الوليد t- من أسارى بدر، كان يقول مثل ذلك وأكثر، يقول: "وكانوا يحملوننا ويمشون"[11]. أي إذا رأوا منهم جريحًا أو مريضًا أو متعبًا، حملوه رفقًا به.
وهذا هو منهج الإسلام الذي جعلهم يدخلون في الإسلام؛ فقد أسلم أبو العاص بن الربيع، وأبو عزيز بن عمير، والسائب بن عبيد، والوليد بن الوليد.
د. راغب السرجاني
لقد امر بقتل الاسرى
فقد ثبت أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل بعض الأسرى، منهم عقبة بن أبي معيط، وطعيمة ابن عدي والنضر بن الحارث، وهم من أسرى بدر(16). وجواز قتل الأسير هو مذهب جمهور الفقهاء من الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم. لكنّهم يجعلونه خياراً مرتبطاً بالمصلحة وجوباً، فإذا كانت المصلحة تقضي بعدم قتلهم، فلا يجوز في هذه الحال أن يحكم عليهم بالقتل،
أسر المسلمون في غزوة بدر سبعين أسيرًا، فماذا سيفعل المسلمون في هؤلاء الأسرى؟ فإلى هذه اللحظة لم يكن هناك تشريعٌ يوضح أمر التعامل مع هؤلاء الأسرى، فكان لا بد أن يتصرف رسول الله بإحدى طرق التشاور التي اعتاد أن يتعامل بها مع الصحابة y؛ فقام بعمل مجلس استشاريّ بأنْ جمع صحابته y، وبدأ يسألهم ويستشيرهم في أمر الأسرى.
موقف أبي بكر الصديق
فقال المستشار الأول لرسول الله (أبو بكر الصديق) t: "يا رسول الله، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدًا".
لقد كان يغلب على رأي أبي بكر t جانب الرحمة، فهو يرى أنهم بنو العم والعشيرة، والدولة في حاجة إلى ما سيؤخذ من أموالهم، وربما يؤمنون بعد ذلك، وهذا خير من أن يموتوا على الكفر. وقد كانت اختياراته t قريبة من اختيارات رسول الله ؛ نظرًا لتقارب طبيعتي الرسول وأبي بكر t، فكان يغلِّب جانب الرحمة على جانب القوة، كما كان يصفُ الصِّدِّيق ويقول: "أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ"[1].
موقف عمر بن الخطاب
لما أنهى أبو بكر t كلامه قال للمستشار الثاني: مَا تَرَى يَابْنَ الْخَطَّابِ؟
فقال عمر بن الخطاب t: والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكِّنني من فلان -وذكر قريبًا له- فأضرب عنقه، وتمكن عليًّا من عقيل بن أبي طالب -أخيه- فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم.
فكان رأيه t شديد الحسم؛ ففي رأيه أن يُقتل السبعون، وعلى أن يقتل كلٌّ قريبه؛ حتى يُظهِر كل مسلم حُبَّه لله، وأنه ليس في قلبه ولاء لأيِّ مشرك مهما كان، حتى وإن كان أقرب الناس إليه. فكان هذا هو رأي عمر بن الخطاب t، يقول النبي في الحديث: "وَأَشَدُّهَا -أي الأمة- فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ"[2].
فهذان رأيان، وكلاهما مبنيٌّ على الحب الكامل لله تعالى ولأمر الدعوة والدولة الإسلامية، لكن كلاًّ منهما له طريقته، وكلاهما مختلف تمام الاختلاف عن الآخر.
أحدهما يقول: نأخذ الفدية، والآخر يقول: نقتل الأسرى.
يقول عمر بن الخطاب t: "فهوى رسول الله ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قلتُ، وأخذ منهم الفداء". فلما كان من الغد، يقول عمر: "فغدوتُ إلى رسول الله وأبي بكر وهما يبكيان، فقلت: يا رسول الله، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك، فإن وجدتُ بكاءً بكيت، وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما".
إنها أحاسيس راقية جدًّا في قلب سيدنا عمر بن الخطاب t.
فقال : "لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهُمُ الْفِدَاءَ، فَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ"[3]. وأشار إلى شجرة قريبة، وأنزل الله قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: 67]، أي: يكثر القتل.
{تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} [الأنفال: 67]، أي: أخذ الفدية.
{وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 67].
ثم قال: {لَوْلاَ كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68]. والعذاب العظيم هو ما تحدَّث عنه النبي لعمر بن الخطاب، أنه كان أدنى من الشجرة. والكتاب الذي سبق هو الآيات التي نزلت قبل ذلك في سورة محمد ، قال الله في شأن الأسرى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 4].
فأمر الفداء أمر مشروع، لكن الأولى هنا كان أن يثخن في الأرض. وكان سعد بن معاذ t يرى مثل رأي عمر بن الخطاب t، وقد قال ذلك مبكرًا عندما بدأ المسلمون يأسرون المشركين، وقبل الاستشارة، وقد نظر النبي لسعد بن معاذ عندما بدأ المسلمون في أسر المشركين، فوجده حزينًا، فقال له: "وَاللَّهِ لَكَأَنَّكَ يَا سَعْدُ تَكْرَهُ مَا يَفْعَلُ الْقَوْمُ"، أي من أسر المسلمين للمشركين. فقال سعد: "أجَلْ، والله يا رسول الله، كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل أحبَّ إليَّ من استبقاء الرجال"[4].
واستقر رأي المسلمين على استبقاء الأسرى وأخذ الفدية منهم، وعندما أوحى الله بالآيات لم ينكر عليهم هذا الأمر، ومع أن الله ذكر أن الأولى كان الإثخان في الأرض، إلا أنه أقرَّ أخذ الفداء، وبدأ المسلمون في أخذ الفداء؛ فمن كان معه مال كان يدفع منه، وكان ما يُدفع هو ما بين ألف إلى أربعة آلاف درهم للرجل، وكلٌّ بحسب حالته المادية.
رسول الله يفدي عمه العباس
من أروع الأمثلة التي تُذكر في أمر الفداء، ما دار بين رسول الله والعباس بن عبد المطلب عم رسول الله ، وقد كان أسيرًا في يوم بدر، وكان قد خرج مُستكرَهًا إلى بدر، وقاتل مع المشركين، وأُسِر مع من أُسر، وكان رجلاً غنيًّا، وسوف يدفع فدية ليفتدي نفسه، ودار بينه وبين رسول الله هذا الحوار الرائع، الذي ينقل درجةً من أرقى الدرجات في قيادة الدول، فلا يوجد أيُّ نوع من الوساطة أو المحاباة لأحد من الأقارب أو الأهل أو العشيرة.
قال العباس: "يا رسول الله، قد كنت مسلمًا". أي أنه كان يُخفِي إسلامه، ومن ثَمَّ فلا يدفع الفداء.
فقال رسول الله : "اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِسْلاَمِكَ، فَإِنْ يَكُنْ كَمَا تَقُولُ فَإِنَّ اللَّهَ يَجْزِيكَ، وَأَمَّا ظَاهِرُكَ فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا؛ فَافْتَدِ نَفْسَكَ، وَابْنَيْ أَخَوَيْكَ نَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَحَلِيفَكَ عُتْبَةَ بْنَ عَمْرٍو".
فقال العباس: ما ذاك عندي يا رسول الله.
فقال : "فَأَيْنَ الْمَالَ الَّذِي دَفَنْتَهُ أَنْتَ وَأُمُّ الْفَضْلِ، فَقُلْتَ لَهَا: إِنْ أُصِبْتُ فِي سَفَرِي هَذَا، فَهَذَا الْمَالُ الَّذِي دَفَنْتُهُ لِبَنَيَّ: الْفَضْلِ وَعَبْدِ اللَّهِ وَقُثَمٍ".
فقال العباس: "والله يا رسول الله، إني لأعلم أنك رسول الله؛ إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل، فاحسب لي ما أصبتم مني: عشرين أوقية من مال كان معي".
فقال رسول الله : "ذَاكَ شَيْءٌ أَعْطَانَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْكَ". وأنزل الله : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال: 70].
وهذه الآية نزلت في العباس t، وقد قال بعد ذلك: "فأعطانا الله مكان العشرين أوقية في الإسلام عشرين عبدًا، كلهم في يده مال يضرب به، مع ما أرجو من مغفرة الله "[5].
هذا الأمر يوضِّح لنا كيف كان رسول الله يطبِّق القانون على الجميع، حتى على العباس بن عبد المطلب، وكان الصحابة أنفسهم يستعجبون لهذا الأمر، وقد كان في قلوب الأنصار رِقَّة عجيبة، فلما رأوا هذا الأمر أشفقوا على رسول الله من أن يأخذ الفداء من عمه، وعمه الذي يحبه، فقد كان العباس واقفًا مع رسول الله في بيعة العقبة الثانية، ومعنى ذلك أنه كان قريبًا جدًّا من قلب النبي ، وليس كأبي لهب مثلاً؛ فجاء الأنصار إلى الرسول وحاولوا أن يُعفوا العباس من الفدية لكن بطريقة في غاية اللطف والأدب، فقد كانوا y قمة في الأخلاق وفي الإيمان، فقالوا له: "يا رسول الله، ائذن لنا فلنترك لابن أختنا العباس فداءه"[6].
وجَدَّة العباس t من بني النجار من الخزرج، الذين هم من الأنصار، فهم يطلبون y من الرسول أن يُعفِي عمَّه، لا لأنه عمه، لكن لأنه قريب لهم من هذه الناحية. ولكن الرسول رفض ذلك تمامًا، وأصرَّ على أخذ الفداء، بل أخذ من العباس نفسه أعلى قيمة للفداء، وهي أربعة آلاف درهم للرجل.
موقف آخر مع سهيل بن عمرو
كان سهيل بن عمرو من قادة قريش، وكان أسيرًا في بدر، وهو ممن عرفوا بحسن البيان والخطابة، وكان يحمِّس المشركين على قتال الرسول ، وعندما أخذه المسلمون أسيرًا كان من رأي عمر بن الخطاب t أن تُنزع ثَنِيَّة -وهي الأسنان الأمامية- سهيل بن عمرو؛ لئلاّ يقف خطيبًا ضد المسلمين بعد ذلك؛ فقال: "يا رسول الله، دعني أنزع ثَنِيَّتَيْ سهيل بن عمرو، فلا يقوم عليك خطيبًا في موطن أبدًا". ورفض رسول الله هذا الأمر، وتظهر نبوءة جديدة لرسول الله في هذا الموقف، حين قال: "عَسَى أَنْ يَقُومَ مَقَامًا لاَ تَذُمُّهُ"[7].
وقد حدث هذا عندما ارتدت العرب، فقد وقف سهيل t وخطب في الناس وثبَّتهم على الإسلام في مكة المكرمة، وكان مما قال: "إن ذلك لم يزد الإسلام إلا قوةً، فمن رابنا ضَرَبْنا عُنُقَه"[8]؛ فثبت الناس في مكة على الإسلام.
صور أخرى من الفداء
كانت هذه إحدى صور الفداء وهي الفداء بالمال، وكان بعض الأسرى من الفقراء، فرأى النبي أن بعض الأسرى يعرفون القراءة والكتابة، والأمة الإسلامية في ذلك الوقت لم تكن قد تعلمت بعدُ، ومن يقرأ ويكتب إنما هم قليل، فكان يفتدي هؤلاء المشركين بأن يُعلِّم كلٌّ منهم عشرة من غلمان المدينة المنورة. ويوضح هذا الأمر دقة النبي وبُعد نظره وعمق فهمه، فهو يريد أن يعلِّم الأمة القراءة والكتابة من أول أمرها، فقد استثمر هذا الحدث العظيم؛ وهو وجود سبعين أسيرًا من المشركين، بعضهم يعرفون القراءة والكتابة في أن يعلِّم الأمة.
وقد منَّ النبي على بعض الأسرى بغير فداء، وأطلقهم هكذا دون أن يأخذ منهم شيئًا، ومنهم أبو عزة الجمحي وكان رجلاً فقيرًا، وقال للرسول : "لقد عرفت ما لي من مال، وإني لذو حاجة وذو عيال، فامنن عليَّ". فمنَّ عليه ، لكن أخذ عليه عهدًا ألاَّ يظاهر عليه أحدًا، ولكنه لم يفِ بعهده، ونال جزاءه بعد ذلك.
وقَتَلَ النبي أسيرين هما: عقبة بن أبي مُعَيْط، والنضر بن الحارث؛ لأنهما كانا من أكابر مجرمي قريش، أو ما نسمِّيهم اليوم مجرمي الحرب.
حكم الأسرى في الإسلام
وقد نزل بعد ذلك التشريع الإسلامي في شأن الأسرى، وهو أن الإمام له الخيار في شأن الأسرى بين أربعة أمور:
1- المنّ بغير فداء.
2- الفداء: وقد يكون بمال، أو بتعليم الغير، أو بأسير مثله (تبادل أسرى).
3- القتل لمجرمي الحرب، أو المعاملة بالمثل إذا كان أعداء الأمة يقتلون الأسارى من المسلمين.
4- الاسترقاق وهو الاحتفاظ بالأسير رقيقًا إلى أجلٍ يحدده الإمام، حسب ما يرى من احتياج المسلمين.
فللإمام أن يختار بين هذه الأمور الأربعة، وللحاكم أن يتعاهد مع دولة ما أو مجموعة من الدول في طريقة التعامل مع الأسرى، كأن يتم الاتفاق مع مجموعة من الدول على أنه لا استرقاق خلال العشر سنوات القادمة، أو لا قتل للأسرى خلال فترة محددة، وهكذا ما دام الشرع يسمح بأكثر من طريقة للتعامل مع الأسرى.
منهج الإسلام في التعامل مع الأسرى
لكن هناك شيء في غاية الأهمية؛ وهو أنه إذا تمَّ الاختفاظ بالأسير، فلا بد من إكرامه ولا بد من رعايته رعايةً أخلاقية سامية تليق بدين الإسلام، قال الله : {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8].
أي أنه مع حالة الفقر والحاجة الشديدة التي تمرُّ بالمسلمين إلا أنهم مع ذلك (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا).
وقد غرس النبي هذا الأمر في صحابته منذ اليوم الأول لوجود أسرى معهم، وقال لهم : "اسْتَوْصُوا بِالأُسَارَى خَيْرًا".
وقد بذل الصحابة y كل خير للأُسارى، مع أنهم كانوا منذ أيام قليلة يحاولون قتل المسلمين، مع هذا نَسِي المسلمون ذلك تمامًا، وتذكروا قول الرسول : "اسْتَوْصُوا بِالأُسَارَى خَيْرًا".
يقول أبو عزيز بن عمير -وهو ممن أسر في بدر، وهو أخو مصعب بن عمير- يقول: "كنت في نفر من الأنصار، فكانوا إذا قدَّموا غداءهم وعشاءهم، أكلوا التمر وأطعموني البُرَّ لوصية رسول الله إياهم بنا"[9]. وكان لهذا الأمر الأثر الكبير في نفسية أبي عزيز الذي ما إن أُطلق حتى أعلن إسلامه t.
وكان أبو العاص بن الربيع أيضًا في أسارى بدر، يقول: "كنت في رهط من الأنصار، جزاهم الله خيرًا". وأسلم بعد ذلك t، وكان زوجًا لبنت رسول الله السيدة زينب رضي الله عنها، ومع هذا كان أحد الأسرى.
يقول t: "كنت في رهط من الأنصار، جزاهم الله خيرًا، كنا إذا تعشَّينا أو تغدَّينا آثروني بالخبز وأكلوا التمر، والخبز معهم قليل والتمر زادهم، حتى إن الرجل لتقع في يده كسرة فيدفعها إليَّ"[10].
وكان الوليد بن الوليد بن المغيرة -وهو أخو خالد بن الوليد t- من أسارى بدر، كان يقول مثل ذلك وأكثر، يقول: "وكانوا يحملوننا ويمشون"[11]. أي إذا رأوا منهم جريحًا أو مريضًا أو متعبًا، حملوه رفقًا به.
وهذا هو منهج الإسلام الذي جعلهم يدخلون في الإسلام؛ فقد أسلم أبو العاص بن الربيع، وأبو عزيز بن عمير، والسائب بن عبيد، والوليد بن الوليد.
د. راغب السرجاني