مقتبسه من عدة حلقات نشرت في مجلة المجتمع عن الشيخ الداعيه نعمة الله . الحلقات بقلم الدكتور صالح السامرائي
الشيخ الداعيه نعمة الله
تركي الأصل والنشأة، قضى خمسة عشر عاماً مجاوراً في المدينة المنورة، وخمسة عشر عاماً في مكة المكرمة إماماً لمسجد «النور» عند جبل حراء، وقبلها مؤذناً في مسجد «السلطان أحمد» في إسطنبول - أكبر مساجدها - وإماماً في عدة مساجد أخرى. تتلمذ على الكثير من العلماء المعاصرين للسلطان عبدالحميد يرحمه الله. زار أكثر من خمسين بلداً داعياً إلى الله، أخرج المئات من رواد الخمّارات في أوروبا إلى المساجد، وأدخل عشرين ألف مصحف إلى الصين عام 1981م، بموافقة الحكومة الصينية، وزار سيبيريا وما حولها في روسيا ثلاث مرات بثوبه الأبيض ودرجة الحرارة 40 تحت الصفر. لقد أقام معي في اليابان أربعة عشر عاماً يقطع البلد من شماله إلى جنوبه، ينشئ المساجد ويحوّلها إلى مدارس، وأدخل المئات بل الآلاف من اليابانيين في الإسلام بدعوة «لا إله إلا الله».. يوزع كراسة التعريف بالإسلام يومياً بالمئات، ويحث المسلمين على عمل ذلك. ويستقبل الناس في مركزنا الإسلامي من الصباح إلى المساء، وفي الليل يسيح في مساجد «طوكيو» العديدة، ويأخذ الناس على حسابه الخاص بسيارات الأجرة لصلاة الفجر في مسجد «طوكيو المركزي». سكنه المساجد والمصليات، لا نعطيه راتباً (ولو قرشاً أو فلساً واحداً). لا يغتاب أحداً، ولا ينمّ على أحد، ولا يعادي أحداً، يجمع الأمة الإسلامية كلها، يحبه الجميع ولو كان هؤلاء لا يرتاحون لبعضهم بعضاً، ولا يدعو على أحد، ودعوته «اللهم اهدِ مَنْ هو عدو للإسلام، واقلب عداوته إلى نصرة الإسـلام مثل سيدنا عمر وخالد وعكرمة». يصدق عليه قول المصريين: «رجل ابتاع ربنا».. وها أنا وقد صاحبته السنين العديدة، وهضمت طريقته في الدعوة، وتعرفت على شخصيته عن قرب، أكتب بعض الحلقات عنه، آملاً أن تكون في سيرته قدوة للشباب المسلم في كل مكان، راجياً من الله العفو والأجر؛ ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت )(هود:88)، وأن يثيبني عما أكتبه عن هذا الرجل، والله من وراء القصد.
وقصتنا اليوم تدور في مدينة برلين، ومع الأتراك في عام 1979م تقريباً. وقف الشيخ نعمة الله يتحدث مع الأتراك في أحد مساجدهم لمدة ساعتين أو ثلاث، ووقف بعدها متسائلاً: أين غيركم؟ أجابوه: لماذا تسأل؟ تكلم، ونحن نستمع لك لساعات. قال الشيخ: أين غيركم؛ لأذهب إليهم؟ أجابوه: في الخمارات.. قال الشيخ: أذهب إليهم أرسلوا معي دليلاً. الذهاب للخمارة وفعلاً ذهب الشيخ نعمة الله مع الدليل إلى خمارة روادها أربعون تركياً، وقف الشيخ وسطهم وحياهم قائلاً: السلام عليكم أيها المجاهدون، فبدأ الواحد ينظر إلى الآخر متعجبين أين المجاهدون؟! قال الشيخ: أنتم مجاهدون لثلاثة اعتبارات: الاعتبار الأول: تحرككم ومشيكم ورواحكم ومجيئكم في ألمانيا بأسمائكم الإسلامية: أحمد، خليل، إبراهيم... إلخ، كل هذا يذكر الناس بالإسلام. الاعتبار الثاني: جئتم لألمانيا لكسب الرزق الحلال لآبائكم وأبنائكم هذا أيضاً جهاد. الاعتبار الثالث: لو نظرنا إلى أسلافكم من العثمانيين؛ فإنهم كانوا مجاهدين فأنتم أحفاد المجاهدين. بشرى سارة ثم أردف الشيخ قائلاً: إني قادم من المدينة المنورة، وقد أتيت لكم ببشارة من هناك، وهي قول رسول الله [: إنه من «يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله دخل الجنة»، وإن الله سبحانه وتعالى يؤجرني بسببكم.. وهنا ردد الجميع: «لا إله إلا الله محمد رسول الله». وإني أعظ الناس منذ سنين طويلة في المساجد، وكان المفروض أن نزوركم ونبلغكم دعوة الأنبياء الذين كانوا يأتون الناس في نواديهم ويدعونهم لدين الحق. بكاء ونحيب: بدأ الجميع بالبكاء والنحيب وهم يرددون، تكلم تكلم يا شيخ، اجلس، اللبن ليس حرام - يقول الشيخ نعمة الله: الجلوس معناه مشاركتهم في الحرام - ثم قال لهم الشيخ نعمة الله: على أية حال أنتم الآن من أهل الجنة، وسأذهب لآخرين أتحدث إليهم. - قالوا له: تكلم، تكلم يا شيخ. - قال: إلى متى أتكلم؟ أنتم الآن من أهل جنة الآخرة، وإني أدعوكم الآن إلى جنة الدنيا (المسجد)، ثم تساءل: ألم تشاركوا أنتم في التبرع لبناء المسجد المجاور لكم؟ - يقول الشيخ: إن لدي تجربة أن الذين يشربون الخمر هم أكثر سخاءً في التبرع للمساجد لأنهم يرجون المغفرة من الله - فقالوا بصوت واحد: يا شيخ نحن تبرعنا، نحن تبرعنا، ولكن يا شيخ كيف نذهب إلى المسجد ومنا من هو جنب؟ أجاب الشيخ: الجنب يغتسل في مكان الاغتسال بالمسجد، نعم الماء بارد ولكن كما قلت: إنكم مجاهدون والاغتسال بالماء البارد في الشتاء جهاد. - قالوا: والسكران؟ - قال: الثقيل في السكر يحمله اثنان خفيفان. وبدأ كل منهم يشجع الآخر للذهاب إلى المسجد، وهم يرددون: يا إخوان لنذهب إلى المسجد ألسنا مسلمين؟ 40 رجلاً ذهبوا للمسجد وبدأ الشيخ يقود الأربعين رجلاً إلى المسجد منهم من دخل المسجد، ومنهم جلس خارجه ينتظر، والشيخ يقرأ ويترجم: {قٍلً يّا عٌبّادٌيّ پَّذٌينّ أّسًرّفٍوا عّلّى» أّنفٍسٌهٌمً لا تّقًنّطٍوا مٌن رَّحًمّةٌ پلَّهٌ إنَّ پلَّهّ يّغًفٌرٍ پذٍَنٍوبّ جّمٌيعْا إنَّهٍ هٍوّ پًغّفٍورٍ پرَّحٌيمٍ >53<}(الزمر). وقال رسول الله [: «خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا». ثم قال بعضهم: يا شيخ أقرباؤنا في خمارات أخرى، تعال يا شيخ نذهب إليهم. ولقد حكى الشيخ هذه القصة لأحد العلماء الأتراك المجاورين في مسجد رسول الله [، فقال: إن لنا أبناء عمومة سمعنا أنهم يرتادون الخمارات، فذهبنا إليهم ووبخناهم إلا أنهم غضبوا وتشاجرنا وكادوا يضربوننا وانهزمنا!! بعد 3 أعوام ومرت الأعوام وتقادمت الأيام، وبعد ثلاث سنوات، كان الشيخ نعمة الله جالساً في مسجد رسول الله [، فإذا برجل تركي بعمامة وجبة ولحية يسلم عليه قائلاً: هل تعرفني يا شيخ نعمة الله؟ أجاب الشيخ: كيف لا أعرفك؟! أنا زرت أكثر مدن تركيا وقراها، وربما أنت أحد الأئمة أو المفتين في إحدى تلك المدن التي زرتها. قال الرجل: أنا أعرفك جيداً، وأنت لو تبقى ألف سنة لا تعرفني، أنا آخر سكران في برلين، خرجت من الخمارة يحملني اثنان، وتوجهنا صوب المسجد، وكنت أنت تشفق علي، فمسحت رأسي وقلت: «أنت غال عند الله يقبلك في بيته»، كنت ثملاً ولكني عقلت كلامك، انتظرت خارج المسجد إلى أن صحوت، اغتسلت وصليت وتبت إلى الله، ومنذ ذلك الحين وأنا أداوم على الصلاة والعبادات وزوجتي تحجبت وجئنا إلى العمرة ووفقنا للقائك والحمد لله
الشيخ الداعيه نعمة الله
تركي الأصل والنشأة، قضى خمسة عشر عاماً مجاوراً في المدينة المنورة، وخمسة عشر عاماً في مكة المكرمة إماماً لمسجد «النور» عند جبل حراء، وقبلها مؤذناً في مسجد «السلطان أحمد» في إسطنبول - أكبر مساجدها - وإماماً في عدة مساجد أخرى. تتلمذ على الكثير من العلماء المعاصرين للسلطان عبدالحميد يرحمه الله. زار أكثر من خمسين بلداً داعياً إلى الله، أخرج المئات من رواد الخمّارات في أوروبا إلى المساجد، وأدخل عشرين ألف مصحف إلى الصين عام 1981م، بموافقة الحكومة الصينية، وزار سيبيريا وما حولها في روسيا ثلاث مرات بثوبه الأبيض ودرجة الحرارة 40 تحت الصفر. لقد أقام معي في اليابان أربعة عشر عاماً يقطع البلد من شماله إلى جنوبه، ينشئ المساجد ويحوّلها إلى مدارس، وأدخل المئات بل الآلاف من اليابانيين في الإسلام بدعوة «لا إله إلا الله».. يوزع كراسة التعريف بالإسلام يومياً بالمئات، ويحث المسلمين على عمل ذلك. ويستقبل الناس في مركزنا الإسلامي من الصباح إلى المساء، وفي الليل يسيح في مساجد «طوكيو» العديدة، ويأخذ الناس على حسابه الخاص بسيارات الأجرة لصلاة الفجر في مسجد «طوكيو المركزي». سكنه المساجد والمصليات، لا نعطيه راتباً (ولو قرشاً أو فلساً واحداً). لا يغتاب أحداً، ولا ينمّ على أحد، ولا يعادي أحداً، يجمع الأمة الإسلامية كلها، يحبه الجميع ولو كان هؤلاء لا يرتاحون لبعضهم بعضاً، ولا يدعو على أحد، ودعوته «اللهم اهدِ مَنْ هو عدو للإسلام، واقلب عداوته إلى نصرة الإسـلام مثل سيدنا عمر وخالد وعكرمة». يصدق عليه قول المصريين: «رجل ابتاع ربنا».. وها أنا وقد صاحبته السنين العديدة، وهضمت طريقته في الدعوة، وتعرفت على شخصيته عن قرب، أكتب بعض الحلقات عنه، آملاً أن تكون في سيرته قدوة للشباب المسلم في كل مكان، راجياً من الله العفو والأجر؛ ( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت )(هود:88)، وأن يثيبني عما أكتبه عن هذا الرجل، والله من وراء القصد.
وقصتنا اليوم تدور في مدينة برلين، ومع الأتراك في عام 1979م تقريباً. وقف الشيخ نعمة الله يتحدث مع الأتراك في أحد مساجدهم لمدة ساعتين أو ثلاث، ووقف بعدها متسائلاً: أين غيركم؟ أجابوه: لماذا تسأل؟ تكلم، ونحن نستمع لك لساعات. قال الشيخ: أين غيركم؛ لأذهب إليهم؟ أجابوه: في الخمارات.. قال الشيخ: أذهب إليهم أرسلوا معي دليلاً. الذهاب للخمارة وفعلاً ذهب الشيخ نعمة الله مع الدليل إلى خمارة روادها أربعون تركياً، وقف الشيخ وسطهم وحياهم قائلاً: السلام عليكم أيها المجاهدون، فبدأ الواحد ينظر إلى الآخر متعجبين أين المجاهدون؟! قال الشيخ: أنتم مجاهدون لثلاثة اعتبارات: الاعتبار الأول: تحرككم ومشيكم ورواحكم ومجيئكم في ألمانيا بأسمائكم الإسلامية: أحمد، خليل، إبراهيم... إلخ، كل هذا يذكر الناس بالإسلام. الاعتبار الثاني: جئتم لألمانيا لكسب الرزق الحلال لآبائكم وأبنائكم هذا أيضاً جهاد. الاعتبار الثالث: لو نظرنا إلى أسلافكم من العثمانيين؛ فإنهم كانوا مجاهدين فأنتم أحفاد المجاهدين. بشرى سارة ثم أردف الشيخ قائلاً: إني قادم من المدينة المنورة، وقد أتيت لكم ببشارة من هناك، وهي قول رسول الله [: إنه من «يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله دخل الجنة»، وإن الله سبحانه وتعالى يؤجرني بسببكم.. وهنا ردد الجميع: «لا إله إلا الله محمد رسول الله». وإني أعظ الناس منذ سنين طويلة في المساجد، وكان المفروض أن نزوركم ونبلغكم دعوة الأنبياء الذين كانوا يأتون الناس في نواديهم ويدعونهم لدين الحق. بكاء ونحيب: بدأ الجميع بالبكاء والنحيب وهم يرددون، تكلم تكلم يا شيخ، اجلس، اللبن ليس حرام - يقول الشيخ نعمة الله: الجلوس معناه مشاركتهم في الحرام - ثم قال لهم الشيخ نعمة الله: على أية حال أنتم الآن من أهل الجنة، وسأذهب لآخرين أتحدث إليهم. - قالوا له: تكلم، تكلم يا شيخ. - قال: إلى متى أتكلم؟ أنتم الآن من أهل جنة الآخرة، وإني أدعوكم الآن إلى جنة الدنيا (المسجد)، ثم تساءل: ألم تشاركوا أنتم في التبرع لبناء المسجد المجاور لكم؟ - يقول الشيخ: إن لدي تجربة أن الذين يشربون الخمر هم أكثر سخاءً في التبرع للمساجد لأنهم يرجون المغفرة من الله - فقالوا بصوت واحد: يا شيخ نحن تبرعنا، نحن تبرعنا، ولكن يا شيخ كيف نذهب إلى المسجد ومنا من هو جنب؟ أجاب الشيخ: الجنب يغتسل في مكان الاغتسال بالمسجد، نعم الماء بارد ولكن كما قلت: إنكم مجاهدون والاغتسال بالماء البارد في الشتاء جهاد. - قالوا: والسكران؟ - قال: الثقيل في السكر يحمله اثنان خفيفان. وبدأ كل منهم يشجع الآخر للذهاب إلى المسجد، وهم يرددون: يا إخوان لنذهب إلى المسجد ألسنا مسلمين؟ 40 رجلاً ذهبوا للمسجد وبدأ الشيخ يقود الأربعين رجلاً إلى المسجد منهم من دخل المسجد، ومنهم جلس خارجه ينتظر، والشيخ يقرأ ويترجم: {قٍلً يّا عٌبّادٌيّ پَّذٌينّ أّسًرّفٍوا عّلّى» أّنفٍسٌهٌمً لا تّقًنّطٍوا مٌن رَّحًمّةٌ پلَّهٌ إنَّ پلَّهّ يّغًفٌرٍ پذٍَنٍوبّ جّمٌيعْا إنَّهٍ هٍوّ پًغّفٍورٍ پرَّحٌيمٍ >53<}(الزمر). وقال رسول الله [: «خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا». ثم قال بعضهم: يا شيخ أقرباؤنا في خمارات أخرى، تعال يا شيخ نذهب إليهم. ولقد حكى الشيخ هذه القصة لأحد العلماء الأتراك المجاورين في مسجد رسول الله [، فقال: إن لنا أبناء عمومة سمعنا أنهم يرتادون الخمارات، فذهبنا إليهم ووبخناهم إلا أنهم غضبوا وتشاجرنا وكادوا يضربوننا وانهزمنا!! بعد 3 أعوام ومرت الأعوام وتقادمت الأيام، وبعد ثلاث سنوات، كان الشيخ نعمة الله جالساً في مسجد رسول الله [، فإذا برجل تركي بعمامة وجبة ولحية يسلم عليه قائلاً: هل تعرفني يا شيخ نعمة الله؟ أجاب الشيخ: كيف لا أعرفك؟! أنا زرت أكثر مدن تركيا وقراها، وربما أنت أحد الأئمة أو المفتين في إحدى تلك المدن التي زرتها. قال الرجل: أنا أعرفك جيداً، وأنت لو تبقى ألف سنة لا تعرفني، أنا آخر سكران في برلين، خرجت من الخمارة يحملني اثنان، وتوجهنا صوب المسجد، وكنت أنت تشفق علي، فمسحت رأسي وقلت: «أنت غال عند الله يقبلك في بيته»، كنت ثملاً ولكني عقلت كلامك، انتظرت خارج المسجد إلى أن صحوت، اغتسلت وصليت وتبت إلى الله، ومنذ ذلك الحين وأنا أداوم على الصلاة والعبادات وزوجتي تحجبت وجئنا إلى العمرة ووفقنا للقائك والحمد لله