تقاسم الأسى الدمع ، وغزت الحيرة العقل .. أين بني الإنسان ؟! ألست منكم ؟! أليس من حقي أن أحيا ؟!
لم أكن عالة على أحد ، قضيت سني عمري مجتهدا ، هجرت الذل إلى حضن إخواني فلم أجده !! بقيت متمسكا بالمبدأ ولأجله ضاقت بي الحياة فلم أعترض ، حتى إذا ما وقع جدار الدار على فلذة كبدي " آمنة " صرخت أين الراعي من الرعية ؟!
تحدي شلل
ربما تعاق الجوارح وتقف الأركان إلا أن إرادة الإنسان وهمته تصبحا روحا تبعث فيه الحياة ، وتترسخ النظرية أن المشلول من شلت إرادته .
حياة شق دروبها رغم صعوبتها رأفت حمدان أبو طوقة (43 عام ) من سكان مخيم الشابورة برفح ، أرادوا حمايته من الشلل فأصابه ، وهو ابن عامين ونصف عندما أعطوه في عام 1969 م مصلا فاسدا مضادا للشلل.
تحرك المشلول بعيدا عن العجز فتعلم حتى الصف الثالث الإعدادي وأوقفت مسيرته الأوضاع المادية السيئة إلا أنه لم يسلم بذلك ، ذهب إلى سوريا وتعلم مهنة الساعات ليساعد والده ، وبعد أن قُفل محل والده عمل بائعا في دكان متنقل فاشتد عليه المرض وخلى بينه وبين الدكان صارفا ما جمعه على العلاج .
خدم متطوعا في جمعية المعاقين حركيا لمدة 6 سنوات ، وأخذ دورة دفاع مدني " إطفائيات " متطوعا ، وأنهى دورتي إسعافات أولية وتثقيف مدني للمعاقين، وحصل على شهادة في الكمبيوتر .
أكمل مسيرته فأنهى في صناعة تل السلطان دبلوم لف وصيانة محركات كهربائية مما مكنه من فتح محل في هذا المجال ، ونتيجة الانتفاضة والحصار وتراكم الديون أغلقه وباتت حياته أكثر سوءا .
تفوق معاق
أبدع أبو حمدان في مجال عمله متدبرا شؤونه بإصرار ، فلما تعطل بسرعة "السكوتر الكهربائي "_الممنوح له والخاص بالمشلولين_ احتاج بطاريات بألف وثمانمائة شيقل فاقت قدرته ، فتحدى الصعاب وقام بتشغيله على الطاقة الشمسية ، وقام بمد شبكة الكهرباء في بيته لتعمل الإنارة على الطاقة الشمسية.
وأولاده الثمانية ساروا على خطاه فتفوقوا في دراستهم ، حيث حاز ابنه الأكبر حمدان 18 عام على شهادة تفوق لعمله أفضل انجاز علمي ، وابنته الأخرى أسماء حصلت على الامتياز في دراستها الإعدادية ، وبقي هذا التفوق من الأب وأبنائه مقيدا بالأوضاع المادية السيئة والظروف المعيشية الصعبة ، لتحكم غصبا على حمدان _بعد أن أنهى الثانوية العامة هذا العام_ أن يترك الدراسة ويلجأ إلى العمل لمساعدة أسرته .
بيت من طين
بأي الكلمات يوصف بيته المبني من جدر طينية قديمة انتفشت بفعل الرطوبة والعوامل الجوية ، وتشققت فأصبح البيت آيلا للسقوط على رؤوس ساكنيه .
تمكث الأسرة المكونة من عشرة أفراد في مساحة 70 متر مربع ، وتظهر الصور وضعه المأساوي ، يتكون من ثلاث غرف صغيرة مفتحة على السماء لتغدو مصبا للأمطار في فصل الشتاء.
قبل زيارتنا له بيوم سقط الجدار الطيني _الفاصل بين الغرفتين _ وما فوقه من حجارة ثقيلة (قديمة البناء) على ابنته آمنة فأصابها بجروح في ظهرها ، والله وحده من لطف بها. وأحال الحادث العشرة ليبيتوا جميعا في الغرفة الأخيرة المتبقية .
ونظرا لأن شبكة الكهرباء قديمة أصيب البيت سابقا بحريق مما أدى لتلف معظم أثاث المنزل ، والسقف الإسبستي المرقع يزيد الصيف حرا ، ولا يقي من برد الشتاء .
والحمام الوحيد لا يصلح لدخول المعاق إليه ، فيقوم بدخوله واضعا حذاءا في قدميه ويديه ويزحف لقضاء حاجته ( لم نشأ تصوير المشهد حفاظا على كرامة الإنسان ).
أمانٍ وتساؤلات
يُعرف أبو حمدان بشهامته وعفة نفسه وتدينه الشديد ، وأثناء حديثه لفلسطين الآن قال :" أنا حالة لا أريد أن تتكرر ، ولولا انهيار جدار المنزل لما أسمعت صوتي لأحد " .
فاجأنا عندما اعتلينا الإسبست بوجود أحواض زراعة قام بزراعة أشجار فيها ويرعاها باستمرار .
وأخبرنا أنه يصعد إلى العلية بمساعدة ابنه ويمكث طويلا ناظرا إلى شجراته الصغيرة متمنيا أن يكون له بيت يصلح للإنسان ولو بمساحة مائة متر مربع ، وطالبا من الحكومة ومتأملا في رئيس وزرائها أن تمنحه قطعة أرض قائلا :" لا أطلب سوى مائة متر وبدلا من المساعدات التي تأتي متفرقة من أهل الخير أطلب منهم أن يعينوني لأبني بيتا وأسكن بكرامة ".
وقال :" أنا لم أكن يوما عالة على أحد ، وأنا مش عايز حسنات من أحد ، أريد وظيفة أترزق منها وأخدم فيها البلد ، وها أنا أجيد الكثير من الأعمال ".
وانفجر منه التساؤل عن أرباب البلد ومسئوليه ، وعن الذين يرعون ذوي الاحتياجات الخاصة وساءلهم والجراح تلفح صدره متنهدا هلا جئتم إلى بيتي لتفقد أحوالي ، لتعرفوا هل بيتي يصلح لي أو للسكن ؟ هلا سألتموني أنت مديون ولا مش مديون؟؟ ، موضحا أن ديونه زادت عن 3000 دولار ، ومضيفا لماذا يجب أن أعيش بالذل ؟ لماذا لا تراعى إمكاناتي وأحصل على وظيفة ؟ ، وترك السؤال محيرا أمامنا هل هذا حقي أم لا ؟؟
بل وتركنا متسائلين من لهؤلاء ؟؟ وغيرهم ؟؟ صرخة دوّت فهل من مجيب !!.
تعليق