من زوجة نلسون مانديلا إلى زوجات شهداء فلسطين!!
صلاح الدين يوسف 7/7/2011
تزخر التجارب الإنسانية بالكثير من المحطات المثيرة للإعجاب والدروس والعبر التي لابد من الوقوف عندها والتأمل فيها بكل جوانبها وزواياها الحادة والمنفرجة والقائمة، فجميلة هي الثقافات الإنسانية الزاخرة بسير العظماء، وتجاربهم المثيرة للإعجاب، والمثيرة للإستغراب، فهذا الكائن البشري كثيرا ما يبهرنا للمستوى الذي يمكن أن يصله والأداء الذي يقوم به.
من يتصفح كتاب "السجين 46664 نيلسون مانديلا ...سجين الحرية والاستقلال" سيثير إعجابه العديد من المحطات التي مر بها هذا الرجل في حياته منذ لحظة الميلاد وحتى خروجه من السجن بعد مرور أكثر من 27عام قضاها مع الحرمان، لا لشيء إلا لأنه وقف ضد التمييز العنصري الذي قاساه شعبه نتيجة الحكم العنصري للرجل الأبيض في بلده الإفريقي!!
ففي صفحات سيرة هذا الرجل وكتاب حياته العديد من الزوايا الحادة والمنعطفات الخطيرة التي يمكنها أن تغير مجرى حياة أي إنسان وتركعه أمام جلاديه وتكسر فيه العزيمة والإصرار.
ففي عام 1964م حكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة بسبب نضاله ضد الحكم العنصري في دولة جنوب أفريقيا، ولقي في السجن أشد أنواع التحقير والإذلال في ظروف سجن غير آدمية، فكان يفترش الأرض للنوم معظم فترة سجنه الطويلة، والزيارة كانت لمرة واحدة كل ستة شهور، ومنع من استقبال أي رسالة، ولم يسمح لزوجته بمقابلته بحجة أنه لايريد زيارتها!!
ومما زاد في معانات هذا الرجل وفاة والدته عام 1968م، وبعدها بعام تم اعتقال زوجته وظلت تلاقي أبشع صنوف التعذيب طوال سبعة عشر شهراً، ثم جاءه بعد فترة قصيرة نبأ وفاة ابنه ثمبو وعمره 22 عام وطفلاه دهساً تحت عجلات سيارة، وزاد في حزنه أن السجانين رفضوا السماح له بحضور جنازة ابنه وأحفاده.
ومما يشد الانتباه في حياة هذا الرجل أنه تزوج أكثر من مرة، كانت أسباب طلاقه في المرة الأولى أن زوجته لم تقف معه في محنته بل وكانت سببا في خلق جو من الضغط النفسي عليه، والأهم من كل هذا كله أنها وقفت ضد مبادئه وقيمه التي سخر نفسه لحملها.
في حين أن الزيجة الأخرى كانت مختلفة، وقد كان واضحا مع شريكة حياته منذ البداية، حين قال لها في بداية خطبته: (هل تقبلين الزواج من رجل متزوج ويقف على حافة أبواب الطلاق، ولديه من الأولاد ثلاثة، وينتظر حكما بالإعدام أو الأشغال الشاقة أو البرآءة ليبدأ فصلا جديدا من النضال والكفاح الوطني لتحرير شعبه من أغلال العبودية والتمييز العنصري؟).
وليس هذا وحسب بل إن زوجته عندما تم التضييق عليه في عمله لجره إلى الإفلاس وإلى الوقوع في براثن الفاقة والحاجة المادية صارت هي من يوفر نفقات البيت بدون أن تتذمر أو تمنّ عليه. لهذا فقد كانت تستحق الإشادة وأن يقرن اسمها باسمه لصبرها ووقوفها شامخة في وجه كل المحن والفتن التي طالت زوجها وطالتها خلال فترة نضاله الطويلة.
ولإن كان نيلسون مانديلا يمثل اليوم رمزا للتحدي والصمود في وجه الجلادين وأعداء الإنسانية فإنه من المنصف القول بأن هذه التجربة الإنسانية الفريدة من نوعها نلمحها في كل مدينة وفي كل حي فلسطيني يعيش فيه مناضلون ومجاهدون سطروا ملاحم الوطنية والكبرياء على أرض فلسطين الطاهرة، فكتبوا لا بالأحبار بل بالدماء قصصا من عز ستروى أبدا الآبدين للأجيال القادمة.
وفي كل قصة من هذه القصص بطولات وتضحيات لم تكتب لأنها تمثل الصفحات التي نقش عليها بالدماء الزكية الطاهرة ملاحم الكرامة الإنسانية. وما قيمة الكلمات إن لم تجد صفحات تحتضنها لترقد في صدرها بسلام وأمان.
إن لكل شهيد من شهداء فلسطين ترك خلفه زوجة صفحات احتضنت بطولاته، وكانت عون له في تضحيته، كيف لا وهي من أعانته على تحقيق مراده وكانت له الستر والغطاء في يوم من الأيام، وبعد مماته كانت هي المعين لأبنائه، فلئن حقق هو ما كان يصبوا إليه وانتقل إلى الرفيق الأعلى بعد أن أنهى معركته، فإنها لازالت تجاهد ولم تنتهي معركتها بعد.
ومن هذه القصص التي نقف أمامها إجلالا وإكبارا قصة الأخت الفاضلة أم مؤمن زوجة أحد شهداء العلميات الإستشهادية في القدس، فقد ارتقى زوجها شهيدا إلى العلياء بعد أن سجل واحدة من أقوى العلميات الإستشهادية في تاريخ الانتفاضة الثانية حينما جندل في معركة جسده الطاهر أكثر من 26 متطرفاً صهيونيا وعشرات الجرحى.
فلإن كان الشهيد قد أدى واجبه وأنهى معركته، فلا زالت زوجته المجاهدة أم مؤمن تخوض معركتها في هذه الدنيا وتعتني بأطفاله، وتسعى لتربيتهم ليحملوا الراية من بعده، وأي راية أطهر وأعظم من راية المسجد الأقصى الشريف.
فتحية لزوجات الشهداء والمناضلين نهديها لأرواحهنّ الطاهرة..
وقد ربح البيع أيتها الفاضلات العفيفات..
ولإن لم يذكركنّ أقلام المتحدثين فإن الله جل في علاه يعرفكنّ ويذكركنّ...
وأرواح أزواجكنّ تذكركم..
وملائكة الله تذكركنّ..
تعليق