إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

( وَلـَدِي ).،

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ( وَلـَدِي ).،

    يا قارئي أنت صديق فدعني أرق على يديك هذه العبرات الباقية !
    هذا ولدي كما ترى ، رُزِقته على حالٍ عابسةٍ كاليأس ، وكهولة بائسة كالهرم ، وحياة باردة كالموت ، فأشرق في نفسي إشراق الأمل ، وأورق في عودي إيراق الربيع ، وولّد في حياتي العقيمة معاني الجدّة والاستمرار والخلود !
    كنت في طريق الحياة كالشارد الهيمان ، أنشد الراحة ولا أجد الظل ، وأُفيض المحبة ولا أجد الحبيب ، وألبس الناس ولا أجد ما ألبس ، وأكسب المال ولا أجد السعادة ، وأعالج العيش ولا أدرك الغاية !!
    كنت كالصوت الأصم لا يُرجِعُه صدى ، والروح الحائر لا يُقِرّه هدى ، والمعنى المبهم لا يحدده خاطر !!
    كنت كالآلة أنتجتها آلةٌ واستهلكها عمل ، فهي تخدم غيرها بالتسخير ، وتميت نفسها بالدءوب ، ولا تحفظ نوعها بالولادة ، فكان يصلني بالماضي أبي ، ويمسكني بالحاضر أجلي ، ثم لا يربطني بالمستقبل رابط من أمل أو ولد ..
    فلما جاء ( رجاء ) وجدتني أولد فيه من جديد ؛ فأنا أنظر إلى الدنيا بعين الخيال وأبسم إلى الوجود بثغر الأطفال ، وأضطرب في الحياة اضطراب الحي الكامل يدفعه من ورائه طمع ، ويجذبه من أمامه طموح !
    شعرت بالدم الحار يتدفق نشيطاً في جسمي ، وبالأمل القوي ينبعث جديدا في نفسي ، وبالمرح الفتي يضج لاهياً في حياتي ، وبالعيش الكئيب تتراقص على حواشيه الخضر عرائس المنى !
    فأنا ألعب مع رجاء بلعبه ، وأتحدث إلى رجاء بلغته ، أتبع عقلي هوى رجاء ، فأدخل معه دخول البراءة في كل ملهى ، وأطير به طيران الفراشة في كل روض ثم لم يعد العمل الذي أعمله جديراً بعزمي ، ولا الجهد الذي أبذله كفاءً لغايتي ، فضاعفت السعي ، وتجاهلت النصب ، وتناسيت المرض ، وطلبت النجاح في كل وجه !
    ذلك لأن الصبي الذكي الجميل ، أطال حياتي بحياته ، ووسّع وجودي بوجوده ، فكان عمري يغوص في طوايا العدم قليلا ليمد عمره بالبقاء ، كما يغوص أصل الشجرة في الأرض ليمد فروعها بالغذاء ..
    شغل رجاء فراغي كله ، وملأ وجودي كله ، حتى أصبح شغلي ووجودي !
    فهو صغيراً أنا ، وأنا كبيراً هو ؛ يأكل فأشبع ، ويشرب فأرتوي ، وينام فأستريح ، ويحلم فتسبح روحي وروحه في إشراق سماوي من الغبطة لا يوصف ولا يحدّ !!
    ما هذا الضياء الذي يشعّ في نظراتي ؟
    ما هذا الرجاء الذي يشيع في بسماتي ؟
    ما هذا الرضا الذي يغمر نفسي ؟
    ما هذا النعيم الذي يملأ شعوري ؟
    ذلك كلّه انعكاس حياة على حياة ، وتدفق روح في روح ، وتأثير ولد في والد !؟
    ثم انقضت تلك السنون الأربع !
    فطوّحت الواحة وأوحش القفر ، وانطفأت الومضة وأغطش الليل ، وتبدد الحلم وتجهّم الواقع ، وأخفق الطب ومات رجاء !!
    يا جبّار السموات والأرض رُحماك !!
    أفي مثل خفقة الوسنان تبدّل الدنيا غير الدنيا ، فيعود النعيم شقاء ، والملأ خلاء ، والأمل ذكرى ؟!
    أفي مثل تحية العجلان يصمت الروض الغرد ، ويسكن البيت اللاعب ، ويقبح الوجود الجميل ؟!
    حنانيك يا لطيف !
    ما هذا اللهيب الغريب الذي يهب على غشاء الصدر ومراق البطن فيرمض الحشا ويذيب لفائف القلب ؟
    إن قلبي ينزف من عيني عبرات بعضها صامت وبعضها معول !
    فهل ببيان الدمع ترجمان ، ولعويل الثاكل ألحان ؟
    إن اللغة كون محدود فهل تترجم اللانهاية ؟
    وإن الآلة عصب مكدود فهل تعزف الضرم الواري ؟
    إن من يعرف حالي قبل رجاء وحالي معه يعرف حالي بعده !
    أشهد لقد جزعت عليه جزعاً لم يغن فيه عزاء ولا عظة !
    كنت أنفر ممن يعزيني عنه لأنه يهينه ، وأسكن إلى من يباكيني عليه لأنه يكبره ، وأستريح إلى النادبات يندبن الكبد الذي مات والأمل الذي فات ، والملك الذي رُفع !
    لم يكن رجاء طفلاً عادياً حتى أملك الصبر عنه وأطيع السلوان فيه ؛ إنما كان صورة الخيال الشاعر ورغبة القلب المشوق !
    كان وهو في سِنِّهِ التي تراها ، يعرف أوضاع الأدب ، ويدرك أسرار الجمال ، ويفهم شؤون الأسرة ، ويؤلف لي ( الحواديت ) كلما ضمني وإياه مجلس السمر !
    كان يجعل نفسه دائماً بطل ( الحدوتة ) فهو يصرع الأسود التي هاجمت الناس من حديقة الحيوانات ، ويدفع ( العساكر ) عن التلاميذ في أيام المظاهرات ، ويجمع مساكين الحي في فناء الدار ليوزع عليهم ما صاده ببندقيته الصغيرة من مختلف الطير !
    والهف نفسي عليه يوم تسلل إليه الحِمام الراصد في وعكة قال الطبيب : إنها ( البرد ) ، ثم أعلن بعد ثلاثة أيام أنها ( الدفتريا ) !
    لقد عبث الداء الوبيل بجسمه النضر كما تعبث الريح السموم بالزهرة الغضّة !
    ولكن ذكاءه وجماله ولطفه ما برحت قوية ناصعة ، تصارع العدم بحيوية الطفولة !!
    والهف نفسي عليه ساعة أخذته غصة الموت ، وأدركته شهقة الروح ، فصاح بملء فمه الجميل / ( بابا ! بابا! ) كأنما ظنّ أباه يدفع عنه ما لا يدفع عن نفسه !
    لنا الله من قبلك ومن بعدك يا رجاء ، وللذين تطولوا بالمواساة فيك السلامة والبقاء ..


    من روائع النثـر العربي ..
    للأديب الكبير: أحمد الزيات.

  • #2
    رد : ( وَلـَدِي ).،

    ^^..بـــوركت أُخـيـا
    ^^. تقبل مروري
    تحــآيــآي لــكم

    تعليق


    • #3
      رد : ( وَلـَدِي ).،

      أكثر من رآئع .. إلى حد أنني لم أتجاهل حرفاُ مما كُتِب !
      سبحان ربي جاعل الأبناء آمالاً .. أحلاماً .. نضرة ..
      تقبّلي جلّ التقدير ..
      نضّرَ اللهُ أيامَكِ. .

      تعليق


      • #4
        رد : ( وَلـَدِي ).،

        المشاركة الأصلية بواسطة .دجانة المهاجر. مشاهدة المشاركة
        ^^..بـــوركت أُخـيـا
        ^^. تقبل مروري
        تحــآيــآي لــكم
        دجانة./
        ممتنة لك.

        تعليق


        • #5
          رد : ( وَلـَدِي ).،

          بـوركـتي يـآ أخـت ::

          جزاك الله خيرا ::

          تعليق


          • #6
            رد : ( وَلـَدِي ).،

            المشاركة الأصلية بواسطة رذَاذْ مشاهدة المشاركة
            أكثر من رآئع .. إلى حد أنني لم أتجاهل حرفاُ مما كُتِب !
            سبحان ربي جاعل الأبناء آمالاً .. أحلاماً .. نضرة ..
            تقبّلي جلّ التقدير ..
            نضّرَ اللهُ أيامَكِ. .
            الكريمة: رذاذ./
            هذه الرئعة جعلتني أبحث عن مؤلفاته و لم أجد منها سوى : من وحي الرسالة !
            كل التقدير للحضور الجميل.

            تعليق


            • #7
              رد : ( وَلـَدِي ).،

              المشاركة الأصلية بواسطة شُـ ـمُوخْ مشاهدة المشاركة
              بـوركـتي يـآ أخـت ::

              جزاك الله خيرا ::
              الكريم: شموخ./
              و فيك بارك المولى .،

              تعليق

              جاري التحميل ..
              X