إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الواقع الفلسطيني الراهن آفاق وتحديات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الواقع الفلسطيني الراهن آفاق وتحديات


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الواقع الفلسطيني الراهن
    آفاق وتحديات

    الاحتقان الداخلي المتصاعد في الشارع السياسي والمجتمع الفلسطيني , يراكم بخطواته اليومية المتتالية كومة هائلة من المعوقات على طريق إعادة التلاحم الوطني , ويسرع بالمقابل إمكانيات الصدام الداخلي , إن الضبابية حول المستقبل السياسي بالحصار الخارجي الظالم, والحالة المجتمعية المتردية اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا , تقود إلى فوضى الاختيارات والقرارات المرتجلة , فإصرار الحكومة الفلسطينية على التمترس خلف برامجها الكلية وشعاراتها المطلقة يضع قيدا على التقدم بأي خطوات عملية , فطرح شعارات عامة مثل الدخول في هدنة طويلة الأمد يحتاج إلى خطوات عملية متبادلة , ولا تتم تلقائيا أو بوساطة طرف خارجي .
    الحكومة الفلسطينية لا تشكل قوة إقليمية ذات شأن تستطيع أن تملي على العدو الإسرائيلي الاستجابة لشروطها , أو تفرض تدخلا خارجيا يرسي حالة الأمن والاستقرار في المنطقة على قاعدة الحل العادل للقضية الفلسطينية , فقد أثبتت السنوات الطويلة السابقة تداخل العديد من العوامل والإرادات في إدارة هذا الصراع المعقد . وعلى كل حال , فمهما كانت القضية الفلسطينية بأبعادها الإنسانية والوطنية والعقائدية عادلة , فإن هذه القناعات تخص الطرف الفلسطيني والعربي بصفة عامة , ولا تشكل على مستوى العلاقات الدولية عاملا ضاغطا نحو الحل العادل , إلا بمقدار ما تتمتع به الأطراف الخارجية والدولية الأخرى من قيم إنسانية عليا , وإلا بالمقدار الذي ينصاع فيه الطرف الآخر إلى قرارات الشرعية الدولية ومتطلبات العيش المشترك بين الشعوب , والذي تضمنته كافة المواثيق الدولية والشرائع الإنسانية على امتداد تاريخها الطويل , وقد أثبتت التجارب السياسية السابقة أن العدو الإسرائيلي لديه تصوراته الإستراتيجية التي لا تأخذ بالحسبان الحقوق الوطنية الفلسطينية . فالقضية الفلسطينية يجب حلها في إطار التصورات الإستراتيجية الإسرائيلية وليس على حسابها . إن هذا بالقطع لا يدخل في ثقافة التيئيس وإنما يدخل في إطار ضرورة قراءة الواقع بدون أوهام إضافية , فالدول العربية بالغت في الانطواء على قطريتها ولم تعد تعطي الآمال القومية أهميتها, وهي في معظمها تعيش على المديونيات الخارجية , وحتى الغنية منها فإنها مكبلة بقيود الانتماء لمنظومة رأس المال الوظيفي , بالإضافة إلى ما تعيشه معظم المجتمعات العربية بالانشغال في صراعات حول التكامل الوطني , هذا مع الغياب الكلي لمفهوم الحركة الوطنية العربية , والذي تمت إزاحته على يد قوى الإسلام السياسي التي لم تجد حتى اليوم رابط مشترك فيما بينها .
    هذا الانغلاق السياسي يجعل البحث عن مخارج انفتاح في الواقع الفلسطيني المعاش أشبه بالمستحيل , فالحالة السياسية العالمية اليوم , تشبه الحالة السياسية في ما بعد الحرب العالمية الثانية , التي شهدت تصاعدا في نفوذ الدول الاستعمارية , والذي استغلته الحركة الصهيونية في الإعلان عن قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي , واليوم تحاول دولة الاحتلال ترسيخ أبعاد وجودها في المنطقة بغطاء إقليمي ودولي , وحتى التداخل مع المراكز المؤثرة في صناعة القرار والرأي العام لإضفاء الشرعية على تلك الأبعاد , مستغلة الوضع الدولي الذي يخلط بين المقاومة الوطنية والإرهاب .
    حكومة عقائدية فلسطينية بهذه الأبعاد , سوف لن تكون قادرة على التعاطي مع الواقع الدولي بمواصفاته الحالية , وهي غير قادرة في ذات الوقت على إحداث تغيرات مهما كانت أهميتها على المستوى الإقليمي والدولي , فعلى المستوى الإقليمي سواءً العربي أو الإسلامي , لا يوجد هناك نظام سياسي يقبل بمقايضة علاقاته بالحكومة الفلسطينية مقابل علاقاته بالولايات المتحدة الأمريكية على الأقل وسط هذا الاستقطاب الدولي الحاد والظالم في آن واحد . استحالة الانفتاح على المحيط الإقليمي أو الدولي مهما كان خطاب الحكومة الفلسطينية السياسي متفائلا , واستحالة التقدم ولو بخطوات محدودة على مستوى العملية السياسية , يجعل الساحة الداخلية الفلسطينية هي مجال الفعل العملي , ونظرا لانغلاق الأفق الوطني فإن البرامج المتعارضة سوف تقود في النهاية إلى حالة من الشلل الواقعي أو لا قدر الله إلى الصدام الفعلي .
    المخرج من هذا المأزق يتطلب تفاهما وطنيا يقوم على المصداقية والصراحة وبعيدا عن تضخيم البرامج والأدوات , فنحن أمام عدو حديث في عهده الاستعماري ولا يأبه للرأي العام العالمي , ومع ذلك يدير معركته ضدنا بالكثير من الكفاءة , الكفاءة التي نحن أحق بها في إدارة شأننا الوطني .
    المأزق الوطني يتمثل في وجود كيانية سياسية مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي لمعظم الأراضي الفلسطينية , مما يتطلب إبداعا في إدارة الشأن السياسي / الوطني , والشأن الاقتصادي / الاجتماعي, والدور الوظيفي للمجتمع على طريق الحل المنتظر , من المؤكد ان أي طرف من أطراف الصراع لن يلجا الى التفاوض إذا كان بمقدوره كسب الصراع بالكامل , أي إرغام العدو على الاستسلام بدون شروط , وبخلاف ذلك فان المساومة تصبح محتمة , وهنا يثور السؤال المصيري بمعنى :
    متى تكون المساومة تكتيكا مشروعا ؟ بمعنى متى يتحتم على حركة وطنية ان تتبع أي نوع من تكتيكات المساومة ؟ القاعدة العامة التي يمكن الاستناد إليها من أدبيات حركات المقاومة فيمكن صياغتها كالتالي : المساومة السياسية تمثل تكتيكا مشروعا عندما تقترب الحركة الوطنية حقيقة من تحقيق أهدافها أو عندما يتهدد توازن القوى المفترض في المستقبل المنظور بمزيد من التدهور في غير صالح حركة التحرر الوطني "الثورة",بمعنى انه كما في الاقتصاد فان القاعدة الرشيدة التي يقوم عليها أي مشروع اقتصادي ناجح تتمثل في " السعي لتحقيق أقصى معدل للربح , مقابل تحقيق حد ادني من الخسارة ".
    ان الاستمرار في خط الصراع يتطلب بناء نظام اجتماعي قادر على تحمل تكلفة المقاومة أو توزيع عوائدها بالتساوي , وهذا ما يحتم التلاقي على مستوى الساحة الداخلية الفلسطينية, فلا يمكن الاستمرار في إدارة الصراع بمرجعيات متعارضة أو ببرامج متضادة أو بأدوات ورؤى قتالية متشرذمة , والتخفي وراء احتكار الصواب . فإذا كان من المنطق عدم الافتراض بان العدو الإسرائيلي سوف يقوم بتسهيل مهماتنا على مستوى الجبهة الداخلية , فان من المنطق ايضا عدم تسهيل مهمة العدو في محاربتنا , وهذا يتطلب تصورا حقيقيا لما يمكن ان يكون عليه الشأن الوطني إذا ما استمر التجاذب الداخلي , فلا يمكن للحكومة الفلسطينية الحالية التي تقف خلفها حركة حماس ان تقود الصراع مع العدو الإسرائيلي منفردة , أو ان تفرض برنامجها السياسي الخاص بها على المجتمع , خاصة إذا كان مبهما غير محدد البنود والخطوات وآليات التطبيق , والتخفي ايضا خلف مقولات وشعارات كلية تقوم على إدانة كل ما سبقها من محطات سياسية , وتكيل إليها ما تسميه حالة الدمار المتردية التي وصل إليها المجتمع الفلسطيني , أو كما وصفها الكثير من المتحدثين باسم الحكومة الفلسطينية وحركة حماس " أنها أوصلت المجتمع الفلسطيني إلى الدرك الأسفل " , أو على إعلاء شعارات الرفض السلبية حول عدم التفاوض وعدم الاعتراف التي ليست هي مطلوبة أصلا , وفي المقابل فإن على مكونات النظام السياسي الأخرى , ممثلة في مؤسسة الرئاسة والأجهزة التابعة لها , والقوى السياسية الأخرى ومنظمات المجتمع المدني ان تجري مراجعة نقدية لتجربتها السياسية السابقة وتنقيتها من الشوائب التي علقت بها , والتخلص من بقايا المراهنات السياسية على تطمينات أو مشروعات سياسية غير عملية , والالتفات إلى الداخل لصياغة تحالفات وطنية إستراتيجية غير مرتهنة لمشيئة الآخر أو تبعا لرغباته .
    قد تكون الحكومة الفلسطينية الحالية محطة على طريق تحقيق الحلم الفلسطيني وقد تكون شيئا آخر , خاصة إذا ما اختارت الولاءات الخارجية على حساب الأولويات الوطنية , أو إذا اختارت المصلحة الحزبية الضيقة على حساب المصلحة الوطنية العامة , فكثيرا ما ينم الحديث عن أن المبادرات السياسية قد تؤدي إلى انقسام الحركة , يعني حركة حماس , وكأن الحركة تحتل الأولوية أمام المشروع الوطني , هذه كلها قضايا تحتاج إلى مصداقية ووعي حقيقي لخطورة المرحلة الوطنية الحالية , فأي اقتتال داخلي , أو مزيد من التقوقع خلف البرامج والمواقف , سيقود إلى وداع مأساوي للمشروع الوطني الفلسطيني وإيذانا بفتح صفحة إسرائيلية طويلة المدى , يكون المستقبل الفلسطيني في أحسن أحواله , على شاكلة إمبراطورية الزوايدة , أو كانتونات رفح وما حولها , أو إمبراتطورية طولكرم وجنين , أو أي مسميات أخرى غير مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة وعلى حساب كافة الثوابت الوطنية , وعندها سوف نكون ضحايا صناعة التاريخ بدلا من ان نكون احد حقائقه .

    2/6/2006
    راسم المقيد
    كاتب فلسطيني وأسير محرر
جاري التحميل ..
X