فتح " حشرة " إسرائيل في الزاوية !!
صهيب الحسن/غزة
صاح الديك الفصيح " جمال محيسن " عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، صباح الإستيقاظ من غفلة التفاوض بعد أكثر من عشرين عاماً، بتصريح مفاده أن حركة فتح قد حشرت إسرائيل في الزاوية أمام الساحة الدولية، مرتكزاً إلى رصيد الإنجازات، نافياً بدوره الإعتقال السياسي في الضفة المحتلة، مؤكداً أن حماس تهربت من استحقاقات المصالحة التي تأتي في إطار إنهاء الإنقسام بدعوى تأثرها بالضغوط الإيرانية.
وفي الواقع نحن أمام حالة فريدة من نوعها ما زالت تنافح عن منظمة مترهلة منذ السبعينيات قامت بقرار الأنظمة العربية ، بهدف احتواء التوجه الفدائي لها، ولتبرئة نفسها امام شعوبها، وأخيراً لاستنساخ مثيل مشابه لها في الديكتاتورية يتم فرضه في فلسطين لإلجام صوت المعارضة والمقاومة، كما يجري تماماً في الضفة المحتلة، وقد تراجع دور المنظمة منذ دخلت معترك الحرب الأهلية اللبنانية، ولهوثها الحثيث وراء الإنخراط في الساحة الدولية، مستسلمة بشكل كامل للإشتراطات الإسرائيلية حين اعترفت بالكيان الصهيوني، وتهافُت برنامجها الوطني فاقد المصداقية أمام القضية الفلسطينية، ما أحدث أضراراً جسيمة فيها، وتدريجياً تراجعت إلى اقتصار دورها على " حزب سلطوي " جعلها تخسر جزءاً كبيراً من سحرها " الثوري " .
هذا الحزب السلطوي الذي انفضت من حوله معظم التنظيمات اليسارية وما تبقى منها، ناهيك عن الإنشقاقات الداخلية التي تعصف به، بداية بانشقاق صبري البنا احتجاجاً على ما سماه بانخراف قيادة (فتح) باتجاه التعامل مع الحلول السلمية للقضية الفلسطينية مروراً بانشقاق باسم عبد الغفور عقب خروج المنظمة من لبنان احتجاجاً على (الخلافات الداخلية لفتح)، كلها قد تكللت بحروب " المخيمات " بين الفصائل المتنازعة في لبنان.
اصطدمت هذه التراجعات الجوهرية لدى فتح بصعود البرامج الإسلامية المغايرة أيديولوجياً والأهداف السياسية، حيث اتجهت فتح إلى استثمار ورقتها للدخول في مستنقع المفاوضات بالطرق السلمية، إلى جانب التراجع المدوي للانظمة العربية، وما تمخض عنه من توقيع الاتفاقيات المهينة مع الأردن ومصر، فجاءت فتح في سبيل تقليد هذه الأنظمة وبدعم منها لإنهاء الملف الفلسطيني بأبخس الأثمان، فاستجابت لضغوط الساحة الدولية التي يتشدق بها جمال محيسن اليوم للمشاركة في مؤتمر مدريد بشروط صهيونية بحتة، وحين تعثرت هذه المفاوضات بادرت فتح إلى التفاوض سراً مع الكيان الصهوني الذي أينع باتفاقية أوسلو المهينة التي جاءت تنسجم مع طموح فتح للحفاظ على مستقبلها السياسي، فأنشت الحكم الذاتي وبدأت بمهاجمة البرامج المغايرة لها ليتسنى لها الاستمرار في تطبيق الإشتراطات الصهيونية في الضفة والقطاع، الرامية لاستئصال المقاومة بشكل كامل.
وبالفعل فمنذ قدوم المنظمة إلى الضفة والقطاع حصل الصدام المباشر بعد أقل من عام إلى إنطلاقة حماس، فقمعت فتح الأخيرة وضربت بنيتها التنظيمية والتحتية، وبالرغم من ذلك استطاعت حماس تجاوز هذه العقبة الكأداة في يد الإحتلال إلى تكوين ذاتها وإعادة بناءها ذاتياً، رغم قلة الإمكانيات، وشحّة مصادر الدعم، في الوقت الذي كان تلعق قيادات فتح جميع الأيادي ( الأميركية، الصهيونية، الإيرانية ) ، فانتفضت حماس رغم الضربات القاصمة من جديد، مرتكزة إلى الالتحام المؤسساتي وأذرعها السياسية والدعوية والعسكرية، وانخراطها اجتماعياً في الشعب الفلسطيني الذي عرف عن قرب هذه الحركة الإسلامية، ليختارها في صندوق الإقتراع حيث اكتسحت المجالس النيابية، في الوقت الذي كان ينبغي أن يتراجع دور فتح إلى " المعارض " .
لكن فتح رفضت هذا الخيار الديموقراطي، وانقلبت عليه حين استمرت في مشاريعها التسووية، وتخليها عن السلاح، ومشاركتها في الحصار على الحكومة، ومساهمتها في ضرب حماس وهذا ما أكدته الوثائق التي تم الحصول عليها بعد الحسم العسكري 2007، والوثائق التي سربتها ويكليكس 2010 التي أفادت بطلب فتح بشكل مباشر من الإحتلال لضرب قطاع غزة ليتسنى لها العودة لحكمها السلطوي الذاتي من جديد !
كل هذا بالإضافة إلى التمزق الداخلي الذي يجتاح حركة فتح، والتي كان آخرها محاولة إنقلاب القيادي في الحركة، وقاتل رئيسها التاريخي - محمد دحلان -، ناهيك عن خروج رائحة الفساد من حكومة سلام فياض بعد التقارير العالمية التي حازت على المرتبة السابعة في قائمة الحكومات الفاسدة !!!
ونحن في ذكرى حرب غزة، لم نشهد تحرك جوهري لفتح ورئيسها في الساحة الدولية انتصاراً للدماء الفلسطينية البريئة، بل على النقيض من ذلك تماماً، فلقد ألجمت إسرائيل عباس وحذرته من المشاركة في القمة الطارئة لإدانة الجرائم الإسرائيلية في قطر، وارتهانه للإشتراطات الأميركية بمواصلة المفاوضات، وإلا فالتلويح بالصنيعة الأميريكية الدحلانية حاضر في المشهد لولا انفضاح أمره !!!
لقد باتت حركة فتح بدون مبالغة " حشرة " إسرائيل في زاوية الصراع ، لأن الإحتلال أحسن تشكيل هذه الحركة بما ينسجم مع مخططاته وأهدافه الإجرامية ذات الغطاء الدولي والعمالة الديكتاتورية للأنظمة العربية، يحق لنا الآن نتسائل هل حشرت فتح إسرائيل في الزاوية ؟
تعليق