عندما كانت جدتي رحمها الله تحدثني - وأنا طفل - عن أحد أقاربنا الذي كان يأتي من القدس للحج والعمرة كل عام ثم انقطعت أخباره كنت أتساءل كيف له أن يكون قريبا لي وهو فلسطيني وأنا سعودي ؟! لم تكن رحمها الله قادرة على إجابتي إجابة تشفيني , كبرت وتعلمت وقرأت وتابعت الأحداث الفلسطينية في الثمانينيات الميلادية فشهدت أحداث صبرا وشاتيلا وفك الارتباط الأردني بفلسطين وانتفاضة الحجارة الأولى ثم عملية السلام - زعموا - وجريمة الحرم الإبراهيمي وكان أكثر شيء يؤلمني هو ما أسمعه من أخبار تتحدث عن مخطط هدم المسجد الأقصى خاصة بعد أن قرأت عن جريمة حرقه أواخر الستينيات لكن الشيء الذي كان يثير حيرتي واستغرابي هو التنازل العربي عن الحقوق الفلسطينية وتفريطهم بها فمن المطالبة بكامل الأراضي من البحر إلى النهر إلى المطالبة بالأراضي المحتلة سنة 67 وبالقدس الشرقية فقط ومن رفض الوجود الإسرائيلي والتهديد برميها في البحر إلى القبول بحل الدولتين ومن مصطلح الكيان الصهيوني والعدو الإسرائيلي إلى مصطلح دولة إسرائيل وحكومة إسرائيل ومن المجرم شارون وشامير إلى السيد شارون وباراك ومن النفي المتواصل للأخبار المسربة من الإعلام الغربي عن المفاوضات السرية مع إسرائيل في فندق بأوروبا أو يخت في خليج العقبة إلى المفاخرة بهذه المفاوضات بل واستقبال مجرمي تل أبيب بالأحضان والقبلات والتسابق لخطب ود العدو وإقامة العلاقات والصفقات معه فوق الطاولة أو تحتها !
كثيرة هي الأحداث التي أثارت استغرابي وتساؤلي دون أن أجد تفسيرا لها وقتها ففي الوقت الذي كنا نقرأ وندرس النصوص الأدبية التي تدعو إلى الجهاد ضد اليهود وتستحث الهمم بذكر الأبطال صلاح الدين الأيوبي وعز الدين القسام ونشاهد ونقرأ بطولات أطفال ورجال المقاومة في فلسطين نجد أن المواقف الرسمية تقف في صف الخونة الذين باعوا القضية التي زعموا أنهم تزوجوها ووقفوا أنفسهم وحياتهم عليها لتكشف الحسابات السرية في بنوك سويسرا من البائع ومن المشتري وما الذي بيع وبكم ؟! إلى أن وصل الأمر إلى محاربة المقاومة والاشتراك في حصار أبطالها بل والقيام بدور الحارس على حدودها ومطالبة إسرائيل بعدم رفع الحصار والاستمرار في إيذاء هذا الشعب البطل وتخويف الغرب من نتائج دعمهم والتخفيف عنهم !
فلسطين ضاعت بين أنظمة استغلتها لتلميع ذاتها والتكسب من ورائها وبين خونة باعوا وطنهم وأهلهم ورضوا بدور العميل الخائن واحتارت الشعوب العربية فيما ترى وتسمع صفقت كثيرا وهتفت كثيرا بحياة أبطال تبين لاحقا أنهم في خانة العدو عدوا في صورة صديق .. ضحك عليها الإعلام وخدعتها الصحافة الكاذبة لكن جاء الوقت الذي زالت فيه الحجب وتكشفت فيه العورات وبان العدو من الصديق وعرف الشعب العربي من يستحق أن يكون ممثلا للفلسطينيين ومتحدثا باسمهم ممثلا اختاروه بأنفسهم بعد أن رأوه يموت كما يموتون ويجوع كما يجوعون ويحاصر كما يحاصرون ! وهم اليوم يعلمون أن هذه العصابة المؤمنة منصورة لأنها على الحق ولأنها صابرة وإنما النصر صبر ساعة !
يقف الجميع معهم لأن القضية اليوم قضية أمة لا قضية شعب قضية دين لا قضية أرض يكون فيها الفلسطيني المحاصر هناك جزءا مني وأخا وقريبا لي وكما أن الحدود لم تمنع قريبي الفلسطيني ذاك أن يزورنا ونحن أهله وقرابته فلن تمنع الحدود العرب والمسلمين من دعم إخوانهم والوقوف إلى جوارهم والمساهمة في فك الحصار عنهم وهي بشارة خير وبقعة ضوء في واقع أسود ونفق طويل مظلم لكن ستكون نهايته قريبة وستطلع الشمس التي تبدد سواده وظلمته .. سلامي لأهل الرباط وجحافل النصر في غزة العز والكرامة
بقلم فالح الخزاعي