فرّغ لي قلبك الآن لحظات .. بعْد هذه اللحظات لله جل جلاله
_ مع أن حياتك كلها في الأصل لله سبحانه _ ..
تعال لنصغ إلى رسولنا الحبيب بكلية قلوبنا ..
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث ..إن كل كلماته تتلألأ بين شفتيه ، وتحت كل كلمة إشراقها ونورها ،ومع كل معنى سمو وارتقاء وعز ، وفي كل عبارة تتفتح أبواب السماء ، فتهتز النفس الصافية ، لأنه يولّد في القلب نفحات سماوية خاصة ،
المهم فرّغ لهذه الكلمات قلبك ، واتجه به نحو السماء ..
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إنّ للهِ تعالى ملائكةً يطوفون في الطرق ، يلتمسون أهل الذكر ،
فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله عز وجل ، تنادوا : هلموا ،
هلموا إلى حاجتكم ،فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا ، فيسألهم ربهم وهو أعلم : ما يقول عبادي ؟ قال: يقولون : يسبّحونك ، ويكبّرونك ، ويحمدونك ،
ويُمّجدونك . فيقول : هل رأوني ؟ فيقولون: لا والله ما رأوك .فيقول : كيف لو رأوني ؟
فيقولون : لو رأوك كانوا أشد لك عبادة ،
وأشد لك تمجيداً ، وأكثر لك تسبيحاً .. فيقول : فماذا يسألون ؟ قال: يقولون : يسألونك الجنة .
قال : فيقول: وهل رأوها ؟ فيقولون : لا والله يا رب ما رأوها .
قال : فيقول: فكيف لو رأوها ؟قال : يقولون : لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً ،
وأشد لها طلباً ، وأعظم فيها رغبة . قال: فممَ يتعوّذون ؟ قال:
يقولون : يتعوّذون من النار. قال : فيقول: وهل رأوها ؟قال: فيقولون : لا والله ما رأوها .
فيقول: كيف لو رأوها ؟قال : يقولون :
لو رأوها كانوا أشد منها فراراً ، وأشد لها مخافة . قال : فيقول: أُشهدكم أني قد غفرت لهم .
قال: فيقول ملك من الملائكة : فيهم فلان ليس منهم ، إنما جاء لحاجة .
قال : فيقول : هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم ."
رواه البخارى..هذا الحديث فيض من السماء ، وقراءته في لحظة صفاء
روحي كفيلة أن تهز القلب هزاً حتى تفيض العين بدمعها ،وفي كل مرة تعيد قراءته
تطالعك دروسه الكثيرة وفوائده المتنوعة ، ولذا فما أشد حاجة قلوبنا إلى
مدارسة هذا الحديث والتذكير به : تذكير أنفسنا وأهلينا ، وزملائنا ،
والناس أجمعين .. لأنه حديث شجي يعطر القلوب ويحييها ..
في الختام أحب أن ألفت النظر إلى قضية وردت في الحديث ، هي من الأهمية بمكان :
يلاحظ أنه ذكر أن هناك ملائكة متخصصين في البحث عن أهل الذكر أينما كانوا : في بيت .. في حديقة .. في مدرسة .. في سيارة .. في مكان عمل ….
فإذا وجدوا هذه الأجواء المعطرة فرحوا بها ، وتهللوا لها ،وأخذ بعضهم ينادي بعضاً إليها ، فيحيطونهم ، ويحفونهم بأجنحتهم ، فيتعطر المجلس بعبق سماوي خالص ،
لاسيما وان السكينة تتنزل معهم ، والرحمة تغشى الجميع في تلك اللحظات _ كما وردت
الرواية الأخرى بذلك _ومن ثَمّ فلا شك أن لهذه النفحات أثرها الكبير على قلوب الجالسين ،
فإذا تكررت ، في كل يوم مرة فإن آثاراً واضحة سوف يجدها هؤلاء القوم في
حياتهم العملية في دنيا الناس .. المهم أن يُحسنوا استقبال هذه النفحات ، ويُحسنوا
كذلك استثمارها ،بعدم تضييعها أو التفريط فيها ..
أما أهل الغفلة فقد تخصصت بهم ولهم ومن أجلهم فرقٌ من الشياطين :
يحببونهم في المعصية ودوائرها ، ويهيجونهم إليها ، ولا يتكلمون إلاّ في التفاهات بعيداً
عن الله عز وجل ، لغة الشهوة هي اللغة السائدة بينهم ، ورائحة المعصية هي المتفشية فيهم .. والأعجب أن يحسب هؤلاء المساكين أنهم بخير وفي أحسن حال ، وأن كل شيء جيد ،
وعلى ما يُرام ، وأنهم يُحسنون صنعا ، وأنهم بهذا يكونون سعداء ...!!
وصدق الله العظيم : (( نســوا الله ، فأنساهم أنفسهم )).. (( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ..))
ولنختم بهذه الفائدة الجليلة :
وفي الحديث إشارة إلى أن : بإمكانك أن تحوّل المجلس الذي تكون فيه إلى مجلس
تتنادى له الملائكة ، وتحتفي به ، وأن تجعل كل مجلس تكون فيه مجلس يباهي الله به
ويذكره في ملأ عنده .. بذلك تكون قد قررت أن تصبح شامة في وجه الدنيا ،لأنك مرتبط
بمباشرة بالسماء ولا تستطيع الصبر عنها ..فهنيئاً .
قد طال اغتراب ألسنتنا عن اللهاج بذكر القدير العلى ذى الملكوت و الجبروت فتعال معى
نؤمن ساعة .... استثمر النور الإيمانى الذى حواك الآن ...و اعلم أن الله أراد بك رشدا
و هداية فيسر لك وصول هذه الكلمات إليك .... خصك بها دون ملايين يجوبون الشوارع
هذه اللحظة ...و ملايين فى غفلتهم يعمهون ....و ملايين على كفرهم و كبرهم مكبّون
اعلم أن ربى دعاك لمأدبة ذكره .... فلا تتأخر عن الدعوة ..... و اذكره يذكرك ...فما يغفل
المحب عن الحبيب .
و أعوذ بالسميع العليم أن أذكركم و أنسى ... أو أن أكون جسرا تعبرونه إلى الجنة
و يسقط فى النار
تعليق