إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أحمد أوغلو كبرياء تركيا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أحمد أوغلو كبرياء تركيا


    أحمد أوغلو كبرياء تركيا

    بقلم :عمر طهبوب

    من قلب الاناضول «حديقة الشمس»، جاء وفي قلبه كبرياء تركيا، سليل عائلة تحمل في جيناتها الوراثية القيم الأصيلة، وعندما كان يفتقد البدر، وكان سلاطين «الدولة العلية» يبحثون عن رجل نظيف اليد، واللسان، والقلب، فإن أعينهم كانت تتجه نحو رجل من أسرة أوغلو يذهب العتمة، تماما كما حدث «للسلاطين الجدد» غل وأردوغان أثناء بحثهما عن أحد أحفاد الأسرة، ليعيد التاريخ نفسه، فوجدا ضالتهما في رجل نحيل الجسم، طفولي الوجه، مفكر استراتيجي، شديد الكبرياء بتركيا.


    كان طلاب جامعة ماليزية على موعد مع أحمد داود أوغلو وزير خارجية تركيا، لإلقاء محاضرة وكأن على رؤوسهم الطير، انتظروا سماع كلمات مقعرة، لكنه فاجأهم بالحديث عما طاله من تغيير، حيث بات يقضي ساعات يومه حول موائد الطعام!


    وصفه أردوغان ب«الخوجا»، أي الاستاذ، رغم أنه يكبره بخمس حجج، وصف «بمهندس السياسة التركية الجديد» و«المنظر الأول للسياسة الخارجية التركية»، واجتهد د. إبراهيم البيومي فأطلق عليه لقب «كيسنجر السياسة التركية»، لكنه تراجع لشعوره بظلم «أوغلو التركي» ومحاباة كيسنجر صديق الصهاينة الحميم.


    أطلق عليه لقب «سوبرمان السياسة الخارجية التركية»، ووصفه محمود عبده ب«مفكر استراتيجي برتبة وزير خارجية»، أما د. مصطفى اللباد فوصفه ب«الطبعة الأحدث لاستراتيجيي الشرق الكبار»، ووصف «بكبرياء تركيا». وعندما كان مستشارا في الخارجية، وصف ب«رجل الظل» و«صاحب اليد العليا» و«وزير الخارجية؟ ؟السري«؟؟. وأنا أقول، وبتواضع شديد، إنه «أبو السياسة التركية الناعمة»، وأنه يستحقها جميعا.


    في ندوة ضمت ستة وزراء خارجية أتراك سابقين، منح أوغلو ثماني نقاط من عشرة، وهو تقدير يعني الكثير من النجاح رغم قصر عمر تجربته، كما لفت انتباه الإعلاميين والسياسيين وصناع القرار خارج تركيا، قبل اختياره كوزير، حيث يقول غسان شربل في مقال بعنوان «بصمات أوغلو«: «قبل سنوات، وفي مناسبة في عاصمة عربية، أشار مسؤول إلى أحد الجالسين في القاعة وقال لي: أنصحك أن تبقي عينك على هذا الرجل. سألته عن اسمه، فأجاب: أحمد دأود أوغلو. حاولت الاستفسار أكثر، فتباخل المسؤول«!


    منحه غل لقب سفير، رغم أنه من خارج السلك الدبلوماسي، تقديرا لرؤاه، وعندما تخلى عن دور «رأس الحربة» و«مراقب» للعبة الشطرنج، ل«ناقل أحجار» على رقعة تركية مليئة بالمفاجآت، حدثت تحولات كبرى في مسيرته، كالاستعداد للبروتوكولات وتوزيع الابتسامات التي يجيدها.


    والزيارات المكوكية التي حرمت ابنته الصغيرة هاجر من رؤيته، إلا على شاشات التلفزيون، فأرسلت برسالة لعمها أردوغان تطالبه بإقالة والدها كوزير، لأنها لم تره منذ تعيينه إلا مرة واحدة فقط! بينما حراسه يرونه طوال الوقت!


    ولعبت الجينات دورها عندما كتبت لوالدها في مفكرتها اليومية في 9 يناير 2009، قبل أن يصبح وزيرا وكان مشاركا في جهود وقف إطلاق النار على غزة: «لم أشاهدك منذ 9 أيام وأنت تعمل ليلا ونهارا، ومع ذلك فإن إسرائيل لا تزال تقتل الأطفال في غزة، وهذا يعني أنك لم تؤد مهامك بالشكل المطلوب، وأنك لا تعمل جيدا«!


    يقول في كتابه «العمق الاستراتيجي«: «تركيا كلاعب دولي؟، ؟كان؟ ؟يُنظر إليها سابقاً؟ ؟على أن لديها عضلات قوية،؟ ؟ومعدة ضعيفة،؟ ؟ومشاكل في؟ ؟القلب،؟ ؟وقوة دماغ؟ ؟متوسطة. ؟بكلمات أخرى: ؟هي؟ ؟جيش قوي؟، واقتصاد ضعيف،؟ وتفتقر إلى الثقة بالنفس، ولا تجيد التفكير الاستراتيجي؟.


    أما الآن: ؟فتركيا موجودة في؟ ؟مستويات عدة من السياسات الدولية، وتوسطت في؟ ؟العديد من النزاعات في؟ ؟البلقان والشرق الأوسط والقوقاز،؟ ؟فحولت بذلك أعداء سابقين كروسيا وسوريا إلى حلفاء حميمين؟».


    حكمت تجربته الشخصية ثنائيتان: ثنائية «النظرية ـ التطبيق»، بانتقاله من بروفيسور للخارجية كمستشار «للطبخ» في مطبخ السياسة التركية. وثنائية «المثالية ـ الواقعية»، بنزوله للميدان ك«إطفائي تركيا» من حرائق محيطة بقوس جغرافي يحيط بها، يعج بفسيفساء من الطوائف، والديانات، والأعراق، والنزاعات، وكانت معضلته استحالة معالجة ملفاته وهو يشرب فنجان قهوة تركي «عسملي». كان عليه الانفتاح على كل «الجهات» و«الجبهات»، يسابق الزمن، وهو ما فعله حقا، وإليكم كشف الحساب:


    فتح مكتب قنصلي في أربيل شمالي العراق. نجاح «دبلوماسية كرة القدم» بعد 94 سنة من العداء بين أرمينيا وتركيا. نجاح «ديبلوماسية السيارة» بين تركيا وسوريا. إلغاء تاشيرات الدخول مع عدة دول عربية. إرسال رسائل تأديبية للكيان الصهيوني (إلغاء مناورات «نسر الاناضول«).


    ترطيب أجواء العلاقات التركية ـ الأميركية بعد مرحلة من الجفاء. إقناع أوباما بتوجيه كلمة للعالم الإسلامي من «القسطنطينية». السعي لإقناع أوروبا بأهمية انضمام تركيا لاتحادها. دعم الحوار التركي مع العالمين العربي والإسلامي. إطلاق قناة تركية ناطقة بالعربية شعارها «تقديم القهوة التركية لكل بيت عربي».


    عقد محاضرات لمخاطبة صناع القرار في دول عربية وإسلامية كالقاهرة مثلا، أرسل خلالها تطمينات للقاهرة معترفا بريادتها، وبفضلها عليه شخصياً كمحطة لتشكيل وعيه المعرفي، ما جعل الدكتور مصطفى الفقي يقول: «إن أوغلو وزير عروبي».


    حميمية خطابه تعكس استراتيجيته، فهو لا يريد الدخول في معارك ولا خدش كبرياء واستفزاز أية دولة، فهو يعرف مقامات العواصم، خاصة تلك التي تتحسس من دخول أي لاعب إقليمي جديد.


    وهنا أقول: واهم من يعتقد أن أوغلو ينافس إيران لإحداث توازن بين دولتين سنية، وشيعية، لكيلا تحبط خططه الرامية لسياسة «اللا مشكلة مع الجوار» أو «التكامل» مع كل اللاعبين، ومخطئ من يفكر أن توجهاته شرقا معناها قلب ظهر المجن لأوروبا واتحادها. إنه يشعر بمسؤولية تاريخية، حتى لسكان قرية شمالي لبنان يعتزون بتكلم التركية حيث خاطبهم: «عندما تكونون بأمان وسعادة نحن نشعر بالارتياح. إن الهبات التي تتحدثون عنها ليست هدايا، إنها واجب نقدمه لكم، وهذا الدَيْن سددناه متأخرين، ومن الآن فصاعداً لن نتأخر».


    وحين شعر بأن ساركوزي يفتش وراءه في إفريقيا، أعطى أوامره ليجد ساركوزي كلما رفع رأسه في إفريقيا، سفارة تركية يرفرف فوقها العلم التركي. إفريقيا التي تركها العرب فريسة نقص الأموال، والأنفس، والثمرات، أكرمها أوغلو بقوله: «إن البلد الذي يقلل من شأن إفريقيا، لا يمكن أن يكون له موقع عالمي».


    لقد تميزت نظريته بعمقين استراتيجيين: العمق الجغرافي لتركيا كحلقة وصل الشرق بالغرب، والعمق التاريخي المستند لخلافة عثمانية ما زال أرشيفها مرجعا لخلافات دول المنطقة.


    كاتب وإعلامي فلسطيني
جاري التحميل ..
X