قراءة في استقالة عباس
ٲخيـــرا أعلن الرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته منذ عام ، محمود عباس عدم رغبته في ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة القادمة .كالعادة لا ندري ما هو الموقف العربي الرسمي الواضح من هذا الاعلان وكنا نتوقع كالعدة تفاوتا واختلافا في المواقف بين دول عربية تدعمه وتلك التي تخاصمه أو تنتقده واخرى تبدي عدم اهتمام ومبالاة .
الموقف الأمريكي جاء باردا وواضحا لا لبس فيه على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون التي شرعت أولا بسرد قصة الساعات الأخيرة من الحياة السياسية للرجل ثم أبدت استعداد ادارة أوباما في التعامل معه فيما يخص العملية السلمية ومهما كانت صفته ولم نسمع من السيدة هيلاري كلمة أسى أو أسف بالمعنى الذي نعرفه عن الادارة الأمريكية في نعي الحياة السياسية لمن تعتبرهم أصدقائها سواءا بموتهم أو سقوطهم أو حتى استقالتهم. ردة الفعل في الكيان الصهيوني لم تختلف كثيرا عن ردة الفعل الأمريكية.
في الشارع الفلسطيني في الداخل وعلى المستوى الشعبي ، نقل الينا ردة فعل موالية من قبل عناصر فتح ومؤيديها أما على المستوى الرسمي فكان هناك حزن واضح ومعارضة واضحة لرغبة عباس في التنحي لا بل اصرار على التمسك به كرئيس للسلطة.
الى كل المنتحبين والمصفقين عند سماعهم هذا الخبر دعونا نقول :
أولا: من الخطأ الفادح أن نعتبر تنحي الرئيس عباس انتصارا لحركة حماس ، هذه مغالطة يجب أن لايقع فيها كل عاقل فالخلاف بين الطرفين ليس جديدا وان كان سحب تقرير غولدستون قد أججه ، ان تسليط الضوء على هذه النقطة دون غيرها سوف يخفي الدوافع الرئيسية وراء قرار الرئيس عباس .
ان قراءة بسيطة بين السطور في ردة الفعل الأمريكية والتي جاءت على لسان هيلاري كلينتون كفيلة بأن تلقي الضوء على الحقيقة " ان الرئيس عباس باعادته لتقرير غولدستون الى المحفل الدولي خلافا لما تم الاتفاق عليه بالاملاءات والضغط قد اغضب الادارة الأمريكية فسحبت البساط من تحت قدمي الرجل وشطبته من قائمة أصدقائها تماما كما كانت تفعل الادارة الأمركية مع الرئيس الراحل ياسر عرفات فتارة تقربه وأخرى تبعده عنها ،وأن اللقاء الذي تم بين عباس وبين السيدة هيلاري في أبو ظبي كان لقاءا باردا للغاية وكلنا يذكر انه قبل هذا اللقاء بأسبوع كان قد أشيع عن نبأ عدم رغبته في ترشيح نفسه للأنتخابات الرئاسية القادمة من باب الضغط على الادارة الأمريكية لكن هذه الترويج لم يمر على الادارة الأمريكية التي كانت قد اتخذت قرارها بشأنه ".
ثانيا : ان تقزيم القضية الفلسطينية الى درجة حصرها في شخص الرئيس عباس يعتبر مهزلة من المهازل اذ يكفي هذه القضية كل ما مرت به من تقزيم واختزال ، أما الادعاء بأن الرجل بات يعرف مداخل ومخارج القضية والحل أكثر من غيره فهذا كلام مثير للضحك فلم تعد قضية الحق الفلسطيني بخافية على حتى ابن الشارع كذلك كل متاهات اللعبة السياسية كانت واضحة المعالم وكان للرأي العربي العام والفلسطيني تحديدا موقفه منها .
ثالثا : علينا أن نقر أن الرجل فشل فشلا ذريعا في ادارة معركة النضال السياسي وأن التكتيك الذي اتبعه لم يكن بالمستوى الذي من شأنه أن يحقق حتى الحد الأدنى من الحرية والاستقلال وتحقيق الدولة الفلسطينية الموعوده ذلك أن الرجل خضع خضوعا تاما للأملاءات والضغوط الخارجية التي كلما أبدى تنازلا عن ثابت من ثوابت قضيته حتى طلب منه ابداء المزيد من التنازلات الى درجة أوشك فيها الشعب الفلسطيني وكأنه ليس بصاحب قضية وحق
رابعا :يعتقد البعض ان اعلان الرجل عدم رغبته في الترشح للأنتخابات الرئاسية القادمة هذا اذا كانت هناك أصلا انتخابات؟ ما هو الا مناورة ولو كان الأمر كذلك لما ألزم نفسه بالقول " ان رغبتي هذه بمثابة قرار نهائي وليست مناورة " دعونا نقولها بصراحة ان الرجل قد عوقب وخذل من قبل أصدقاءه وسحب البساط من تحت قدميه أما ما صرح به بعض وزراءه ومستشاريه بانه هوجم شخصيا وأن هذا ترك أثرا بالغا في نفسه فهذا كلام حق يراد به باطل ، لماذ لانقول ان الرجل بات بين مطرقة الضغوطات والاملاءات الخارجية التي تطالب بمزيد من التنازلات وبين سندان رفض الشارع الفلسطيني الذي يعارض وبشدة أي تنازلات وهو يرى أرضه تتحول الى مستوطنات وقدسه تتهود شيئا فشيئا .
لقد اعتدنا في عالمنا العربي وللأسف أن نخلد القادة وأن نلطم الخدين عملا بمقولة لا كرامة لنبي في وطنه ، كفانا مغالطات ولندقق في تارخنا جيدا ونقارنه بتاريخ غيرنا من الأمم التي اذا ما اخطأ قادتها ينصرفون لتبحث الشعوب عن قادة اكفأ من شأنهم خدمة مصالحهم القومية ، كفانا ركوعا لشخص الرجل الواحد .
السؤال الخطير الذي يجب أن نسأله ونتحسب منه ، من هو خليفة عباس ؟
فاذا كنا نتكلم عن احتمالات من داخل السلطة وفتح وحتى منظمة التحرير ، في تقديري أن كافة هذه الاحتمالات سوف لن تغير من الواقع شيئا وستبقى تراوح مكانها ما لم يتم الاحتكام الى الحق الفلسطيني ، وهنا يكمن السؤال " من يعلق الجرس " ؟ .
وستكون أم المصائب على القضية والشعب الفلسطيني برمته اذا ما صدقت الاشاعات بأن كلا من الادارة الأمريكية والكنيسيت قد جهزتا البديل ، ساعتها قل على القضية الفلسطينية وعلى الوفاق الفلسطيني وعلى الدم الفلسطيني السلام .
المطلوب انهاء الهجرة من منظمة التحرير الى السلطة والعودة من السلطة الى منظمة التحرير والتخلي عن كافة المسارات والسياسات التي لم تؤتي أكلها ولم تحقق للشعب الفلسطيني سوى الانقسام والتشرذم وتحقيق وفاق وطني فلسطيني وبأسرع ما يمكن يقوم على مبدأ " المقاومة هي الرديف للعمل السياسي ولا يقضي العمل السياسي التخلي عن حق المقاومة " وليست هذه بحالة غريبة أو مستهجنه ففي الوقت التي كانت به الحرب مستعرة في فيتنام كانت هناك مفاوضات تتم على قدم وساق في باريس حتى دخل الثوار الفيتكونغ سايغون.
أن معارك التحرير سياسية كانت أم مسلحة أو مزيجا من السياسة والمقاومة تتطلب قادة يضعون نصب أعينهم أصعب الخيارات ولديهم استعداد للتأقلم مع أشدها خطورة ، أما النوم على فراش ناعم والتدثر بريش النعام والتحرك بأفخم العربات وامتلاك أفخم الفلل والقصوور هذا كله لا يأتي حتى بمقاومة سياسية لها نتائج ايجابية بل على العكس سيخلق تعلقا بهذا الترف وخنوع حتى الركوع من أجل بقاءه .
أنني أعجب فعلا ، كيف نتحدث عن رئيس بلا دولة وكأننا نتحدث عن دولة بلا رئيس ؟
فأين الدولة ايها السادة العرب والفلسطينيين حتى نبكي على الرئيس ؟؟ هل الدولة الموعودة والقابلة للحياة كما كانوا يقولون هي منوطة بشخص عباس أو غير عباس ، ما هذا التقزيم البشع لقضية شعب سلبت أرضه وشرد وقهر وبطش به على مدى اكثر من ستين عاما ؟
ليرحل عباس وغير عباس ولتبقى القضية الفلسطينية ماثلة في وجدان أهلها ممن يرفضون التنازل عن حقوقهم وثوابتهم الوطنية ، هكذا المعارك كما تعلمتها واتقنتها الشعوب الحرة التي أمنت بأقدارها " نكون أو لانكون " .
* * * *
تعليق