إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فضائح الفتن ............ كاملا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فضائح الفتن ............ كاملا

    سلسلة رسائل العين
    الرسالة الثامنة

    فضــــــــــــــــائح الفتـــــــــــــــــــــن





    المعلقة الحادية عشرة


    هذه المقالة لم تكتب ليقرأها الداعية المسلم قراءة مجردة فحسب ، بل ليحفظها حفظاً ، أو لينقشها على كفه إمعاناً في التذكر .
    إنها قصيدة شعر ، بل المعلقة الحادية عشرة ، ولو فطن لها زهير لعلقها على أستار الكعبة مع معلقته .
    إن جملها وحروفها شواهد لك تحتج بها كما يستشهد الناس بالأبيات ، ومن أجل ذلك جاءت على طريقة الرمز والتمثيل .
    ولئن لم توزن كلماتها بعروض فإن معانيها قد أحكمها الوزن ، وأشربت حروفها بزخم من العاطفة جيّاش رفع ضرورة القافية .
    إنها معان بالغة الأهمية في التحذير من الفتن ، وموازنين عاصمة من الخلاف ، نستغل وقت العافية اليوم لترويجها بعد أن عانى من أثقال القيل والقال إخوان لنا بالأمس القريب والأمس البعيد .
    إن التحذير من الفتن اليوم أدعى أن يستقر في القلوب إذ هي هادئة ساكنة فيكون عندنا من الاحتياط ما يغني عن مضاعفة الوعظ إذا غزتنا الخلافات ، وما نخال الصف المسلم يبرأ منها تماما مهما ارتقى حالنا لأن الشيطان حيٌ وله إغراء ..
    إن هذه المعلقة لم يكتبها فرد وإنما جمعت نصف معانيها من أفواه فقهاء الدعوة خلال جلسات بحث عن طريق وحدة صف الموحدين .
    فاستقبل الخير بقلب حر ، ولا تقرب لهو السائبين ..


    أوراقي مبعثرة... يتناهبها الأطفال
    وأقطف ا لأزهار... وأدعي الجمال
    خلعت ردائي... إذ أشكو البرد
    ونصبتُ خيمتي في وادي العواصف... في ليلة شهباء... ثم أعجب من أين يأتيني السعال؟


     مغارقات النفس ذات السر

    أبيع بلا ثمن... وأشتري بلا خيار
    آه مني، آه... مني السبب
    كيف أربي الآخرين... وأنا احتاج التربية ؟
    من لا يستطيع تصحيح أخطاء نفسه فلا يصح له أن يكون قيّماً على أخطاء الآخرين يصحّح لهم وينقد.

    سبحان من خلق هذه النفوس.
    أي سر هو سر هذه النفوس؟
    حساسة.. متنوعة.. متقلبة.
    بينا تظنها في غاية الصفاء: تهزها مفاجأة فتطفو الشوائب.
    وبينا تعاملها فتلمس نهاية السهولة: تدهمها قسوة فتدعها صلدة على أعنف ما تكون القسوة.
    رضاها يُغلفه غَنَج ودلال...
    وغضبها يحب الاسترسال...
    بين سلمها وحَربها يوم، وبين حلفها وهجمتها ساعة، وبين سَكينتها وصخبها دَقيقة، و بين ظنّيها الأول وَالثاني ثانية.
    لا تخفي سيفَها في قُراب... بل هو جاهز.
    ولا تلجأ سهامها إلى جُعبة... بل وَتَر قوسها مشدود.

    من أهلها مَن تستفزه كلمة ينسى معها قاموس التآخي، فيَخرج الى عدوانَ، ويجرد أصحابَه من كل فضل، كأنْ لم تكن بينه وبينهم مودة وخبز وملح.

    ومن أهلها من إذا جُهل عليه لا يحلم، ولا يعفو، ولا يصبر، ولا يرجو ما عند الله، بل يجهل فوق جهل الجاهلينا.

    ومن أهلها من لا يعاتب عتاباً منجماً أو مُعجلا مضارعاً إذا ساءه أمر، بل يصبر ظاهراً، من غير عفو في الباطن، ولا يحاول أن يقسرها على النسيان والتغاضي، وإنما يَكتم في قلبه، ثم يكتم، ويُظهر الإبتسام، وفي الداخل يتعاظم الركام، حتى إذا بلغ أطناناً ثقيلة:... انهار السد، فيفاجأ المساكينَ سيلُ العرم، ويتكرر ذلك منه سنوياً، فيحاسب إخوانه على ما سلف منهم معه، وتَكون كبيرةً كمية الإتهام، لتراكمها، ويعين ذاكرته بدفتر التقويم، الذي أحصى فيه ما نسوه وأرّخه وضبطَ ألفاظهم ، وقد يحتفظ برسائل منهم ووثائق فيها هفوات لفظية، ليستعملها أدلة في التجريم، فتكون ثَم الآلام، وأصداء الآلام، وما هو أعتى من الآلام.

     أساسيات

    وخطبنا فضيلة الأستاذ المرشد عمر التلمساني رحمه الله، فقال:
    إن أمرنا يفهم من خلال قضيتين:
    رؤية الحق، وأن يرزقنا الله اتباع الحق.
    وذلك دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم أرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه). وصدق رحمه الله.

    إن دارنا أيها الإخوان دار عمل وعبادة، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وتهذيب وتعليم، وما هي دار فلاسفة يتجادلون، ولا منتدى شعراء بضاعتهم اللسان، ولذلك فإن عُرفنا يقول بتأكيد أساسيات العمل، من الطاعة التامة، والتزام النظام والخُطة والمنهج، وعدم الالتفاف على التسلسل المرجعي، وترك التقدم بين يدي المقدمين. وإن تربيتنا تقوم على تعميق أساسيات الإيمان، من ترسيخ العلاقات الأخوية، وتعمير القلوب، وصون اللسان.
    نطرح الحسد... ونقيم التكافل.
    ونخرج من ضيق القبلية والإقليمية والشعوبية، إلى سعة التعارف ورحاب العمل المنتشر في الآفاق.
    نضع مشاعر الجاهلية تحت أقدامنا، ونلبي أمر الزنجي الأسود إن كان هو الأعلم الأكفأ.
    توجهنا إيماني، وشرطنا إسلامي، وشعورنا اُخوي.
    لا نعرف الضغينة.. ولا نسمح بالغيبة.



    يا ترى: كم موسوعة يمكن أن يؤلفها فضول القول الذي قيل أثناء الخلافات؟
    وكم ساعة عمل ضائعة هدرها الوقت المستهلك في استنباط الظنون؟

    ومن غرائب التربية: أن الجديد والشاب الناشئ تستطيع أن تعظهما وتدعوهما إلى ترك الرياء والتكبر والمراء، يعدان ذلك منك إرشاداً وتربية وتوجيهاً. أما القديم المخضرم فإنك إن وعظتَه بمثل ذلك اعتبرها تهمة له، ورفض نصحك وزمجر، كأن لم تكن توبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم سبعين مرة آخر حياته.


     أمنية الراشد الإخلاص
    وخطبنا الأستاذ عمر ثانية فتساءل:
    ما الذي تغير بين الأمس واليوم في دار الدعوة؟
    يجب ان نعترف بأن الأحداث حرفت بعضنا وأنشأت بينهم المرارات. (بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره)
    لم تكن في أيام الدعوة الأولى ماجستيرات ودكتورهات، لكن النفوس كانت أصفى. أخي الذي أعَدّتْه الجماعةُ ليختلط دمُه بدمى في ساحة الجهاد: أصبحت أطعن فيه. كلنا علماء، لكن تنقصنا زيادة حب.

    ليس يخيفنا أننا قلة، أو أننا بدون عُدة، إنما الذي يخيف أن ننسى أنفسنا فلا نكون على صلح مع الله.

    لو آمنا حق الإيمان لانتصرنا بإشارة إصبع ، لا نطمع أن نعيش طول عمرنا مخلصين حق الإخلاص، إنما يكفينا أن نتوغل في الإخلاص الحق لحظة بمقدار ركعة.

    ليس الدهاء يوصلنا، بل التوكل، وأن ندعو ونقول: (اللهم لا سهل إلا ما جعلتَه سهلا)
    وتناصرُ المؤمنين بينهم أساس، وبهم يظهر قدر الله في النصر. (هو الذي أيدك بنصره، وبالمؤمنين).....
    رحمه الله، وعجباً له من مرشد راشد أرشد فوفى.

     ألا تستغرب .. .. !

    ومن محاسن جماعة التبليغ: أن أحداً منهم إذا وقف ليعظ الناس: رفع أصحابُه أكفهم يدعون له أن يصيب القول وأن يهبه الله البلاغة.

    وليت كل دعاة الإسلام يفعلون ذلك إذا تكلم إخوانهم، لكن إغراء الشيطان في ظروف الفتن ربما يجعل اللجوج المماري يتمنى إذ تكلم أخوه المخالف له في اجتهاده أن يتلعثم ويطيش، وينسى النحو والفصاحة، وأن يقض مضاجع سيبويه..
    فلا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

    كان الشافعي يقول: ما ناظرت أحداً إلا وددت أن يظهر الحق على لسانه.

    أما أخي فيريدني أن أخفض معه المرفوع.

    إن مراقبة تواريخ الفتن توضح أن كل من فجر في الخصومة كان من الذين لم يحصلوا على التربية الكافية في أول أمره، وشرف النسب وبيوت المروءة والكرم تميل بالمخالف إلى العفة والسمو في أدب الخلاف.

    إن الحساسية تبلغ مداها لدى الداعية السوي، ونفسه تعاف كل جو خانق غير نقي. إن روحه لا تطيق الأجواء المغبرة وانعدام الأوكسجين، ومؤلمة هي لفحات التراب.

    أسلوب في القتل هو الخنق، ونمط في الإرهاب الطائش هو العصف.

     وحقوق الدماء أين؟

    الجنة هدف، طريقها الإيمان، والوسيلة الحب، والحارس النظام.
    في بادئ الأمر قد نميل إلى الحلم مع المسيء ، ولكن عند اللجاجة تكون العقوبة هي الحكمة.
    أمور الخلاف المرير قد ترفع الرقة بين المختلفين، ويكون البأس بينهم عنيفاً، إذ الأسباب تافهة.
    إن المخالف إذا ارتكب إثماً بحق الجماعة ولم يعاقَب: تلفت وانتظر، لعل عقوبته تأخرت، فإذا مر زمن كاف ولم يعَاقب: ظن أن الجماعة تجله أو تخافه، فيرتكب إثماً ثانياً اكبر من الأول، حتى يكون الشقاق له عادة.
    مثلما تجب مكافأة المحسن: تجب معاقبة المسيء، و إلا تجرأ آخرون على الإساءة، لما يرون من عدم محاسبة المسيء الأول.
    إن دماء الشهداء إذ تسيل: تكتب واجباً على الأحياء أن يسيروا بلا خلاف في إتمام الشوط الذي بدءوه.
    ذلك أول الحقوق الشخصية التي تثبت للشهداء، فمن ذا الذي يطالب بحق الدم الضريج ؟

    وا أسفا على يوسف، باعه إخوانه بثمن بخس، وطغى عصر الضجيج.


     رؤوس.....

    ذهبَ المترَفون يطالبون بحقوقهم، وأقسموا أًن لا حلم ولا مسامحة بينهم، لكن حمزة لا بواكي له....

    إفساد الأعداء الخارجيين وكيدهم لنا يزدنا تماسكاً، لكن النخر الداخلي يوهي ويدهي، ويلهي و يسهي.
    وأثناء الفتن تتسرب اخبار الدعوة الى العدو، فإن عاتبتَ: أنكر عليك أن تتهمه بالإفشاء، وقد صدق، لكنها اللامبالاة. وأشنع ما في الفتن: أن أصحابها جميعاً يرون أنفسهم رؤوساً، فيضيع الحساب عليك، ولا تدري كيف التفاهم ومع من يكون؟

    لا يرون أنفسهم عشرين مخالفاً، بل يرون أنفسم عشرين زعيم قائد فقيه مجتهد فيلسوف...

    وبعض الدعاة يكون الواحد منهم على أحسن حال وأجمله، لكنه إذا اجتمع في عمل واحد مع أمثاله: اختلفوا وتناحروا، ومثل هؤلاء يُستفاد منهم أتباعاً، ولا يصح أن نجعلهم في المقدمة.

    يريدون تصفية العدو، ونفوسهم أحق بالتصفية..

    واصدق ما قاله الأستاذ مصطفى مشهور في هذا الباب: تمييزه بين اثنين، فقال: هناك داعية عامل، وهناك عامل نفسه داعية !!

     شفقة.. لكنها مهلكة..

    ويفكر مشفق على وحدة الصف وعدم خسارة الجماعة للنفر الذين عشقوا الرياسة بأن يمنحهم ما يبغون، و يسترضيهم، جمعاً للجهود، وحرصاً على كل الطاقات أن تظل في خدمة القضية، ويقول: يريدون الأبهة والمكانة، فلنعطها لهم، لعلهم يتدربون، وتعركهم الأيام فيفيقون، وترهقهم المسؤولية فيزهدون، ولنشركهم في الشورى لعلهم يرشدون، وإنه خلاف بين الأقران ! ويستحسن أن نرضي كل الأطراف. ثم ينادي يحث. هيا، هيَا، ليحتضن كل منكم اخوانه، ثم يرجع وقد ظن أنه قضى بحله العاطفي هذا على فتنة.

    إن مثل هذا الاقتراح هو مذهب في سياسة الجماعات خطأ، واجتهاد في التربية غريب، فإن إتاحة الفرصة لغير ذوي الأهلية والكفاية مهلكة لهم، والاستشراف للمسؤولية علامة خلل في التركيب النفسي للداعية، وإنما تنبثق العناصر الريادية من خلال السير انبثاقاً تلقائياً، وتتم تنمية المواهب من خلال منهجية تربوية شاملة، لا من خلال الجري مع تطلعات الفضول، وتلك الطريقة هي من سياسة الحكومات الائتلافية، بحيث ترضي كل الأطراف بمقاعد الوزارات ، وتستحدث لرجال الائتلاف عشرين وزارة دولة ومائة وظيفة استشارية لا تدعو لها ضرورة، بل على حساب حقوق الشعب وعلى حساب النظريات الإدارية، وأما سياسة الدعوة الإسلامية فأنبل وأسمى وأعف، ولا يتقدم فيها إلا القوي الأمين المتجرد.

     أصول اصطناع الرواد

    إن التربية الريادية تتطلب تعويد ذوي القابليات والذكاء من المؤمنين على ا لتفكير الحر، و القياس، و الاستقراء، و التحليل، والتعليل، وتمرينهم على استعمال القواعد المنهجية والمنطقية، وهذا يتطلب تنمية قابلية الوصف الدقيق لديهم، واكتشاف العلاقات وفهم الواقع، وكل ذلك من أسس الاجتهاد وطرائقه.

    لكن هذا التعويد والتمرين لا يصح الاستطراد فيهما بشكل متصل، بل لابد من أن يتدخل الأمراء في اتخاذ القرارات الواضحة الجازمة، شفقة على المتدربين الصاعدين، وتخفيفاً عنهم، لئلا ترهبهم لحظات التردد عند منعطفات الطريق المهمة وفي اللحظات الحاسمة.

    بمعنى: أن تدربنا لا يكون في فراغ، بحيث نجعله مقدمة لتنفيذ وممارسة لم يحن أوانهما بعد، بل هو تدرب فى ظل إمارة متصدية وعمل سائر، وأن التنفيذ مختلط بإنماء الفكر وبالتخطيّط اختلاطا دائماً، وجزء من التدريب أن يلحظ المتدرب اتخاذ الإمارة للقرار الفعلي، ليس أن يلحظ مجرد التمثيل الافتراضي.

    إن الحرية اللازمة للمتدربين لا يمكن أن تكون تامة، وليس من مصلحتهم ذلك، وبالتالي فإن حدود دار الشورى لا يمكن أن تكون واسعة مترامية الأطراف، لأن القرار يصعب عندئذ، لكثرة المتناظرين، أو يكون الوصول الى القرار ببعض تكلف، فيكون ثَم الطيش لا الاجتهاد ، وتكون نزعة النفس في المشاركة الشورية قد لُبيت واُشبعت، على حساب الصواب.

    قد يقول قائل: إن الرهبة التي تعتري الصاعد في اللحظات الحاسمة هي جزء من المعاناة التي يجعلها فقه الدعوة نقطة ارتكاز التربية الريادية، وبالتالي فإن سعة الممارسة الشورية مطلوبة.

    فنقول: نعم، هي جزء، وهي مطلوبة، ولكن كمشاهدة ومتابعة، بحيث يرى الصاعد عملية نضوج القرار، ويتاح له أن يجرب مقادير استيعابه لدلالات الظرف، فيقول قوله متمكناً، مشيراً، ولكن بنيّة التدرب على القول، وأما صناعة القرار في أصل الأمر فملك من خرّجته من قبل هذه المعاناة بنجاح، إذ ليس كل متدرب متخرج، ولا كل ذكي مؤهل للقول، ولا كل من عانى من ضغطين وصل، لأن حق صناعة القرار نتاج معادلة صعبة نادرة التحقق، أولها النية الخالصة وحسن التوجه، وآخرها المعاناة والتدرب، وبين البداية والنهاية ذكاء وعلم ونفس سوية، ومعرفة أفقية بالساحة العريضة، وتأمل عمودي في التاريخ الممتد.

     الوزن المسترسل ..

    إن الديك الفصيح إذ هو لا يزال في البيضة يصيح.
    قول للعامة يجب أن لا تغفل معه منهجية التربية الريادية، وكم للعامة من أقوال حكيمة، واحساسات سليمة.
    إنك لا تستطيع أن تفتعل الرائد افتعالاً وتصطنعه اصطناعاً إذا لم ينهض به قدره وترشحه فطرته.
    لن تخطئ عينك الرائد أبداً، ولعلك تصادف فتى من ناشئة الدعوة لم يبلغ مبلغ الرجال، فتدرك أنه لها، وليست هو بالذي يميز مقدمات الدعوة بعد.
    أول ما تقع عليه عينك، ومن النظرة الأولى تقول: هذا مبتغاي.
    ولمثل هذا نفتش عن منهجية التربية، ونحاول تلمس المدارج التي تأخذ به صعدا.
    لو كانت مجرد صيحة لتركنا كل فصيح يصيح، لكنه علم الدعوة يقول:
    لا، ليس هو الصياح، ولا مجرد العواطف، ولا قفزات المستعجل، إنما هي أنغام الحداء التي تقود القوافل فتوصلها، ولابد أن نُعلم كل فصيح هذه الصنعة.

    في الأنغام تجانس وتوافق، وجمال وتناسب، وتدرج واستمرار، من الصفات المتماثلات، ولكن فيها أيضاً من النقائض: السرعة والسكون، والرتابة والتجديد، والعلو والهبوط، وكل هذا التماثل والتناقض لازم لتربية الرائد، فمتماثلاته تؤدي به إلى استواء النفس، ووحدة الفكر واتساقه، ومنهجية السير، والثبات على الارتباط بالمنطلقات الإيمانية الأساسية، وتناقضاته تمكنه من التكيف مع الظرف، والمرونة إزاء المفاجأة، وإتقان التملص والإفلات و الفر إذا لم يُتَح له الاقتحام ومواصلة الكر.

     أضرار التقليد الجزاف ..

    إن الإسراف في إشراك كل طبقات الدعاة في الشورى، وكثرة تعليق الأمور على اتخاذ قرار شوري ولو كانت صغيرة، وكشف الحيثيات التي تؤدي إلى القرارات، وإطالة مناقشة الخطط مع منفذيها قبل إقرارها، كل ذلك أدّى وما يزال يؤدي إلى إنتاج دعاة فضوليين، يكثر لغطهم ويقل عملهم، وبالتدريج تنصبغ مجالسهم بصبغة الغيبة، وخشونة الألفاظ ، حتى تكون تهورات اللسان أمراً مستساغاً، وتُغتال فضائل المجالس التي شهدت بها. قواعد التريية الإيمانية اغتيالاً، ويصبح الداعية المشارك فيها قليل الاحترام لعناصر الرعيل الأول، كثير الجرأة عليها، وأقرب إلى سوء الظن والغمز، طويل النقاش، عريض التحدي.

    وليس ذلك عرف المؤمنين أبداً، ولا سَمتهم الذي ورثناه، إنما ورثنا الحياء وعفاف اللسان، واحترام الكبير وتبجيل السابق، والتأول الحسن وترجيح العذر، وجمال اللفظ، والاستغفار للذين سبقونا بالإيمان، وتكرار الدعاء للمربي والحادي.

    الشورى حق، وتطييب خواطر الصاعدين حق، وإشراك المنفذ في صناعة القرار حق، لكن ذلك كله إنما يكون في الحدود الوسطى، وبالإنصاف لا بالهوى، وبالمعروف ولمصلحة الدعوة لا لمجرد التطلع، وإذا لم نتقيد بالضوابط في الممارسات الشورية فإن الأذواق ستفسد، ويكثر الصخب الذي يرهق الثقة المؤهل للتقدم، فينزوي، حفاظاً على عِرضه وسمعته، ولئلا يقسو قلبه عبر قيل وقال.

    نقول ومع الأسف: أن الغوغائية التي صنعتها الديمقراطية الحديثة في الشعوب يمكن أن تظهر بصورة أخرى في أوساط دعاة الإسلام إذا أسرفنا في الشورى، ونحن قبل الداعية المشاكس: نعيب الاستبداد والفردية، ولكن الشيء إذا تجاوز حده آذى.

    إن الاجتماعات الشورية ميدان يستطيع خلاله العقلاء أن يبدوا حكمتهم، أو أن ينصتوا لحكمة غيرهم، وليس في الحياة ألذ ولا أطيب ولا أهنأ من أن يُجرى الله على فيك حكمة تقر بحروفها عينك، أو أن تصغي بأذنك وقلبك لصواب حكيم يهديك ثمار عقله مجاناً. أما أن تتحول رحاب التشاور الى تلاوم جاف، وتحديات باردة، وجدل مستطيل، فهنالك يجد الهوى ثغرته ليلج، وهناك تنعصر القلوب وتنزف الجراح.

    ويصف البعض تضييق الشورى بأنه توجه من اُولي الأمر خاص يستجلبون به مداهنة إخوانهم. وهذه تهمة باردة، فإن المداهنة خلق ضعيف يدل على اختلاط في النية، وعندنا أن الذي يحاول تقليد مربيه في كل اجتهاداته، ويسارع إلى إقرار ما يذهب إليه بلا مناقشة، إن هو إلا داعية قليل الموهبة، ضعيف التفكير، أو هو متزلف تنكر طريقته قلوب المؤمنين، والفؤاد الحر يؤذيه التعكير.

    إن الطاعة الواعية هي أصل تفسيرنا للجندية، كما أن الحوار وتقليب وجوه النظر هو أصل مذهبنا في صنعة الريادة، لكن الأدب، والرفق، واللفظ الجميل من الصدر السليم أصل ثالث قرين.


     الإبداع يحتاج الحرية .. ..

    البعض يريد القائد آلة ميكانيكية بيد الجماعة، تشغله بأزرار، وهي التي تُنطقه وتخرسه، وتحركه وتوقفه، وذلك فهم يابس لنمط من العلاقة أشد يبوسة، ليس يأتي بخير.

    بل القائد كتلة مشاعر، ومجموعة عواطف، وذهن يتأمل، وقلب يتجولا.

    يجب أن ندع له مجال الاجتهاد حتى وإن قيدناه بخُطة، وعلينا أن نترك لفراسته دوراً، ولذوقه مجالاً.

    أحياناً نقيد القائد، ونجرده من أي حرية في اختيار الأعوان، ثم نطلب منه أن ينجز المعجزات. أليس ذلك من العجب؟

    ما كان علي رضي الله عنه عاجزاً، بل هو قمة في التقوى والعلم والشجاعة، ولكن خذله أصحابه.

    ولئن قبلنا للقائد أن تقيده شورى النُخبة، والقدماء، وأهل الحل والعقد من العاملين، فهل نستطرد لتقيده ارتجالات الجدد، ورغبات المستعجلين، وظنون المتهجسين ، وأهواء العاطلين ؟

    إن أقراناً يتنافسون دهراً ربما يكون شرط صلحهم: نحر الأمير، فهنالك الظلم.

    ولربما استجاز اللاحقون التشويش على بوصلة الجيل الرائد، فهنالك المتاهة.. هنالك يكون انقلاب الموازين:
    ساقة ترتاد..... وقادة تنقاد
    تلك هي الفهاهة.

    من أساليبهم

    أسندني وأسندك، يتواصون بذلك، في عقد ، لكن لا تشهد له أخلاق الإيمان، فهو غير مبارك.

    ومن طرقهم
    المحاصرة المتقنة، فينفر الثقة.
    ويبلغ دين المرء أحياناً أن تكون فيه مخادعة.
    كم من فتنة يبرع أصحابها في تغليفها بغلاف، فلا تُرى، ويظن الواعظون أن ليس ثم شيء، فيشكرونهم.

    ويبلغ الأسلوب الهجومي الصِدامي عند أحدهم أسلوب الأعرابي القاسي الذي قال: لتجدّني ذاَ منكِب مِزحم، وركن مِدعم، ورأس مِصدم ، ولسان مِرجم...


     ثم يهز الأمير الفقيه قلبه هزة الإيمان .. ..

    وبسط لنا الأستاذ المرشد عمر التلمساني رحمه الله اُصول فقه القضاء في الفتن فقال:

    من الموازين في قضاء المحاكم الدعوية في الفتن، أو معالجة القيادات واللجان لها: تعجيل البت، فإن تأجيل الحكم أو تأخير السعي للإصلاح إنما هو فتح لباب الشيطان، يغري بالتمرد، والتسيب ليس صحيحاً، وقد تكون هناك مماطلة غير مقصودة تأتي بضرر، وإنما يصح التأجيل لحين، لضرورة التحقيق، أو الى فترة نقدر فيها ميل النفوس الى السكون، أو لترك فرصة للمخالف للتأمل في معاني التوبة، وهذه فسحة لا مماطلة، وإرخاء حبل، وليس تركه على غاربه.

    وكذلك من الموازين هنا: أن لا نطلب العدل والحق فقط، بل نطلب الرحمة أيضاً، والوحمة فوق العدل، والمخطئ محتاج للرحمة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُشتم ويُؤذَى فيحلم، والذين فصلهم الأستاذ الهضيبي رحمه الله مثلا لم يفصلوا من أول خطأ ولا ثاني خطأ، بل لما تكرر الخطأ كثيراً، والمسألة خاضعة لتقدير المصالح والمفاسد لا الحكم بجنة أو نار، وإنما نجتهد اجتهاداً.
    لكن لا يصح تحميل قائد أوضاعاً مهترئة، والفصل اضطرار نضطر له، وهناك أصحاب نزعة انفرادية طبيعتهم عدم التقيد بالأوامر، وإذا وضع في الصف يُفتن رغماً عنه، وهنا تكون الرحمة بأن نعفيه من العمل والمسؤولية، لنحفظ إيمانه، فضلاً عن أن وجوده يسبب الحرج.

    وهذه المعاني هي تربية لنا جميعاً، ثم هي مسألة تنظيمية ثانيا"، فتجميد أحد أو نقله من مركزه: أمر اختبار له من باب، ويفسر بموجب القواعد الجماعية من باب آخر، أي القواعد القائلة بأن كل داعية هو جندي يعمل في الموطن الذي يوضع فيه، ومن الإفتيات على مصالح الدعوة العليا أن نعتبر الأوامر بإجراء بعض التغييرات انعكاساً لموقف شخصي أو حقد أو تنافس، لأن الانسجام مطلوب، وكل له أجره، وقد يكون أحد صاحب كفاية لكن إخوانه لا ينسجمون معه.

    ومن الموازين: اجتماع عدة مفاسد وأضرار في آن واحد، من العدو أو من بعض الدعاة الساذجين، بحيث يكون وضعنا مرهقاً، كثير الإتعاب، ولا يحتمل مزيداً من المتاعب باختلاف المختلفين، ويصبح الحزم في البت من باب الرحمة بالدعوة، وهي أرجح من الرحمة با لأفراد.

    كذلك لا ننكر أن الأخ قد يُحترم لسبب آخر غير مكانته الإدارية، كعلمه الشرعي مثلاً، أو سابقة له، والعفو عن العالم المخطئ أسبابه مضاعفة. ومع ذلك فالتفريق واجب بين العفو عن حقوقنا الشخصية والعفو عن الحقوق الدعوية العامة، فتتسع هناك، مع شدتها على النفس، وتضيق في ا لأخرى.

    ومن القواعد أيضاً: كثرة التداول في أمر الاختلاف لإنضاج الرأي في معالجته، دون التسرع أو شبه الانفراد، لكن الاستطراد في ذلك في وقت اْلفتنة: زيادة في الفتنة، وإعنات، وسوء الظن أحياناً حزم من المسؤول، كما ينسب لعمر رضي الله عنه.

    وهكذا فإن الحكم والموقف في قضايا الاختلاف هو شد وجذب بين عدة موازيَن، يميل بك ميزان إلى الرحمة، ويشدك آخر إلى الحزم، ولكل حادثة ظروفها الخاصة التي ترجح أحد الموقفين، ولكل حادث حديث، ولكن يجب أن يكون من القضاة والقادة خلوة إلى أنفسهم لاستذكار هذه المعاني والموازين، ويتركون قلوبهم تتأرجح مدة بين يمينها وشمالها، ثم يهزونها هزة الإيمان لتستقر بعدئذ على قرار.

    رحمة الله عليه، كم كانت هزاته هذه منصفة...


    ويلاحظ في أمر الخلاف أنه كلما كان فكرنا واضحاً وقواعدنا الإدارية واضحة: قل الخلاف جدا". وكلما كان التعميم: كثر التأويل، ويدعي كل واحد أن شرحه وتفسيره هو الصحيح.

    فالوضوح وتخصيص الدلالات هو ضمانة ضد الفتن أكيدة.

    ما أحلى النصوص المرنة الفضفاضة في أيام التحابب، لكن الخلاف إذا اشتد فإنها تكون مصدر متاعب، وتكثر التفسيرات.

    لك تأويل لها، ولي تأويل، وأشد فتشد، فيكون التعطيل.

    ويصح أن نقول: إن الأوضاع الاستثنائية ووجود الفتن تجعل اتباع حرفية نصوص الأنظمة أحياناً مرجوحاً، والخروج عنها جائز لتحقيق مصلحة، لكن لا يخرج عنها أحد باجتهاده، ولا تخرج عنها المجموعة الصغيرة، وإنما تخرج عنها الجماعة بإجماع أو بقرار شوري.

    وتعصر القلب مرارة حين لا يجد المخلص أمامه لتجنيب الدعوة أضرار الفتنة سوى اللجوء إلى قضاء سليمان عليه السلام بين الوالدتين، الحقيقية والمزيفة، ضحت به الأم الحقيقية رأفة أن يشق إلى نصفين، فيكون تحمل أسواء السيئ شفقة على الدعوة ان تنشطر شطرين، و فيمن يظاهر السيئ أبرياء يأخذون بالظاهر، والسر يلجم المخلص أن يبوح به، ولو صرح به لاقتنعت نفوس، وهدأت قلوب، لكنه السر..

    وتتضاعف المرارة حين يتوهم المقضي لهم أنهم على حق، وانهم كسبوا جولة، فتكون لهم صولة ، لا يدرون أن سد الذريعة أنجاهم.
    إن الجدد لا يلغطون إلا إذا لغط بعض القدماء، ومن طبائع النفوس التقليد. ومَن سَنَ سُنة سيئة فعلية وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة.

    وخطبنا الثقة فقال:
    إن حزن القلب إزاء الإساءة فطرة، وفي تعزية الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم عبرة، إذ قال: (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون، فإنهم لا يكذبونك، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون).
    فكيف بمن هو أقل مثلنا؟
    وكيف إذا كانت الإساءة لا من كافر طبيعته الإساءة بل من مسلم، بل من أخ لك في الصف؟

    إن التقوى تدعونا إلى أن نتحكم بألسنتنا، ثم ندعو الله أن ينسينا ويمحو من ذاكرتنا حوادث الإساءة لنا كي تبرد قلوبنا ولا يستمر غليانها. لا نقول إلا ما يسدد ويقارب، وما يرضي الرب، أما ما يفرق وينبت الضغائن فلا، بل نصمت، ولا تتحرك ألسنتنا إلا بخير، وتلزمنا تقوى مضاعفة عندما تفور قلوبنا.

    إساءة الكافر لنا تقوينا، وإساءة المسلم تؤذينا.

    الطغاة خدمونا، لأنهم ظلموا، فمَلكَ الناسً الشوق للحرية... من معاناة الظلم والمحن: يتعلم الشعب الحرية. لكن الفتن: تكسر النفوس، وتخذل الهمم.

    إن المحن مقادير من الله يليق لها الصبر لتتحول الى صالحنا، بإذن الله، وهي تجارب مربية، وسينهار كل ظلم يوم تتحد قلوبنا.

    أما الأسباب الداخلية فتؤذينا، والأبنية الجماعية لا تنهار بأسباب من خارجها، لكنه النخر الباطن.

     الابتسار طريق الاندثار .. ..

    يجب الرجوع إلى القاعدة الأساسية في الاهتمام بالكيف لا بالكم، نهتم بالعمق وبخط رأسي أكثر من الخط الأفقي.

    تربيتنا يجب أن لا تعتمد التلقين فقط. .. .. .. نحتاج إعادة الصياغة وإطالة الركوع.

    كم من تهور سببته الحسابات العاطفية والنزعات التكاثرية، كان منه الإحباط والتدمير المعنوي؟.

    لذلك فإن الحلول التوفيقية لقضايا الفتن لن تفعل شيئاً سوى أنها تؤخر انفجار الموقف.

    إنها كمثل قربة مخرمة كثيرة الثقوب، لا تدري بعد ترقيعها متى تفتق عليك وترش ماءهَا؟.

    إن لغة الشعر لا تصلح لدار القضاء.

    إذا خالفت مجموعة بقية الجماعة فإن صيغة الموازنات والإرضاء قد تكون فاشلة أحياناً ، ومن الخطأ أن يُحل الإشكال بتأمير رجال من هؤلاء يزاحمون البقية، ففي ذلك تكريس للخلاف، وفيه إغراء لا للمخالف فقط في أن يسخّر كل طاقاته الإبداعية لمعاندة الآخرين وإظهار خطأ مذهب أكثرية، بل حتى الإمارة التي انشق عنها المنشقون ستلتهي بقضايا مفضولة ، وستسير مع المخالفين بسيرة مداراة دبلوماسية، أو ستبذل من طاقتها مقداراً كبيراً لتفنيد أقوال المقابل ورصده ورد ما قد يستجد على لسانه بعد الصلح.

    إنها معادلة صعبة، والفصل مع قسوته قد يكون أفضل وأكثر تحقيقاً لمصالح الجماعة.

    المعالجة الظاهرية لا تجدي، لأن محاولات الباطن ستظل تعمل، تحفر وتنخر بعيداً عن أنظار المراقبين.


    إذا قضى القاضي بدينار مختلف فيه وهو غضبان متوتر منفعل: كان حكمه مخالفاً لسنة القضاء، فكيف نحكم الدعوة ونسوس أمورها في مجالس يسودها الغضب وتسيرها التحديات؟

    وميل القاضي إلى أحد الطرفين حكم بدرهم يفتح باب الطعن في الحكم، فكيف بعصبية الشللية التي تعطي للانحياز بُعده الجماعي العميق؟

     قل أعوذ برب الناس

    ووصف لنا الثقة حيصة في ساحة إخوانه فقال:

    ليس هو الانشقاق فقط بل تقاعد، بل انسحاب، بل تمزق.

    لذلك لا تفيد إلا المعالجات الحاسمة، أما المداواة السطحية فلن تجدي شيئاً.

    من الخطورة بمكان تسوية أرض المعركة قبل أن تنزع منها الألغام أولاً.

    بعض الناس يلوّح لهم براية من بعيد، فيقصدونها من غير تمحيص.

    يريد البعض أحياناً تحطيم أحد يضيقون به ذرعاً، لحسد أو غيره، فتثار حوله التهم، لكن العملية تُفلسف في صورة دعوة لمذهب في العمل جديد واجتهاد مبتكر، وهي زخم شخصي ليست أكثر.

    إن أشنع الظلم أن تتخذ من أخ لك هدفاً وتجمع الناس والجموع ليرجموه معك.

    المحورية أخت الحزبية.

    والتنازع على المواقع بالوقيعة باطل.

    وأول تلقين الشيطان لصريعه أن يعلمه أن يقول... ... ... ... (أنا).

    نحن دعاة، لم نجتمع ليَكره بعضنا بعضا، وإنما اجتمعنا لنتعاون على مشقة الطريق.

    وهل يدري المفتتن كم يلهي معه من الدعاة عن قصودهم ، وكم يهدر من أوقاتهم إذا انصرفوا له ناصحين ودخلوا بينه وبين إخوانه مصلحين ومحكمين؟.

    إنها جهود وأوقات تذهب هدراً.

    إن الممارسة السياسية تكون أحياناً قليلة الجدوى، لاهتزاز بناء الجماعة بالخلاف، وتكون الأولوية عندئذ لإعادة البناء ودرء الفتنة، وتكون التربية هي القضية الرئيسية.

    إن الزمام لا يُسلم الى عاطفي متسرع، إنما يعطى للعقلاء أصحاب التقوى والعلم..

    وقد صدق الثقة... ثم صدق، فإن تجاربنا تنطق بأنه لا يجوز النظر إلى ظاهر الفتن، وعزوها إلى السبب الأخير، ليظن ظان أن تلافي ذلك السبب البسيط أمر سهل ممكن، فيعدل عن الحزم إلى مجرد الوعظ، بل الواجب أن نغوص بعيداً لنرى الأسباب الحقيقية للفتنة، وحيثياتها الكثيرة، وجذورها القديمة. لا نكتفي بمجرد الحلول العاطفية للمشاكل، بل ننزل إلى أصول البلاء.

    إنها ليست القشة تقصم ظهر البعير، لكن الطارئ الذي لا خبرة له يظن ذلك.

    وقد يخالط باطل المبطل بعض الحق، ولكن ابتداء أمر كل فتنة هو انحراف في النفس ليس لباحث أن يغفل عنه.

    إما أن يكون تأسيس واستمرار الدعوة على مبادئ، أو على رجال، فإنْ كانت المبادئ فهنالك ظن الخير ، وإن كان الاجتماع على رجال ففي ذلك نظر، واقرأ الفاتحة على هذه الدعوة، أو بالأحرى..... اقرأ الخاتمة.


    طفحت فأشغلت


    أصعب حالات الدعاة الذين يرابطون مع أمير على أمرٍ جامع: أن تنقلب عند بعضهم الموازين، فيغدو الإيجاب سلبا.

    و إنما تؤسس الجماعة الإسلامية على قاعدة الولاء لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، فيكون الحب والبغض في الله تعالى، ويكون عَرض أعمال الرجال على الحق، فنقبل منهم وندع.

    ولكن يغفل البعض عن هذا المعيار الإيماني أحياناً، ويؤدي اختلاط الأصوات في أيام الصخب إلى ذهول عنه، ويظهر نوع من ولاء الداعية لأساتذته ومربيه بالحق والباطل، بأن يلتزم موقفهم وتأويلهم على طول الخط، منتصراً لهم، فتكون بداية الانتكاس، إذ لا معصوم، ولا يؤذن لبشر يزيد إيمانُه وينقص، ويصيب رأيُه ويخطئ، أن يحتكر الولاء.

    فهو يودهم ويواليهم لا لسبب شرعي يوجبه الفقه، مِن نَصرِ مظلوم أو تعاون على بر أو طاعة أمير، و إنما بسبب العلاقة الخاصة، حتى لو كانت الأسباب الشرعية ترشد إلى قطع ما هو فيه من ولاء، من وجود ظلم عند أصحابه الذين والاهم، أو الانتحاء جانباً عن الجماعة، أو الخروج عن خُطة الأكثرين، أو الإنحراب والشذوذ والتفرّد في الاجتهاد.

     حروف داخل الأبجدية .. ..

    ويتضاعف السَلب المتولد من هذه المودات الشخصية عندما لا يقنع الواهم بإظهار الولاء فقط، و إنما يتعداه إلى الدفاع والذبّ عن صاحبه، ويُسخر لسانَه لنقد الآخرين، فتكون وخزات القول الجارح الحديد التي تؤلم قلوب النبلاء، فانه:
    أوجع من وخزة السنانِ * * * لذي الحِجا: وخزة اللسانِ

    وما كان السلف رضي الله عنهم على مثل هذا، بل كانوا يُقلون الكلام حتى في المباح، وحيث لا أذى، إبعاداً لاحتمالات الزلل عند الإكثار، وقد وصفهم إمام المحدثين بالبصرة عبد الرحمن بن مهدي فقال: (أدركت الناسَ وهم على الجُمَل).

    قال الإمام أحمد بن حنبل معقّباً:
    (يعني لا يتكلمون، اي: ولا يخاصمون)

    فإنما هي جُمل يسيرة من الكلام بحروف معدودة، ليس وراءها إيذاء او تخذيل او تعكير قلوب.

    وهكذا كانت الحياة الإسلامية تمضي حين يقودها الصالحون، بل الحياة لإنسانية حين تصفو فتحكمها سنن الفطرة، فيتوارى المهذارون، ولو استقرأتَ التاريخَ وأوصاف المجتمعات فانك:

    (تجد الوحدان والجماعات أقربها إلى الصدق والجد: أقلها كلاما، يشغلها الفعل عن القول، ويغلب فيها الفكر واليد على اللسان، وأقرب الناس إلى البطالة والهزل: أكثرها كلاما، وأذربهم لساناً، إلا قليلا.

    لو اتصل اللسان بالفكر لقيده الفكر، ولو صحب القولُ العملَ لوَقّره العمل، ولكن اللسان يتقلب في هراء لا ينفد، ويصرّف ألفاظا لا تحد، قول بغير حساب، وقشر ليس فيه لُباب.

    وكم قال الناس قديماً في كثرة الكلام وقلته، وفي ثقله وخفته وما يتأمل متأمل في أحوالنا إلا يجد تصديق ما قيل، فحركة ألسنتنا تَربو كثيرا على حركات القول والأيدي، وابتكارنا أكثره في الكلام لا في النظام، وفي القول لا في الفعل.
    رحم الله مَن جعل عقله على لسانه رقيبا، وعمله على قوله حسيبا )

    فهو اللسان وراء الحالتين. .. .. .. وذلك سبب الوصية بسجن اللسان، لما قال:

    تَحَفّط من لسانك ليسى شيء * * * أحق بطول سجن من لسانِ

    أما اذا اطلقته حُراً: فهنالك تكون المتاعب .. ..

    ان اللسان اذا حَللتَ عِقاله * * * ألقاك في شنعاءَ ليس تُقالُ

    فالعقال والقيد أليقُ لكل لسان، وأحوط، وأبرأ، لانه ليس من أحد يقيلك ويعفيك من سقطاته، إلا الأقل، فانتبه.

    وإياك أن تُستدرَج إلى وادي الأذى متوهماً القيام بمهمة وعظ الآخرين، فإن التشهير يزيل نُبل الموعظة.

    (قال الشافعي رضي الله عنه: مَن وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه )

    وقيل لمسعر: أتحب مَن يخبرك بعيوبك؟ فقال: إن نصحني فيما بيني وبينه فنعم، وان قرَّعني بين الملأ فلا.)

    هذا الإيذاء إذا كان مجرد اللسان يرسل الكلمات هذراً، فكيف به إذا حسّنتْ زيفَه فنونُ البلاغة والنَظم، وجُندت الأقلام، واستجاشت العواطفَ نبراتُ الخطابة؟

    الخَطبُ أدهى عند ذاك بلا شك، وأشد إذا ساعَدَ المحيطُ خلال الفتن.

    فكم من خطيبٍ قام فيها مثرثرا * * * فطرّى لنا من يابس القول ما طرّى

    وكم شاعرٍ قد أرخصَ الشعرَ دونها * * * وكم قلم فوق الطروس بها صَما

    ثم تتحدر الحالة الى سوء اكثر حين لا يكون ثَمَ طرف واحد يمنح لسانَه الحريةَ، بل أطراف أخرى تدافع عن نفسها، وتفنّد المزاعم، فيثور الجدل، فيعم الصَخَب، كأنك في سوق الصفارين حين يزدحم الطرْقُ، فيخفت صوت هتاف ا لإسلام، فتضمحل الحماسة.

    ملأنا الجو بالجدل اصطخابا * * * وكنا قبل نملؤه هُتافا

    وما زلنا نهيم بكل واد * * * من الأقوال نرسلها جُزافا

    وهذا لأن الشرَ له قابلية التسلسل، وهو ولود، سريعُ النسل، كثيرُه ، وليس الحزم إذا رأى المخلصون أوائله إلا في أن يتحالموا ، ليسدّوا الطريق أمام استطراده، فانه .. .. ..

    اذا دُفع الشرُّ القبيح بمثله * * * تحصّل شر ثالث وتولدا
    وأمستْ دواعي الشرّ ذات تسلسل * * * مديدٍ وصار الشرُّ في الناس سرمدا
    إذا أيقظتني للعداء اعتداءةٌ * * * شربتُ لها من خالص العفو مُرفدا
    وأضْرب عن جهل الجهولِ ولم أكنْ * * * لأضربَ في الأيام للغدر موعدا

    وكان التحالمُ صفة النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يغضب ويحمر وجهه الشريف، ثم لا يعاقِب.

    عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (قَسَمَ النبيُ صلى الله عليه وسلم قَسما، فقال رجل: إن هذه لقسمة ما اُريد بها وجه الله!
    فأتيتً النبيَ صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فغضب حتى رأيتُ الغضبَ في وجهه، ثم قال:
    يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر)

     فصاحة الجمال الصمت .. ..

    لكن السلب يتعدى أن يكون كلاماً معيباً يتناول الآخرين بأذى، ويظل قائل القول الحَسَن المفيد ناقصا أيضاً إذا لم تسعف الأعمال دعواه العريضة، وهى صورة من الصور المرجوحة رصدها المربون فأنكروها، وبينوا كيف أن قوماً:

    إذا نصبوا للقول قالوا فأحسنوا * * * ولكنّ حُسْنَ القول خالفه الفعلُ

    ورصدوا حالة معاكسة طرأت كان الأقدمون ضدها، يوم أظهروا الدأبَ الصامت .. ..

    وكان البرُّ فعلاً دون قولٍ ** ** فصار البر نُطقاً بالكلام

    وسادَ عُرف التفاصُح، فاسترخت أيادي التصافح، حتى:

    (نَطقنا بالعربية فما نكاد نُلحِن، ولحنّا بالعمل فما نكاد نُعْرِب ) .. .. كما عبْر إبراهيم بن أدهم.

    أو أنك (قد قنعتَ بفصاحة اللسان مع عُجمة الجنان، و غدا لا ينفعك. الفصاحة للقلب لا للسان)،في تعبير عبدالقادر الكيلاني

    وسبب ذلك: خلل في ركن الإخلاص والعياذ بالله، وقد بينه الجُنيد البغدادي في معادلة واضحة، أنه:

    (يخلص إلى القلوب من بره: على حسب ما تُخلص القلوبُ عند ذكره) ثم قال: (فانظر ماذا خالط قلبك؟)

    فالعمل الصالح: بر، و إنما يأذن به الإخلاص، فإن لم يوفَق القلبُ إلى مزيد بر: فالواجب ان تفحص كفحص الأطباء عن أخلاط ومكدرات وشوائب تعيق.

    بل لا يحتاج صاحب الإخلاص الى تذكير الآخرين بما عنده، وما هو بحاجة الى دعاية او دفاع عن النفس، إنما هو مثل زهرة ينتشر ريحُها ويجبر المار بجوارها على الالتفات والاستمتاع بشذاها الزكي حتى لو لم يرها أول مرة ..

    (فمن أصلح سريرته: فاح عبير فضله، وعبقت القلوب بنشر طيبه، فاللهَ اللهَ في السرائر، فإنه ما ينفع مع فسادها صلاح ظاهر )

    وكلما وعى الدعاة هذه الحقائق أكثر: تقلصت احتمالات الفتن في دارهم، واضمحل ما يلازمها من تكبر وحسد وجدال، وكان عمرو بن قيس الملائي يرى رؤوس التواضع ثلاثة، أحدها: (ان لا تحب الرياء والسمعهّ والمدحة في عمل الله)، وكانت وصية يحيي بن أبي كثير أنْ: (تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل)

    فخذ برأس الأمر أيها الأخ الداعية، ولا تستغرب كثرة التوصية بهذه المعاني التي مرت عليك عند الابتداء، فإنها تلزمك عند التوسط أيضاً، وعند الانتهاء، فإنّ (أقربَ الناس من الرياء: آمنهم له) كما يقول التابعي عَبدة بن أبى لبابه..

     حين تغوص في الأوحال القدم .. ..

    وخبر هذه الاختلاطات القلبية وازدواج النية خبر عجيب غريب، حتى أنها قد تستدرج العالمَ او الداعية الى أرض الحسد وهو يظن أنه يُحسن صُنعا، ويتوهم انه يسعى الى حق أقره الشرع عليه، وقد ضرب الإمام الغزالي في الإحياء مثالاً لورود هذا الالتباس لمحي الحياة العلمية، يمكننا أن نقيس عليه شيئاً يحدث في الميادين الدعوية ، وفي المثال كشف لأسرار النفس الإنسانية يحتاج الدعاة تعلمه، وفيه وصف لنوع خفي من الفتن حري بهم أن يفقهوه.

    ويبدأ الغزالي بالتذكير بـــ (أن الباعث للأكثرين على نشر العلم: لذة الاستيلاء والفرح بالإستتباع والاستبشار بالحمد والثناء، والشيطان يلبسه عليهم ذلك ويقول: غرضكم نشر دين الله والنضال عن الشرع الذي شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترى الواعظَ يَمُنَ على الله تعالى بنصيحة الخلق ووعظه للسلاطين، ويفرح بقبول الناس قوله وإقبالهم عليه، وهو يدعي أنه يفرح بما يسر له من نصرة الدين، ولو ظهر من أقرانه مَن هو أحسن منه وعظاً وانصرف الناس عنه وأقبلوا عليه: ساءه ذلك وغمّه، ولو كان باعثه الدين لشكر الله تعالى إذ كفاه الله تعالى هذا المهم بغيره. ثم الشيطان مع ذلك لا يخليه، ويقول: إنما غمك لانقطاع الثواب عنك لا لانصراف وجوه الناس عنك الى غيرك، إذ لو اتعظوا بقولك لكنتَ أنت المثاب، واغتمامك لفوات الثواب محمود، ولا يدري المسكين أنّ انقياده للحق وتسليمه الأمر أفضل وأجزل ثواباً و أعود عليه في الآخرة من انفراده، وليت شعري لو اغتم عمر رضي الله عنه بتصدٌي أبي بكر رضي الله تعالى عنه للإمامة: أكان غمُه محموداً أم مذموماً؟ ولا يستريب ذو دين أنْ لو كان ذلك لكان مذموماً، لأن انقياده للحق وتسليمه الأمر إلى مَن هو أصلح منه: أعود عليه في الدين من تكفَله بمصالحِ الخلق مع ما فيه من الثواب الجزيل، بل فرح عمر رضي الله عنه باستقلال من هو أولى منه بالأمر، فما بال العلماء لا يفرحون بمثل ذلك؟

    وقد ينخدع بعض أهل العلم بغرور الشيطان فمِحدث نفسه بأنه لو ظهر من هو أولى منه بالأمر لفرح به، وإخباره بذلك عن نفسه قبل التجربة والامتحان محض الجهل والغرور، فإن النفسَ سهلة القياد في الوعد بأمثال ذلك قبل نزول الأمر، ثم إذا دهاه الأمر: تغير ورجع ولم يف بالوعد، وذلك لا يعرفه إلا مَن عرف مكايد الشيطان والنفس وطال اشتغاله بامتحانها، فمعرفة .. حقيقة الإخلاص والعمل به: بحر عميق يعْرق فيه الجميع إلا الشاذ النادر والفرد الفذ، وهو المستثنى في قوله تعالى: " إلا عبادك منهم المخلصين "، فليكن العبد شديد التفقد والمراقبة لهذه الدقائق، وإلا التحق باتباع الشياطين وهو لا يشعر.)

    فأعد التأمل في هذا النمط من السلوك النفسي: ينفتح لك باب عريض من فقه القلوب ينجيك بإذن الله من ضيق الفتن التي قد تغري داعية بالتنافس مع داعية آخر، فيتبرم من وجوده وكلامه ودروسه، وما ثَمَ غير الحسد، والعياذ بالله، فيأخذ بالوشاية عليه لدى الأمراء .

    وكان من الممكن لهذا النوع من الحسد أن يكون محدودَ الأثر، لكنّ طبيعته تترك قلب الحاسدَ يغلي، فيستهلك نفسَه، ويطمع الشيطان أن ينال أكثر، فيغري الحاسدَ بالنميمة والوقيعة بين المحسود وإخوان له، فيتعدى الأثرُ، وتعم ا لبلوى.

    وهذا الحالة هي التي شكاها الكثير من فقهاء المسلمين ونبلائهم، جيلاً بعد جيل، وما يزال يشكوها بعض الدعاة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وتنطق بها تقارير وشهادات ومحاكمات.

    وإنك لتسمع توجع محسود يقول:

    أفشى علي مقالةً ما قلتُها * * * وسعى بأمر كان غير سديد

    فينعصر قلبُك: تألم لألمه، وتأسف لهذا التردّي الأخلاقي.

    ثم تلتفت، فتصادف مصليا يدعو ربه أن يعصمه من (الغواية في الرواية)، فتتخيل كم آذت هذا المسلمَ غواية المّلاعب بالألفاظ والحقائق.

    وتستنبئ التاريخَ عن أشد ما أرهق عبداللهَ بن الزبير رضي الله عنهما، فإذا هو ما تابع فيه الأفوه الأودي في قوله:
    ولم أرَ في الخطوب أشد وقعا * * * * وأصعبَ من معاداة الرجال

    فترى آهتَه هذه مجرد مفصل في السلسلة التي أدّت به أن يُعَلق أمام الكعبة،،،.،،.... فارساً لا يترجلَ.. .. !
    وتستطرد القصص،، تترى..

    وعلاج هذه النميمة لا يكون بوعظ مقترفيها،. فإن للشيطان عشيرة، حَكَمَ بنمائها القَدَرُ، وهم بنسبهم في سرهم يفرحون ويفخرون، لكن العلاج الحاسم إنما يكون في صدود الثقة عن صَاحب الإفساد الواشي، وتحسين الظن بالمؤمنين، وتقديم ما تعلم من خبر أخيك على خبر الهامس بأذنك، واستحضار سابقاته الخيرية، واستشهاد أيامه الماضية.

    وهذا الطمع في وعي الثقة ونباهة الأمير هو الذي عول عليه المظلومون دوماً، فيهز أحدهم ضمير أخيه هزاً، وينطلق...


    أليس من العـــــــــدلِ أنْ تسمعا ** ** ** فأشكو إليكَ نَمومـــاً سعى؟

    فأبدعَ ما شـــــــــــــــاءَ في فِرية ** ** ** تأنّق في صُنعهـــــا وادعى

    وما كـــــــــــان لولا خِلاجُ الظنون ** ** ** ليرغبَ في القول أو يطمعا

    وليس ملامي على مَن وشى ** ** ** ولكنْ ملامي على مَن وَعَى

    أيجملُ بالعهد أن يُستبــــــــاحَ ** ** ** لواشٍ وللــــــــــوُدٌ أنْ يُقطعا ؟

    ومَن أشركَ النـــــاسَ في أمره ** ** ** دعته الضرورةُ أن يُخـــــــدعا

    وهذا هو البارودي .. عاشق الحرية،، ذو القلب الكبير، وقد ظن قلبٌ صغير انه هزمه، لكن الأيامَ طمرتْهُ، وبقيَ الحُر شامخا.
    وكان آخر قد تصدى من قبل، فجهَر جَهْرَ الواثق من صحيفته ورصيده وماضيه و حاضره ، متعجباً من تغيّر أميره.،،

    أما جرّبتني فخبــــــــــــرتَ منَي ** ** ** نصائح لم يُمازجها خِداعُ؟

    ونُطتَ بي المصاعِبَ فاستقادتْ ** ** ** مُطاوِعةً وكان بها امتناعُ

    ولم تعثَـــــر بحمــــــــد الله مني ** ** ** على عيبِ يكَتمً او يُذاعُ

    وهو الحريري صاحب المقامات ..
    فليس ملامهما على مَن وشى . لكن على مَن مَنَحَ الأذن الصاغية .
    فالنصائح التي اً ضمرتْ أو أبديت لم تحفظ .. .. !!!!
    والدأبُ الذي ذلل الصعابَ لم يَشفع .. .. !!
    وغلبتْ فِرية ما هنالك .. .. !!!!
    وفي التفويض الى الله تعالى مندوحة .
    وهو الحَكَم عز وجل، يرفع ويخفض، وعنده سنجتمع..
    لكن الناس يستعجلون .. .. !!

    وليست المنزلة أن تنال لقباً أو أنْ توضع في الصدارة، ولكنّ المنزلة أن تحتل حيّزاً في قلوب المؤمنين، وأنْ تنادي ملائكةُ السماء أهلَ الأرض أن الله تعالى أحب فلاناً فأحبوه .. ..

    (إن قيادتنا للحياة هي القيادة ، وليست مراكز المسؤولية التي تضعنا فيها التوزعات الدعوية ويمنحنا إياها أمير الدعوة.

    صانع الحياة يدوس الألقاب برجله ويحطمها، ويمضي يصنع الحياة من موطن التخصص والفن والإبداع.

    هو مليء النفس ولا يحتاج أحداً لملئها.

    الذي يُطالب بالمسؤوليات والألقاب الدعوية والنقابة والإمارة على المؤمنين إنما هو العاجز الذي لا يُحسنُ علماً ولا تخصصاً ولا فنّاً، فيطلب التعويض بإنعام الألقاب عليه، ويعارك، ويختلف ، ويناضل دون مكتسباته السابقة، و يملاء الكواليسَ همساً وسعياً، و أما المقتدر فيتقدم تقدم الواثق) ..






     لما أطاع الهوى .. .. .. .. هــــــوى .. .. .. !!

    إن قصص الخلاف و (الظلم الأخوي) تكشف الحاجة القصوى إلى عملية إعادة التربية وتزكية النفوس، فان الأهواء وجدت لها مسرحا.

    والنفس إن صَلحتْ: زكتْ، وإذا خَلتْ ** ** ** من فطنةٍ لعِبتْ بها الأهواءً

    لولا النميمةُ لم يقع بين أمرىء ** ** ** وأخيه من بعد الـــــــوِدادِ عِداءُ

    (وان ما تسمع وترى من خصام وافتراق، وبغض وشقاق، وجدال ومراء، وتنافر وعداء، كل أولئك مما آثر الناسُ الباطلَ، ومالوا مع الهوى.
    ودواء هذا الداء أن يُعرف الناسُ الحق ويُبصّروا به ويُرغّبوا فيه حتى يحبوه فيؤثروه، وأن يُعلمَوا العدل ويمرنوا عليه حتى يطيعوه، وان يُكشف لهم الباطل في شناعاته، والجور في سيئاته، ويبن لهم كيف شقي بهما الناس )
    فاذا ظفرتَ بذي الوفـــــاء فحُط رحلكَ في رِحابهْ

    فأخوك مَن إن غـاب عنك رعى ودادك في غيابهْ

    وإذا أصابك ما يسوءُ رأى مصــــــــابكَ من مصابهْ

    ونراه يَيْجَعُ إن شكــــــــوتَ كأن مابك بعض مابهْ

    ليس أقل من ذلك، ونرفض الدبلومـاسيات الباردة، والابتسامات المصطنعة والمواساة الهامشية.


    وإن مهمة التربية الدعوية في كل حين ان تنتج نموذج مسلم:

    واضح المنهج يسعى دون غش أو نفاقِ

    راضي النفس، كبير القلب، يدعو للوفاقِ

    قلبه المؤمن بالخالق مشدودَ الوثاقِ

    نبضه الذاكر يمتد إلى السبع الطباقِ

    وواجب الداعية المتلقي أن يتجاوب مع مربيه في الخضوع لهذه الخُطط التربوية النفسية، ليس تلهيه عنها ممارسة سياسية او طموحات تخطيطية أو مهمات تخصصية، بل ذلك أوجب وأكد له، لما في الأداء الإداري والسياسي من جفاف يضع القلب على حافة الخطر، وعلى كل تلميذ (أن يستعين بطبيب ماهر، فانه ليس كل أحد يستطيع أن يرى الأشواك التي تصيب القلوب، وليس كل من يراها يستطيع أن يقتلعها).

    وهو يحتاج في هذا الى نية وعزم على تحمّل المرارة، مرارة المكاشفة الصريحة، والإشارة إلى العيب، فان أكثر النفوس فطرت على الجفلة من النقد، والتعالي على النصيحة، وقد:

    ضحكت وجوه التُرهات ولم يزل * * * * * وجهُ الحقيقة في الأنام عبوسا

    والناس تسترسل مع الأخلاق الخفيفة، والرياء، والمداهنة، وتبادل المدح، ولكل أحد حساب من (المقاصة) لْي ذلك، يوفي إلى الناس ويستوفي، ويصدر ويستورد، ويُقرض ويستقرض، ولكن الحقائق كاسدة في الأسواق، وهي على أرصفة الموانئ مطروحة، لا يشتريها مستهلك، فقد حكم الدلالون أن (موديلاتها) قديمة، وأنه قد تغيرت الأذواق، وأن الراغب بها يكره أن يدفع مُعَجلاً، نقداً، بينما تلك الترهات يؤخَّر ثمنها إلى أجل، وتقايَض ببضاعة من جنسها (مقايضةً) .

     فانتفض أخي على المألوف السائد، ولا تتبع المتساهل..

     فانه لا يغني عنك ندمُك اذا زلت قدمُك) ..

     واعلم أن (أكثر الناس مع ظاهر النقود، ليس لهم نقد النقاد، ولا خبرة ا لصيارفة)..

     وانظر إلى مراتب الناس وأحوالهم وأقوالهم، (و أعط كل ذي حق حقه، ولا تجعل الزغل والخالص شيئاً واحداً ).

     واصعد ربوة الإنصاف ( فان من رَقِيَ الى هذه الربوة بعين لا قذى بها: أبصرَ الحق عِياناً بلا مِرية، وأخبرَ عنه بلا فرية) .

     وابرأ من صاحب (إذا أقدمت أحجم، وإذا أعربتَ أعجم).

     فإنه ليس وراء الربوة غير السراب.

     وإنك في متوالية لا تنتهي..

    .. .. أرقامها .. ..
    .. .. دهر يغر .. ..
    .. .. وآمال تسر .. .. ..
    .. .. وأعمار تمر .. ..
    .. .. وأيام لها خدع .. ..


    ركوب الأسنة


    وفي الصحراء هائم آخر، بيده الملف الضخم، ملف الهفوات يُحصيها على أصحابه، وما من هفوة إلاَ ولها تأويل يصرف صاحبها عن السوء والعمد ويجعله في دائرة الاجتهاد الذي يؤجر عليه، ولكن النفس المنحرفة تتبرم.

    وأعجب منه ظالم لا يحصي على أصحابه فقط بل على جماعة بأكملها، وقد رأيت في بعض البلاد ملفاً من نحو ألف صفحة سماه جامعه: (ألف خطأ وخطأ لجماعة كذا)، يستخرج فيه من الكتب أقوالاً، ومن التصريحات ومن هفوات أعضاء الجماعة، ويفنّد ويتوتر، ويُرعد ويزبد، ويدعو إلى الاستئصال وهدم هذه الجماعة المحتكرة للساحة، لتخلو الأرض، ليبني - في زعمه - بناءه الجديد مكانها، ولم ير المسكين مناقب الجماعة وإنجازاتها بمقابل ذلك، ولم يشفع أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، ولم يسمع أنّات مسجونيها وراء حديد الظالمين، ولا دماء شهدائها المراقة، ولم يفتش عن تأويل يزيل وهْمَه، ولا عن عذر توجبه الموازنات بين درجات المصالح ونوايا درء المفاسد التي أذنِ بها الفقهاء، وما درى أن الشيطان يؤزّه للهدم، فإذا خلت الأرض: صرف همته عن البناء البديل، ورجع بوزر الصدّ عن سبيل الله... !!!

    وفي هذه الصحراء تائه آخر يستبد به القلق، ويغلو في الأسلوب، فيتورط بمدح مبالغ فيه، ثم يتورط في أخرى بذم كثيف، فميزانه متأرجح، وعياره حصاة التقطها جُزافا، ليست سبيكة قد خَتَمها ولي السوق ورقيب الحسبة بختمه.

     حقائق .. .. وإن أنكرتها الأهواء ..

    القضية ليست خاصة لنسكت، و إنما هي حق عام، ولذلك يجب الحزم، وتليق العقوبة.

    ان الجماعات إنْ لم تحترم قوانينها ولوائح الحقوق والواجبات فإن المأزق يكون وشيكا، وفي كل عَرَصَة آذان لا يُطربها ترجيع و لا حداء، إنما تستروح لدقات المعاول .

    والمنفرد لا يستطيع وحده أن يبني نادياً ضراراً مهما تزعم وَزعَم انه رأس، ولكنه بالأعوان يستطيع، ولذلك يكون محشر الاتباع مع الرأس الذي علمهم الظلم.

    (إن فرعون وهامان وجنودَهما كانوا خاطئين).

    وكما شرع الله المكافأة: شرع العقوبة .. .. .. بل العقوبة بلا رأفة إذا كان السوء بالغا.

    (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفةٌ في دين الله إن كنتمَ تؤمنون بالله واليوم الاَخر، وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين).

    وكما نحب البعض في الله: نكره آخرين في الله.
    وإنما علا الإسلام زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنه كان حازما،
    وهناك جماعة .. .. ليس دكان بقال،
    فمن يشعر بشعور باطل نقول له: اجعل نفسك وراء ظهرك،
    وعلى المحاسبة تُبنى حياة الجماعات.
    والحلول العاطفية تذهب،،. مع الريح.
    والالتزامات الطيارة .. .. .. ستطير، ولبثها قليل.

    فمن يقيم أبنية الضرار، ويهتك الأسرار، ويحدث ثغرة في الأسوار: ندعوه الى التوبة، فان تاب و إلا فالإقصاء حق.
    (ولكم في القصاص حياة) ..
    أي ليست مجرد فائدة ومصلحة، بل حياة..

    إذا لم يكن إلا الأسنة مركباً ** ** ** فما حيلة المضطر إلا ركوبها؟

    وصاحب الزلل نبين له طريق التبرؤ من الهوى، فإن حالفه التوفيق وندم على ما كان: طولب ببيعة.
    وبعض أهل الإصرار يرون في البيعة مذلة، فيُحجمون.
    وهذا انقلاب في الموازين: أن تكون السُنة بدعة!!
    لا نطلب طاعة بالإكراه، ولكن إن رغب أحد بنيل شرف وأجر العمل الجماعي فعليه الالتزام.
    الباب مفتوح بهذا الشرط، ثم يحار المتردد.. ويظمأ،،،!!

     توبة الصالح فريدة .. ..

    وقد ضرب الأستاذ صالح عشماوي رحمه الله مثلاً لهؤلاء لعلهم بقصته وتوبته يقتدون.

    كان الأستاذ رحمه الله ورفع درجته من قدماء الدعاة ورجال الرعيل الأول، ولبث مع الإمام المؤسس دهراً كأحسن ما يكون الداعية عملاً، وأصبح عضو المكتب، فلما قُتل الإمام رحمه الله والمحنة جاثمة: اختلطت أوراق، واشتبهت أمور، وتحركت وساوس، فافتتن نفرٌ ، وجعلوا الأستاذ رأساً عليهم، ثم مرّت السنوات الحالكة، وطالت المحنة، فندم على ما كان منه، وطلب أبلغ صور التوبة النصوح.

    وقد زرتُ دار مجلة الدعوة يوماً فوجدت شيخاً وقوراً يجلس بتواضع على كرسي خيزران قديم خارج باب الشقة كأنه بواب، ولكنه مهيب، وله طلعة نورانية.

    فسلمتُ عليه واستأذنته، فأذن، فدخلت، فقال لي أخ ممن هناك: هل عرفتَ ذاك الرجل المحترم الذي كأنه بواب؟
    قلت: لا، لكنه استرعى اهتمامي..
    قال: ذاك صالح عشماوي، يرى ان نفْسَه استروحت يوم جَعَله المشاكسون رأساً ونادوا به أميراً، وعزم على أن يرجع جندياً في آخر الصف، ويصر على أن ذلك من تمام توبته، فاختار أن يكون بواباً، ولو يعلم أن هناك منزلة أدنى من منزلة البواب لسارع اليها، يلغي بذلك ما سَلف منه من تطلع للصدارة، فعجبتُ ودهشت لهذه الروح الصافية والقلب الكبير .

    ثم قال لنا الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله: دعونا له، ودعوناه ان يكون أخاً لنا يشارك كالآخرين، ويتوب الله على من تاب، ولكنه أبى ورفض، وأصررنا وبلغْنا غاية الجُهد في إقناعه، لكنه أصر إصراراً على أن يعاقب نفسه بالتأخير..
    ثم خطبنا الأستاذ عمر رحمه الله بعد سنوات فقال:
    لقد تاب الأستاذ صالح عشماوي توبة أحسبها لو وزعت على دعاة الإسلام في القاهرة جميعاً لوسعتهم.
    .. .. رحمهم الله جميعاً ، وعصمنا من الفتن بعدهم ..

     ميثاق الأمن الدعوي .. ..

    وخَطب فينا هُمام أحزنه جدلٌ قعد بدعاة الإيمان، فنطق بحروف حري ان تخط بقلم كوفي عريض، معلناً فينا دستور حقوق العمل الإسلامي.

    قال جزاه الله خيرا وزاده فصاحة .. .. ..

    ( إن تشخيص أخلاق الرجال واجب .. لأن السلوكيات تكرر في الأجيال .. .. وتتجدد الأنماط النفسية حتى لكأن نسبا واحدا يجمعها .. .. وقد يلجأ الأمير الى حماية الجماعة بسياسة الحزم .. .. فيرفض التمييع والتردد والمواقف القلقة .. .. وفقه الضرورات ومنهج الإحتياط رديف لفقه الموازنات المصلحية .. .. وإن شرعية الإختلاف لا تلغي أفضلية الإتفاق .. .. والآمال العريضة لابد لها من نفوس عالية .. والتأصيل أساس في درء الفتن .. .. والنص الشرعي حجة .. .. وأما التحليل فلكل مورده .. .. ولا يكون الإجتهاد حجة على أجتهاد آخر .. .. إنما إجتهاد الأمير مقدم .. .. وينبغي أن يغلب العقل العواطف .. .. وليست الجماعة حشد أسماء .. .. وإنما كتلة قلوب .. .. تقودها قيم .. .. )


    احاديث شريفة


    ونصوص القرآن والحديث الشريف تشهد للأمراء وتمنحهم حق الطاعة، لكنَ بعض مَن يُحاور في قضايا الفتن يظن أن هذه الآيات والأحاديث لا تنطبق على علاقات الإمارة والجندية في الساحة الدعوية، ويذهب إلى أنها غير صالحة للاستشهاد بها، لأنها إنما وردت في الأمير الذي يحكم كل أو بعض بلاد المسلمين حكماً سياسياً من خلال دولة ونظام.

    ولسنا نجادل في أنها وردت في ولاة الحكم، ولكن معناها يتعدى ليسري على الإمارة الدعوية من خلال القياس الأصولي، وعبر استحضار الروح العامة للشريعة في باب الإمارة، وهي الروح التي احتكم لها ابن تيمية في بعض إفتائه. وعنصر القوة في قبول هذا القياس: أن البيعة لأمراء الدعوة قد انعقدت بعقد رضائي تام، وألزم الدعاة أنفسهم بهذه الطاعة اختياراً، لما قام في قلوبهم من معني لزومها لإيجاد حقيقة العمل الجماعي الكفيل بوضع الدعوة في موضع المكافأة لخصوم الإسلام في ساحة التنافس، ولم يقل أحد من الدعاة بلزوم طاعة عامة المسلمين لأمراء الدعوة، و انما مضى مذهبهم بوجوبها على مَن بايع عن قناعة واختار هدر حقوقه في الإجتهاد والتصرف إذا خالفتهما توجهات وأوامر أمراء الدعوة، ويزداد رجحان صحة هذا القياس إذا كان الدعاة في زمان أو مكان ليس فيهما حاكم شرعي أتت به بيعة شرعية شورية، فتكون مسارعة الدعاة الى مبايعة أمير دعوي نوعاً من التعويض المستند الى منطق فقهي صحيح، لما تؤدي إليه هذه البيعة الناقصة الحالية من احتمال إحلال البيعة السياسية الحكمية في عالم الواقع مستقبلا، وما لا يدرك كله لا يترك جُله، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وسيأتي من كلام ابن حجر ما يؤيد هذا القياس .
    ==

    فاترك تساهل من يعفيك من صرامة الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في الأمراء بحجة عدم انطباقها على الواقع الدعوي، وعظ نفسك بها، وتأمل معانيها جيدا، فان لك فيها بإذن الله عصمة من شطط وقع فيه نفر ممن مرّ قبلك...

     أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه قال: (مَن كره من أميره شيئاً فليصبر، فانه مَن خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية) وفي لفظ (مَن رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليهَ، فان مَن فارق الجماعة شبراً فماتَ إلا مات ميتة جاهلية)

    (وقالَ ابن أبي جمرة: المراد بالمفارقة: السعي في حَلّ البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء، فكني عنها بمقدار الشبر.)

    (والمراد بالميتة الجاهلية- وهي بكسر الميم- : حالة الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام مطاع، لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك، وليس المراد انه يموت كافراً، بل يموت عاصيا)

     واخرج البخاري عن عُبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخَذَ علينا أنْ بايَعَنا على السمع والطاعة في مَنْشَطنا ومكرهنا، وعُسرنا وُيسرنا، وأثَرة علينا، وأن لا ننازع الأمرَ أهله إلاَ أن تروا كفراً بَواحاً عندكم من الله فيه برهان)

    وذكر ابن حجر أن في رواية عند ابن حِبان وأحمد: (إلا أن يكون معصية لله بواحا).

    ثم قال: (قال النووي: المراد بالكفر هنا: المعصية، ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا ان تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام، فاذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم وقولوا الحق حيثما كنتم. انتهى.

    وقال غيره: المراد بالإثم هنا والمعصية: الكفر، فلا يعترض على السلطان إلاّ إذا وقع في الكفر الظاهر .

    والذي يظهر: حمل رواية الكفر على ما إذا كانت المنازعة في الولاية، فلا ينازعه بما يقدح في الولاية إلا إذا ارتكب الكفر، وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية، فإذا لم يقدح في الولاية: نازعه في المعصية، بأن ينكر عليه برفق ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنف، ومحل ذلك إذا كان قادراً، والله أعلم.

    ونقل ابن التين عن الداودي قال: الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب، وإلا فالواجب الصبر.

    وعن بعضهم: لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء، فإن أحدثَ جَوراً بعد أن كان عدلاً فاختلفوا في جواز الخروج عليه، والصحيح المنع، إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه.)

    وفي هذا الكلام قاعدة دعوية مهمة جداً، فقد توهم بعض مَن يجري مع الظاهر بلا فقه أن المسلم عليه أن يقف صامتاً ذا لم ير الكفر، وليس كذلك الأمر، بل عليه أن يأمر وينهى وينكر على الحكام أصحاب المعاصي، فإنما اختلفوا في جواز منازعتهم في الولاية، ولم يختلف الفقهاء في وجوب الإنكار عليهم والصدع بالحق، فتأمل!!

     وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سِباب المسلم فسوق وقتاله كفر.)

    وقد تكلم ابن حجر في توجيه إطلاق الكفر على قتال المؤمن فقال: (إن أقوى ما قيل في ذلك انه أطلق عليه مبالغة في التحذير من ذلك لينزجر السامع عن الإقدام عليه، أو أنه على سبيل التشبيه، لان ذلك فعل الكافر،)

     وعن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: (مَن أطاعني فقد أطاعِ الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومَن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني)

    قال ابن حجر: (في رواية همام والأعرج عند مسلم: ومَن أطاع الأمير. ويمكن رد اللفظين لمعنى واحد، فان كل مَن يأمر بحق- وكان عادلاً فهو أمير الشارع، لأنه تولى بأمره وبشريعته، ويؤيده توحيد الجواب في الأمرين، وهو قوله: فقد أطاعني، أي عمل بما شرعته، وكأن الحكمة في تخصيص أميره بالذكر انه المراد وقت الخطاب، ولأنه سبب ورود الحديث ، وأما الحكم فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ووقع في رواية همام أيضاً: ومَن يُطع الأمير فقد أطاعني، بصيغة المضارعة، وكذا: ومن يعص الأمير فقد عصاني، وهو أدْخلُ في إرادة تعميم مَن خوطب ومن جاء بعد ذلك.)

    وهذا الكلام من ابن حجر في غاية الأهمية، لما فيه من تأييد ما ذهبنا إليه من القياس الأصولي لأمور أمراء الدعوة الذين يأمرون بالحق على أمراء الحُكم، مما ذكرناه آنفا .

     وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحبُّ وكرِه ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة.)

     وقال النبي صلي الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سَمُرَة رضي الله عنه: (يا عبد الرحمن لا تَسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة: وكِلتَ إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة: اُعِنتَ عليها )


    قال ... لي .. وقلت

    لما صدرت مقالة المعلقة أول مرة: ظنّ داعية أنها انحياز لجانب الأمراء، فجرى بينه وبين داعية من أهل الفضل والفقه هذا الحوار النافع، ونَشَرة آنذاك، وقد رأيت إلحاقه برسالة قبائح الفتن تعميماً للفائدة،،،

     قال لي: يا أخي لا تشددوا على الداعية، إنه صادق النية، وقد مارس حقه في الاجتهاد، وانه مأجور بأجرين إن أصاب، وأجر واحد إن اخطأ.، فلماذا هذا الرد العنيف عليه، ألا يترتب على هذا كبت طاقات الداعية، وتعويده على الطاعة العمياء، وبالتالي ينشأ جيل من (الموافقين.،.) و يسير فيهم أمر الآمر بدون نقاش ولا ردّ، ثم ينشأ جيل تُقتل فيه روح الإبداع ؟

    قلت: صدقت يا أخي، إن التشدد ليس مطلوباً إلا في حالاته الضرورية، _ وجزاك الله خيراً _ ولكني رأيت أن هذه الحالة شيء آخر، وقبل كل شيء يجب ان نعتقد ان صدق النية وعكسها لا نتحكم فيهما الآن، وهما من الأمور المتعلقة بقلب الفرد، ومدى تربيته، ودرجة تقواه،،. وإن كانت هناك دلالات وقرائن على ماهيتها، وقد يشعر بها صاحب البصيرة والفطنة والفراسة ولا نُنكر هذا، ولكن الذي هو خاضع للموازين هو ظاهر الأمر، بل هو الذي سمَيته (اجتهادا).. فالاجتهاد ليس عملية غيبية خفية، أو أهوائية ميلية، إئما هي محكومة بضوابط شرعية، وموازين ثابتة. لا يمكن تجاوزها، أو العدول عنها.. فالمنكر لا يصبح معروفا إلا اذا كان الاجتهاد اشتهاء، وشتان بين الاجتهاد والاشتهاء .. .. فالمنكر يظل منكراً، والمعروف يظل معروفاً، ولا يتحول الى منكر بالاجتهاد .

    بل يا أخي: ومتى صار تحكيم الضوابط وسد باب الأهواء كبتاً للطاقات، وإنشاء لجيل من الغافلين الموافقين.،.؟ فكما ان الدعوة لا تريد الغافلين النائمين، فكذلك لا تريد الجماعة الغوغائيين الأهوائيين، بل نريد بناء جيل واع للواقع ومدركِ للأوضاع، ومطيع للأوامر بالمعروف بعد ان عرفناه به، وصابر على وليّ أمَره، مقدر لظروف الآخرين، ويضع الاجتهاد في مواضعه الصحيحة، ويوضح آراءه وفق القواعد والموازين الشرعية، وخلال القنوات الرسمية.


     قال لي: اذا كنت تشير إلى الصبر على زلة الأمير، فلماذا لا تشير إلى تحمل الأمير لزلات أتباعه، وسعة صدره تجاههم حيث انه ولي أمرهم و أخوهم الكبير، وانهم خطاؤن وليسوا معصومين عن الزلل والخطأ.

    قلت: صدقت _جزاك الله خيرا _ ولكن اعلم يا أخي أن المسؤوليات متوزعة، وان كل نفس بما كسبت رهينة، وان خطأ الطرف الثاني _ مهما كان كبيراً _ لا يغطي خطأ الطرف الأول ولا يمسحه،،. فالأصل أن يتخذ كل شخص موقفه، ولا ينشغل بعيوب غيره عن عيوب نفسه .. .. ولتشفع حسنات الأخ عندنا لسيئاته،،، ولنتأكد جيداً أن انقيادنا لفلان من الناس ليس لنفسه، و إنما لأمر الجماعة، وانضمامنا للجماعة ليس لمصلحة دنيوية و إنما لحسن أداء واجبنا الديني، والقيام بالتعاون جماعياً على البر والتقوى،،، إذا فالسمع والطاعة في المنشط والمكره، والصبر على الأمير وغيرهما من الأحكام المستمدة من النصوص والأحداث التاريخية في السيرة المطهرة، بل وان تأكيد الآية على الطاعة الواردة في بيعة النساء "ولا يعصينك في معروف " فيها دلائل واضحة على ان هناك حالات تحتاج الى صبر من المأمور، وان الطاعة لا تكون في المنشط دائماً، وانما تكون في المكره، وسواء أكان هذا الكرهُ ذوقياً أم عن اجتهادً أو اشتهاء، ففي كل الحالات تلزم هذه الطاعة .. أما الشطر الثاني من القضية ان يكون الأمر في معروف، ولا طاعة في المعصية، فهذا واضح بملاحظة كلا الجانبين حيث يجب:

     أولا :التأكد من تحقق معروفية المعروف، وماهية المنكر، وان يكون حكمهما متحققاً لدى المأمور، فمتى ما تأكد من معروفية الأمر بمعناها الواضح بنص أو إجماع أو قياس أو اجتهاد منضبط، فليس له غير الطاعة آنذاك، و إذا ما تأكد بتحقق أن الأمر ليس بالمعروف، أو انه أمر بمعصية فليس له الطاعة عندئذ.

     وثانياً :أن اعتبار الأمر معروفاً أو منكراً خاضع لقواعد وموازين شرعية كما أشرنا، ولا يتجرأ المؤمن أن يتهم أميره الذي هو ولي أمره بالخطأ في تشخيصه، ويصوب رأي نفسه، فليس اجتهاده أولى من اجتهاد غيره، بل يصعب على المؤمن ان يميّز بين المنكر الشرعي، وبين المعروف المستكره .. .. فسمعه وطاعته لأميره فيما أمر به من (معروف) مكروه لديه، أسلم لدينه من ان يَحسبه معصية، وما يتجنبه من منكرٍ احتمالي أولى من ان يقع في منكر يقيني ألا وهو العصيان، وعدم الالتزام، وشق الصف، وفتنة الابتعاد عن الجماعة، ومآله إلى الهلاك، أو الوقوع في الفتنة.

    أما مسألة العصمة والخطأ فكلنا نردد هذه العبارات: ان الكل خطاؤون، وان الكل ليسوا معصومين، ولكننا مع الأسف في التطبيق العملي لا نلتزم به، وكأنه شعار للرفع فقط..، فندعي العصمة لأنفسنا حينما ندافع عنها، ولا نلجأ الى كوننا من الخطاءين إلا عند الحاجة أو التبرير .. ونطالب الناس بالعصمة، ولا نغفر الخطأ الصادر عنهم، ولو أخذنا بمبدأ انّ (كل ابن آدم خطاء) وعدنا إلى الصواب والرشد، لما دافعنا عن أنفسنا بكل هذه القوة، ولما حاسبنا غيرنا بهذه الصرامة.


     قال لي:- يا أخي أنت كأنك وزير إعلام ( للكبار )، ألا تلتفت إلى وضع ( الصغار ) وما يعانونه من مآسي الغربة والفقر، والإهمال التكافلي، والى ظروفهم النفسية، وما يحيط بهم من إحباط .. !!

    قلت: يا أخي لست وزيراً، ولا إعلامياً كاذباً، و إنما اجتهد أن أبين ما أرى فيه الالتباس .. وليس في الدعوة- في تصوري- كبار ولا صغار، و إنما همّنا (الاخوّة) بمعناها الواسع (حقوقاً وواجبات)، .. وهنا يتحقق معنى التكليف الشرعي، فالكل عليه ان يحمل مقداراً منه بالقدر الذي يقدر على أدائه، ويتمكن من حسن أدائه .. فالكبار _ بتعبيرك _ تحملوا العبء الأكبر، والمقدار الأكثر من المسؤولية الشرعية، وعلينا ان نعينهم بدعواتنا ونصائحنا، وجهدنا التنفيذي المكثف، وما به تتحقق مصالح الجماعة من العمل المشترك، والكبير هو الذي يؤدي دوره الكبير، ويتحمل المشاق والصعاب، ويسهر على مصالح الدعوة، ولا يدّخر جهداً لاعلاء كلمة الله تعالى، مهما يكن موقعه، فهذا هو الكبير في ميزان الله تعالى، والصغير هو غير ذلك، مهما كان مركزه، او مهما قال عنه الآخرون.

    أمّا ما يعانيه الصغار _ بتعبيرك _ من المآسي، فليست هي ميزتهم وحصتهم وحدهم، ودنيا المسلمين اليوم والميدان الإسلامي عموماً، يموج بهذه الحالة، والأفضل لنا ان نبذل جميعا الجهد العملي بأنفسنا، وان نبدأ برفع هذا الكابوس النفسي والمادي ولا ننتظر أحداً .. وكل يقوم بدوره الإيجابي، وكل يقوم بما يستطيع ان يؤديه، واُمَثل لكَ بمثال بسيط: الدعوة كمركبة (سيارة) وقيادة الدعوة سائقها، والعاملون في الدعوة ركابها .. والناس هم الجهة التي يتوجه الركاب إليها ، فترى السائق يتمتع بوضعية خاصة من الحقوق.. يتميّز في كرسيّه، ويُقدم له الشاي والمأكولات قبل باقي الركاب، وله حُظوة خاصة عند المطاعم والمقاهي .. وغير ذلك. أما واجباته فواضحة، فهو يسهر الليل والنهار ولا يغمض له جفن في الوقت الذي ترى فيه بقيّة الركاب أحراراً في نومهم وتصرفاتهم،، لانه مسؤول عن حياة كل الركاب، وليس أحدٌ من الركاب مسؤولاً حتى عن حياة نفسه فليس من الإنصاف نسيان الواجب الصعب، والمنصب الحساس هذا، ومحاججته في كرسيه المنفرد، والشاي المقدم له، وما الى ذلك من الجزئيات التي لا يقارنها العاقل الورع المنصف، مع تلك الواجبات الخطرة والمتاعب الشديدة التي يعتمد عليها مصير المركبة وركابها،، وهكذا يقاس الأمر الدعوي، والداعية اللبيب يفهم مغزى المقارنة.
    فطوبى لمن شغلته عيوبه عن ذكر عيوب الناس، وقدّر ظروف كل داعية في موقعه المناسب والمستحق له، ووازن بين حقوقه وواجباته.


     قال لي: نعم، طوبى له ولكن الأمور ليست هكذا هينة.. فالحديث متعلق بنفسيات البشر وخصائصهم.

    قلت: يا أخي ان الأمر لا يستدعي هذا التفاقم والتضاخم،. فان الإنسان بهمّته يقلع الجبال،. فاصرف همتك على الانشغال بنفسك، والقيام بما هو تكليف عليك، ولا تفكر فيما يجري حولك، ومن يُجريه، وخلص نفسك من هذه الهموم الزائدة..، ولا تهتم بأقوال الناس، وأد ما استطعت عليه من واجب، وتوكل على الله وحده.

     قال لي: سأفعل، ولكن هذا يحتاج إلى صبر، و مصابرة..

    قلت: وهل يقوم قيام العبد إلا بالصبر. .. استعانة به وتواصياً، واتصافاً، وتخلقاً ، ولا تنس ان الصبر قد أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبُ المؤمنين الذين معه، ان يصبروا مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي .. بل هو عن الأمور المقارنة لعملية التواصي بالحق، كما في سورة العصر، ولا بد من الصبر على التكاليف الدعوية، كما ينبغي الصبر على الأمراء والقادة، كما تقتضي الدعوة الصبر على الجنود والاتباع، وفوق ذلك كله، الأجر الجزيل والمثوبة عند الله تعالى،..


     فقال لي: جزاك الله خيراً كثيراً، فلقد وعظتَ ووفيّتَ ..

    فقلت له: وجزاك خيرا على حسن الاستماع، والمؤمن مرآة أخيه، ووفقنا الله جميعاً لما يحبه و يرضاه ،،،
جاري التحميل ..
X