رفح-فلسطين الآن-خاص-إن من أصعب اللحظات التي يمر بها المرء في حياته هي تلك اللحظات الأليمة التي نجبر فيها على فراق من التصقت بهم أرواحنا، وسكنت إليهم نفوسنا، فكانوا بمثابة النسمات التي ترطب علينا جفوة الحياة ، لا نستطيع فراقهم بل أحيانا يكون فراقهم بمثابة الموت والانتحار لأرواحنا، لكنها سنة الحياة في الاجتماع والافتراق وقدر الله المحتوم في الموت والحياة، وما على المؤمن في جميع أحواله إلا الصبر والتسليم والانصياع لقضاء الله وقدره.



ظهر يوم السبت الماضي الموافق 18/7/2009 بكت السماء وأوحشت الأرض، الشمس حزنت حزنها الكبير وزادت وحشة القمر في الفضاء الفسيح،بوفاة الشيخ الجليل محمد سعيد محمد عوض الله -أبو العبد- وبقدر ما فرحت الأرض بمولده حزنت بعدها لفراقه
توضأ فأحسن الوضوء،وتوجه إلى مسجده الذي أسس بنيانه بنفسه ،استعدادا لصلاة الظهر،كبر تكبيرة الإحرام بنية صلاة سنة تحية المسجد،جلس على كرسيه،فكان الفراق وخرجت روحه الطاهرة إلى بارئها "، بهذه الصورة كانت حسن الخاتمة أمام المصلين وبين يدي الرحمن للشيخ الجليل الداعية أبو العبد عوض الله الذي وافته المنية ظهر السبت في مسجد بلال بن رباح في حي تل السلطان غرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة.



جذير بالذكر أن مسجد بلال بن رياح تعرض للقصف الصهيوني واحترقت مكتبته بالكامل خلال اجتياح الحي في عام 2005 وارتقى في حينه أكثر من 60 شهيدا ،وفي أول أيام العدوان الصهيوني وفي صبيحة يوم السبت الموافق 27/12/2008 استشهد الداعية وخطيب المسجد الشيخ نظير اللوقة أبو خليل عندما استهدفت طائرات الاحتلال مقرا للشرطة الفلسطينية كان الشيخ متواجدا فيه في قضية إصلاح فارتقى مع أكثر من 20 شهيدا من أبناء الشرطة في نفس المركز.



وباستشهاد الشيخ أبو خليل والشيخ أبو العبد فإننا قد فقدنا علمين من أعلام الدعوة إلى الله تعالى كانا يجهران بالحق لا يخافان في الله لومة لائم، "حقا إن السعيد كل السعادة من طال عمره وحسن عمله وختم له بخير فزحزح عن النار وأدخل الجنة".



المولد والنشأة

ولمعرفة المزيد عن حياة الشيخ الجليل رحمه الله التقى مراسل فلسطين الآن بأحد المقربين منه وأحد أقربائه الذين رافقوه في مشواره الجهادي المشرف في جماعة الإخوان المسلمين منذ بداية تأسيسها في فلسطين،لنكتشف أننا أمام رجل تميز بهمة عالية ، وصبرٌ على المحن ، وبُعدٌ عن الفتن ، وعقل متزن ، إذا ذُكر الله وجل قلبه ، وإذا تُليت عليه آياته زادته إيماناً ودمعت عينه.



ولد الشيخ " محمد سعيد " محمد مصطفى عوض الله –رحمه الله-عام 1927م في قرية يبنا قضاء الرملة بفلسطين و نشأ و ترعرع في أسرة متدينة محافظة مما عكس ذلك على حياته فيما بعد .



كان رحمه الله الثالث من إخوانه من الذكور حيث أنه كان له ثلاث إخوة وثلاثة أخوات ، وعندما بلغ السابعة من عمره التحق في المدرسة الابتدائية في القرية و أكمل دراسته حتى الصف السابع الابتدائي أي ما يعادل الأول الثانوي الآن و كان من المتفوقين المتميزين بين أقرانه و نظراً للظروف المحيطة بهم لم يكمل دراسته و اتجه للعمل في الفلاحة ،الزراعة ، في كروم العنب وقطف البرتقال التي كان يمتلكها والده ،هكذا عاش حياته في قريته قبل الهجرة .



الهجرة

ثم جاءت النكبة ( الهجرة 1948م) التي كانت عبارة عن مؤامرة استعمارية كبرى ضد الإسلام و المقدسات في فلسطين لتسليم أرض فلسطين إلى اليهود بموجب وعد بلفور المشؤم 1917م .



تحمل مع إخوته عناء السفر وتحمل الصعاب التعب و الجوع في رحلة شاقة ظنوا أنها أيام و يرجعوا لبلدهم، لكنها رحلة طالت وطالت وأخذ هو وعائلته الهجرة مرحلة مرحلة وصولا الى قطاع غزة وسكنوا في مخيم يبنا برفح ( يبنا ) .



له ثلاثة من الأبناء عبد المجيد فهو دكتور في السعودية واحمد وبلال يحملان درجة الدكتوراة في الطب في ألمانيا .



مؤسس في الإخوان

ويعتبر الشيخ أبو العبد عوض الله أحد مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة وقد انضم إلى أول شعبة اخوانية في مدينة رفح جنوب القطاع يقول من رافقه في مشواره الجهادي:"في أوائل الخمسينات جاءت جماعات من الإخوان المسلمين في مصر ممن كان يعملون في الجيش المصري كفنيين و ضباط و بفضل الله سبحانه ثم هذه الجماعات التقت عددا من الشباب ومن ضمنهم الشيخ أبو العبد رحمه الله وإخوته و مجموعة من الأفاضل و التحقوا في هذه الجماعة وكان مخيم رفح النواة الأولى لتأسيس الجماعة في القطاع وكان لبناء أول شعبة للإخوان في رفح وكان ذلك عام 1953 بعد أن جلسوا قبل ذك لمدة عامين يدرسون الدعوة 1951-1952 .



ضربة الاخوان

ويتابع قوله :"عندما تعرضت الجماعة لمحن عديدة أبرزها من نظام جمال عبد الناصر بعد حادثة 1954م و اتهم الإخوان بمحاولة قتل عبد الناصر فحدثت الاعتقالات في صفوفهم في مصر وبناء على ارتباط القطاع مع مصر حدثت اعتقالات فيه، و أعدم على اثر هذا الحدث عدد من إخوان مصر" .



يضيف "وسنة 1956 اعتقل عدد من الإخوان في القطاع و رحلوا للسجن الحربي في مصر و أعيدوا بعد سنة في هذا الوقت كان أفراد هذه الجماعة يباشرون نشاطهم سراً في البيوت وكان من ضمنهم أبو العبد رحمه الله إضافة إلى الزملاء ( لطفي الهمص - محمود محسن – أبو العبد المغير – إبراهيم برهوم – إبراهيم شاهين ) وعدد من الإخوان في كافة أنحاء القطاع كافة أنحاء القطاع ".



وأوضح الراوي" في هذه الفترة اشتدت المضايقات و كان رجال المباحث أيام الإدارة المصرية للقطاع يرصدون كل هؤلاء الإخوة و يعدون عليهم الخطى و ينتظرونهم على رؤوس الشوارع ليراقبونهم حتى ساعات الليل و يكتبون التقارير الغالب أنها مغلوطة و بعضهم سجن في غزة".



وقال :"بقي نشاط الإخوان سراً إلى أن تغير حكم عبد الناصر بعد حرب 1967م.وكان يعمل الشيخ أبو العبد رحمه الله في هذه الوقت داعيا إلى الله في مكان سكناه بمخيم يبنا برفح جنوب القطاع إلى أن انتقل للعيش بالمخيم الغربي في تل السلطان عام 1958رحمه الله وتولدت لديه فكرة تأسيس مسجد بلال بن رباح عام 1964 حيث أنه والحاج الشهيد خليل اللوقا رحمه الله كانا من أبرز المؤسسين للمسجد".



حافظ للقرآن

يضيف "بين عامي ( 67 -73 ) كان يحفظ جزءاً كبير اًمن القرآن إلى أن أتم حفظه كاملا و أخذ يخطب في مساجد رفح : بلال بن رباح و ذي النورين، وكان يتبادل الخطب مع ابن أخيه أبو يحيى في مسجد خالد بن الوليد، عرف عنه القيام والصيام والهيبة والإنفاق وقول كلمة الحق لا يخشى في الله لومة لائم".



وقد ساهم في أوائل الخمسينات مع شقيقه الذي يكبره سناً الشيخ عبدالله عوض الله الحافظ و القارئ لكتاب الله وابن أخيه زكي عوض الله في فتح مدرسة أهلية خاصة "الكتاب " في خيام في منطقة يبنا برفح يدرس فيها القراءة والكتابة و القرآن الكريم والحساب وكانت تعتبر المدرسة الأولى من نوعها برفح .



فكان أخيه الأكبر الشيخ عبد الله عوض الله " أبو العبد " يدرس القرآن و يحفظه وكا كان الإمام أبو العبد رحمه الله و ابن أخيه الشيخ زكي يدرسون القراءة والكتابة و الحساب و بفضل الله تخرج من هذه المدرسة العديد من الشباب الذين التحقوا بالمدارس الحكومية و مدارس الوكالة فيما بعد وكانوا من المتميزين في أهل الكثير منهم لدخول الجامعات في مصر تخرج منهم الأطباء و المدرسين والقانونيين و تعتبر ( أول مدرسة في رفح ) .



الدكتور عطا الله يتحدث عنه



الدكتور عطا الله أبو السبح أحد قيادات حماس في مدينة رفح ووزير الثقافة السابق وفي تعقيبه على وفاة الشيخ أبو العبد عوض الله وصف موته بالفاجعة وقال :"الحقيقة إن موته كان فاجعة لنا جميعا وقد احزنني جدا موت الشيخ فلقد كان أخا وأبا وحنونا كان نعم المستشار عندما نرجع إليه في أي إشارة ".



وتحدث الدكتور أبو السبح عن الشيخ عوض الله بالقول:"هو أحد الأركان و الركائز الهامة لجماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة وهو من البقية الباقية التي ثبتت على الحق منذ أن دخلت الدعوة في قطاع غزة على أيدي الدعاة المصريين و قد تربى ونشأ في بيئة صالحة في يبنا الأصلية قبل تهجير 48 فأهله من حفظة كتاب الله تعالى وأخوه أشهر قارئ لكتاب الله في فترة 50-60 الشيخ عبد الله عوض الله والذي كان يحفظ كتاب الله عن ظهر قلب وكذلك الشيخ محمد سعيد عوض الله".



وأردف قائلا :"الشيخ عوض الله نشأ في عائلة تربت على موائد القرآن فحفظه وتربي في جماعة المسلمين وكان في أول شعبة للإخوان في رفح 1954 حتى أغلقت بعد ثورة يوليو وبين الإخوان المسلمين في مصر".



ووصفه "كان خطيبا مفوها رغم انه كان يعمل سباكا في رفح لكنه لديه من العلم والفقه ومن الثقافة والقدرة على حفظ كتاب الله والديمومة على ذلك وتثبيت كتاب الله في صدره وبه ينطق ،كانت خطبه في مسجد ذو النورين لها بريق وجمهورها كان كريما وسخيا ولطيفا وودودا وحليما".



وأوضح بأن الشيخ الشهيد خليل اللوقة خطيب مسجد بلال بن رباح قد تربى على يد الشيخ أبو العبد وقال ناعيا الشيخين:" أننا قد فقدنا علمين من أعلام الدعوة إلى الله تعالى كانا يجهران بالحق لا يخافان في الله لومة لائم ".



وفي ختام حديثه أكد الدكتور عطا الله أبو السبح على أن دعوة الإسلام لا تتوقف عند موت أحد فأمة الإسلام ودعوة الإسلام في تمدد والصحوة الإسلامية وقد توفي رسول الله صلي الله عليه وسلم وبقيت دعوة السماء تملأ الأرض عدلا ودينا.


المصدر خاص موقع فلسطين الآن