إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الدعوة الطلابية.. استيعاب لا مواجهة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الدعوة الطلابية.. استيعاب لا مواجهة

    الدعوة الطلابية.. استيعاب لا مواجهة
    فتحي عبد الستار
    إذا لقيتم فئة فاثبتوا}.. {أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه}.. "يجب أن نريهم قوتنا".. "لن نتنازل عن حقوقنا".. "السكوت دليل الضعف"!!!
    إنها مفردات وشعارات تتردد كثيرًا في ثنايا العمل الطلابي المدرسي والجامعي، يتناقلها بعض الطلاب فيما بينهم، أو نسمعها صيحات تخرج من الحناجر أثناء التظاهرات، منبعها فهم وتصوُّر أن الفئات المتواجدة والمحيطة والقائمة على أمور الجامعات والمدارس -بدءًا من العميد أو الناظر، ومرورًا بالأساتذة والمعلمين والموظفين والعمال والطلاب ذوي الأفكار والآراء المختلفة، وانتهاء برجال الأمن- هي فئات تنتمي إلى معسكر واحد، هو معسكر "الباطل"، وبما أن الباطل عندهم لا يتجزأ، فينبغي أن تُعامَل هذه الفئات جميعها معاملةً واحدة، وهي النبذ إليهم على سواء!!
    وينتج عن هذا التصور ممارسات خاطئة، لا توقِع العمل الطلابي وحده في مأزق، أو الطالب الذي يفعل هذه الممارسات فقط، بل تضع الفكرة الإسلامية كلها في مأزق، وتشوِّه النموذج الإسلامي المطروح كبديل للنماذج القائمة.
    بين الفكرة والتطبيق
    ودعوني أولاً أحاول كشف النقاب عن ظاهرة غريبة، نامية ومتفشية عند (بعض) من يحملون الفكرة الإسلامية، ذلك أنهم دائمًا ما يدَّعون في أدبياتهم وندواتهم العَلَنية وحواراتهم الكلامية قبولهم للآخر، وحقه في أن يجد مساحةً يقف عليها ويعبِّر عن نفسه من خلالها، كل هذا جيد، ولكن الادعاء وما يقال في الندوات والحوارات وأمام الميكروفونات شيء، وما يستقر في نفوس هؤلاء (البعض) وضمائرهم، وما ينتج عن هذا المستقر من تطبيقات شيء آخر، لا ينطق إلا بمفهوم واحد هو: (من ليس مِنَّا فهو علينا)!!!
    التسامح مبدأ وليس ضعفًا
    إن التسامح ليس بالضرورة يكون ناتجًا عن ضعف، بل هو من مبادئ الإسلام الأصيلة التي اتبعها دائمًا مع مخالفيه، والدعاة بحاجة لأن يتفهموا هذا المبدأ جيدًا على طبيعته الصافية، من خلال استلهام النصوص والمواقف التي عبَّرت عن هذه القيمة، من أمثال: "اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون"، "لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئًا"، "ولكنكم قوم تستعجلون"، "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، ووقوفه صلى الله عليه وسلم لجنازة اليهودي وقوله: "أليست نفسًا؟"، وزيارته لجاره اليهودي في مرض ابنه ودعوته للإسلام وهو يلفظ آخر أنفاسه.
    إن نظرة فاحصة للدعوة الإسلامية في مراحلها المختلفة، والتي كانت تُصنع وتُصَاغ على عين الله وعين رسوله صلى الله عليه وسلم، تبين لنا اعتماد المرحلية والظرفية في التخطيط والتنفيذ، مراعاة للصالح العام للدعوة وحامليها، لذا كانت هناك آيات مثل: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}، {كُفُّوا أيديكم وأقيموا الصلاة}، {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا}، {فأعرض عنهم وعِظهُم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغًا}، {فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً}، {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس}، {ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك}.
    تسبيح وسجود
    وانظر معي وتعجب، إلامَ وجَّه الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم عند مواجهة السخرية والاستهزاء والعنت: {ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون. فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين. واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}، التسبيح والحمد والسجود والعبادة!! نعم؛ لأن قضية الداعية هي بينه وبين ربه أولاً، قبل أن تكون بينه وبين الناس، وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
    ما المانع بعد قياس الظرف والحال، ودراسة الأولويات، أن نستدعي هذه الآيات والتوجيهات الربانية، فنضعها في موضعها دون أن نفلسفها ونأوِّلها تأويلاً ظالمًا يخرجها عن صفائها ووضوحها؟.
    كلمة للمربين
    إن العلاج -في نظري- يبدأ من خلال المحاضن التربوية، والمناهج التي تدرس في تلك المحاضن، وتتغذى بها عقول وأفهام هؤلاء الشباب، فلا بد أن نجعل للتعامل مع الآخر وفهمه واستيعابه وزنًا نسبيًّا في هذه المناهج، مع دراسة الظروف والعوامل والأجواء المختلفة التي يتم فيها هذا التعامل والاحتكاك، وتقديم حلول عملية موثقة بالنصوص الشرعية الصحيحة وأقوال العلماء الموثوق بهم، لكل ما يمكن تصوُّر حدوثه في هذه الأجواء والبيئات مُسبقًا، وعدم ترك الأمر لاجتهاد من لا يملكون مقومات الاجتهاد، ولا يُحسِنونه.
    كل هذا من أجل إنتاج وإشاعة وعي رشيد نعتصم به، وعي مؤدَّاه أن مثل تلك التصرفات والأفعال غير المسئولة التي يرتكبها البعض، إنما تنم عن ضعفٍ وقِلَّة حيلة، كما أنها تجرِّئ الآخر على التمادي في أفعاله، وتكرس المفاهيم الخاطئة التي يود الآخر إشاعتها عن الإسلاميين بوصمهم بالإرهاب والتطرف والعنف وعدم اللياقة، والتخلي عن أساسيات الأخلاق العامة، كاحترام الكبير، ونظافة اللسان... إلخ.
    الشر ليس مطلقًا
    إن مفاهيم مثل: "رجال الأمن والشرطة شر مُطلَق"، و"الأساتذة والموظفون عملاء للجهات الأمنية"، وغير ذلك من المفاهيم التي تولِّد مشاعر الكُره والبغض لهذه الفئات، لا بد أن تتغير وتتعدل إلى مفاهيم الاستيعاب والعطف على ضعفهم وخطئهم، والتماس الأعذار، وأننا أولاً وأخيرًا دعاة ولسنا قضاة؛ لأن هذه المفاهيم هي التي تنتج عنها تصرفات خرقاء، تشعل المواقف وتجر إلى معارك في غير ميدانها، تستنزف الوقت والجهد والمال والأفراد، وقد يحاول الآخر استفزازك ودفعك إلى تلك المعارك لكسب المواقف منك، واحتساب النقاط عليك، وعليك في هذه الأحوال والمواقف أن تكون أذكى عقلاً، وأوعى فهمًا، وأرقى تعاملاً.
    هذا إلى جانب التحلي بأخلاق الإخلاص، والتوكُّل على الله، والرضا، والصدق، والأمانة، والعدل، والصبر، وسعة الصدر، والرفق، والتواضع، والتوسُّط، والاعتدال، والتعاون.
    تخطيط يراعي الاستيعاب
    وهذا يحتاج من المربين والموجهين بذل الجهد على أن يكونوا هم أولاً على ثقة واقتناع بما يقومون بتوجيه الشباب إليه، وبدلاً من صرف الأوقات الطويلة والجهد الجهيد في التخطيط (للمواجهة)، فليكن التخطيط (للاستيعاب)، ليس للطلاب فقط، بل لهيئة التدريس والموظفين والعمال، وكل من له صلة بالمحيط الدعوي، ومراعاة الخلفيات النفسية والظروف الاجتماعية والاقتصادية وظروف النشأة والثقافة لتلك الفئات كلها.
    هل هذا العامل أو الموظف البسيط الذي خرج من بيته صباحًا، ساعيًا على رزقه ورزق أولاده، بعد أن صلَّى الفجر في جماعة -التي ربما قصَّر فيها كثير ممن يحملون لواء الدعوة- وتوجه إلى ربه بالدعاء أن يكفيه شرار خلقه، وهو يظن كل الظن أنه يؤدي حق ربه بإخلاص، هل هذا الرجل يستحق أن يناصَب العداء، ونجعل منه عدوًّا، مهما أساء الفهم، وقصر عقله عن استيعاب دعوتنا؟ أم الواجب أن نعطف عليه وعلى عقله، ونقدم إليه دعوتنا بالحكمة والموعظة الحسنة، والابتسامة الرقيقة، والعطف على حاله، واحترام سنه، وإهدائه الهدايا البسيطة المعبرة، حتى يفهم ويعي فيكون ذلك خيرًا لنا وله.
    وما يقال في حق الموظف والعامل يقال في حق الجندي، حتى إن رفع في وجوهنا السلاح أو العصا، فهو ما فعل ذلك إلا بأمر آمره، وهو يظن أنه بذلك يؤدي واجبًا مقدسًا لحماية البلاد والعباد، طبقًا لرؤيته المحدودة وعقله الذي أفرغت فيه هذه المفاهيم إفراغًا، حيث تم إقناعه إقناعًا تامًّا بأن أمثالنا من الدعاة أعداء للناس وللوطن، غايتهم التخريب والتدمير، ومن واجب قوات الأمن مواجهتهم بكل حسم. فهلا أريناه منا غير ذلك، فهلا أريناه منا العطف والرحمة والخلق الحسن، والحرص على عدم مواجهته وإيذائه، حتى نخلخل هذه المعتقدات الراسخة فيه شيئًا فشيئًا!
    أما من يعطون الأوامر لهؤلاء العمال والموظفين والجنود، فهم وإن كانوا أرقى وأوعى، إلا أنهم لا يختلفون كثيرًا في المضمون، فالكل يرفع شعار "عبد المأمور"، وحتى هذا الشعار ذاته يحتاج منا أن نعطف عليهم فيه، وأن نتحمله منهم، وأن نقبله كعُذر، حتى نظهر لهم الإسلام الأصيل ودعوته السمحة، في محاولة لتقوية جذوة الإيمان في قلوبهم، الجذوة التي إن اشتدت وقويت، تغيرت نفوس أصحابها، وتغيرت فعالهم، وكان التحول الذي رأيناه حادثًا في نفوس كل أتباع الرسل والدعاة على مر التاريخ، وما نماذج التحول النفسي والشخصي التي حدثت لأناس مثل عمر بن الخطاب، وعمرو بن العاص، وهند بنت عتبة، ووحشي بن حرب، ومالك بن دينار، وغيرهم، ما هذه النماذج منا ببعيد.
    معايير القوة
    أخيرًا أقول: إن كل إنسان يستطيع أن يرفع صوته، وأن يستخدم يده، ولكن لم تكن مثل هذه التصرفات أبدًا معيارًا لقياس القوة، بل على العكس تمامًا، نجد أنه حتى في الأمثال الشعبية والثقافات المتواضعة هناك إدراك بأن الضعيف عديم الحجة مهتز القدم هو من يرفع صوته ويُرغِي ويُزبد في مواجهة خصمه، إنما صاحب الحق تجده ساكنًا هادئًا مطمئنًّا، وإلا فإنه قد يتسبب إذا خرج عن شعوره في ضياع حقه، وجلب اللوم عليه.
    وأختم بهذه الكلمات الذهبية للأستاذ سيِّد قطب رحمه الله: "عندما تنمو في نفوسنا بذور الحبِّ والعطف والخير نعفي أنفسنا من أعباء ومشقَّاتٍ كثيرة، إنَّنا لن نكون في حاجةٍ إلى أن نتملَّق الآخرين، لأنَّنا سنكون يومئذٍ صادقين مخلصين إذ نزجي إليهم الثناء، إنَّنا سنكشف في نفوسهم عن كنوزٍ من الخير، وسنجد لهم مزايا طيِّبةً نثني عليها حين نثني ونحن صادقون؛ ولن يعدم إنسانٌ ناحيةً خيِّرةً أو مزيَّةً حسنةً تؤهِّله لكلمةٍ طيِّبة، ولكنَّنا لا نطَّلع عليها ولا نراها إلا حين تنمو في نفوسنا بذرة الحب!
    كذلك لن نكون في حاجةٍ لأن نحمِّل أنفسنا مؤونة التضايق منهم، ولا حتى مؤونة الصبر على أخطائهم وحماقاتهم، لأنَّنا سنعطف على مواضع الضعف والنقص، ولن نفتِّش عليها لنراها يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب! وبطبيعة الحال لن نجشِّم أنفسنا عناء الحقد عليهم أو عبء الحذر منهم، فإنَّما نحقد على الآخرين لأنَّ بذرة الخير لم تنمُ في نفوسنا نموًّا كافيًّا، ونتخوَّف منهم لأنَّ عنصر الثقة في الخير ينقصنا!
    كم نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة، حين نمنح الآخرين عطفنا وحبَّنا وثقتنا، يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف والخير!".

  • #2
    رد : الدعوة الطلابية.. استيعاب لا مواجهة

    المشاركة الأصلية بواسطة حبيبة الرحمن
    كم نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة، حين نمنح الآخرين عطفنا وحبَّنا وثقتنا، يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف والخير!".[/size][/color]
    بارك الله في كاتبه فتحي وبارك الله فيك خيتا حبيبة الرحمن ...لو زرعنا الخير سنحصد السعادة الابديه ولو زرعنا الشر سنحصد الحزن للابد .

    تعليق


    • #3
      رد : الدعوة الطلابية.. استيعاب لا مواجهة

      المقال رائع ويستحق ان يصل لطلابنا في كافة المواقع ، نشكرك اختي حبيبة الرحمن على هذه المواضيع الرائعة التي تستحق الدراسة

      تعليق

      جاري التحميل ..
      X