ثقــــافة أبو لمعــــة
أينما وضعت يديك على الجسد الفسطيني فأنها حتماً ستلمس جرحاً أو ورماً فواقعنا الفلسطيني مليئ بالهموم و الأوجاع منها ما كان بسبب الإحتلال و ممارسته و منها من صنع أيدينا و هو الأشد و الأنكى, فواقع الاحتلال و طبيعة الصراع ينتج عنه فقر و لجوء و تشريد و شهداء و جرحى هذه ضريبة التحرير يجب ان ندفعها بنفوس طيبة و لسنا في ذلك بدعاً من الأمم لكن الغير طبيعي و الغير مقبول أبداً أن نقطع رؤوسنا بأيدينا أو بصورة أدق بأيدي سقط المتاع من أبناء جلدتنا و لا أعني هنا الاقتتال الداخلي أو الانقسام أو سمه ما شئت , ما أعنيه هو أخطر من ذلك بكثير هو مرض إذا أصاب أمة فإنه يصيب منها الرأس و يتركها جسد بلا روح شلّاء عرجاء مرتعاً لكل صنوف الامراض و الأوبئة الاجتماعية و السياسية , نعم ذلك ما يحدث عندما تصاب الامة في هويتها و ثقافتها...!
في هذه الأيام تكثر المهرجانات "الثقافية" أو مهرجانات "إحياء التراث الفلسطيني" بمناسبة القدس عاصمة الثقافة العربية لعام 2009 و لكن و للأسف الشديد لا يكون حضور تراثنا و تاريخنا في هذه المهرجانات إلا كحضور الشيخ الطاعن في السن الذي ينفر منه بنيه و أبناء بنيه و ينصرف كل منهم لشأن في المهرجان يعنيه..يجلس ذلك الشيخ متمثلاً في عنوان عريض يتوسط أعلى منصة المهرجان مكتوب فيه "مهرجان أحياء التراث الفلسطيني" يرمق من مكانه العالي هؤلاء الصبية و هم يغرقون في مجون المهرجان "الثقافي" الذي يبدأ عادة بآيات عطرة من الذكر الحكيم يتلوها على مسامعهم القارئ الشيخ المطرب فلان الفلاني و بعد انتهاء الفقرة الدينية يبدأ الحضور بالتوافد و تبدأ فقرات إحياء التراث....! , تبدأ الرقصات الشعبية و يبدأ هزّ الكتف بحنيِّة و سط أدخنة السجائر المتصاعدة فوق أحدث قصات الشعر المكلفة و المرسومة بإتقان و لا يكتمل المشهد إلا ببنطالونات –سراويل- الديزل و الليفايز التي تشد أعلى الركبة بقليل –لزوم التشخيص- في مشهد ممسوخ لا هو شرقي و لا غربي...!
في غمرة هذا الصخب الذي يبث عادة على الهواء مباشرة أغمضت جفوني و سرحت قليلاً في عالم الخيال فرأيت صورة إمراء فلسطينية تلبس الثوب الفلسطيني المطرز واقفة بين أشجار الزيتون في موسم الحصاد تحصد الزيتون و تتغنى بالأهازيج الشعبية و تقول
غرِّد يا طير الحسَّون
في البيارة و ع الليمون
تـَ نهتف بإسم الثِّوار
عيدك يا ثورة ميمون
و على الجانب الآخر رأيت زوجها الفلاح ذو الوجه الأسمر تتلألأ في جبينه حبَّات العرق و هي تشق طريقها عبر الأخاديد التي حفرتها في وجهه نوائب الدهر و متاعب الحياة رافعاً طرف قمبازه الى الحزام و يحمل بيده عصاً يضرب فيها اعالي الأغصان فتهطل حبَّات الزيتون ليتهلل ذلك الوجه المتعب فينطلق لسانه يكمل
عيدك يا ثورة أفراح
و نجمك في السما و ضَّاح
شعبك حمل السلاح
و تـَ يحرر أرض الزيتون
و بينما انا محلق في في سماء خيالاتي إذا بي أرتطم و بشدة في أرض الواقع.. صحوت على صوت الوزير و قد حضر لتوه متأخراً بسبب مشاغل سيادته الجمة التى تنوء بحملها جبال فلسطين , اعتلى صاحب الفخامة المنصة الرئيسية يهز بدنه و سط موجة صاخبة من الصراخ و "التصفير" رافعاً يديه يلوِّح بهما في الهواء يحيي الجماهير ,و لم ينسَ بالتأكيد أن يلمع حذاءه و وجهه أيضاً
بدأ الوزير كلامه و كالعادة بدأ يشرِّق و يغرّب ثم يعود الى نفس النقطة و هكذا , فيصيبه الغرور و الزهو بنفسه في كل مرة لأنه افلح في العودة الى النقطة التي بدأ بها حيث لم ينسى –كالعادة- المحور الأساسي في خطابه ألا وهو نبز-نعم بالزاي- الإرهاب و التأكيد على تلاقح الثقافات و تزاوج الحضارات (طبعاً يقصد زواجاً مثلياً فالتزاوج الذي يعنيه لا يكون إلا بمسخ حضارتنا لتصبح صورة مشوهة تشبه الأصل الغربي) ..ما علينا..!
في كل مرة أستمع فيها الى أحد أصحاب السعادة وزراء الثقافة يلفت انتباهي هجومهم السافر و الغير المبرر على قواعد اللغة العربية لا أدري هل هو ثأر قديم بينهم و بين مدرسي اللغة العربية ,أم نكاية بالسادة المستمعين لأنهم قرروا متابعة كلماتهم أم ان ذلك فعلاً هو مستواهم في اللغة العربية مع أني أرجح احد الامريين الأولين , فنصب الفاعل و جر المضاف اليه بالضمة و إخراج الذال و الزاي من مخرج واحد و كذلك حال الثاء و السين و هلم جرا ...هذه الاخطاء لابد ان تكون متعمدة فلا يمكن للصدفة أو الخطأ ان تشوه اللغة بهذه الطريقة...رحمّاك يارب...!
يستطرد الوزير في خطبته العصماء -لولا قواعد اللغة- مستمتعاً بتصفيق الجماهير فحرارة التصفيق و الهتافات –من اللي فاهم و اللي مش فاهم- كانت تنعشه و تدفعه الى ان يعود الى النقطة التي بدأ بها مجدداً وهي –للتذكير- نبز الارهاب و تزاوج الحضارات ليشعل حماس الجماهير من جديد في مشهد مضحك حتى القرف...!
و بعد انتهاء خطابه خرج "أبو لمعة" يهُّز بدنه كما دخل و لم ينسى سيادته أن يقف قليلاً قبل أن ينصرف عارضاً خدمات شفتيه للمعجبين و المعجبات...!
أما بعد... فإن هذا الإعتداء السافر على الهوية الفلسطينية لم يأتي اعتباطاً بل هو حصيلة مكر الليل و النهار الذي بإذن الله هو يبور , فهويتنا عربية إسلامية هكذا سمّانا ربنا من فوق سبع سماوات "هو سمَّاكم المسلمين" و سيدنا الفاروق رضي الله عنه يقول كُنَّا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغير الله أذلنا الله
مهرجاناتنا الثقافية يجب أن تطبع بطابعنا الشرقي الإسلامي دون خجل أو محاولات تجميل فليس لدينا ما يبعث على الخجل فنحن نملك أعظم موروث حضاري و أرقى ثقافة و أجمل لغة و أنصع تاريخ ينبغي علينا أن نفخر بذلك و ان نقدمه للعالم بكل ثقة و ما أجمل هذا التاريخ و هذه الحضارة حين تجمَّل و تُحلى بالحُلي الفلسطينية و حين تصبغ بلون تراثنا و عاداتنا و تقاليدنا.
أخيراًٍ يُروى أن امبراطور اليابان أمر بإيفاد مجموعة من الطلاب النابغين الى امريكا بعد الحرب ليتعلموا في الجامعات الامريكية و عاد الطلاب في الإجازة بعد عام بلباس أمريكي و قصات شعر أمريكية و ملامح التََغَرُّب واضحة عليهم فامر بإعدامهم جميعاً و قال لم أرسلهم حتى يرجعوا بقرف أمريكا أرسلتهم ليأتوا بالعلم ...فمتى يا ترى سيترك وزراءنا القرف الأمريكي أم أنه لا بد من امبراطور..!
تعليق