إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ملحمة غزة مقال رائع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ملحمة غزة مقال رائع

    ملحمة غزة
    مؤمن مأمون ديرانية
    [email protected]

    التقط التاريخُ قلمه بعد نومٍ طويلٍ ليعود للكتابة..
    لوقت طويل من عمر هذه الأمة لم يجد فصلاً مجيداً يكتبه باستثناء هبّات صغيرة، وإن كانت عظيمة، لكن صفحات الخزي الكبيرة كانت على الدوام أعلى صوتاً.
    اليوم يكتب التاريخ فصلاً علا صوته حتى ملأ الدنيا سموّاً وعظمة.

    لك الله يا غزة الصامدة.. لكم الله يا أهل غزة المصابرين.. لقد خذلناكم ولم ننصركم في معركتكم التي وقفتم فيها تذودون عن الأمة وعن أرض فلسطين وعن المسجد الأقصى الأسير..

    معركة غزة .. معركة الفرقان .. ستُكتب في سجل معارك الأمة الكبار التي كانت محطات مفصليّة في تاريخها.. هذا يوم من أيام الإسلام العظيمة.. هذا يوم كأيام بدر والأحزاب وحطين وعين جالوت.. هذا يوم تقف فيه عصابة من أهل غزة تجمع آخر الواقفين من هذه الأمة في وجه اليهود، فقد استسلم الجميع إلا هؤلاء، الجميع ألقوا سلاحهم وألقوا كرامتهم وتجردوا من كل شيء.
    هذا يوم كيوم بدر الذي وقفت فيه عصابة من المؤمنين جمعت حَمَلة هذا الدين في الأرض على رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وقف يومها يتضرع إلى الله: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض". في هذا اليوم يقف إخواننا في غزة ومعهم المسلمون في أرجاء الأرض يتضرعون إلى الله ناصر المؤمنين: اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن يقف في وجه اليهود أحد.
    هذا يوم كيوم الأحزاب اجتمع فيه أهل الكفر على أهل الإيمان يعينهم أهل النفاق بين أظهرنا، ابتلي فيه المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، نزلت فيه صواريخ العدو على أهل غزة من كل مكان، من فوقهم ومن أسفل منهم، وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وتواطأ المنافقون والذين في قلوبهم مرض مع اليهود المعتدين فحصروا المؤمنين وانطلقوا يخذّلون الأمة في هذه الأيام العصيبة.
    هذا يوم كأيام حطين وعين جالوت التي وقفت فيها صفوة من هذه الأمة لتنتشلها من القاع الذي كانت فيه يوم استسلمت لنعال الصليبيين والمغول يدوسونها دون أن يرفع أحدٌ رأسه.
    هذا يوم تقف فيه فئة مؤمنة وقفة صدق وبذل وصمود وعزة ووفاء في عالم يملؤه التخاذل والذلة والخيانة والخذلان، تقاتل عن أمة بأسرها لتنتشلها من القاع الذي هوت إليه.
    هذا يوم تتميز فيه هذه الأمة إلى صفّين: صفّ المرابطين الصامدين في غزة، ومن ساندهم من المؤمنين الذين وقفوا مع إخوانهم كلٌ على قدر طاقته، وصفّ الذين انحازوا إلى العدو من بني جلدتنا، ومعهم الذين لم يبالوا بإخوانهم وهم يُذبحون، فلتنبذهم الأمة. وهو يوم يتميّز فيه أهل الأرض إلى صفّين: صف الشرفاء الأحرار الذين أنصفوا غزة ووقفوا معها، وصف الظالمين الذين أيّدوا المعتدين ولم ينصفوا غزة.
    أهل غزة هؤلاء كأهل بدر، ستبقى الأمة إلى الأبد تسمّيهم أهل معركة غزة، وسيجزيهم الله أحسن مما يقدر أحد من أهل الأرض أن يجزيهم، وسيبقى وسام العزة على جباههم إلى أن يموتوا وبعد أن يموتوا. عندما سنتحدث أو نكتب عن واحد منهم لن ننسى أنه كان في معركة غزة، وعندما سنفاضل بين شخصين سنتذكر أن أحدهما شهد معركة غزة، وعندما نذكر أهل الأرض كلّهم لن ننسى منهم الذين وقفوا مع غزة.
    أما الذين تآمروا على غزة والذين خذلوا غزة فسيَسِمُهُم التاريخ على جباههم لنبقى نحقرهم حتى يموتوا، وعندما يموتون لن يجدوا من يدفنهم، وإن وجدوا فستلفظهم أي أرض طاهرة.

    عندما بدأ أهل غزة يسقطون والأطفال يُذبحون ويتتابعون الشهيد تلو الشهيد، بدأ الناس يرفعون رؤوسهم ويتلفتون بحثاً عن صناديد الأمة.. لكن أحداً لم يظهر. انتظرنا.. وانتظرنا.. واستمر شلال الدم يجري.. وبقي الأطفال يُحرقون كلّ يوم.. وأيضاً لم يظهر أحد. وبقي بعض هذه الأمة يمارسون حياتهم العادية، يطلبون الرزق ويطلبون العلم ويروّحون القلوب ساعة بعد ساعة بمتابعة مباريات الكرة وكأن شيئاً لم يحدث، غير عارفين ولا عابئين بالذي يحدث على كوكب بعيد اسمه غزة، ناسين أن المؤمنين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسهر، تاركين واجب النصرة للإخوة وأقلّها أن تكون قلوبهم معهم وذلك أضعف الإيمان..
    ثم ظهر شافيز الحرّ في النصف الآخر من الكرة الأرضية في موقف عظيم عجز عن مثله العربان. وقبل أن ننادى به أميراً للمؤمنين خرج صوت عظيم من هذه الأمة ليقول لنا أن أحفاد العثمانيين لن يسكتوا عما أصاب إخوانهم في غزة، وقد صدق فيما قال فلم يترك باباً يستطيع أن ينصر فيه غزة إلا وطرقه، وتتابعت منه المواقف المشرّفة مع كل يوم يمرّ. وأصوات الغضب التي خرجت من مهد الدولة العثمانية لم تتوقف يوماً منذ اندلعت المعركة، وجماهير الأتراك المسلمين الغاضبين الهادرة استمرت تهز أرض تركيا كل يوم، وتبذل من قوتها ما تغيث به الأشقاء في غزة تبعث القافلة تلو القافلة. هذه الصحوة هي نبت ما زرعه أربكان وصحبه بجهادهم الطويل لعقود من الزمن، وهي بقية الدولة العثمانية التي تمزقت الأمة يوم افترقت عنها، ولم تر يومَ خيرٍ من ذلك اليوم.
    المعركة غير متكافئة ابتداءً وزادت حرجاً بالخيانة المتمثلة بالحصار والخذلان، والأمة التي تغلي مع النار الموقودة في غزة يُحال بينها وبين عون الإخوة المغدورين. شلالٌ من الدم يجري.. محرقةٌ تأكل الأخضر واليابس وتدمّر الشجر والحجر وتلتهم أجساداً غضة لأطفال صغار تختطفهم من أحضان أمهاتهم.. بينما يلعب أطفالنا وأطفال العالم في الحدائق أو يأوون إلى أحضان أمهاتهم. البيوت تتهدم فوق رؤوس الآمنين فتدفنهم تحت الركام ولا يستطيع أن يصل إليهم من ينتشلهم من تحت الأنقاض. لا طعام.. لا ماء.. لا كهرباء.. لا وقود.. لا مأوى من برد الشتاء.. الفرق الطبية تحمل المصابين ومعهم الجثث والأشلاء تنقلهم تحت القصف إلى المستشفيات التي لم تسلم أيضاً من القصف الهمجي، وأطباء غزة ومعهم من استطاع الوصول إليهم من أطباء الأمة الذين يتوقون إلى عون إخوانهم، بالإضافة إلى ثلّة من الأطباء الشرفاء الذين جاؤوا من كل أرض عابرين أسوار الحصار لإغاثة غزة، يعملون جميعهم في ظروف غير مسبوقة لا يكادون يذوقون طعم النوم، بينما نحن نغدو ونروح في أروقة مستشفياتنا النظيفة بمعاطفنا الناصعة البياض نعمل لبضع ساعات ثم ننال قسطاً من الراحة ونستأنف بعد ذلك المشاركة في الجهاد على شاشات الفضائيات. وما زال سدنة المعابر ينتظرون، وما زالت البعثات الطبية الرسمية للجيران تنتظر.. تنتظر أن يموت الجميع قبل أن ترى أن هناك حاجة للذهاب إلى هناك، أو يرى أولئك أن هناك داعياً لفتح المعبر، وقتها ستعمل الفرق الطبية فرقاً لدفن الموتى بدل أن تعمل فرق إغاثة للمنكوبين. لن تكون لأهل غزة حاجة بهم بعد فوات الأوان فهم قادرون على دفن موتاهم دون مساعدة. ألا ويل لهؤلاء وأولئك من الله.. ويل لهم من الله.. فالله يمهل ولا يهمل.
    أي بشر هؤلاء الذين يتفرجون على كل ذلك بهذا الدم البارد دون أن يحركوا ساكناً؟ وهم يستطيعون العون لو أرادوا. هل تبلّدت الأحاسيس لهذه الدرجة؟ هل يأمنون انتقام الله منهم؟ هل يأمنون ألا يأتيهم يوم كهذا اليوم؟ كيف يأمنون عقاب الله يوم الحساب؟ سيأخذ الله لكل المظلومين حقهم من الذين ذبحوهم ومن الذين حاصروهم ومن الذين خذلوهم؛ الله المنتقم الجبار.
    مع كل يوم يمضي في هذه المعركة، ما زال هؤلاء المجاهدون الصامدون يكبرون وما زال أولئك المتخاذلون الخائنون يتضاءلون حتى غدا أهل غزة عمالقة وسط عالم الأقزام.
    لقد صمد أهل غزة رغم الهول الذي نزل بهم ورغم كلّ الجهد الذي بذله المرجفون، المنافقون الجدد، في محاولة تخذيلهم وإضعافهم، ورغم الركام الكبير من الصفحات الصفراء والخضراء التي جٌنّدت لكتابتها الأقلام المتصهينة التي نالت أوسمة الفخار الصهيونية شكراً على الكلمات الخسيسة التي خطّتها. حُقّ لأهل غزة أن يفخروا أن لم تُسمع كلمة تخاذل من واحد منهم وهم يخوضون في دمائهم الطاهرة ولا يجدون ما يسدّ رمقهم، ولو سقطت كلمة من ذلك لتلقّفتها المايكرُفونات المشبوهة التي كانت تبحث بجدّ عن مثلها. كلمات التخاذل صدرت فقط عن الجالسين على الكراسي الوثيرة وهم يخوضون في أواني الأرز واللحم بينما يكررون حرفياً الكلمات التي سمعناها من قادة العدو المجرمين أثناء المعركة، يذرفون دموع التماسيح على الضحايا الذين سقطوا نتيجة التهور وعدم واقعية المقاومة.

    ليس المقاومون وحدهم بل أهل غزة كلهم هم صانعوا هذا النصر المؤزر، بصمودهم الأسطوري في محرقة لم يشهد مثلها التاريخ، وبدعمهم جهاد المجاهدين الذين أبلوا بلاءً عظيماً بصدورهم العارية أمام الدبابات الغاشمة، وبوقفتهم الشجاعة الصابرة الواثقة وراء الأيدي النظيفة التي قادت المعركة باقتدار وتوفيق من الله، تلاميذ شيخ غزة العظيم أحمد ياسين. لو لم يصمد أهل غزة لكان نصراً على شكل آخر كنصر أصحاب الأخدود، وكان المجاهدون سيدفنون في الأخدود الذي حفره لهم أعداء الأمة ومنافقوها معاً، وكانت ستنجح المؤامرة وتدفن آخر جذوة للمقاومة.
    لقد انتصرت غزة بتأييد من الله.. لم يتمكن الغزاة من كسر إرادة أهل غزة، ولم تتمكن الطائرات الحربية المجرمة التي قصفت غزة من أقصاها إلى أقصاها وأحالت أبنيتها إلى أنقاض وحرقت الأخضر واليابس وذبحت أهلها من الوريد إلى الوريد من تركيع أهل غزة، ولم تقدر الدبابات التي اقتلعت بيوتهم وسحقت عظامهم وحولت أجسادهم إلى أشلاء أن ترغمهم على الاستسلام. وخرج الغزاة خائبين، وعاد أعوان الغزاة خائبين.
    واندحر جيش العدوان وقام أهل غزة ينتشلون شهداءهم من تحت الركام، وعاد النداء الذي اجتمعت الأمة تحته يصدح من المآذن المهدّمة ووقف أهل غزة يذكرون الله على أنقاض المساجد وقد ازداد يقينهم أن طريق النصر يبدأ من هنا. وعاد أطفال المدارس، من بقي منهم على قيد الحياة، إلى مدارسهم المهدّمة. هؤلاء الأطفال الناجون من محرقة غزة سيروون للبشرية كلها ما لن ينساه التاريخ. هؤلاء الأطفال أقسموا أن يثأروا للضحايا، وسيجعلون اليهود المعتدين يندمون كثيراً على ما اقترفته أيديهم بحق غزة، وقد أقسموا أن لا يستسلموا أبداً..
    اليوم يبدأ تاريخ جديد.. نحن الآن في عصر جديد اسمه عصر غزة.. وكما يتحدث التاريخ الغربي عما قبل سقوط روما وبعده وعما قبل الحرب العالمية وبعدها، ويتحدث تاريخ الدول عما قبل الاستقلال وبعده، سيتحدث تاريخنا عما قبل معركة غزة وبعدها. لن يكون أبداً ما بعد معركة غزة مثل ما سبقها. لا بد أن يكون لهذه الدماء ثمن، وثمنها كبير جداً.
    لقد أنارت غزة الطريق الذي لفّه الظلام طويلاً، وباتت الأمة تعرف طريقها بعيدأ عن سراب التسويات المشبوهة التي ضيّعت الحقوق ولم تأت بخير. ولقد رأت الأمة رأي العين أن اليهود ليسوا العدو الذي لا يُقهر كما كذبوا علينا طويلاً، ولقد أثبتت معركة غزة أن الشعب الأعزل والمجاهدين ذوي العدة القليلة يمكنهم أن ينتصروا. وقبل كل شيء، وبعد كل شيء، لقد استحقت غزة نصر الله فمن الله عليها بالنصر المبين. لقد صدق الله وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده. "ولينصرنّ الله من بنصره إن الله لقوي عزيز".
    الطريق لا يزال طويلاً وشاقاً، وأمام الأبطال الصامدين الكثير من الصعاب، وتنتظرهم تحديات لا تقل صعوبة عن المعركة التي خاضوها، وسيحتاجون بعد الصمود والبأس والقوة في المعركة إلى كثير من الحكمة والتوفيق لما بعد المعركة وفي حربهم الطويلة العادلة المستمرة مع اليهود الغاصبين، وسيبقى توفيق الله يحفّهم بإذن الله. ما زال اليهود المعتدون مستمرين في جرائمهم وسيبحثون عن ألف طريقة جديدة يسحقون بها غزة، وما زال أعوان اليهود يحيكون ما يقدرون عليه من مؤامرات يحاولون أن يسلبوا غزة صمودها وانتصارها. سيكون بعد محاولات الذبح محاولات للابتزاز بلقمة عيش وشربة ماء وبناء سقف يؤوي المشردين الذي بقوا على قيد الحياة. فلتبقى أكفّ المؤمنين مرتفعة بالدعاء لهم في هذه الأيام الحرجة كما كانت في أيام المعركة الدامية.
    لقد رسم أهل غزة لوحة صمود هائلة انحنى أمامها العالم، والتفّ حولها شرفاء العالم المنصفون، وتعرّى أمامها اليهود المعتدون كما لم يحدث من زمن بعيد، وأحيت الأمة في كلّ أصقاع الأرض بينما كانت تخرج إلى الشوارع تهتف لغزة شرقاً وغرباً. لقد أعادت غزة الأمل للأمة بأسرها.

    اللهم اربط على قلوبهم وثبت أقدامهم وانصرهم على من عاداهم. اللهم انصر من نصرهم، واخذل من خذلهم، وأيّدهم بجند من عندك وكن لهم معيناً ونصيراً. اللهم نصرك الذي وعدت يا ناصر المستضعفين وقاصم الجبارين.
    ونسألك اللهم رب العرش العظيم الرحمن الرحيم أن تلهمهم الحق والصواب والحكمة في المرحلة الحرجة التي تلي المعركة، وأن تسدد رأيهم كما سددت رميهم.

    آه يا غزة.. ألف ألف آه..
    كم نحبّك يا غزة.. وكم نحبّكم يا أهل غزة.
    في القلب أنتِ يا غزة.. في صميم القلب أنتم يا أهل غزة.
    عظيمة أنتِ يا غزة.. عظيمون أنتم يا أهل غزة.
    رائعة أنتِ يا غزة.. رائعون أنتم يا أهل غزة.
    لقد عشقت غزة وأهل غزة ومجاهدي غزة وأطفال غزة..
    عشقت أبنية غزة التي هُدّمت، وأشجار غزة التي حُرّقت، وتراب غزة الذي سقته الدماء الزكيّة..
    أتوق إلى استنشاق هواء غزة ما حييت.. وإلى قبر في تراب غزة إذا متُّ.

  • #2
    رد : ملحمة غزة مقال رائع

    جزاك الله خيرا

    تعليق


    • #3
      رد : ملحمة غزة مقال رائع

      بارك الله فيك

      تعليق


      • #4
        رد : ملحمة غزة مقال رائع

        تحياتي لك

        والله كل ما يكتب عن غزة رائع ,,,,

        محبتي http://esaamasaad.maktoobblog.com/لأهلنا ,,, ملحمة سيسطرها التاريخ بأحرف من نووووور

        تعليق

        جاري التحميل ..
        X