اليوم ذكرى استشهاد القائد القسامى محمود مطلق عيسى قائد كتائب القسام باالمنطقة الجنوبية
كانت الابتسامة لا تكاد تفارق وجهه حتى في أصعب الظروف
الشهيد القسامي القائد / محمود مطلق عيسى " أبو مصعب "
قبل البدء في الحديث عن سيرة مجاهدنا القسامي الشهيد أبي مصعب ، لا بد من الإشارة إلى نقطتين: أولاهما؛ أن هذه الصفحات ما هي إلا مقتطفات من سيرته الجهادية، ولو أردنا الاستفاضة في الحديث عن مشواره الجهادي لاحتجنا إلى كتابة كتاب يتناول هذه المسيرة الجهادية الحافلة بالعطاء والتضحية.
والإشارة الأخرى هي أن مجاهدنا يعتبر من ضمن النخبة المختارة التي انجبتها الحركة خلال العشرين عامًا الأخيرة، ولا نبالغ في ذلك أبدًا، فساحات الوطن الحبيب، ومجاهدو وكوادر الحركة على امتداد قطاعنا الصابر يعرفون ويشهدون مدى أهمية وفاعلية أبي مصعب رحمه الله ولا نزكي على الله أحدًا.
المولد والنشأة
ولد شهيدنا القسامي محمود مطلق عيسى بتاريخ 1/11/1966م في مخيم دير البلح، فنشأ وترعرع في ذلك المخيم المطل على ساحل البحر مباشرة، ولذلك أتقن رياضة السباحة منذ نعومة أظفاره بشكل رائع، ومنذ صغره نشا في بيوت الله فتعلم فيما معاني العزة والشموخ، وبدت معاني الجَلد والشجاعة عليه وذلك من خلال علاقاته وتصرفاته، هذا إلى جانب السيرة الحسنة والأدب الجم الذي تمتع به، خاصة أنه نشأ في بيت أصله طيب ومحافظ، فبيئة المنزل المحافظ علمته معاني الالتزام والعفة والطهارة والنقاء.
ويعتبر شهيدنا الابن الأصغر لأمه، حيث له ثلاثة أشقاء يكبرونه سنًا وأختٌ أصغر منه وله سبعة اخوة وثلاث أخواتٍ لأب .
وعندما بلغ شهيدنا المرحلة الإعدادية انتقلت أسرته من مخيم دير البلح إلى معسكر البريج فأكمل المرحلة الإعدادية في معسكر البريج، حيث كان تلميذًا متفوقًا، وكذلك أنهى المرحلة الثانوية في مدرسة خالد ابن الوليد الثانوية، مما مهد له الطريق للالتحاق بالجامعة الإسلامية حيث التحق بكلية التجارة في عام 1985م، ولكن لم يتسن له التخرج بسبب تفجير الانتفاضة الأولى عام 1987م، ومن ثم اعتقاله لسنوات عديدةٍ في سجون الاحتلال الغاصب، ولكنه حاول في عام 1998م إكمال مشواره التعليمي إلا أن ظروفه الخاصة حالت دون تخرجه حتى لحظة استشهاده رحمه الله.
صفاته
لقد عُرف عن شهيدنا المغوار الكثير من الصفات والمناقب الحميدة والمميزة، فأكثر وأشهر الصفات التي تمتع بها شهيدنا هي الشجاعة اللامحدودة، ولقد كانت واضحة فيه منذ صغره، حتى انه وهو لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره وفي العطلة الصيفية عمل داخل أراضي الـ 48 مع بعض العمال عند صاحب عمل يهودي، وعند انتهاء العمل رفض اليهودي إعطاء العمال –وهو من ضمنهم- أجرهم على اعتبار أنهم صغار السن وأنه يمكن طردهم وإخافتهم، فما كان من شهيدنا إلا أن استل سكيناً وطعن ذلك اليهودي الحقير وتركه بتمرغ في دمه وغادر المكان هو ومجموعة العمال الذين كانوا في حالة ذهول من فعل أبي مصعب الذي بادر وبشكل سريع بطعن ذلك الخنزير، واعتبر أن ذلك أحسن من أخذ أجره اليومي، ولم يعرف هو بعد ذلك نهاية ذلك اليهودي .
كذلك يعتبر شهيدنا من أكثر الناس تواضعًا، وخدمة لإخوانه، فكل من عايشه في سجن النقب الصحراوي عرف مدى تواضعه لإخوانه، وخدمته لهم، حتى ان هذه الميزة كانت شعارًا يعتز به .
وأيضًا شهيدنا الحبيب كانت الابتسامة لا تكاد تفارق وجهه الطاهر إلى جانب النكتة والممازحة الخفيفة حتى في أصعب الظروف ، فلقد عُرف عنه أنه كان يتصل بإخوانه وهو في مهمة جهادية عبر الهاتف الخلوي فيطيل السؤال عن الأخ الجالس في بيته وعن أسرته وأطفاله، لدرجة أن الأخ كان يشعر كأنه في نزهة ، ولكن بعد ذلك يتبين لذلك الأخ أنه في مكان ما على الحدود أو بالقرب من مستوطنة.
وكذلك كان شهيدنا حانئاً على جميع إخوانه المجاهدين، ولقد كان يتفقد المجاهدين وأسرهم ويتحسس احتياجاتهم ، حتى انه وعبر أشهر طويلة كان يقتطع جزءًا من دخله ويعطيه لأحد إخوانه المجاهدين لقلة موارده ، فكل من عمل من إخوانه عرف مدى حنانه وعطفه عليهم.
ومن الصفات المميزة في شهيدنا البطل الرشاقة والحفة واللياقة البدنية العالية، فلقد كان رياضيًا، وهذه الصفات ساعدته في تنفيذ مهماته الجهادية منذ صغره، ولهذا قام أحد إخوانه بوصفه (بالغزال) منذ 18 عاماً ، وأصبح هذا اللقب ملازمًا له واشتهر به بين إخوانه ، وظل ملازمًا له حتى بعد زواجه، وبعد أن رزقه الله ابنه البكر "محمد" عام 1997م، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن شهيدنا يكنى "أبا مصعب" وهو لقب الشهرة منذ 19 عاماً تقريبًا، ولكن السبب المباشر الذي جعله يسمي ابنه البكر "محمد" هو انه وبعد حادثة المستوطنة اليهودية من كريات أربع عام 1997م التي وضعت اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم على خنزير، وما تبع ذلك من موجه احتجاجات جماهيرية وإعلامية مضادة، ففي أحد التجمعات الحاشدة التي دعت إليها الحركة في مدينة غزة واحتجاجًا على ذلك العمل الشنيع الذي قامت به تلك اليهودية الحقيرة، كان الأخ أبو مصعب حاضرًا ذلك الاجتماع الذي قام الدكتور عبد العزيز الرنتيسي وأثناء كلمته بالطلب من جموع المشاركين بالقسم على تسمية كل مولود قادم "محمد" نكاية في الصهيونية الحاقدة، وفعلاً بعد أيام رزقه الله ابنه البكر فسماه "محمد" تنفيذًا لذلك القسم، ولكن ظلت الكنية أبو مصعب هي الغالبة .
مشوراه الدعوي والجهادي
وسنتناول ذلك المشوار الحافل بالعطاء والعمل عبر ثلاث مراحل:
أولاً: منذ التزامه في مسجد البريج الكبير في أوائل عام 1981م وحضوره حُلق القرآن والندوات، كان مثالاً للطاعة والالتزام مما مهد له الطريق لدخول جماعة الإخوان المسلمين عام 1983م وبعد ذلك مباشرة وفي عام 1984 تم اختياره للعمل في مهمات خاصة، وفعلاً انخرط في صفوف الجهاز الأمني للحركة الذي تكون في تلك الفترة لمتابعة عملاء اليهود ورصد تحركاتهم، والذي سمي بـ "مجد" ولقد كان نشطًا في هذا المجال، وظل حتى عام 1987م يعمل فيه حيث ظهرت عليه معاني الشجاعة والإقدام والفداء، هذا إلى جانب الالتزام التام ببرنامج الحركة الدعوي والعمل الطلابي ضمن الكتلة الإسلامية في الجامعة الإسلامية.
ثانيًا: ومع اشتعال الانتفاضة الأولى عام 1987م انخرط شهيدنا في فعاليات الانتفاضة ومقاومة الاحتلال، ولقد كان مميزًا في المواجهات حتى أن كل أهالي معسكر البريج رجاله ونسائه وأطفاله كانوا يتحدثون عن بطولات أبي مصعب وهو يواجه المحتلين، حتى انه كان لا يجلس في بيته حتى في فترات منع التجوال، ولقد نجاه الله من العديد من الإصابات القاتلة من أعداء الله.
وكذلك كان ملقى على كاهله توزيع البيانات في المنطقة الوسطى، وخاصة في فترات منع التجوال نظرًا لرشاقته وسهولة تحركه، وكذلك الكتابة على الجدران، وهو مشهور بخطه الجميل.
وفي عام 1988م انخرط شهيدنا في صفوف الجهاز العسكري للحركة المسمى في ذلك الوقت "المجاهدون الفلسطينيون" والذي شكله الشيخ القائد صلاح شحادة عام 1986م، فعمل شهيدنا ضمن مجموعة عسكرية في منطقة البريج، حيث اشتهر بإلقاء العبوات الناسفة على جيش العدو، حيث كانت هذه العمليات بداية لتطوير مقاومة المحتل بعد الحجارة والزجاجات الحارقة.
ولقد نفذ مجاهدنا حوالي 8 عمليات إلقاء عبوات ناسفة، وكان أشهرها على معسكر الجيش عند مدخل البريج-النصيرات، وكذلك على جيب "سوزوكي" لرئيس الإدارة المدنية في المنطقة الوسطى عند منطقة المدارس، ولقد أظهر شهيدنا الشجاعة الفائقة في تلك الأثناء حيث كان يقوم وحده بكل هذه المهمات في ساعات منتصف الليل ، وينفذ عملياته من مسافات قريبة جدًا.
وكذلك في عام 1988م قام بحرق الحقول الزراعية اليهودية المتاخمة لمعسكر البريج من الجهة الشرقية مع إخوانه المجاهدين، حيث اعترف العدو بحرق 200 دونم من الأراضي الزراعية.
وعلى إثر انكشاف الجهاز العسكري للحركة عام 1989م، اعتقل شهيدنا بتاريخ 19/5/1989م مع إخوانه وتم الحكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات ونصف أمضاها كاملة في سجون المحتل الغاصب في سجن النقب الصحراوي، حيث الظروف الحياتية القاسية، ولكن مجاهدنا الصابر المجالد سجل صفحات رائعة في الثبات والبطولة في ذلك المكان، وللحق يعتبر عميدًا لسجن النقب حيث قام بدور مركزي ومهم مع إخوانه في تنظيم أمور الأمن، وكذلك كان له باع طويلٌ في تأسيس الجهاز الأمني في النقب الذي سهر على إخوانه وحركته، حيث أنه يعتبر من ضمن القلة التي رتبت العمل الأمني ، وتطويره في ذلك السجن الكبير، وعلى مدار فترة اعتقاله أدار وشارك في أكثر من 100 عملية تحقيق مع عملاء اليهود، حيث تم كشف العديد من الشبكات والعديد من الألغاز، فبفضل الله أولاً ثم بجهوده الطيبة تم تطوير العمل الأمني في سجن النقب، حيث كانت تجربة نافعة ومهمة للحركة، ولقد كان أبو مصعب أحد أهم رواد هذه التجربة.
ثالثًا: خرج شهيدنا من سجن العدو بتاريخ 18/11/1995م وما كاد ينتهي من استقبال مهنئيه ويبدأ التفكير في إنشاء بيت له، حتى تم اعتقاله من قبل أجهزة السلطة في شهر 1/1996م وخرج في شهر 4/1996م.
تزوج شهيدنا من إحدى الفتيات المسلمات الفاضلات بتاريخ 1/11/1996م، ورزقه الله ولدين ذكرين وبنتاً وهم "محمد" و "آمنة" و "إبراهيم" ، واستشهد وزوجه حامل في بداية فترة الحمل.
ومنذ عام 1997م حتى عام 2000م ونتيجة للضغوط الأمنية التي كانت تمارس على الحركة اقتصر دور شهيدنا على علاقات محدودة مع بعض الأخوة المطلوبين، وخاصة الأخ المجاهد "محمد الضيف" ولم يطلب منه في تلك الفترة المشاركة الكبيرة في الفعاليات الجهادية لخصوصية وضعه ولحرص المجاهدين عليه.
ولكن عند دخول انتفاضة الأقصى ونتيجة لتوسيع رقعة المواجهة مع العدو لم يقبل شهيدنا بالبقاء والاقتصار على ذلك الدور السابق فبادر شهيدنا إلى تفعيل دوره في العمل الجهادي، وفعلاً كانت مرحلة انتفاضة الأقصى منذ بدايتها محطة أخرى من لحظات الجهاد والمقاومة الفاعلة لشهيدنا المغوار، فبدأ ترتيب الأوضاع والصفوف للمجاهدين، وبدا العمل الجهادي يتنامى وتزداد وتيرته في فترة قيادته للمنطقة الوسطى والجنوبية بشكل فاعل حتى ملأ عليه حياته ووقته، وعلى أثر دوره في العملية الاستشهادية للشهيد نافذ النذر في شهر 9/2001 اعتقل مجاهدنا في مكان العملية عند مغتصبة كفار داروم من قبل السلطة وبقي في السجن قرابة الشهر، وعند الإفراج عنه علم أنه قد اصبح مكشوفًا أمام أجهزة العدو ومن هنا بدأ يتعامل مع نفسه على انه شبه مطارد، وأنه مطلوب للقوات الصهيونية ومستهدفًا من قبلها، ولهذا بدأ يشدد من دوره في العمل لأنه كان يعلم أن المجاهد عمره محدود، ويجب استغلال كل دقيقة قبل استشهاده، حتى أنه كان يتداول في بعض القضايا مع أحد إخوانه عبارة : دعونا نعيش عاماً أو عامين رجالاً .
وفعلاً لقد كانت فترة قيادته للمنطقة الوسطى والجنوبية فترة فاعلة وشهدت العشرات من الأعمال البطولية والفدائية أهمها:
*العملية الاستشهادية للشهيد حسين أبو النصر – مفترق الشهداء.
*وعملية الاستشهادي نافذ النذر – طريق كفار داروم.
*وعملية رفح الاستشهادية للشهيدين عماد أبو رزق ومحمود أبو جاموس حيث قتلوا أربعة من الجنود الصهاينة عند اقتحام معسكر الجيش.
*والعشرات من عمليات اطلاق صواريخ قسام 1 ، 2 ، ومئات قذائف الهاون على مساحة المنطقتين الوسطى والجنوبية، والكثير من العمليات التي نحن لسنا بصدد حصرها الآن، هذا إلى جانب الترتيب الدقيق للخلايا المجاهدة العاملة.
ولقد تميز مجاهدنا القائد أبو مصعب بمشاركته الفعلية للمجاهدين في العمليات الميدانية من زرع للعبوات الناسفة الموجهة، وضرب الصواريخ وقذائف الهاون، وتسلل داخل منطقة السلك الفاصل على خط الهدنة ونجاة الله عدة مرات من الموت المحقق، وخاصة في شهر 11/2000 ، شرق مخيم البريج عند تسلله، وكذلك عند مغتصبة كفار داروم حين أراد زرع عبوة موجهة بتاريخ 12/2000 مع المجاهد الجريح خليل السكني شفاه الله ، حيث فوجئوا بمجيء دبابة للعدو اقتربت منهم وعلى بعد 10 أمتار، ولكنهم ظلوا في مكانهم ملتصقين بالأرض حتى زال الخطر وواصلوا مهمتهم ونجاهم الله عز وجل.
استشهاده/
ولكن بعد هذا السجل الحافل وهذه الجرأة والمغامرة لأبي مصعب الذي لا يهاب الموت، بل يهاجمه في مرقده، أخيراً كان له موعد مع قدر الله ليختاره شهيدًا، وفعلاً وعلى أثر مهمة جهادية استطلاعية في مكان خطر شرق مخيم المغازي، رفض إلا أن يكون هو صاحب هذه المهمة رافضًا أن يذهب أي مجاهد بدلاً منه من باب حرصه على إخوانه، وهذا الأمر كعادته على مدار سني حياته في تعامله مع إخوانه وحرصه عليهم، فبتاريخ 8 ذي الحجة 1422 هـ الموافق 20/2/2002 ذهب مع المجاهد ياسر المصدر لذلك المكان ولتلك المهمة حيث كان موعده مع الشهادة ولقاء ربه سبحانه وتعالى، حيث حاصرته الدبابات الصهيونية والطائرات ليلقى ربه مسربلاً بدمه، بعد أن رفع راية الجهاد والمقاومة والفداء أكثر من 15 عامًا ، حيث شهدت له أرض غزة وسهولها وأرض النقب بعطاءه اللامحدود، وليسجل اسمه في سجل الخالدين، فرحمك الله يا أبا مصعب، وأسكنك فسيح جنانه، وألحقنا بك على ذلك الدرب.
ى استشهاد القائد القسامى محمود مطلق عيسى قائد القسام باالمنطقة الجنوبية
كانت الابتسامة لا تكاد تفارق وجهه حتى في أصعب الظروف
الشهيد القسامي القائد / محمود مطلق عيسى " أبو مصعب "
قبل البدء في الحديث عن سيرة مجاهدنا القسامي الشهيد أبي مصعب ، لا بد من الإشارة إلى نقطتين: أولاهما؛ أن هذه الصفحات ما هي إلا مقتطفات من سيرته الجهادية، ولو أردنا الاستفاضة في الحديث عن مشواره الجهادي لاحتجنا إلى كتابة كتاب يتناول هذه المسيرة الجهادية الحافلة بالعطاء والتضحية.
والإشارة الأخرى هي أن مجاهدنا يعتبر من ضمن النخبة المختارة التي انجبتها الحركة خلال العشرين عامًا الأخيرة، ولا نبالغ في ذلك أبدًا، فساحات الوطن الحبيب، ومجاهدو وكوادر الحركة على امتداد قطاعنا الصابر يعرفون ويشهدون مدى أهمية وفاعلية أبي مصعب رحمه الله ولا نزكي على الله أحدًا.
المولد والنشأة
ولد شهيدنا القسامي محمود مطلق عيسى بتاريخ 1/11/1966م في مخيم دير البلح، فنشأ وترعرع في ذلك المخيم المطل على ساحل البحر مباشرة، ولذلك أتقن رياضة السباحة منذ نعومة أظفاره بشكل رائع، ومنذ صغره نشا في بيوت الله فتعلم فيما معاني العزة والشموخ، وبدت معاني الجَلد والشجاعة عليه وذلك من خلال علاقاته وتصرفاته، هذا إلى جانب السيرة الحسنة والأدب الجم الذي تمتع به، خاصة أنه نشأ في بيت أصله طيب ومحافظ، فبيئة المنزل المحافظ علمته معاني الالتزام والعفة والطهارة والنقاء.
ويعتبر شهيدنا الابن الأصغر لأمه، حيث له ثلاثة أشقاء يكبرونه سنًا وأختٌ أصغر منه وله سبعة اخوة وثلاث أخواتٍ لأب .
وعندما بلغ شهيدنا المرحلة الإعدادية انتقلت أسرته من مخيم دير البلح إلى معسكر البريج فأكمل المرحلة الإعدادية في معسكر البريج، حيث كان تلميذًا متفوقًا، وكذلك أنهى المرحلة الثانوية في مدرسة خالد ابن الوليد الثانوية، مما مهد له الطريق للالتحاق بالجامعة الإسلامية حيث التحق بكلية التجارة في عام 1985م، ولكن لم يتسن له التخرج بسبب تفجير الانتفاضة الأولى عام 1987م، ومن ثم اعتقاله لسنوات عديدةٍ في سجون الاحتلال الغاصب، ولكنه حاول في عام 1998م إكمال مشواره التعليمي إلا أن ظروفه الخاصة حالت دون تخرجه حتى لحظة استشهاده رحمه الله.
صفاته
لقد عُرف عن شهيدنا المغوار الكثير من الصفات والمناقب الحميدة والمميزة، فأكثر وأشهر الصفات التي تمتع بها شهيدنا هي الشجاعة اللامحدودة، ولقد كانت واضحة فيه منذ صغره، حتى انه وهو لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره وفي العطلة الصيفية عمل داخل أراضي الـ 48 مع بعض العمال عند صاحب عمل يهودي، وعند انتهاء العمل رفض اليهودي إعطاء العمال –وهو من ضمنهم- أجرهم على اعتبار أنهم صغار السن وأنه يمكن طردهم وإخافتهم، فما كان من شهيدنا إلا أن استل سكيناً وطعن ذلك اليهودي الحقير وتركه بتمرغ في دمه وغادر المكان هو ومجموعة العمال الذين كانوا في حالة ذهول من فعل أبي مصعب الذي بادر وبشكل سريع بطعن ذلك الخنزير، واعتبر أن ذلك أحسن من أخذ أجره اليومي، ولم يعرف هو بعد ذلك نهاية ذلك اليهودي .
كذلك يعتبر شهيدنا من أكثر الناس تواضعًا، وخدمة لإخوانه، فكل من عايشه في سجن النقب الصحراوي عرف مدى تواضعه لإخوانه، وخدمته لهم، حتى ان هذه الميزة كانت شعارًا يعتز به .
وأيضًا شهيدنا الحبيب كانت الابتسامة لا تكاد تفارق وجهه الطاهر إلى جانب النكتة والممازحة الخفيفة حتى في أصعب الظروف ، فلقد عُرف عنه أنه كان يتصل بإخوانه وهو في مهمة جهادية عبر الهاتف الخلوي فيطيل السؤال عن الأخ الجالس في بيته وعن أسرته وأطفاله، لدرجة أن الأخ كان يشعر كأنه في نزهة ، ولكن بعد ذلك يتبين لذلك الأخ أنه في مكان ما على الحدود أو بالقرب من مستوطنة.
وكذلك كان شهيدنا حانئاً على جميع إخوانه المجاهدين، ولقد كان يتفقد المجاهدين وأسرهم ويتحسس احتياجاتهم ، حتى انه وعبر أشهر طويلة كان يقتطع جزءًا من دخله ويعطيه لأحد إخوانه المجاهدين لقلة موارده ، فكل من عمل من إخوانه عرف مدى حنانه وعطفه عليهم.
ومن الصفات المميزة في شهيدنا البطل الرشاقة والحفة واللياقة البدنية العالية، فلقد كان رياضيًا، وهذه الصفات ساعدته في تنفيذ مهماته الجهادية منذ صغره، ولهذا قام أحد إخوانه بوصفه (بالغزال) منذ 18 عاماً ، وأصبح هذا اللقب ملازمًا له واشتهر به بين إخوانه ، وظل ملازمًا له حتى بعد زواجه، وبعد أن رزقه الله ابنه البكر "محمد" عام 1997م، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن شهيدنا يكنى "أبا مصعب" وهو لقب الشهرة منذ 19 عاماً تقريبًا، ولكن السبب المباشر الذي جعله يسمي ابنه البكر "محمد" هو انه وبعد حادثة المستوطنة اليهودية من كريات أربع عام 1997م التي وضعت اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم على خنزير، وما تبع ذلك من موجه احتجاجات جماهيرية وإعلامية مضادة، ففي أحد التجمعات الحاشدة التي دعت إليها الحركة في مدينة غزة واحتجاجًا على ذلك العمل الشنيع الذي قامت به تلك اليهودية الحقيرة، كان الأخ أبو مصعب حاضرًا ذلك الاجتماع الذي قام الدكتور عبد العزيز الرنتيسي وأثناء كلمته بالطلب من جموع المشاركين بالقسم على تسمية كل مولود قادم "محمد" نكاية في الصهيونية الحاقدة، وفعلاً بعد أيام رزقه الله ابنه البكر فسماه "محمد" تنفيذًا لذلك القسم، ولكن ظلت الكنية أبو مصعب هي الغالبة .
مشوراه الدعوي والجهادي
وسنتناول ذلك المشوار الحافل بالعطاء والعمل عبر ثلاث مراحل:
أولاً: منذ التزامه في مسجد البريج الكبير في أوائل عام 1981م وحضوره حُلق القرآن والندوات، كان مثالاً للطاعة والالتزام مما مهد له الطريق لدخول جماعة الإخوان المسلمين عام 1983م وبعد ذلك مباشرة وفي عام 1984 تم اختياره للعمل في مهمات خاصة، وفعلاً انخرط في صفوف الجهاز الأمني للحركة الذي تكون في تلك الفترة لمتابعة عملاء اليهود ورصد تحركاتهم، والذي سمي بـ "مجد" ولقد كان نشطًا في هذا المجال، وظل حتى عام 1987م يعمل فيه حيث ظهرت عليه معاني الشجاعة والإقدام والفداء، هذا إلى جانب الالتزام التام ببرنامج الحركة الدعوي والعمل الطلابي ضمن الكتلة الإسلامية في الجامعة الإسلامية.
ثانيًا: ومع اشتعال الانتفاضة الأولى عام 1987م انخرط شهيدنا في فعاليات الانتفاضة ومقاومة الاحتلال، ولقد كان مميزًا في المواجهات حتى أن كل أهالي معسكر البريج رجاله ونسائه وأطفاله كانوا يتحدثون عن بطولات أبي مصعب وهو يواجه المحتلين، حتى انه كان لا يجلس في بيته حتى في فترات منع التجوال، ولقد نجاه الله من العديد من الإصابات القاتلة من أعداء الله.
وكذلك كان ملقى على كاهله توزيع البيانات في المنطقة الوسطى، وخاصة في فترات منع التجوال نظرًا لرشاقته وسهولة تحركه، وكذلك الكتابة على الجدران، وهو مشهور بخطه الجميل.
وفي عام 1988م انخرط شهيدنا في صفوف الجهاز العسكري للحركة المسمى في ذلك الوقت "المجاهدون الفلسطينيون" والذي شكله الشيخ القائد صلاح شحادة عام 1986م، فعمل شهيدنا ضمن مجموعة عسكرية في منطقة البريج، حيث اشتهر بإلقاء العبوات الناسفة على جيش العدو، حيث كانت هذه العمليات بداية لتطوير مقاومة المحتل بعد الحجارة والزجاجات الحارقة.
ولقد نفذ مجاهدنا حوالي 8 عمليات إلقاء عبوات ناسفة، وكان أشهرها على معسكر الجيش عند مدخل البريج-النصيرات، وكذلك على جيب "سوزوكي" لرئيس الإدارة المدنية في المنطقة الوسطى عند منطقة المدارس، ولقد أظهر شهيدنا الشجاعة الفائقة في تلك الأثناء حيث كان يقوم وحده بكل هذه المهمات في ساعات منتصف الليل ، وينفذ عملياته من مسافات قريبة جدًا.
وكذلك في عام 1988م قام بحرق الحقول الزراعية اليهودية المتاخمة لمعسكر البريج من الجهة الشرقية مع إخوانه المجاهدين، حيث اعترف العدو بحرق 200 دونم من الأراضي الزراعية.
وعلى إثر انكشاف الجهاز العسكري للحركة عام 1989م، اعتقل شهيدنا بتاريخ 19/5/1989م مع إخوانه وتم الحكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات ونصف أمضاها كاملة في سجون المحتل الغاصب في سجن النقب الصحراوي، حيث الظروف الحياتية القاسية، ولكن مجاهدنا الصابر المجالد سجل صفحات رائعة في الثبات والبطولة في ذلك المكان، وللحق يعتبر عميدًا لسجن النقب حيث قام بدور مركزي ومهم مع إخوانه في تنظيم أمور الأمن، وكذلك كان له باع طويلٌ في تأسيس الجهاز الأمني في النقب الذي سهر على إخوانه وحركته، حيث أنه يعتبر من ضمن القلة التي رتبت العمل الأمني ، وتطويره في ذلك السجن الكبير، وعلى مدار فترة اعتقاله أدار وشارك في أكثر من 100 عملية تحقيق مع عملاء اليهود، حيث تم كشف العديد من الشبكات والعديد من الألغاز، فبفضل الله أولاً ثم بجهوده الطيبة تم تطوير العمل الأمني في سجن النقب، حيث كانت تجربة نافعة ومهمة للحركة، ولقد كان أبو مصعب أحد أهم رواد هذه التجربة.
ثالثًا: خرج شهيدنا من سجن العدو بتاريخ 18/11/1995م وما كاد ينتهي من استقبال مهنئيه ويبدأ التفكير في إنشاء بيت له، حتى تم اعتقاله من قبل أجهزة السلطة في شهر 1/1996م وخرج في شهر 4/1996م.
تزوج شهيدنا من إحدى الفتيات المسلمات الفاضلات بتاريخ 1/11/1996م، ورزقه الله ولدين ذكرين وبنتاً وهم "محمد" و "آمنة" و "إبراهيم" ، واستشهد وزوجه حامل في بداية فترة الحمل.
ومنذ عام 1997م حتى عام 2000م ونتيجة للضغوط الأمنية التي كانت تمارس على الحركة اقتصر دور شهيدنا على علاقات محدودة مع بعض الأخوة المطلوبين، وخاصة الأخ المجاهد "محمد الضيف" ولم يطلب منه في تلك الفترة المشاركة الكبيرة في الفعاليات الجهادية لخصوصية وضعه ولحرص المجاهدين عليه.
ولكن عند دخول انتفاضة الأقصى ونتيجة لتوسيع رقعة المواجهة مع العدو لم يقبل شهيدنا بالبقاء والاقتصار على ذلك الدور السابق فبادر شهيدنا إلى تفعيل دوره في العمل الجهادي، وفعلاً كانت مرحلة انتفاضة الأقصى منذ بدايتها محطة أخرى من لحظات الجهاد والمقاومة الفاعلة لشهيدنا المغوار، فبدأ ترتيب الأوضاع والصفوف للمجاهدين، وبدا العمل الجهادي يتنامى وتزداد وتيرته في فترة قيادته للمنطقة الوسطى والجنوبية بشكل فاعل حتى ملأ عليه حياته ووقته، وعلى أثر دوره في العملية الاستشهادية للشهيد نافذ النذر في شهر 9/2001 اعتقل مجاهدنا في مكان العملية عند مغتصبة كفار داروم من قبل السلطة وبقي في السجن قرابة الشهر، وعند الإفراج عنه علم أنه قد اصبح مكشوفًا أمام أجهزة العدو ومن هنا بدأ يتعامل مع نفسه على انه شبه مطارد، وأنه مطلوب للقوات الصهيونية ومستهدفًا من قبلها، ولهذا بدأ يشدد من دوره في العمل لأنه كان يعلم أن المجاهد عمره محدود، ويجب استغلال كل دقيقة قبل استشهاده، حتى أنه كان يتداول في بعض القضايا مع أحد إخوانه عبارة : دعونا نعيش عاماً أو عامين رجالاً .
وفعلاً لقد كانت فترة قيادته للمنطقة الوسطى والجنوبية فترة فاعلة وشهدت العشرات من الأعمال البطولية والفدائية أهمها:
*العملية الاستشهادية للشهيد حسين أبو النصر – مفترق الشهداء.
*وعملية الاستشهادي نافذ النذر – طريق كفار داروم.
*وعملية رفح الاستشهادية للشهيدين عماد أبو رزق ومحمود أبو جاموس حيث قتلوا أربعة من الجنود الصهاينة عند اقتحام معسكر الجيش.
*والعشرات من عمليات اطلاق صواريخ قسام 1 ، 2 ، ومئات قذائف الهاون على مساحة المنطقتين الوسطى والجنوبية، والكثير من العمليات التي نحن لسنا بصدد حصرها الآن، هذا إلى جانب الترتيب الدقيق للخلايا المجاهدة العاملة.
ولقد تميز مجاهدنا القائد أبو مصعب بمشاركته الفعلية للمجاهدين في العمليات الميدانية من زرع للعبوات الناسفة الموجهة، وضرب الصواريخ وقذائف الهاون، وتسلل داخل منطقة السلك الفاصل على خط الهدنة ونجاة الله عدة مرات من الموت المحقق، وخاصة في شهر 11/2000 ، شرق مخيم البريج عند تسلله، وكذلك عند مغتصبة كفار داروم حين أراد زرع عبوة موجهة بتاريخ 12/2000 مع المجاهد الجريح خليل السكني شفاه الله ، حيث فوجئوا بمجيء دبابة للعدو اقتربت منهم وعلى بعد 10 أمتار، ولكنهم ظلوا في مكانهم ملتصقين بالأرض حتى زال الخطر وواصلوا مهمتهم ونجاهم الله عز وجل.
استشهاده/
ولكن بعد هذا السجل الحافل وهذه الجرأة والمغامرة لأبي مصعب الذي لا يهاب الموت، بل يهاجمه في مرقده، أخيراً كان له موعد مع قدر الله ليختاره شهيدًا، وفعلاً وعلى أثر مهمة جهادية استطلاعية في مكان خطر شرق مخيم المغازي، رفض إلا أن يكون هو صاحب هذه المهمة رافضًا أن يذهب أي مجاهد بدلاً منه من باب حرصه على إخوانه، وهذا الأمر كعادته على مدار سني حياته في تعامله مع إخوانه وحرصه عليهم، فبتاريخ 8 ذي الحجة 1422 هـ الموافق 20/2/2002 ذهب مع المجاهد ياسر المصدر لذلك المكان ولتلك المهمة حيث كان موعده مع الشهادة ولقاء ربه سبحانه وتعالى، حيث حاصرته الدبابات الصهيونية والطائرات ليلقى ربه مسربلاً بدمه، بعد أن رفع راية الجهاد والمقاومة والفداء أكثر من 15 عامًا ، حيث شهدت له أرض غزة وسهولها وأرض النقب بعطاءه اللامحدود، وليسجل اسمه في سجل الخالدين، فرحمك الله يا أبا مصعب، وأسكنك فسيح جنانه، وألحقنا بك على ذلك الدرب.
ى استشهاد القائد القسامى محمود مطلق عيسى قائد القسام باالمنطقة الجنوبية
تعليق