د يكرم القرد إعجابا بخسته *** وقد يهان لفرط النخوة السبع
هذا البيت البديع كأنما يصف حال حماس، وكلاب الأرض من حولها، سواء تسموا باسم “فتح” أو باسم “أصحاب الجلالة والفخامة والسمو” أو “الكتاب والمفكرون والمثقفون” أو أى اسم آخر، فالعبرة بالمضامين.
وقد صرت أرى أن من إهلاك الأعصاب متابعة الكلاب والرد على نباحها، فكيف إذا كانت الكلاب مسعورة ومستأجرة؟ ومتى استطاع عاقل ذو شرف أن يقنع كلبا يرفل في القرف؟
وإن من الخطايا، ونحن في عصر الانترنت، وقد أتاح الله لكل ذي رأي أن يكتب كما يحب أن يخفف أهل الحق ألفاظهم وأوصافهم إن لم يكن لأجل الحيادية – لعنها الله في قبرها- فلأجل ألا يحسبوا على الغوغاء والرعاع والعامة، ونعم العامة التي تثور للحق
وتعرف الخائن بأنه من خان، وبئس المثقف الذي تملي عليه الكلمات حسابات أخرى.
وإنه لمن الشرف أن نكون من الغوغاء والرعاع، ولنتمثل قول الشاعر:
وكم قائل مالي رأيتك ماشيا *** فقلت من أجل أنك فارس
والحمد لله الذي لم يجعلنا فرسانا في عصر خيول السلطة والمال، وكنا بفضله من الرعاع والغوغاء والعامة، ولم أكن أعلم – والمرء كل يوم يتعلم – أن العيون قد تعمى إلى هذا الحد، وأنه قد يمكن بعد كل ما حدث أن نجد حقيرا يسوي بين فتح وحماس ويجعلهما
متعاركين على مناصب، دعك ممن يسب حماس وينتمي لفتح أو يناصرها، فهؤلاء يعيدون سيرة التي “رمتني بدائها وانسلت”.
ولم يعد في الناس – غير المثقفين – من يتابع الحدث فيسوي بين حماس وفتح إلا قبيح الجهل أو منحط النفس وعديم الشرف. وعديم الشرف معروف أمره أما قبيح الجهل فهو لا يعذر بجهله فإما أن يتعلم قبل أن يتكلم وإما أن يسكت فيحفظ نفسه من أن يحشر مع السفلة ممن خانوا الله ورسوله وأماناتهم.
من يسوي بين محمود عباس الذي اقتفى سيرة سلفه فمضي يطبع بصمات شفاهه على كل خد، ويبتسم في وجه كل أحد إلا إن كانوا من حماس، وبين من يقدمون أنفسهم وابناءهم شهداء ولا يعطون الدنية في دينهم؟
من يسوي بينهما إن لم يكن أعمى أو زنيم؟
وإذا كانت السياسة فيما مضى مغلقة ومختفية عن أبصار الناس، فلا يزالون – مهما حدث – يلتمسون الأعذار ويحسنون الظن بزعمائهم، لا سيما حيث لم يكن رأي آخر إلا رأي الزعيم هو ما يسمعه الناس. إذا كان هذا فيما مضى فقد اختفى الآن، وظهرت الوجوه على حقيقتها بل ظهرت العورات نفسها لا الوجوه فقط.
وقد نقبل ساخرين وبكثير من التجاوز أن تمثل فيفي عبده ويسرا دور داعية إلى الله في فيلم هابط، لكن لا أحد من المشاهدين جميعا يظن أن ممثلة الجنس يمكنها أن ترتقي المنابر وتخطب عن غض البصر أو العفة.
فمابال بعض المثقفين يصدقون أن أبو مازن أو سلام فياض أو باقي أولئك الكلاب وطنيون أو قد يهمهم مصلحة الوطن، وأن الخلاف مع حماس هو خلاف بين برنامجين برنامج المقاومة وبرنامج المفاوضات، كأنه خلاف في وجهات النظر أو كأنه اختيار بين النوم على الجنب الأيمن أو الأيسر.
وهل اختلف الناس من قبل بشأن عفاف ممثلة الجنس، هل دار بخلد أحد مرة أنها لا تمارس الجنس بل إن أبصارنا هي التي تتوهم أنها تفعله؟ .. فما هذا إذن الذي يحدث في عالم السياسة؟
أبو مازن ينفي أن يكون لديه معتقل سياسي واحد ، ومتى ؟ بعد أن أذاع التلفزيون الإسرائيلي نفسه جنوده البواسل وهم يعتقلون وفي رفقتهم صحفي إسرائيلي يؤكد بأنهم “يستحقون المدح” وبأنه “لم يشعر بأن لديهم حساسية من تواجده معهم وهم يعتقلون الحمساويين”.
وسلام فياض يصرح بأنه يؤيد عدم إزالة الحواجز الإسرائيلية التي تمس أمن الاحتلال.
وعصابة الجنود الذين دربهم الأمريكان على أرض عميلهم عبد الله حاكم الأردن “يعرفون من يواجهون” ولديهم “أوامر مشددة بعدم التعرض لجنود الاحتلال ولا للمستوطنين ولو دخلوا مناطق السلطة”، وهم مستعدون لاعتقال آبائهم لو صدرت إليهم الأوامر فإذا” قالوا اعتقل بنعتقل، قالوا اقتل بنقتل .. عنا (عندنا) أوامر بنفذها”.
فكيف بعدها يجرؤ واحد أن يغمز في مقاومة حماس لأنها أقرت تهدئة مع إسرائيل، إسرائيل هي من سعت إليها ومصر هي من تولت كبرها وخانت فيها عهودها فلم تفتح معبر رفح، ثم إسرائيل حريصة عليها كما يصرح باراك وغيره بينما حماس مع باقي الفصائل تتوقع ألا تقبل بتمديد التهدئة.
كيف ؟ كيف ؟ كيف ؟
وكيف نسمع من فتح نفسها من يغمز في التهدئة وفي حماس والمقاومة وهو لا عمل له إلا ضرب المقاومة وتقبيل الخدود وتلقي الصفعات؟ وهو نفسه لا وجود له ولا قيمة إلا لأنه يساعد في تصفية حماس والمقاومة ؟
وكيف بمن فرط علنا بالقدس وقبل بمبدأ تبادل الأراضي وتكلم عن “حلول خلاقة” للاجئين، وأقر بيهودية الدولة الإسرائيلية أن يغمز لأن حماس فرطت بهذا في حوار سري مع مسؤولين من سويسرا ؟
وكيف لا تهز هذه الحوادث شرف أحد فيقول الحق أو يكتب الحق؟؟
لقد ظلمنا “الناقدين الفنيين” لأنهم كانوا يبررون مشاهد العري والأحضان والقبلات باعتبارها “ضرورة فنية”، لكن الحق أن أحدا منهم لم يعدم شرفه فيعلن أنه ليس هناك بالأساس لا عري ولا أحضان ولا قبلات وإنما المشاهدين هم من لا يبصرون. ولم يعدم واحد منهم شرفه فيتحدث عن أنه تأثر بخطبة الممثل الفلاني في الفيلم الفلاني ففيها من البلاغة وغزارة العلم وقوة العاطفة ما يؤكد بأن هذا الممثل يستحق أن يكون أحد علماء الأمة وخطبائها.
ومصر، تلك التي لم تسمع نصيحة عمرو بن العاص حين أوصى بأن ” لا يُسمع لخسيسها في رئيسها” فصار خسيسها رئيسها، ومات على حدودها 260 إنسان بلاسبب، حيث أنها ملتزمة باتفاقية المعابر 2005. اتفاقية المعابر التي انتهت مدتها بل التي لو كانت سارية فعلا لكانت عذرا أقبح من ذنب. وهل حقا لا تستطيع أي دولة التحرر من اتفاقية تتسبب في موت الناس؟ هب أن مصر اتفقت على توريد كمية من سلع غذائية، ثم اكتشف أنها مسممة مات بسببها 260 إنسان، في أي شرع بل في أي عقل لا تستطيع مصر إنهاء الاتفاقية بل ورفع قضية على الطرف الآخر؟ فكيف إذا كانت مصر ليست طرفا في اتفاقية المعابر أصلا؟
أي هم هذا الذي تواجهه حماس؟
إن الثقة في حماس أكبر من أي شئ، لكن مكانتها وأسطورتها لن تخدش ولو انهارت حماس، فأحيانا تكون المواقف أكبر من الرجال حقا، وهذه هي الفتن التي تدع الحليم حيرانا.
وبعد شهور ستنتهي الولاية القانونية لهذا المدعو محمود عباس، هو لن يشعر بحرج لأنه فقد الإحساس منذ زمن، وكيف لخائن فاقد الولاء أن يحس بحرج أو بخجل؟ وستكون أياما صعبة على حماس فهي وحدها في الميدان.
ثم سيأتي عام وتنتهي ولاية المجلس التشريعي، وساعتها لن يخاطر أحد بالسماح لحماس بالدخول للانتخابات، بعد أن صارت إزعاجا لا يطاق. والله أعلم كيف ستسير الأمور التي يبدو أنها تتعقد أكثر.
دعونا نطرح احتمالا خياليا: ماذا لو حاولت حماس تعزيز إمكاناتها فوضعت نفسها في الجيب الإيراني حقيقة بعدما طردتها جيوب العالم العربي، فصارت ذراعا إيرانية أخرى في فلسطين شبيهة لحزب الله في لبنان، إيران تشتاق لهذا بطبيعة الحال وتتمنى أن تكون لها يد في الشأن الفلسطيني فتكون ورقة قوة أخرى ضمن أوراق قوتها في المنطقة بعد العراق ولبنان.
من يلوم حماس إن فعلتها ؟ من ..؟؟
وإذا خرج في العالم العربي من يهتف ضدها “شيعة .. شيعة” ، فإنه سيكون مضطرا لأن يجيب: مالذي فعله لها يوم أن كانت “سنة .. سنة” ؟
ليس لك إلا الله ياحماس .. وحيدة أنت في الساحة مامعك إلا شعوب مستضعفة لاتملك إلا أن تحزن وتتحسر وفقط، وذلك العباس ومعه كلاب رام الله تنهال عليهم المساعدات والأموال، أما أنت فلم يتركوا لك حتى الأنفاق تدخلين منها حليب الأطفال.
حقا ..
قد يكرم القرد إعجابا بخسته *** وقد يهان لفرط النخوة السبع
تعليق