لا شك أنه لا جماعة إلا بطاعة وإمام كما قال سبحانه وتعالى:
{إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله، وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه}
(النور:62).
والمعنى أنه لا يجوز لمسلم إذا كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر جامع كالجهاد
مثلاً فإنه لا يجوز له أن يترك الرسول صلى الله عليه وسلم وموقفه في الجيش إلا بعد استئذان الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأما إذا تسلل وانفلت دون إذن فإن هذا خروج من الطاعة، ومدعاة لسخط الله وعقابه،
كما قال تعالى:
{قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو عذاب أليم}
(النور:63).
ومعنى {يتسللون لواذاً} أي مختفين عائذين بشجرة أو جدار أو نحو ذلك مختبئين خلفه،
وها نحن نرى أن الله قد حذر من يخالف أمر الرسول، وهددهم بالفتنة أو العذاب الأليم والأمر هنا أمره العملي الجهادي (الحركي)
ولا شك أن العبرة أيضاً بعموم اللفظ. والمعنى (أوامره)
ولكن سبب النزول داخل حتماً في العموم بل هو أول داخل فيه لأنه الذي من أجله جاء النص.
والخلاصة أن الإسلام نظام جماعي يقوم على الجماعة في كل شيء تقريباً في الحياة العامة
والأركان: الصلاة والصيام والزكاة والحج، وكذلك الجهاد، والسفر والناحية والبلد
بل وفي كل شأن كما اتخذ الخلفاء لكل شيء أميراً كالسوق والصناعات ونحو ذلك.
فالأمر لا يحتاج إلى كل هذا النظر والتفكير بل هو من بداهة العقول فلا يوجد نص واحد يحرم إقامة جماعة ونظام
بل الإسلام كله كما أسلفنا، يقوم على النظام بدءاً بالإمام العام ووجوب أن يصدر المؤمنون جميعاً عن رأي ومشورة وقرار من إمام مطاع؛
ومروراً بالصلاة التي تجب لها الجماعة والطاعة والنظام، والصوم الواجب الذي يجب أن يكون نظاماً جماعياً يحدد فيه البدء والنهاية للجميع.
والزكاة التي لا يجوز أن يؤديها الفرد دون نظام وجماعة وإحصاء، ومتابعة.
والحج الذي يجب أن يكون له إمام، يحدد أيامه، ويصدر الناس عن رأيه ومشورته.
والجهاد الذي لا يقوم إلا بأمير وقائد ونظام وخطة
ولا يعرف دين ونظام في الأرض قديماً وحديثاً يوجب على أتباعه ألا يسافر ثلاثة منهم إلا وقد أمروا أحدهم،
وألا يسكن ثلاثة منهم في ناحية إلا وقد اتفقوا فيما بينهم على الجماعة والنظام والطاعة..
لا أعرف ديناً في الأرض كلها ولا نظاماً في العالم أجمع يأمر أتباعه بذلك
فكيف يقول بعد هذا كله ويفتي من يفتي وهو يرى أحوال المسلمين المزرية، ودينهم المضيع وقرآنهم التي هجرت أحكامه،
وسنة نبيهم المهانة في كل مكان، واستضعاف رجالهم ونسائهم وولدانهم، وركوب أعدائهم عليهم من كل جانب..
وكل هذه الأمور لا يمكن إصلاح شيء منها، ولا القيام بفرض من فروضها وواجب من واجباتها إلا بتكاتف وتآزر وتشاور، وتعاون،
وجماعات منظمة عاملة دائمة يسلم فيها السابق الأمانة للاحق.. ويتواصل فيها العمل والمدد حتى تنزاح الغمة ويذهب الكرب..
أحبتي في الله،،
لا تنسوني من صالح دعائكم
أخوكم في الله
صوت من القدس
تعليق